المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ينبغي لمن طمحت نفسه لما لا قدرة له عليه او غير ممكن في حقه وحزنت لعدم حصوله ان يسليها بما انعم الله به عليه مما حصل له من الخير الالهي الذي لم يحصل لغيره. ولهذا لما طمحت نفس موسى عليه سلام الى رؤية الله تعالى وطلب ذلك من الله فاعلمه الله ان ذلك غير حاصل له في الدنيا وغير ممكن فلاه بما اتاه. فقال يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي. فخذ ما اتيت وكن من الشاكرين. وكذلك نبه الله رسوله وعباده المؤمنين على هذا المعنى بقوله او جاءوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم. ولو شاء الله لسلطهم عليكم قاتلوكم فان النظر الى هذه الحالة وهو كف ايديهم عن المؤمنين ومسالمتهم بالنسبة الى الحالة الاخرى وهي هي ان لو شاء الله لسلطهم على المؤمنين فقاتلوهم مما يهون بها الامر. فهم وان لم يكونوا معاونين للمؤمنين فكذلك ذلك لم يكونوا معاونين عليهم اعداءهم. ومما يشبه هذا ان العبد مأمور ان ينظر الى من دونه في المال والجاه العافية ونحوها. لا الى من فوقه فانه اجدر الا يزدري نعمة الله عليه. وكذلك اذا ابتلي ببلية فليحمد بالله ان لم تكن اعظم من ذلك. وليشكر الله ان كانت في بدنه او ماله لا في دينه وصاحب هذه الحال مطمئن القلب مستريح النفس صبور شكور. الاتيان بقوله يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم قم حتى تستأنسوا احسن من قوله تستأذنوا لان تستأنسوا تتضمن الاستئذان وزيادة التعليل ان الحكمة التي شرع الله الاستئذان لاجلها هي حصول الاستئناس من عدم الوحشة. ويدل ذلك ايضا على انه يحصل اذن والاستئذان بكل ما يدل عليه عادة وعرفا. لكن قد يقال ان الاستئذان ايضا يدخل فيه الاستئذان اللفظي والعرفي والله اعلم الاتيان باللفظ العام في قوله ولا يأتلأولي الفضل منكم والسعة اي يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا مع انها نزلت في شأن ابي بكر الصديق رضي الله عنه حين تألى الا ينفق وعلى مسطح حين شايع اهل الافك مما يحقق ان القرآن العظيم نزل هداية عامة. وانه يتناول من لم ينزل عليهم من الامة ومن نزلت وهم موجودون. ومن كان له سبب بنزولها وغيره. وهكذا يقال في جميع الايات التي نزلت في قضايا جزئية خاصة ولفظها يتناول القضايا الكلية العامة. وبهذا ونحوه تعرف ان معرفة اسباب نزول الايات. وان كان نافعا فغيره انفع واهم منه. فتدبر الالفاظ العامة والخاصة. والتأمل في سياق الكلام والاهتمام بمعرفة مراد الله بكلامه وتنزيله على الامور كلها هو الامر الاهم. وهو المقصود وهو الذي تعبد الله العباد به وهو الذي يحصل به العلم والايمان. ومما يدل على ان معرفة اسباب النزول ليست كمعرفة معنى ما اراد الله كلامه انه لا تتوقف معرفة معاني القرآن على معرفتها. ولذلك تجد المفسرين يذكرون في اسباب النزول اقوالا كثيرة مختلفة لا يهتدي الانسان الى معرفة الصحيح منها في الغالب. وكذلك المعتنون بهذا تضعف معرفتهم بتفسير القرآن كما ينبغي. ولست اقول ان الاعتناء باسباب النزول ليس بنافع. بل هو نافع. فقد يتوقف فهم كمال المعنى عليه وانما قولي ان الاعتناء بتدبر الالفاظ والمقاصد هو الاهم. ومع ذلك فاذا عرض للانسان سبب ونزول بعض الايات ببعض الواقعات فلا يذهب وهمه اليه وحده. فليكون مرجعه الى ذلك الاصل الكبير فيعرف ان القضية الجزئية التي نزلت الاية فيها بعض المعنى وفرد من افراده. فالمعنى قاعدة كلية يدخل فيها افراد كثيرة. ومن جملة تلك الافراد تلك الصورة. والله المستعان في جميع الامور. المرجو لتسهيل كل صعب والاعانة على كل شديد. ما يجري على الاخيار يحصل لهم فيه النفع خصوصا. ولغيرهم عموما. وهذا من بركة لاهي لهم وبركته فيهم. ومن نصحهم للخلق. ولهذا لما رأى سليمان عليه الصلاة والسلام عرش ملكة سبأ مستقرا عنده قد احضر في اسرع وقت قال هذا من فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه. ومن كفر فان ربي غني كريم. الا ترى كيف اعترف بفضل الله وشكر الله على ذلك واقر لله تعالى بالحكمة. واخبر عن كرم الله وسعة غناه. وكان في ضمن كلامه هذا للعباد على هذه الامور. ولهذا اتى باللفظ العام. ومن شكر