المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله وعن ابن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم ما في غد الا الله ولا يعلم ما تغيض الارحام الا الله. ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله. ولا تدري نفس باي ارض تموت الا الله. ولا متى تقوم الساعة الا الله تبارك وتعالى. رواه مسلم. قال الله تعالى وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. المفاتيح قيل انها الخزائن وقيل انها المفاتيح التي تفتح بها الخزائن. والمعنى متقارب. فالباري جلت عظمته وتعالى مجده قد احاط علمه وبكل شيء بجميع وجوه الاحاطة. يعلم جميع ما مضى وجميع ما سيأتي وما هو حاضر. ويعلم العالم العلوي والعالم السفلي. ويعلم الظواهر والبواطن والخفيات والجليات. ويعلم الواجبات والمستحيلات والممكنات. ويعلم ما اطلع عليه الخلق وما لم يطلعوا عليه. ومع في علمه واحاطته فلا يضل ربي ولا ينسى. ولا يغيب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين وقد اطلع عباده على كثير من المعلومات واخفى عنهم اكثرها. حيث لا سبيل لعلومهم الى ادراكها. او حيث لا مصلحة لهم في علمها ومن ذلك مفاتيح الغيب الخمس المذكورة في هذا الحديث. وهذه المذكورات كلها مستقبلة خفية عن علم الخلائق كلهم. كما هو نص الحديث وغاية ما عندهم علم اسباب ومقدمات لما يقع في مستقبل الزمان وما يحصل من المطر. فعلم الاسباب غير علم المسبب لان الاسباب لا تكفي وحدها لوجود مسببها. بل لابد من انضمام قضاء الله وقدره. ولهذا كم من امور يعزم عليها الخلق ويجزمون بوقوعها لتوفر اسبابها ثم تخفق الاسباب ليري عباده ان الامر امره والحكم حكمه والقضاء قضاؤه ولهذا قال تعالى ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله. فانما شاء الله كان ووجب وجوده وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده. فالامر بفعل الاسباب النافعة لوجود مسبباتها الدينية والدنيوية. لا ينافي ان الله عز وجل صم بعلم الغيوب المستقبلة وكذلك علم الملك بوجود الجنين في بطن امه. اذا ارسله الله عز وجل لنفخ الروح فيه. وكذلك الكشف الطبي عما في ارحام النساء من الاجنة كله لا ينافي ان الله عز وجل مختص بعلم ما في الارحام. فان الماء الذي يتولد منه الولد لا سبيل لعلم احد من الخلائق اليه. واما انتقاله بعد ذلك في اطوار التخليق. فقد يعلمونه من وجه دون وجه اخر. والاطوار الاولة علمه هم فيها قاصر جدا لا ينتهي الى درجة العلم بل نهايته الظن. ثم ما تغيظ الارحام وما تزداده من القاء الجنين او ابقائه او زيادته او نقصه او موته او حياته. كل ذلك لا علم لاحد من الخلق به. وكذلك معرفة الطبيعيين لبعض حوادث الجو وانعقاد وعدمه علم ظني بعلم بعض الاسباب التي قد يتولد عنها سحاب وقد لا يتولد. واذا تولد سحاب قد يكون فيه مطر وقد لا يكون فعلم ذلك على الحقيقة يختص الله عز وجل به. ولهذا لما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال ما المسئول عن هذا باعلم من السائل اي انا وانت كلنا لا نعلمها. ولما سأله عن اشراطها وعلاماتها اخبره بها فالعلم بالمقدمات غير العلم المقصود وهذه الخمس المذكورة في حديث ابن عمر رضي الله عنه نص الله عليها في كتابه في قوله ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام. وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت. ان الله عليم خبير. وسعة علم الرب واحاطته بكل شيء اكبر دليل على عظمة الله وعظمة سلطانه وحكمته. وعلى كمال قدرته. وانه سيبعث العباد الاولين منهم الاخرين ولهذا يستدل على البعث بالعلم مثل قوله تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ به على اصغار جزاء المحسنين والمسيئين اليهم. وانه يعلم ما عملوه من خير وشر وما يترتب على اعمارهم من الجزاء والثواب والعقاب يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا. احصاه الله ونسوه. والله على كل شيء شهيد. ومن نعمة الله طيه عن خلقه علم هذه الاشياء وخصوصا علم الاجال ومتى تقوم الساعة فانهم لو علم كل انسان الى اين ينتهي اجره لحضره الهم والغم الذي ربما يقضي عليه. ولحصل التفريط والتجرؤ على المحارم. اذا علم اجله يقول المسرف سوف لذات المحرمة. ثم اذا دنا اجلي تبت وانبت ولم يعلم ان الذنوب والجرائم اذا رانت على القلوب فبعيد عليه جدا ان يتخلص منها بل وكذلك اذا دنا اجله ربما وزع ما له على شهوته وارادته. وحرم ورثته المستحقين. وكذلك لو علم الناس ما يكون وما يجري في غد وفي مستقبل امورهم من خير وشر ونفع وضرر لتكدرت معيشتهم بل لتعطلت معايشهم ولكن الامور المستقبلة في والاسباب والخير والشر جعلها الله عز وجل مجهولة لهم. لينشطوا على الاسباب النافعة ويحذروا من كل ما يخشى منه الضرر. وابهام الله عز وجل هذه الامور وما اشبهها نافع للناس في امور دينهم ودنياهم. كما هو ظاهر لكل متأمل. مع انه ايضا يضعف بذلك قوة توكل العباد على ربهم في حصول المنافع ودفع المضار. فالتوكل يضعف والنشاط في عمل الاسباب يضعف. وفي ذلك العظيم. فالحمد لله الذي علم العباد من شرعه وقدره ما به ينتفعون. وطوى عنهم ما ليس لهم به مصلحة. وما ليس لعقولهم سبيل الى ادراكه