المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة اصحاب الكهف وهم فتية وفقهم الله والهمهم الايمان. وعرفوا ربهم وانكروا ما عليه قومهم من عبادة الاوثان قاموا بين اظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم. خائفين من سطوة قومهم فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا ومن دونه الها لقد قلنا اذا شططا. اي ان دعونا غيره شططا. اي زورا وبهتانا وظلما. هؤلاء اتخذوا من دونه الهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين. فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ما اتفقوا على هذا الامر وعرفوا انهم لا يمكنهم اظهار ذلك لقومهم. سألوا الله ان يسهل امرهم فقالوا ربنا اتنا من رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا فووا الى غار يسره الله غاية التيسير. واسع الفجوة. بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس. لا في طلوعها ولا في غروبها بها فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعا فقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم ثم انه في الغار تولى حفظهم بقوله ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وذلك لان لا تبلي الارض اجسادهم ثم وايقظهم بعد هذه المدة الطويلة ليتساءلوا بينهم وليقفوا في اخر الامر على الحقيقة. قال قائل منهم كم لبث قالوا لبثنا يوما او بعض يوم قالوا ربكم اعلم بما لبثتم. فبعثوا احدكم بورقكم هذه الى مدينة فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف. الى اخر القصة. ففيها ايات بينات وفوائد متعددة منها ان قصة اصحاب الكهف وان كانت عجيبة فليست من اعجب ايات الله. فان لله ايات عجيبة وقصصا فيها عبرة المعتبرين ومنها ان من اوى الى الله اواه الله ولطف به وجعله سببا لهداية الضالين. فان الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ابقاء على ايمانهم وابدانهم من فتنة قومهم قتلهم وجعل هذه القومة من اياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله وتنوع احسانه. وليعلم العباد ان وعد الله حق ومنها الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها. لان الله بعثهم لاجل ذلك وببحثهم ثم بعلم الناس بحالهم حصل البرهان والعلم بان وعد الله حق وان الساعة اتية لا ريب فيها. ومنها الادب فيما اشتبه عليه العلم ان يرده الى عالمه. وان يقف عندما يعرف ومنها صحة الوكالة في البيع والشراء. وصحة الشركة في ذلك لقولهم ابعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينة انظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه. ومنها جواز اكل الطيبات والتخير من الاطعمة ما يلائم الانسان ويوافقه اذا لم تخرج الى حد الاسراف المنهي عنه لقوله فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه ومنها الحث والتحرز والاستخفاء والبعد عن مواقع الفتن في الدين. واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الانسان الشر. ومنها بيان رغبة بهؤلاء الفتية في الدين. وفرارهم من كل فتنة في دينهم وتركهم لاوطانهم وعوائدهم في الله. ومنها ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضاد والمفاسد الداعية لبغضه وتركه. وان هذه الطريقة طريقة المؤمنين ومنها ان قوله قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا. فيه دليل على ان هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم اناس اهل تدين لانهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم. وهذا وان كان ممنوعا وخصوصا في شريعتنا. فالمقصود بيان ان ذلك الخوف العظيم من اهل الكهف وقت ايمانهم ودخولهم في الغار ابدلهم الله به بعد ذلك امنا وتعظيما من الخلق. وهذه عوائد الله فيمن تأمل المشاق من اجله ان يجعل له العاقبة الحميدة ومنها ان كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا اهمية لها لا ينبغي الانهماك به لقوله فلا تمارسيهم الا مرارا ظاهرا ومنها ان سؤال من لا علم له في القضية المسؤول فيها او لا يوثق به منهي عنه لقوله ولا تستفتي فيهم منهم احد حدا قصة خاتم النبيين وامام المرسلين. ومن انزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين. اعلم ان سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اعظم عون على معرفة تفسير كتاب الله. والقرآن انما كان ينزل تبعا لمناسبات سيرته وما يحصل به تحقيق الحق الذي جاء به. وابطال المذاهب التي جاء لابطالها. وهذا من حكمة انزاله مفرقا. كما ذكر الله هذا المعنى بقوله كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا وقال وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق فلنشر من سيرته صلى الله عليه وسلم على الاحوال المناسبة لنزول الايات المعينات او لجنس النوع من علوم القرآن ليكون عونا في هذا المقام. فاول مقاماته في انزال القرآن عليه انه كان قبل البعثة قد بغضت اليه عبادة الاوثان. وبغض اليه كل قول وفعل قبيح وفطر صلى الله عليه وسلم فطرة مستعدة متهيئة لقبول الحق علما وعملا. والله تعالى هو الذي طهر قلبه وزكاه وكمله فكان من رغبته العظيمة فيما يقرب الى الله انه كان يذهب الى غار حراء. الايام ذوات العدد ويأخذ معه طعاما يطعم منه المساكين ويتعبد ويتحنس فيه. فقلبه في غاية التعلق بربه. ويفعل من العبادات ما وصل اليه علمه في في ذلك الوقت الجاهلي الخالي من العلم. ومع ذلك وهو في غاية الاحسان الى الخلق فلما تم عمره اربعين سنة وتمت قوته العقلية وصلح لتلقي اعظم رسالة ارسل الله بها احدا من خلقه تبدى له جبريل صلى الله عليه وسلم فرأى منظرا هاله وازعجه اذا لم يتقدم له شيء من ذلك اذ لم يتقدم له شيء من ذلك. وانما قدم الله له الرؤيا التي كان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح فاول ما انزل الله عليه اقرأ باسم ربك. فجاءه بها جبريل وقال له اقرأ فاخبره انه ليس بقارئ. اي لا ان يقرأ كما قال تعالى ووجدك ضالا فهدى وتفسيرها الاية الاخرى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فغطه جبريل مرتين او ثلاثا ليهيئه لتلقي القرآن العظيم. فتجرد قلبه وهمته وظاهره وباطنه لذلك فنزلت هذه السورة التي فيها نبوته وامره بالقراءة باسم ربه. وفيها اصناف نعمه على الانسان بتعليمه البيان العلمي بيان اللفظي والبيان الرسمي فجاء بها الى خديجة ترعد فجاء بها الى خديجة ترعد فرائصه من الفرق واخبر بما رآه وما جرى عليه. فقالت خديجة رضي الله عنها كلا ابشر. فوالله لا يخزيك الله ابدا. انك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. ايها من كانت هذه صفته فانها استدعي نعما من الله اكبر منها واعظم. وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه. ومن تهوين القلق الذي اصابه. وبهذه السورة ابتدأت نبوته ثم فطر عنه الوحي مدة ليشتاق اليه وليكون اعظم لموقعه عنده. وكان قد رأى الملك على صورته انزعج فجاء الى خديجة ايضا ترعب فرائسه وقال دثروني دثروني فانزل الله عليه يا ايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر. والرجس فاهجر. فكان في هذا الامر له بدعوة الخلق وانذارهم فشمر صلى الله عليه وسلم عن عزمه وصمم على الدعوة الى ربه. مع علمه انه سيقاوم بهذا الامر البعيد والقريب وسيلقى كل معارضة من قومه ومن غيرهم وشدة. ولكن الله ايده وقوى عزمه وايده بروح منه وبالدين الذي جاء به فجاءته سورة الضحى في فترة الوحي لما قال المكذبون ان رب محمد قلاه قال والضحى الليل اذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى. الى اخرها. وهذا ابتلاء عظيم من الله برسوله ونفي لكل نقص وبشارة بان كل حالة له احسن مما قبلها وخير منها. وان الله سيعطي على النصر والاتباع والعز العظيم وانتشار الدين ما يرضيه فكان اعظم مقامات دعوته دعوته الى التوحيد الخالص والنهي عن ضده دعا الناس لهذا وقرره الله في كتابه وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحسنه وتعينه طريقا الى الله والى دار كرامته. وقرار ابطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة. احتوى عليها القرآن وهي اغلب السور المكية فاستجاب له في هذا الواحد بعد الواحد على شدة عظيمة من قومه. وقاومه قومه وغيرهم وبغوا له الغوائل وحرصوا على اطفاء دعوته بجهدهم وقولهم وفعلهم وهو يجادلهم ويتحداهم ان يأتوا بمثل هذا القرآن. وهم يعلمون انه الصادق الامين. ولكنهم يكابرون ويجحدون الله كما قال تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون ولهذا لما كان استماعهم للقرآن على وجه الكفر والجحد والتكذيب وتوطين نفوسهم على معاداته. اخبر الله تعالى انه جعل على قلوب اكنة ان يفقهوه. وفي اذانهم وقرا. وانهم لا يهتدون بسبب ما اسسوا من هذا الاصل الخبيث المانع لصاحبه من كل خير وهدى. وهذا مما يعلم به حكمة الباري في اضوال الضالين. وانهم لما اختاروا لانفسهم الضلال فيه ولاهم الله ما تولوا لانفسهم وتركهم في طغيانهم يعمهون. وانهم لما ردوا نعمة الله عليهم حين جاءتهم قلب الله افئدتهم واصم اسماعهم واعمى ابصارهم وافئدتهم. وهذا الوصف الذي اشرنا اليه قد ذكره الله في كتابه عنهم وهو يعينك على فهم ايات كثيرة يخبر الله فيها بضلالهم وانسداد طرق الهداية عليهم وعدم قبول محالهم وقلوبهم للهدى والذنب ذنبهم وهم السبب في ذلك. قال تعالى فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. وبضده تعرف الحكمة في هدايته للمؤمنين. وانهم لما كانوا منصفين ليس غرضهم هم الا الحق ولا لهم قصد الا طلب رضا ربهم. هداهم الله بالقرآن وازدادت بهم علومهم ومعارفهم وايمانهم وهدايتهم متنوعة. قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه تهديهم الى صراط مستقيم هذا الوصف الجليل للمؤمنين هو الاساس لهدايتهم وزيادة ايمانهم وانقيادهم وبه ينفتح لك الباب في فهم الايات في اوصاف المؤمنين وسرعة انقيادهم للحق اصوله وفروعه. ومن مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مع المكذبين له. انه يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي احسن ويدعوهم افرادا ومجتمعين. ويذكرهم بالقرآن ويتلوه في الصلاة وكانوا اذا سمعوه صموا اذانهم. وقد يسبونه ويسبون من انزله. فانزل الله على رسوله ايات كثيرة بهذا المعنى يبين حالهم مع سماع القرآن وشدة نفورهم كانهم حمر مستنفرة فرت من قسورة وان شياطينهم ورؤسائهم في الشر فكروا وقدروا ونظروا فيما يقولون عن القرآن ويصفونه به لينفروا عنه الناس حتى قرار رئيسهم الوليد بن المغيرة الذي سماه الله وحيدا. فقال ان هذا الا سحر يؤثر ان الا قول البشر. ولكن ابى الله الا ان يعلو هذا الكلام كل كلام ويزهق هذا الحق كل باطل وكانوا من افكهم يقولون في القرآن الاقوال المتناقضة. يقولون انه سحر انه كهانة انه وشاعر انه كذب انه اساطير. فجعلوا القرآن عضين. كل هذا اثر البغض الذي احرق قلوبهم حتى قالوا فيه مقالة مجانين وكلما قالوا قولا من هذه الاقوال انزل الله ايات يبطل بها ما قالوا. ويبين زورهم وافتراءهم وتناقضهم هم وكان من الادلة والبراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وان القرآن من عند الله مقابلة المكذبين له. فان النظر اليها علم انها سلاح عليهم. واكبر دليل على انهم مقاومون للحق. ساعون في ابطاله. وانهم على الباطل الذي ليس له حق رفض من العقل كما ليس له حظ من الدين. وكانوا ايضا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم الاقوال التي ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون وليس فيها نقص بالنبي صلى الله عليه وسلم. يقولون لو ان محمدا صادق لانزل الله ملائكة يشهدون له لذلك ولاغناه الله عن المشي في الاسواق وطلب الرزق كما يطلبه غيره. ولجعل له كذا وكذا مما توحي اليه عقوله الفاسدة ويذكرها الله في القرآن في مواضع متعددة. تارة يصورها للعباد فقط. لان من تصورها عرف بطلانها وانها ليست من الشبه القادحة فضلا عن الحجج المعتبرة وتارة يصورها ويذكر ما يبطلها من الامور الواضحة وهذا كثير في القرآن ومن مقاماتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم انهم يسعون اشد السعي ان يكف عن عيب الهتهم والطعن في دينهم ويحبون ان يتاركهم ويتاركوه. لعلمهم انه اذا ذكر الهتهم ووصفها بالصفات التي هي عليها من النقص وانها ليس فيها شيء من الصفات يوجب ان تستحق شيئا من العبادة. يعرفون ان الناس يعرفون ذلك ويعترفون به. فلا احب اليهم من التزوير وابقاء الامور على علاتها من غير بحث عن الحقائق. لانهم يعرفون حق المعرفة ان الحقائق اذا بانت ظهر للخلق بطلان ما هم عليه وهذا الذي منه يفرون وهذا المقام ايضا ذكره الله في ايات متعددة مثل قوله ودوا لو تدهنوا فيدهنون ونحوها من الايات واما قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. فهذا اذا ترتب على السب المذكور سبهم لله فانه يترك لما يترتب عليه من الشر. ومن مقاماتهم المتنوعة مع النبي صلى الله عليه وسلم انه ان كانوا يقترحون الايات بحسب اهوائهم ويقولون ان كنت صادقا فاتنا بعذاب الله او بما تعدنا او ازل عنا جبال مكة واجعل لنا فيها انهارا وعيونا. وحتى يحصل لك كذا وكذا مما ذكره الله عنهم فيجيبهم الله عن هذه الاقوال بان رسوله صلى الله عليه وسلم قد ايده الله بالايات والله اعلم بما ينزل من ايات واعلم بما هو انفع لهم وانه قد حصل المقصود من بيان صدقه. وقامت الادلة والبراهين على ذلك. فقول الجاهل احمق لو كان كذا وكذا جهل منه وكبر ومشاغبة محضة وتارة يخبرهم انه لا يمنعه من الاتيان بها الا الابقاء عليهم وانها لو جاءت لا يؤمنون. فعند ذلك يعاجلهم الله بالعقاب. وتارة يبين لهم ان الرسول انما هو نذير مبين ليس له من الامر شيء ولا من الايات شيء. وان هذا من عند الله فطلبوهم من الرسول محض الظلم والعدوان. وهذه في القرآن كثيرة باساليب متعددة. واحيانا يقدحون في الرسول قدحا يعترضون فيه على الله. وانه لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ومحمد ليس كذلك. وانك يا محمد لست باولى بفضل الله منا. فباي شيء تفضل علينا بالوحي ونحوه من الاقوال الناشئة عن الحسد. فيجيبهم الله بذكر فضله. وان فضله يؤتيه من يشاء. وانه حيث يجعل رسالته والمحل اللائق بها ويشرح لهم من صفات رسوله التي يشاهدونها رأي العين. ما يعلمونهم وغيرهم انه اعظم رجل في العالم. وانهم ما وجد ولا ان يوجد احد يقاربه في الكمال. مؤيدا ذلك بالامور المحسوسة والبراهين المسلمة. وقد ابدى الله هذه المعاني واعادها في مواضع كثيرة ومن مقاماته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين الرأفة العظيمة والرحمة لهم والمحبة التامة والقيام معهم في كل امورهم. وانه لهم ارحم وارأف من ابائهم وامهاتهم. واحنى عليهم من كل احد كما قال قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم عزيز عليهما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ميم وقوله سبحانه من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم. ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال امين. وقوله سبحانه فبما رحمة من الله لنت لهم ولو لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فلم يزل يدعو الى التوحيد وعقائد الدين واصوله. ويقال ذلك بالبراهين والايات المتنوعة. ويحذر من الشرك والشرور كلها. منذ بعث الى ان استكمل بعد بعثته نحو عشر سنين وهو يدعو الى الله على بصيرة. ثم اسري به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى. ليريه من اياته وعرج به الى فوق السماوات السبع وفرض الله عليه الصلوات الخمس باوقاتها وهيئاتها. وجاءه جبريل على اثرها فعلمه اوقاتها وكيفيتها ذاتها وصلى به يومين. اليوم الاول صلى الصلوات الخمس في اول وقتها. واليوم الثاني في اخر الوقت وقال الصلاة ما بين هذين الوقتين وفرضت الصلوات الخمس قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. ولم يفرض الاذان في ذلك الوقت ولا اركان الاسلام وانتشر الاسلام في المدينة وما حولها. ومن جملة الاسباب ان الاوس والخزرج كان اليهود في المدينة جيرانا لهم وقد اخبروهم انهم ينتظرون نبيا قد اطل زمانه. وذكروا من اوصافه ما دلهم عليه. فبادر الاوس والخزرج لما اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة وتيقنوا انه رسول الله واما اليهود فاستولى عليهم الشقاء والحسد فلما جاء ما عرفوا كفروا به. وكان المسلمون في مكة في اذى شديد من قريش فاذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة اولا الى الحبشة. ثم لما اسلم كثير من اهل المدينة صارت الهجرة الى المدينة. وحين اخاف اهل مكة من هذا الحال اجتمع ملأهم ورؤساؤهم في دار الندوة يريدون القضاء التام على النبي صلى الله عليه وسلم اتفق رأيهم ان ينتخبوا من قبائل قريش من كل قبيلة رجلا شجاعا فيجتمعون ويضربونه بسيوفهم ضربة واحدة قالوا لاجل ان يتفرق دمه في القبائل فتعجز بنو هاشم عن مقاومة سائر قريش فيرضون بالدية فهم يمكرون اذكروا الله والله خير الماكرين. فجاء الوحي الى النبي صلى الله عليه وسلم وعزم على الهجرة. واخبر ابا بكر بذلك وطلب منه الصحبة فاجابه الى ذلك وخرج في تلك الليلة التي اجتمعوا على الايقاع به. وامر عليا ان ينام على فراشه وخرج هو وابو بكر الى الغار فلم يزالوا يرصدونه حتى برق الفجر فخرج اليهم علي فقالوا اين صاحبك؟ قال لا ادري ثم ذهبوا يطلبونه في كل وجهة وجعلوا جعلات الكثيرة لمن يأتي به. وكان الجبل الذي فيه الغار قد امتلأ من الخلق يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر يا رسول الله لو نظر احدهم الى قدميه لابصرنا فقال يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وانزل الله تعالى الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. فانزل الله سكينته عليه وايده جنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز ديز حكيم. فهاجر الى المدينة واستقر بها. واذن له في القتال بعد ما كان قبل الهجرة ممنوعا لحكمة المشاهدة فقال اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا. وان الله على نصرهم قدير. وجعل يرسل السرايا ولما كانت السنة الثانية فرض الله على العباد الزكاة والصيام. فايات والزكاة انما نزلت في هذا العام. وكان وقت فرضها. واما قوله تعالى وويل للمشركين. فان المراد زكاة القلب وطهارته بالتوحيد وترك الشرك. وفي السنة الثانية ايضا كانت وقعة بدر. وسببها ان عيرا لقريش تحمل تجارة عظيمة من الشام. خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن خف من اصحابه لطلبها. فخرجت قريش لحمايتها وتوافوا في بدر على غير ميعاد. فالعير نجت وكان النفير. التقوا مع الرسول واصحابه وكانوا الفا كامل العدد والخيل. والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر على سبعين بعير يتعقبونها. فهزم الله حين هزيمة عظيمة قتلت صلواتهم وصناديدهم واسر من اسر منهم. واصاب المشركين مصيبة ما اصيبوا بمثلها وهذه الغزوة انزل الله فيها وفي تفاصيلها سورة الانفال. وبعدما رجع الى المدينة منها مظفرا منصورا. ذل من بقي منهم ممن لم يسلم من الاوس والخزرج. ودخل بعضهم في الاسلام نفاقا. ولذلك كان جميع الايات التي نزلت في المنافقين انما ما كانت بعد غزوة بدر. ثم في السنة الثالثة كانت غزوة احد. غزى المشركون وجيشوا الجيوش على المسلمين. حتى وصلوا الى اطراف المدينة وخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه. وعبأهم ورتبهم والتقوا في احد عند الجبل المعروف الي المدينة وكانت الدائرة في اول الامر على المشركين. ثم لما ترك الرماة مركزهم الذي رتبهم فيه رسول الله صلى الله عليه سلم وقال لهم لا تبرحوا عنه ظهرنا او غلبنا. وجاءت الخيل مع تلك الثغرة وكان ما كان. حصل على في احد مقتله اكرمهم الله بالشهادة في سبيله. وذكر الله تفصيل هذه الغزوة في سورة ال عمران. وبسط متعلقاتها والوقوف على هذه الغزوة من كتب السير يعين على فهم الايات الكثيرة التي نزلت فيها كبقية الغزوات. ثم في السنة الرابعة توعد المسلمون والمشركون فيها في بدر. فجاء المسلمون لذلك الموعد وتخلف المشركون معتذرين ان السنة مجدبة وكتبها الله غزوة للمسلمين فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. واتبعوا رضوان الله الله ذو فضل عظيم. ثم في سنة خمس كانت غزوة الخندق. اتفق اهل الحجاز واهل نجد وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على غزو النبي صلى الله عليه وسلم. وجمعوا ما يقدرون عليه من الجنود. فاجتمع نحو عشرة الاف مقاتل وقسدوا المدينة. فاجتمع نحو عشرة الاف مقاتل وقصدوا المدينة. ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم خندق على المدينة. وخرج المسلمون نحو الخندق وجاء المشركون كما وصفهم الله بقوله اذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم. واذ زاغت ابصار وبلغت القلوب الحناجر. ومكثوا محاصرين المدينة عدة ايام. وحال الخندق بينهم وبين اصطدام الجيوش حصلت مناوشات يسيرة بين افراد من الخيل. وسبب الله عدة اسباب لانخذال المشركين. ثم انشمروا الى ديارهم. فلما رجعوا خائبين لم ينالوا ما كانوا جازمين على حصوله. تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة. الذين ظاهروا المشركين بقوله وتشجيعهم على قصد المدينة ومظاهراتهم الفعلية ونقضهم ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم فنزل على حكم سعد بن معاذ فحكم ان تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. وفي هذه الغزوة انزل الله صدر سورة الاحزاب. من قبل قوله يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا لم تروها الى قوله واورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطأوها. وكان الله على كل شيء ثم في سنة ست من الهجرة اعتمر صلى الله عليه وسلم واصحابه عمرة الحديبية. وكان البيت لا يصد عنه احد. عزم المشركون على صد النبي صلى الله عليه وسلم عنه. ولما بلغ الحديبية ورأى المشركين اخذتهم الحمية الجاهلية جازمين على القتال دخل معهم في صلح لحقن الدماء في بيت الله الحرام. ولما في ذلك من المصالح. وصار الصلح على ان يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عامه ولا يدخل البيت ويكون القضاء من العام المقبل. وتضع الحرب اوزارها بينهم عشر سنين. فكره جمهور المسلمين هذا الصلح حين توهموا ان فيه غضاضة على المسلمين. ولم يطلعوا على ما فيه من المصالح الكثيرة. رجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك وقضى هذه العمرة في عام سبع من الهجرة. فانزل الله في هذه القضية سورة الفتح باكملها. انا فتحنا لك فتحا مبينا فكان هذا الفتح لما فيه من الصلح الذي تمكن فيه المسلمون من الدعوة الى الاسلام ودخول الناس في دين الله حين شاهدوا ما فيه من الخير والصلاح والنور. وقد تقدم ان قصة بني قريظة دخلت في ضمن قصة الخندق. اما قبيلة بني النضير من اليهود فانها قبل ذلك حين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا على جانب المدينة غزاهم صلى الله عليه وسلم واحتموا بحصونهم ووعدهم المنافقون حلفاؤهم بنصرتهم. فالقى الله الرعب في قلوبهم وانزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان يجلو وعن ديارهم ولهم ما حملت ابلهم ويدعوا الارض والعقار وما لم تحمله الابل للمسلمين. فانزل الله في هذه القضية اول سورة الحشر هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر. الى اخر القصة. وفي سنة من الهجرة وقد نقضت قريش العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم. غزا مكة في جند كثيف من المسلمين يقارب عشرة الاف مقاتل. فدخلها فاتحا لها. ثم تممها بغزوة حنين على هوازن وثقيف. فتم بذلك نصر الله رسوله وللمسلمين. وانزل الله في ذلك اول سورة التوبة. في سنة تسع من الهجرة غزى تبوك واوعب المسلمون معه. ولم يتخلف الا اهل الاعذار واناس من المنافقين. وثلاثة من صلحاء المؤمنين. كعب بن مالك وصاحباه. وكان الوقت والحر شديدا والعدو كثيرا. والعسرة مشتدة. ووصل الى تبوك ومكث عشرين يوما. ولم يحصل قتال فرجع الى دينا. فانزل الله في هذه الغزوة ايات كثيرة من سورة التوبة. يذكر تعالى تفاصيلها وشدتها. ويثني على المؤمنين ضم المنافقين وتخلفهم. ويذكر توبته على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة. ويدخل معهم الثلاثة الذين خلفوا بعد توبتهم وانابتهم. وفي مطاوي هذه الغزوات يذكر الله ايات الجهاد وفرضه وفضله وثواب اهله وما عنه من الذل العاجل والعقاب الاجل. كما انه في اثناء هذه المدة ينزل الله الاحكام الشرعية شيئا فشيئا. بحسب ما تقتضيه حكمته في سنة تسع من الهجرة او سنة عشر فرض الله الحج على المسلمين. وكان ابو بكر حج بالناس سنة تسع ونبذ الى المشركين عهودهم واتم عهود الذين لم ينقضوا. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر. واستوعب المسلمين معه واعلمهم بمناسك الحج والعمرة بقوله وفعله. وانزل الله الايات التي في الحج واحكامه. وانزل الله يوم عرفة اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. فلم يبق من العلوم النافعة علم الا بينه لهم فان القرآن تبيان لكل شيء. علوم الاصول وعلوم الفروع والاحكام. وعلوم الاخلاق والاداب وعلوم الكون وكل ما يحتاجه الخلق وكل ما يحتاجه الخلق من ذلك اليوم الى ان تقوم الساعة. ففي القرآن بيانه والارشاد اليه وهو الذي اليه المرجع في جميع الحقائق الشرعية والعقلية. ومحال وممتنع ان يأتي علم صحيح لا محسوس ولا معقول ينقض شيئا مما جاء به القرآن فانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم الله يقول الحق وهو يهدي السبيل. هذه الاية جمعت بين نوعي العلوم. فان العلوم وسائل ومقاصد. فنوع المقاصد وهو الحق الذي يقول الله في كتابه وعلى لسان رسوله ونوع وسائل وهو الهداية الى السبيل الى كل علم وعمل. كما ان قوله تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. جمعت الكمال في الفاظه ومعانيه. فالفاظه اوضح الالفاظ مبلغها واحسنها تفسيرا لكل ما تفسره من الحقائق بوضوحها واحكامها وقوامها ومعانيه كلها حق وذلك انه وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. صدقا في اخبارها. وعدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. ومن احسن من الله حكم حكما لقومي يوقنون. فاحكامه على الاطلاق احسن الاحكام وانفعها للعباد. فهذا في شرعه ودينه ونظيره في خلقه الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين. وقد جمع الله في كتابه بين المتقابلات العامة. وذلك لكمال هذا الكتاب واحكامه كالامثلة السابقة. وكما في قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. فان البر اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد والاخلاق والاعمال. والتقوى اسم جامع لما يجب اتقاؤه من جميع الاثام والمضار. ولهذا قال ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. الاثم المعاصي المتعلقة بحقوق الله. والعدوان البغي على خلق الله في الدماء والاموال اراضي والحقوق. وكذلك قوله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فجمع بين زاد سفر الدنيا وزاد سفر الاخرة بالتقوى وكذلك قوله تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا. هذا اللباس الحسي الضروري الكمالي ثم قال ولباس التقوى ذلك خير. فهذا اللباس المعنوي وان شئت قلت عن الاول انه لباس البدن من لباس التقوى انها لباس القلب والروح. وكذلك قوله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. جمع لهم بين نعيم الظاهر بالنضرة والحسن والبهاء ونعيم الباطن بكمال الفرح والسرور. وكذلك قوله في صفة نساء الجنة فيهن خيرات حسان ووصفهن بجمال الباطن بحسن الخلق الكامل وجمال الظاهر بانهن حسان الوجوه وجميع الظاهر. ولما ذكر السير الحسي ذكر السير المعنوي وقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر. وكذلك قوله فانفروا ثبات. اي بدليل قوله او انفروا جميعا. وكذلك قوله لا يصلاها الا الاشقى. الذي كذب وتولى. كذب الخبر وتولى عن الطاعة والتكذيب انحراف الباطن. والتولي انحراف الظاهر ونظيره قوله انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى. وضد ذلك ما رتب الله على الايمان والعمل الصالح من خير الدنيا والاخرة. فان الايمان ضد التكذيب والتولي ضد الاستقامة والعمل الصالح. وكذلك قوله اياك نعبد واياك نستعين. فاعبده وتوكل عليه. تجمع ما يراد من العبد. العبادة حق الله على العبد. والاعانة من ربه اسعافه بما استعان عليه من عبودية ربه وغيرها من من العبد في عبادة الله واستعانة به. وكذلك قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. فجمع للمؤمن العامل للصالحات بين طيب الحياة في الدنيا والاخرة ونظيره للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة. ولدار الاخرة خير. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وكذلك قوله ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. في مواضع نفي جميع المكروه الماضي بنفي الحزن المستقبل بنفي الخوف. وكذلك قوله تعالى فروحوا وريحان وجنة نعيم. فالروح اسم جامع لنعيم القلب. والريحان اسم جامع لنعيم الابدان. وجنة نعيم تجمع الامرين. وكذلك قوله ومن اعرض عن ذكري اي القرآن اي القرآن من الذي انزله؟ فان له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة اعمى. جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب البرز وعذاب دار القرار. وكذلك قوله يطبع الله على كل قلب متكبر جبار. اي متكبر عن الحق جبار على الخلق ومثله معتد اثيم. معتد اي معتد في البغي على عباد الله. اثيم اي متجرأ على محارم لا. وكذلك قوله في مواضع من ولي ولا نصير. فالولي الذي يجلب لمواليه المنافع. والنصير الذي يدفع عنه المضار فوائد منثورة منوعة غير مرتبة. الامة جاء في القرآن لعدة معان جاء بمعنى الامام الجامع لخصال خير مثل قوله ان ابراهيم كان امة. وبمعنى الطائفة مثل قوله وان من امة الا خلا فيها نذير وهذا المعنى كثير وبمعنى الملة والدين. وان هذه امتكم امة واحدة. وبمعنى المدة الطويلة والذكر بعد امه. السلطان اكثر استعماله في القرآن بمعنى الحجة مثل قوله ان عندكم من سلطان فأتونا بسلطان مبين ويأتي بمعنى الملك مثل قوله هلك عني سلطانيه. ويأتي بمعنى التسلط والسيطرة. مثل قوله ان انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. اللسان ورد في القرآن لعدة معان. ورد بمعنى الجارحة لا تحرك به لسانك يقولون بالسنتهم وهو كثير. وبمعنى اللغة وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه بلسان عربي مبين. وبمعنى الثناء الحسن واجعل لي لسان صدق في الاخرين. استوى وردت في القرآن على ثلاثة اوجه تارة تعدى بعلى فتدل على العلو والارتفاع مثل ثم استوى على العرش لتستووا على ظهوره وتعد باله فتدل على القصد مثل ثم استوى الى السماء فسوى اهن سبع سماوات وتأتي بلا تعدية بحرف. فتدل على الكمال ومنه قوله ولما بلغ اشده واستوى. اي كمل في عقله واحواله كلها. التأويل اكثر وروده في القرآن بمعنى عاقبة الشيء. وما يؤول اليه وقت وقوعه مثل وقوله هل ينظرون الا تأويله. يوم ياتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل. اي وقوع المخبر به من العذاب هذا تأويل رؤياي من قبل. اي هذا ما آلت اليه وهذا وقوعها. وقد يأتي بمعنى التفسير وهو قليل ومنه على احد ومنه على احد التفسيرين وما يعلم تأويله الا الله اي تفسيره والقول الاخر يكون من المعنى الاول اي وما يعلم حقيقة المخبر عنه الا الله وحده فعلى هذا المعنى يتعين الوقوف على الله. وعلى المعنى الاول بمعنى التفسير يعطف عليه والراسخون في العلم. اي فما ايعلم تفسير المتشابه الذي يتشابه فهمه على اذهان اكثر الناس الا الله والا اهل العلم. فانهم يعلمون تأويله بهذا المعنى الغافل ورد في القرآن بمعنى الجاهل مثل قوله لتنذر قوما ما اون انذر اباؤهم فهم غافلون. وبمعنى النسيان لذكر الله وذكر طاعته كقوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين. ولا تطع من اغفلنا قلبه عنك من ذكرنا فائدة. اخبار الله انه مع عباده يرد في القرآن على احد معنيين. احدهما المعية العامة كقوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم. ولا خمسة الا هو سادسهم. ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم. اي هو معهم بعلمه واحاطته. الثاني المعية الخاصة. وهي اكثر ورودا في القرآن وعلامته ان يقرنها الله بالاتصاف بالاوصاف التي يحبها. والاعمال التي يرتضيها مثل قوله ان الله مع المتقين. مع المحسنين مع الصابرين. لا تحزن ان الله معنا. قال لا خفى انني معكما اسمع وارى. وهذه المعية تقتضي العناية من الله والنصر والتأييد والتسديد. بحسب قيام العبد بذلك الوصف الذي رتبت عليه المعية. ونظير هذا التقسيم وصف العباد بانهم عبيد لله يرد في على نوعين نوع عام مثل قوله ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا اي معبدا مملوكا. والنوع الثاني العبودية الخاصة وهي تقتضي ان العبد بمعنى العابد المتعبد لربه القائم بعبوديته. وذلك مسل قوله وعباد الرحمن. وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده. وقوله سبحانه اليس الله بكاف عبده؟ اليس الله بكاف عبدة فبحسب قيام العبد بعبودية ربه تحصل له كفاية الله. ونظير هذا القنوت يرد في القرآن على قسمين قنوت عام مسل قوله وله من في السماوات والارض كل له قانطون. اي الكل عبيد خاضعون نيته وتدبيره. النوع الثاني وهو الاكثر في القرآن القنوت الخاص. وهو دوام الطاعة لله على وجه الخشوع مثل قوله امن هو قانت اناء الليل ساجدا وقائما. وقوله وقوموا لله اه قانتين. يا مريم اقنتي لربك واسجدي. والقانتين والقانطات. ونحوها فائدة. طغيان الرئاسة وطغيان المال يحملان صاحبهما على الكبر والبطر والبغي على الحق وعلى الخلق. برهان ذلك قوله تعالى الم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان اتاه الله الملك وقوله ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى. فعلل هذا التجرؤ والطغيان بحصول الملك ورؤيته لنفسه الاستغناء. اما الموفقون الاصفياء فانهم في هذه الاحوال يخضعون لله. ويعترفون له بالنعمة ويزداد تواضعهم. ولهذا لما رأى سليمان عليه السلام من ملكه ملكا كبيرا. ورأى عرش ملكة سبأ مستقرا عنده لم يطغى ويقل هذا من حولي وقوتي ونحوه. بل قال هذا من فضل ربي ليبلوني اشكر ام اكفر وقال قبل ذلك ربي اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ان ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين. فائدة من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين في مقام الدعوة للكافرين. كما قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ ليظ القلب لانفضوا من حولك. وقال فقولا له قولا لينا. لعله يتذكر او يخشى امر باللين في هذه المواضع. وذكر ما يترتب عليه من المصالح. كما ان من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها. قال تعالى يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم. لان المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة. بل قد فيه القتال فالغلظة فيه من تمام القتال وقد جمع الله بين الامرين في قوله في وصف خواص الامة اشداء على الكفار رحماء بينهم الفرق بين قوله انك لا تهدي من احببت. وبين قوله وانك لتهدي الى صراط مستقيم. ان هداية الارشاد التعليم والبيان هي التي اثبتها لرسوله. بل ولكل من له تعليم وارشاد للخلق. كما قال وجعلناهم ائمتي يهدون بامرنا. وقال ولكل قوم هادئ. واما هداية التوفيق ووضع الايمان في القلوب. فانها مختصة بالله فكما لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ويميت الا الله فلا يهدي الا الله. الفرق بين التبصرة والتذكرة في مثل قوله تبصرة وذكرى لكل عبد مبين. ان التبصرة هي العلم بالشيء والتبصر فيه. والتذكرة هي العمل بالعلم اعتقادا وعملا. وتوضيح هذا ان العلم التام النافع يفتقر الى ثلاثة امور. التفكر اولا في الله المتلوة والمشهودة. اذا تفكر ادرك ما تفكر فيه بحسب فهمه وذكائه. فعرف ما تفكر فيه وفهمه. وهذا هو تبصر فاذا علمه عمل به فان كان اعتقادا وايمانا صدقه بقلبه واقر به واعترف. وان اقتضى عملا قلبي او قوليا او بدنيا عمل به. وهذا هو التذكر وهو التذكرة. وحاصل ذلك هو معرفة الحق واتباعه. ومعرفة باطل واجتنابه. والفرق بين المواضع التي ورد في القرآن ان الناس لا يتساءلون ولا يتكلمون. والمواضع التي ذكر فيها احتجاجهم وتكلمهم وخطاب بعضهم لبعض من وجهين. اوجهها تقييد هذه المواضع بقوله لا يتكلمون الا لا من اذن له الرحمن وقال صوابا. فاثبات الكلام المتعدد من الخلق يوم القيامة تبع لاذن الله لهم في ذلك ونفي التساؤل والكلام في الحالة التي لم يؤذن لهم. الوجه الثاني ما قاله كثير من المفسرين. ان القيامة لها احوال ومقامات. ففي بعض الاحوال والمقامات يتكلمون. وفي بعضها لا يتكلمون. وهذا الوجه لا ينافي الاول. فيقال وهذه الاحوال والمقامات تبع لاذن الله لهم او عدمه. والفرق بين اثبات الله في القرآن الانساب بين الناس في مواضع كثيرة ونفيها في مواضع ان المواضع المنفية المراد بها ان الانساب لا تنفع كما ان جميع الاسباب لا تنفع يوم القيامة الا سببا واحدا. وهو الايمان والعمل الصالح. كما ذكره في كتابه في مواضع. واما المواضع المثبتة فهو المطابق للحقيقة ويذكر في كل مقام بحسبه. ففي مقامات الفضل والثواب يذكر الله فضله على الجميع بالحاق الناقص من المؤمنين بالكامل من غير نقص لدرجة الكامل. مثل قوله والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما من عملهم من شيء. اي ما نقصناهم ومثل جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. وفي مقامات العدل والعقوبة اذكر الانساب وانها لا تنفع وان الامر اعظم من ان يلتفت الانسان الى اقرب الناس اليه مثل قوله يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته واخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومثل يوم ويفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ونظير هذا الاخبار عن المجرمين انهم يسألون عن اعمالهم. وذلك على وجه اظهار العدل والتوبيخ بيعي لهم والفضيحة وفي بعض المواضع مثل فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انسوا ولا جان اي لا يحتاجك علم ذلك وجزائه عليه الى سؤاله سؤال استعلام لانها مسطرة عليهم قد حفظت بالشهود من الملائكة والجوارح في الارض وغيرها. فائدة. النفي المحض لا يكون كمالا. ولهذا في مقامات المدح كل نفي في القرآن فانه يفيد فائدتين. نفي ذلك النقص المصرح به. واثبات ضده ونقيضه. فيدخل في هذا اشياء كثيرة اعظمها انه اثنى على نفسه بنفي امور كثيرة تنافي كماله. نفى الشريك في مواضع متعددة فيقتضي توحده بالكمال المطلق. وانه لا شريك له في ربوبيته والهيته واسمائه وصفاته. وسبح نفسه في في مواضع واخبر في مواضع عن تسبيح المخلوقات. والتسبيح تنزيه الله عن كل نقص. وعن ان يماثله احد. وذلك ذلك يدل على كماله. ونفى عن نفسه الصاحبة والولد. ومكافأة احد. وذلك يدل على كماله المطلق وتفرده بالوحدة نية والغنى المطلق والملك المطلق. ونفى عن نفسه السنة والنوم والموت. لكمال حياته وقيمته. ونفى كذلك الظلم في مواضع كثيرة. وذلك يدل على كمال عدله وسعة فضله. ونفى ان يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء او يعجزه شيء. وذلك لاحاطة علمه وكمال قدرته. ونفى العبث في مخلوقاته وفي شرعه. وذلك لكمال حكمته وهذه فائدة عظيمة تحفظها في خزانة قلبك. فانها خير الكنوز وانفعها. وكذلك نفى عن كتابه القرآن الريب العوج والشك ونحوها. وذلك يدل على انه الحق في اخباره واحكامه. فاخباره اصدق الاخبار واحكمها وانفعها للعباد واحكامه كلها محكمة في كمال العدل والحسن والاستقامة على الصراط المستقيم. وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما ضل صاحبكم وما غوى. فنفى عنه الضلال من جميع الوجوه. وهو عدم العلم او قلته او نقصه. او عدم جودته اي وهو سوء القصد فيدل ذلك على انه اعلم الخلق على الاطلاق. واهداهم واعظمهم علما ويقينا وايمانا. وانه انصح الخلق للخلق واعظمهم اخلاصا لله وطلبا لما عنده. وابعدهم عن الاغراض الرديئة. وكذلك نفى عنه كل لنقص قاله اعداؤه فيه وانه في الذروة العليا من الكمال المضاد لذلك النقص. وكذلك نفى الله عن اهل الجنة الحزن قدر والنصب واللغوب والموت وغيرها من الافات. فيدل ذلك على كمال سرورهم وفرحهم. واتصال نعيمهم وكماله. وكمال حياتهم وقوة شباب بهم وكمال صحتهم وتمام نعيمهم الروحي والقلبي والبدني من كل وجه. وانه لا اعلى منه حتى يطلب عنه حولا وعكس هذا ما نفى القرآن عنه صفات الكمال. فانه يثبت له ضد ذلك من النقص. كما نفى عن الهة المشركين جميع مالات القولية والفعلية والذاتية. وذلك يدل على نقصها من كل وجه. وانها لا تستحق العبادة مثقال ذرة ايه ده؟ قوله تعالى ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. اي القوة والشجاعة في في هذه الاية على ان الملك اذا اجتمعت فيه هاتان الخصلتان العلم بالولاية والسياسة وحسن التدبير والشجاعة قوة فهو الذي يصلح للولاية والملك. وان لم يكن من بيت الملك ولا ذا مال. فان العبرة بجميع الولايات ان كان اقامتها والنهوض بها على اكمل الحالات وولاية الملك لا تتم الا بالعلم والشجاعة القلبية والبدنية. فائدة. قوله تعالى واتوا البيوت من ابوابها. يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي ان كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي ان يؤتى من بابه وهو اقرب طريق ووسيلة يتوصل بها اليه. وذلك يقتضي معرفة الاسباب والوسائل معرفة تامة. ليس لك الاحسن منها والاقرب والاسهل. والاقرب نجاحا بين الامور العلمية والعملية. ولا بين الامور المتعدية والقاصرة. وهذا من الحكمة فائدة. لما ذكر الله الانبياء عليهم قال اولئك الذين هدى الله فبهداهم اولئك الذين هدى الله فبهداهم مقتدر. تدل على اتباع جميع الانبياء في جميع هداهم. والله هداهم في عقائدهم واخلاقهم واعمالهم واقوالهم وافعالهم. فكل امر اثنى الله وفيه على احد من انبيائه من عقد او خلق او عمل فاننا مأمورون بالاقتداء بهم. وذلك من هداهم وهو ايضا من ان الله امرنا بذلك كما امرنا بالاوصاف العامة التي تدخل فيها مفردات كثيرة. فائدة اذا امرنا الله في كتابه بامر كان امرا بذلك وبكل امر لا يتم الا به. فالامر مثلا بالصلاة امر بالطهارة وستر العورة واجتناب بالنجاسة واستقبال القبلة وبجميع شروطها واركانها. وكذلك هو امر بمعرفتها ومعرفة ما لا تتم الا به. وهذا من اعظم الادلة على وجوب طلب العلم. فان المأمورات يتوقف تكميلها على معرفتها. وكذلك اذا نهانا الله عن شيء كان نهيا عن كل وسيلة توصل اليه. والامر بالجهاد امر به. وبكل ما يتوقف عليه في كل زمان ومكان. الامر تبليغ الشريعة امر بكل ما يحصل به التبليغ. ويتم ويكمل ويشمل. ويدخل في هذا ايصال الاحكام الشرعية وتبليغها ناس بجميع المقربات الحادثة فائدة قد اخبر الله في عدة ايات بهدايته الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم وتوبته على كل مجرم. واخبر في ايات اخر انه لا يهدي القوم الظالمين. لا يهدي القوم الفاسقين. فما الجمع بين بينها فيقال قوله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم هي الفاصلة بين من هداهم الله ومن لم يهدهم فمن حقت عليه كلمة العذاب لعنادهم ولعلم الله انهم لا يصلحون للهداية بحيث صار الظلم والفسق وصفا لهم ملازما رقابل للزوال. ويعلم ذلك بظاهر احوالهم وعنادهم ومكابرتهم للحقائق فهؤلاء يطبع الله على قلوبهم فلا يدخلها خير ابدا. والجرم جرمهم فانهم رأوا سبيل الرشد فزهدوا فيه. ورأوا سبيل الغي فرغبوا فيه فاتخذوا الشياطين اولياء من دون الله فائدة. ورد في كثير من الايات اضافة الامور الى قدرة الله ومشيئته وعموم خلقه. وفي ايات كثيرة اضافتها الى عامليها وفاعليها. وهذه ايات متنوعة تنزل على الاصل العظيم المتفق عليه بين سلف الامة. والذي دل عليه العقل والنقل. وهو ان جميع واقعة بقضاء الله وقدره. اعيانها واوصافها وافعالها وجميع ما حدث ويحدث لا يخرج شيء منه عن قضائه وقدره ومع ذلك فقد جعل الله الحوادث تبعا لاسبابها ولارادة الفاعلين لها وقدرتهم عليها. فالايات المتعددة المضافة الى عموم قدرة تدل على الاصل الاول. والايات المتعددة المضافة الى فاعليها تدل على الاصل الثاني ولا منافاة بينهم فان اعمال العباد مثلا تقع بفعلهم وارادتهم وقدرتهم. والله خالقهم وخالق قدرتهم وارادتهم قالق السبب التام خالق للمسبب. ومع ذلك فقد جعلهم في افعالهم وتروكهم مختارين غير مجبورين. فائدة يختم الله كثيرا من الايات عندما يبين للعباد الاصول والاحكام النافعة بقوله لعلكم تعقلون. وهذا يدل على امور منها ان الله يحب منا ان نعقل احكامه وارشاداته وتعليماته. فنحفظها ونفهمها ونعقلها بقلوبنا. ونؤيد هذا العقل ونثبته بالعمل بها. ومنها انه كما يحب منا ان نعقل هذا الحكم الذي بينه بيانا خاصا. فانه يحب ان نعقل بقية ما انزل علينا من الكتاب والحكمة وان نعقل اياته المسموعة واياته المشهودة. ومنها ان في هذا اكبر دليل على ان معرفة ما انزل الله الينا من اعظم ما يربي عقولنا. ويجعلها عقولا تفهم الحقائق النافعة والضارة. وترجح هذه على ولا تميل بها الاهواء والاغراض والخيالات والخرافات الضارة المفسدة للعقول. واذا اردت معرفة مقادير عقول الخلق على حقيقة فانظر الى عقول المهتدين بهداية القرآن والسنة. والى عقول المنحرفين عن ذلك تجد الفرق العظيم. ولا تحسبن العقل هو الذكر والفطنة والفصاحة اللفظية وكثرة القيل والقال. وانما العقل الصحيح ان يعقل العبد في قلبه الحقائق النافعة يحيطوا بمعرفتها ويميز بينها وبين ضدها. ويعرف الراجح من الامور فيؤثره. والمرجوح او الضار فيتركه. وبعبارة قرى مختصرة نقول العقل هو الذي يعقل به العلوم النافعة ويعقل صاحبه ويمنعه من الامور الضارة فائدة. ورد في القرآن اني ايات عامة عطف عليه بعض افرادها الداخلة فيها. وذلك يدل على فضيلة المخصوص واكديته. وان له من ما اوجب النص عليه مثل قوله من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين قوله سبحانه تنزل الملائكة والروح فيها وهو جبريل وقوله حافظوا الصلوات والصلاة الوسطى. وقوله والذين يمسكون بالكتاب دخل فيه الدين كله ثم قال واقاموا الصلاة ومثله اتلما اوحي اليك من الكتاب اي اتبعه. ويدخل في ذلك جميع الشرائع ثم وذكر السبب في ذلك الى غير ذلك من الايات التي اذا تأملت المخصوص من العام علمت ان ذلك لشرفه واكديته وما يترتب عليه من الثمرات الطيبة فائدة لطيفة. في عدة ايات من قرآن اذا ذكر الله الحكم لم ينص على نفس الحكم عليه. بل يذكر من اسمائه الحسنى ما اذا علم ذلك الاسم وعلمت اثاره علم ان ذلك الحكم من اثار ذلك الاسم. وهذا انهاض من الله لعباده ان يعرفوا اسمائه حق المعرفة وان يعلموا انها الاصل في الخلق والامر. وان الخلق والامر من اثار اسمائه الحسنى. وذلك مثل قوله ان الله غفور رحيم. وان عزموا الطلاق فان الله فسميع عليم. فيستفاد ان الفيئة يحبها الله. وانه يغفر لمن فاء ويرحمه. وان الطلاق كريه الى الله. واما المؤذي اذا طلق فان الله تعالى سيجازيه على ما فعل من السبب. وهو الايلاء. والمسبب وهو ما ترتب عليه. ومثل هذا قوله تعالى الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ان الله غفور رحيم. اي فانكم اذا علمتم ذلك رفعتم عنه العقوبة المتعلقة بحق لا وهذا كثير وقد يصرح الله بالحكم ويعلله بذكر الاسماء الحسنى المناسبة له. فائدة. قوله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين. جمع الله فيها امورا كثيرة نافعة في الدين والبدن والحال والمآل فالامر بالاكل والشرب يدل على الوجوب. وان العبد لا يحل له ترك ذلك شرعا. كما لا يتمكن من ذلك قدرا ما دام عقله معه وان الاكل والشرب مع نية امتثال امر الله يكون عبادة. وان الاصل في جميع المأكولات والمشروبات الاباحة. الا ما نص على تحريمه لضرره لاطلاق ذلك. وعلى ان كل احد يأكل ما ينفعه ويناسبه ويليق به. ويوافق لغناه وفقره ويوافق لصحته ومرضه ولعادته وعدمها. ولانه حذف المأكول. والاية ساقها الله لارشاد العباد الى منافعهم وهي تدل على ذلك كله. وعلى ان اصل صحة البدن تدبير الغذاء بان يأكل ويشرب ما ينفعه. ويقيم صحته وقوته وعلى الامر بالاقتصاد في الغذاء والتدبير الحسن. لانه لما امر بالاكل والشرب نهى عن السرف. وعلى ان السرف منهي عنه. وخصوصا في الاطعمة والاشربة فان السرف يضر الدين والعقل والبدن والمال. اما ضرره الديني فكل من ارتكب ما نهى الله ورسوله عنه. فقد تنجرح دينه وعليه ان يداوي هذا الجرح بالتوبة والرجوع. واما ضرره العقلي فان العقل يحمل صاحبه ان يفعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي ويوجب له ان يدبر حياته ومعاشه. ولهذا كان حسن التدبير في المعاش من ابلغ ما يدل على عقل صاحبه. فمن تعدى الطور النافع الى طور الاسراف الضار. فلا ريب ان ذلك لنقص عقله فانه يستدل على نقص العقل بسوء التدبير. واما ضرره بدنيا فان من اسرف بكثرة المأكولات والمشروبات انضر بدنه واعترته امراض خطيرة وكثير من الامراض انما تحدث بسبب الاسراف في الغذاء ثم انه ينضر ايضا من وجه اخر. فان من عود بدنه شيئا اعتاده. فاذا عوده كثرة الاكل واكل الاطعمة متنوعة ربما تعذرت في بعض الاحوال لفقر او غيره. فحين اذ يفقد البدن ما كان معتادا له فتنحرف صحته. واما ضرره المالي فظاهر فان الاسراف يستدعي كثرة النفقات. ولهذا قال تعالى ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محصورا اي تلام على ما فعلت لانه في غير طريقه محصورا فارغ اليد واخباره انه لا يحب المسرفين دليل على انه يحب المقتصدين. ففي هذه الاية اثبات صفة المحبة لله. وانها تتعلق بما يحبه الله من الاشخاص الاعمال والاحوال كلها. فسبحان من جعل كتابه كنوزا للعلوم النافعة المتنوعة. فائدة ذكر الله في كتابه عدة ايات في ووصف القلوب بالمرض وبالعمى وبالقسوة. وبجعل الموانع عليها من الران. والاكنة والحجاب وبموتها وبحيرتها. فعلى ام ان القلب يكون صحيحا ويكون مريضا؟ ويجتمع فيه المرض والموانع من وصول الصحة. وقد يكون لينا وقد يكون قاسيا. فاما قلب الصحيح فهو السليم من جميع هذه الافات. وهو القلب الذي صحت وقويت قوته العلمية وقوته العملية الارادية والذي عرف الحق فاتبعه بلا تردد وعرف الباطل فاجتنبه بلا توقف. فهذا هو القلب الصحيح الحي السليم. وصاحبه من اولي واولي الحجا واولي الالباب واولي الابصار. والمخبت لله والمنيب اليه. واما القلب المريض فهو الذي انحرفت احدى قوتيه علمية والعملية او كلاهما. فمرض الشبهات والشكوك الذي هو مرض المنافقين. لما اختل علمهم وبقيت قلوبهم في شكوك واضطراب ولم تتوجه الى الخير كان مرضها مهلكا. ومرض الشهوات الذي هو ميل القلب الى المعاصي. مخل بقوة القلب العملي فان القلب الصحيح لا يريد ولا يميل الا الى الخير او الى ما اباحه الله له. فمتى رأيت القلب ميالا الى المعاصي سريعا الانقياد لها فهو مريض هو سريع الافتتان عند وجوب اسباب الفتنة. كما قال تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض. واما القلب ابو القاسي فهو الذي لا يلين لمعرفة الحق. وان عرفه لا يلين للانقياد له. فتأتيه المواعظ التي تلين الحديد وقلبه ولا يتأثر بذلك اما لقسوته الاصلية او لعقائد منحرفة اعتقدها ورسخ قلبه عليها وصعب عليه الانقياد للحق اذا خالفها وقد يجتمع الامران. واما الران والاكنة والاغطية التي تكون على القلوب. فانها من اثار كسب العبد وجرى فاذا اعرض عن الحق وعارض الحق وجاءه الحق فرده وفتح الله له ابواب الرشد فاغلقها عن نفسه عقبه الله بهذا العمل بان سد عنه طرق الهداية التي كانت مفتوحة له ومتيسرة. فتكبر عنها وردها فطبع على قلبه وختم عليه واحاطت به الجرائم ورانت عليه الذنوب وغطت قلبه. وجعلت بينه وبين الحق حجابا واقفلت القلب. فهذه المعاني التي اكثر الله من ذكرها في كتابه اذا عرفت هذه الضوابط المذكورة في هذه الفائدة اتضحت لك معانيها وعرفت بذلك حكمة الله وعدله في عقوبته هذه القلوب وان الله ولاهم ما تولوه لانفسهم ورضوه لها. فائدة قوله تعالى لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا. جمع الله فيها الحقوق الثلاثة الحق المختص بالله الذي لا يصلح لغيره وهو العبادة في قوله وتسبحوه بكرة واصيلا. والحق المختص بالرسول وهو توقير والتعزير والحق المشترك وهو الايمان بالله ورسوله. فائدة ذكر الله اليقين في مواضع كثيرة من القرآن في المحل العالي من الثناء اخبر ان اليقين هو غاية الرسل بقوله وليكون من الموقنين. وانه بالصبر واليقين تنال الامامة في الدين. وان الايات انما ينتفع بها الانتفاع الكامل الموقنون. فحقيقة اليقين هو العلم الثابت الراسخ التام المثمر للعمل القلبي والعمل البدني اما اثار اليقين العلمية فثلاث مراتب. علم اليقين وهي العلوم الناتجة عن الادلة والبراهين الصادقة الخبرية علوم اهل اليقين الحاصلة عن خبر الله وخبر رسوله. واخبار الصادقين. وعين اليقين وهي مشاهدة المعلومات بالعين كما طلب الخليل ابراهيم من ربه ان يريه كيف يحيي الموتى فاراه الله ذلك بعينه وغرضه صلى الله عليه وسلم الانتقال من مرتبة علم اليقين الى عين اليقين. وحق اليقين وهي المعلومات التي تحقق بالذوق. كذوق القلب لطعم الايمان والذوق باللسان للاشياء المحسوسة. واما اثاره القلبية فسكون القلب وطمأنينته. كما قال ابراهيم ولكن ليطمئن فان قلبي. وقال صلى الله عليه وسلم البر ما اطمئن اليه القلب وفي لفظ. الصدق ما اطمئن اليه القلب. فان العبد فاذا وصل الى درجة اليقين في علومه اطمئن قلبه لعقائد الايمان كلها واطمئن قلبه لحقائق الايمان واحواله التي تدور على محبة الله وذكره وهما متلازمان. قال تعالى الا بذكر الله تطمئن القلوب. فتسكن القلوب عند الاخبار فلا يبقى في القلب شك ولا ريب من كل خبر اخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله بل يفرح بذلك مطمئنا عالما ان هذا اعظم فائدة حصلتها القلوب ويطمئن عند الاوامر والنواهي مكملا للمأمورات. تاركا للمنهيات. راجيا لثواب الله واثقا بوعده ويطمئن ايضا عند المصائب والمكاره. فيتلقاها بانشراح صدر واحتساب. ويعلم انها من عند الله فيرضى ويسلم فيخف عليه حملها ويهون عليه ثقلها. وقد علم بذلك اثارها البدنية فان الاعمال البدنية مبنية على اعمال القلوب فاهل اليقين هم اكمل الخلق في جميع صفات الكمال. فان اليقين رح الاعمال والاخلاق وحاملها. والله هو الموفق الواهب وله ولاسبابه فائدة. الظن ورد في القرآن على وجهين. وجه محمود ووجه مذموم. اما المحمود ففي مدح وجزاء بالخير والثواب. فانه بمعنى العلم واليقين. مثل قوله تعالى الذين يظنون انهم ملاقون اتقوا ربهم ان يتيقنون لذلك. ومثل قوله اني ظننت اني ملاق حسابية. واما المذموم في اغلب الايات الواردة في الظن مثل ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا. ومثل قوله ان هم الا يظنون. وهو كثير. فهذا وما اشبهه فمن قدم الظنون الكاذبة على الاخبار الصادقة. لان الظن في الاصل اكتمل الصدق والكذب ولكنه اذا ناقض الصدق اطعنا بكذبه. فائدة. قوله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات وقوله وما اتيتم من ربا ليربوا في اموال الناس فلا يربوا عند الله. وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فاولئك هم المضعفون. تدل الايتان على ان الزيادة من المحرمات وخصوصا المكاسب المحرمة. نقص في البركة. وقد تحد المال بذاته عاجلا او اجلا. وعلى ان من اخرج شيئا لله او فعل شيئا لله فان الله يزيده وينزل له البركة. فان مال وان نقص حسا بما يخرج منه لله فانه يزداد معنى ووصفا. وقد يفتح للعبد بسبب ذلك ابواب من الرزق. او يدفع عن العبد من اسباب النقص ما كان بصدد ان يصيبه فائدة. الفرح ورد في القرآن محمودا مأمورا به في مثل قوله. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. فهذا فرح بالعلم والعمل بالقرآن والاسلام. وكذلك قول فرحين بما اتاهم الله من فضله. فهذا فرح بثواب الله. ورد منهيا عنه مذموما مثل الفرح الباطل وبالرياسات والدنيا المشغلة عن الدين في مثل قوله تعالى انه لفرح فخور. وقوله عن قارون قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. وما اشبه ذلك فصار الفرح تبعا لما تعلق به. اذا بالخير وثمراته فهو محمود والا فهو مذموم. قوله ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا. وقوله اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله. وقوله ان سعيكم لشتى. وايات كثيرة كلها بمعنى الاهتمام للعمل. الا في مثل قوله تعالى وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى. وفي قوله وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى. والمراد بذلك العدو وهو تضمنوا الاول وزيادة فائدة امر الله بالصدق واثنى على الصادقين. وذكر جزاء الصادقين في ايات كثيرة. والمراد بالصدق ان يكون العبد صادقا في عقيدته صادقا في خلقه صادقا في قوله وعمله فهو الذي يجيء بالصدق في ظاهره وباطنه. ويصدق بالصدق لمن جاء به. كما قال تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون. ولما كان من هذا وصفه هو اعلى الخلق في كل في حالة ذكر جزاءه اعلى الجزاء وافضله فقال لهم ما يشاؤون عند ربهم. ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون وخواص اهل هذا الوصف هم الصديقون الذين ليس بعد درجة النبوة اعلى منهم. قال تعالى والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون. والمراد الايمان الكامل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما لاصحابه الغرف العالية التي يتراءها اهل الجنة من علوها وارتفاعها. ونورها كالكوكب الدري في الافق الشرقي او الغربي فقالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم. فقال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين وهؤلاء هم الهداة المهديون كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا وباياتنا يوقنون. فالصديقية شجرة اصلها العلوم الصحيحة. والعقائد السلفية المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله وقوامها وروحها الاخلاص الكامل لله والانابة اليه. والرجوع اليه في جميع الاحوال رغبة ورهبة ومحبة وتعظيما وخضوعا وذلا لله وثمراتها الاخلاق الحميدة والاقوال السديدة والاعمال الصالحة. والاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى المخلوقين بجميع وجوه الاحسان. وجهاد جميع اصناف المنحرفين. فهي في الحقيقة القيام بالدين ظاهرا وباطنا. وحالا دعوة الى الله والله هو الموفق وهو المعين لكل من استعان به صدقا. فائدة. قوله تعالى في المصطفين الذين اورثهم الله الكتاب فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات. اشترك هؤلاء الثلاثة في اصل الايمان وفي اختيار الله لهم من بين الخليقة. وفي انه من عليهم بالكتاب وفي دخول الجنة. وافترقوا في تكميم لمراتب الايمان وفي مقدار الاصطفاء من الله وميراث الكتاب. وفي منازل الجنة ودرجاتها بحسب اوصافهم. اما الظالم نفسه فهو المؤمن الذي خلط عملا صالحا واخر سيئا. وترك من واجبات الايمان ما لا يزول معه الايمان بالكلية. وهذا القسم ينقسم الى قسمين احدهما من يرد القيامة وقد كفر عنه السيئات كلها. اما بدعاء او شفاعة او اثار خيرية ينتفع بها في الدنيا او عذب في البرزخ بقدر ذنوبه ثم رفع عنه العقاب وعمل الثواب عمله. فهذا من اعلى هذا القسم وهو الظالم لنفسه. القسم الثاني من ورد القيامة وعليه سيئات فهذا توزن حسناته وسيئاته. ثم هم بعد هذا ثلاثة انواع احدها من ترجح حسناته على سيئاته فهذا لا يدخل النار بل يدخل الجنة برحمة الله وبحسناته وهي من رحمة الله اه تنيها من تساوت حسناتهم وسيئاتهم فهؤلاء هم اصحاب الاعراف. وهي موضع مرتفع بين الجنة والنار يكونون عليه وفيه ما شاء الله ثم بعد ذلك يدخلون الجنة كما وصف ذلك في القرآن ثالثها من رجحت سيئاته على حسناته. فهذا استحق دخول النار الا ان يمنع من ذلك مانع من شفاعة الرسول له او شفاعة احد اقاربه او معارفه مما يجعل الله لهم في القيامة شفاعة لعلو مقاماتهم على الله وكرامتهم عليه او رحمة الله المحضة بلا واسطة. والا فلابد له من دخول النار يعذب فيها بقدر ذنوبه. ثم مآله الى الجنة. ولا يبقى في النار احد في قلبه ادنى مثقال حبة خردل من ايمان. كما تواترت بذلك الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واجمع اعليه سلف الامة وائمتها. واما المقتصد فهو الذي ادى الواجبات وترك المحرمات. ولم يكثر من نوافل العبادات واذا صدر منه بعض الهفوات بادر الى التوبة فعاد الى مرتبته. فهؤلاء اهل اليمين. واما من كان من اصحاب اليمين كلام لك من اصحاب اليمين. فهؤلاء سلموا من عذاب البرزخ وعذاب النار. وسلم الله لهم ايمانهم واعمالهم فادخلهم لهم بها الجنة كل على حسب مرتبته. واما السابق الى الخيرات وهو الذي كمل مراتب الاسلام وقام بمرتبة الاحسان فعبد الله كانه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. وبذل ما استطاع وطاعة من النفع لعباد الله فكان قلبه ملآن من محبة الله والنصح لعباد الله. فادى الواجبات والمستحبات وترك المحرمات المكروهات وفضول المباحات المنقصة لدرجته. فهؤلاء هم صفوة الصفوة وهم المقربون في جنات النعيم الى الله هم اهل الفردوس الاعلى فان الله كما انه رحيم واسع الرحمة فانه حكيم ينزل الامور منازلها ويعطي كل احد بحسب حاله ومقامه. فكما كانوا هم السابقين في الدنيا الى كل خير. كانوا في الاخرة في اعلى المنازل. وكما تخيروا من اعمالي احسنها جعل الله لهم من الثواب احسنه. ولهذا كانت عين التسنيم اعلى اشربة اهل الجنة. يشرب منها هؤلاء صرفا وتمزج لاصحاب اليمين مزجا في بقية اشربة الجنة. التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه. كما قال تعالى ومزاجه من تسنيم عيني يشرب بها المقربون. وهكذا بقية الوان واصناف نعيم الجنة لهؤلاء السابقين منه اعلاه واكمله وانفسه. وان كان ليس في نعيم الجنة دني ولا نقص ولا كدر بوجه من الوجوه. بل كل من نعم باي نعيم من نعيمها لم يكن في قلبه شيء اعلى منه. فان الله اعطاهم وارضاهم. وخيار هؤلاء الانبياء على مراتبهم ثم الصديقون على مراتبهم ولكل درجات مما عملوا. فسبحان من فاوت بين عباده هذا التفاوت العظيم. والله يختص برحمته من يشاء. والله ذو الفضل العظيم. فائدة ورد في القرآن الظلم بمعنى الكفر والشرك الاكبر. كما قال تعالى والكافرون هم الظالمون. وقال ان تلك لظلم عظيم ونحوهما. وورد كثيرا بمعنى الجرائم التي دون الشرك كما سبق في الظالم لنفسه. ومثل ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما. وورد ايضا عدة ايات تدخل فيها هذا وهذا ومثل هذا الفسق والمعصية والذنب والسيئة والجرم والخطيئة ونحوها. فانها وردت في القرآن كل واحد من هذه الثلاثة فتفسر في كل مقام بما يناسب ذلك المقام. فائدة. قوله تعالى فاما من من اعطى واتقى وصدى بالحسنى فسنيسره لليسرى. الايات جمعت السعادة وجميع الاسباب التي تنال بها السعادة وهي ثلاثة اشياء فعل المأمور واجتناب محظور وتصديق خبر الله ورسوله. فهذه الثلاثة يدخل فيها الدين كله وذلك ان قوله اعطى اي جميع ما امر به من قول وعمل ونية واتقى جميع ما نهي عنه من كفر وفسوق وعصيان وصدق بالحسنى بما اخبر الله به ورسوله من الجزاء. تصدق بالتوحيد وحقوقه وجزاء اهله. فمن جمع ثلاثة الامور يسره الله لليسرى اي لكل حالة فيها تيسير اموره واحواله كلها. ومقابل هذا قوله واما من بخل اي ترك ما امر به ليس خاصا بالنفقة. بل معنى البخل المنع. فاذا منع الواجبات المتوجهة اليه القولية او الفعلية او المالية فقد بخل واستغنى اي رأى نفسه غير مفتقر الى ربه وذلك عنوان الكبر والتجرؤ على محارم الله اه وكذب بالحسنى اي بلا اله الا الله وحقوقها. وجزاء المقيمين لها والتاركين لها. فسنيسره للعسرى اي لكل حالة عسرة في معاشه ومعاده فائدة. خطابات القرآن للناس خبرا وامرا ونهيا قسمان. احدهما وهو والاكثر جدا خطاب عام يخاطب به جميع الناس. ويتعلق الخبر او الحكم فيهم في حالة واحدة. مثل الخبر عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. ومثل الامر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والبر والصلة والعدل والنهي عن ضد ذلك وهذا لان القرآن هداية وبيان للناس. وهم مستوون في تعلق تلك الاحكام فيهم. ما لم يمنع مانع عجز عن بعض الواجبات فيرتب عليه حكمه. القسم الثاني الخطاب العام من جهة الخاص من جهة اخرى. وذلك كالخطاب المتعلق بالعبادات المعلقة على اوقاتها. كالامر بالصلوات الخمس لاوقاتها. كقوله اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غد الليل وقرآن الفجر. وبالامساك عن المفطرات مثل قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام الى الليل. فمن جهة انه موجه الى جميع المكلفين فانه خطاب عام جميع اهل المشارق والمغارب مخاطبون بذلك ومن جهة ان لكل موضع حكما بنفسه فانه معلوم ان الوقت الذي تطلع فيه الشمس على هؤلاء او تغرب او يطلع الفجر تزول الشمس غير الوقت الذي توجد فيه هذه الامور عند الاخرين. فكل يخاطب بحسب حاله وحسب الموضع الذي فيه بلا ريب ونظير هذا الامر باستقبال القبلة للصلاة. موجه الى جميع اهل الارض. ومع ذلك فكل قطر ومحل فلهم جهة يتوصلون بها الى الكعبة. ولهذا صرح الله بهذا المعنى بقوله وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرا. فالمقصود واحد والوسائل الى هذا المقصود متباينة. وكل واحد مأمور بطريقه الخاص. ونظير ذلك الاخبار بطلوع الشمس والقمر والكواكب وغروبها ولو تحذلق جاهل فقال ان مثل قوله حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة اي في البحر برؤية العين وقوله وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. ينافي المعلوم ان الشمس والقمر الكواكب لا تغرب عن الدنيا بالكلية. فيقال هذا من الجهل والعجمة بمكان سحيق عن الحقائق. وذلك ان الله لم يقل وجدها تغرب عن جميع الارض او تطلع على جميع الارض. حتى يكون لهذا الجاهل اعتراض. بل اخبر عن غروبها وطلوعها عن ذلك الموضع وذلك القطر كما يفهم الناس كلهم سابقا ولاحقا. ولا فرق بين الاخبارات والاحكام بوجهه. ومن المعلوم ان لكل اهل قطر مطلعا ومغربة. فهذه الخطابات في الاحكام والاخبارات في غاية الاحكام. التي لا يتطرق اليها اعتراضات المعترض. ومن اعترض على شيء من ذلك عرف الناس ان ذلك من اثار جهله وحمقه. وهذا واضح لا يحتاج الى كل هذا. يفهمه الذكي والبليد. وهذا كون القرآن عربيا انزله الله بما يعقله العباد. ورد في القرآن عدة ايات فيها ذكر الخلود في النار على ذنوب وكبائر ليست بكفر. مثل قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما. وقوله ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين فقوله بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته. فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. فما الجمع بينها وبين النصوص المتواترة من الكتاب والسنة انه لا يخلد في النار الا الكفار. وان جميع المؤمنين حين مهما عملوا من المعاصي التي دون الكفر فانهم لابد ان يخرجوا منها. فهذه الايات قد اتفق السلف على تأويلها وردها الى هذا اصل المجمع عليه بين سلف الامة. واحسن ما يقال فيها ان ذكر الخلود على بعض الذنوب التي دون الشرك والكفر. انها من باب السبب وانها سبب للخلود في النار لشناعتها. وانها بذاتها توجب الخلود اذا لم يمنع من الخلود مانع. ومعلوم بالضرورة من دين الاسلام ان الايمان مانع من الخلود. فتنزل هذه النصوص على الاصل المشهور. وهو انه لا تتم الاحكام الا بوجود شروطها واسبابها وانتفاء موانعها. وهذا واضح ولله الحمد. مع ان بعض الايات المذكورة فيها ما يدل على ان الخطيئة المراد بها الكفر لان قوله واحاطت به خطيئته دل على ذلك لان المعاصي التي دون الكفر لا تحيط بصاحبها بل لابد ان يكون معه ايمان يمنع من احاطتها. وكذلك قوله ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها. فالمعصية تطلق على الكفر وعلى الكبائر وعلى الصغائر. ومن المعلوم انه اذا دخل فيها الكفر زال الاشكال فائدة ورد في القرآن ايات كثيرة فيها مضاعفة الحسنة بعشر امثالها. وورد ايضا ايات اخر فيها مضاعفة اكثر من ذلك فما وجه ذلك فيقال اما مضاعفة الحسنة بعشر امثالها فلابد منها في كل عمل صالح كما قال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر وامثالها. واما مضاعفة العمل اكثر من ذلك فله اسباب. اما متعلقة بنفس العامل او بالعمل ومزيته او نتائجه وثمراته او بزمانه او مكانه. فمن اعظم اسباب مضاعفة العمل اذا حقق العبد في عمله الاخلاص للمعبود. والمتابعة رسول فمضاعفة الاعمال تبع لما يقوم بقلب العامل من قوة الاخلاص وقوة الايمان. وكذلك من الاسباب اذا كان العمل ناشئا عن عقيدة صحيحة سلفية خالصة متلقاة من الكتاب والسنة. فهذا العبد يكون اليسير من عمله ابرك من الكثير من عمل من ليس كذلك ومن ذلك ترك ما تهواه النفوس من الفواحش مع قوة الداعي اليها لبرهان الايمان والتوكل والاخلاص. ومن اسباب المضاعفة ان العمل فيه نفع للمسلمين وغناء وذلك كالجهاد في سبيل الله. الجهاد بالحجة والبرهان وبالسيف والسنان. كما قال تعالى في نفقات اهل هذا الصنف. مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء. والله واسع عليم. ويدخل في هذا سلوك طريق التعليم والتعلم للعلوم الشرعية وما يعين عليها. وفي الحديث من سلك طريقا يلتمس فيه علما. سهل الله له طريقا الى الجنة. ومن ذلك العمل والسعي في المشاريع الخيرية التي ينتفع بها المسلمون في دينهم ودنياهم ويتسلسل نفعها. ومن ذلك العمل الذي اذا عمله العبد كثر ومشاركوه والمقتدون به فيه. ومن ذلك اذا كان العمل له وقع عظيم ونفع كبير. كان جاء المضطرين وكشف كربات المكروبين فكم من عمل من هذا النوع هدم الله به ذنوب العبد كلها واوصله به الى رضوانه. وقصة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش شاهدة بذلك. ومن ذلك علو مقام العامل عند الله ورفعة درجته. كما قال تعالى يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن. فقوله قبلها ومن يقنط من ان كن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين. ومن ذلك الصدقة من كسب طيب وقوة ومن ذلك العمل الواقع في زمان فاضل او في مكان فاضل. ومن اهم واعظم ما يضاعف به العمل. تحقيق مقام الاحسان في القيام بعبوديته الله وفي الحديث ليس لك من صلاتك الا ما عقلت منها. فالصلاة والقراءة والذكر وغيرها من العبادات اذا كانت بقوة حضور قلب وايمان كامل فلا ريب ان بينها وبين عبادة الغافل درجات تنقطع دونها اعناق المطية باب مضاعفة الثواب كثيرة ولكن نبهنا على اصولها. ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين ان الاتصاف في جميع الاوقات بقوة الاخلاص لله والنصح لعباد الله ومحبة الخير للمسلمين مع اللهج بذكر الله بقوة لا يلحقها شيء من الاعمال واهلها سابقون لكل فضيلة واجر وثواب. وبقية الاعمال تبع لها. فاهل الاخلاص والاحسان والذكر هم السابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم. فائدة قد امر الله في كتابه بالتفكر والتدبر والنظر والتبصر وغير من الطرق التي تنال بها العلوم واثنى على اهلها. واخبر ان كتابه انزل لهذه الحكم واثنى على العلم واليقين ومدح اهله ومن نهج اي طريق يوصل اليهما. فاعلم ان الذي يجمع اشتات هذه الطرق وانواعها واجناسها ثلاثة طرق كلية احدها طريق الاخبارات الصادقة والثاني طريق الحس والثالث طريق العقل ووجه الحصر ان المعلومات اما ان تدرك بحسب السمع او البصر او اللمس او الذوق. واما ان تدرك بالعقل واما ان تنال بالاخبار. وكل واحد من هذه الثلاثة قد يقارن اخر وخصوصا العقل والاخبار الصادقة فانهما لا يتفارقان. وقد يكون العلم ضروريا بديهيا يضطر الانسان الى علمه والتصديق به من غير حاجة الى زيادة نظر وتفكر. وقد يكون نظريا يحتاج الى ذلك ثم العلم بهذه الامور مراتب متفاوتة واعلى درجات العلم واليقين واوضحها وانفعها للعباد خبر الله وخبر رسله. فان انه لا اصدق من الله قيلا ولا اصدق منه حديثا. الله يقول الحق وهو يهدي السبيل. فكل ما قاله الله وقاله رسوله وهو الحق والصدق. وماذا بعد الحق الا الضلال؟ وهو يهدي الى كل دليل عقلي ونقلي. وفي خبر الله وخبر رسله من العظيم والتفصيلات لجميع اجناس العلوم النافعة. ما لا تصل اليه علوم الخلائق كلهم. اولهم واخرهم. واذا اردت ان تعرف ان الحق الصحيح هو ما قاله الله وقاله رسوله. وانما ناقضه ونفاه فهو باطل بلا ريب. مبني على جهالات ومواد فاسدة انظر الى اصول الدين وقواعده واسسه. كيف اتفقت عليها الادلة النقلية والعقلية والحسية؟ انظر الى توحيد الله ووجوب تفرده وافراده بالوحدانية وتوحده بصفات الكمال. كيف كانت الكتب السماوية مشحونة منها؟ بل هي المقصود الاعظم منها وخصوصا القرآن الذي هو من اوله الى اخره. يقرر هذا الاصل الذي هو اكبر الاصول واعظمها. وانظر كيف اتفقت جميع الرسل من اولهم الى اخرهم وخصوصا امامهم وخاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم. على تقرير توحيد الله وتفرده بالوحدانية. وسعة الصفات وعظمتها من سعة العلم والحكمة وعموم القدرة والارادة وشمول الحمد والملك والمجد والجلال والجمال والحسن والاحسان في اسمائه وصفاته وافعاله ثم انظر الى هذا الاصل العظيم في قلوب سادات الخلق اولي الالباب الكاملة. والعقول التامة. كيف تجده اعظم من كل شيء واقوى واكبر من كل شيء. واوضح من كل شيء وانه مقدم عندهم على الحقائق كلها. وانهم يعلمونه علما ضروريا تهين قبل الادلة النظرية. ويعلمون ان كل ما عارضه فهو ابطل الباطل. ثم انظر الى كثرة البراهين المنقولة والمعقولة والمحسوسة الشاهدة لله بالوحدانية. ففي كل شيء له اية تدل على انه واحد. فوجود جميع الاشياء في العالم العلوي والسفلي وبقاؤها وما هي عليه من الاوصاف المتنوعة. كل ذلك من الادلة والبراهين على وجود مبدعها ومعدها. وممدها بكل ما تحتاج اليه ومن انكر هذا فقد باهت وكابر وانكر اجل الامور واعظم الحقائق. ومن هنا تعلم ان الماديين الملحدين الخلق واجهلهم واعظمهم غرورا واغترارا. حيث اغتروا حين وقفوا على بعض علوم الكون الارضي المادي الطبيعي. وقفت عقولهم قاصرة عندها واستولت عليهم الحيرة وتكبروا بمعارفهم الضئيلة. وقالوا نثبت ما وصلت اليه معارفنا وننفي ما سواه. فتعرف وبهذا ان نفيهم هذا جهل وباطل باتفاق العقلاء ان من نفى ما لا يعرفه فقد برهن على كذبه وافتراءه. فكما ان من اثبت شيئا بلا علم فهو ضال غاو. فكذلك من نفى شيئا الى علم. وتعرف ايضا ان اثباتهم لعلوم الطبيعة التي عرفوها وانتهت اليها معارفهم ان هذا الاثبات منهم قاصر. لم يصلوا الى غاية اياته وحقيقته فلم يصلوا بذلك الى خالق الطبيعة ومبدعها. ولم يعرفوا المقصود من نظامها وسببيتها. بل عرف بل عرفوا منها وهم عن النافع غافلون. فاثبتوا بعض السبب وعموا عن المقصود. وهم في علمهم هذا حائرون. لا تثبت لهم قدم على امر من الامور ولا تثبت لهم نظرية صحيحة مستقيمة. فهم دائما في خلط وخط وتناقض. وكلما جاءهم من البراهين الحق ما يبطل قولهم قالوا هذا من فلتات الطبيعة. وكلما برز مبرز من فحولهم واذكيائهم ابتكر له طريقة غير طريقة اخوانه فصدق عليهم قوله تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج وقوله فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. والمقصود ان هذا الاصل العظيم قد دلت عليه جميع الادلة باجناسها وانواعها. ودل عليه الشرع المحكم والقدر المنظم ولم يقدح فيه الا هؤلاء الضلال الذين كان قدحهم فيه قد اسقط اعتبارهم وبرهن على فساد عقولهم. انظر الى اصل الثاني وهو اثبات الرسالة وان الله قد اقام على صدق رسله من الايات ما على مثله يؤمن البشر. وخصوصا محمدا صلى الله عليه فان ايات نبوته وادلة رسالته وصدقه متنوعة سيرته واخلاقه وما جاء به من الدين القويم. وحثه على كل لخلق كريم وعمل صالح ونفع واحسان وعدل. ونهيه عن ضد ذلك. وما جاء به من الوحي الكتاب والسنة. كله جملة وتفصيلا براهين على نبوته وصدقه. مع ما اكرمه الله به من النصر العظيم. واظهار دينه على الاديان كلها. ومن اجابة الدعوات وحلول انواع البركات التي لا تعد انواعها فضلا عن افرادها. وهذا بقطع النظر عن شهادة الكتب السابقة. وعن عجز المعارضين له في مقامات كلها وعجزهم عن نصر باطلهم. ولا يزال الباطل بين يدي ما جاء به الرسول مخزولا زاهقا. بحيث ان القائمين بما جاء به الرسول القائمين بمعرفة دينه يتحدون جميع اهل الارض ان ياتوا بصلاح او فلاح او رقي حقيقي او سعادة حقيقية بجميع وجوه وانه محال ان يتوصل الى شيء من ذلك بغير ما جاء به الرسول وارشد اليه ودل الخلق عليه. ولولا الجهل بما جاء به الرسول والتعصبات الشديدة من الاعداء والمقاومات العنيفة واقامة الحواجز المتعددة العنيفة لمنع الجماهير والدهماء من رؤية الحق الصريح والدين الصحيح لم يبق على وجه الارض دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم. لدعوته وارشاده وحثه على كل بصلاح واصلاح وخير ورشد. ولكن مقاومات الاعداء ونصر القوة للباطل بالتمويهات والتزويرات وتقاعس اهل ديني عن القيام به ونصرته هي التي منعت اكثر الخلق من الوقوف على حقيقته. ثم انظر الى الاصل الثالث وهو اثبات المعاد والجزاء كيف اتفقت الكتب السماوية والرسل العظام واتباعهم على اختلاف طبقاتهم وتباين اقطارهم وازمانهم واحوالهم على الايمان به والاعتراف الاطراف التام به وكيف اقام الله عليه من الادلة النقلية والعقلية. وكذلك الحسية المشاهدة. ما يدل اكبر دلالة عليه. كم اشهد في هذه الدار انموذجا من الثواب والعقاب. واراهم حلول المثلات بالمكذبين. وانواع العقوبات الدنيوية بالمجرمين. كما نجاة الرسل ومن تبعهم من المؤمنين واكرامهم في الدنيا قبل الاخرة. وكم ابطل الله كل شبهة يقدح فيها المكذبون بالميعاد. كما اقام الادلة على ابطال الشبهة الموجهة من المكذبين الى توحيده وصدق رسله. وبين سفههم وفساد عقولهم. وانه ليس من المستندات على انكار ذلك الا استبعادات مجردة. وقياس قدرة رب العالمين على قدر المخلوقين. المقصود ان هذه الاصول العظيمة قد قامت البراهين القواطع عليها من كل وجه وبكل اعتذار. وجميع الحقائق الصحيحة غيرها لم يقم على ثبوتها وعلمها عشر معشار ما قام على هذه الاصول من البراهين المتنوعة. ففي هذا دليل على ان كل من اثبت معلوما او حقيقة من الحقائق بطريق عقلي او خبري او حسي. ثم نفى مع ذلك واحدا من هذه الاصول الثلاثة التي هي اساس الدين. فقد كبر عقله وحسه وعلمه ونادى على نفسه بالتناقض العظيم. لان الطرق التي دلته على اثبات معلوماته هي واضعافها اضعافها وما هو اقوى منها واوضح قد دلت على التوحيد والرسالة والمعاد. واعلم ان المعلومات بخبر الله وخبر رسله عامة يدخل فيها الاخبار عن الله وعن ملائكته وعن الغيوب كلها. وامور الشرع والقدر وهي الاخبار المعصومة الصادقة التي يعلم من خالفها وبطلانه ولنكتفي بهذا الانموذج من الامثلة والله اعلم. وبعد هذا اخبار الصادقين عن المواضع والحوادث طائع التي شاهدوها. وهذا النوع بحسب صدق المخبرين وتواتر خبرهم يفيد العلم القطعي. وكذلك اخبار الصادقين عن العلوم التي سمعوا والالفاظ التي نقلوها. واصدق الناقلين هنا حملة الشريعة المحمدية لشدة عنايتهم وكمال صدقهم وقوة دينهم وانهم بالخصوص حفظوا حفظوا عن الخطأ العمومي والاتفاق على غير الصواب. ومن الامور التي تعلم بالعقل ان العقول الصحيحة التي لم تتغير فطرتها ولم تفسد بالعقائد الفاسدة. تعلم علما يقينا حسن التوحيد والاخلاص لله. كما تعلم قبح الشرك وتعلم حسن الصدق والعدل والاحسان الى المخلوقين. كما تعلم قبح ضده. وتعلم وجوب شكر المنعم ووجوب بر الوالدين وصلة الارحام القيام بحق من له حق عليك. وتستحسن كل صلاح واصلاح وتستقبح كل فساد وضرر. ومن اشرف ما يعلم بالعقل انه مركوز في عقول ان الكمال المطلق لله وحده وان له الحكمة التامة في خلقه وشرعه وانه لا يليق به ان يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ومن المعلوم بالحس ما يدرك بالحواس كسمع الاصوات وابصار الاعيان. وهو من اتم المعارف انه ليس فالخبر كالمعاينة ومما يدرك بالحس ما يدرك بالشم كشم الروائح الطيبة والخبيثة وما يدرك باللمس كالحرارة والبرودة وما يدرك بتحليل الاشياء والوقوف على موادها وجواهرها وصفاتها. كل هذا من مدركات الحس وبالجملة فطرق العلم الى المعلومات كثيرة جدا. وكلما كان الشيء اعظم ومعرفته اهم. كانت الطرق الموصلة اليه اكثر واوضح واصح واقوى فتقدمت الاشارة الى التوحيد والرسالة والمعاد والله اعلم. فائدة لما ذكر الباري نعمته على العباد بتيسير الركوب للانعام والفلك. قال اذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين انا الى ربنا لمنقلبون. وانا الى ربنا منقلبون ذكر فيها اركان الشكر الثلاثة وهي الاعتراف والتذكر لنعمة الله والتحدث بها والثناء على الله بها والخضوع لله والاستعانة بها على عبادته. لان المقصود من قوله وانا الى ربنا لمنقلبون. الاعتراف بالجزاء اعداده له ان تكون عونا للعبد على ما خلق له من طاعة الله. وفي قوله ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه فقيدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة. لان كثيرا من الخلق تسكرهم النعم وتغفلهم عن الله. وتوجب لهم الاشهر والبطر فهذه الحالة التي امر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك فانه متى ذكر العبد انه مغمور بنعم الله وان اصولها تيسيرها وتيسير اسبابها وبقائها ودفع ما يضادها او ينقصها كله. من فضل الله واحسانه ليس من العبد شيء. خضع الله وذل وشكره واثنى عليه. وبهذا تدوم النعمة ويبارك الله فيها. وتكون نعمة حقيقية. فاما اذا قابلها بالاشر والبطن ونسي المنعم وربما تكبر بها على عباد الله فهذه نقمة في صورة نعمة وهي استدراج من الله للعبد سريعة الزوال كيكة بالعقاب عليها والنكال. نسأل الله ان يوزعنا شكر نعمه. فائدة فائدة بل فوائد عظيمة في ذكر شيء من باب التي ذكرها الله في كتابه موصلة الى المطالب العالية. لا ريب ان من حكمة الله ورحمته ان جعل العباد مفتقرين الى جلب المنافع والدنيوية والى دفع المضار الدينية والدنيوية فاقتضت حكمته وسنته التي لا تتبدل ان هذه المنافع المتنوعة وخصوصا الامور العظام لا تحصل الا بالسعي باسبابها الموصلة اليها. وكذلك المضار لا تندفع الا بالسعي بالاسباب التي تدفعها. وقد بين في كتابه غاية تبيين هذه الاسباب وارشد العباد اليها. فمن سلكها فاز بالمطلوب ونجا من كل مرهوب. فاصل الاسباب كلها الايمان والعمل الصالح جعل الله خيرات الدنيا والاخرة وحصولها بحسب قيام العبد بهذين الامرين. وقد ذكر الله في القرآن من هذا شيئا كثيرا جدا وقد تقدم في هذا الكتاب شيء من ذلك عند ذكر فوائد الايمان. وجعل الله القيام بالعبودية والتوكل سببا لكفاية الله للعبد جميع مطالبه شاهده قوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقوله اليس الله بكاف عبده؟ اي بمن يقوم بعبوديته ظاهرا وباطنا. وجعل الله التقوى والسعي والحركة سببا رزق شاهده قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب. وقوله امشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وجعل الله التقوى والايمان وتكرار دعوة ذي النون سببا للخروج من كل كرب وضيق وشدة. شاهدوا الاية السابقة وكذلك قوله وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه. فنادى الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم. وكذلك انجي المؤمنين. وجعل الله الدعاء والطمع في فضله سببا لحصول جميع المطالب. دليله قوله تعالى قال ربكم ادعوني استجب لكم. وقوله وادعوه خوفا وطمعا رحمة الله قريب من المحسنين. وجعل الله الاحسان في عبادة الخالق الى الخلق سببا يدرك به فضله واحسانه العاجل والاجل. شاهده الاية السابقة ان رحمة الله قريب من المحسنين وقوله هل جزاء الاحسان الا الاحسان وقوله سبحانه واحسنوا ان الله يحب المحسنين. ومن احبه الله نال جميع ما يطلب. وجعل الله التوبة والاستغفار والايمان والحسنات والمصائب مع الصبر عليها اسبابا لمحو الذنوب والخطايا. شاهدوا قوله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. وقوله ان الحسنات يذهبن السيئات. وقوله انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. وجعل الله الصبر سببا والة تدرك بها الخيرات ويستدفع بها الكريهات. شهده الاية السابقة وقوله واستعينوا بالصبر والصلاة. اي على جميع اموركم. ولما ذكر الله فوصل اليه اهل الجنة من كمال النعيم وزوال كل محظور. ذكر ان هذا اثر صبرهم فقال سلام عليكم بما صبرتم وقوله اولئك يجزون الغرفة بما صبروا. ومنه انه جعل الصبر واليقين تنال بهما اعلى المقامات. وهي الامامة في الدين دليله قوله تعالى صبروا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. وجعل الله مفتاح العلم حسن السؤال وحسن الانصات والتعلم والتقوى وحسن القصد. شاهدوا قوله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. وقوله يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسوءكم. وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن لكم وقوله يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. اي نورا وعلما اي نورا وعلما تفرقون به بين الحقائق كلها وقوله يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وقوله والذين جاهدوا فينا لنهدينه هم سبلنا وجعل الله الاستعداد للاعداء بكل مستطاع من القوة. واخذ الحذر منهم سببا لحصول النصر والسلامة من شروره شهده قوله تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم وقوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة وجعل الله اليسر يتبع العسر والفرج عند اشتداد الكرب. شاهده قوله تعالى ان مع العسر يسرا. وقوله يجعل الله بعد عسري يسرا. وقوله امن يجيب المضطر اذا دعاه. وجعل الله الشكر سببا للمزيد منها ومن غير بها وكفران النعم سببا لزوالها. شاهدوا قوله تعالى لان شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان ان عذابي لشديد. وجعل الله الصبر والتقوى سببا للعواقب الحميدة والمنازل الرفيعة. شهدوا قوله تعالى والعاقبة للمتقين وقوله انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين وجعل الله الجهاد سببا للنصر وحصول الاغراض المطلوبة من الاعداء والوقاية من شرورهم. شاهده قوله تعالى قاتلوهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم. وقوله فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك المؤمنين عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا. وجعل الله لمحبته التي هي اعلى ما ناله العباد اسبابا. اهم واعظمها متابعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. في الاقوال والافعال وسائر الاحوال. قال تعالى قل ان كنتم انتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ومن اسبابها ما ذكره بقوله والله يحب الصابرين. وقوله وقوله يحب المحسنين يحب المتقين وقوله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كانهم بنيان مرصوص. وجعل الله النظر الى النعم وجعل الله النظر الى النعم والفضل الذي اعطيه العبد وغض البصر عما لم يعطه سببا للقناعة. يا موسى اني اصطفيت على الناس برسالاتي وبكلامه فخذ ما اتيتك وكنت من الشاكرين وجعل الله القيام بالعدل في الامور كلها سببا لصلاح الاحوال. وضده سببا لفسادها واختلافها. شاهدوا قوله تعالى واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. وجعل الله كمال اخلاص العبد لربه سببا ينفع به عنه المعاصي واسبابها وانواع الفتن. شاهدوا قوله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء او الفحشاء انه من عبادنا المخلصين. وجعل الله قوة التوكل عليه مع الايمان حصنا حصينا. يمنع العبد من تسلط الشيطان. خصوصا اذا انضم الى ذلك الاكثار من ذكر الله. والاستعاذة بالله من الشيطان شاهده قوله تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا على بهم يتوكلون وقوله ومن شر غاسق اذا وقب ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد اذا حسد وقوله قل اعوذ برب الناس. ملك الناس. اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. وجعل الله مفتاح الايمان واليقين. التفكر في ايات الله المتلوة اياته المشهودة والمقابلة بين الحق والباطل بحسن فهم وقوة بصيرة. شهدوا قوله تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب والامر بالتفكر بالمخلوقات في عدة ايات. وقوله ان في ذلك لاية للمؤمنين فهي سبب للايمان والايمان موجب للانتفاع بها. وجعل الله القيام بامور الدين سببا لتيسير الامور القيام بها سببا للتعسير. شاهده قوله تعالى فاما من اعطى واتقى صدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ياه فسنيسره للعسرى وجعل الله العلم النافع للرفعة في الدنيا والاخرة. شاهده قوله تعالى يرفع الله الذين امنوا من هم والذين اوتوا العلم درجات وجعل الله كون العبد طيبا في عقيدته وخلقه وعمله سببا لدخول الجنة. وللبشارة عند الموت. شاهده قوله تعالى طبتم فادخلوها خالدين. وقوله الذين تتوفاهم الملائكة طيبين. وجعل الله مقابلة المسيء بالاحسان وحسن الخلق سببا يكون به العدو صديقا. وتتمكن فيه طاقة الصديق دليله قوله تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد وقوله فبما رحمة من الله من تلهم ولو كنت فظا غليظ القلب لان ضوا من حولك. وبذلك تحصل الراحة للعبد وتتيسر له كثير من احواله. وجعل الله الانفاق في محله سببا للخلف العاجل والثواب الاجل. شاهده قوله تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين. وجعل الله لرزقه ابوابا واسبابا متنوعة. فمتى انغلق على العبد باب منها فلا يحزن فان الله يفتح له غيره وقد يكون اقوى منه واحسن وقد يكون مثله ودونه. شاهدوا قوله تعالى وان يغني الله كلا من سعته. وقوله يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وان خفت وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من من فضله. وجعل الله التحرز والبعد عن الموبقات المهلكة. والحذر من وسائلها طريقا سهلا هينا لتركها. شاهدوا قولك تعالى تلك حدود الله. اي محارمه فلا تقربوها اي لا تفعلوها ولا تحوم حولها من رعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه. واذا قيل مثل هذه الاية تلك حدود الله فلا تقربوها. كان المراد حدود المحارم. واما اذا قيل تلك حدود الله فلا تعتدوها. فهذه الحدود التي حدها فهذه الحدود التي حددها الله للمباحات. فعلى العبد الا يتجاوزها لانه اذا تجاوز المباح وقع في الحرام. فافهم الفرق بين الامرين وجعل الله السبب الوحيد القوي المثمر للثمرات الجليلة للدعوة الى سبيله هو ما تضمنته هذه الاية ادعوا الى لربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي احسن. فالحكمة وضع في موضعها ودعاية كل احد بحسب ما يليق بحاله ويناسبه. ويكون اقرب لحصول المقصود منه. والموعظة الحسنة البالغة في الحسن مبلغا. يصير لها في التأثير وسرعة الانقياد ما يناسب مقتضى الحال. فالموعظة بيان الاحكام مع ذكر ما يقترن بها من الترغيب في ذكر مصالحها ومنافعها وخيراتها الحاملة عليها. وذكر ما يقترن بها من الترهيب على فاعل المحرمات او تارك الواجبات من العقوبات والخسران والحسرات وحرمان الخير العاجل والاجل. والمجادلة بالتي هي احسن بالعبارات الواضحة والبراهين البينة التي تحقوا الحق وتبطلوا الباطل. مع الرفق واللين وعدم المغاضبة والمشاتمة. وقد علم الله مع ذلك ان الناس ثلاثة اقسام كل يدعى بالطريق التي تناسبه. القسم الاول المنقادون الملتزمون الراغبون في الخير. الراغبون من الشر. فهؤلاء لما من الاستعداد لفعل المأمورات وترك المنهيات والاشتياق الى الاعتقاد الصحيح. فقد يكتفى ببيان الامور الدينية لهم والتعليم المحض القسم الثاني الذي عندهم غفلة واعراض واشتغال بامور صادة عن الحق. فهؤلاء مع هذا التعليم يدعون بالموعظة الحسنة الترغيب والترهيب لان النفوس لا تلتفت الى منافعها ولا تترك اغراضها الصادة لها عن الحق علما وعملا الا مع البيان لها ان ترغب وترهب بذكر ما يترتب على الحق من المنافع وعلى الباطل من المضار. والموازنة بين الامور النافعة والضارة. القسم الثالث المعارضون او المعاندون المكابرون المتصدون لمقاومة الحق ونصرة الباطل. فهؤلاء لابد ان يسلك معهم طريق المجادلة بالتي هي احسن بحسب ما يليق بالمجادل والمجادل. وبتلك المقالة وما يقترن بها. واذا اردت تطبيق هذه الامور الثلاثة تماما تنظر الى دعوات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم التي حكاها الله في كتابه مع اممهم المستجيبين. والمعرضين والمعارضين ان تجدها محتوية على غاية الحسن في كل احوالها. ثم انظر الى دعوة سيدهم وامامهم محمد صلى الله عليه وسلم. وما سلك من الطرق متنوعة في دعاية الخلق عموما وخصوصا على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم. وبحسب احوالهم. وبحسب الاقوال والاحكام التي يدعو اليها تجده قد فاق في ذلك الاولين والاخرين والاثار اكبر دليل على قوة المؤثر. وجعل الله السبب لفصل الخصام المرضي للمتش تاجرين المنصفين في جميع المقالات الذي هو خير في الحال واحسن في المآل. ردها الى كتاب الله وسنة رسوله. شاهده قوله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. ذلك خير واحسن تأويلا. وجعل الله صلة ما امر به ان يوصل من البر وصلة الارحام والقيام بحق من له حق عليك. سببا تنال به مكارم الاخلاق. ويتبوأ به المنازل العالية في جنات النعيم. شاهدوا قوله تعالى والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. الى قوله يدخلونها. شاهدوا قوله تعالى والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب الى قوله جنات عدن يدخلونها. وجعل الله السوابق الحميدة للعبد وتعرفه لربه في حال الرخاء سببا للنجاة من الشدائد وحصول اعظم الفوائد. شاهده قوله تعالى فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون. وقول اهل الجنة فيها انا كنا قبل في اهلنا مشفقين. فمن الله علينا وقنا عذاب السموم. انا كنا من قبل ندعوه انه هو والبر الرحيم. وجعل الله لشرح الصدور ونعيمه وطمأنينته اسبابا متعددة. اليقين والايمان والاكثار من ذكر ذكر الله وقوة الانابة اليه. والقناعة بما اعطى من الرزق وحصول العلم النافع وترك الذنوب. والمبادرة بالتوبة مما وقع منها وشواهد هذا كثيرة منها قوله تعالى الذين امنوا وتطمئن قلوبهم ذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب. وقوله سبحانه فمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه. وقوله ان الابرار لفي نعيم. وشمول هذا النعيم لنعيم القلوب في الدنيا ظاهر. من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وقوله سبحانه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا انه عن ربهم يومئذ لمحجوبون. وجعل الله ضرب الامثال في كتابه طريقا عظيما من طرق التعليم التي تتبينوا وتتوضح به المطالب العالية والعقائد الصحيحة والفاسدة. كما مثل كلمة التوحيد والعقيدة الحقة الصحيحة كشجرة طيبة اصلها ثابت في قلب المؤمن وفرعها من الاعمال والاخلاق وفي السماء تؤتي اكلها اي منافعها كل في حين باذن ربها ومثل ضد ذلك بالشجرة الخبيثة التي لا اصل ثابت ولا فرع نافع. ومثل المشرك بربه العبد الذي يتنازعه شركاء متشاكسون والموحد المخلص لله السالم من تعلقه بغيره. وكذلك مثل الشرك واتخاذه وليا من دون الله يتعزز به وينتصر كمثل العنكبوت اتخذت بيتا البيوت لبيت العنكبوت. ومثل وحيه بمنزلة الغيث النافع. وقلوب الخلق بمنزلة الاراضي طيبة القابلة والخبيثة. وبين ذلك وهي امثلة محسوسة يوضح الله بها المطالب النافعة. وهو يقسم تعالى على اصول الدين التي يجب على الخلق الايمان بها كالتوحيد والرسالة والمعاد وما يتفرع عنها. وضرب الامثال من تصريف الله الايات لعباده على اساليب الكلام المؤثرة الموضحة للحقائق. فتأمل اقسامات القرآن تجدها كذلك. ولذلك حث الله عليها ومدح يتفكر فيها ويعقلها فقال وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون وفي الاية الاخرى فصل في ذكر حدود الفاظ كثرت ومرورها في القرآن امرا بها ونهيا عنها او مدحا لها او ذما. فالله تعالى اثنى على من عرف حدود ما انزل على رسوله وثم من جهلها وهذه الفاظ جليلة يتعين على طالب العلم معرفة حدودها. ليعرف ما يدخل فيها وما يخرج منها تتفق الالفاظ المأمور بها في كثير من الامور. وقد يكون بينها فروق وكذلك المنهيات. وهذا من احكام القرآن. وانه صدقوا بعضه بعضا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا الاسلام والايمان اما الاسلام فهو استسلام القلب لله وانابته. القيام بالشرائع الظاهرة والباطنة. واما الايمان فهو التصديق التام والاعتراف باصوله التي امر الله بالايمان بها ولا يتم ذلك الا بالقيام باعمال القلوب واعمال الجوارح ولهذا سمى الله كثيرا من الشرائع الظاهرة والباطنة ايمانا وبعض الايات يذكر انها من لوازم الايمان. فعلى هذا الايمان عند الاطلاق يدخل فيه الاسلام. وكذلك بالعكس واذا جمع بين الايمان الاسلام فسر الايمان بما في القلب من التصديق والاعتراف وما يتبع ذلك. وفسر الاسلام بالقيام بعبودية الله كلها الظاهرة والباطنة. الاحسان قسمان. احسان في عبادة الخالق وهو بذل الجهد في اكمالها واتقانها. والقيام بحقوقها الظاهرة الباطنة واحسان الى المخلوقين بايصال جميع ما يستطيعه العبد من نفع علمي وبدني ومالي للخلق. ونصيحة دينية او دنيوية او مساعدة وحض على الخير. ولهذا كان المحسنون يتفاوتون تفاوتا عظيما. بحسب قيامهم بالاحسان تنوعي الى الخلق. برهم وفاجرهم. حتى الحيوان البهيم كما قال صلى الله عليه وسلم ان الله كتب الاحسان على كل شيء الحديث الهدى والهداية. نوعان هداية العلم والارشاد والتعليم وهداية التوفيق. وجعل الهدى في القلب وهداية التوفيق وجعل الهدى في القلب. وهذان يطلبان من الله تعالى. اما على وجه الاطلاق كقول العبد اللهم اهد او اللهم اني اسألك الهدى واما على وجه التقييد بطريقها النافع كقول المصلي اهدنا الصراط المستقيم ومن حصلت له الهداية سمي مهتديا. واعظم ما تحصل به الهداية القرآن. ولهذا سماه الله هدى مطلقا. فقال هدى للمتقين. وقال ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. ويشمل جميع الامور الدينية والدنيوية نافعة. العلم واليقين. فالعلم هو تصور المعلومات على ما هي عليه. ولهذا يقال العلم ما قام عليه الدليل. والعلم نافع ما كان مأخوذا عن الرسول. واليقين اخص من العلم بامرين. احدهما انه العلم الراسخ القوي الذي ليس عرضة للري والشك والموانع ويكون علم اليقين اذا ثبت بالخبر. وعين يقين اذا شاهدته العين والبصر. ولهذا يقال ليس خبرك المعاينة وحق يقين اذا ذاقه العبد وتحقق به. الامر الثاني ان اليقين هو العلم الذي يحمل صاحبه على بخدر الله والطمأنينة بذكر الله والصبر على المكاره والقوة في امر الله شجاعة القولية والفعلية والاستحلاء للطاعات وان يهون على العبد في ذات الله المشقات وتحمل الكريهات فهذه الاثار الجميلة التي هي اعلى واحلى من كل شيء من اثار اليقين الصبر حبس النفس عن المشقات طلبا لرضى الله. وينقسم الى ثلاثة اقسام صبر على طاعة الله وخصوصا الطاعات الشاقة حتى يؤديها على وجه الكمال. وصبر عن معصية الله. خصوصا المعصية التي تدعو النفس اليها دعاء قويا حتى يجاهد نفسه في تركها لله. وصبر على اقدار الله المؤلمة. خصوصا اذا عظمت المصيبة حتى لا يتسخطها ربما وصلت به الحال الى الرضا عن الله الشكر لله هو الاعتراف بنعم الله الظاهرة والباطنة العامة والخاصة. والتحدث بها والاستعانة بها على طاعة المنعم دون معصيته. ولابد يقترن هذا بالخضوع للمنعم ومحبته. فبهذه الاركان الخمسة يكون الشكر تاما. البر والتقوى لله اذا اطلق احدكم احدهما دخل فيه الاخر فانه اسم جامع للقيام بكل ما يحبه الله ورسوله ظاهرا وباطنا. وترك ما يكرهه الله ورسوله ظاهرا وباطنا. واذا جمع بينهما نحو وتعاونوا على البر والتقوى فسر البر بالقيام بعقائد الايمان واخلاقه. واعمال البر كلها القاصرة والمتعدية فسرت التقوى باتقاء ما يسخط الله من الكفر والفسوق والعصيان الصدق والكذب. الصدق هو استواء الظاهر والباطن على الاستقامة على الصراط المستقيم. فالصدق في العقائد ان تكون عقيدة عبدي صادقة سلفية متلقاة عن كتاب الله وسنة رسوله. وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم. الصدق في الاخلاق ان يكون القلب ملآنا من الايمان والاخلاص والرغبة. والنصيحة لعباد الله ومحبة الخير لهم. والصدق في الاقوال ان كون قائلا للصدق مصدقا به. والصدق في الاعمال. الاجتهاد في تكميلها واتقانها. والكذب ما ناقض ذلك كله ولذلك كان الصدق والكذب مراتب. ولا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق. حتى يكتب عند الله صديقا. ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. العدل والظلم. العدل هو سلوك الطريق المستقيم المعتدل في العقائد الاخلاق والاقوال والافعال كما يقال في الصدق والظلم ما ناقض ذلك. ولهذا انقسم الظلم الى ثلاثة اقسام كلها منافية للعدل. الظلم في التوحيد بالاشراك بالله. قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم. وظلم الخلق في دمائهم وامواتهم اموالهم واعراضهم وحقوقهم وظلم العبد نفسه فيما دون الشرك. ولا يتم للعبد العدل الكامل حتى يدع جميع هذه الاقسام. ويتوب الى ربه مما وقع من ويخرج من حق العباد اليهم. ولهذا كان القيام بالدين كله من العدل والقسط العبادة والعبودية لله اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد واعمال القلوب واعمال الجوارح فكل ما يقرب الى الله من الافعال والتروك فهو عبادة. ولهذا كان تارك المعصية لله متعبدا متقربا الى ربه بذلك ولا تتم العبادة الا بالاخلاص. الاخلاص لله وحده بان يقصد العبد وجه الله ورضاه وثوابه في اعماله الظاهرة والباطنة قنا وضده العمل للرياء والسمعة ولاجل عرض الدنيا. وميزان هذا قوله تعالى عن خيار الخلق يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. وقوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله من كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه وجميع الاعمال على هذا النمط. وقد يراد بالهجرة هنا الهجرة العامة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه الخوف والخشية والخضوع والاخبات والوجل معانيها متقاربة. فالخوف يمنع العبد عن محارم الله تشاركه الخشية في ذلك وتزيد ان خوفه مقرون بمعرفة الله. واما الخضوع والاخبات والوجل فانها تنشأ عن الخوف والخشية لا فيخضع العبد ويخبت الى ربه منيبا اليه بقلبه. ويحدث له الوجل. واما الخشوع فهو حضور القلب وقت تلبسه بطاعة الله تكون ظاهره وباطنه فهذا خشوع خاص. واما الخشوع الدائم الذي هو وصف خواص المؤمنين. فينشأ من كمال معرفة العبد بربه ومراقبته فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة. فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة. القنوت ورد في القرآن على احد بمعنيين معنى خاص بمعنى الخشوع ومعنى عام وهو قنوت المخلوقات كلها لخلق الله وتدبيره وتصريفه. الذكر لله الذي ورد في القرآن الامر به والثناء على اهله. وما رتب عليه من الجزاء يطلق على جميع الطاعات الظاهرة والباطنة والفعلية فكل ما تصوره القلب او ارادة او فعله العبد او تكلم به مما يقرب الى الله فهو ذكر لله. والله تعالى شرع العبادات كلها لاقامة ذكره. فهي ذكر لله. ويطلق على ذكر الله باللسان بذكر اوصافه وافعاله والثناء عليه بنعمه وتسبيحه وتكبيره وتحميده والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذكره ذكر احكامه تعلمها وتعليمها. ولهذا مجالس التعلم والتعليم يقال لها مجالس الذكر وافضل انواع الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان حدود الله يراد بها ما حرمه ومنعه عباده. فيقال فيها تلك حدود الله فلا تقربوها. ويراد بها كذلك ما اباحه الله لعباده وقدره وفرضه. فيقال فيها تلك حدود الله فلا تعتدوها. اي لا تجاوزوا ما احل الله الى ما حرم الله ولا تتجاوزوا ما قدره الله للعباد الى ما يخالف تقديره. الامانة هي الامور التي يؤتمن عليها العبد فتشمل الامانة التي بينه وبين الله فانه ان ائتمن عبده على اقامة الواجبات وترك المحرمات فالقيام بذلك اداء للامانة ومراعاة لها. وترك بعض الواجبات وخصوصا السرية التي لا يطلع عليها الا الله. او التجرؤ على بعض المحرمات ترك للامانة واتصاف بالخيانة. ويشمل ايضا الامانات التي بينك وبين الخلق في الدماء والاموال والحقوق فمن قام بها فقد ادى الامانة وحفظها. ومن تعدى فيها او فرط او خان فقد تجرأ على الخيانة. العهد عقد يشمل العهود والعقود التي بين العبد وبين ربه. فان الله عقد بينه وبين المكلفين عقدا. وعاهدهم عهدا باقامة ما خلقوا له من عبادته والقيام بحقوقه فاقامة ذلك وفاء لهذا العقد والعهد. واهماله نقد للعهد والعقد والثقة. وكذلك العهود والعقود التي بينه وبين الخلق يتعين الوفاء بها. ويشمل ذلك عقود المعاملات كلها دون استثناء. الشجاعة والجبن نوع التهور اثنى الله في كتابه على الشجاعة ومدح اهلها وامر بها. وذم الجبن والتهور. فالشجاعة قوة القلب وثباته واقدامه على الاقوال والافعال في موضع الاقدام بحكمة وحنكة. فان اقدم عليها في حال لا يحل له الاقدام. قيل لذلك تهور وجراء وحمق والقاء بالنفس الى التهلكة. واما الجبن فهو ضد الشجاعة ضعف القلب وخبره. ويتبع ذلك خبر الاعمال اوف مما لا يخاف. وهيبة من لا يهاب. فالشجاعة خلق فاضل جليل بين خلقين ذميمين رذيلين. بين التهور الذي هو وزيادة عن الحد وبين الجبن الذي هو تفريط وتقصير وضعف وخبر. ونظير ذلك القوام والبخل والتبذير في تصريف الاموال بذلها فيما ينبغي من واجب ومستحب ونافع على الوجه الذي ينبغي يقال لذلك قوام واعتدال وتوسط واقتصاد. فاذا منع الواجبات فهو البخل. فاذا منع الواجبات فهو البخل. وصاحبه بخيل. واذا اسرف وزاد في النفقة عما ينبغي قيل لذلك اسراف وتبذير. قال تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا انا بين ذلك قواما. الاستقامة هي لزوم الصراط المستقيم. بان يستقيم العبد على الايمان بالله واداء فرائضه. وترك محارم مداوما لذلك تائبا مما اخل به من حقوقها. ولهذا قال فاستقيموا اليه واستغفروه. اي مما وقع منكم من الخلل في الاستقامة. التوبة والاستغفار. اما التوبة فهي الرجوع الى الله مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا. الى ما يحبه الله الله ظاهرا وباطنا ندما على ما مضى وتركا في الحال وعزما على الا يعود. والاستغفار طلب المغفرة من الله. فان اقترن به توبة فهو الاستغفار الكامل الذي رتبت عليه المغفرة. وان لم تقترن به التوبة فهو دعاء من العبد لربه ان اغفر له فقد يجاب دعاؤه وقد لا يجاب. وهو بنفسه عبادة من العبادات. فهو دعاء عبادة ودعاء مسألة. التوكل على الله والاستعانة به. بمعنى واحد هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية الخاصة والعامة مع الثقة بالله في ذلك المطلوب. المحبة لله والانابة اليه. هي قوة الود لله لكماله ونعمه الظاهرة والباطنة وانجذاب القلب الى الله تألها ورغبة ورهبة في كل المطالب. وطمأنينة القلب بذكره واللهج بدعائه. والرجوع في الامور الدينية والدنيوية الجليلة والحقيرة. فمن كان قلبه منيبا الى الله فهو محب لله. والمنيب هو الاواه الرجاع الى الله اواب اليه. المعروف والمنكر متقابلان. فالمعروف اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعا وعقلا. والمنكر ضده. الخبيث الطيب متقابلان فالطيب ما كان طيب الصفات كثير المنافع والخبيث بالعكس. حسن الخلق وسوء الخلق. يكون مع الله ومع خلقه فحسن الخلق مع الله القيام بعبوديته ظاهرة وباطنة مع قوة محبته والطمأنينة اليه واللهج بذكره و وقوة الثقة به. ومع الخلق بذل الاحسان لهم ومنع الاذى لهم واحتمال الاذى منهم. وسوء الخلق بعكس ذلك كله. الشرك والكفر الكفر اعم من الشرك. فمن جحد ما جاء به الرسول او جحد بعضه بلا تأويل فهو الكافر. من اي دين يكون سواء كان صاحبه معاندا او جاهلا ضالا. والشرك نوعان. شرك في ربوبيته كشرك الثانوية الذين يثبتون خالقا مع الله. وشرك في كشرك سائر المشركين الذين يعبدون الله ويعبدون غيره. ويشركون بينه وبين المخلوقين. ويسوونهم بالله في شيء من خصائص الهيته. وقد يكون هذا الشرك اكبر جليا. كان يصرف العبد نوعا من انواع العبادة لغير الله. وقد يكون اصغر كوسائل بالشرك من الرياء والحلف بغير الله ونحو ذلك. النفاق وان يظهر الخير ويبطن الشر. وهو نوعان نفاق اكبر كأن يظهر الايمان بالله ورسوله. وقلبه منطو على الكفر ونفاق اصغر كالكذب واخلاف المواعيد والفجور في الخصومة. الكبر والتواضع. فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بانه بطل الحق وغمط الناس وضده التواضع للحق. يعني قبوله حيث كان ومع من كان ولين الجانب والتواضع للخلق هذه الحدود ينبغي ان تعتبرها في كل ما يمر عليك من نصوص الكتاب والسنة. لتهتدي الى معرفة ما يدخل في الامور التي حكم الله عليها بالاحكام المتنوعة وما لا يدخل فيحصل لك الفرقان والرشاد والبيان. فنسأل الله ان يهدينا الى الصراط المستقيم وهو العلم بالحق والعمل به ويجنبنا الطرق المخالفة لذلك. قد يسر الله تتميم هذا التعليق المبارك في ثالث شوال من سنة ثمان وستين بعد الثلاثمائة والالف من الهجرة النبوية. فكان على اختصاره وايجازه ووضوحه. فيه معونة عظيمة على فهم كلام رب العالمين. وان كان كلام الله كفيل ببيان كل شيء ينتفع به العباد في معاشهم ومعادهم. وارشادهم الى كل ما مصالحهم المتنوعة ومنافعهم المتعددة. وانه يتعذر الصلاح والاصلاح للاحوال كلها الا بسلوك الطرق التي ارشد اليها القرآن في اصول الدين وفروعه وفي الاخلاق والاداب وفي الامور الداخلية والخارجية. والحمد لله الذي جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه من تبعهم باحسان الى يوم الدين. بخط الفقير الى الله من كافة الوجوه. عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي. غفر الله له له ولوالديه ولجميع المسلمين امين. ووقع الفراغ من نقله من خط المؤلف في سابع من الشهر المذكور والسنة المذكورة بقلم الفقير الى ربه محمد السليمان العبد العزيز البسام غفر الله له ولوالديه والمسلمين امين