المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القاعدة الحادية عشرة مراعاة دلالة التضمن والمطابقة والالتزام. كما ان المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه الفاظه مطابقة وما دل في ضمنها فعليه ان يراعي لوازم تلك المعاني وما ستستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها. وهذه القاعدة من اجل قواعد التفسير وانفعها. وتستدعي قوة فكر وحسن تدبر وصحة قصد فان الذي انزله للهدى والرحمة هو العالم بكل شيء. الذي احاط علمه بما تكن الصدور وما تضمنه القرآن من المعاني. وما يتبعها وما يتقدمها وتتوقف هي عليه ولهذا اجمع العلماء على الاستدلال باللوازم في كلام الله لهذا السبب والطريق الى سلوك هذا الاصل النافع. ان تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني فاذا فهمتها فهما جيدا. ففكر في الامور التي تتوقف عليها فلا تحصل بدونها. وما يشترط لها. وكذلك فكر فيما يترتب عليها وما يتفرع عنها. وينبني عليها. واكثر من هذا التفكير من هذا التفكير وداوم عليه واكثر من هذا التفكير وداوم عليه. حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة. فان القرآن حق حازم الحق حق وما يتوقف على الحق حق وما يتفرع عن الحق حق. ذلك كله حق ولابد. فمن وفق لهذه الطريقة واعطاه الله توفيقا ونورا انفتحت له في القرآن العلو النافع والمعارف الجليلة والاخلاق السامية والاداب الكريمة العالية ولنمثل لهذا الاصل امثلة توضحه منها في اسماء الله الحسنى الرحمن الرحيم. فانها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة. وسعة رحمته فاذا فهمت ان الرحمة التي لا يشبهها رحمة هي وصفه الثابت وانه اوصل رحمته الى كل مخلوق ولم يخلو احد من رحمته طرفة عين عرفت ان هذا الوصف يدل على كبائر حياته وكمال قدرته واحاطة علمه ونفوذ مشيئته وكمال حكمته لتوقف الرحمة على ذلك كله. ثم استدللت بسعة رحمته على ان شرعه نور ورحمة. ولهذا يعلل يعلل الله تعالى كثيرا من الاحكام برحمته واحسانه. لانها من مقتضاها واثارها ومنها قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل. فاذا فهمت ان الله ما امر باداء الامانة الى اهلها استدللت بذلك على وجوب حفظ الامانة وعدم اضاعتها والتفريط والتعدي فيها. وانه لا يتم الاداء لاهلها الا بذلك واذا فهمت ان الله امر بالحكم بين الناس بالعدل استدللنا بذلك على ان كل حاكم بين الناس في الامور الكبار والصغار لابد ان غالبا بما يحكم به. فان كان حاكما عاما فلا بد ان ان يحصل من العلم ما يؤهله ما يؤهله الى ذلك. وان كان حاكما ببعض الامور الجزئية كالشقاق بين الزوجين. حيث امر الله سبحانه وتعالى ان نبحث ان نبعث حكما من اهله وحكما من اهلها. فلابد ان يكون عرفت بهذا الامور الذي يريد ان يحكم فيها ويعرف الطريق التي توصله الى الصواب منها. وبهذا بعينه نستدل على طلب العلم وانه فرض عين في كل امر يحتاجه العبد. فان الله امرنا اوامر كثيرة ونهانا عن امور كثيرة. ومن المعلوم ان امتثال امر ان امتثال امره والشتاء بنهيه يتوقف على معرفة المأمور به والمنهي عنه وعلمه. فكيف يتصور ان ان يتمثل الجاهل الامر الذي لا يعرفه. او يتجنب النهي الذي لا يعرفه. وكذلك امره لعباده. ان يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. يتوقف ذلك عن العلم بالمعروف والمنكر ليأمروا بهذا