المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الرجاء ممدوح شرعا وعقلا واليأس مذموم شرعا وعقلا لا ريب ان الشارع مدح الرجاء الذي هو الرجاء وامر به وبكل وسيلة توصل اليه وذم اليأس ونهى عنه واخبر انه من موبقات الذنوب وكذلك لما يترتب على الرجاء من المصالح والثمرات النافعة وما ينشأ عنه من الاسباب الموصلة للمقاصد الجليلة وما يترتب على اليأس من ضد ذلك مثال ذلك ان الراجي لرحمة الله ومغفرته بحسب قوة رجائه يسعى بكل طريق يوصل الى الرحمة والمغفرة اللتين تعلق بهما رجاؤه بل لا يكون الرجاء حقيقيا حتى يقوم بالاعمال الموصلة الى الرحمة والمغفرة قال تعالى ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله وخص هؤلاء برجاء رحمة الله لما حصل منهم من السبب الاقوم الذي تنال به الرحمة وقال تعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ الى اخر الاية التي فيها ذكر الاسباب الموصلة الى ذلك المحققة له فقوة الرجاء تحمل العبد على كل عمل صالح فاذا عمله على الوجه المرضي قوي رجاؤه فلم يزل في ازدياد من الاعمال ورغبة فيما يقرب الى الله تعالى ورضوانه وثوابه وكلما ضعف رجاؤه كسل عن الخيرات وتجرأ على السيئات ودعته نفسه الامارة بالسوء الى كل سوء فانقاد لها لانه ليس عنده من رجاء رحمة الله ومغفرته ما يكسر سورتها ويقمع شرها ثم لا يزال الرجاء يضعف من قلبه واليأس يقوى فيضعف ايمانه وتضعف دواعيه الى الخير كما تقوى دواعيه الى الشر فيقع في اليأس المحض من رح الله فلا يزال مكبا على الذنوب مصرا على المعاصي لا يحدث نفسه بتوبة ولا يرجع الى ربه لاستيلاء اليأس عليه وضعف الرجاء. وهذا هو الهلاك المبين ومع انه هلاك يرجى ان سعى في علاجه ان يزول وتعود الصحة وذلك بان يتأمل ويتفكر في الاسباب التي اوصلته الى هذه الحال وانها اسباب قابلة للزوال اذا مرن نفسه على اضعاف اليأس الذي ترامى به الى الهلاك وتقوية الرجاء الحامل له على التوبة والانابة لانه اذا علم انه لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى ولو بلغت الحال ما بلغت طمع في مغفرة ربه واستعان به على التوبة التي هي الاقلاع عن المعاصي والندم على ما مضى منها والتصميم على الا يعود وحصل من علوم الايمان واعماله ما يقوي عزيمته ويوقظ همته خصوصا الايمان الخاص في هذا المقام وهو توحيده وعلمه انه لا يغفر الذنوب الا الله وان العبد اذا تاب توبة نصوحا فان الله يغفر له ويتقبل منه فلا يزال ايمانه يمد توبته وتوبته تمد ايمانه ويعمل من الاعمال الصالحة ما يتم به الايمان والتوبة ويسلك الصراط المستقيم في علمه وعمله حتى يضمحل يأسه ويقوى رجاؤه ويسير الى ربه سيرا جميلا فهذا كلام عام في امور الدين كلها العلمية والعملية ومن مفردات هذا طالب العلم اذا اشتغل بفن من فنونه فبعد اشتغاله به رأى من صعوبته وبطء فهمه لمسائله ما اوجب له اليأس من تحصيله فانه يملكه اليأس ويدعوه الى تركه وكلما خطر بباله الاشتغال به او ذكر لهذا الامر فاذا اليأس من ادراكه ماثل بين عينيه كأنه حجر عظيم في طريقه فان هو اخلد الى هذه واسترسل معها قتله اليأس ورأى هذا المطلوب من المستحيلات عليه وان كان موفقا ينظر الى حقائق الاشياء على ما هي عليه ولم يملكه الخيار الضار علم ان الادمي قابل لتعلم كل علم مهيأ لذلك وان مجرد اشتغاله بالعلوم النافعة ولو لم يحصل منها ويستفد شيئا يذكر مصلحة وعبادة لانه تصحبه النية الصالحة وان لم يشتغل به الا لنفع نفسه ونفع غيره فلا يزال ساعيا في هذا الامر اذا لم يحصل له مراده او بعضه في وقت حدث نفسه انه سيحصله في وقت اخر اذا استمر على السعي والاجتهاد ويقوى حينئذ رجاؤه وينشط في المسير في طلبه وينفض عنه غبار اليأس حتى يرتقي الى درجته اللائقة به وكما ان الانسان يطبق هذا المعنى على نفسه فليستعمله في غيره اذا