المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل قال الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فهذه الاية الكريمة صرحت بان الله تعالى يقول الحق وهو الصدق واليقين في اخباره والعدل والحكمة في اوامره ونواهيه. فكل ما اخبر به فهو حق وصدق ونافع للعباد في اصلاح عقائدهم واخلاقهم دينهم ودنياهم وكل ما امر به فهو بر وخير واحسان ونفع وبركة. وكل ما نهى عنه فهو شر وضار وفساد لا فرق في هذا بين الامور الدينية والدنيوية. وشريعة الاسلام كلها تفصيل لهذا الامر العظيم الذي ذكره الله في هذه الاية وغيرها ثم قال وهو يهدي السبيل وهو الطريق الموصل الى الحق الذي يقوله ويحكم به. فتكفل الله لعباده انه ولابد ان يبين لهم هذا الحق النافع بالادلة الواضحة العقلية والنقلية. كما قالت الاية الاخرى نريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. فانه تعالى لما اخبر بتوحيده وتفرده بالكمال المطلق من جميع الوجوه. وامر بعبادته وحده لا شريك له. واخلاص ديني له وان قوله حق ووعده ووعيده حق ورسوله وكتابه حق اخبر انه لابد ان يريهم من الايات في انفسهم وفي الافاق ما يتبين لهم انه الحق وان ما باب باطل فالايات الافقية الكونية والايات النفسية كلها تحقق هذه الاصول العظيمة. ويعرف بها ان الله هو الحق. وقوله وكتابه ودينه حق فالايات الافقية مثل قوله تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار ايات لاولي الالباب الايات وفي قوله تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك الذي تجري في البحر والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ما ان فاحيا به الارض فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل وتصريف الرياح وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون وايات كثيرة يخبر فيها عن احوال الكون وانه ايات وادلة على وحدانية الله وصدقه وصدق رسله فالذي اوجد هذه المخلوقات العظيمة بهذه الاوصاف البديعة. وعلى هذا النظام العجيب والخلق الكامل والاحكام والحسن هو المتفرد بالربوبية والالهية واسع الرحمة والحكمة وهو الذي احاط بكل شيء علما ومن كان هذا شأنه فهو الذي يجب ان يعبد وحده لا شريك له ويشكر ويذكر لما له من عميم الاحسان وسوابغ النعم. وما فيها من عظيم الخلق دال على كمال قدرته وعظمة سلطانه وما فيها من النظام البديع الحسن والخلق وما فيها من النظام البديع الحسن والخلق الكامل دال على شمول حكمته وحمده. وما فيها من التخصيصات المتنوعة دال على نفوذ مشيئته وارادته وما فيها من المنافع والمصالح للعباد التي لا يمكن احصاؤها ولا تعداد اجناسها فضلا عن انواعها فضلا عن افرادها دليل على سعة رحمته وعموم فضله وكرمه وجوده واحسانه وكل ذلك دليل على وجوب عبادته واخلاص العمل له وان الذي اوجد هذه المخلوقات العظيمة قادر على ان يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. واما الايات نفسية فان الله قال وفي انفسكم افلا تبصرون. وقال او لم يرى الانسان انا لقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين. وقال سبحانه فلينظر الانسان مما فخلق خلق مما ان دافق. ونحوها من الايات التي ينبه الله فيها الانسان على التأمل والنظر في ابتداء خلقه وتطوره وكيف تنقلت به الاحوال من النطفة الى ان صار انسانا كاملا في بدنه وفي عقله وكيف احسن الله خلقه ونظمه هذا النظام العجيب فوضع فيه كل عضو يحتاج اليه في منافعه كلها ووضع كل عضو في محله اللائق به الذي لا يحسن ولا يليق ان يوضع الا في محله ثم