المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل اعظم افات العلم وقواطعه الانخداع بالوقوف مع المخلوقات دون خالقها وبالاثار عن مؤثرها وبالاسباب عن مسببها وبالوسائل عن مقاصدها وهذا النوع نقصه كثير وضرره كبير فان كثيرا من الملحدين والمغترين بهم يمهرون في العلوم الطبيعية. ولكنهم يقفون معها ويعمون عن ارتباطها ومسببها. والذي اودع فيها من العجائب والاسرار ما اودع فيرون انفسهم قد عرفوا من عجائب علوم الطبيعة ما لم يعرفه غيرهم ومن الاسرار التي اودعها الله في الطبائع ما زادوا به على غيرهم فيأخذهم الزهب والغرور ويقفون معها ويرونها هي الحاصل وهي المقصود وهي الغاية فيحصل الانحراف العظيم والنقص في العلم والعقل. فلو انهم عرفوا واثبتوا الموجد الحقيقي. والمدبر للامور كلها. وربطوا الاسباب بقضائه وقدره علموا ان الاسباب محل حكمته فانه تعالى حكيم يضع الامور مواضعها. ويجعل الامور الدقيقة والجليلة منتظمة بنظام عجيب ارتباط وثيق. وجعل لكل مطلوب ومقصود سببا ووسيلة وطريقة يوصل اليه. ولذلك نتيجة وثمرة مرة بحسب قوة الاسباب وضعفها. وبحسب قوة العامل بها وضعفه ثم ربطوا هذه الاسباب والوسائل والنتائج بقدر الله وقضائه. ولو انهم فعلوا ذلك في عملهم لتم علمهم وحصل لهم من اليقين ما لا يحصل لمن لم يصل الى ما وصلوا اليه. ولكنهم فرحوا بما عرفوه من الوسائل التي نتائجها الدنيوية ملموسة وتكبروا بها. فانطبق عليهم قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كان به يستهزئون وقوله تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وهذا اعظم افات العجب والكبر على الاطلاق. واعظم الطرق التي اغتر بها وانخدع كثير من الخلق. فنسأل الله ان يرزقنا العلم الصحيح المؤيدة بالعقل والنقل والفطرة وهو العلم النافع الذي يعرفه العبد من جميع نواحيه وهو العلم الذي يربط الفروع باصولها ويرد الاسباب واثارها ونتائجها الى مسببها والى الذي جعلها كذلك وهو العلم الذي لا ينقطع صاحبه بالمخلوق عن خالقه وبالاثار عن مؤثرها وبالحكم والاسرار والنظامات العجيبة عن محكمها ومنظمها ومبدعها. وهذا العلم هو يثمر اليقين وتحصل به الطمأنينة وتتم به السعادة والفلاح. ويثمر الاخلاق الجميلة والاعمال الصالحة المصلحة للدين والدنيا. اما علوم المنحرفين فانها كما ذكرنا مقطوعة مبتورة جافة. نهاية نفعها كنفع الصناعات المادية. كما هو مشاهد محسوس اتثمر ايمانا ولا امانة ولا رحمة ولا اخلاقا جميلة. بل ثمراتها ضد ذلك. يؤسف غاية الاسف لكل ذي عقل كبير وذكاء مفرط ان تكون هذه غايته وثمراته. فان العقل الصحيح فهم الاشياء والاحاطة بها من جميع نواحيها ثم العمل بالامور النافعة. واستغلال الخيرات والمواهب التي يوهبها العبد. والجمع بين مصالح الدارين ومنافع البدن والروح والنظر الصحيح للمبادئ والعواقب وربط الامور المتصلة بعضها ببعض. فكل من لم يتصف بهذه الاوصاف نقص من عقله بحسب ذلك فكيف بدينك