المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثالث ومن فوائد هذه القصة انه يتعين على الانسان ان يعدل بين اولاده وينبغي له اذا كان يحب احدهم اكثر من غيره ان يخفي ذلك مهما امكن. والا يفضله بما يقتضيه الحب من ايثار بشيء من الاشياء. فانه اقرب الى صلاح الاولاد وبرهم به واتفاقهم فيما بينهم. ولهذا لما ظهر لاخوة يوسف من محبة يعقوب الشديدة يوسف وعدم صبره عنه وانشغاله به عنهم سعوا في امر وخين وهو التفريق بينه وبين ابيه. فقالوا ليوسف احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين. اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا. يخلو لكم وجه ابيكم وتكون من بعده قوما صالحين. وهذا صريح جدا ان السبب الذي حملهم على ما فعلوا بيوسف من التفريق بينه وبين ابيه هو تمييزه بالمحبة. خلاف ما ذكر كثير من المفسرين ان يوسف اخبرهم برؤياه فحسدوه لذلك. فانه مناف للاية الكريمة وسوء ظن بيوسف حيث استكتمه ابوه فقال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. فيوسف واعقلوا من ان يخبرهم بها. ولكن كثيرا من الاسرائيليات تروج على كثير من الناس. مع ان اقل تأمل في النصوص شرعية يعلمهم ببطلانها. والمقصود ان الذي حمل اخوة يوسف على ما فعلوه وتمييز يعقوب ليوسف. ومع هذا فلا يحل هذا الامر الشنيع وهم يعلمون انه لا يحل لهم ولكنهم قالوا افعلوا هذا الجرم العظيم وتوبوا الى الله بعده. فلهذا قالوا تكونوا من بعده قوما صالحين. وهذا لا يحل ان يواقع العبد الذنب باي حالة يكون. ولو اضمر انه سيتوب منه فالذنب يجب اجتنابه فاذا وقع وجبت التوبة منه. ولعل من حكمة الله ورحمته بيعقوب ما قدره عليه من الفرقة التي احدثت له من الحزن والمصيبة ما احدثت رفعة لمقاماته في الدنيا والاخرة. وليكون للنعمة عند حصول الاجتماع لها الموقع الاكبر والشكر الكثير والثناء على الله بها. وليصل ولده يوسف الى ما وصل اليه من المقامات الجليلة عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون لمون ومن فوائدها الحث على التحرز مما يخشى ضرره. لقوله يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا وما فيها من التأكيد عليهم في حفظه حين ارسله معهم. ثم عند ارسال اخيه بنيامين بعد ذلك اخذ عهودهم ومواثيقهم هم على ذلك فالانسان مأمور بالاحتراز فان نفع فذاك. والا لم يلم العبد نفسه. ومنها ان من الحزم اذا اراد العبد وفعلا من الافعال ان ينظر اليه من جميع نواحيه. ويقدر كل احتمال ممكن. وان الاحتراز بسوء الظن لا يضر اذا لم يحقق بل يحترز من كل احتمال يخشى ضرره. ولو تضمن سوء الظن بالغير اذا كانت القرائن تدل عليه وتقتضيه كما في هذه الاية. وكما قويت القرائن في قوله هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل فانه سبق لهم في اخيه ما سبق. فلا يلام يعقوب اذا ظن بهم هذا الظن. وان كانوا في الاخ الاخير لم يجر منهم تفريط ولا تعد ومنها الحذر من الذنوب التي يترتب عليها ذنوب اخر. ويتسلسل شرها كما فعل اخوة يوسف بيوسف فان نفس فعلهم فيه عدة جرائم في حق الله وفي حق والديه وقرابته. وفي حق يوسف ثم يتسلسل كذبهم كلما جرى ذكر يوسف وقضيته اخبروا بهذا الكذب الفظيع. ولهذا حين تابوا وخضعوا وطلبوا من ابيهم السماح. قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض. فحين اتفقوا على التفريق بين يوسف وابيه ورأى اكثرهم ان القتل يحصل به الابعاد الابدي. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف. والقوه في طيابة الجب يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين. فخفف به الشر عنهم. ولهذا لما وردت سيارة الماء وادلى واردهم دلوة تبشر بوجوده وقال هذا غلام. وكانت اخوته حوله فقالوا انه غلام ابق منا وتبايعوه معهم وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين انما قصدهم ابعاده والتأكيد على مشتريه منهم صورة ان يحتفظ به لئلا يهرب. ومن لطف الله ان الذي اخذه وباعه وفي مصر على عزيزها. فحين رآه رغب فيه جدا واحبه. وقال لامرأته اكرمي مثواه عسى ان ينفعنا او نه اتخذه ولدا. فبقي مكرما عندهم معفا من الاعمال الشاقة وغيرها. متجردا للخير. وهذا من اللطف بيوسف هذا قال وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه من تأويل الاحاديث. فكان تفرغه عند العزيز دي من اسباب تعلمه للعلوم النافعة. ليكون اساسا لما بعده من الرفعة في الدنيا والاخرة. كما ان رؤياه مقدمة اللطف وكما ان الله اوحى اليه حين القاه اخوته في الجب لتنبأنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون. وهذه تارة له بالنجاة مما هو فيه. وانه سيصل الى ان ينبئهم بامرهم وهم لا يشعرون. وقد وقع ذلك في قوله هل علمت ما فعلتم بيوسف واخيه اذ انتم جاهلون. الى اخر الايات والطاف المولى لا تخطر على البال. ومنها ان عبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية. وذلك لان اخوة يوسف جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم. لكن في اخر امرهم ونهايته تابوا الى الله وطلبوا السماح من اخيهم يوسف ومن والديهم الاستغفار فحصل لهم السماح التام والعفو الكامل فعفا الله عنهم واوصلهم الى الكمال اللائق بهم. قيل ان الله جعلهم انبياء. كما قاله غير واحد من المفسرين في تفسير الاسباط انهم اخوة يوسف الاثنى عشر. وقيل بل كانوا قوما صالحين كما قاله اخرون. وهو الظاهر لان المراد بالاسباط قبائل بني اسرائيل. وهذا اسم لعموم القبيلة لا لاولاد يعقوب الاثنى عشر منهم. فهم اباء باء الاسباط وهم من الاسباط. ولهذا في رؤيا يوسف رأهم بمنزلة الكواكب في اشراقها وعلوها. وهذه صفة اهل بالعلم والايمان والله اعلم. ولهذا تفسر رؤيا الشمس والقمر والكواكب بالعلماء والصالحين. وقد تفسر بالملوك والمناسبة ظاهرة ومنها تكميل يوسف صلوات الله عليه لمراتب الصبر. الصبر الاضطراري وهو صبر على اذية اخوته وما ترتب عليها من بعده عن ابويه وصبره في السجن بضع سنين. والصبر الاختياري. هو صبر على مراودة سيدته امرأتي العزيز مع وجود الدواعي القوية من جمالها وعلو منصبها وكونها هي التي راودته عن نفسه وغلقت الابواب. وهو في غاية ريعان الشباب وليس عنده من قرابته ومعارفه الاصليين احد. ومع هذه الامور ومع قوة الشهوة منعه الايمان الصادق والاخلاص الكامل من مواقعة المحظور. وهذا هو المراد بقوله لولا ان رأى برهان ربه فهو برهان ايمان الذي يغلب جميع القوى النفسية. فكان هو مقدم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. وهو ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله. ثم بعد ذلك راودته المرأة وراودته واستعانت بالنسوة اللاتي قطعن ايديهن. فلم تحدثه نفسه ولم يزل الايمان ملازما في احواله. حتى قال بعدما توعدته بقولها ولئن لم يفعل ما امره ليسجنن وليكونن من الصاغرين. قال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه فاختار السجن على مواقعة المحظور ومع ذلك فلم يتكل على نفسه بل استغاث بربه ان يصرف فعنه شرهن فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم. وكما انه كمل مراتب الصبر فقد كمل مراتب العدل والاحسان للرعية حين تولى خزائن البلاد المصرية وكمل مراتب العفو والكرم. حين قال له اخوته تالله لقد اثرك الله علينا وان كنا لخاطئين. قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين. فارتقى صلى الله عليه وسلم الى اعلى مقامات الفضل والخير والصدق والكمال ونشر الله له الثنائين الكاملين في العالمين