ليتأمل في غذائه وما اودع الله فيه من قوة الشهوة للطعام والشراب وتوابعها وما وضع فيه من الالات المعينة على الاكل والشرب وما اودع فيه من الحرارة العظيمة التي تطبخ الاطعمة الغليظة والخفيفة. ثم تنفذها الى جميع اجزاء البدن فيأتي كل عضو وحاسة حظها ونصيبها من الغذاء الذي لولاه لتلاشى الانسان وهلك وجعل الله لثقل الاغذية وما لا ينفع في الغذاء مجاريه تندفع اليها وتخرج من البدن. لان لا تبقى فيه فتضره او تهلكه ثم لينظر الانسان ما وضع الله فيه من العقل الذي يتميز به عن الحيوانات كلها وهدى الله فيه الانسان الى هدايات دينية ودنيوية لا يمكن عدها ولا احصاؤها وكما هداه بالعقل الى الانقياد لعلوم الرسل واديانهم هداه به الى تسخير المواد الكونية والمعادن والمخترعات والصناعات التي لا تزال تتجدد كل وقت وقد اخبر الله تعالى انه سخر لنا جميع ما في السماوات والارض ننتفع باياتها ونستخرج منافعها وكنوزها ونشكره على ذلك التسخير والهداية والنعم التي لولا فضله وكرمه لم يحصل منها شيء ومن اياته الافقية النفسية اخباره تعالى انه سخر للانسان جميع ما في السماوات والارض. ومعادن الكون وعناصره ثم اخباره بانه اخرجه من بطن امه لا يعلم شيئا وجعل له السمع والبصر والفؤاد والات العلم. وعلمه ما لم يكن يعلم فحمل بهذا التسخير وبهذا التعليم من فنون العلم وفنون المخترعات الباهرة. ما هو مشاهد معلوم ترقت به الصناعات وتوسعت به المخترعات وتنوعت به المنافع وتقاربت به الاقطار الشاسعة وتخاطب به اهل المشارق والمغارب. اما يدل ذلك دلالة قاطعة على كمال قدرة الله وصدق ما اخبر به من الغيوب التي كان المكذبون ينكرونها استبعادا لها وقياسا منهم لقدرة من يقول للشيء كن فيكون على قدرة الادمي الضعيف في علمه وفي قدراته وفي احواله كلها. فاراهم الله من اثار قدرته على يد هذا الادمي. ما دلهم على كمال خالقه ومعلمه. وعلى وحدانيته وصدق رسله. وهو لا يزال يريهم اياته شيئا فشيئا في الافاق وفي انفسهم فانتفع بذلك الذين يريدون الحق واتباعه. وقامت الحجة البالغة على المعاندين المكابرين وصار علمهم وبالا عليهم اذ تكبروا به وامتلأوا غرورا وباطلا. فالله الذي خلق الانسان واعده مده بكل وسيلة يدرك بها انواع العلوم النافعة والفنون المتنوعة الدينية والدنيوية وربط هذا بهذا فامر بالقيام بالدين والاستعانة بهذه الوسائل على قيام الدين والدنيا قال تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وامر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. وقال تعالى قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة فالمؤمنون تمت عليهم النعمة في الدنيا والاخرة واستعانوا بالطيبات واصناف المنافع التي لا تعد ولا تحصى على عبادة الله وطاعته وصار اشتغالهم بهذه المنافع التي يتوسل بها الى اصلاح الدين والدنيا عبادة من العبادات وقربة من القربات واما من سواهم من الماديين والضالين الغافلين فانهم عرفوا ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة غافلون واشتغلوا بالدنيا عن الدين ونسوا الله فانساهم انفسهم وانساهم مصالحها فتمتعوا فيها تمتع الانعام السائمة فخسروا الدنيا والاخرة ان ذلك هو الخسران المبين فانقطعوا بالاسباب عن مسببها وانقطعت صلتهم بالله حين قام الكبر في قلوبهم كما قال الله عنهم ان الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله انه هو السميع البصير استعذ بالله من هذا الكبر الذي حال بين الانسان وبين سعادته فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون