المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل الراسخ في العلم الذي مدحه الله هو المتمكن في العلم النافع المزكي للقلوب ولهذا وصف الله الراسخين في العلم بانهم يؤمنون بمحكم الايات ومتشابهها. ويردون المتشابه المحتمل للمحكم الصريح فيؤمنون بهما جميعا وينزلون النصوص الشرعية منازلها ويعلمون انها كلها من عند الله وانها كلها حق واذا ورد عليهم منها مظاهره التعارض اتهموا افكارهم وعلموا انها حق لا يتناقض. لانه كله من عند الله. ولو كان من عند غير الله فيه اختلافا كثيرا. وهم دائما يتضرعون الى ربهم في صلاح قلوبهم واستقامتهم. وعدم زيغها ويعرفون نعمة الله عليهم بعظيم هدايته وتمام البصيرة التي من الله بها عليهم. ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها انهم يدورون مع الحق اينما كان. ويطلبون الحقائق حيثما كانت ولهذا وصف الله الراسخين من اهل الكتاب بانهم يؤمنون بما انزل الله على جميع انبيائه ولا يحملهم الهوى على تكذيب بعض الانبياء وبعض الحق. فقال تعالى لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك توطين النفس على عدم الانقياد للحق لا ينفع معه تذكير ولا وعظ قال تعالى نحن اعلم بما يستمعون به اذ يستمعون اليك واذ هم نجوا اذ يقول الظالمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا ولهذا يذكر الله المعنى في سياق الاخبار عن عدم ايمان الكفار وانقيادهم اذا وصل الانسان الى هذه الحالة فكما قال تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم ويذكر تعالى ان الذي ينتفع بالتذكير هو الذي يطلب الحق والانصاف فهذا اذا تبين له الحق انقاد اليه. والله اعلم لما قتل من قتل من الصحابة شهداء في سبيل الله انزل الله على المسلمين بلغوا اخواننا ان قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه فتلوها مدة فانزل الله بدلها ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين وفي هذا حكمة ظاهرة فانه مناسب غاية المناسبة. ان يخبر الله عنهم اخوانهم واصحابهم واحبابهم بخصوصهم يفرحوا وتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم ويقدموا على الجهاد فلما حصل هذا المقصود وكان هذا الحكم ثابتا في من قتل في سبيل الله الى يوم القيامة وكان من بلاغة القرآن وعظمته ان يخبر بالامور الكلية ويذكر الاصول الجامعة انزل الله هذه الايات العامات المحكمات حكمة بالغة ونعمة من الله على عباده سابغة ونظير هذا انه كان مما يتلى الشيخ والشيخة اذا زنيا ترجموهما البتة الى اخره فنسخ لفظها وجعل الشارع الراجم بوصفه بالاحصان لانه هو الصفة الموجبة لا وصف الشيخوخة. ولكن في ذكر الشيخ والشيخة من بيان شناعة هذه الفاحشة ممن وصل الى هذه الحال وقبحها ورذالتها ما يوطن قلوب المؤمنين في ذلك الوقت الذي كانت القلوب يصعب عليها هذا الحكم على الزنا. الذي كانوا الفين له في الجاهلية فلم يفجأهم بحكم الرجم دفعة واحدة بل حكم به على الشيخ والشيخة الذين ماتت شهوتهما. ولم يبق لهما ارادة حاملة عليه الا خبث الطبع وسوء النية فلما توطمت نفوسهم على قبحه شرع لهم الحكم العام والله اعلم قوله تعالى يوم يأتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها. فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بطلوع شمس من مغربها. فالاحاديث الصحيحة دلت على ان اول الايات طلوع الشمس من مغربها والاية دلت على ان اي اية من ايات الله التي هي مقدمات الساعة وبها يكون الايمان اضطراريا فانه لا ينفع الايمان لانه انما ينفع ايمان الاختيار وايمان الغيب. واذا اتى بعض الايات صار الايمان بشهادة واضطرار فلا ينفع. فالاية دلت على التعليل والاحاديث دلت على الاولية والله الله اعلم قوله تعالى من بعد وصيتي يوصي بها او دين. والاية الاخرى من بعد وصية بها او دين. والاخرى من بعد وصية يوصين بها او دين فاتفقت على اطلاق الدين وتقييد الوصية بحصول الايصال بها. وهذا يدل على ان الدين مقدم على حقوق وبالورثة وغيرهم مطلقا. سواء وصى المدين بقضائه او لم يوص. وسواء كان دينا لله او للادمين دميين سواء كان به وثيقة ام لا. واما الوصية فشرط الله في ثبوتها ان يوجد الايصال بها. فان لم يوصي الميت لم يجب على الورثة شيء من التركة لغير الدين ولابد من تحقيق الايصال فلو وجد منه قول في حال عدم شعور وعلم بما اوصى به لم يتحقق انه اوصى ودلت الايات على ثبوت الوصية التي يوصي فيها الميت وقيدتها السنة بانها الثلث فاقل لغير وارث بل ان ايات المواريث فتقدير انصباء الورثة مع قوله في اخرها تلك حدود الله الى قوله ومن يعص الله ورسوله ويتعجب ده حدوده يدخله نارا خالدا فيها يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. تدل على ان الوصية لوارث من باب تعدي الحدود لا يمنع الله تعالى عبده شيئا الا فتح له بابا انفع له منه واسهل واولى قال تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا. وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما فمنع الله من تمني ما فضل الله به بعض العبيد على بعض واخبر ان كل عامل من الرجال والنساء له نصيب وحظ من كسبه فحض الصنفين على الاجتهاد في الكسب النافع ونهاهم عن التمني الذي ليس بنافع وفتح لهم ابواب الفضل والاحسان ودعاهم الى سؤال ذلك بلسان الحال ولسان المقال واخبرهم بكمال علمه وحكمته وان من ذلك انه لا ينال ما عنده الا بطاعته. ولا تنال المطالب العالية الا بالسعي والاجتهاد. والله الموفق لكل خير قوله تعالى ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى تضمنت التزهيد في الدنيا وان غدارتها وحسنها الذي متع به المترفين ليس لكرامتهم عليه وانما ذلك للابتلاء والاختبار لينظر ايهم احسن عملا وايهم اكمل عقلا. فان العاقل هو الذي يؤثر النفيس الباقي على الدني يلثاني. ولهذا قال ورزق ربك خير اي الذي اعده للطائعين الذين لم يذهبوا مع اهل الاتراك في اترافهم ولم يغرهم رونق الدنيا وبهجتها الزائلة بل نظروا الى باطن ذلك حين نظر الجهال الى ظاهرها وعرفوا المقصود ومقدار التفاوت ودرجات الامور. فرزق الله لهؤلاء خير وابقى اي اكمل من كل صنف من اصناف الكمال وهو مع ذلك باق لا يزول واما ما متع به اهل الدنيا فزهرة الحياة الدنيا تمر سريعا وتذهب جميعا ولهذا نهى الله رسوله ان يمد عينيه الى ما متع به هؤلاء ومد العين هو التطلع والتشرف لذلك. لا مجرد نظر العين وانما هو نظر القلب. ولهذا لم يقل ولا تنظر عيناك الى ما متعنا به ازواجا فمد العين متضمن لاستحسان القلب وتطلعه الى ذلك ومثل قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا فهذه الاية بينت المراد من تلك الاية. وهو نظر العين المقرون بارادة زينة الحياة الدنيا ونظير ذلك قوله تعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. فنبهه الله تعالى على الاغتباط بما اتاه الله من المتاع والقرآن العظيم وامتن عليه بذلك وانه الخير والفضل والرحمة التي يحق الفرح والسرور به فان ذلك خير مما يجمع اهل الدنيا ويتمتعون به وانما الذي ينظرون ويغبطون هم المؤمنون الذين لم يغتروا بما اغتر به المعرضون. فلهذا قال واخفض للمؤمنين عن ذكر الامر بذبح البقرة فيها قصة موسى مع بني اسرائيل لان السياق سياق ذم لبني اسرائيل وتعداد ما جرى لهم مما يقرر ذلك. فلو قدم ذكر القتيل على الامر بذبح البقرة لصارت قصة واحدة قضية داخل بعضها في ضمن بعض ففصل هذا من هذا يتبين ذمهم وسوء فعالهم في القضيتين ولهذا اتى في ابتداء كل منهما باذ الدال التي على تذكر تلك الحال وتصورها. فقال واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة ثم قال واذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها وليرتب عليه ايضا ما ذكر بعده من قوله فقل نضربوه ببعضها. الى اخر الايات. والله اعلم قارب هذا ما ذكر الله في قصة مريم. حين اثنى عليها بالنعم الظاهرة والباطنة هي ووالدتها. فذكر حالها وكمالها اولا. وان الله جعلها في كفالة زكريا. لتتربى تربية حسنة تتأدب وتتعلم وذكر اجتهادها في ملازمة محرابها واستجابة دعاء امها. وانه تقبلها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا قبل ذكر اختصام بني اسرائيل فيها واقتراعهم عليها لينبه تعالى ان هذا فمقصود وهذا مقصود. وان لها مدحا وكمالا في حال اختصامهم عليها ومدحا وكمالا في حال نشأتها وعبادتها وتيسير الله لها امورها. ومن فوائد ذلك ان تقديم الغايات سوى المقاصد والنهايات اهم من تقديم الوسائل. فالاختصاص من باب الوسائل وما ذكر قبله من باب المقاصد. والله اعلم واحكم ذكر الله تعالى مرقع للخلل متمم لما فيه نقص ودليله قوله تعالى بعدما ذكر صلاة الخوف وما فيها من عدم الطمأنينة ونحوها قال فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم اي لينجبر نقصكم وتتم فضائلكم. ويشبه هذا ان الكمال هو الاستثناء في قول العبد اني فاعل ذلك غدا فيقول ان شاء الله فاذا نسي فقد قال تعالى واذكر ربك اذا نسيت. وهذا اعم من كونه يستثني بل ليذكروا الله تعالى تكميلا لما فاته من الكمال. والله اعلم. فعلى هذا المعنى ينبغي لمن فعل عبادة على كوجه فيه قصور او خلل بما امر به على وجه النسيان ان يتدارك ذلك بذكر الله تعالى ليزول قصوره ويرتفع خلله. احتجاج الفقهاء على انه لا يجب على الزوج ان يطأ زوجته الا في كل ثلث سنة مرة بقوله تعالى للذين يؤلون من نسائك تربص اربعة اشهر فيه نظر انما فيها الدلالة على ان للمؤذي خاصة هذه المدة لاجل ايلائه. واما غير المؤل فمفهومها يدل على خلاف ذلك انه ليس له اربعة اشهر انما عليه ذلك بالمعروف. لانه من اعظم المعاشرة الداخلة في قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف فمن ال زوجها منها فله اربعة اشهر لا تملك المطالبة الا ان يتبين ان قصده الضرار فيمنع من ذلك