المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فائدة عظيمة بل هي اعظم الفوائد على الاطلاق. الايمان هو اعلى الخصال واشرف المراتب واكمل المناقب بل لا يمكن ان يكون فضيلة ولا ثواب الا بالايمان وحقوقه. ولذلك اثنى الله به على خيار خلقه والمصطفين من عباده فقال في كل من نوح وابراهيم وموسى وهارون والياس وغيرهم من الانبياء انه من عبادنا المؤمنين ان تعلل ما حصل لهم من الخيرات وزوال الشرور بايمانهم فقد علق الله الفلاح ودخول الجنان على الايمان في قوله قد افلح المؤمنون ثم ذكر صفاتهم الناشئة عن ايمانهم ثم قال اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وقال تعالى وبشر المؤمنين. وقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون. وقال تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا وقال وان الله مع المؤمنين وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة الدالة على فضله وفضل اهله. وان الخير كله فيه. فعلى العبد الذي يريد نجاة نفسه به ويقصد كمالها وفلاحها ان يسعى غاية جهده ويبذل مقدوره في هذا الوصف وهو الايمان علما ومعرفة وعملا وحالا ووصفا. وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان. فوصفه باقوال اللسان التي يحبها الله ورسوله وذكر اعلاها بالاحسان الى عباد الله. اي احسان كان حتى اماطة الاذى عن الطريق وباعمال القلوب التي اصلها الحياء. فان من اتصف بالحياء من الله فقد انصبغ قلبه بمعرفة الله وحبه وخوفه ورجائه والتحبب اليه مهما امكن وحقيقة هذا ان الايمان اسم جامع للشرائع الظاهرة والباطنة. ولاقوال اللسان واقوال القلب واعمال القلوب واعمال وارح وان من قام بهذه الامور ونصح فيها واحسن كان اكمل ايمانا وان من نقص منها معرفة وعلما وعملا وحالا صالحا نقص من ايمانه بقدر ذلك. والناس في الايمان درجات متفاوتة فاكملهم من وصل في علوم الايمان الى علم اليقين وحق اليقين. وفي اعماله من وفى مرتبة الاحسان وعبد الله على وجه الحضور والمراقبة. وفي احوال الايمان من كانت ادابه واخلاقه صبغة لقلبه وحالا حائلة بل ان عرض له ما يشوش عليه ايمانه بادر بالحال الى ازالته. ورجع الى نعته ووصفه صبغة ومن احسن من الله صبغة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا فان لم يتغير ايمانه عند المعارضات كالشهوات والارادات السيئة واتيان الامر مخالفا لمراد النفس كان هذا المؤمن حقا. ولهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله. اولئك هم الصادقون. ولهذا كان من كمال الايمان ان تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ولهذا ايضا كان اخراج محبوب النفس وهو المال لله تعالى دليلا على الايمان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان. ولهذا ايضا كان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ومن علامات الايمان ما ذكره الله بقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فوصف المؤمنين بانهم الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خضعت وخشعت وذلت لعظمته وانكسرت لكبريائه. فتركت معاصيه وخافت عقابه واطمأنت بذكره الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب وانهم اذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا اي ازدادوا بها علما وبصيرة ورغبة في الخير ورهبة من الشر فنمى الايمان في قلوبهم وكان ايمانا ناشئا عن اعظم الادلة والبيانات كما قالوا ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار وقالوا ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا وكما قال مؤمن الجن وانا لما سمعنا الهدى امنا به فبحسب ايمان العبد يزداد ايمانه عند تلاوة كتاب الله والحكمة. وهذا اعلى ما يكون من الايمان. فانه ايمان عن من اكبر البراهين وايمان على بصيرة لا كايمان ضعفاء المؤمنين الناشئ عن العادات والتقليد الذي هو عرضة للعوارض والعوائق واما هذا الايمان فهو ايمان لا تزعزعه الشبهات ولا تعارضه الخيالات بل يزداد مع صاحبه مدى الاوقات ووصفهم بتحقيق التوكل عليه. فاعظم الناس ايمانا اعظمهم توكلا على الله. خصوصا التوكل العالي الذي هو الاعتماد التام على الله في تحصيل محابه ومراضيه. ودفع مساخطه. ولهذا جعل الله التوكل ملازما للايمان في كثير من الايات كقوله وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين