المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في قصة ادم ابي البشر. لم يزل الله اولا ليس قبله شيء. ولم يزل فعالا لما يريد. ولا خلا وقت من الاوقات من افعال واقوال تصدر عن مشيئته وارادته بحسب ما تقتضيه حكمة الله الذي هو حكيم في كل قدره وقضاه. كما هو حكيم في كل ما شرعه لعباده. فلما اقتضت الحكمة الشاملة والعلم المحيط من الله والرحمة السابغة خلق ادم ابي البشر الذين فضلهم الله على كثير ممن خلق تفضيلا اعلم الملائكة وقال اني جاعل في الارض خليفة يخلف من كان قبلكم من المخلوقات التي لا يعلمها الا هو قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وهذا منهم تعظيم لربهم واجلال له على انه ربما يخلق مخلوقا يشبه اخلاق المخلوقات الاول. او ان الله تعالى اخبرهم بخلق ادم وبما يكون من مجرم في ذريته. قال الله للملائكة اني اعلم ما لا تعلمون فانه محيط علمه بكل شيء وبما يترتب على هذا المخلوق من المصالح والمنافع التي لا تعد ولا تحصى فعرفهم تعالى بنفسه بكمال علمه وانه يجب الاعتراف لله بسعة العلم والحكمة التي من جملتها انه لا يخلق شيئا عبثا ولا لغير حكمة. ثم بين لهم على وجه التفصيل فخلقه بيده تشريفا له على جميع المخلوقات. قبض قبضة من جميع الارض سهلها وحزنها. طيبها وخبيثها ليكون النسل على هذه الطبائع. فكان ترابا اولا ثم القى عليه الماء فصار طينا. ثم لما قالت مدة بقاء الماء على الطين تغير ذلك الطين فصار حمأ مسنونا. طينا اسود ثم ايبثه بعدما صوره فصار كالفخار الذي له صلب صلاة. وفي هذه الاطوار هو جسد بلا روح فلما تكامل خلق جسده نفخ فيه الروح فانقلب ذلك الجسد الذي كان جمادا حيوانا له عظام ولحم واعصاب وعروق. وروح هي حقيقة الانسان واعده الله لكل علم وخير. ثم اتم عليه النعمة فعلمه اسماء الاشياء كلها. والعلم التام يستدعي الكمال التام امال الاخلاق. فاراد الله ان يري الملائكة كمال هذا المخلوق فعرض هذه المسميات على الملائكة وقال لهم انبئوني باسمائه هؤلاء ان كنتم صادقين طين بمضمون كلامكم الاول الذي مقتضاه ان ترك خلقه اولى هذا بحسب ما بدا لهم في تلك الحال فعجزت الملائكة عليهم السلام عن معرفة اسماء هذه المسميات وقالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا. انك انت العليم الحكيم. قال الله يا ادم انبئهم باسمائهم فلما انبأهم باسمائهم جاهد الملائكة من كمال هذا المخلوق وعلمه ما لم يكن لهم في حساب وعرفوا بذلك على وجه التفصيل والمشاهدة كمال حكمة الله وعظموا ادم غاية التعظيم فاراد الله ان يظهر هذا التعظيم والاحترام لادم من الملائكة ظاهرا وباطنا فقال للملائكة اسجدوا لادم احتراما له وتوقيرا وتبجيلا وعبادة منكم لربكم وطاعة ومحبة وذلا فبادروا كلهم اجمعون فسجدوا. وكان ابليس بينهم. وقد وجه اليه الامر بالسجود معهم وكان من غير عنصر الملائكة كان من الجن المخلوقين من نار السموم. وكان مبطنا للكفر بالله. والحسد لهذا الانسان الذي فضله الله هذا التفضيل فحمله كبره وكفره على الامتناع عن السجود لادم كفرا بالله واستكبارا. ولم يكفه الامتناع حتى باح بالاعتراض على ربه والقدح في حكمته فقال انا خير منه. خلقتني من نار وخلقته من طين. فقال الله له يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين. فكان هذا الكفر والاستكبار والابادة منا وشدة النفاق هو السبب الوحيد ان يكون مطرودا ملعونا. فقال الله له فاهبط منها فما يكون لك انت تتكبر فيها فاخرج انك من الصابرين. فلم يخضع الخبيث لربه ولم يتب اليه. بل بارزه بالعداوة وصمم التصميم التام على عداوة ادم وذريته. ووطن نفسه لما علم انه حتم عليه الشقاء الابدي. ان يدعو بقوله وفعله وجنوده الى ان يكونوا من حزبه. الذين كتبت لهم دار البوار. فقال رب انظرني الى يوم يبعثون. فيتفرغ لاعطاء العداوات حقها في ادم وذريته ولما كانت حكمة الله اقتضت ان يكون الادمي مركبا من طبائع متباينة واخلاق طيبة او خبيثة. وكان لابد من تمييز هذه الاخلاق فتصفيتها بتقدير اسبابها من الابتلاء والامتحان الذي من اعظمه تمكين هذا العدو من دعوتهم الى كل شر اجاب فانك من المنظرين. الى يوم الوقت المعلوم. فقال لربه معلنا معصيته وعداوته ادم وذريته فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين قال ابليس هذه المقالة ظنا منه لانه عرف ما جبل عليه الادمي ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين فمكنه الله من الامر الذي يريده ابليس في ادم وذريته. فقال الله له اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا. واستفزز من استطعت منهم صوتك واجلب عليهم بخيرك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد. اي ان قدرت فاجعلهم منحرفين في تربية اولادهن الى التربية الضارة. وفي صرف اموالهم المصارف الضارة. وفي الكسب الضار. وايضا شارك منهم من اذا تناول طعاما او شرابا او نكاحا. ولم يذكر اسم الله عليه ذلك في الاموال والاولاد. وعدهم اي مرهم ان يكذبوا بالبعث والجزاء والا يقدموا على خير. وخوفهم من اوليائك وخوفهم عند الانفاق النافع بالفحشاء والبخل وهذا من الله لحكم عظيمة واسرار. وانك ايها العدو المبين لا تبقي من مقدورك في اغوائهم شيئا. فالخبيث منه هم يظهر خبثه ويتضح شره. والله لا يعبأ به ولا يبالي. واما خواص الذرية من الانبياء واتباعهم من الصديقين والاصفياء طبقات الاولياء والمؤمنين. فان الله تعالى لم يجعل لهذا العدو عليهم تسلطا. بل اقام عليهم سورا منيعا هو حمايته وكفايته. وزودهم بسلاح لا يمكن عدوهم مقاومتهم. بكمال الايمان بالله وقوة توكلهم عليه انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ومع ذلك فاعانهم على مقاومة هذا العدو المبين بامور كثيرة. انزل عليهم كتبه المحتوية على العلوم النافعة. والمواعظ المؤثرة الترغيب الى فعل الخيرات والترهيب من فعل الشرور. وارسل اليهم الرسل مبشرين من امن بالله واطاعه بالثواب العاجل. ومنذرين من كفر وكذب بالعقوبات المتنوعة. وضمن لمن اتبع هداه الذي انزل به كتبه وارسل به رسله الا يضل في الدنيا ولا اشقى في الاخرة. وانه لا خوف عليه ولا حزن يعتريه. وارشدهم في كتبه. وعلى السنة رسله الى الامور التي بها يحتمون من هذا العدو المبين. وبين لهم ما يدعو اليه هذا الشيطان وطرقه التي يصطاد بها الخليقة. وكما بينها لهم ووضحها فقد ارشدهم الى الطرق التي ينجون بها من شره وفتنته. واعانهم على ذلك اعانة قدرية خارجة عن قدرتهم بانهم لما بذلوا المجهود واستعانوا بالمعبود سهل لهم كل طريق يوصل الى المقصود. ثم ان الله تعالى اتم نعمته على ادم فخلق منه زوجته حواء من جنسه وعلى شكله ليسكن اليها وتتم المقاصد المتعددة من الزواج والالتئام وتنبث الذرية بذلك. فقال له ولزوجته ان الشيطان عدو لكما. فاحذراه غاية الحذر. فلا يخرج جنكما من الجنة التي اسكنكما الله اياها. واباحكما ان تأكلا من جميع ثمارها. وان تتمتع بجميع ذاتها الا شجرة معينة في هذه الجنة. فحرمها عليهما فقال فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. وقال الله لادم في تمتيعه هذه الجنة ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى. وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فمكثا في الجنة ما شاء الله على هذا الوصف الذي ذكره الله تعالى وعدوهما يراقبهما ويراصدهما. وينظر الفرصة فيهما. فلما رأى سرور ادم بهذه ورغبته العظيمة في دوامها جاءه بطريق لطيف. في صورة الصديق الناصح فقال يا ادم هل ادلك على شجرة اذا اكلت منها خلدت في هذه الجنة؟ ودام لك الملك الذي لا يبلى. فلم يزل يوسوس ويزين ويسول ويعد ويمني ويلقي عليهما من النصائح الظاهرة. وهي اكبر الغش حتى غرهما. فاكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها وحرمها عليهما. فلما اكلا منها بدت لهما سوءاتهما بعدما كانا مستورين. وطفقا يقصفان على انفسهما من اوراق تلك الجنة. اي يلزقان على ابدانهما العارية. ليكون بدل اللباس وسقط في ايديهما. وظهرت في الحال عقوبة معصيتهما وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين الله في قلوبهما التوبة التامة والانابة الصادقة. فتلقى ادم من ربه كلمات وقال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. فتاب الله عليهما ومحى الذنب الذي اصابه. ولكن الامر الذي حذرهما الله منه. وهو الخروج من هذه الجنة ان تناول منها. تحتم فهو مضى فخرج منها الى الارض التي حشي خيرها بشرها. وسرورها بكدرها. واخبرهما الله انه لابد ان يبتليهما وان من امن وعمل صالحا كانت عاقبته خيرا من حالته الاولى. ومن كذب وتولى فاخر امره الشقاء ابدي والعذاب السرمدي. وحذر الله الذرية منه فقال يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج عليكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. انه يراكم هو وقبيله ومن حيث لا ترونهم. وابدلهم الله بذلك اللباس الذي نزعه الشيطان من الابوين بلباس يواري السوءات ويحصل به الجمال الظاهر في الحياة ولباس اعلى من ذلك وهو لباس التقوى. الذي هو لباس القلب والروح بالايمان والاخلاص والانابة. والتحلي بكل خلق كريم والتخلي عن كل خلق رذيل ثم بث الله من ادم وزوجه رجالا كثيرا ونساء ونشرهم في الارض واستخلفهم فيها لينظر كيف يعملون فوائد مستنبطة من هذه القصة اصولية وفروعية واخلاق واداب فمنها ان هذه القصة العظيمة ذكرها الله في كتابه في مواضع كثيرة صريحة لا ريب فيها ولا شك وهي من اعظم القصص التي اتفقت عليها الرسل ونزلت بها الكتب السماوية. واعتقدها جميع اتباع الانبياء من الاولين والاخرين حتى نبغت في هذه الازمان المتأخرة فرقة خبيثة زنادقة انكروا جميع ما جاءت به الرسل. وانكروا وجود الباري ولم تثبت من العلوم الا العلوم الطبيعية التي وصلت اليها معارفهم القاصرة. فبناء على هذا المذهب الذي هو ابعد المذاهب عن حقيقة شرعا وعقلا انكروا ادم وحواء. وما ذكره الله ورسوله عنهما. وزعموا ان هذا الانسان كان حيوانا قردا او شبيها بالقرد. حتى ارتقى الى هذه الحال الموجودة وهؤلاء اغتروا بنظرياتهم الخاطئة المبنية على ظنون وعقول من اصلها فاسدة وتركوا لاجلها جميع العلوم الصحيحة خصوصا ما جاءتهم به الرسل. وصدق عليهم قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم. فرحوا بما عندهم من العلم وحاق مما كانوا به يستهزئون. وهؤلاء امرهم ظاهر لجميع المسلمين. ولجميع المثبتين وجود الباري انهم اضلوا الطوائف. ولكن تسرب على بعض المسلمين من هذا المذهب الدهري. بعض الاثار والفروع المبنية على هذا القول اذ فسر طائفة من العصريين سجود الملائكة لادم ان معناه تسخير هذا العالم للادميين. وان الارضية والمعدنية ونحوها قد سخرها الله للادمي. وان هذا هو معنى سجود الملائكة. ولا يستريب مؤمن بالله واليوم الاخر ان هذا مستمد من ذلك الرأي الاثم. وانه تحريف لكتاب الله. لا فرق بينه وبين تحريف الباطل بنية والقرامطة. وانه اذا اولت هذه القصة الى هذا التأويل توجه نظير هذا التحريف لغيرها من قصص القرآن وانقلب القرآن بعدما كان تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة رموزا يمكن كل عدو للاسلام ان يفعل بها هذا فيبطل بذلك القرآن وتعود هدايته اضلالا ورحمته نقمة سبحانك هذا بهتان عظيم والمؤمن في هذا الموضع يكفيه لابطال هذا القول الخبيث ان يتلو ما قصه الله علينا من قصة ادم وسجود الملائكة اعلم ان هذا مناف لما قصد الله ورسوله غاية المنافاة. وان زخرفه اصحابه ولووا له العبارات ونسبوه الى بعض لمن يحسن بهم الظن. فالمؤمن لا يترك ايمانه ولا كتاب ربه لمثل هذه الترويجات المغررة او المغرور اصحابها ومنها فضيلة العلم ان الملائكة لما تبين لهم فضل ادم بعلمه عرفوا بذلك كماله وانه يستحق الاجلال والتوقير ومنها ان من من الله عليه بالعلم عليه ان يعترف بنعمة الله عليه وان يقول كما قالت الملائكة والرسل سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا. وان يتوقى التكلم بما لا يعلم فان العلم اعظم المنن وشكر هذه النعمة الاعتراف لله بها الثناء عليه بتعليمها تعليم الجهال والوقوف على ما علمه العبد. والسكوت عما لم يعلمه. ومنها ان الله جعل هذه القصة لنا معتبرا وان الحسد والكبر والحرص من اخطر الاخلاق على العبد. فكبر ابليس وحسده لادم طيره الى ما ترى. وحرص ادم وزوجه حملهما على تناول الشجرة. ولولا تدارك رحمة الله لهما لاودت بهما الى الهلاك ولكن رحمة الله تكمل الناقص وتجبر الكسير وتنجي الهالك وترفع الساقط. ومنها انه ينبغي للعبد اذا وقع في ذنب ان يبادر الى التوبة والاعتراف ويقول ما قاله الابوان من قلب خالص وانابة صادقة. فما قص الله علينا صفة توبتهما الا لنقتدي بهما. فنفوز بالسعادة وننجو من الهلكة. وكذلك كما اخبرنا بما قاله الشيطان من توعدنا وعزمه الاكيد على اغوائنا بكل طريق الا لنستعد لهذا العدو الذي تظاهر بهذه العداوة البليغة المتأصلة. والله يحب منا ان نقاومه بكل ما نقدر عليه من تجنب طرقه وخطواته وفعل الاسباب التي يخشى منها الوقوع في شباكه. ومن عمل الحصون من الاوراد الصحيحة والاذكار كاري القلبية والتعوذات المتنوعة ومن السلاح المهلك له من صدق الايمان وقوة التوكل على الله ومراغمته في اعمال الخير ومقاومة وساوسه. والافكار الرديئة التي يدفع بها الى القلب كل وقت. بما يضادها ويبطلها من العلوم النافعة والحقائق الصادقة ومنها ان فيها دلالة لمذهب اهل السنة والجماعة المثبتين لله ما اثبته لنفسه من الاسماء الحسنى والصفات كلها. لا فرق بين صفات الذات ولا بين صفات الافعال. ومنها اثبات اليدين لله. كما هو في قصة ادم صريحا لما خلقت بيدي فله يدان حقيقية. كما ان ذاته لا تشبهها الذوات وصفاته تعالى لا تشبهها الصفات قصة نوح عليه السلام مكث البشر بعد ادم قرونا طويلة. وهم امة واحدة على الهدى. ثم اختلفوا وادخلت عليهم الشياطين الشرور المتنوعة بطرق كثيرة فكان قوم نوح قد مات منهم اناس صالحون فحزنوا عليهم فجاءهم الشيطان فامرهم ان يصوروا تماثيلهم ليتسلوا بها وليتذكروا بها احوالهم. فكان هذا مبتدأ الشر فلما هلك الذين صوروهم بهذا المعنى جاء من بعدهم وقد اضمحل العلم. فقال لهم الشيطان ان هؤلاء ودوا وسواعوا ويغوص ويعوق ونسرا قد كان اولوكم يدعونهم ويستشفعون بهم وبهم يسقون الغيث تزول الامراض فلم يزل بهم حتى انهمكوا في عبادتهم على رغم نصح الناصحين. ثم بعث الله فيهم نوحا صلى الله عليه وسلم. يعرفون ويعرفون صدقه وامانته وكمال اخلاقه. فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ورغبهم في خير الدنيا والاخرة. فقال يا قومي اني لكم نذير مبين. ان اعبدوا الله واتقوه واطيعوه. يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى. فلما بدأهم بالامر بالاخلاص لله وتسفيه ارائهم وتخويفهم بعقوبات الدنيا والاخرة قالوا ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي. وما نرى لكم علينا من فضل. بل انكم كاذبين وطلبوا منه ان يطرد من كان معه من المؤمنين استكبارا منهم واستنكافا على الحق وعلى الخلق. فبين لهم انه ليس به ضلال. واننا به تزول الضلالة عن الخلق وانه رسول امين على بينة من ربه وبراهين واضحة. وان المؤمنين لا يحل طردهم. بل حقهم الاكرام والاحترام وانه لا يدعي لهم طورا يزاحم فيه الرب. فقال ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك ولا اقول للذين تزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا. فلم يزل يدعوهم ليلا ونهارا سرا وجهارا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا ونفورا واعراضا. وتواصيا منهم على الاقامة على ما هم عليه من عباد غير الله والتمسك بها. فقال نوح ربي انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ما له وولده الا خسارا. وما مكرا كبارا وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودوا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا اه فلما رأى ان التذكير لا ينفع فيهم بوجه من الوجوه وانه كلما جاء قرن كان اخبث مما قبله قال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. انك ان تذرهم يضلوا عبادك. ولا يلدوا الا فاجرا كفارا فاجاب الله دعوته وامره ان يصنع الفلك برعاية منه. وحسن نظر وتعليم من الله له هذه الصنعة. التي امتن الله بها على العباد. وصار نوح له الفضل والابتداء بهذه الصناعة. التي حصل بها من المنافع الدينية والدنيوية في جميع الاوقات ما لا يعد ولا يحصى. واخبره الله بتحتم اغراقهم. وانه لا يخاطب ربه فيهم فانهم ظالمون وجعل يصنع الفلك. وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه. فقال لهم ان تسخروا منا اليوم فانا نسخر منكم اذا وقع الهلاك بكم. واوحى الله اليه انه اذا جاء ذلك الوقت وثار التنور اي جعلت الارض كلها تنفي تجر عيونا من كل جانب حتى المواضع البعيدة عن الماء عادة. وامره ان يحمل من البهائم من كل زوجين اثنين ذكرا وانثى انثى ليبقى نسلها لانه يتعذر حملها كلها. والحكمة تقتضي ابقاء هذه الحيوانات التي خلقها الله مسخرة لمصالح البشر. ويحمل معه جميع من امن من رجال ونساء والحال انه ما امن معه الا قليل وامره ان يحمل اهله الا من سبق عليه القول بالهلاك. فلما اركب جميع من امر بهم قال لهم سموا الله كل لما جرت وكلما رست لان الاسباب مهما عظمت فهي من لطف الله ولا تمام لها الا بالله فحينئذ فجر الله الارض عيونا وامر السماء ان تصب الماء المنهمر الكثير. فالتقت مياه السماء بمياه الارض وساحت على الاماكن المنخفضة ثم ارتفعت شيئا فشيئا على كل المرتفعات حتى خفيت قمم الجبال الشاهقة. والسفينة تجري بهم في موج كالجبال. تضرب يمينا وشمالا. وفي تلك الحال المزعجة رأى نوح ابنه الكافر الذي كان على دين قومه وقد اعتزل اباه حتى في هذه الحال رآه مثل سائر قومه قد فر هاربا من المياه الجارفة. فناداه نوح مترفقا فقال يا بني اركب معنا ولا لا تكن مع الكافرين. فتمادى به الغرور في تلك الحال. التي تنقشع فيها الغياهب. الا عن القلوب المحجوبة فقال سآوي الى جبل يعصمني من الماء. لم يخطر ببالهم ان المياه سترتفع فوق رؤوس الجبال. فقال له نوح عاصم اليوم من امر الله الا من رحم لا يعصم جبل ولا حصن ولا غير ذلك الا من رحم الله. ورحمته في تلك كالحال متعينة في ركوب السفينة مع نوح وحال بينهما الموج فكان ذلك الابن من المغرقين. فاغرق الله جميع الكافرين. ونجى نوحا ومن معه اجمعين وكان ذلك اية على ان ما جاء به نوح من التوحيد والرسالة والبعث والدين حق. وان من خالفه فانه مبطل. ودليل على الجزاء في الدنيا لاهل الايمان بالنجاة والكرامة. ولاهل الكفر بالهلاك والاهانة. فلما حصل هذا المقصود العظيم امر الله السماء ان تقلع عن الارض. والارض ان تبلع ما فيها وغيض الماء اي نقص شيئا فشيئا. واستوت السفينة بعد غيض الماء على الجودي وهو جبل شامخ معروف في نواحي الموصل. وهذا دليل على ان جميع الجبال قد غمرته المياه وجاوزها الطوفان. وحزن نوح على ابنه فقال مناديا ربه مترفقا متضرعا يا رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق ان احمل معي اهلي وانت ارحم الراحمين. فقال له ربه انه ليس من اهلك الموعود بنجاتهم. لان الله قيد ذلك بقوله الا من سبق عليه القول. انه عمل غير صالح اي هذا الدعاء لابنك الذي على دين قومه بالنجاة فلا تسألني ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين وهذا عتاب منه لنوح وتعليم له وموعظة عن مثل هذا الدعاء الذي انما حمله عليه الشفقة الابوية. وانما الواجب في الدعاء ان يكون الحامل له العلم والاخلاص في طلب رضا الله تعالى. فقال نوح ربي اني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك. وعلى امم ممن معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم. فهبط وبارك الله في ذريته وجعل ذريته هم الباقين كان اولاده ياثف ملأ المشرق من الذرية وحام ملأ المغرب من النسل وسام ملأ ما بين ذلك ومكث في قومه الف سنة الا خمسين عاما. ومكث بعد هلاكهم ما شاء الله. وكان من اولي العزم من المرسلين. ومن خمسة الذين تدور عليهم الشفاعة يوم القيامة. وهو اول الرسل الى الناس وهو الاب الثاني للبشر صلى الله عليه وسلم تسليما. يستفاد من هذه القصة امور. منها