وينهوا عن هذا فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وما لا يحصل ترك المنهي عنه الا به فهو واجب فالعلم بالايمان والعمل الصالح متقدم على القيام به والعلم بضد ذلك متقدم على تركه لاستحالة تركيب ما لا يعرفه العبد اصدر وتقربا وتعبدا حتى يعرفه ويميزه عن غيره. ومن ذلك الامر بالجهاد والحث عليه من اللازم ذلك الامر بكل ما لا يتم الجهاد الا به. من تعلم الرمي بكل ما يرمى به والركوب لكل ما يركب. وعمل الاته وصناعاته مع ان ذلك كله داخل دخول مطابقة في قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. فانها تتداول كل قوة عقلية وبدنية وسياسية وصناعية ومالية ونحوها. ومن ذلك ان الله استشهد باهل العلم على توحيده وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة وملائكته وهذا يدل على عدالتهم. وانهم حجة من الله تعالى على من كذب بمنزلة اياته وادلته. ومن ذلك سؤال عباد الرحمن ربه ان يجعله للمتقين اماما. يقتضي سؤالهم الله جميع ما تتم به الامامة في الدين من علوم جليلة واعمال صالحة واخلاق فاضلة. لان سؤال العبد لربه شيئا سؤال له وما لا يتم الا به. كما اذا سأل العبد الله الجنة واستعاذ به من الدار فانه يقتضي سؤاله كلما يقرب الى هذه ويبعد من هذه ومن ذلك ان الله امر بالصلاح والاصلاح واثنى على المصلحين واخبر انه لا يصلح عمل المفسدين. فيستدل بذلك على ان كل امر فيه صلاح للعباد في امر دينهم ودنياهم. وكل امر يعين على كذلك فانه داخل في امر الله وترغيبه. وادى كل فساد وظرر وشر فانه داخل في نهيه والتحذير عنه. وانه يجب تحصيل كل كل ما يعود الى الصلاح والاصلاح بحسب استطاعة العبد. كما قال شعيب عليه السلام ان اريد الا الاصلاح ما استطعت ومن ذلك قوله تعالى وبشر المؤمنين وقوله يحرض المؤمنين على القتال. يقتضي الامر بكل ما لا تتم البشارة الا به والامر بكل ما فيه حث وتحريض على القتال وما يتوقف على ذلك. ويتبعه من الاستعداد والتمرد على اسباب الشجاعة والسعي والقوة المعنوية من واجتماع الكذبة ونحو ذلك. ومن ذلك الامر بتبليغ الاحكام الشرعية والتذكير بها وتعذيبها فان كل امر يحصل به التبليغ وايصال الاحكام الى المكلف يدخل في ذلك حتى انه يدخل فيه اذا ثبتت الاحكام الشرعية ووجدت اسبابها وكانت تخفى عادة على اكثر الناس كثبوت الفطر والحج وغيره بالاهلة. ابلاغها بالاصوات والروي وابلاغها بما هو ابلغ من ذلك كالبرقيات ونحوها. وكذلك يدخل فيه كل ما اعان على ايصال الصوت الى السامعين من الالات الحادثة فحدوثها لا يقتضي منعها فكل امر ينفع الناس فان القرآن لا يمنعه. بل يدل عليه لمن احسن الاستدلال وانتفع والانتفاع به وهذا من ايات القرآن واكبر براهينه. انه لا يمكن ان ان يحدث علم صحيح ينقض شيئا منه. فانه يرد بما تشهد به العقول جملة وتفصيلا او يرد بما لا تهتدي اليه العقول وابى وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتبلعه فهذا بلا حال. والحس والتجربة شاهدان بذلك. فانهما توسعت الاختراعات. وعظمة الصناعات وعظمت الصناعات وتبحرت المعارف الطبيعية وظهر للناس في هذه الاوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك فان القرآن ولله الحمد لا يخبر باحالته بل نجد بعض الايات الايات فيها اجمال وارشادات تدل عليه. وقد ذكرنا شيئا من ذلك في غير هذه والله اعلم واحكم وبالله التوفيق