اراد هداية احد او دعوته الى الاسلام او اصل من اصوله او فرع من فروعه او تعليمه لعلم نافع ثم رأى من المدعو نفورا واعراضا او بلادة وقلة فطنة فان اخذه الملل واليأس من ادراك المقصود منه وعدم رجاء انتفاعه لم يلبث الا قليلا حتى يدع دعوته وتعليمه فيفوت بذلك خير كثير وان هو سلك مسلك نبيه صلى الله عليه وسلم في دعوته وهداية الخلق وعلم انه مكث مدة طويلة يدعو الناس الى الاسلام والتوحيد فلا يلقى اذنا سامعة ولا قلبا مجيبا فلم يضعف ولم ينب لم يزل قوي الرجاء عالما ان الله سيتم امره ماضيا على دعوته حتى فتح الله به اعينا عميا واذانا صما وقلوبا غلفا وبلغت دعوته وهدايته ما بلغ الليل والنهار فاذا جعل هذا بين عينيه لم يشتد عليه امر من الامور ولو لم يحصل له الا ان مجرد دعوته الى الله من اكبر الحسنات لكفى الموفق داعيا الى الصبر والرجاء وكم من امر مأيوس منه انتقل من طي العدم الى الوجود بالصبر والمزاولة فلا يزال راجيا طامعا في ادراك مقصوده او بعضه ساعيا السعي اللائق به حتى يرى من اثار سعيه خيرا كثيرا وكما ان هذا المعنى ثابت في دقيق الامور وجليلها وخير ما استعمل هذا الاصل المهم في احوال المسلمين اليوم حيث كانوا من زمان طويل والتفرق سار فيهم والعداوة قائمة بينهم وكثير من مصلحات دينهم متروكة حتى تفككت قواهم وضعف امرهم وتملكهم اليأس والقنوط خصوصا اذا نظروا الى اعدائهم الحقيقيين وقد بلغوا من القوة مبلغا هائلا فحينئذ يستولي عليهم الكسل واليأس ويتوهمون انه كالمحال وجود قوة كافية تدفع عنهم عادية الاعداء فضلا عن ان يكونوا في صفوف الامم القوية ومن حدث نفسه بهذا او غيره فقد حدثها بالمحال فاستولى عليهم الذل وتوهمت نفوسهم انهم طعمة لكل احد وهذا ناشئ من ضعف الايمان واستيلاء اليأس وضعف الرجاء فلو انهم جعلوا الرجاء لرحمة الله ونصره واعزاز دينه نصب اعينهم وعلموا ان من ينصر الله ينصره ويثبت قدمه فسعوا بما يمكن تلافيه من امرهم وجمعوا كلمتهم وجعلوا وحدة دينهم وحفظه من كل عاد هو الجامعة التي تربط اقصاهم وادناهم وتركوا لهذا كلما عارضه من الاغراض الفاسدة والاهوية الضارة وقاموا في هذا الامر قياما حقيقيا ولم يمنعهم ما يعترض لهم من العقبات والتهويلات لكان اول فائدة يجنونها الامن على دينهم الذي لولاه لم يسعدوا دنيا ولا اخرى وسلامتهم من الضربات المعدة له ولهم الموجهة اليهم ولامكنهم ان يعيشوا بانفسهم ومع الامم بطمأنينة وحفظ للمصالح الدينية والدنيوية من غير ان يضربوا بسلاح ولا يشوشوا على احد لان كل منصف يعذرهم حيث سعوا لحفظ كيانهم ودفع الظلم عنهم بكل طريق وهو حق يدلي به القوي والضعيف ثم يسعون في الاستعداد الكافي لمقاومة المعتدين فلو جعل الرؤساء هذا الامر الواجب قبلة قلوبهم وجل مقصدهم وحصل البحث التام في كيفية الوصول الى هذا المقصد ومن اي طريق ينفذ ورجوا عواقبه الحميدة لرأوا من اثاره خيرا كثيرا فنرجو الله ان يوفق جميع المسلمين في اقطار الارض كلها للقيام بدينهم حق القيام وان يكونوا يدا واحدة على من ناوأهم واعتدى عليهم وان ييسر لهم الاسباب النافعة ويزيل عن قلوبهم الذي استولى على اكثرهم. فلو نظروا باعينهم لبعض الامم الصغيرة التي عملت لوحدة مصالحها الخاصة كيف عاشت مع الامم القوية؟ حتى سادتهم في حفظ الحقوق والنظام والمصالح خصوصا في هذا الوقت العصيب. الذي وقع فيه التفاني بين اكبر قوة في العالم مع نظيرتها. وكل واحدة منهما تبدأ تعيد انها ستخرج العالم من الظلم والاعتداء وتجعل لهم نظاما جديدا من العدل يحفظ جميع الامم فلا علينا ان يكون هذا الكلام منهم حقيقة؟ وانما هو دعاية المسلمون احق الناس كلهم للتنبه لهذا الامر وفيهم من الكثرة والقوة المستعدة ما يؤهلهم الى اعلى المقامات من الايمان والعون الالهي وقوة الرجاء وما في دينهم من الدعوة الى كل اصلاح ونبذ كل ضار