ان جميع الرسل من نوح الى محمد صلى الله عليه وسلم متفقون على الدعوة الى التوحيد الخالص والنهي عن الشرك فنوح وغيره اول ما يقولون لقومهم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ويكررون هذا الاصل بطرق كثيرة ومنها اداب الدعوة وتمامها. فان نوحا دعا قومه ليلا ونهارا. وسرا وجهارا بكل وقت وبكل حالة كن فيها نجاح الدعوة. وانه رغبهم بالثواب العاجل. وبالسلامة من العقاب. وبالتمتيع بالاموال والبنين. وادرار الارزاق اذا امنوا وبالثواب الاجل. وحذرهم من ضد ذلك فصبر على هذا صبرا عظيما كغيره من الرسل. فخاطبهم بالكلام الرقيق والشفقة. وبكل لفظ جاذب للقلوب محصل للمطلوب واقام الايات وبين البراهين. ومنها ان الشبه التي قدح فيها اعداء الرسل برسالتهم من الادلة على على ابطال قول المكذبين فان الاقوال التي قالوها ولم يكن عندهم غيرها ليس لها حظ من العلم والحقيقة عند كل عاقل. فقول قوم نوح ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين تأمل جملها تجدها تمويهات دالة على انهم مبطلون مكابرون للحقيقة. فقولهم ما نراك الا بشرا مثلنا فهل في كون الحق جاء على يد بشر شيء من الشبهة تدل على انه ليس حق. ومضمون هذا الكلام ان كل قول قاله البشر من اي مصدر يكون باطلا هذا قدح منهم في جميع العلوم البشرية المستفادة من البشر. ومعلوم ان هذا يبطل العلوم كلها. فهل عند البشر علوم الا لا مستفيدها بعضهم من بعض وهي متفاوتة فاعظمها واصدقها ما تلقاه الناس عن الرسل الذين علومهم عن وحي الهي وكذلك قولهم وما نرى لكم علينا من فضل. اي نحن وانتم بشر وقد اجابت الرسل كلهم عن هذه المقالة فقالوا ان نحن الا بشر مثلكم. ولكن الله يمن على من يشاء من عباده فمن الله على الرسل وخصهم بالوحي والرسالة مع ان انكارهم عليهم من هذه الجهة من اكبر الجهل واعظم القدح في نعمة الله فان رحمة الله وحكمته اقتضت ان يكون الرسل من البشر. ليتمكن العباد من الاخذ عنهم. وتتيسر عليهم هذه ويسهل الله لهم طرقها فهؤلاء المكذبون كفروا باصل النعمة وبالطريق المستقيم النافع الذي جاءته قم به كذلك قولهم وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا. من المعلوم لكل احد عاقل ان الحق يعرف انه حق كن بنفسه لا بمن تبعه. وان هذا القول الذي قالوه صدر عن كبر وتيه الكبر اكبر مانع للعبد من معرفة الحق ومن اتباعه. وايضا قولهم اراذلنا ان ارادوا الفقر فالفقر ليس من العيوب. وان ارادوا اراذلنا في الاخلاق فهذا كذب معلوم بالبديهة. وانما الاراذل الذين قالوا هذه المقالة. فهل الايمان بالله ورسله وطاعة الله ورسله والانقياد للحق والسلامة من كل خصلة ذميمة. هل هذا الوصف رذيلة واهله اراذل ام الرذيلة بضده من ترك افرض الفروض توحيد الله وشكره وحده وامتلاء القلب من التكبر على الحق وعلى الخلق هذا والله ارذل الرذائل. ولكن القوم مباهتون فما نقموا من هؤلاء الاخيار الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وقولهم بادي الرأي اي مبادرة منهم الى الايمان ماني بك يا نوح لم يشاوروا ولم يتأنوا ويترووا. لو فرض ان هذا حقيقة فهذا من ادلة الحق. فان الحق عليه من البراهين والجلالة والبهاء والصدق والطمأنينة ما لا يحتاج الى مشاورة احد باتباعه. وانما التي تحتاج الى مشاورة ان هي الامور الخفية التي لا تعلم حقيقتها ولا منفعتها. اما الايمان الذي هو اجل من الشمس في نورها واحلى من كل شيء فما يتأخر عنه الا كل متكبر جبار. امثال هؤلاء الطغاة البغاة وقولهم وما نرى لكم علينا من فضل هل في هذا الكلام شيء من الانصاف بوجه؟ لانهم يخبرون عن انفسهم. وكلامهم يحتمل انه الذي في قلوبهم ويحتمل انهم يقولون ما لا يعتقدون. وعلى كلا الامرين فالحق يجب قبوله. سواء اقاله الفاضل ام المفضول الحق اعلى من كل شيء. وكذلك قولهم بل نظنكم كاذبين. معلوم ان الظن اكذب الحديث ثم لو قالوا بل نعلمكم كاذبين فهذه كل مبطل يقدر ان يقولها. ولكن باي شيء استدللتم انهم كاذبون؟ فهذه ادلتهم وبراهينهم قالت نفسها بنفسها كما ترى. فكيف وقد قابلها الرسل بالادلة والبراهين المتنوعة التي لا تبقي ريبا لاحد في بطلانها. ومنها ان من فضائل الانبياء وادلة رسالتهم اخلاصهم التام لله تعالى في عبوديتهم لله القاصرة وفي عبوديتهم المتعدية لنفع الخلق كالدعوة والتعليم وتوابع ذلك. ولذلك يبدون ذلك ويعيدونه على اسماء قومهم كل منهم يقول ويا قومي لا اسألكم عليه مالا ان اجري الا على الله. ولهذا كان من اجل الفضائل لاتباع الرسل ان يكونوا مقتدين بالرسل في هذه الفضيلة والله تعالى يجعل لهم من فضله من رفعة الدنيا والاخرة اعظم مما يتنافس فيه طلاب الدنيا. ومنها ان القدح في نيات المؤمنين وفيما من الله عليهم به من الفضائل والتألي على الله انه لا يؤتيهم من فضله من مواريث اعداء الرسل. فلهذا قال نوح لقومه حين تألوا على الله وتوسلوا في ذم المؤمنين به بذلك. فقال ولا اقول للذين تزدري اعينكم يؤتيهم الله خيرا. الله اعلم بما في انفسهم ومنها انه ينبغي الاستعانة بالله. وان يذكر اسمه عند الركوب والنزول. وفي جميع التقلبات والحركات وحمد الله والاكثار من ذكره عند النعم. لا سيما النجاة من الكربات والمشقات كما قال تعالى وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها. وقال فاذا استويت انت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وانه ينبغي ايضا الدعاء بالبركة في نزول المنازل العارضة. كالمنازل في اقامات السفر وغيره. والمنازل المستقرة كالمساكن والدور. لقوله وقل رب انزلني منزلا مباركا وانت ده خير المنزلين. وفي ذلك كله من استصحاب ذكر الله. ومن القوة على الحركات والسكنات. ومن قوة الثقة بالله ومن نزول بركة الله التي هي خير ما صحبت العبد في احواله كلها. ما لا غنى للعبد عنه طرفة عين. ومنها ان تقوى الله والقيام بواجبات الايمان من جملة الاسباب التي تنال بها الدنيا وكثرة الاولاد والرزق وقوة الابدان. وان كان ايضا اسباب اخر وهي السبب الوحيد الذي ليس هناك سبب سواه في نيل خير الدنيا والاخرة. والسلامة من عقابها ومنها ان النجاة من العقوبات العامة الدنيوية هي للمؤمنين. وهم الرسل واتباعهم. واما العقوبات الدنيوية العامة فانها تختص بالمجرمين. ويتبعهم توابعهم من ذرية وحيوان. وان لم يكن لها ذنوب. لان الوقائع التي اوقعها الله وباصناف المكذبين شملت الاطفال والبهائم. فاما ما يذكر في بعض الاسرائيليات ان قوم نوح او غيرهم لما اراد الله اهلاكهم. اعقم الارحام حتى لا يتبعهم في العقوبة اطفالهم. فهذا ليس له اصل. وهو مناف للامن المعلوم وذلك مصداق لقوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاتم خاصة قصة هود عليه السلام. بعث الله هودا عليه السلام الى قومه عادا الاولى. المقيمين بالاحقاف من رمال حضرموت لما كثر شرهم وتجبروا على عباد الله وقالوا من اشد منا قوة مع شركهم بالله وتكذيبهم لرسل الله فارسلهم الله اليهم يدعوهم الى عبادة الله وحده وينهاهم عن الشرك والتجبر على العباد. ويدعوهم بكل وسيلة ويذكرهم ما انعم الله عليهم به من خير الدنيا والبسطة في الرزق والقوة. فردوا دعوته وتكبروا عن اجابته وقالوا يهود ما جئتنا بينة وهم كاذبون في هذا الزعم فانه ما من نبي الا اعطاه الله من الايات ما على مثله يؤمن البشر. ولو لم يكن من ايات يأتي الرسل الا نفس الدين الذي جاءوا به اكبر دليل انه من عند الله. باحكامه وانتظامه للمصالح في كل زمان بحق اسده وصدق اخباره وامره بكل خير ونهيه عن كل شر. وان كل رسول يصدق من قبله ويشهد له. ويصدقه من بعده ويشهد له. ومن ايات هود الخاصة انه متفرد وحده في دعوته وتسفيه احلامهم وتضليلهم. والقدح في وهم اهل البطش والقوة والجبروت. وقد خوفوه بالهتهم ان لم ينته ان تمسه بجنون او سوء. فتحداهم علنا وقال لهم جهارا اني اشهد الله واشهدوا باني بريء مما تشركون. من دونه تكيدوني جميعا ثم لا تنظرون. اني توكلت على الله ربي وربكم. ما من دابة الا ها هو اخذ بناصيتها. ان ربي على صراط مستقيم. فلم يصلوا اليه بسوء. فاي اية اعظم منها هذا التحدي لهؤلاء الاعداء الحريصين على ابطال دعوته بكل طريق. فلما انتهى طغيانهم تولى عنهم وحذرهم العذاب فجاءهم العذاب معترضا في الافق. وكان الوقت وقت شدة عظيمة. وحاجة شديدة الى المطر. فلما استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا. قال الله بل هو ما استعجلتم به بقولكم فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين ريح فيها عذاب اليم. تدمر كل شيء. تمر عليه. سخرها الله سبع ليال وثمانية بايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية. فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم. كذلك نجزي القوم المجرمين. فبعدما كانت الدنيا لهم ضاحكة. والعز بليغ. ومطالب الحياة متوفرة. وقد ولهم من حولهم من الاقطار والقبائل. اذ ارسل الله اليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات. لنذيقهم عذاب في الحياة الدنيا والعذاب الاخرة اخزى وهم لا ينصرون. واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة الا ان عادا كفروا ربهم الا بعدا لعاد قوم هود. ونجى الله هود ومن معه من المؤمنين ان في ذلك لاية على كمال قدرة الله واكرامه الرسل واتباعهم ونصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد واية على ابطال الشرك. وان عواقبه شر العواقب واشنعها. واية على البعث والنشور. فوائد من هذه ايه القصة؟ فيها ما تقدم من قصة نوح من الفوائد المشتركة بين الرسل. ومنها ان الله بحكمته يقص علينا نبأ الامم مجاورين لنا في جزيرة العرب وما حولها. لان القرآن يذكر اعلى الطرق في التذكير. والله تعالى صرف فيه التذكيرات تصريف فالنافع ولا ريب ان الاقطار النائية عنا في مشارق الارض ومغاربها قد بعث الله اليهم رسلا ولهم معهم نظير هما للمذكورين من اجابة ورد واكرام وعقوبة. وما من امة الا بعث الله فيهم رسولا. ولكن نفعنا بتذكير ارنا بما حولنا وما نتناقله جيلا بعد جيل. بل نشاهد اثارهم ونمر بديارهم كل وقت. ونفهم واتهم وطبائعهم اقرب الى طبائعنا. لا ريب ان نفع هذا عظيم. وانه اولى من تذكيرنا بامم لم نسمع لهم بذكر ولا خبر ولا نعرف لغاتهم ولا تتصل الينا اخبارهم بما يطابق ما يخبرنا الله به. فيؤخذ من هذا ان كير الناس بما هو اقرب الى عقولهم وانسب لاحوالهم. وادخل على مداركهم وانفع لهم من غيره اولى من التذكير راتب طرق اخرى وان كانت حقا. لكن الحق يتفاوت والمذكر والمعلم اذا سلك هذا الطريق واجتهد في ايصال العلم والخبر الى الناس بالوسائل التي يفهمونها ولا ينفرون منها او تكون اقرب لاقامة الحجة عليهم نفع وانتفع. واشار الباري الى هذا في اخر قصة عاد فقال ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الايات اي نوعناها بكل فن ونوع لعلهم يرجعون. اي ليكون اقرب لحصول الفائدة. ومنها ان اتخاذ المباني الفخمة فخر والخيلاء والزينة وقهر العباد بالجبروت من الامور المذمومة الموروثة عن الامم الطاغية. كما قال الله في قصة عاد وان كار هود عليهم قال اتبنون بكل ريع اية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وبالجملة فالبنايات للقصور والحصون والدور وغيرها من الابنية اما ان تتخذ مساكن للحاجة اليها حاجات تتنوع وتختلف. فهذا النوع من الامور المباحة. وقد يتوسل به بالنية الصالحة الى الخير. واما ان تكون البنايات حصونا واقية لشرور الاعداء. وثغورا تحفظ بها البلاد ونحوها مما ينفع المسلمين. ويقيهم الشر. فهذا نوع يدخل في الجهاد في سبيل الله. وهو داخل في الامر باتخاذ الحذر من الاعداء. واما ان يكون للفخر والخيلاء والبطش بعباد الله وتبذير الاموال التي يتعين صرفها في طرق نافعة. فهذا النوع هو المذموم الذي انكره الله على عاد وغير اليهم. ومنها ان العقول والاذهان والذكاء وما يتبع ذلك من القوة المادية. وما يترتب عليها من النتائج والاثار ان عظمت وبلغت مبلغا هائلا فانها لا تنفع صاحبها الا اذا قارنها الايمان بالله ورسله. واما الجاحد لايات الله المكذب لرسل الله فانه وان استدرج في الحياة وامهل. فان عاقبته وخيمة. وسمعه وبصره وعقله لا يغني عنه شيئا اذا جاء امر الله كما قال الله عن عاد ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة. فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم. ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وفي الاية الاخرى فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك وما زادوهم غيرة قصة صالح عليه السلام كانت ثمود وهي عاد الثانية يسكنون في الحجر وما حولها. وكانوا اهل مواش كثيرة واهل حروث وزروع. وتواصلت عليهم النعم فكانوا يتخذون من السهول قصورا مزخرفة. ومن الجبال بيوتا منحوتة متقنة. فبطروا النعم وكفروها. وعبدوا غير الله. فارسل الله اليهم اخاهم صالحا من قبيلتهم يعرفون نسبه وحسبه. وفضله وكماله وصدقه وامانته فدعاهم الى الله والى اخلاص الدين لله. وترك ما كانوا يعبدون من دونه. وذكرهم بنعم الله وبايامه بالامم المجاورة لهم فلم يتبعه الا القليل. وحين ذكرهم واقام الادلة والبراهين على وجوب توحيد الله. اشمئزوا ونفروا واستكبروا وقالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا اي قد كنا قد تخايلنا فيك انك تفضلنا جميعا بكمالك وكمال اخلاقك وادابك الطيبة. وهذا اعتراف منهم له. بهذه الامور. قبل ان يقول ما قال فما نزله عن هذه المرتبة عندهم الا انه دعاهم الى عبادة الخالق من عبادة العبيد من السعادة الابدية. وما ذنبه الا انه خالف اباءهم الضالين. وهم كانوا اضل منهم. ثم اقام لهم عظيمة واية وبرهانا ونعمة على جميع القبيلة باسرها. وقال هذه ناقة الله لا يشبهها شيء من النوق في ذاتها وشرفها ومنافعها لكم. اية على صدق وعلى سعة رحمة ربكم. فذروها اتأكل في ارض الله على الله رزقها ولكم نفعها. تلد الماء يوما فتلد القبيلة باسرها على ضرعها. كل يصدر عن ضرعها قد ملأ انيته. ثم تريدون انتم في اليوم الثاني فمكثت على هذا ما شاء الله. وكان في مدينتهم تسعة رهط من شياطينهم. قد قاوموا ما جاء به صالح اشد المقاومة. يصدون عن سبيل الله ويفسدون في الارض ولا يصلحون. وكان صالح قد حذرهم من عقر الناقة. لما رأى من كبرهم وردهم الحق فاول ما فعل اولئك الملأ الاشرار انعقدوا مجلسا عاما ليتفقوا على عقر الناقة. فاتفقوا فانتدب لذلك اشقى القبيلة. ولهذا قال الله تعالى اذ انبعث اشقاها. اي بعد اتفاقهم وندبهم اياه بعثوه لذلك. فانبعث واستعد وتكفل لهم بعقرها. وهم جميعا راضون بل امرون. فعقروها. فكان هذا العقر مؤذنا بهلاك القبيلة باسرها فلما شعر صالح بالامر ورأى منظرا فظيعا علم ان العذاب قد تحتم لا محالة لان الجريمة قد تفاقمت ولم يبق طحالة يرجى فيها لهم تقويم. فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة ايام. ذلك وعد غير مكذوب ونبه بهذا الكلام دانيهم وقاسيهم ففي اثناء هذه المدة اتفق هؤلاء الرهط التسعة على امر اغلظ من عقر الناقة على قتل نبيهم صالح. وتعاهدوا وتعاقدوا وحلفوا الايمان المغلظة وكتموا امرهم خشية من منع اهل بيته. لانه في بيت عز وشرف. وقالوا بيتنه واهله. ثم اذا ظن بنا اننا قد قتلناه حلفنا لاوليائه اننا ما شهدنا مهلك اهله وانا صادقون فدبروا هذا المكر العظيم ولكنهم يمكرون ويمكر الله لنبيه صالح. فحين كمنوا في اصل جبل لينظروا الفرصة في صالح بدأ الله بعقوبتهم فكانوا سلفا مقدما لقومهم الى نار جهنم. فارسل الله صخرة من اعلى الجبل فشدختهم وقتلوا اشنع قتلة. ثم لما تمت ثلاثة هذه الايام جاءتهم صيحة من فوقهم. ورجفة من اسفل منهم. فاصبحوا خامدين. ونجى الله صالحا ومن معه من المؤمنين وتولى عنهم وقال يا قومي لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم. ولكن لا تحبون الناصحين فوائد تتعلق بهذه القصة. منها ان جميع الانبياء دعوتهم واحدة. وان من كذب واحدا منهم فقد كذب الجميع. لان انه لا يكذب الحق الذي جاء به كل واحد منهم. ولهذا يقول في كل قصة كذبت قوم نوح المرسلين. كذبت اتعاد المرسلين كذبت ثمود المرسلين ومنها ان عقوبات الله للامم الطاغية عند تناهي طغيانها وتفاقم جرائمها. فكفرهم وتكذيبهم موجب للهدم ولكن تحتم الاهلاك عند تناهي الشرور. ولهذا ارجى ما يكون لوقوع العقوبة بالظالمين المجرمين عند اجرامهم. لان الله تعالى بالمرصاد فيمهل ثم يمهل حتى اذا اخذهم اخذهم اخذ عزيز مقتدر ومنها ان العقائد الباطلة الراسخة المأخوذة عمن يحسن بهم الظن من اباء او غيرهم من اكبر الموانع لقبول الحق والحال انها ليست في العير ولا في النفير. ولا لها مقام في الحجج الصحيحة الدالة على الحقائق. فلهذا اكبر ما رد به قوم مصالح لدعوته ان قالوا اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا؟ وقالت جميع الامم المكذبة رادين لدعوة الرسل انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون. وهذا سبيل لا يزال بالسالكين من اهل الباطل. نهجته الشياطين ليصدوا به العباد عن سبيل الله. ومن المعلوم ان طريق الرسل هي طريق الهدى والحق. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ قصة ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام. قد ذكر الله في كتابه سيرة واخبارا كثيرة من سيرة ابراهيم. فيها لنا الاسوة بالانبياء عموما. وبه على وجه الخصوص. ان الله امر نبينا وامرنا باتباع ملته. وهي ما كان عليه من عقائد واخلاق واعمال قاصرة ومتعدية. فقد اتاه الله وعلمه الحكمة منذ كان صغيرا. واراه ملكوت السماوات والارض. ولهذا كان اعظم الناس يقينا وعلما وقوة في دين الله ورحمته بالعباد. وكان قد بعثه الله الى قوم مشركين. يعبدون الشمس والقمر والنجوم. وهم فلاسفة صابئة الذين هم اخبث الطوائف واعظمها ضررا على الخلق. فدعاهم بطرق شتى فاول ذلك دعاهم بطريقة ايمكن صاحب عقل ان ينفر منها؟ ولما كانوا يعبدون السبع السيارات التي منها الشمس والقمر وقد بنوا لها البيوت وسموها الهياكل قال لهم ناظرا ومناظرا هلم يا قوم ننظر هل يستحق منها شيء الالهية والربوبية فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي. والمناظرة تخالف غيرها في امور كثيرة. منها ان المناظرة فيقول الشيء الذي لا يعتقده ليبني عليه حجته وليقيم الحجة على خصمه. كما قال في تكسيره الاصنام لما قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ فاشار الى الصنم الذي لم يكسره. فقال بل فعله كبيرهم اذى ومعلوم ان غرضه الزامهم بالحجة وقد حصلت فهنا يسهل علينا فهم معنى قوله هذا ربي. اي ان كان يستحق الالهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي مع انه يعلم العلم اليقيني انه لا يستحق من الربوبية والالهية مثقال ذرة. ولكن اراد ان يلزمهم بالحجة فلما افل اي غاب قال لا احب الافلين. فان من كان له حال وجود وعدم او حال حضور وغيبة قد علم كل عاقل انه ليس بكامل فلا يكون الها ثم انتقل الى القمر فلما رآه بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين. يريهم صلوات الله وسلامه عليه. وقد صور نفسه بصورة الموافق لهم. لكن على وجه التقليد بل يقصد اقامة البرهان على الهية النجوم والقمر فالان وقد افلت وتبين بالبرهان العقلي مع السمعي بطلان الهيتها. فانا الى الان لم يستقر لي قرار على رب واله فلما رأى الشمس بازغة قال هذا اكبر من النجوم ومن القمر. فان جرى عليها ما جرى عليهما كانت مثلهما. فلما افت وقد تقرر عند الجميع فيما سبق ان عبادة من يأفل من ابطل الباطل فحينئذ الزمهم بهذا الالزام ووجه عليهم حجة فقال يا قومي اني بريء مما تشركون. اني وجهت وجهي اي ظاهري وباطني. للذي مطر السماوات والارض حنيفا. وما انا من المشركين. فهذا برهان عقلي واضح. ان الخالق للعالم العلوي والسفلي هو الذي يتعين ان يقصد بالتوحيد والاخلاص. وان هذه الافلاك والكواكب وغيرها مخلوقات مدبرات. ليس لها من الاوصاف اتستحق العبادة لاجلها فجعلوا يخوفونه الهتهم ان تمسه بسوء. وهذا دليل على ان المشركين عندهم من الخيالات والاراء الرديئة ما يعتقدون ان الهتهم تنفع من عبدها وتضر من تركها او قدح فيها. فقال لهم مبينا انه ليس ليس عليه شيء من الخوف وانما الخوف الحقيقي عليكم فقال وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون. فاجاب الله هذا الاستفهام جواد يعم هذه القصة وغيرها في كل وقت فقال الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اي بشرك اولئك لهم الامن وهم مهتدون. فرفع الله خليله ابراهيم بالعلم واقامة الحجة. وعجزوا عن نصر باطلهم ولكنهم صمموا على الاقامة على ما هم عليه. ولم ينفع فيهم الوعظ والتذكير واقامة الحجج. فلم يزل يدعوهم الى الله انهاهم عما كانوا يعبدون نهيا عاما وخاصا. واخص من دعاه ابوه ازر فانه دعاه بعدة طرق نافعة. ولكن ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم من جملة مقالاته لابيه يا ابتي لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا ابتي اني قد جاء جاءني من العلم ما لم يأتك. انظر الى حسن هذا الخطاب الجاذب للقلوب. لم يقل لابيه انك جاهل لان لا ينفر من كلامي الخشن. بل قال له هذا القول فاتبعني اهدك صراطا سويا. يا ابتي لا تعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا. يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن. فتكون للشيطان وليا فانتقل بدعوته من اسلوب لاخر. لعله ينجح فيه او يفيد. ولكنه مع ذلك قال له ابوه اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم لان لم تنتهي لارجمنك واهجرني مليا. هذا وابراهيم لم يغضب ولم يقابل اباه ببعض قال بل قابل هذه الاساءة الكبرى بالاحسان. فقال سلام عليك اي لا اتكلم معك الا بكلام طيب لا غلظته فيه ولا خشونة. ومع ذلك فلست بايس من هدايتك تستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. اي بارا رحيما قد عودني لطفه واجراني على عوائده الجميلة. ولم يزل لدعائي مجيب فلم يزل ابراهيم مع قومه في دعوة وجدال وقد افحمهم وكسر جميع حججهم وشبههم. فاراد صلى الله عليه وسلم ان يقاومهم باعظم الحجج. وان يصمد لبطشهم وجبروتهم وقدرتهم وقوتهم. غير هائب ولا وجل. فلما خرجوا كيوم لعيد من اعيادهم وخرج معهم فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم لانه خشي ان تخلف لغير هذه الوسيلة لم يدرك مطلوبه لانه تظاهر بعداوتها والنهي الاكيد عنها وجهاد اهلها فلما برزوا جميعا الى الصحراء كر راجعا الى بيت اصنامهم فجعلها جذاذا كلها الا صنما كبيرا ابقى عليه ليلزمهم بالحجة. فلما رجعوا من عيدهم بادروا الى اصنامهم صبابة ومحبة. فرأوا فيها افظع منظر رآه اهلها فقالوا من فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم اي يعيبها ويذكرها باوصاف النقص والسوء. يقال له ابراهيم فلما تحققوا انه الذي كسرها قالوا فاتوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون. اي بحضرة الخلق العظيم. ووبخوه اشد ادى التوبيخ ثم نكلوا به. وهذا الذي اراد ابراهيم يظهر الحق بمرأى الخلق ومسمعهم. فلما جمع الناس وحضروا وحضروا ابراهيم قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا. مشيرا الى الصنم الذي سلم من تكسيره وهم في هذا بين امرين اما ان يعترفوا بالحق وان هذا لا يدخل عقل احد ان جمادا معروفا من مواد معروفة لا يمكن ان يفعل هذا الفعل واما ان يقولوا نعم هو الذي فعلها وانت سالم ناج من تبعتها. وقد علم انهم لا يقولون الاحتمال الاخير. قال فاسألوهم ان كانوا ينطقون. وهذا تعليق بالامر الذي يعترفون انه ومحال. فحين اذ ظهر الحق وبان. واعترفوا هم بالحق. فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم هم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم اي ما كان اعترافهم ببطلان الهيتها الا وقتا قصيرا. ظهرت الحجة مباشرة التي لا يمكن مكابرتها. ولكن ما اسرع ما عادت عليهم عقائدهم الباطلة التي رسخت في قلوبهم طارت صفات ملازمة ان وجد ما ينافيها فانه عارض يعرض ثم يزول. ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. فحينئذ وبخهم بعد اقامة الحجة التي اعترف بها الخصوم على رؤوس الاشهاد. فقال لهم اتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. اف لكم ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون فلو كان لكم عقول صحيحة لم تقيموا على عبادة ما لا ينفع ولا يضر ولا يدفع عن نفسه من يريده بسوء. فلما اعيته المقاومة بالبراهين والحجج عدلوا الى استعمال قوتهم وبطشهم وجبروتهم. في عقوبة ابراهيم فقالوا حرقوه انصروا الهتكم ان كنتم فاعلين. فاوقدوا نارا عظيمة جدا. فالقوه بها. وقال وهو في تلك الحال حسبي الله الله ونعم الوكيل. فقال الله للنار يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم. فلم تضره بشيء وارادوا به كيدا لينصروا الهتهم. ويقيموا لها في قلوبهم وقلوب اتباعهم الخضوع والتعظيم. فكان مكرهم وبالا عليهم وكان انتصارهم لالهتهم نصرا عظيما عند الحاضرين والغائبين والموجودين والحادثين عليهم. وانتصر الخليل على الخواص والعوام والرؤساء والمرؤوسين. حتى ان ملكهم حاج ابراهيم في ربه بغيا وطغيان. ان اتاهم الله الملك. فقال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت. قال انا احيي واميت. فالزمه الخليل بطرد دليله بالتصرف مطلق فقال فان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم ظالمين فصل. ثم خرج من بين اظهرهم مهاجرا وزوجته وابن اخيه لوط الى الديار الشامية. وفي اثناء مدة بالشام ذهب الى مصر بزوجته سارة. وكانت احسن امرأة على الاطلاق. فلما رآها ملك مصر وكان جبارا عنيد اذا لم يملك نفسه حتى ارادها على نفسها. فدعت الله عليه فكاد ان يموت. ثم اطلق ثم عاد ثانية وكلما ارادها دعت عليه فصرع ثم دعت عليه فاطلق فكفاها الله شره. ووهب لها هاجر جارية قبطية. وكانت عاقرا منذ كانت شابة فوهبت هذه الجارية لابراهيم ليتسررها لعل الله يرزقه منها ولدا. فاتت هاجر وباسماعيل على كبر ابراهيم. ففرح به فرحا شديدا. وكانت سارة رضي الله عنها ادركتها الغيرة. فحلفت ان لا يساء بها وذلك لما يريده الله. وهذا من جملة الاسباب لذهابه بها الى موضع البيت الحرام. والا فهو متقرر عنده ذلك صلى الله عليه وسلم. فذهب بها وبابنها اسماعيل الى مكة. وهي في ذلك الوقت ليس فيها ساكن ولا مسكن ولا ماء ولا شرع ولا غيره وزودها بسقاء فيه ماء. وجراب فيه تمر. ووضعهما عند دوحة قريبة من محل بئر زمزم. ثم قف فعنهما. فلما كان في الثنية بحيث يشرف عليهما دعا الله تعالى فقال ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي الى لديهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. الى اخر الدعاء. ثم استسلمت لامر الله وجعلت تأكل من ذلك التمر وتشرب من ذلك الماء حتى نفد. فعطشت ثم عطش ولدها. فجعل يتلوى من العطش. ثم ذهبت في تلك الحال لعلها ترى احدا او تجد مغيثا فصعدت ادنى جبل منها وهو الصفا. وتطلعت فلم ترى احدا. ثم ذهبت الى المروة فصعدت عليه فلم ترى احدا ثم جعلت تتردد في ذلك الموضع وهي مكروبة مضطرة مستغيثة بالله لها ولابنها وهي تمشي اليه خشية السباع عليه. فاذا هبطت الوادي سعت حتى تصعد من جانبه الاخر. لان لا يخفى على بصرها ابنها. والفرج مع كرب والعسر يتبعه اليسر. فلما تمت سبع مرات تسمعت حس الملك. فبحث في الموضع الذي فيه زمزم فنبع الماء اشتد فرح ام اسماعيل به فشربت منه وارضعت ولدها وحمدت الله على هذه النعمة الكبرى وحوطت على الماء لئلا يسيح قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله ام اسماعيل لو تركت ماء زمزم اي لم تحوطه لك انت زمزم عينا عينا ثم عثر بها قبيلة من قبائل العرب يقال لهم جرهم. فنزلوا عندها وتمت عليهم النعمة. وشب اسماعيل شبابا الحسنة واعجب القبيلة باخلاقه وعلو همته وكماله. فلما بلغ تزوج منهم امرأة ففي اثناء هذه المدة ماتت امه رضي الله عنها وجاء ابراهيم بغيبة اسماعيل يتصيد. فدخل على امرأته فسألها عن زوجها وعن عيشهم. فاخبرته ان جها قد ذهب يتصيد وان عيشهم عيش الشدة. فقال لها اذا جاء زوجك فاقرئيه مني السلام. وقولي له يغير ثبت بابه ورجع من فوره لحكمة ارادها الله. فلما جاء اسماعيل كانه انس شيئا فسأل امرأته فاخبرته انه جاءهم شيخ بهذا الوصف وانه سأل عنك فاخبرته. وسألنا عن عيشنا فاخبرته اننا في شدة وانه يقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك. فقال ذاك ابي وانت العتبة. الحقي باهلك. ثم تزوج اسماعيل غيرها. ثم جاء ابراهيم مرة اخرى واسماعيل ايضا في الصيد. فدخل على امرأته فسألها عن اسماعيل فاخبرته. وسألها عن عيشهم فاخبرته انهم في نعمة وخير وكانت امرأة طيبة شاكرة لله وشاكرة لزوجها. ثم قال لها اذا جاء زوجك فاقرئي عليه سلام وقولي له يثبت عتبة بابه. ثم رجع ايضا من فوره قبل مواجهة اسماعيل لحكمة ارادها الله تعالى. فلما رجع اسماعيل من صيده قال هل جاءكم من احد؟ فقالت جاءنا شيخ بهذا الوصف. فقالت سألنا عنك فاخبرته. وسألنا عن عيشنا اخبرته انى في نعمة واثنيت على الله. فقال فما قال؟ قال هو يقرأ عليك السلام. ويأمرك ان تثبت عتبة بابك. فقال ذاك ابي وانت العتبة امرني ان امسكك. ثم عاد ابراهيم المرة الثالثة فوجد اسماعيل يبري نبلا عند زمزم. فلما رآه قام اليه فصنعا كما يصنع الوالد الشفيق والولد الشفيق. فقال يا اسماعيل ان الله امرني ان ابني ها هنا بيتا يكون معبدا للخلق الى يوم القيامة. قال ساعينك على ذلك. فجعلا يرفعان القواعد من البيت. ابراهيم يبني واسماعيل ناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك من ذريتنا امة مسلمة لك. وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم انا وضعت فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك. ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. انك انت دا العزيز الحكيم. فلما تم بنيانه وتم للخليل هذا الاثر الجليل امره الله ان يدعو الناس ويؤذن فيهم بحج هذا البيت فجعل يدعو الناس وهم يفدون الى هذا البيت من كل فج عميق. يشهدوا منافع دنياهم واخراهم. ويسعدوا ويزول لعنهم شقاؤهم. وفي هذه الاثناء حين تمكن حب اسماعيل من قلبه. واراد الله ان يمتحن ابراهيم لتقديم محبة ربه به وخلته التي لا تقبل المشاركة والمزاحمة. فامره في المنام ان يذبح اسماعيل. ورؤيا الانبياء وحي من الله. فقال قال لاسماعيل اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى. قال يا ابتي افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين. فلما اسلما اي خضع لامر الله وانقاض لامره ووطنا انفسهما على هذا الامر المزعج الذي لا تكاد النفوس تصبر على عشر معشاره. وتلهو للجبين. نزل الفرج من الرحمن الرحيم. وناديناه ان يا قد صدقت الرؤيا فحصل توطين النفس على هذه المحنة والبلوى الشاقة المزعجة. وحصلت المقدمات والجزم المصمم وتم لهما الاجر والثواب وحصل لهما الشرف والقرب والزلفة من الله وما ذلك من الطاف الرب بعزيز. قال تعالى انا كذلك نجزي المحسنين. ان هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم واي ذبح اعظم من كونه حصل به مقصود هذه العبادة التي لا يشبهها عبادة وصار سنة في عقبه الى يوم القيامة يتقرب به الى الله ويدرك به ثوابه ورضاه. وتركنا عليهم في الاخرين. سلام على ابراهيم فصل ثمان الله اتم النعمة على ابراهيم ورحم زوجته سارة على الكبر والعقم واليأس. بالبشارة بالابن جليل وهو اسحاق. ومن وراء اسحاق يعقوب. فحين ارسل الله لوطا الى قومه وتمردوا عليه وحطم الله عقوبتهم كان لوط صلى الله عليه وسلم تلميذا لابراهيم. ولابراهيم عليه حقوق كثيرة. فمرت الملائكة الذين ارسلوا لاهلاك قوم لوط بابراهيم بسورة ادميين. فلما دخلوا عليه وسلموا رد عليهم السلام. وبادرهم بالضيافة. وكان الله قد اعطاه الرزق الواسع والكرم العظيم. وكان بيته مأوى للأضياف. فبالحال راغ الى اهله بسرعة وخفية منهم. فجاء بعجل ثمين محنوذ مشوي على الردف فقربه اليهم فقال الا تأكلون؟ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجع فمنهم خيفة. اذ ظن انهم لصوص قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط. وكانت سارة قائمة في خدمتهم وبشروه بغلام عليم. فصرخت صارت وصكت وجهها متعجبة ومستبشرة ومترددة ومتحيرة. فقالت االد انا عجوز وقبل ذلك كنت عقيما. وهذا بعلي شيخا. ان هذا لشيء عجيب. قالوا اتعجبين من امر الله الله وبركاته عليكم اهل البيت. انه حميد مجيد. فبشروهما باسحاق وانه يعيش ويولد له يعقوب ويدركانه. ولهذا حمد الله ابراهيم على تمام نعمته. وقال الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق حق ان ربي لسميع الدعاء. فصل فيما في قصة الخليل من الفوائد. ليعلم ان جميع ما قصه الله علينا من سيرة ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم فاننا مأمورون به امرا خاصا. قال تعالى ملة ابيكم ابراهيم اي الزموها ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا. قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم الاية فما هو عليه في التوحيد والاصول والعقائد والاخلاق وجميع ما قص علينا من نبأه فان اتباعنا اياه من ديننا. ولهذا لما كان هذا امرا عاما لاحواله كلها استثنى الله حالة من احوال فقال الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك. اي فلا تقتدوا به في هذه الحال بالاستغفار للمشركين فان استغفار ابراهيم لابيه انما كان عن موعدة وعدها اياه. فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ومنها ان الله اتخذه خليلا. والخلة اعلى درجات المحبة. وهذه المرتبة لم تحصل لاحد من الخلق الا للخليلين ابراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم. ومنها ما اكرمه الله به من الكرامات المتنوعة. جعل في ذريته النبوة كتاب واخرج من صلبه امتين هما افضل الامم. العرب وبنو اسرائيل واختاره الله لبناء بيته الذي هو اشرف ابي واول بيت وضع للناس ووهب له الاولاد بعد الكبر واليأس. ملأ بذكره ما بين الخافقين. وامتلأت قلوب الخلق من محبته والسنتهم من الثناء عليه. ومنها ان الله رفعه بالعلم واليقين وقوة الحجج. قال جل ذكره وكذلك نريد ابراهيم ملكوت السماوات والارض. وليكون من الموقنين. وقال وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم ما على قومه نرفع درجات من نشاء. ان ربك حكيم عليم. ومن شوقه الى الوصول الى غاية العلم علمي ونهايته ان سأل ربه رب ارني كيف تحيي الموتى. قال اولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيك واعلم ان الله عزيز حكيم. ومنها ان من عزم على فعل الطاعات وبذل مقدوره في اسبابها. ثم حصل مانع يمنع من اكمالها ان اجره قد وجب على الله. كما قال الله ذلك في المهاجر الذي يموت قبل ان يصل الى مهاجره. وكما ذكره الله في قصة الذبح. وان الله اتم الاجر لابراهيم واسماعيل حين اسلما لله واذعنا لامره. ثم رفع عنهما مشقة واوجب لهما الاجر الدنيوي والاخروي. ومنها ما في قصصه من اداب المناظرة وطرقها ومسالكها النافعة. وكيفية الزام الخصم بالطرق الواضحة التي يعترف بها اهل العقول. والجاؤه الخصم الالد الى الاعتراف ببطلان مذهبه. واقامة حجة على المعاندين وارشاد المسترشدين. ومنها ان من نعمة الله على العبد هبة الاولاد الصالحين. وان عليه في ذلك ان الله ويدعو الله لذريته كما فعل الخليل صلى الله عليه وسلم في قوله الحمدلله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل قيل واسحاق الى اخر الدعاء. وقال جل ذكره في الثناء عموما على من يدعو الله بصلاح ذريته. حتى اذا بلغ اشده وبلغ مضى اربعين سنة قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين. فان العبد اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له. ومنها ان المشاعر ومواضع الانساك من جملة الحكم فيها ان فيها تذكيرات بمقامات الخليل واهل بيته في عبادات ربهم وايمان بالله ورسله وحث على الاقتداء بهم في كل احوالهم الدينية لقوله تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. ومنها ان الامر بتطهير المسجد تجد الحرام من الانجاس ومن جميع المعاصي القولية والفعلية تعظيما لله واعانة وتنشيطا للمتعبدين فيه. ومثل بقية المساجد لقوله عز وجل طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. وقال في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ومنها ان افضل الوصايا على الاطلاق ما وصى به ابراهيم بنيه ويعقوب وهي الوصية بملازمة القيام بالدين وتقوى الله والاجتماع على ذلك وهي وصيته تعالى للاولين والاخرين اذ بها السعادة الابدية والسلامة من شرور الدنيا والاخرة ومنها ان العامل كما عليه ان يتقن عمله ويجتهد في ايقاعه على اكمل الوجوه فعليه مع ذلك ان يكون بين الخوف والرجاء. وان يتضرع الى ربه في قبوله وتكميل نقصه. والعفو عما وقع فيه من خلل او نقص كما كان ابراهيم واسماعيل يرفعان القواعد من البيت وهما بهذا الوصف الكامل. ومنها ان الجمع بين الدعاء لله بمصالح الدنيا والدين. من سبيل انبياء الله وكذلك السعي في اصيلهما الدين هو الاصل والمقصود الذي خلق له الخلق. والدنيا وسيلة ومعونة عليه. لدعاء الخليل لاهل البيت الحرام امرين وتعليله الدعاء بالامور الدنيوية انه وسيلة الى الشكر فقال وارزقهم من الثمرات لعلهم يشاءون قرون ومنها ما اشتملت عليه قصة ابراهيم من مشروعية الضيافة وادابها. فان الله اخبر عن ضيفه انهم مكرمون يعني انهم كرماء على الله. وايضا ابراهيم اكرمهم بضيافته قولا وفعلا فاكرام الضيف من الايمان وانه خدمهم بنفسه. وبادر بضيافتهم قبل كل شيء. واتى باطيب ما له عجل حنيذ سمين. وقربه اليهم ولم يحوجهم الى الذهاب الى عمل اخر. وعرض عليهم الاكل بلفظ رقيق. فقال الا تأكلون ومنها مشروعية السلام وان المبتدأ فيه هو الداخل وهو الماشي انه يجب رده ومشروعية الوقوف على اسم من يتصل بك من صاحب ومعامل وضيف. لقوله قوم منكرون اي لا اعرفكم فاحب ان تعرفوني بانفسكم. وهذا الطف من قوله انكرتكم ونحوه. ومنها الترغيب في ان يكون اهل الانسان ومن يتولى شؤون بيته حازنين مستعدين لكل ما يرد منهم من الشؤون والقيام بمهمات البيت. فان ابراهيم في الحال بادر الى اهله. فوجد طعام ضيوفه حاضرا لا يحوج الى تقديمه ومنها ان اتيان الولد والبشارة به من سارة وهي عجوز عقيم يعد معجزة لابراهيم وكرامة لسارة ففيه معجزة ري وكرامة ولي. ونظيره بشارة الملائكة لمريم بعيسى. وبشارتهم بيحيى لزكريا وزوجته. وكون زكريا جعل الله اية وجود المبشر به الا يكلم الناس ثلاثة ايام. وهو سوي لا افة فيه الا بالرمز والاشارة. وكل وهذا وما اشبهه من ايات الله. واعجب من هذا ايجاده ادم من تراب. فسبحان من هو على كل شيء قدير ومنها ثناء الله على ابراهيم انه اتى ربه بقلب سليم. وقد قال يوم لا ينفع مال ولا بنون الا يا من اتى الله بقلب سليم. والجامع لمعناه انه سليم من الشرور كلها. ومن اسبابها ملآن من الخير والبر والكرم تليم من الشبهات القادحة في العلم واليقين ومن الشهوات الحائلة بين العبد وبين كماله. سليم من الكبر ومن الرياء والشقاق والنفاق وسوء الاخلاق فسليم من الغل والحقد. ملآن بالتوحيد والايمان والتواضع للحق وللخلق. والنصيحة للمسلمين والرغبة في بودية الله وفي نفع عباد الله. ومنها ما ذكره في قصة نوح وابراهيم وموسى وهارون والياس سلام على نوح في العالمين كلام على ابراهيم. يتبعها بقوله انا كذلك نجزي المحسنين فوعد الباري ان كل محسن في عبادته محسن الى عباده ان الله يجزيه الثناء الحسن. والدعاء من العالمين بحسب احسانه وهذا ثواب عاجل واجل. وهو من البشرى في الحياة الدنيا. ومن علامات السعادة. قصة لوط عليه السلام وقصة لوط عليه السلام تبع لقصة ابراهيم لانه تلميذه وقد تعلم من ابراهيم وكان له بمنزلة الابن. تنبأه الله بحياة الخليل. وارسله الى قرى سدوم من غور فلسطين. وكانوا مع شركهم لا يلوطون بالذكور ولم يسبقهم احد الى هذه الفاحشة الشنعاء. فدعاهم الى عبادة الله وحده. وحذرهم من هذه الفاحشة فلم يزدادوا الا عتوا وتماديا فيما هم فيه. ولما اراد الله هلاكهم ارسل الملائكة لذلك فمروا بطريقهم على ابراهيم واخبروه بذلك فجعل ابراهيم يجادل في اهلاكهم وكان رحيما حليما. وقال ان فيها لوطا. قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله فقيل يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود. ولما ذهب الملائكة الى لوط بصورة اضياف ادميين شباب. سأل لوط ذلك وضاق بهم ذرعا. وقال هذا يوم عصيب. لعلمه بما عليه قومه من هذه الجراءة الشنيعة. ووقع اخاف منه فجاءه قومه يهرعون اليه يريدون فعل الفاحشة بأضياف لوط فقال يا قومي هؤلاء بناتي هن اطهر لكم. لعلمه انه لا حق لهم فيهن كما عرض سليمان للمرأتين حين اختصمتا في الولد فقال ائتوني بالسكين اشقه بينكما. ومن المعلوم انه لا يقع ذلك وهذا مثله. ولهذا قال قومه لقد علمت ما لنا في بناتك من حق. وانك لتعلم ما نريد. وايضا يريد بعض العذر من اضيافه وعلى هذا التأويل لا حاجة الى العدول الى قول بعض المفسرين هؤلاء بناتي يعني زوجاتهم يعني لان النبي اب لامته. فان هذا يمنعه امران. احدهما قوله هؤلاء بناتي يشير اليهن اشارة الحاضر ثانيا هذا الاطلاق على زوجاتهم لا نظير له. وايضا النبي انما هو بمنزلة الاب للمؤمنين به لا للكفار. والمحظور الذي توهموه يزول بما ذكرنا وانه يعلم انه لا حق لهم فيهن. وانما يريد مدافعتهم بكل طريق ارتد الامر بلوط وقال لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد. اي لدافعتكم. فلما رآه هم جازمين على مرادهم الخبيث. قال لقومه فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي. اليس منكم رجل رشيد فاستجلوا في طغيانهم وسكرهم فحين اذ اخبرته ملائكة الرحمن بامرهم وانهم ارسلوا لاهلاكهم فصدم جبريل او غيره من الملائكة الذين يعالجون الباب ليدخلوا على لوط فطمس بهذه الصدمة اعينهم. فكان هذا عذابا معجلا. وانموذجا لمن باشروا مراودة لوط على اضيافه. وامروا ان يسري باول الليل باهله. ويلح في السير حتى يخلف ديارهم. وينجو من معرة العذاب فخرج بهم فما اصبح الصباح حتى خلفوا ديارهم وقلب الله عليهم ديارهم. فجعل اعلاها اسفلها. وامطر عليهم حجارة من سجيل النضود مسومة عند ربك. وما هي من الظالمين الذين يعملون عملهم ببعيد. وفي هذه القصة اكبر دليل على ان فاحشة الواط من اشنع القبائح وانها توجب العقاب الشديد. وان من ابتلي بهذه الفاحشة. فمع ذهاب قد انقلب عليه الحسن بالقبيح استحسن ما كان قبيحا ونفر من الطيب. وذلك دليل على انحراف الاخلاق. وفيها وفي قصة ابراهيم جواز التعريض. اما قصة ابراهيم ففي قوله فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم واما لوط ففي قوله هؤلاء بناتي هن اطهر لكم. والتعريض يكون في الاقوال ويكون في الافعال. وهو ان يقصد المتكلم او العامل عمل امرا من الامور التي لا بأس بها. ويوهم السامع والرائي امرا اخر. ليستجلب منفعة او يدفع مضرة. ومنها ان من علامة الرجل الرشيد انه هو المسدد في اقواله وافعاله. ومن ذلك انه ينصر المظلومين ويفرج الكرب عن المكروبين. ويأمر بالخير وينهى عن الشر. هذا هو الرشيد حقيقة فلهذا قال لوط اليس منكم رجل رشيد؟ اي فيأمر بمعروف وينهى عن منكر ويدفع اهل الشر والبغي. ومنها الحث على في الاعوان على امور الخير ودفع الشر. ولو كان المعاون على ذلك من اهل الشر فان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر وباقوام لا خلاق لهم عند الله ولهذا قال لوط لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد. واكثر الانبياء يبعثهم الله في وفي قومهم ويحصل بذلك من تأييد الحق وقمع الباطل والتمكن من الدعوة ما لا يحصل لو لم يكن كذلك واعتبر هذا بحال شعيب وقول قومه له ولولا رهطك لرجمناك وما انت علينا بعزيز كذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث في اشرف بيت في قريش واعزه قد رماه قومه بالعداوة البليغة وعقدوا المجالس المتعددة في ابطال قوله ودينه بل وفي كيفية الفتك به ومن الاسباب التي اوقفتهم عند حدهم خوفهم من قبيلته. وانظر الى حالته في تضييقهم عليه شعب وانحياز قبيلته معهم مسلمهم وكافرهم. ولم يخطر ببالهم انهم يصلون الى الفتك بشخصه الكريم حتى مكروا ذلك المكر العظيم. اذ اتفق رأيهم ان ينتدب لقتله من كل قبيلة رجل ليتفرق دمه في القبائل فيعجز قومه عن الاخذ بفأره. ولكنهم يمكرون ويمكر الله. والله خير الماكرين قصة شعيب عليه السلام نبأه الله وارسله الى اهل مدين وكانوا مع شركهم يبخسون المكاييل والموازين. ويغشون في المعاملات وينقصون الناس اشياءهم. فدعاهم الى توحيد الله ونهاهم عن الشرك به وامرهم بالعدل في المعاملات وزجرهم عن البخس في المعاملات وذكرهم الخير الذي اضره الله عليهم والارزاق المتنوعة وانهم ليسوا بحاجة الى ظلم الناس في اموالهم وخوفهم العذاب المحيط في الدنيا قبل الاخرة. فاجابوا ساخرين وردوا عليه متهكمين فقالوا يا شعيب اصلاتك تامرك ان نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد. اي فنحن جازمون على عبادة ما كان اباؤنا يعبدون وجازمون على اننا نفعل في اموالنا ما نريد من اي معاملة تكون فلا ندخل تحت اوامر الله واوامر رسله. وقال لهم يا قومي ارأيتم ان كنتم على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا اي اغناني الله وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه اي ما نهيتكم عن المعاملات الخبيثة وظلم الناس فيها الا وانا اول تارك لها. مع ان الله اعطاني ووسع علي وانا محتاج الى هذه المعاملة ولكني متقيد بطاعة ربي. ان اريد في فعلي وامري لكم الا الاصلاح. اي ان تصلح احوالكم الدينية والدنيوية ما استطعت. وما توفيقي الا بالله. عليه توكلت واليه انيب ثم خوفهم اخذات الامم التي حولهم في الزمان والمكان فقال لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصابكم قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ثم عرض عليهم التوبة ورغبهم فيها فقال واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود فلم يفد فيهم فقالوا ما نفقه كثيرا مما تقول. وهذا لعنادهم وبغضهم البليغ للحق. وانا لنراك في اضعيف ولولا رهتك لرجمناك وما انت علينا بعزيز. قال يا قوم ارهت اعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا. ان ربي بما تعملون محيط ثم لما رأى عتوهم قال سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب. وارتقبوا اني معكم رقيب. ولما جاء امرنا نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا. فارسل الله عليهم حرث اخذ بانفاسهم حتى كادوا يختنقون من شدته. ثم في اثناء ذلك ارسل سحابة باردة فاضلتهم فتنادوا الى ظلها غير الظليل فلما اجتمعوا فيها التهبت عليه النار فاحرقتهم واصبحوا خامدين معذبين مذمومين ملعونين في جميع الاوقات وفي قصة شعيب فوائد متعددة منها ان بخس المكاييل والموازين خصوصا وبخس الناس اشياءهم عموما من اعظم الجرائم الموجبة لعقوبات الدنيا والاخرة. ومنها ان المعصية الواقعة لمن عدم منه الداعي والحاجة اليها اعظم. ولهذا كان الزنا في الشيخ اقبح من الشباب والكبر في الفقير اقبح من الغني. والسرقة ممن ليس بمحتاج اعظم من وقوعها من المحتاج. لهذا قال شعيب بقومه اني اراكم بخير. اي بنعم كثيرة. فاي امر احوجكم الى الهلع الى ما بايدي الناس بطرق محرمة. ومنها وله بقية الله خير لكم. فيه الحث على الرضا بما اعطى الله. والاكتفاء بحلاله عن حرامه. وقصر النظر على الموجود عندك من غير تطلع الى ما عند الناس. ومنها فيه دلالة على ان الصلاة سبب لفعل الخيرات وترك المنكرات وللنصيحة لعباد الله قد علم ذلك الكفار بما قالوا لشعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل قال في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد. وقال تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومنها هنا تعرف حكمة الله ورحمته. في انه فرض علينا الصلوات تتكرر في اليوم والليلة لعظم وقعها وشدة نفعها وجميل اثارها. فلله على ذلك اتم الحمد. ومنها ان العبد ده في حركات بدنه وتصرفاته وفي معاملاته المالية داخل تحت حجر الشريعة. فما ابيح له منها فعله. وما منعه شرع تعين عليه تركه. ومن يزعم انه في ما له حر له ان يفعل ما يشاء من معاملات طيبة وخبيثة فهو بمنزلة من يرى ان عمل بدنه كذلك وانه لا فرق عنده بين الكفر والايمان والصدق والكذب وفعل الخير والشر. الكل مباح ومن المعلوم ان هذا هو مذهب الاباحيين الذين هم شر الخليقة. ومذهب قوم شعيب يشبه هذا. لانهم انكروا على شعيب ان لما نهاهم عن المعاملات الظالمة واباح لهم سواها فردوا عليه انهم احرار في اموالهم لهم ان يفعلوا فيها ما يريدون ونظير هذا قول من قال انما البيع مثل الربا. فمن سوى بينما اباحه وبينما حرمه الله فقد حرث في فطرته وعقله بعدما انحرف في دينه. ومنها ان الناصح للخلق الذي يأمرهم وينهاهم من تمام قبول الناس له انه اذا امرهم بشيء ان يكون اول الفاعلين له. واذا نهاهم عن شيء كان اول التاركين لقول شعيب. وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ومنها ان الانبياء جميعهم بعثوا بالاصلاح والصلاح. ونهوا عن الشرور والفساد. فكل صلاح واصلاح ديني ودنيوي فهو دين الانبياء. وخصوصا امامهم وخاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم. فانه ابدى واعاد في هذا الاصل ووضع للخلق الاصول النافعة التي يجرون عليها في الامور العادية والدنيوية. كما وضع لهم الاصول في الامور الدينية. وانه كما ان على العبد السعي والاجتهاد في فعل الصلاح والاصلاح فعليه ان يستمد العون من ربه على ذلك وان يعلم انه لا يقدر على ذلك ولا على تكميله الا بالله. لقول شعيب ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ومنها ان الداعي الى الله يحتاج الى الحلم وحسن الخلق. ومقابلة المسيئين باقوالهم وافعالهم بضد ذلك. والا يحفظه ابدا الخلق ولا يصده عن شيء من دعوته. وهذا الخلق كماله للرسل صلوات الله عليهم وسلم. فانظر الى شعيب عليه السلام وحسن خلقه مع قومه ودعوته لهم بكل طريق وهم يسمعونه الاقوال السيئة ويقابلونه المقابلة الفعلية وهو عليه السلام يحلم عليهم ويصفح ويتكلم معهم كلام من لم يصدر منهم له في حقه الا الاحسان. ويهون هذا الامر ان هذا خلق من ظفر به وحازه فقد فاز بالحظ العظيم. وان لصاحبه عند الله المقامات العالية والنعيم مقيم ويهونه انه يعالج امما قد طبعوا على اخلاق ازالتها وقلعها اصعب من قلع الجبال الرواسي. ومرنوا على عقائد ومذاهب بذلوا فيها الاموال والارواح. وقدموها على جميع المهمات عندهم. افتظن مع هذا ان امثالها ولا يقتنعون بمجرد القول بان هذه مذاهب باطلة واقوال فاسدة؟ ام تحسبهم يغتفرون لمن نالها بسوء كلا والله ان هؤلاء يحتاجون الى معالجات متنوعة بالطرق التي دعت اليها الرسل. يذكرون بنعم الله وان الذي تفرد بالنعم يتعين ان يتفرد بالعبادة ويذكرون بما في مذاهبهم من الزيغ والفساد والاضطراب والتناقض المزلول للعقائد الداعي لتركها ويذكرون بما في ايديهم وما خلفهم من ايام الله ووقائعه بالامم المكذبة للرسل المنكرة للتوحيد ويذكرون بما في الايمان بالله وتوحيده ودينه من المحاسن والمصالح والمنافع الدينية والدنيوية الجاذبة للقلوب المسهلة لكل مطلوب. ومع هذا كله فيحتاج الخلق الى الاحسان اليهم. وبذل المعروف واقل ذلك الصبر على اذاهم وتحمل ما يصدر منهم ولين الكلام معهم وسلوك كل سبيل حكمة معهم. والتنقل معهم في الامور بالاكتفاء ببعض ما تسمح به انفسهم يستدرج بهم الى تكنيله. والبداءة بالاهم فالاهم. واعظمهم قياما بهذه الامور وغيرها. سيدهم وخاتمهم وامام الخلق على الاطلاق محمد صلى الله عليه وسلم. قصة موسى وهارون عليهما السلام قد ذكر الله لموسى ابن عمران ومعه اخوه هارون عليهما السلام سيرة طويلة. وساق قصصه في مواضع من كتابه باساليب متنوعة واختصار او بسط يليق بذلك المقام. وليس في قصص القرآن اعظم من قصة موسى. لانه عالم فرعون وجنوده وعالج بني اسرائيل اشد المعالجة. وهو اعظم انبياء بني اسرائيل. وشريعته وكتابه التوراة ومرجع انبياء بني اسرائيل وعلمائهم واتباعه اكثر اتباع الانبياء غير امة محمد صلى الله عليه وسلم له من القوة العظيمة في اقامة دين الله والدعوة اليه. والغيرة العظيمة ما ليس لغيره وقد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني اسرائيل فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني اسرائيل ويستحيي النساء للخدمة والامتهان. فلما ولدته امه خافت عليه خوفا شديدا. فان فرعون جعل على بني اسرائيل يرقب نسائهم ومواليدهم وكان بيتها على ضفة نهر النيل فالهمها الله ان وضعت له تابوتا اذا خافت عليه احدا القته في اليم. وربطته بحبل لئلا يجري به جرية الماء. ومن لطف الله بها انه اوحى لها ولا تخافي ولا تحزني. انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين فلما القته ذات يوم انفلت رباط التابوت فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى. ومن قدر الله ان وقع في يد ال فرعون. وجيء به الى امرأة فرعون اسية. فلما رأته احبته حبا شديدا. وكان الله قد القى عليه المحبة في القلوب. وشاع الخبر ووصل الى فرعون فطلبه ليقتله فقالت امرأته لا تقتلوه قرة عين لي ولك عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. فنجا بهذا السبب من قتلهم. وكان هذا الاثر الطيب والمقدمة الصالحة من المشكور عند الله فكان هذا من اسباب هدايتها وايمانها بموسى بعد ذلك اما ام موسى فانها فزعت واصبح فؤادها فارغا. وكاد الصبر ان يغلب فيها. ان كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لاخته قصيه. وتحسسي عنه. وكانت امرأة فرعون قد عرضت عليه المراضع فلم يقبل ادي امرأة وعطش وجعل يتلوى من الجوع واخرجوه الى الطريق. فلعل الله ان ييسر له احدا. فحانت من اخته نظرة اليه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون. بشأنها. فلما اقبلت عليه وفهمت منهم انهم يطلبون له مرضعا. قالت لهم هل ادلكم على اهل بيتي يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟ فرددناه الى امه كي تقر عينها ولا تحزن ثم ذكر الله في هذه السورة قصة مفصلة واضحة وكيف تنقلت به الاحوال قراءتها كافية عن شرح معناها لوضوء وتفصيلاتها والله تعالى ما فصل لنا الا ما ننتفع به ونعتبر. ولكن في قصته من العبر والفوائد شيء كثير ننبه على بعضها ذكر الفوائد المستنبطة نصا او ظاهرا او تعميما او تعليلا من قصة موسى عليه السلام منها لطف الله بام موسى بذلك الالهام الذي به سلم ابنها ثم تلك البشارة من الله لها برده اليها التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها ثم رده اليها بالجاءه اليها قدرا بتحريم المراضع عليه. وبذلك وغيره يعلم ان الطاف الله على اوليائه اتتصورها العقول ولا تعبر عنها العبارات تأمل موقع هذه البشارة وانه اتاها ابنها ترضعه جهرا وتأخذ عليه اجرا وتسمى امه شرعا وقدرا. وبذلك اطمئن قلبها وازداد ايمانها. وفي هذا مصداق لقوله تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. فلا اكره لام موسى من وقوع ابنها بيد ال فرعون. ومع ذلك ظهرت راقبه الحميدة واثاره الطيبة ومنها ان ايات الله وعبره في الامم السابقة انما يستفيد منها ويستنير بها المؤمنون. والله يسوق القصص لاجلهم. كما قال تعالى في هذه القصة نتلوا عليك من النبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون. ومنها ان الله اذا اراد شيئا هيأ اسبابه واتى به شيئا ان فشيئا بالتدريج الى دفعة واحدة. ومنها ان الامة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت لا ينبغي ان يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها. ولا اليأس من الارتقاء الى اعلى الامور. خصوصا اذا كانوا مظلومين كما استنقذ الله بني اسرائيل على ضعفها واستعبادها لفرعون وملأه منهم. ومكنهم في الارض وملكهم بلادهم. ومنها ان الامة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها. لا يقوم لها امر دينها كما لا يقوم لها امر دنياها. ومنها ان الطبيعية من الخلق لا ينافي الايمان ولا يزيله. كما جرى لام موسى ولموسى من تلك المخاوف ومنها ان الايمان يزيد وينقص لقوله لتكون من المؤمنين. والمراد بالايمان هنا زيادته وزيادة طمأنينته ومنها ان من اعظم نعم الله على العبد تثبيت الله له عند المقلقات والمخاوف. فانه كما يزداد به ايمانه وثوابه فانه يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب. ويبقى رأيه وافكاره ثابتة واما من لم يحصل له هذا الثبات فانه لقلقه وروعه يضيع فكره ويذهل عقله ولا ينتفع بنفسه في تلك الحال ومنها ان العبد وان عرف ان القضاء والقدر حق. وان وعد الله نافذ لابد منه. فانه لا يهمل فعل الاسباب التي تنفع فان الاسباب والسعي فيها من قدر الله فان الله قد وعد ام موسى ان يرده عليها ومع ذلك لما التقطه ال فرعون سعت بالاسباب وارسلت اخته لتقصه وتعمل بالاسباب المناسبة لتلك الحال. ومنها جواز خروج المرأة في حواء وتكليمها للرجال. اذا انتفى المحظور كما صنعت اخت موسى وابنتا صاحب مدين. ومنها جواز اخذ الاجرة على الكفالة رضاع كما فعلت ام موسى. فان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد من شرعنا ما ينسخه. ومنها ان قتل الكافر الذي له هو عهد بعقد او عرف لا يجوز فان موسى ندم على قتله القبطي واستغفر الله منه وتاب اليه ومنها ان الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين المفسدين في الارض ولو كان غرضه من ذلك الارهاب. ولو زعم انه مصلح حتى يرد الشرع بما يبيح قتل النفس. ومنها ان اخبار الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذير له من شر يقع به لا يكون نميمة. بل قد يكون واجبا كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من اقصى المدينة يسعى محذرا لموسى على وجه الثناء عليه ومنها اذا خاف التلف بالقتل بغير حق في اقامته في موضع فلا يلقي بيده الى التهلكة ويستسلم للهلاك بل يفر من ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى. ومنها اذا كان لا بد من ارتكاب احدى مفسدتين تعين ارتكاب الاخف منهما الاسلم دفعا لما هو اعظم واخطر فان موسى لما دار الامر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل او ذهابه الى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق اليها وليس معه دليل يدله غير هداية ربه. ومعلوم انها ارجى للسلامة لا جرم اثرها موسى. ومنها فيه تنبيه لطيف على ان الناظر في العلم عند الحاجة الى العمل او التكلم به اذا لم يترجح عنده احد القولين فانه يستهدي ربه ويسأله ان يهديه الى الصواب بين القولين بعد ان يقصد الحق بقلبه ويبحث عنا فان الله لا يخيب من هذه حاله كما جرى لموسى لما قصدت القاء مدين ولا يدري الطريق المعين اليها قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. وقد هداه الله واعطاه ما رجاه وتمناه. ومنها ان الرحمة والاحسان على الخلق من عرفه العبد ومن لا يعرفه من اخلاق الانبياء وان من جملة الاحسان الاعانة على سقي الماشية وخصوصا اعانة العاجز كما فعل موسى مع ابنتي صاحب مدين حين سقى لهما لما رآهما عاجزتين عن سقي ماشيتهما قبل صدور الرعاة. ومنها ان الله كما يحب من الداعي ان توسل اليه باسمائه وصفاته ونعمه العامة والخاصة انه يحب منه ان يتوسل اليه بضعفه وعجزه وفقره. وعدم قدرته على تحصيل مصالحه ودفع الاضرار عن نفسه كما قال موسى رباني لما انزلت الي من خير فقير لما في ذلك من اظهار التضرع والمسكنة. والافتقار لله الذي هو حقيقة كل عبد. ومنها ان الحياة والمكافأة على الاحسان لم يزل دأب الامم الصالحين ومنها ان العبد اذا عمل العمل لله خالصا ثم حصل به مكافأة عليه بغير قصده فانه لا يلام على ذلك ولا يخل باخلاصه واجره كما قبل موسى مكافأة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يطلبها. ولم يستشرف له على معاوضة. ومنها جواز الاجارة على فكل عمل معلوم في نفع معلوم او في زمن مسمى. وان مرد ذلك الى العرف وانه تجوز الاجارة وتكون المنفعة طيب كما قال صاحب مدين اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين. وانه يجوز للانسان ان يخطب الرجل لابنته. ونحوها ممن هو ولي ولا نقص في ذلك. بل قد يكون نفعا وكمالا كما فعل صاحب مدينا مع موسى ومنها قوله ان خير من استأجرت القوي الامين. هذان الوصفان بهما تمام الاعمال كلها فكل عمل من الولايات او من الخدمات او من الصناعات او من الاعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والاعمال اذا جمع الانسان الوصفين ان يكون قويا على ذلك العمل بحسب احوال الاعمال وان يكون مؤتمنا عليه. تم ذلك العمل وحصل مقصوده وثمرته الخلل والنقص سببه الاخلال بهما او باحدهما. ومنها من اعظم مكارم الاخلاق تحسين الخلق مع كل من يتصل بك. من خادم واجير وزوجة وولد ومعامل وغيرهم لذلك تخفيف العمل عن العامل لقوله وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين ان وفيه انه لا بأس ان يرغب المعامل في معاملته بالمعاوضات والايجارات بان يصف نفسه بحسن المعاملة. بشرط ان يكون صادقا في ذلك ومنها جواز عقد المعاملات من ايجارة وغيرها بغير اشهاد لقوله. والله على ما نقول وكيل. فتقدم ان الاشهاد تنحفظ به الحقوق وتقل به المنازعات والناس في هذا الموضع درجات متفاوتة وكذلك الحقوق. ومنها الايات البينات التي ايد الله بها موسى. من انقلاب اللي عصاه التي كان يعرفها حية تسعى. ثم عودها سيرتها الاولى. وان يده اذا ادخلها في جيبه ثم اخرجها صارت بيضاء من غير سوء للناظرين. ومن رحمة الله وحمايته لموسى وهارون من فرعون وملأه. ومن انفلات البحر لما فضربه موسى بعصاه فصار اثني عشر طريقا وسلكه هؤلاء فنجوا وقوم فرعون فهلكوا وغير ذلك من الايات المتتابعات التي هي براهين وايات لمن رآها وشاهدها. وبراهين لمن سمعها فانها نقلتها معظم مصادر اليقين الكتب السماوية ونقلتها القرون كلها. ولم ينكر مثل هذه الايات الا جاهل مكابر زنديق. وجميع يأتي الانبياء بهذه المثابة. ومنها ان ايات الانبياء وكرامات الاولياء وما يخرقه الله من الايات ومن تغيير الاسباب او منع سببيتها او احتياجها الى اسباب اخر او وجود موانع تعوقها هي من البراهين العظيمة على وحدانية الله. وانه على كل شيء قدير. وان اقدار الله لا يخرج عنها حادث جليل ولا حقير. وان هذه المعجزات والكرامات والتغييرات لا تنافي ما جعل الله في هذه المخلوقات من الاسباب المحسوسة والنظامات المعهودة وانك لا تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا فان سنن الله في جميع الحوادث السابقة واللاحقة قسمان احدهما وهو جمهور الحوادث والكائنات والاحكام الشرعية والقدرية واحكام الجزاء لا تتغير ولا تتبدل عما يعهده الناس ويعرفون اسبابه. وهذا القسم ايضا مندرج في قدرة الله وقضائه. ويستفاد من هذا العلم بكمال حكمة الله في خلقه وشرعه. وان الاسباب والمسببات من سلك طرقها على وجه كامل افضت به الى نتائجها وثمراتها ومن لم يسلكها او سلكها على وجه ناقص لم يحصل له الثمرات التي رتبت على الاعمال شرعا ولا قدرا وهذه توجب للعبد ان يجد ويجتهد في الاسباب الدينية والدنيوية النافعة مع استعانته بالله. والثناء على ربه في تيسيرها وتيسير اسبابها والاتها. وكل ما تتوقف عليه والقسم الثاني حوادث معجزات الانبياء التي تواترت تواترا لا يتواتر مثله في جميع الاخبار. وتناقلتها القرون كلها. وكذلك ما يكرم الله به عباده من اجابة الدعوات وتفريج الكربات وحصول المطالب المتنوعة ودفع المكاره التي لا قدرة للعبد على دفعها. والفتوحات الربانية والالهامات الالهية والانوار التي يقذفها الله في قلوب خواص خلقه. فيحصل لهم بذلك من اليقين والطمأنينة والعلوم المتنوعة. ما لا يدرك بمجرد الطلب وفعل السبب ومن نصره للرسل واتباعهم وخذلانه لاعدائه وهو مشاهد في كثير من الاوقات فهذا القسم ليس عند الخلق اهتداء الى اسباب هذه الحوادث. ولا جعل لهم في الاصل وصول الى حقيقتها وكونهها. وانما هي قدرها الرب العظيم. الذي هو على كل شيء قدير. باسباب وحكم وسنن لا يعقلها الخلق. ولا لحواس وتجاربهم وصول اليها بوجه من الوجوه. وبها امن الرسل من اولهم الى اخرهم واتباعهم الاولون منهم والاخرون وبها يعرف عظمة الباري. وان نواصي العباد بيده. وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ويعرف بذلك صحة ما جاءت به الرسل كما يعرف ايضا بالقسم الاول. وكما انه لا سبيل الى العباد في هذه الدار. الى ادراك كنه صفات اليوم الاخر وكنهما في الجنة والنار. وانما يعلمون منها ما علمتهم به الرسل. ونزلت به الكتب ولا سبيل اهل هذا الكون الارضي للوصول الى العالم السماوي. ولا سبيل لهم الى احياء الموتى وايجاد الارواح في الجمادات فكذلك هذا النوع العظيم من حوادث الكون. وانما اطلنا الكلام على هذه المسألة وان كانت تستحق من البسط اكثر من هذا. لامرين احدهما ان الزنادقة المتأخرين الذين انكروا وجود الباري وانكروا جميع ما اخبرت به الرسل والكتب السماوية من امور الغيب ولم يثبتوا من العلوم الا ما وصلت اليه حواسهم وتجاربهم القاصرة على بعض علوم الكون وانكروا ما سوى ذلك وزعموا ان هذا العالم وهذا النظام الموجود فيه لا يمكن ان يغيره مغير او يغير شيئا من اسبابه وانه وجد صدفة من غير ايجاد موجد. وانه الة تمشي بنفسها وطبيعتها. ليس لها مدبر ولا رب ولا خالق وهؤلاء جميع اهل الاديان يعرفون مكابرتهم ومباهتتهم. لانهم كما عدموا الدين بالكلية فقد اختلت عقولهم الحقيقية. اذ انكروا اجل الحقائق واوضحها. واعظمها براهين وايات وتاهوا بعقولهم القاصرة واراؤهم الفاسدة. هؤلاء امرهم معلوم ولكن الامر الثاني ان بعض اهل العلم العصريين الذين يتظاهرون بنصر الاسلام والدخول مع هؤلاء الزنادقة في الجدال عنه يريدون باجتهادهم او اغترارهم ان يطبقوا السنن الالهية وامور الاخرة على ما يعرفه العباد بحواسهم ويدركون او بتجاربهم فحرفوا لذلك المعجزات وانكروا الايات البينات ولم يستفيدوا الا الضرر على انفسهم وعلى من قرأ كتاباتهم في هذه المباحث اذ ضعف ايمانهم بالله بتحريفهم لمعجزات الانبياء تحريفا يؤول الى انكارها. وانكارهم هذا النوع العظيم من قضاء الله وقدره وضعف ايمان من وقف على كلامهم ممن ليست له بصيرة. ولا عنده من العلوم الدينية ما يبطل هذا النوع. ولم يحصل ما زعموه من جلب الماديين الى الهدى والدين. بل زادوهم اغراء في مذاهبهم. لما رأوا امثال هؤلاء يحاولون ارجاع النصوص الدينية ومعجزات الانبياء وامور الغيب الى علوم هؤلاء القاصرة على التجارب والمدركات بالحواس فيا عظم المصيبة ويا شدة الجرم المزوق ولكن ضعف البصيرة والاعجاب بزنادقة الدهريين اوجب الخضوع لاقوالهم فلا حول ولا قوة الا بالله. ومنها ان من اعظم العقوبات على العبد ان يكون اماما في الشر وداعية اليه. كما ان من اعظم نعم الله على العبد ان يجعله اماما في الخير هاديا مهديا قال تعالى في فرعون وملته وجعلناهم ائمة يدعون الى النار. وقال وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا ومنها ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. اذ اخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصل طلا مطابقا وتأصيلا موافقا. قصه قصا صدق به المرسلين. وايد به الحق المبين. وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع ولا درس شيئا عرف به احوال هذه التفصيلات ولجالس واخذ عن احد من اهل العلم ان هو الا رسالة الرحمن الرحيم. وحي انزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد اجمعين. ولهذا يقول في اخر هذه القصة وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر وما كنت ساويا في اهل مدين. وهذا نوع من انواع براهين رسالته. ومنها ذكر كثير من اهل العلم انه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصى فقال وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هي عصاي اتوكأ وعليها واهش بها على غنمي. استحباب استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله مآرب اخرى وانه يستفاد منها ايضا الرحمة بالبهائم والاحسان اليها والسعي في ازالة ضررها. ومنها ان قوله جل ذكره واقم الصلاة لذكري. اي ان ذكر العبد به هو الذي خلق له العبد. وبه صلاحه وفلاحه. وان المقصود من اقامة الصلاة اقامة هذا المقصود الاعظم. ولو الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكرهم بالله ويتعاهدون فيها قراءة القرآن والثناء على الله ودعاءه والخضوع له الذي هو روح الذكر لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين. وكما ان الذكر هو الذي خلق الخلق لاجله. والعبادات كلها ذكر لله فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وانشقت ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة. ويخوف عليه الدعوة الى الله. قال تعالى في هذه القصة كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. وقال اذهب انت واخوك باياتي ولا تنيا في ذكري منها احسان موسى صلى الله عليه وسلم على اخيه هارون. اذ طلب من ربه ان يكون نبيا معه وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه. اذ قال واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي. اشدد به ازري واشركه في امري. ومنها ان الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم. وعلى اقامة الدعوة. لهذا طلب موسى من ربه في ان يحل عقدة من لسانه ليفقهوا اقواله وان اللفظة لا عيب فيها اذا حصل الفهم للكلام. ومن كمال ادب موسى مع ربه انه لم يسأل زوال اللذة كلها. بل ازالة ما يحصل به المقصود. ومنها ان الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم. الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الافهام بلا تشويش ولا غلظة. وهذا يحتاج اليه في كل مقام. لكن هذا اهم المواضع وذلك لانه الذي يحصل به الغرض المقصود وهو قوله لعله يتذكر او يخشى. ومنها ان من كان في طاعة الله مستعينا بالله واثقا بوعد الله راجيا ثواب الله. فان الله معه ومن كان الله معه فلا خوف عليه لقوله تعالى لا تخافا ثم علله بقوله انني معكما اسمع وارى. وقال تعالى اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ومنها ان اسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين. انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى اي كذب خبر الله وخبر رسله. وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله. ونظيرها قوله تعالى لا ماها الا الاشقى الذي كذب وتولى. ومنها ان قوله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. استوعب الله بها الاسباب التي تدرك بها مغفرة الله. احدها التوبة وهي الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا الى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا. وهي تجب ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها الايمان وهو الاقرار والتصديق الجازم العام بكل ما اخبر الله به ورسوله الموجب لاعمال القلوب ثم تتبعه اعمال الجوارح ولا ريب ان ما في القلب من الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر الذي لا ريب فيه اصل الطاعة واكبرها واساسها. ولا ريب انه بحسب قوته يدفع السيئات يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه ويدفع ما وقع بالاتيان بما ينافيه وعدم اصرار القلب عليه. فان المؤمن انما في قلبه من الايمان ونوره لا يجامع المعاصي. الثالث العمل الصالح وهذا شامل لاعمال القلوب واعمال الجوارح واقوال اللسان. والحسنات يذهبن السيئات الرابع استمرار على الايمان والهداية والازدياد منها. فمن كمل هذه الاسباب الاربعة فليبشر بمغفرة الله الشاملة ولهذا اتى فيه بوصف المبالغة فقال واني لغفار. ولنكتفي من قصة موسى بهذه الفوائد مع ان فيها فوائد كثيرة للمتأملين قصة يونس عليه السلام وهو من انبياء بني اسرائيل العظام. بعثه الله الى اهل نينوى من ارض الموصل. فدعاهم الى الله تعالى فابوا عليه ثم كرر عليهم الدعوة فابوا. فوعدهم العذاب وخرج من بين اظهرهم. ولم يصبر الصبر الذي ينبغي لكنه ابق مغاضبا لهم. وهم لما ذهب نبيهم وهم لما ذهب نبيهم القيت في قلوبهم التوبة الى الله والانابة بعدما شهدوا مقدمات العذاب. فكشف الله عنهم العذاب. والظاهر ان يونس علم انكشاف العذاب عنهم. واستمر في ذهابه هي عنهم. ولهذا قال تعالى وذا النون اذ ذهب مغاضبا. وقال تعالى اذ ابق الى الفلك المشحون ركب في سفينة موقرة من الركاب والاحمال. فلما توسطوا البحر شارفت على الغرق ودار الامر بين ان يبقوا جميعا فيها فيهلكوا وبين ان يلقوا بعضهم بمقدار ما تخف السفينة فيسلم الباقون اختاروا الاخيرة لعدلهم وتوفيقهم. فاقترعوا فاصابت القرعة اناسا منهم. ومنهم يونس عليه السلام. ولهذا قال فساهم فكان من المدحضين. اي المغلوبين في القرعة فالقوا فابتلعه حوت في البحر ابتلاعا. لم يكسر له عظما ولم يمضغ له لحما. فلما صار في جوف الحوت في تلك الظلمات نادى لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. فامر الله الحوت ان تلقيه بالعراء. فخرج ومن بطنها كالفرخ المنعوط من البيضة في غاية الضعف والوهن. فلطف الله به. وانبت عليه شجرة من يقطين فاضلته بظلها الظليل حتى قوي واشتد. وامره الله ان يرجع الى قومه فيعلمهم ويدعوهم فاستجاب له اهل بلده مائة الف او يزيدون فامنوا فمتعناهم الى حين وفي هذه القصة عتاب ليونس عليه السلام اللطيف. وحبسوه في بطن الحوت ليكون كفارة واية عظيمة وكرامة ليونس ومن نعمة الله عليه انه استجاب له هذا العدد الكثير من قومه. فكثرة اتباع الانبياء من جملة فضائلهم وفيها استعمال القرعة عند الاشتباه في مسائل الاستحقاق والحرمان اذا لم يكن مرجح سواها. وفي عمل اهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة انه يرتكب اخف الضررين لدفع الضرر الذي هو اكبر منه ولا ريب ان القاء بعضهم وان كان فيه ضرر فعطب الجميع اذا لم يلق احد اعظم وفيها ان العبد اذا كانت له مقدمة صالحة من ربه قد تعرف الى ربه في حال الرخاء ان الله يشكر له ذلك ويعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية او تخفيفها ولهذا قال في قصة يونس فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون وفيها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اخي ذي النون ما دعا الا فرج الله عنه. لا اله الا انت فسبحانك اني كنت من الظالمين. وفيها ان الايمان ينجي من الاهوال والشدائد لقوله تعالى. وكذلك انجي المؤمنين. اي اذا وقعوا فيها لايمانهم قصة داوود وسليمان عليهما الصلاة والسلام. وكان من اعظم انبياء بني اسرائيل. وجمع الله لهما بين النبوة حكمة والملك العظيم القوي اما داوود صلى الله عليه وسلم فكان من جملة العسكر الذين مع طالوت الذي اختاره احد انبياء بني اسرائيل ملكا على بني اسرائيل لشجاعته وقوته وعلمه في السياسة ونظام الجيوش كما قال تعالى وزاده بسطة في العلم والجسم. ولما برزوا لجالوت وجنوده وصبر عسكر طالوت واستعانوا بالله تفوق داود عليه السلام على الجميع بالشجاعة العظيمة. فباشر بنفسه قتل ملكهم جالوت وصلت الهزيمة على بقيتهم. ونصر الله بني اسرائيل ذلك النصر. نبأ الله داود واعطاه الحكمة والملك القوي كما قال تعالى وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب وكان قد اعطاه الله قوة في العبادة وبصيرة ووصفه الله بهذين الوصفين الذين بهما كمال العبد فقال اصبر على فيقولون واذكر عبدنا داوود ذا الايد انه اواب. فوصفه بالقوة على ما امر الله وبانه اواب لكمال معرفته بالله. وكان الله تعالى قد سخر له الطير والجبال تسبح الله معه. وكان قد اعطي من حسن الصوت ورخامته ما لم يؤت احد من العالمين وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما. وكان اذا لاقى العدو رأى الخلق من ساعته ما يعجب الناظرين. وقد الان الله له الحديد. وعلمه صنعة الدروع الواقية في الحروب. وهو اول من صنع دروع السردية ذوات الحلق التي يحصل فيها الوقاية وهي خفيفة المحمل. وقد عاتبه الله بسبب ذنب اذنبه بان ارسل اليه ملكين بصورة خصمين. فدخلا عليه وهو في محرابه ففزع منهما. لانهما دخلا عليه في وقت لا يدخل عليه فيه احد وتصوروا المحراب وقال لا تخف قصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط. ثم قص عليه احدهما القصة فقال ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة. والمراد بها المرأة ولي نعجة واحدة. فقال اكفلنيها عزني في الخطاب اي صار خطابه اقوى مني فغلبني. فقال داود صلى الله عليه وسلم لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه. وان ان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض. الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم الامام داوود انه هو المراد بهذه القضية انتبه لذلك وظن داوود ان ما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب فغفرنا له ذلك وانه وان له عندنا لزلفى وحسن مآب. فمحى الله عنه الذنب وعاد به بعد التوبة احسن مما كان قبل ذلك حصل له القرب العظيم من ربه وحسن العاقبة. وقال الله له يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. واما سليمان بن داود عليه السلام فان الله اعطاه النبوة وورث اباه علمه ونبوته وملكه. وزاده الله ملكا عظيما لم يحصل لاحد قبله ولا بعده. سخر الله له الريح تجري بامره وتدبيره رخاء اي بسهولة حيث اراد غدوها شهر ورواحها شهر. وسخر الله له الجن والشياطين والعفاريت يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وتذهب وتجيء بامره الى حيث اراد. وسخر له من الجنود من الانس والجن والطير فهم يوزعون بتدبير عجيب ونظام غريب. علمه الله منطق الطير وسائر الحيوانات فكانت تخاطبه ويفهم ما تكلم به لهذا خاطب الهدهد وراجعه تلك المراجعة وسمع النملة التي نادت في قومها يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. فحذرت وامرت بما يقي من الخطر واعتذرت عن سليمان وجنوده. فلهذا ابتسم سليمان ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه. وادخلني برحمتك في عبادك كالصالحين ومن حسن نظامه وحزمه انه يتفقد الجنود بنفسه. مع انه قد جعل لهم مدبرين. فان قوله فهم يوزعون دليل على ذلك حتى انه تفقد الطيور لينظر هل هي ملازمة لمراكزها فقال ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين. وليس الامر كما يقول كثير من المفسرين انه طلبه لينظر له الارض وبعد مائها فان هذا خلاف اللفظ القرآني. فان الله لم يقل وطلب الهدهد. بل قال وتفقد الطير ثم توعده لمخالفته لامره ولما كان ملكه مبنيا على كمال العدل استثنى فقال لاعذبنه عذابا شديدا او لاذبحنه او ليأتيني بسلطان ضان مبين. فمكث غير بعيد فقال احط بما لم تحط به. وجئتك من سبأ بنبأ يقين اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم. فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. الا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا اله الا هو رب العرش العظيم. ففي هذه المدة القصيرة جاء الهدهد بهذه المعلومات العظيمة. اخبر سليمان عن ملك الديار اليمانية. وان ملكتهم امرأة. وانها قد اعطيت من كل شيء يحتاج الملك اليه. وان لها عرشا عظيما ومع فهمه لملكهم وقوتهم فهم ايضا دينهم وانهم مشركون يعبدون الشمس وانكر الهدهد عليهم غاية الانكار. هذا من الادلة على ان الحيوانات تعرف ربها وتسبحه وتوحده وتحب المؤمن مؤمنين وتدين ربها بذلك وتبغض الكفار المكذبين. وتدين الله بذلك فقال له سليمان سننظر اصدقت ام كنت من الكاذبين؟ اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم. ثم تول عنهم فانظر ما يرجعون فذهب بالكتاب فالقاه في حجر المرأة ملكة سبأ. فلما قرأته عظمته جدا وارعبت منه فزعا وجمعت رؤساء قومها فقالت يا ايها الملأ اني القي الي كتاب كريم. انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم قيم الا تعلوا علي واتوني مسلمين كتاب مختصر جامع فيه المقصود كله. قالت يا ايها الملأ افتوني في امري اي اشيروا علي وهذا من حزمها وحسن تدبيرها استعملت المشورة مع رؤساء قومها ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون قالوا نحن اولو قوة واولو بأس شديد. والامر اليك فانظري ماذا تأمرين. اي مستعدين لما تقولين حربا وسلما وارجعنا الامر الى ما تختارين. فمن عزمها وحزمها وبعد نظرها عدلت عن الحرب. واختارت السلم. لكن بصورة حازمة. فقالت تهدي له هدية حاضرة. فناظرة بما يرجع المرسلون ان كان من الملوك الذين ليس لهم هم الا الدنيا فربما ان ربما ان الهدية كسرت سورته وفلت عزيمته وسالمنا وسالمنا وسالمناه من بعيد. وان كان غير ذلك بان لنا الامر فارسلت اناسا ذوي عقل وحزم وخبرة ومعرفة. فلما جاءوا سليمان بالهدية قال اتمدونني بمال فما الله خير مما اتاكم. بل انتم بهديتكم تفرحون. فبين لهم انه لا غرض له في الدنيا وانما غرضه اقامة الدين. ودخول عباد الله في الاسلام ثم وصى الرسل واستغنى بذلك عن الكتاب. وقال للرسول ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون. وعلم سليمان انهم سينقادون ويسلمون. فقال لاهل مجلسه يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين. وسليمان بالديار الشامية وبينه وبينها مسافة شهرين ذهابا وشهرين ايابا ثم قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك. يحتمل انه كما قال اكثر المفسرين انه رجل صالح قد اعطي الاسم الاعظم الذي اذا دعي الله به اجاب. وانه دعا الله فاتى به قبل ان يرتد طرفه ويحتمل ان الذي عنده علم من الكتاب عنده من الاسباب التي سخرها الله لسليمان. اسباب يحصل بها تقريب المواصلات وجلب الاشياء البعيدة. وعلى كل فهذا ملك عظيم بلحظة يحضر له هذا العرش العظيم. لهذا لما رآه مستقرا عنده حمد الله على ذلك. فقال هذا من فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر؟ ومن شكر فانما يشكر بنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم. ثم خاطب من حوله. قال نكروا لها عرشها. اي غيروا فيه وزيدوا وانقصوا انظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون؟ وكان قد مدح له رأيها وعقلها. فاحب ان يقف على الحقيقة. فلما جاءت قيل اهكذا عرشك؟ وعرض عليها فلما رأته عرفته. ورأت ما فيه من التنكير فانكرته. فقالت مرددة للاحتمالين كانه لم تقل هو لما فيه من التغيير. ولم تنفي انه هو لما كانت تعرفه. فاتت بلفظ صالح للامرين. فعرف سليمان رجاء عقلها واوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. ان كان هذا من كلام سليمان فمعناه اننا اخبرنا عن عقلها وعلمنا بذلك قبل هذه الحالة فتحقناها لما صبرناها وان كان الكلام كلام ملكة سبأ فانها تقول واوتينا العلم عن ملك سليمان وانه ملك نبوة ورسالة وقوة هائلة من قبل هذه الحالة. وكنا مسلمين مذعنين. لما قاله سليمان بعدما تحققنا امره فكأنه قيل مع عقلها هذا ورأيها السديد. فكيف كانت تعبد غير الله؟ وكيف اجتمع العقل وعبادة ما الا ينفع ولا يضر وانما يضر من عبده. حاصل الجواب قوله وصدها ما كانت تعبد من دون الله انها ما كانت من قوم كافرين. اي العقائد التي نشأت عليها والمذاهب الفاسدة تسيطر على عقل العاقل تذهب لب اللبيب حتى يقيض له من الاسباب المباركة ما يبين له الحق ويمن عليه باتباعه. وكان له شرح من قوارير اجرى تحته الانهار. فكان من ينظر اليه يظنه ماء يجري. لان الزجاج شفاف. فلما قيل لها دخول الصرح فرأته لجة وكشفت عن ساقيها. قال انه صرح ممرد من قوارير. قالت ربياني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين. فاسلمت لله واتبعها قومها. فيقال ان سليمان تزوجن فالله اعلم ولما كانت الشياطين زمن سليمان قد سخرهم الله له وبلغه انهم باجتماعهم بالانس يعلمونهم السحر فجمعهم وتوعدهم واخذ كتبهم ودفنها فلما توفي سليمان جاءت الشياطين للناس وقالوا ان ملك سليمان مشيد على السحر واستخرجوا الكتب التي دفنها واشاعوا من اغوائهم للناس انها مأخوذة من سليمان. وان سليمان ساحر وروج ذلك طائفة من اليهود. فبرأه الله سليمان من هذا الامر وبين ان السحر من العلوم الضارة فقال تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ان وما كفر سليمان اي بتعليم السحر والرضا به. ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وهذا من عظمة القرآن انه يأمر الخلق بالايمان بجميع الرسل. ويذكرهم باوصافهم الجميلة. وينزههم عما اقاله الناس فيهم مما ينافي رسالتهم. وكان الله قد ابتلى سليمان والقى على كرسيه جسدا. اي شيطانا عتابا له على بعض الهفوات ارجاعا له الى كمال الخضوع لربه. ولهذا قال تعالى ثم اناب الى الله بقلبه ولسانه وبدنه بظاهره وباطنه فقال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. انك انت الوهاب فاستجاب الله له دعاءه واعطاه جميع ما طلب كما تقدم. وقد اثنى الله على داوود وسليمان بالعلم والحكم. وخص سليمان بزيادة الفهم فقال وداوود وسليمان وداوود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم. اي دخلت الغنم بستانه ليلى ترعت زرعه واشجاره فحكم داوود بحسب اجتهاده وتقديره ان الغنم تكون لصاحب الحرث لظنه ان الذي تلف من الحرث يقابل قيمتها ثم رفعت القضية الى سليمان فحكم على صاحب الغنم ان يقوم على حرث صاحب البستان بالسقي والتعمير والملاحظة حتى يعود كما كان قبل نفسها. ويدفع له صاحب الغنم الغنم ينتفع بدرها ولبنها ودهنها. وصوفها ومغلها مقابلة ما كان بصدد ان ينتفع بحرثه في هذه المدة فكان هذا الحكم من سليمان اقرب الى الصواب. وانفع لصاحب الغنم والحرث. فلهذا قال تعالى ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما ونظير هذه القضية حكم داود وسليمان بين المرأتين اللتين خرجتا ومع كل واحدة ابنها. فعدا الذئب على ابني الكبرى. فادعت الكبرى على الصغرى ان الذئب اكل ابني الصغرى. وان الذي سلم من الذئب ابنها. والمرأة الصغرى انكرت وقالت بل الذئب اكل ابن الكبرى فتحاكما الى داوود فلم يرى لكل منهما بينة الا قولها. رأى ان يحكم به للكبرى اجتهادا ورحمة بها بكبرها. وان الصغرى في مستقبل عمرها سيرزقها الله ولدا بدله ثم رفعت القضية الى سليمان فقال لهما ائتوني بالسكين اشقه بينكما. فرضيت الكبرى وقالت الصغرى قالت الصغرى لما دار الامر بين تلفه او بقائه بيد غيرها وهو اهون الامرين عليها هو ابنها يا نبي الله فعلم سليمان بهذا الامر الطبيعي الذي هو من اقوى البينات انه ليس ابنا للكبرى. لكونها رضيت بشقه واتلافه. وان على الاخرى انما حملها عليها الحسد. وانه ابن الصغرى حين فزعت من شقه الى التنازل عن دعواها. فقضى به سليمان للصغرى. ولا ريب ان استخراج الصواب في القضايا بالبينات والقرائن وشواهد احوال من الفهم الذي يخص الله به من يشاء فصل في بعض الفوائد المستنبطة من قصة داوود وسليمان عليهما السلام فمنها ان الله يقص على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اخبار من قبله لتثبيت فؤاده وتطمين نفسه ويذكر له له من عباداتهم وشدة صبرهم وانابتهم ما يشوق الى منافستهم والتقرب الى الله الذي تنافسوا في قربه والصابر على اذى قومه. ولهذا ذكر الله تعالى في اول سورة صاد ما قاله المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم وما اذوه به. قال بعدها اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الايد. انه اواب. ومنها ان قوله ذا الايدي انه اواب. مدح عظيم من الله لهذين الوصفين. قوة القلب والبدن على طاعة الله والانابة باطنا وظاهرا الى الله المستلزمة لمحبته وكمال معرفته. وان هذين الوصفين للانبياء على وجه الكمال ولمن بعدهم من اتباعهم على حسب اتباعهم. والثناء من الله عليهما. يقتضي الحث على جميع الاسباب التي تعين على القوة والانابة. وان يكون العبد رجاعا الى الله في حال السراء والضراء. وفي جميع الاحوال ومنها ما اكرم الله به نبيه داود عليه السلام من حسن الصوت ورخامته. وان الجبال والطيور تسبح الله معه جاوبه وذلك من زيادة درجاته ومقاماته العالية. ومنها ان من اكبر نعم الله على عبده ان يرزقه العلم النافع ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب. وفي الخصومات والمشاحنات كما قال تعالى واتيناه الحكمة وفصل الخطاب ومنها كمال اعتناء المولى بانبيائه واصفيائه. عندما تقع منهم بعض الهفوات بفتنته اياهم. وابتلائهم بما يزيل عنهم محظور حتى يعودوا اكمل من احوالهم الاولى كما جرى لداوود وسليمان ومنها ان الانبياء معصومون فيما يبلغون عن الله فان الله امر بطاعتهم مطلقا. ومقصود الرسالة لا يحصل الا بذلك. وقد جرى منهم احيانا بعض مقتضيات الطبيعة من المخالفات ولكن الله تعالى يبادرهم بلطفه ويتداركهم بالتوبة والانابة. ومنها ان داود في اغلب اوقاته ملازم محرابه خدمة ربه وله وقت يجلس فيه لحوائج الخلق. فقد اتم القيام بحق الله وحق عباده ومنها انه ينبغي استعمال الادب في الدخول على الناس خصوصا الحكام والرؤساء فان الخصمين لما دخلا على داوود في حالة غير معتادة ومن غير الباب فزع منهم واشتد عليه ذلك ورآه غير لائق بالحال. ومنها انه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء ادب الخصم. وفعله ما لا ينبغي. ومنها حلم داوود فانهما غضب منهما حين جاءه بغير استئذان. ولا انتهرهما ولا وبخهم ولا وبخهما منها جواز قول المظلوم لمن ظلمه انت ظلمتني او يا ظالم ونحوه او يا باغي لقوله خصمان بغى بعضنا على بعض ومنها ان المنصوح ولو كان كبير القدر كثير العلم عليه الا يغضب ولا يشمئز بل يبادر بقبول النصيحة والشكر لمن نصحه ويحمد الله اذ قيض له النصيحة على يد الناصح. فان داود لم يشمئز من قول الخصمين فاحكم بيننا بالحق ولا تشتت واهدنا الى سواء الصراط. بل حكم بالحق الصرف ومنها ان المخالطة بين الاقارب والاصحاب والمعاملين وكثرة التعلقات الدنيوية المالية موجبة للتعادي بعضهم على بعض وانه لا يرد عن هذا الداء العضال الا التقوى والصبر والايمان والعمل الصالح. وان هذا من اقل شيء في الناس ومنها اكرام الله لداوود وسليمان بالزلفى عنده وحسن المئاب. فلا يتوهم احد ان ما جرى منهما منقص لدرجتهما عند الله وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين. لانه اذا غفر لهم وازال عنهم اثر الذنوب. ازال الاثار المترتبة عليها حتى ما يقع في قلوب الخلق. وما ذلك على فضل الكريم بعزيز ومنها ان مرتبة الحكم بين الناس مرتبة دينية تولاها رسل الله وخواص خلقه. وان على القائم بها الحكم بالحق والا يتبع الهوى فالحكم بالحق يقتضي العلم بالامور الشرعية والعلم بصورة القضية المحكوم بها وكيفية ادخالها في الاحكام الشرعية الكلية. فالجاهل بواحد من هذه الامور لا يحل له الاقدام على الحكم بين الناس ومنها ان سليمان يعد من فضائل داوود ومن منن الله عليه. قال تعالى ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد انه وهذا اعظم تزكية واكبر فخر لسليمان. ومنها كثرة الخير وفضله على عبيده الاخيار. يمن عليهم بالاخلاق والاعمال الصالحة ثم يثني عليهم بها ويرتب عليها من الثواب انواعا منوعة. وهو المتفضل بالاسباب ومسبباتها ومنها ان سليمان قدم محبة الله على محبة كل شيء. واتلف الخيل التي الهته عن ذكر ربه. حتى توارت الشمس بالحجاب هو مشؤوم فليفارقه وليقبل على ما هو انفع له. ومنها انه يؤخذ من ان سليمان لما اتلف الخيل الجياد. التي الهته عن طاعة الله سخر الله له الريح والشياطين ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومنها ان تسخير الشياطين وتسخير على الوجه الذي سخرت لسليمان لا تكون لاحد بعد سليمان. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ان يأخذ الشيطان الذي تفلت عليه ليلة فيربطه في سارية المسجد قال ذكرت دعوة اخي سليمان فتركته. ومنها ان سليمان كان ملكا نبيا مباحا له ان يفعل ما يريد. ولكنه لكماله لا يريد الا الخير والعدل. وهذا بخلاف النبي العبد. فانه لا يكون له ارادة مستقلة بل ارادته تابعة لمراد الله منه. فلا يفعل ولا يترك الا تبعا للامر. كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومنها ان الله اعطى سليمان ملكا عظيما فيه امور لا يمكن ان تدرك بالاسباب. وانما هي من تقدير الملك الوهاب مثل تسخير الريح تبعا لامره وتسخير الشياطين وكون جنوده من الانس والجن والطير. وان الطيور كانت تخدمه الخدمة العظيمة يرسلها للجهات توصل منه الاخبار. وتأتيه باخبار تلك الجهات وقد اعطاها الله من الفهم ومعرفة احوال الادميين. ما قص الله علينا نبأه في هذه القصة. وكذلك الذي عنده علم من الكتاب حين استعد ان يأتيه بعرش ملكة سبأ قبل ان يرتد اليه طرفه. وهذه ايات انبياء. ولهذا مهما بلغ الخلق من الترقي بعلوم الطبيعة والمهارة بالمخترعات فلن يصلوا الى ما اعطيه سليمان. ومنها انه ينبغي للملوك والرؤساء ان يسألوا عن احوال الامراء والرؤساء والرجال المتميزين ولا يكتفوا بمجرد السؤال بل يختبرونهم ويختبرون معرفتهم للامور وعقولهم. كما فعل سليمان مع ملكة سبأ. امتحنها ان يستدل على كمال عقلها ورجاحته. ولم يكتفي بالسؤال. وهذا فيه للملوك فوائد عظيمة. وهم محتاجون لهذا اشد الحاجة تمام الملك ان يدير دفته الرجال الكاملون. قصة ايوب عليه السلام. كان ايوب من انبياء بني اسرائيل ومن الاصفياء الكرام وقد ذكره الله في كتابه واثنى عليه بالخصال الحميدة عموما. وبالصبر على البلاء خصوصا. فان الله تعالى ابتلاه بولده واهله وماله ثم بجسده فاصابه من البلاء ما لم يصب احدا من الخلق فصبر لامر الله ولم يزل منيبا لله ولما تطاول به المرض العظيم ونسيه الصاحب والحميم نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين. فقيل له اركض برجلك فركض فنبعت بركضته عين ماء بارد. فقيل له اشرب منها واغتسل ففعل ذلك. فاذهب الله ما في باطنه وظاهره من البلاء. ثم اعاد الله له اهله وماله واعطاه من النعم والخيرات شيئا كثيرا. وصار بهذا الصبر قدوة للصابرين وسلوة للمبتلين وعبرة للمعتبرين. وكان في مرضه قد وجد على زوجته المرأة البارة الرحيمة في بعض شيء. فحلف ان يجلدها مائة جلدة فخفف الله عنه وعنها وقيل له وخذ بيدك ضعفا اي حزمة حشيش او علف او كماريخ او نحوها فيها مئة عود فاضرب به ولا تحنث. اينحل بذلك يمينك؟ وفي هذا دليل على ان كفارة اليمين لم تشرع لاحد من قبل شريعتنا وان اليمين عندهم بمنزلة النذر الذي لابد من وفائه. وفي هذا دليل على ان من لا يحتمل واقامة الحد عليه لضعفه ونحوه ان يقام عليه مسمى ذلك. لان الغرض التنكيل وليس الاتلاف والاهلاك. قصة الخضر مع موسى ومحلها في اثناء قصص موسى. وذلك ان موسى صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم في بني اسرائيل مقاما عظيمة علمهم فيه علوما جما. واعجب الناس بكمال علمه. فقال له قائل يا نبي الله هل يوجد او هل تعلم في الارض لاحدا اعلم منك؟ فقال لا بناء على ما يعرفه. وترغيبا لهم في الاخذ عنه. فاخبره الله ان له عبدا في مجمع البحرين عنده علوم ليست عند موسى والهامات خارجة عن الطور المعهود. فاشتاق موسى الى لقياه رغبة في الازدياد من العلم وطلب من الله ان يأذن له في ذلك واخبره بموضعه وتزودا حوتا وقيل له اذا فقدت الحوت فهو في ذلك المكان فذهب فوجده وكان ما قص الله من نبأهما في سورة الكهف. واذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحر بحرين او امضي حقبا الى قوله سبحانه ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. وفي هذه القصة من الفوائد والاحكام والقواعد شيء كثير. ننبه على بعضه بعون الله ونذكر المهمة منه. فمنها ما اشتملت عليه القصة من فضيلة العلم وشرفه ومشروعية الرحلة في طلبه وانه اهم الامور. فان موسى رحل في طلبه مسافة طويلة. ولقي في ذلك النصب وترك الاقامة عند بني اسرائيل لتعليمهم وارشادهم. واختار السفر لزيادة العلم على ذلك. ومنها البداءة في العلم بالاهم فالاهم. ان زيادة علم الانسان بنفسه اهم من ترك ذلك اشتغالا بالتعليم فقط. بل يتعلم ليعلم. ومنها جواز اخذ الخادم في السفر والحظر كفاية المؤن وطلب الراحة كما فعل موسى عليه السلام. ومنها ان المسافر بطلب العلم او الجهاد او غيرهما من اسفار الطاعة. بل ذلك غيرهما اذا اقتضت المصلحة الاخبار بمطلبه واين مراده فانه اكمل من كتمه. فان في اظهاره من فوائد الاستعداد له واتيان الامر على بصيرة والاعلان بالترغيب لهذه العبادة الفاضلة لقول موسى لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. ولما غزا صلى الله عليه وسلم تبوك اخبر الناس بمقصده. مع انه كان في الغالب اذا اراد غزوة ورى بغيرها اه تبعا للمصلحة في الحالتين. ومنها اضافة الشر واسبابه الى الشيطان. وكذلك النقص لقول فتى موسى وما الا الشيطان ان اذكره. ومنها جواز اخبار الانسان عما يجده مما هو مقتضى الطبيعة البشرية. من نصب او جوع او عطف خش اذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ومنها انه ينبغي ان يتخذ الانسان خادما ذكيا فطنا كيسا. ليتم له امر ما يريد. ومنها استحباب اطعام الانسان خادمه من مأكله. واكلهما جميعا ان ظاهر قوله اتنا غدائنا انه للجميع. ومنها ان المعونة تنزل على العبد بحسب قيامه بالامر الشرعي. وان ما وافق رضا الله يعان عليه ما لا يعان على غيره. لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. والاشارة الى السفر لمجمع البحرين. واما الاول فلم يشتكي منه مع طوله. ومنها ان ذلك العبد الذي لقياه ليس نبيا. بل هو عبد صالح عالم ملهم لان الله ذكره بالعلم والعبودية الخاصة والاوصاف الجميلة. ولم يذكر معها انه نبي او رسول. واما قوله وفي اخر القصة وما فعلته عن امري فانه لا يدل على انه نبي. وانما يدل على الالهام والتحديث. وذلك يكون لغير الانبياء. قال تعالى واوحى ربك الى النحل وقال واوحينا الى ام موسى. ومنها ان العلم الذي يعلمه الله للعبد نوعان علم مكتسب يدركه العبد بطلبه وجده. وعلم الهي لدني. يهبه الله لمن يمن عليه من عباده. لقوله وعلمناه اه من لدنا علما. فالخضر اعطي من هذا النوع الحظ الاوفر. ومنها التأدب مع المعلم والتلطف في خطابه لقول موسى هل اتبعك الا ان تعلمني مما علمت رشدا. فاخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة. وانك هل تأذن لي ام لا؟ واظهار حاجته الى المعلم وانه يتعلم منه ومشتاق الى ما عنده. بخلاف حال اهل الكبر والجفاء. الذين لا يظهرون حاجتهم الى علم المعلم. فلا انفع للمتعلم من اظهار الحاجة الى علم المعلم وشكره على تعليمه. ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن هو دونه. فان موسى بلا ريب افضل من قدر ومنها تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه ممن مهر فيه وان كان دونه في العلم درجات فان موسى من اكابر اولي العزم من الرسل الذين منحهم الله واعطاهم من العلوم ما لم يعط سواهم. ولكن في هذا العلم الخاص ولكن في هذا العلم الخاص كان عند ما ليس عنده فلهذا اشتد حرصه على التعلم منه. ومنها انه يتعين اضافة العلم وغيره من الفضائل الى فضل الله ورحمته. والاعتراف لذلك وشكر الله عليه لقوله تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان العلم النافع هو العلم المرشد الى الخير. وكل علم فيه رشد هداية لطريق الخير وتحذير عن طريق الشر او وسيلة الى ذلك فانه من العلم النافع وما سوى ذلك فاما ان يكون ضارا او ليس له وفائدة لقوله ان تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان من ليس له صبر على صحبة العالم. ولا قوة على الثبات على طريق قال لهم فانه قاصر ليس باهل لتقى العلم. فمن لا صبر له لا يدرك العلم. ومن استعمل الصبر ولازمه ادرك به كل امر سعى اليه فان الخضر اعتذر عن موسى انه لا يصبر على علمه الخاص. ومنها ان مما يعين على الصبر على الاشياء احاطة العبد بها علما وبمنافعها ونتائجها. فمن لا يدري هذه الامور يصعب عليه الصبر لقوله. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. ومنها الامر بالتأني تثبت وعدم المبادرة على الحكم على الاشياء. حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود. ومنها مشروعية تعليق ايجاد الامور المستقبلة على مشيئة الله لقوله ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا. وان العزم على الشيء ليس بمنزلة فعله فموسى عزم على الصوم ولكن لم يفعل. ومنها ان المعلم اذا رأى من المصلحة ان يخبر المتعلم ان يترك الابتداء في السؤال عن بعض الاشياء. حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها فان المصلحة تتبع. كما اذا كان فهم قاصرا او نهاه عن التدقيق الشديد او الاسئلة التي لا تتعلق موضوع ومنها جواز ركوب البحر اذا لم يكن في ذلك خطر. ومنها ان الناس غير مؤاخذ لا في حق الله ولا في حق العباد الا ان رتب على ذلك اتلاف مال ففيه الضمان حتى على الناس لقوله لا تؤاخذني بما نسيت. ومنها انه ينبغي للعبد ان يأخذ من اخلاق الناس ومعاملاتهم العفو منها وما سمحت به انفسهم. ولا ينبغي له ان يكلفهم ما لا يطيقون. او يشق عليهم او يرهقهم فان هذا داع الى النفور. بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الامر. ومنها ان الامور تجري على ظاهرها. وتعلق بها الاحكام الدنيوية في كل كل شيء فان موسى عليه السلام انكر على الخضر خرق السفينة وقتل الغلام بحسب احكامها العامة. ولم يلتفت الى الاصل الذي الصلاة هو والخضر الا يسأله ولا يعترض عليه حتى يكون الخضر هو المبتدئ. ومنها فيه تنبيه على القاعدة المشهورة الكبيرة. وهو انه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الخفيف ويراعى اكبر المصلحتين بتفويت ادناهما. فان قتل الغلام الصغير شر ولكن بقاءه حتى يبلغ ويفتن ابويه عن دينه ما اعظم شراء وبقاء الغلام من دون قتل وان كان في ظاهر الحال انه خير فالخير ببقاء ابويه على دينهما خير من ذلك. فلذلك قتل الخضر بعدما الهمه الله الحقيقة فكان الهامه الباطني بمنزلة البينات الظاهرة في حق غيره ومنها القاعدة الكبيرة الاخرى وهي ان عمل الانسان في مال غيره اذا كان على وجه المصلحة ودفع المضرة يجوز بلا اذن حتى ولو ترتب عليه اتلاف بعض المال. كما خرق حاضر السفينة لتعيب فتسلم من غصب الملك الظالم وتحت هاتين القاعدتين من الفوائد ما لا حصر له. ومنها ان العمل يجوز في البحر ما يجوز في البر لقوله يعملون في البحر. ومنها ان القتل من اكبر الذنوب. ومنها ان العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي ذريته وفيما تتعلق به بقوله وكان ابوهما صالحا. وان خدمة الصالحين عمل مصالحهم افضل من غيرهم. لانه علل افعاله بالجدار بقوله وكان ابوهما صالحا. ومنها استعمال الادب مع الله حتى في الالفاظ. فان الخاضر اضاف عيب السفينة الى نفسه بقوله فاردت ان بها. واما الخير فاضافه الى الله لقوله فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك. وقال ابراهيم واذا مرضت فهو يشفين. وقالت الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا ان الكل بقضاء الله وقدره. ومنها انه ينبغي للعبد الا يفارق صاحبه في حالة من الاحوال. ويترك صحبته. بل يفي له بذلك حتى لا يجد للصبر محل. وان موافقة الصاحب لصاحبه في غير الامور المحذورة مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها كما ان عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة. قصة ذي القرنين. وكان ذو القرنين ملكا صالحا. وقد اعطاه الله من القوة اسباب الملك والفتوح ما لم يكن لغيره. فذكر الله من حسن سيرته ورحمته وقوة ملكه وتوسعه في المشارق والمغارب ما يحصل به المقصود التام من سيرته ومعرفة احواله. ولهذا قال ويسألونك عن ذي القرنين قل ساتلو عليكم منه ذكرا. اي من بعض اخباره. ومن المعلوم ان ما قصه الله في كتابه هو احسن وانفع ما يقص على العباد. فاخبر انه اعطاه من كل شيء سببا. يحصل به قوة الملك وعلم السياسة وحسن التدبير. والسلاح المخضع للامم. وكثرة الجنود وتسهيل المواصلات. وجميع ما يحتاجه. ومع ذلك وقد عمل بالاسباب التي اعطيها. فما كل احد يعطى الاسباب النافعة ولا كل من اعطيها يتبعها ويعمل بها. اما ذو القرنين فانه تم له اما ذو القرنين فانه تم له الامران. اعطي سببا فاتبع سببا. فغزا بجيوشه الجرارة ادنى افريقية واقصاها. حتى فبلغ البحر المحيط الغربي فوصل الى محل اذا غربت الشمس وجدها تغرب في عين حمئة. اي رآها في رؤية العين كانها تغرب في البحر والبحر لونه اسود كالحمئة. فالقصد انه وصل الى حيث منتهى الخف والحافر من بلاد افريقية. ووجد في ذلك المحل وتلك الاقطار قوما منهم المسلم والكافر. منهم المسلم والكافر والبر والفاجر. بدليل قوله قلنا يا ذا القرنين اما ان ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا. اما ان القائل له نبي من انبياء الله او احد العلماء او ان المعنى انه بسبب قدرته كان انا مخيرا قدرا والا فمن المعلوم ان الشرع لا يسوي بين الامرين المتفاوتين في الاحسان والاساءة. فقال اما طالما فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا. واما من امن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من امرنا يسرا. وهذا يدل على عدله وانه ملك صالح وعلى حسن تدبيره. ثم اتبع سببا اي ثم عمل الاسباب التي اوتيها بعدما اخضع اهل المغارب رجع بفتح الارض قطرا قطرا حتى وصل الى مطلع الشمس من بلاد الصين وشواطئ البحر المحيط الهادي وهذا منتهى ما وصل اليه الفاتحون. وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. اي لا ستر لهم عن الشمس لا ثياب ينسجونها ويلبسونها ولا بيوت يبنونها ويأوون اليها. اي وجد هؤلاء القوم الذين في اقصى المشرق بهذه الصفة والوحشية بمنزلة الوحوش التي تأوي الى الغياض والغيران والاسراب منقطعين عن الناس. وكانوا في ذلك الوقت على هذه الحالة التي وصف الله والمقصود من هذا انه وصل الى ما لم يصل اليه احد. ثم كرر راجعا واتبع سببا. يمكنه من مناهج البلاد وتخضيع العباد قاصدا نحو الشمال. حتى اذا بلغ بين السدين اي بلغ محلا متوسطا بين السدين الموجودين. منذ خلق الله الارض وهما سلاسل جبال عظيمة شاهقة متواصلة من تلك الفجوة. وهو الريع الى البحار الشرقية وهو الريع الى البحار الشرقية والغربية وهي في بلاد الترك على هذا اتفق المفسرون والمؤرخون وانما اختلفوا هل هي سلاسل جبال القفقاس ام دون ذلك في اذربيجان؟ ام سلاسل جبال الطاي ام الجبال المتصلة بالسور الصيني في بلاد من غوليا؟ وهو الظاهر وعلى الاقوال كلها فوجد عند تلك الفجوة التي بين سلاسل هذه الجبال قوما لا يكادون يفقهون قولا من بعد لغتهم وثقل فهمهم للغات الامم. قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج يفسدون في الارض وهم امم عظيمة من نسل يافث ابن نوح من العناصر التركية وغيرهم كما هو مذكور مفصل من احوالهم ومشروح من صفاتهم. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا؟ قال ما مكني فيه ربي اي من القوة والاسباب خير فاعينوني بقوة. اي ان هذا بناء عظيم يحتاج في الاعانة عليه الى مساعدة قوية في الابدان. اجعل بينكم وبينه ردم ولم يقل سدا لان الذي بنى فقط هو تلك الثنية والريع الواقعة بين السدين الطبيعيين اي بين سلاسل تلك الجبال. فدبرهم على كيفية الاته وبنيانه فقال اتوني زبر الحديد. اي اجمعوا لي جميع قطع الحديد الموجودة من صغار وكبار ولا اتبعوا من الموجود شيئا وارقموه بين السدين ففعلوا ذلك حتى كان الحديد تلولا عظيمة موازنة للجبال. ولهذا قال حتى ساوى بين الصدفين اي بين الجبلين المكتنفين لذلك الردم قال انفخوا حتى اذا جعله نارا قال اتوني افرغ عليه قطرا. اي امر بالنحاس فاذيب بالنيران وجعل يسيل بين قطع الحديد فالتحم بعضها ببعض وصارت جبلا هائلا متصلا بالسدين فحصل بذلك المقصود من عيث يأجوج ومأجوج ولهذا قال فما اسطاعوا ان يظهروه اي يصعدوا ذلك الردم وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من ربي. اي ربي الذي وفقني لهذا العمل الجليل والاثر الجميل ورحمكم اذ منعكم من ضرر يأجوج ومأجوج بهذا السبب الذي لا قدرة لكم عليه. فاذا جاء وعد ربي جعله دكا لهذا العمل والحيلولة بينكم وبين يأجوج ومأجوج مؤقت الى اجل. فاذا جاء ذلك الاجل قدر الله للخلق من اسباب القوة والقدرة قناعات والاختراعات الهائلة ما يمكن يأجوج ومأجوج من وطأ بلادكم ايها المجاورون. بل من وطأ مشارق الارض ومغاربها واقطارها كما قال تعالى حتى اذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. اي من كل مكان مرتفع. سواء مثل هذه السدود والبحار وجو السماء. ينسلون ان يسرعون فيها غير مكترثين. ولا حاجز يحجزهم. فلفظة من كل حدب تشمل جميع المواضع والاقتار سهلها وصعبها منخفضها ومرتفعها. وانما نص الله على المرتفعات لان السهول والاماكن المنخفضة من باب باولى واحرى. وقد ورد في صفاتهم احاديث في الصحيحين تؤيد ما في هذه الايات من صفاتهم. واورد اصحاب السير والتواريخ الاول من صفات ذاتهم وهيئاتهم اثارا لا خطام لها ولا زمام. شوشت افكار اكثر الناس ومنعتهم من الاستدلال بالايات القرآنية والاحاديث الصحيحة النبوية وتطبيقها على الواقع. فعليك بلزوم ما دل عليه الكتاب والسنة. ودع ما سوى ذلك فان فيه الهدى والرشد والنور. قصة عيسى وامه وزكريا ويحيى عليهم السلام. كانت زوجة عمران وهو من اكابر بني اسرائيل ورؤسائهم وذوي المقامات العالية عندهم نظرت حين ظهر حملها ان تحرر ما في بطنها لبيت المقدس يكون خادما لبيت الله معدا لعبادة الله ظنا ان الذي في بطنها ذكر فلما وضعتها قالت معتذرة الى الله شاكية اليه الحال. ربي اني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت. وليس الذكر كالانثى. اي ان ذكر الذي له القوة والقدرة على ما يراد منه من القيام بخدمة بيت المقدس. واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فحصنتها بالله من عدوها هي وذريتها. وكان هذا اول حفظ وحماية من الله لها. ولهذا استجاب الله لها في هذه الدنيا. فتقبلها ربها قبول حسن اي ان الله اي ان الله جبر امها وصار لها عند ربها من القبول اعظم مما للذكور. وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا فجمع الله لها بين التربية الجسدية والتربية الروحية. حيث قدر ان يكون كافلها اعظم انبياء بني اسرائيل في ذلك الوقت. فان امها لما جاءت لاهل بيت المقدس تنازعوا ايهم يكفلها. لانها ابنة رئيسهم فاقترعوا والقوا اقلامهم. فاصابت القرعة زكريا رحمة به وبمريم فكفلها احسن كفالة. واعانه على كفالتها بكرامة عظيمة منه. فكانت قد نشأت نشأة الصالحات الصديقات. وعكفت على عبادة ربها بها ولزمت محرابها. فكان زكريا كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا. قال يا مريم انى لك هذا؟ فانه ليس لك كافل غير زكاة قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. اي رزقه تعالى يأتي بطرق معهودة وبطرق اخرى. والله وهو على كل شيء قدير. فحين رأى هذه الحالة تذكره ذلك لطف ربه ورجاه الى رحمته. فدعا الله ان يهب له ولدا يرثه علمه نبوته ويقوم بعده في بني اسرائيل في تعليمهم وهدايتهم. فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب. ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله اي بعيسى صلى الله عليه وسلم وسيده حصورا وسيدا اي عظيما عند الله وعند الخلق لما جبله الله عليه من الاخلاق الحميدة والعلوم العظيمة والاعمال الصالحة. وحصورا اي ممنوعا بعصمة الله وحفظه ووقايته من مواقعة المعاصي. فوصفه الله بالتوفيق لجميع الخيرات والحماية من السيئات والزلات. وهذا غاية كمال العبد. فتعجب زكريا من ذلك وقال انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا. قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا هذا اعجب من حملها وهي عاقر على كبرك فمن فرحه ورغبته العظيمة في طمأنينة قلبه قال رب اجعل لي اية تدلني على وجود الولد. قال اياتك الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا لا رمز واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار. وهي اية كبرى يمنع من الكلام الذي هو اسهل ما يقدر عليه الانسان. وهو سوي فلا ايقدر ان يكلم احدا الا بالاشارة. ومع ذلك لسانه منطلق بذكر الله وتسبيحه وتحميده. فحينئذ تمت له البشارة من الله. وعرف انه لابد ان يكون فولدت زوجته يحيى وانشأه الله نشأة عجيبة فتعلم وهو صغير ومهر في العلم وهو صغير ولهذا قال واتيناه الحكم صبيا. حتى قيل ان الله ايضا نبأه وهو صغير. وكما اعطاه الله العلم العظيم. فقد من عليه باكمل الصفات قال وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا. وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا. وسلام عليه يوم ولد ويوم ثم يموت ويوم يبعث حيا. ومضمون هذا وصفه بالقيام بحقوق الله وحقوق والديه. وحقوق الخلق وان الله سيحسن له العواقب في احواله دي كلها. واما مريم فانها انتبذت من اهلها مكانا شرقيا متجردة لعبادة ربها. فاتخذت من دونهم حجابا لئلا يشغلها احد عما هي بصدده فارسل الله لها الروح الامينة جبريل في صورة بشر سوي من اكمل الرجال واجملهم. فظنت انه يريدها بسوء فقالت اني بالرحمن منك ان كنت تقيا. فتوسلت بالله في حفظها وحمايتها وذكرته وجوب التقوى على كل مسلم يخشى الله. فكان هذا الورع منها في هذه الحالة التي يخشى منها الوقوع في الفتنة. ورفع الله بذلك مقامها ونعتها بالعفة الكاملة. وانها احصنت فرجها. فقال لها جبريل انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا. قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسنى بشر ولم اك بغيا؟ قال كذلك قال هو علي هين ولنجعله اية للناس ورحمة منا به وبك وبالناس. وكان امرا مقضيا فلا تعجبي مما وقضاه. فحملته فانتبذت به اي ابتعدت به عن الناس. مكانا قصيا خشية الاتهام والاذية منهم. فاجائها اي مخاض اي الطلق الى جذع النخلة. قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. لما تعرفه مما هي متعرضة له من ناس وانهم لا يصدقونها ولم تدري ما الله صانع لها. فناداها الملك من تحتها وكانت في مكان مرتفع. واويناهما الى ربوة قرار ومعين الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا. اي نهرا جاريا وهزي اليك بجذع النخلة من دون ان تحوجك الى اي طريا ناضجا فكلي من الرطب واشربي من السري وقري عينا بولادة عيسى وليذهب روعك وخوفك فاما ان من البشر احدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما اي سكوتا. وكان معهودا عندهم انهم يتعبدون بالصمت في جميع النهار. ولهذا بقوله فلن اكلم اليوم انسيا. فاطمئن قلبها وزال عنها ما كانت تجد. ثم لما تعالت من نفاسها واصلحت من شأنها وقويت بعد الولادة فاتت به قومها تحمله علنا غير هائبة ولا مبالية. فلما رآه قومها وقد علموا انه لا زوج لها جزموا انه من وجهه اخر فقالوا يا مريم لقد جئت شيئا ثريا. يا اخت هارون ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. فاشارت اليه كما امرت بذلك. فقالوا منكرين عليها مقالتها لهم. كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ فقال وهو في تلك الحال له ايام يسيرة بعد ولادته اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما ادمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا. فكان هذا منه في هذه الحال من ايات الله وادلة رسالته وانه عبدالله لا كما يزعمه النصارى. وحصل لامه البراءة العظيمة مما يظن بها من السوء لانها لو اتت بالف شاهد على البراءة وهي على هذه الحال ما صدقها الناس. ولكن هذا الكلام من عيسى وهو في المهد جل كل ريب يقع في القلوب فانقسم الناس فيه بعد هذا ثلاثة اقسام. قسم امنوا به وصدقوه في كلامه هذا. وفي الانقياد له بعد النبوة هم المؤمنون حقيقة وقسم غلوا فيه وهم النصارى. وقالوا فيه المقالات المعروفة ونزلوه منزلة الرب. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقسم كفروا به وجفوه وهم اليهود. ورموا امه بما برأها الله منه. ولهذا قال تعالى فاختلف الاحزاب من بينهم نهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم. ولما ارسله الله الى بني اسرائيل امن به من امن وكفر به من كفر. وجعل الا يريهم الايات والعجائب؟ فكان يصور الطين فينفخ فيه فيكون طيرا باذن الله. ويبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله وينبئهم عن كثير مما يأكلون ويدخرون في بيوتهم. ومع هذا فتكالبت عليه اعداؤه وارادوا قتله. فالقى الله شبهة على واحد من الحواريين اصحابه او من غيرهم ورفعه الله اليه وطهره من قتلهم. فاخذوا شبيهه فقتلوه وصلبوه وباءوا بالاثم العظيم يرمي الجسيم وصدقهم النصارى انهم قتلوه وصلبوه ونزهه الله في هذه الحالة فقال وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. وقد قام عيسى في بني اسرائيل فبشر واعلن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فلما جاءهم محمد الذي يعرفونه كما يعرفون ابناءهم قالوا هذا سحر مبين. كما قالوا في عيسى ان هذا الا سحر مبين. وفي هذه القصة من الفوائد امور. منها ان نذر ما زال مشروعا في الامم السابقة. والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه كلمة جامعة للصحيح النافذ منه والباطل فقال من نذر ان يطيع الله طه فليطعه. ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه. ومنها ان من نعمة الله على العبد ان يكون في كفالة الصالحين الاخيار. فان المربي والكافل له الاثر العظيم في حياة المكفول واخلاقه وادابه لهذا امر الله المربين بالتربية الطيبة المشتملة على الحث على الاخلاق الجميلة والترهيب من مساوئ الاخلاق. ومنها اثبات كرامات الاولياء. فان الله كرم مريم بامور يسر لها ان تكون في كفالة زكريا بعدما حصل الخصام في شأنها. واكرمها بان كان رزقها يأتيها من الله بلا سبب اكرمها بوجود عيسى وولادتها اياه. وبخطاب الملك لها بما يطمئن قلبها. ثم بكلامه في المهد. فهذه الاخيرة جمعت كرامة ولي معجزة نبي ومنها الايات العظيمة التي اجراها الله على يد عيسى ابن مريم من احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ونحوهما ومنها ما اكرم الله به عيسى بان جعل له حواريين وانصارا في حياته وبعد مماته في بث دعوته والنصر لدينه. ولذلك كثر تابعوه ولكن منهم المستقيم هو الذي امن به حقيقة وامن بجميع الرسل. ومنهم المنحرف وهم الذين غلوا فيه. وهم جمهور من يدعي انهم من اتباعه وهم ابعد الناس عنه ومنها ان الله اثنى على مريم بالكمال بالصديقية وانها صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانطين. وهذا وصف لها بالعلم الراسخ والعبادة الدائمة والخشوع لله. وانه اصطفاها وفضلها على نساء العالمين. ومنها ان اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة وغيرها مفصلة مطابقة للحقيقة من ادلة رسالته وايات نبوته لقوله ذلك من انباء الغيب نحيه اليك قصة يوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام. هذه القصة من اعجب القصص وذكرها الله جميعا. وافردها بسورة مطولة مفصلة صيلا واضحا. قراءتها تغني عن التفسير. فان الله ساق فيها حالة يوسف من ابتداء امره الى اخره. وما بين ذلك من التنقلات في الاحوال وقال فيها لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. فلنذكر ما يستنبط من هذه القصة العظيمة من الفوائد فنقول مستعينين بالله ذكر ما فيها من الفوائد. منها ان هذه القصة من احسن القصص واوضحها لما فيها من انواع التنقلات من من حال الى حال ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة ومن ذل الى عز ومن امن الى خوف وبالعكس ومن ملك الى رق بالعكس ومن فرقة وشتات الى انضمام وائتلاف وبالعكس ومن سرور الى حزن وبالعكس ومن رخاء الى جدب وبالعكس ومن ضيق الى سعة لكن وبالعكس ومن وصول الى عواقب حميدة فتبارك من قصها وجعلها عبرة لاولي الالباب. ومنها ما فيها من اصول تعبير الرؤيا المناسبة ان علم التعبير علم مهم يعطيه الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه المناسبات وضرب الامثال والمشابهة في الصفات. فوجه مناسبة رؤيا يوسف انه رأى الشمس والقمر والكواكب الاحد عشر ساجدين له. ان هذه زينة للسماء وفيها منافعها. وكذلك الانبياء والعلماء واصفياء زينة الارض وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بالانوار السماوية ولان اباه وامه اصل واخوته فرع عنهما فمن المناسب ان يكون الاصل اعظم نورا وجرما من الفرع فلذلك كانت الشمس امه او اباه. والقمر الاخر منهما. والكواكب اخوته. ومن المناسب ان الساجد محترم لمن سجد له. والمسجود له معظم محترم. فدل ذلك على ان يوسف يصير معظما محترما لابويه واخوته. ولا يتم هذا الا بمقدمات تقتضي الوصول الى هذا من علوم واعمال واجتباء من الله. فلهذا قال وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك ومنها المناسبة في رؤيا الفتيين حيث عبر رؤيا من رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعمل هذا العمل يكون في العادة خادما لغيره. وايضا العصر مقصود لغيره والخادم تابع لغيره. ويؤول ايضا الى السقي الذي هو خدمته. فلذلك اوله بما يؤول اليه. واما