ومن كفر. واذا تأملت جميع القضايا التي لتجري على الانبياء واتباعهم وورثتهم وجدتها بهذه الحالة ينتفعون بها وينفع الله بها الخلق بسببهم فنسأل الله تعالى ان يبارك لنا فيما اعطانا من نعم الدين والدنيا. فان بركة الله لا نهاية لها. وجوده له لا حد له والقليل اذا بارك الله فيه صار كثيرا. ولا قليل في نعم ربنا فله الحمد والشكر بجميع انواعهما حمدا على ما له من انواع الكمالات وشكرا على ما اسدى الى الخلق من الافضلات والهبات القلب واللسان والجوارح كثيرا طيبا مباركا فيه ابطال قول الخصم قد يكون بابطال الدليل الذي استدل به. او بابطال دلالته على مطلوبه. وقد يكون بابطال نفس قالت التي ينصرها وافسادها. وقد يكون باثبات نقيض ما قاله الخصم قولا ودليلا. لان النقيضين متى صح احدهما هما بطل الاخر فقد اجتمعت هذه الامور في قول يوسف عليه السلام محتجا على صحة التوحيد وابطال الشرك يا صاحبي السجن. اارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان. ان الحكم الا لله. امر الا تعبدوا الا اياه. ذلك كالدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون فابطل الشرك وصور قبحه عقلا ونقلا وان ما يدعى من دون الله الهة متفرقة. كل فريق يزعم صحة قوله قال الاخر والحال انه لا فرق بينهما وان المشرك فيه شركاء متشاكسون. وان هذه المعبودات من دون لا هي ليس فيها شيء من خصائص الالهية. فليس فيها كمال يوجب ان تعبد لاجله. ولا فعال بحيث تنفع تضرك تخاف وترجى وانما هي اسماء لا حقائق لها. ومع ذلك ما انزل الله بها من سلطان على عبادته فليس في جميع الحجج الصحيحة ما يدل على صحة عبادتها. بل اتفقت الحجج والبراهين كلها على ابطالها اه وفسادها وعلى اثبات العبادة الخالصة لله الواحد. الذي تفرد بالوحدانية والكمال المطلق من جميع الوجوه الذي ليس له شبيه ولا نظير ولا مقارب. وهو القهار لكل شيء. فكل شيء تحت قهر الله وناصيته بيد الله. فالواحد القهار هو الذي يستحق الحب والخضوع والانكسار لعظمته. والذل لكبريائه. قال فتعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. هذه الاية جمعت كل علم صحيح. وذلك ان العلم اما مسائل دي له نافعة واما دلائل مصيبة فانفع المسائل المشتملة على الحق. وهو الصدق والعدل والقسط والاستقامة ظاهرا وباطنا اهدى الدلائل وارشادها ما هدى السبيل الموصل الى المطالب العالية والمراتب السامية. فالكتاب والسنة كفيلان بهذين الامرين على اكمل الوجوه واتمها وابينها وما سوى ذلك فهو باطل وضلال. فماذا بعد الحق الا الضلال وما بعد الهداية الى السبيل المستقيم. الا الهداية الى سبيل الجحيم ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا ان قلت ان الله اخبر في غير موضع انه لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الفاسقين والقوم الكافرين والمجرمين ونحوهم. والواقع انه هدى كثيرا من الظالمين والفاسقين والقوم الكافرين والمجرمين مع ان قوله صدق وحق لا يخالفه الواقع ابدا. فالجواب ان الذي اخبر انه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة وكلمة العذاب. فانها اذا حقت وتحققت وثبتت وجبت فان هذا لا يتغير ولا يتبدل. قال تعالى وكذلك حق كلمة ربك على الذين كفروا انهم اصحاب ابو النار وقوله كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. وكقوله ان ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب ابا الاليم وغير ذلك من الايات الدالات على هذا المعنى. وهؤلاء هم الذين اقتضت حكمة الله تعالى انه لا اهديهم لكونهم لا يصلحون للهداية ولا تليق بهم فلو علم فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون وهم الذين مرضوا على اسباب الشقاء ورضوها واختاروها على الهدى. واما من سبقت لهم من الله الحسنى فان الله الله تعالى يهديهم ولو جرى منهم ما جرى فانه تعالى هدى كثيرا من ائمة الكفر المحاربين له ولرسوله وكتبه فصاروا من المهتدين. والله عليم حكيم. فالذين اخبر عنهم انه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة والذين هداهم هم الذين سبقت لهم منه الحسنى. فصار النفي واقعا على شيء ووقوع الهداية واقعا على شيء اخر. فلم يحصل تناقض