المؤمن حقا تجده قائما بما امر الله به من الاسباب. معتمدا على مسببها ومصرفها. واثقا لا يقلقه تشوشها ويحزنه اتيانها على غير مراده قد هدى الله قلبه فاطمئن الى ربه ورضي به وفوض اليه امره ومن يؤمن بالله يهد قلبه قد تحقق قوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماوات والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير. وقوله لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم قد رضي بكفاية ربه وسلم اليه الامر ومن يتوكل على الله فهو حسبه ووصف المؤمنين حقا في هذه الاية بانهم الذين يقيمون الصلاة اي يقيمونها بقيام مكملاتها ظاهرا وباطنا ويؤتون الزكاة فالصلاة فيها الاخلاص للمعبود والزكاة فيها الاحسان الى عباد الله تعالى فبحسب ايمان العبد يكون قيامه بالصلاة والزكاة اللتين هما ام العبادات اللتين هما ام العبادات واجلها واعلاها واعظمها نفعا وثمرات وكذلك وصف الله المؤمنين في قوله قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون. والذين هم اماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلاتهم يحافظون اولئك هم الوارثون. فبهذه الاوصاف العظيمة يكمل الايمان ويتحقق وهو ميزان للخلق. فالمؤمنون المفلحون اهل الفردوس هم الذين اقاموا الصلاة ظاهرا وباطنا بحقوقها وخشوعها الذي هو لبها واتوا الزكاة المأمور بها وحفظوا السنتهم من الكلام السيء والفحش ومن اللغو والكلام الباطل ولهذا نبه بالادنى الذي هو اللغو على ما هو اولى منه فاخبار الله انهم عن اللغو اي الذي هو الكلام الذي لا منفعة فيه. معرضون يدل على انهم تركوا الكلام المحرم وحفظوا فروجهم عن الحرام لله تعالى. وتمام حفظها. حفظ البصر وعدم قربان الفواحش ومقدماتها كما قال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ووصفهم بمراعاة عهودهم واماناتهم وهذا عام للعهود والامانات التي بينهم وبين ربهم فانهم قد عقدوا بينهم وبين ربهم عقد الطاعة والسمع والالتزام ولهذا ذكرهم الله بهذا العهد في قوله واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به اذ قلتم سمعنا واطعنا والعهود والامانات التي بينهم وبين الخلق الا ينقضوها وان يؤدوا الامانات الى اهلها. ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان علامة الايمان ان يكون العبد مؤتمنا على الدماء والاموال فقال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم وقال لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ووصف المنافق بضد ذلك ووصف المؤمنين بالايمان بجميع الحق الذي نزله الله وبالرسل الذين ارسلهم الله. فقال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون. كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فالمؤمن لما كان وصفه انه متطلب لرضوان الله متبع هداه اينما كان. امن بجميع الالهية والرسل والتزم الدخول في طاعة الله وطاعة رسوله في كل شيء. وسأل الله ان يغفر له ما قصر فيه وان يتجاوز عنه اذا قدم عليه. ومن صفات المؤمنين انهم يحكمون الله ورسوله في جميع امورهم فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. ان الذين يستأذنونك اولئك الذين الذين يؤمنون بالله ورسوله. فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم. وقال سبحانه انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم ما بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا. واولئك هم المفلحون. وقال عز وجل فاذا في شيء فردوه الى الله والرسول. ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. ذلك خير واحسن تأويلا. فالمؤمن اخلص دينه لله واجتهد في الاقتداء برسول الله ولم يقدم على قوله وحكمه قول غيره وحكمه بل اذا تبينت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل عنها الى غيرها وبحسب تحقيقه لهذين الاصلين يتحقق ايمانه ويقوى يقينه وعرفانه. ومن صفات المؤمنين انهم متحابون متوالون متراحمون متعاطفون. كما قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله. وقال انما وليكم الله ورسوله الذين امنوا. وقال تعالى والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وكلما ازداد الاتصال بقرابة او جوار او حق من الحقوق ازداد هذا المعنى وتأكد الاحسان اليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت. وقال من غشنا فليس منا وقال الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. فالمؤمنون يدينون لله بالنصيحة له في عبوديته ولكتابه في تعلمه وتفهمه والعمل به والدعوة لذلك ولرسوله في الاجتهاد في متابعته في اقواله وافعاله به وجميع احواله ولائمة المسلمين وعامتهم بارشادهم الى مصالحهم الدينية والدنيوية ومعاونتهم على البر والتقوى وكفهم عن الاثم والعدوان بحسب القدرة. كما قال تعالى في الاية السابقة في وصفهم انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ومن صفاتهم الحميدة ومناقبهم السديدة. ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث في الصحيح ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما. وان يحب المرء لا يحبه الا لله. وان يكره ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار. فجعل تحقيق الايمان فجعل تحقيق الايمان ووجد حلاوته بكون المحبة لله ولرسوله وتقديمها على سائر المحاب وجعل المحاب تبعا لها. في حب المرء لما قام به واتصف به من محاب الله وما من الله به عليه من الاخلاق الفاضلة. فكلما قويت فيه ازدادت محبته له. فتكون محبة المؤمن دائرة مع محبة الله فيحب الله ورسوله ويحب من يحبه من الاعمال والاشخاص وتكون كراهته للكفر المضاد للايمان اعظم من كراهته للنار التي سيقذف فيها. ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان. من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وقد تقدم قوله هرقل الذي في صحيح البخاري وسألتك ايزيدون ام ينقصون فذكرت انهم يزيدون. وكذلك امر الايمان حتى يتم. وسألتك ايرتد احد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت ان لا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب. وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. يفضحه ولو في جوف بيته. ومن ان الله قد شرح صدورهم للاسلام. فانقادوا لشرائعه طوعا واختيارا ومحبة. قد اطمأنت لذلك نفوسهم وصاروا على بينة من امرهم فهم يمشون بنورهم بين الناس. قال تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه. وقال فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام. وقال صلى الله عليه وسلم اذا دخل الايمان في القلب اتسع طرح قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله قال نعم الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله ولما قال له حارثه اصبحت مؤمنا حقا قال وما حقيقة ايمانك قال عزفت النفس عن الدنيا فأسهرت ليلي واظمأت نهاري وكاني انظر الى عرش ربي بارزا والى اهل الجنة في الجنة يتزاورون فيها والى اهل النار في النار يتعوون فيها. والى اهل النار في النار يتعاونون فيها قال عبد نور الله قلبه فالزم. فتحقيق الايمان علامته سهولة العبادة التلذذ بالمشقات في رضا رب الارض والسماوات والتصديق التام بالجزاء والعمل بمقتضى هذا اليقين وكذلك قال الحسن رضي الله عنه ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الاعمال ولهذا من اجل علاماتهم ان الايمان يصل بهم الى حد اليقين والصديقين. كما قال تعالى والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون. ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتفاع غرف الجنة وعلوها العظيم. قالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم فقال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين. ولهذا كانت الصديقية التي اثنى بها على خاص خلقه هي تكميل مراتب الايمان علما وعملا ودعوة. وكما ان من تحقيق الايمان ان تكون الاعمال الصالحة مصدقة له فمن تحقيقه ايضا ان يكون المؤمن متنزها عن الاثم والفسوق وانواع المعاصي. الداخلة في قوله تعالى الذي امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم. اولئك لهم الامن وهم مهتدون. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين ومن موجبات الايمان صرف الاموال في مصارفها الشرعية. ووضعها مواضعها. واقامة الحدود التي حد الله ورسوله قال تعالى واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى ولذي القربى واليتامى والمساكين وبني السبيل. ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان. وقال تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. وقال وحرم ذلك على المؤمنين. الى غير ذلك من النصوص في الكتاب والسنة الدالة على وصف المؤمنين وان العبد لا يستحق حقيقة الايمان حتى يتصف بها. وفي الجملة فكلما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا او اتركوا كذا كان امتثال ذلك الامر واجتناب ذلك النهي من مقتضيات الايمان ومن موجباته. الذي لا يتم الا بها. فبهذا ونحوه تعرف حقيقة الايمان. الذي جعله الله عنوان السعادة ومادة الفلاح وسبب الفوز بكل مطلوب والنجاة من كل مرهوب. فنسأله تعالى ايمانا كاملا. يهدي به قلوبنا الى معرفته ومحبته والانابة اليه في كل امر. والسنتنا الى ذكره والثناء عليه. وجوارحنا الى طاعته. قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم ومن صفاتهم الجليلة ان الله يهديهم الى الحق في المواطن المشتبهات. وللصواب في محال المتاهات التي لا تحتملها عقول كثير من الناس ويزدادون ايمانا ويقينا في المواضع التي يزداد بها غيرهم ريبا وشكا. قال تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها. فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم. واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان الى ان قال وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وقال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا. ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ازداد الذين امنوا ايمانا ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وقال تعالى والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا. فبما معهم من الايمان يهديهم الى الحقائق واقوم الطرائق وارشد الامور واصلح الاحوال ولهذا كان القرآن تذكرة ورحمة وبشرى للمؤمنين. وقال تعالى ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بايات ربهم يؤمنون. ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون. فلما مشوا في نور ايمانهم في ظلمات الجهالات والشرور. وتولاهم مولاهم الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والله ولي المؤمنين. مشوا في نورهم يوم القيامة. يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار. خالدين فيها. ولما كان تجارتهم اجل التجارات كان ربحها النعيم المقيم في غرف الجنان. يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله الايات ومن صفاتهم ان الله ينزل في قلوبهم السكينة والطمأنينة في مواضع الحرج والقلق. قال تعالى هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم كل من قام بحق او دعا اليه او سعى في انكار منكر وابطال باطل وجبت معاونته ومساعدته على ذلك وهو داخل في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا كونوا انصار الله ودلت هذه الاية ونحوها باللزوم على الامر بالسعي بالاسباب التي تتم بها نصرة الحق. كالتعلم والتعليم للعلوم النافعة ونحوها الاخلاص والالتجاء الى الله على الدوام. والرجوع اليه من كل امر هو السبب الاعظم في حصول الهداية الى الصراط المستقيم علما وعملا. قال الله تعالى عن الخليل عليه السلام وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. وقال قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. قد استجاب الله له هذا الدعاء ووقع الامر كذلك فانه مهما تنقلت بالخلق الاحوال واعطوا الاسباب العظيمة من التمكين في الارض والاقتدار على مصالحها فلا بلغوا ولا يبلغون ما بلغه سليمان عليه السلام من الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر. وتجري بامره رخاء حيث اصاب. ومن تسخير الشياطين كل بناء وص واخرين مقرنين في الاصفاد. ومن تسهيل الاسباب التي تدرك فيها المطالب. قال يا ايها الملك ايكم يأتيني عرشها قبل ان يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر؟ ومن تسخير الطير والوحوش وتعلم منطقها مما هو من اعظم الادلة على ان هذا امر سماوي. ليس في قدر المخلوقات استطاعته بامر الله تعالى لزكريا بالذكر بالعشي والابكار بعد البشارة له بيحيى عليهما السلام وفي امر زكريا لقومه بتسبيح الله بكرة وعشيا تنبيه على شكر الله تعالى على النعم المتجددة لا سيما النعم التي يترتب عليها خير كثير ومصالح متعددة. وانه ينبغي للعبد كلما احدث الله له نعمة احدث لذلك شكرا وان افضل انواع الشكر الاكثار من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه كمال العبد في تمام النعمتين نعمة الدين ونعمة الدنيا. فبهما تحصل السعادة العاجلة والاجلة. فنعمة الدين بالعلم الهادي الى الصراط المستقيم وبتقوى الله التي هي امتثال امره واجتناب نهيه ونعمة الدنيا بان ينقطع العبد عن رجاء المخلوقين والافتقار اليه ويرزقه الله العفة عن القبائح ثم يغنيه بالحياة الطيبة والخير الذي يكون عونا له على عبادة ربه. قال تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم. وقال تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله. وقد تضمن هذه الامور الاربعة الدعاء الذي ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اذا صدق العبد في حبه ما امر الله اذا صدق العبد في حبه ما امر الله به وكراهته لما نهى الله عنه وبذل جهده في فعل المحبوب وترك المكروه واستعان بالله وتضرع اليه في التوفيق لفعل ما يحبه والحفظ مما يكرهه فان الله اكرم الاكرمين ولا يخيب عبدا هذا شأنه. ولو توالت وتكاثرت الاسباب المعارضة فان هذا السبب المجتمع من ثلاثة هذه الاشياء لا يتخلف عنه عند مسببه. وانما ياتي العبد النقص من اخلاله به او باحدها. وبهذا لما اجتهد يوسف الصديق عليه السلام في السلامة من شر مراودة امرأة العزيز. ومن اعانها على مرادها وصدق في حبه وايثاره طاعة الله على طاعة النفس تضرع الى الله تعالى وتوكل عليه في حفظه وصيانته تعصم وحفظه الله طرف عنه السوء والفحشاء. فقال عليه السلام رب السجن احب الي مما يدعونني اليه. والا اصرف عني كيدهن اصب اليهن. اصب اليهن واكن من الجاهلين. فاختار السجن المتضمن للعقوبة والاهانة على مراد النفس الدني المثمر للخسران الدائم. وتملق الى الله وتضرع في صرف كيدهن واجتهادهن في فتنته. وفوض الامر الى ربه وعلم ان الله ان وكله الى نفسه ولم يصرف عنه كيدهن فلابد ان يصبو اليهن ويفعل افعال الجاهلين لان هذا طبع النفس الا من رحم الله قوله تعالى ما لهم به من علم ولا لابائهم. كبرت كلمة تخرج من افواههم. ان يقولون الا كذبا ابطل به قول من زعم ان لله ولدا من ثلاثة اوجه بل من اربعة. احدها انه قول بلا علم ومن المعلوم ان القول بلا علم من اعظم المختلقات وان ذلك من الجهالات والضلالات خصوصا في اعظم المسائل واهمها وهي مسألة التوحيد وتفرد الباري جل جلاله بالكمال وتنزهه عن كل ما يليق بجلاله من انواع النقائص المنافية لكمال الربوبية وعظمة الالهية. فنفى عنهم العلم ونفى فعنهم التقليد لاهل العلم. فلم يقولوا شيئا يعلمونه. ولا اقتدوا بالعالمين. بل هم واباؤهم في ضلال مبين والوجه الثاني قوله كبرت كلمة تخرج من افواههم اي عظمت وزادت في الشناعة الى حد يستعجب كيف نطقوا بها وكيف خرجت هذه الكلمة الشنيعة من افواههم التي تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا. ان دعوا للرحمن ولدا. وان كانت شنيعة جدا لانها متضمنة لشتم رب العالمين وسبه كما قال في الحديث الصحيح كتمني ابن ادم ولم يكن له ذلك وكذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك اما شتمه اياي فقوله ان لي ولدا وانا الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له كفوا احد. الى اخر الحديث. فاي شتم اعظم من هذا الشتم الذي مضمونه حاجة رب العالمين الى اتخاذ الصاحبة والولد ومنافات وحدانيته وتفرده بالكمال الوجه الثالث قوله ان يقولون الا كذبا. فسجل على ان قولهم هذا هو الكذب الصراح والافك المبين. وتأمل كيف ارتقى في بابطاله من وجه يبطله ويفسده الى وجه اخر يزيد في ابطاله الى وجه ثالث لا يبقى معه ريب ولا شك لكل ذي بصيرة في ابطاله. فنفى العلم بوجوهه وشنع ما قالوه وعظمه واخبر عن مرتبته وانه قول في اخس المراتب واسفلها. وهو الكذب والافتراء. والوجه الرابع ما يحصل به من مجموع هذه الاوجه فان الهيئة الاجتماعية يحصل منها اثر ودلالة غير ما حصل لكل وجه على انفراده ويحصل بها من تصريح الدلالة ما يتضح به الحق وينجلي وهكذا كل مسألة عليها عدة ادلة فانه يحصل بكل دليل على انفراده علم ثم يحصل بالدليل الاخر علم اخر ثم يحصل باجتماعهما علم اخر وهكذا كلما كثرت وتعددت. وبهذا ونحوه يعلم ان المسائل الكبار كمسألة التوحيد وفروعه ومسألة المعاد ومسألة النبوة ان من تتبع ادلتها واستقرأ براهينها فانه يحصل له من حق اليقين. ومن العلم الكامل فيها ما لا يحصل في غيرها من المسائل التي هي دونها وهذا من اجل قواعد الايمان وافضل العلوم النافعة واعظم ما يقرب الى رب العالمين