تعبيره لرؤيا من رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه لانه يقتل ويصلب مدة حتى تأكل الطير من مخ رأسه الذي هو يحمل. وعبر رؤيا الملك بالبقرات والسنبلات بانها السنون المخصبة والمجدبة. ووجه المناسبة ان المالك به ترتبط امور الرعية ومصالحها. وبصلاحه تصلح وبفساد به تفسد. فهذه نسبته اذا رأى هو الرؤية. وكذلك السنون بخصبها وجذبها تنتظم امور المعاش او تختل. والبقرة هي الة حرث الارض واستخراج مغلها. والمغل هو الزرع. فرأى السبب والمسبب. فرؤيته السبعة السمان من البقر ثم السبع العجاف. والسبع السنبلات الخضر ثم السبعة اليابسات اي لابد ان تتقدم السبع السنين المخصبات ثم تتلوها المجدبات وتأكل ما حصل فيها من غلال ولا تبقي الا شيئا يحصنونه عنها والا فهي بصدد اكلها كلها. فان قيل من اين اخذ قوله ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. فان بعض المفسرين قال هذه زيادة من يوسف في التعبير بوحي اوحي اليه. فالجواب ليس الامر كذلك وانما اخذها من رؤيا الملك. فان السنين المجذبة سبع فقط. فدل على انه سيأتي بعدها عام عظيم الخصب. كثير البركات يزيل الجب العظيم الحاصل من السنين المجدبة التي لا يزيلها عام خصب عادي. بل لا بد فيه من خصب خلاف العادة. وهذا واضح وهو من مفهوم العدد ومنها ما فيها من الادلة والبراهين على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قص عليه هذه القصة المفصلة المبسوطة الموافقة للواقع التي اتت بالمقصود كله. وهو لم يقرأ كتب الاولين ولا دارس احدا كما هو معلوم لقومه. وهو بنفسه امي لا يقرأ ولا يكتب تب ولهذا قال ذلك من انباء الغيب نحييه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها انه ينبغي للعبد البعد عن اسباب الشر. وكتمان ما تخشى مضرته. لقول يعقوب اليوسف لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. ومن ذكر الانسان بما يكره على وجه الصدق والنصيحة له او لغيره لقوله فيكيدوا لك كيدا. ومنها ان نعمة الله على العبد نعمة على ان يتعلقوا به ويتصلوا من اهل بيته واقاربه واصحابه فانه لابد ان يصلهم ويشملهم منها جانب لقوله ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب اي بما يحصل لك. ولهذا لما تمت النعمة على يوسف حصل لال يعقوب من العز والتمكين والسرور. وزوال المكروه وحصول محبوب ما ذكر الله في اخر القصة. ومنها ان النعم الكبيرة الدينية والدنيوية لابد ان يتقدمها اسباب ووسائل اليها بان الله حكيم وله سنن لا تتغير. قضى بان المطالب العالية لا تنال الا بالاسباب النافعة. خصوصا العلوم النافعة وما يتفرغ عنه من الاخلاق والاعمال. فلهذا عرف يعقوب ان وصول يوسف الى تلك الحالة التي يخضع له فيها ابوه وامه واخوته مقام عظيم. ومرتبة عالية وانه لابد ان ييسر الله ليوسف من الوسائل ما يوصله اليها. ولهذا قال وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك. ومنها ان العدل مطلوب في جميع الامور الصغار والكبار في معاملة السلطان لرعيته. ومعاملة الوالدين للاولاد والقيام بحقوق الزوجات وغير ذلك في المحبة والايثار ونحوها. وانه بالقيام بالعدل في ذلك تستقيم الامور صغارها وكبارها. ويحصل للعبد ما احب وفي الاخلال بذلك تفسد الاحوال ويحصل للعبد المكروه من حيث لا يشعر. بهذا لما قدم يعقوب عليه السلام يوسف في وجعل وجهه له يرى منهم على ابيهم واخيهم من المكروه ما جرى. ومنها الحذر من شؤم الذنوب. فكم من ذنب واحد استتبع ذنوبا كثيرة وتسلسل الشر المؤسس على الذنب الاول وانظر الى جرم اخوة يوسف فانهم لما ارادوا التفريق بينه وبين ابيه الذي هو من اعظم الجرائم احتالوا على ذلك بعدة حيل. وكذبوا عدة مرات. وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي فيه. وفي صفة حالهم حين اتوا عشاء يبكون. ولابد ان الكلام في هذه القضية تسلسل وتشعب بل ربما انه اتصل الى الاجتماع ليوسف. وكل ما بحث في هذا الموضوع فهو بحث كذب وزور مع اثر المصيبة على يعقوب. بل وعلى يوسف فليحذر العبد من الذنوب خصوصا الذنوب المتسلسلة. وضد ذلك بعض الطاعات تكون طاعة واحدة ولكن يتسلسل نفعها وبركتها حتى تستتبع طاعات من الفاعل وغيره. وهذا من اعظم اثار بركة الله للعبد في علمه وعمله ومنها ان العبرة للعبد في حال كمال النهاية لا بنقص البداية فان اولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر من الجرائم المتنوعة ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح والاعتراف التام والعفو التام عنهم من يوسف ومن ابيهم والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة واذا سمح العبد بحق فالله اولى بذلك وهو خير الراحمين الغافلين. ولهذا في اصح الاقوال ان الله جعلهم انبياء لمحو ما سبق منهم. وكأنه وما كان ولقوله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. وهم اولاد يعقوب الاثنى عشر ذريتهم ومما يؤيد هذا ان في رؤيا يوسف انهم هم الكواكب التي فيها النور والهداية وهي من صفات الانبياء. فان لم يكونوا انبياء فانهم دماء عباد. ومنها ما من الله به على يوسف من العلم والحلم والاخلاق الكاملة. والدعوة الى الله والى دينه وعفوه عن اخوته الخاطئين عفوا بادرهم به وتمم ذلك بان اخبرهم انه لا تثريب عليهم بعد هذا العفو. ثم بره العظيم بابيه وامه واحسانه على اخوته. واحسانه على الخلق كما هو بين في سيرته وقصته. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما. فان اخوة فيوسف لما قالوا اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة يلتقطه السيارة ان كنتم فاعلين. كان قوله احسن منهم واخف. وبسببه خف عن اخوته الاثم الاكبر. وهو من جملة الاسباب التي قدر الله ليوسف في وصوله الى الغاية التي يريد. ومنها ان الشيء اذا تداولته الايدي وصار من جملة الاموال ولم يعلم المعاملون انه على غير وجه شرع فلا اثم على من باشره ببيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال. فان يوسف باعه اخوته بيعا محرما عليهم. واشترته بناء على انه عبد لاخوة يوسف البائعين. ثم ذهبوا به الى مصر فباعوه بها. وبقي عند سيده غلاما رقيقا. وسماه الله وكان عندهم بمنزلة الرقيق المكرم وسمى الله شراء السيارة وشراءه في مصر معاملة لما ذكرنا. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء الاجنبيات وخصوصا اللاتي يخشى منهن الفتنة. والحذر ايضا من المحبة التي يخشى ضررها. فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها يوسف وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة. ثم كذبت عليه فسجن ذلك السجن الطويل. ومنها ان الهم الذي هم فبه يوسف ثم تركه لله ولبرهان الايمان الذي وضعه الله في قلبه مما يرقيه الى الله زلفى. لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء وهو طبيعة طبع عليها الادمي. فاذا حصل الهم بالمعصية ولم يكن عند العبد ما يقاوم ذلك من الايمان والخوف من الله وقع ذنب. وان كان العبد مؤمنا كامل الايمان فان الهم الطبيعي اذا قابله ذلك الايمان الصحيح القوي منعه من ترتب اثره. ولو كان الداء قوية ولو كان الداعي قويا ولهذا كان يوسف من اعلى هذا النوع. قال تعالى لولا ان رأى برهان ربه بدليل قوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين. لاستخلاص الله اياه وقوة ايمانه واخلاصه خلصه الله من من الوقوع في الذنب. فكان ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن اعلى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. فذكر صلى الله عليه وسلم منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله. فهمها لما كان لا معارض له استمرت في وهمه عارض عرض ثم زال في الحال ببرهان ربه. ومنها ان من دخل الايمان قلبه ثم استنار بمعرفة ربه ونور الايمان به وكان مخلصا لله في كل احواله. فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه واخلاصه من انواع السوء والفحشاء واسباب المعاصي. ما هو جزاء ايمانه واخلاصه. لان الله علل صرف هذه الامور عن يوسف بقوله انه من عبادنا المخلصين. على قراءة من قرأها بكسر اللام. ومن قرأها بالفتح فان من اخلصه الله واجتباه فلابد ان يكون مخلصا. فالمعنيان متلازمان ومنها انه ينبغي للعبد اذا ابتلي بالوقوع في محل فيه فتنة واسباب معصية ان يفر ويهرب غاية ما يمكنه. يتمكن من التخلص من ذلك الشر. كما فر يوسف هاربا للباب. وهي تمسك بثوبه وهو مدبر عنها. ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه في الدعاوى. وذلك ان الشاهد الذي شهد اي حكم على يوسف وعلى المرأة القرينة فقال ان كان قميصه قد من قبل الى اخر القضية وصار حكمه هذا موافقا للصواب. ومن القرائن وجود السواع في رحل الاخ وقد اعتبر هذا وهذا ومنها ما عليه يوسف من الجمال الباهر ظاهرا وباطلا فان جماله الظاهر او جبل امرأة العزيز ما اوى اوجب من الحب المفرط والمراودة المستمرة. ولما لامها النساء دعتهن واعتدت لهن متكئا واتت كل واحدة منهن سكينا. وقال قالت اخرج عليهن فلما رأيناه اكبرناه وقطعنا ايديهن وقلنا حاشا لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم. واما ما له الباطن فهو العفة العظيمة منه مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع السوء منه. لكن الايمان ونوره والاخلاص وقوته لا يشذ عنهما فضيلة ولا تجامعهما رذيلة. وقد بينت امرأة العزيز للنساء من يوسف الامرين. فانها لما ارتهن جماله الظاهر. الذي اعترفن ان هذا الجمال لا يوجد في الادميين قالت ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق ان راودته عن نفسه. وانه لم من الصادقين. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية. فهكذا اذا ابتلي العبد باحد امرين. اما ان يلجأ الى فعل المعصية. واما ان تعاقب عقوبة دنيوية فعليه ان يختار العقوبة الدنيوية التي فيها الثواب من هذا الوجه بعدة امور. ثواب من جهة اختياره الايمان على السلام من العقوبة الدنيوية وثواب من جهة ان هذا من باب التخليص للمؤمن والتصفية. وهو يدخل في الجهاد في سبيل الله. وثواب من جهة المصيبة التي نالته والالم الذي اصابه. وسبحان من ينعم ببلائه ويلطف باصفيائه. وهذا ايضا عنوان الايمان وعلامة السعادة. ومنها انه ينبغي للعابد ان يلتجأ الى ربه ويحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية. ويتبرأ من حوله وقوته لقول يوسف والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين. فالعبد الموفق يستعين ربه على دفع المعاصي واسبابها. كما يستعين به عند فعل الطاعات والخيرات والله كافي المتوكلين. ومنها ان العلم والعقل الصحيح يدعوان صاحبهما الى الخير. وينهيانه عن الشر. وان الجهل يدعو صاحبه الى ضد ذلك لقوله اصبوا اليهن واكن من الجاهلين. اي الجاهلين بالامور الدينية والجاهلين بالحقائق النافعة والحقائق ومنها انه كما على العبد عبودية لربه في حال رخائه عليه عبودية في حال الشدة فيوسف عليه السلام لم يزل تدعو الى الله فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا من يتصل به من اهل السجن ودعا الفتيين الى التوحيد ونهاهما عن الشرك ومن كمال رأيه وحكمته انه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حين احتاج اليه في تعبير رؤياهما وقالا له انا نراك من المحسنين سنين رأى ذلك فرصة فدعاهما الى الله قبل ان يعبر رؤياهما ليكون اقرب الى حصول المطلوب ويبين لهما ان الذي اوصله الى هذه الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم وايمانه وتوحيده. التي رأياه فيها من الكمال والعلم. ايمانه وتوحيده وتركه لملته المشركين وهذا دعاء لهما بالحال ثم دعاهما بالمقال وبرهن لهما على حسن التوحيد ووجوبه وعلى قبح الشرك وتحريمه. ومنها ان بالاهم فالاهم وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن ارشاده وتعليمه فان يوسف لما سأله الفتيان عن رؤياهما وكانت حاجتهما الى التوحيد والايمان اعظم من كل شيء قدمها. ومنها ان من وقع في مكروه وشدة فلا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه بفعله او بالاخبار بحاله. وان هذا لا يكون نقصا ولا شكوى الى المخلوق ممنوعة. فان هذا من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض فيها. ولهذا قال يوسف للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك. ومنها انه يتعين على المعلم والداعي الى الله اعمال الاخلاص التام في تعليمه ودعوته والا يجعل ذلك وسيلة الى معاوضة في مال او جاه او نفع. والا يمتنع من التعليم اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم فان يوسف قد وصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي. فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا فلم يعنفه يوسف ولا وبخه بل ولا قال له لما لم تذكرني عند ربك؟ واجابه جواب تاما من جميع الوجوه. ومنها انه ينبغي للمسئول اذا اجاب السؤال ان يدل السائل على الامر الذي ينفعه مما يتعلق بسؤاله. ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه فان هذا من كمال نصحه وجزالة رأيه. ان هذا من كمال نصحه وجزالة رأيه وحسن ارشاده فان يوسف لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك بل دلهم مع ذلك وارشدهم. بل دلهم مع ذلك واشار عليهم بما يصنعونه في تلك السنين المقصدات من الاكثار من الزراعة وحسن الحفظ والجباية ومنها انه لا يلام العبد على دفع التهمة عن نفسه بل ذلك مطلوب. كما امتنع يوسف من الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته مع النسوة اللاتي قطعن ايديهن. ومنها فضيلة العلم علم الشرع والاحكام وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية وعلم السياسة فان يوسف عليه السلام انما حصلت له الرفعة في الدنيا والاخرة بسبب علمه المتنوع وفيه ان علم التعبير داخل في الفتوى. فلا يحل لاحد ان يجزم بالتعبير قبل ان يعرف ذلك. كما ليس له ان يفتي في الاحكام بغير علم. لان الله سماها فتوى ففي هذه السورة ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من الصفات الكاملة من العلم وغيره اذا كان في ذلك مصلحة وسلم من الكذب ولم يقصد به الرياء لقول يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم. فكذلك لا تذم الولاية اذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من اقامة الشرع وايصال الحقوق الى اهلها. وانه لا بأس بطلبها ان كان اهلا. وانه لا بأس بطلبها ان كان اهلا واعظم كفاءة من غيره. وانما المذموم اذا لم يكن فيه كفاءة او كان موجودا من هو امثل منه ومثله. او لم يرد بها اقامة امر الله بل اراد الترأس والمأكلة المالية ومنها ان الله واسع الجود والكرم. يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة. وان خير الاخرة له سببان لا ثالث لهما الايمان بكل ما اوجب الله الايمان به والتقوى التي هي امتثال الاوامر الشرعية واجتناب النواهي وان خير الاخرة خير من ثواب الدنيا وملكها انه ينبغي للعبد ان يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله. ولا يدعها تحزن اذا رأت لذات الدنيا ورئاساتها. وهي عاجزة عنها بل فيها بالثواب الاخروي ليخفف عنها عدم حصول الدنيا. لقول يوسف ولا اجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم لا بأس به. بل ذلك مطلوب. لان يوسف امرهم بجباية الارزاق اطعمتي في السنين المقصدات للاستعداد به للسنين المجدبات. وقد حصل به الخير الكثير. ومنها حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الديار مصرية من اقصاها الى اقصاها فنهض بالزراعة حتى كثرت الغلال جدا. فصار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها عندما فقدوا ما عندهم بعلمهم بوفورها في مصر. ومن عدله وتدميره وخوفه ان يتلاعب بها التجار انه لا يكيل لاحد الا مقدار الحاجة الخاصة او اقل لا يزيد كل قادم عن كيل بعير وحمله وظاهر حاله هذا انه لا يعطي اهل البلد الا اقل من ذلك بكثير لحضورهم عنده ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن المرسلين واكرام الضيف لقول يوسف الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين ومنها ان سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. فان يعقوب قال لاولاده امانكم عليه الا كما امنتم على اخيه من قبله وقال بل سولت لكم انفسكم امرا فهم في الاخيرة وان لم يكونوا مفرطين فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان يقول ما قال من غير لوم عليه. ومنها ان استعمال الاسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع وان كان لا يقع شيء الا بقضاء الله وقدره. فان الاسباب ايضا من القضاء والقدر لقول يعقوب يا بني لا تدخلوا من باب واحد ادخلوا من ابواب متفرقة. ومنها جواز استعمال الحيل والمكايد التي يتوصل بها الى الحقوق. وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصده مما يحمد عليه العبد. واما الحيل التي يراد بها اسقاط واجب او فعل محرم. ومنها انه ينبغي لمن اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب بيانه له ان يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حين القى الصواع في رحل اخيه ثم استخرجها منه موهما انه او سارقة وليس في ذلك تصريح بسرقته. وانما استعمل المعاريض ومثل هذا قوله معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم لم يقل من سرق متاعنا ومنها انه لا يجوز ان يشهد الا بما علمه وتحققه برؤية او سماع لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا الا من شهد بالحق وهم يعلمون. ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب. صلى الله عليه وسلم القضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة. ويحزنه اشد الحزن. فتم لهذه الفرقة مدة طويلة يعقوب لم يفارق الحزن قلبه وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. ثم ازداد به الامر حين اتصل فراق الابن الثاني بالاول وهو في ذلك صائب لامر الله محتسب الاجر من الله. وقد وعد من نفسه الصبر الجميل. ولا ريب انه وفى بما وعد به. ولا ينافي ذلك قوله انما ما اشكو بثي وحزني الى الله فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر وانما الذي ينافيه الشكوى الى المخلوقين. ولا ريب ان الله رفعه بهذا هذه المحنة درجات عالية ومقامات سامية. لا تنال الا بمثل هذه الامور. ومنها ان الفرج مع اشتداد الكرب. فانه لما تراكمت المتنوعة وضاق العبد زرعا بحملها فرجها فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين. وهذه عوائده الجميلة خصوصا لاولياءه واصفيائه ليكون لذلك الوقع الاكبر والمحل الاعظم وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له ما يوازن ويرجح بما جرى على العبد بلا نسبة ومنها جواز اخبار العبد بما يجد وما هو فيه من مرض او فقر او غيرهما على غير وجه التسخط لقول يعقوب يا اسفا على يوسف وقول اخوتي وقول اخوة يوسف مسنا واهلنا الضر واقرهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر وان كل خير في الدنيا والاخرة فمن اثار التقوى والصبر. وان عاقبة اهلهما احسن العواقب. لقوله قد من الله علينا انه من اتق واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ومنها انه ينبغي للعبد اذا انعم عليه بنعمة بعد ضدها. ان يتذكر الحالة السابقة ليعظم وقع هذه النعمة الحاضرة ويكثر شكره لله تعالى. ولهذا قال يوسف وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي. ومنها ما في هذه القصة من الالطاف المتنوعة المسهلة للبلاء. منها رؤيا يوسف السابقة فان فيها روحا ولطفا بيوسف وبيعقوب وبشارة بالوصول الى تأويلها. ولطف الله بيوسف اذ اوحى اليه وهو في الجبن لتنبأنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون. وتنقلاته من حال الى حال فان فيها الطافا ظاهرة وخفية. ولهذا قال في اخر الامر ان ربي لطيف لما يشاء يلطف به في احواله الداخلية ويلطف له في الامور الخارجية ويوصله الى اعلى المطالب من حيث لا يشعر ومنها انه ينبغي للعبد ان يلح دائما على ربه في تثبيت ايمانه وان يحسن له الخاتمة وان يجعل خير ايامه اخرها وخير اعماله خواتمها. فان الله كريم جواد رحيم