ولله الحمد. سعي الانسان في دفع اسباب التهمة سيئة عن نفسه والعار والفضيحة ليس بعار بل ذلك من سماء الاخيار. ولهذا لم يجب يوسف عليه الصلاة والسلام مداعية حين دعاه الى الخروج من السجن. والحضور عند الملك حتى يتحقق الناس براءة ما قيل فيه. فلما جاءه الرسول قال ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن لما كان التوكل به حياة الاعمال والاقوال وجميع الاحوال وبه كمالها. قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت فامر بالتوكل والاعتماد على الحي كامل الحياة. فاذا حقق العبد التوكل على الحي الذي لا يموت احيا الله اموره كلها وكملها واتمها وهذا من المناسبات الحسنة التي ينتفع العبد باستحضارها وثبوتها في قلبه به. فنسأل الله تعالى ان يرزقنا توكلا يحيي به قلوبنا واقوالنا وافعالنا وديننا ودنيانا. ولا يكلنا الى انفسنا ولا الى غيره طرفة عين ولا اقل من ذلك انه جواد كريم قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. اشتملت على فوائد عديدة. الاولى والثانية ان القرآن كلام الله غير مخلوق. وان الله تعالى علي على خلقه وهذا مأخوذ من قوله نزلنا الذكر فانه نزل به جبريل من الله العزيز العليم. فكونه نازلا من عند الله يدل على علو الله. وكونه ايضا من عنده يدل على انه كلام الله فان الكلام صفة للمتكلم ونعت من نعوته. الثالثة عظمة القرآن ورفعة قدره وعلو شأنه. حيث اخبر تعالى في هذه الاية بما اخبر انه الذي تولى انزاله وحفظه. ولم يكل ذلك الى احد من خلقه. الرابعة ان القرآن مشتمل على كل ما يحتاج العباد اليه من امور الدنيا وامور الدين ومن الاحوال الظاهرة والباطنة فان معنى الذكر انه متضمن لتذكير العباد وتنبيههم لكل ما يحتاجون اليه تتعلق به منافعهم ومصالحهم. والامر كذلك فانه مشتمل على امور الدين والدنيا. ومصالحهما على اكمل وجه واشمله. بحيث لو تذكر الخلق بتذكيره بحيث لو تذكر الخلق بتذكيره ومشوا على ارشاده لاستقامت لهم الامور ولا اندفعت عنهم الشرور. ولهذا اكثر الله في القرآن الكريم من حث العباد على الاهتداء به في في كل شيء. والتفكر والتدبر لمعانيه النافعة. ويترتب على هذا المعنى الفائدة الخامسة. وهي ان من قام القرآن وتذكر به كان رفعة له وشرفا وفخرا وحسن ذكر وثناء. وبهذا اول قوله تعالى وانه ولذكر لك ولقومك اي شرف ورفعة لمن تذكر به واستقام عليه. السادسة ان التذكير بغيره غير مقيد ولا مجد على صاحبه نفعا. لانه اذا ثبت وتقرر انه مادة التذكير بجميع المنافع علم ان ما نار قضه وخالفه فهو بضد هذا الوصف ولهذا اتى بالالف واللام المفيدة للاستغراق والعموم السابعة انه اتى بما يوافق العقل الصحيح والفطرة المستقيمة. فليس فيه شيء مخالف ولا مناقض للمحسوس ولا معاكس للقياس الصحيح ولا مضاد للعدل والقسط والميزان والحق. لان الله سماه ذكرا. والذكر هو الذي يذكر العباد ما تقرر في فطرهم السليمة وعقولهم الصحيحة من الحق والحث على الخير والنهي عن الشر فهو مذكر لهم ما عرفوه مجملا ولم يهتدوا الى كثير من تفاصيله. فبه تزداد العقول وتتفتق الاذهان كل فطر ولشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى كتاب موافقة العقل الصحيح للنقل الصحيح الثامنة والتاسعة ان الله تكفل بحفظه حال انزاله فلا يمكن ان يقربه شيطان في غيره ويزيد فيه وينقص بس او يختلط بغيره بل نزل به القوي الامين جبريل على قلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم القلب الذكي الذكي الذي هو اكمل قلوب الخلق على الاطلاق. وضمن الله لرسوله قرآنه وبيانه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثمان علينا بيانه. فتكفل الله ايضا بحفظه بعدما نزل وتقرر فاكمله الله تعالى واكمل به على عباده النعمة واستحفظه لهذه الامة على اختلاف طبقات علمائها وائمتها ووكلهم به وائتمنهم عليه. فكل قرن حمل عدوله وازكيائه الذين ضمن الله لهم العصمة عند اتفاقهم ومعانيه غضة طرية لا تغيير فيها ولا تبديل. فكل من اراد ادخال شيء فيه او اخراج شيء منه الله من يذب عنه ويحفظه. وهذا من حفظه ويؤيد هذا الفائدة العاشرة. ان هذا من ادلة صدقه وصدقه ما اشتمل عليه وصدق من جاء به وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فانه تعالى خبر بانه انزل. وانه له فوقع كما اخبر الله تعالى فصار هذا اية وبرهانا على صدقه وصحة ما جاء به كما يشهد ذلك الواقع فائدة عظيمة. لما كان الدعاء مخ العبادة ولبها وخالصها لكونه متضمنا للافتقار التام لله والخشوع والخضوع بين يديه وتنوع عبوديات القلب وكثرة المطالب المهمة كان افضله واعلاه ما كان انت فعن العبد واصح من غيره واجمع لكل خير. وتلك ادعية القرآن التي اخبر الله بها عن انبيائه ورسله عباده الاخيار التي كان سيد المرسلين يختارها على غيرها. ولما كان من شروط الدعاء وادابه حضور القلب اي واستحضاره لمعاني ما يدعو به احببت ان انبه تنبيها لطيفا على معاني ادعية القرآن ليسهل استحضارها فيعظم انتفاع العبد بها. فافضل ادعية القرآن وافردها قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم تقييم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين اي علمنا يا ربنا والهمنا ووفقنا بسلوك الصراط المستقيم. صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. المشتمل على علم ما يحبه الله ورسوله ومحبته. وفعله على وجه الكمال وعلم ما يكرهه الله ورسوله ويغضبه وتركه من كل وجه. حقيقة ذلك ان الداعية بهذا الدعاء يسأل الله تعالى ان يهديه الصراط المستقيم المتضمن لمعرفة الحق والعمل به. ويجنبه طريق المغضوب عليهم. الذين عرفوا حق وتركوه وطريق الضالين الذين تاهوا عن الحق فلم يعرفوه. ومن اجمع الادعية وانفعها دعاء وارباب الهمم العالية الذين جمع الله لهم بين خيري الدنيا والاخرة قال تعالى ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار تصدروا دعاءهم بقولهم ربنا وذلك متضمن لاستحضارهم معنى تربية الله العامة وهو الخلق والتدبير وايصال ما به تستقيم الابدان. والتربية الخاصة لخيار خلقه. الذين رباهم بلطفه اصلح لهم دينهم ودنياهم وتولاهم فاخرجهم من الظلمات الى النور. وهذا متضمن لافتقارهم الى ربهم. وانهم لا يقدرون على تربية نفوس من كل وجه فليس لهم غير ربهم يتولاهم ويصلح امورهم ولهذا كانت اغلب ادعية القرآن مصدرة بالتوسل الى الله بربوبيته. لانها اعظم الوسائل على الاطلاق التي تحصل بها المحبوبات وتندفع بها المكروهات حسنة الدنيا اسم جامع للعلم النافع والعمل الصالح وراحة القلب والجسم والرزق الحلال الطيب. من كل مأكل ومشرب وملبس ومنكح ومسكن ونحوها فهي اسم جامع لحسن الاحوال وسلامتها من كل نقص. واما حسنة الاخرة فهي كل ما اعده الله لاوليائه في دار كرامته مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ولما كانت حسنة الدنيا والاخرة تمامها وكمالها الحفظ من عذاب النار. والحفظ من اسباب هذه وهي الذنوب والمعاصي. قالوا وقنا عذاب النار. فاشتمل هذا الدعاء على كل خير ومطلوب محمود ودفع كل شر وعذاب. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كثيرا. ومن ذلك الدعاء الذي في اخر البقرة الذي اخبر الله على لسان رسوله انه قبله من المؤمنين حين دعوا به. ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا كملنا ما لا طاقة لنا به. واعف عنا واغفر لنا وارحمنا. انت مولانا فانصرنا على القوم من الكافرين ولما كان اخلال العبد بامر الله قد يكون عمدا على وجه العلم وقد يكون نسيانا وخطأ. وكان هذا القسم غير ناشئ عن عمل القلب الذي هو محل الاثم وعدمه. سألوا ربهم الا اخذهم بالنسيان والخطأ وذلك عام في جميع الامور قال الله تعالى قد فعلت ولما كانت بعض الافعال فيها شدة ومشقة واثار واغلال لو كلف العباد بها لكان احرى الا يقوموا بها سألوا الله تعالى الا يحملهم اياها ولا يكلفهم بما لا طاقة لهم به. ليسهل عليهم امر ربهم وتخف عليهم شرائعه الظاهرة فقال تعالى قد فعلت. ولما كانت ايضا الشرائع التي شرعها الله لعباده لابد ان يحصل منهم التقصير فيها ما بفعل محظور او بترك مأمور وذلك موجب للشر والعقوبة ان لم يغفره الله ويزله. قالوا واعف عنا واغفر لنا فبهذه الامور تندفع المكروهات والشرور كلها. ثم سألوا الله بعد ذلك الرحمة التي ينشأ عنها كل خير في الدنيا والاخرة. ولما كان امر الدين والتمكين من فعل الخير وترك الشر لا يحصل ولا يتم الا بولاية الله وتوليه ونصرته على الاعداء الكافرين من الشيطان وجنوده قالوا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال تعالى قد فعلت. فالله تعالى يتولى عبده وييسره لليسرى في جميع الامور فيدفع عنه الشرور فهو نعم المولى ونعم النصير. ومن هذا دعاء الراسخين في العلم بعد الثناء عليهم بالايمان التام ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب. فسألوا ربه وتوسلوا بربوبيته في حصول افضل الوسائل. وهو استقامة القلوب على ما يحبه الله ويرضاه. والثبات على ذلك وعاد مزيغها عن هذه الهداية واجل المقاصد وهو حصول رحمة الله تعالى التي يحصل معها خير الدنيا والاخرة وختموا دعاءهم بالتوسل الى ربهم باسمه الوهاب. اي كثير العطايا واسع الكرم. فمن كرمك يا وهاب اسألك استقامة وعدم زيغ القلوب وان تهب لنا من لدنك رحمة. لان الرحمة التي من لدنه لا يقادر قدرها ولا يعلم ما فيها من البركة والخيرات الا الذي وهبهم اياها. ويشبه ان يكون قولهم. ربنا انك جامع الناس اليوم من لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد. توسلا الى ربهم بايمانهم بهذا اليوم. وتصديق ربهم في وعي ووعيده فان التوسل الى الله بالايمان ومنة الله به من الوسائل المطلوبة فيكون هذا من تمام دعائهم كذلك دعاء المتقين الذين اعد لهم الجنة وما فيها. الذين يقولون ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. فتوسلوا بربوبية الله لهم وبايمانهم ان يغفر لهم الذنوب وان يقيهم ما عذاب النار. واذا غفرت ذنوبهم ووقاهم الله عذاب النار. زال عنهم الشر باجمعه. وحصل لهم الخير معي لان الادعية هكذا تارة تأتي مطابقة لجميع مطالب العبد وتارة يذكر نوع منها ويدخل الباقي باللزوم كهذا الدعاء ومما اتى فيه الدعاء بجميع المطالب على وجه المطابقة دعاء اولي الالباب وخواص الخلق حيث قالوا بعدما تفكروا بما في ملكوت الله ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. وما للظالمين من انصار. ربنا اننا سمعنا منادي ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا. وكفر عنا سيئات وتوفنا مع الابرار. ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد. فتوسلوا بربوبية الله وكرروا هذا التوسل واقرارهم بحكمة الله وصدق وعده ووعيده وايمانهم برسل الله حين دعوهم الى الايمان ومنة الله عليهم بالمبادرة بذلك ان يقيهم عذاب النار. وان يغفر ذنوبهم الكبار. ويكفر عنهم سيئاتهم الصغار. فيدفع هم اعظم العقوبات وهو عذاب النار. ويزيل عنهم اسباب الشرور كلها. وهي الذنوب والسيئات. وان يرزقهم الله ويوفقهم لاعمال البر كلها. فيصير بذلك من عباد الله الابرار. وان يثبتهم عليها حتى يموتوا عليها فيدخلوا في معية الابرار. وان يؤتيهم ما وعدهم على السنة رسله. وذلك شامل لعطايا الدنيا وخيراتها عطايا الاخرة وكراماتها. وان يكرمهم يوم القيامة ولا يخزيهم. وحقيق بقوم دعوا بهذه الادعية بحيث ما بقي خير الا سألوه ولا شر الا استدفعوه ان يسميهم الله اولي الالباب. فهذا من لبهم وعقل لهم وتمام فطنتهم. نسأله تعالى ان يوفقنا لما وفقهم له. انه جواد كريم. ومن ذلك دعاء اتباع انبياء في مواطن الشدائد وانواع المحن. وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة الاخرة. والله يحب المحسنين. فدل هذا على ان هذا الدعاء من الدعاء الذي استجابه الله. وان اهله محسنون في وذلك انهم توسلوا الى الله بربوبيته فافتقروا اليه وطلبوا ان يربهم بما يصلح احوالهم. وان يغفر لهم الذنوب وهي المعاصي المستقلة واسرافنا في امرنا وهي تعدي ما حد للعبد ونهي عن مجاوزته. فكما ان الطقس يلام عليه الانسان فكذلك المجاوزة للحد وان يثبت اقدامهم فيرزقهم الصبر والثبات والقوة التي هي مادة النصر. وان يمدهم بمدده الالهي. وهو نصره على كالقوم الكافرين. فسألوا ربهم زوال المانع من النصر وهي الذنوب والاسراف. وحصول سبب النصر. وهو نوعان سبب داخلي وهو ثبات الاقدام والصبر عند الاقدام. وسبب خارجي وهو نصره. ويشبه ان يكون قولهم على القوم الكافرين توسلا الى الله واننا يا ربنا امنا بك واتبعنا رسلك وحاربنا اعدائك الذين كفروا بك وبرسلك ومعاداتنا لهم وقتالنا اياهم لاجلك وفي سبيلك. فانصرنا عليهم لكوننا من حزبك وجندك وهم جنود عدوك الشيطان الرجيم ومن ذلك دعاء عباد الرحمن الذين وصفهم الله بكل خلق جميل. واعد لهم المنازل العالية. فدعوا بدعوتين دعوة استجيبت لجميعهم كامل الدرجة ومن دونه ودعوة استجيبت لخواصهم وائمتهم وقدوتهم. قال تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا الى ان قال عنهم والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما. فتوسلوا بربوبية الله لهم. وايمانهم وخوفهم من عذابه. ان يقيهم عذاب النار واذا وقاهم الله عذاب النار كان من لازم ذلك مغفرة ذنوبهم وتكفير سيئاتهم ودخولهم الجنة. وقال تعالى عنهم والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواج وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما. فتوسلوا بربوبية الله ان يهب لهم من ازواجهم وقرنائهم وذرياتهم ما تقر اعينهم به. وهو ان يكونوا مطيعين لله عاملين بمرضاته وذلك دليل على ان طاعة الله قرة اعينهم. ومحبته نعيم قلوبهم. فقويت هذه الحالة الى ان سألوا الله تعالى ان يجعل قرنائهم بهذه الحالة الكاملة وذلك من فضل الله عليهم. فان الله اذا اصلح قرنائهم هذا من هذا الخير عليهم شيء كثير. ولهذا جعلوا هذا من مواهب ربهم. فقالوا ربنا هب لنا الى اخره ولما كان غاية الانسان ان يكون مطيعا لله وان يكون قرينا للمطيعين. سألوا ربهم اعلى المراتب واجلهم وهي الامامة في الدين. وان يكونوا قدوة للمتقين. وذلك ان يجعلهم علماء ربانيين. راسخين في العلم مجتهدين في تعلمه وتعليمه والدعوة اليه. وان يكون علمهم صحيحا بحيث ان من اقتدى بهم فهو من المتقين وان يرزقهم من الاعمال الظاهرة والباطنة ما يصيرون به ائمة للمتقين. وجماع ذلك الصبر على محبوبات الله وثبات النفس على ذلك. والايقان بايات الله. وتمام العلم بها. قال تعالى واجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا. وكانوا باياتنا يوقنون. فالحاصل انه هم سألوا ربهم ان يكونوا كاملين مكملين لغيرهم هادين مهتدين. وهذه اعلى الحالات. فلذلك اعد الله لهم اعلى غرف الجنان. اولئك الذين يجزون الغرفة بما صبروا. ويلقون فيها تحية وسلاما. خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما. ومن ذلك دعاء ادم عليه السلام حين فتاب الى الله وتلقى منه هذه الكلمات هو وزوجه. قال ربنا ظلمنا انفسنا. وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. فتوسلا بربوبية الله واعترافهم بالظلم. واقرارهم بالذنب ان يغفر لهما فيزيل عنهما المكاره كلها. وان يرحمهما فيعطيهما انواع المطالب. وانه لا وسيلة لهما ولا الجأ منه الا اليه وانه لئن لم يرحمهما ويغفر لهما خسرا الدنيا والاخرة. فقبل الله دعاءهما وغفر فلهما ورحمهما. ومثل قول نوح لما لامه الله بسؤال نجاة ابنه الكافر. الذي ليس من اهله وان هذا عمل غير يصالح فقال ربي اني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم. والا تغفر لي وترحمني اكن من فتوسل بربوبية الله واستعاذ به ان يسأله سؤالا ليس له به علم. وانما حمله عليه مجرد محبة النفس لا ارادة رضا الله. واعترف بان هذا الذي جرى منه يوجب التضرع والاستغفار. وانه ان لم يغفر له ربه ويرحمه كان من الخاسرين. فالناس قسمان رابحون وهم الذين تغمدهم الله بمغفرته ورحمته وخاسرون. وهم الذين فاتتهم المغفرة والرحمة. ولا يحصل ذلك الا بالله. ومن ذلك دعاء ابراهيم خليله الى الرحمن وابنه اسماعيل وهما يرفعان قواعد البيت. ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة. امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. فتضرع الى ربهم في قبول الله عملهما. وان يكون كاملا من كل بوجه وتحصل منه الثمرات النافعة وتوسلا اليه بانه السميع لاقوالهما. العليم بجميع احوالهما. ولما دعوا هذا الدعاء الخاص في قبول عملهما سأل الله اجل الامور واعلاها. وهو ان يمن الله عليهما وعلى من شاء من بالاسلام لله ظاهرا وباطنا. والعمل بما يحبه ويرضاه. وان يعلمهما العمل الذي شرعا فيه. ويكمل لهما مناسكهما علما ومعرفة وعملا. وان يتوب عليهما لتتم امورهما من كل وجه. فاستجاب الله هذا الدعاء كله وبارك فيه وحقق رجاءهما. والله ذو الفضل العظيم. وكذلك دعاء يوسف عليه السلام. رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث. فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين. فتوسل الى الله بربوبيته وبنعمة الله عليه بنعمة الدنيا هي الملك وتوابعه ونعمة الدين. وهي العلم الكامل. وبولاية الله وانقطاعه عن غيره. وتولي الله له في الدنيا الاخرة. وان يثبته على الاسلام الظاهر والباطن. حتى يلقاه عليه. فيدخله في خلص عباده الصالحين ومن ذلك دعاء سليمان عليه السلام. رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل فصالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين. فتوسل الى الله بربوبيته وبنعمته عليه وعلى والديه ان يوزعه ان يلهمه ويوفقه لشكرها بالاعتراف بها ومحبته لله عليها. والثناء عليه والاكثار من ذكره وان يوفقه عملا صالحا يرضاه. ويدخل في هذا جميع الاعمال الصالحة ظاهرها وباطنها وان يدخله برحمته في جملة عباده الصالحين. وهذا الدعاء شامل لخير الدنيا والاخرة. ومثل هذا دعاء الذي بلغه الله اشده وبلغه اربعين سنة. ومن عليه بالانابة اليه فقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك تكلتي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه. واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين. فتوسل بربوبية ربه له. وبنعمته عليه وعلى والديه. وبالتزام ترك ما يكرهه ربه بالتوبة وفعل ما يحبه بالاسلام. ان يمن عليه بالشكر المتضمن لاعتراف القلب وخضوع ومحبته للمنعم والثناء على الله مطلقا ومقيدا. وان يوفقه لما يحبه الله ويرضاه. ويصلح له في ذريته. فهذا دعاء محتو على صلاح العبد واصلاح الله له اموره كلها. واصلاح ذريته في حياته وبعد وهو دعاء حقيق للعبد خصوصا اذا بلغ الاربعين ان يداوم عليه بذل وافتقار لعله ان يدخل في قوله اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا. ونتجاوز عن سيئاتهم في اصحاب الجنة. وعد الصدق في الذي كانوا يوعدون. قوله تعالى ثم تولى الى الظل مستريحا لتلك الظلال بعد التعب. فقال في تلك الحالة مسترزقا. ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. اي اني مفتقر للخير الذي تسوقه الي وتيسر سيره لي. وهذا سؤال منه بحاله. والسؤال بالحال قد يكون ابلغ من السؤال بلسان المقال. فلم يزل في هذه الحالة ربه متملقا مفتقرا اليه. معلقا رجاءه بالله وحده حتى فرج كربه وجلى همه. والله هو الرزاق ذاق ومن الادعية التي امر الله بها رسوله وعباده المؤمنين فقال وقل رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين فهذا توسل الى الله بربوبيته ورحمته الواسعة في حصول الخير ودفع الشر كله. وهي المغفرة التي تندفع بها المكروه وهاد والرحمة التي تحصل بها جميع المحبوبات وكذلك قوله وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق. واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا هذا توسل الى الله بربوبيته ان تكون مداخل العبد ومخارجه كلها صدقا. وذلك ان تكون صالحة خالصة لوجه الله مقرونة بالاستعانة بالله والتوكل عليه. وذلك يستلزم ان تكون حركات العبد كلها ظاهرها وباطنها طاعة لله وعملا بما يحبه ويرضاه. وهذا هو الكمال من جهة العمل. واما الكمال من جهة العلم فانه يجعل الله له سلطانا نصيرا اي حجة ظاهرة وقوة يحصل بها نصر الحق. وقمع الباطل. فيحصل باستجابة هذا دعاء العلم النافع والعمل الصالح والتمكين في الارض. وقال تعالى لرسوله وقل رب زدني علما. فالعلم اجل الاشياء وبه تعرف جميع الاشياء. فسؤاله وسؤال الزيادة منه من افضل ما سأل السائلون. ومن اجمع الادعية احسنها توسلا. دعاء موسى عليه السلام حين تضرع الى ربه فقال انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة. انا هدينا اليك. فتوسل الى وليه بولايته لعبده وحسن تدبيره وتربيته ولطفه على حصول المغفرة والرحمة. وكذلك توسل بكمال لمغفرة الله وسعة جوده على هذا. ورتب على هذا حصول حسنة الدنيا والاخرة. فانه اذا حصلت المغفرة زالت الشرور كلها والعذاب كله. واذا حصلت الرحمة حل الخير وحسنات الدنيا والاخرة. فيكون قوله واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة نظير قوله ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة مع زيادة التوسل بولاية الله وكمال غفرانه ومع طلب مغفرته ورحمته. الذين بهما تنال حسنة الدنيا والاخرة ثم ختم دعاءه بالتوسل الى ربه بالاقبال اليه والانابة اليه والتذلل لعظمته فقال انا جئنا اليك اي رجعنا اليك في مهماتنا وامورنا لا نرجع الى غيرك. لعلمنا انه لا يكشف السوء ولا يجيب المضطر الا انت. ورجعنا اليك في عباداتنا الظاهرة والباطنة. ومن ذلك دعاء اصحاب الكهف. اذ فروا الى الله بدينهم فقالوا ملتجئين اليه. ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا. فتضرعوا اليه ان يؤتيهم من لدنه رحمة بحيث اذا حلت عليهم سلم لهم دينهم وحفظهم من الفتن وانالهم بها الخير وان يهيئ لهم من امرهم رشدا ان ييسرهم لليسرى ويسهل لهم الامور ويرشدهم الى ارفق الاحوال فاستجاب لهم هذا الدعاء ونشر عليهم رحمته وحفظ اديانهم وابدانهم وجعل فيهم بركة على انفسهم وعلى غيرهم. ومن ذلك دعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين. حين دعوا للمؤمنين. ربنا وسعت كل شيء الرحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صالح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تقي السيئات يومئذ فقد رحمته. وذلك هو الفوز العظيم. وهذا دعاء جامع وتوسل نافع فتوسلوا بربوبية الله تعالى وسعة علمه ورحمته. المتضمن علمه بحال المؤمنين. وما خلقهم عليه من الضعف ورحمته اياهم لكونه جعل الايمان اعظم وسيلة تنال بها رحمته. ان يغفر للمؤمنين الملتزمين للايمان. وهم الذين الذين تابوا مما يكرهه الله واتبعوا سبيله بالتزام ما يحبه ويرضاه. فيغفر ذنوبهم ويقيهم اشد العذاب. وهو وعذاب الجحيم وان ينيلهم اعظم الثواب. وهو دخول جنات عدن التي وعدهم على السنة رسله. وتمام ذلك ان يقر اعينهم باجتماعهم بابائهم وازواجهم وذرياتهم الصالحين. ثم توسلوا بكمال عزة الله وكمال حكمته. لان المقام يناسب هذا. فمن كمال عزته واقتداره ان يحفظهم ويحول بينهم وبين السيئات ويصرف فعنهم السيئات وينيلهم انواع المثوبات. ومن كمال حكمته ان الموصوفين بتلك الصفات هم اهل لان يغفر لهم ويرحمهم ويدفع عنهم السوء وينيلهم الاجر. ولما دعوا ان يغفر لهم السيئات التي فعلوها دعوا الله ان يقيهم سيئات انفسهم الامارة بالسوء بان يحبب اليهم الايمان ويزينه في قلوبهم ويكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان ويجعلهم من الراشدين. وان من لازم وقاية السيئات حصول رحمة الله. وهذا دعاء عظيم صادر من اعظم الخلق معرفة بالله. ولذلك وصف الله من حصلت له هذه الامور بالفوز بكل مطلوب النجاة من كل مرهوب. فقال وذلك هو الفوز العظيم. وكذلك دعاء الذين اتبعوا المهاجرين والانصار احسان حيث قال تعالى عنهم والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا ولاخواننا اخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا. ربنا انك رؤوف الرحيم. فتضرعوا الى ربهم وتوسلوا اليه بربوبيته ونعمته عليهم بالايمان. وبسعة رحمته ورأفته ان يغفر لهم ولجميع اخوانهم الذين سبقوهم بالايمان. وان يصلح الله قلوبهم بالاجتماع على الايمان ومحبة بعضهم بعضا. والا يجعل في قلوبهم ادنى غل لكل من اتصف بالايمان. وهذا الدعاء يتضمن حصول الخير له لهم ولاخوانهم ودفع الشر عنهم وعن اخوانهم. وقد اخبر الله ان انبيائه تضرعوا اليه في مطالب خاصة ومطالب عامة وتوسلوا بكمال اسمائه وصفاته وبما من الله عليهم به من الايمان والنعم الدينية والدنيوية. وبما كان وعليه من الفقر والضعف وشدة الضرورة الى ربهم في جميع امورهم. فهذه الادعية التي امر الله بها وحث عليها ومدح اهلها هي الادعية النافعة التي لا يليق بالعبد ان يختار عليها غيرها من الادعية المصطلحة والالفاظ المخترعة التي لا نسبة لها الى هذه الالفاظ القرآنية. ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم من الاعمال الاقوال الباطنة والظاهرة. ومن ذلك الادعية. وكم في السنة من الادعية النبوية مما يوافق الادعية القرآنية؟ فنسأل تعالى ان يهدينا لاحسن الامور. ويصرف عنا جميع الشرور. انه جواد كريم رؤوف رحيم