يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب الدين الصحيح يحل جميع المشاكل المشكلة الثالثة مشكلة الغنى والفقر. تنوعت مقاصد الخلق وسياساتهم في مسألة الغنى والفقر بحسب اغراضهم لا بحسب اتباعهم للحق ونظرهم للمصالح العامة الكلية. وكلهم اخطاء الطريق النافع. حيث لم يتقيدوا بهداية الدين الاسلامي وتنوعت بهم الافكار. وعملوا على مقتضى ذلك. فحصل بذلك شر مستطير ووقعت فتن كبرى بين من يدعي نصرة الفقر والفقراء والعمال. ومن يتمسك التمسك المزري بالثروات والاموال. ولهم في ذلك ككلام طويل كله خطأ وضلال. وهدى الله المؤمنين الى صراط مستقيم. في جميع امورهم عامة. وفي هذه المسألة خاصة. جاء الشرع ولله الحمد بصلاح الاغنياء والفقراء بحسب الامكان. لما حكم الله تعالى قضاء وقدرا ان الخلق درجات فمنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الشريف ومنهم الحقير لحكم عظيمة واسرار التعبير عن وصفها فربط بعضهم ببعض بالروابط الوثيقة وسخر بعضهم لبعض. وتبادلت بينهم المصالح العادلة واحتاج بعضهم الى بعض. شرع الشارع الحكيم اولا ان يكونوا اخوانا. والا يستغل بعضهم بعضا استغلالا شخصيا الارشد كلا منهم ان يقوم نحو الاخر بواجباته الشرعية التي يتم بها الالتئام وتقوم بها الحياة. امر الجميع ان يتوجهوا باجمعهم الى المصالح العامة الكلية التي تنفع الطرفين كالعبادات البدنية والمشاريع الخيرية وجهاد الاعداء ومقاومتهم ودفع عداوتهم بكل وسيلة. كل بحسب وسعه وقدرته. هذا ببدنه وماله. وهذا ببدنه وهذا بماله وهذا بجاهه وتوجيهه وهذا بتعلمه وتعليمه. لان الغاية واحدة والمصالح مشتركة والغاية شريفة والوسائل اليها شريفة. ثم اوجب في اموال الاغنياء فرضا الزكاة بحسب ما جاء في تفاصيلها الشرعية. وجعل مصرفها دفع حاجات المحتاجين. وحصول المصالح الدينية المقيمة لامور الدنيا والدين. وحث على الاحسان في كل وقت وفي كل مناسبة واوجب دفع ضرورة المضطرين. واطعام الجائعين وكسوة العارين. ودفع الضرورات عن المضطرين وكذلك اوجب النفقات الخاصة للاهل والاولاد. وما يتصل بهم. والقيام بواجبات المعاملات كلها الواقعة بين الناس وامرهم مع ذلك الا يتكلوا في كسب الدنيا على حولهم وقوتهم. ولا ينظروا نظر استقرار وطمأنينة الى ما عندهم بل يكون نظرهم على الدوام الى الله والى فضله وتيسيره. والاستعانة به وان يشكروه على ما تفضل به عليهم وميزهم به من الغنى والثروة. واوجب عليهم ان يقفوا عند الحدود. فلا ينغمسوا في الترف والاسراف انغماء يضر باخلاقهم واموالهم وجميع احوالهم بل يكونوا كما قال الله تعالى والذين اذا انفقوا لم اسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. وامرهم مع ذلك ان يكون طلبهم للغنى والدنيا طلبا شريفا نزيهة فلا يتلوثون بالمكاسب الخبيثة التي هي ما بين ربا او قمار او غرر او غش او خداع. بل يتقيدون هنا بقيود الشرع العادلة في معاملاتهم كما تقيدوا بذلك في عباداتهم. وامرهم ان ينظروا الى الفقراء نظر الرحمة الاحسان لا نظر القسوة والغلظة والاثرة والبطر والاشر والكبر. ولهذه الارشادات الحكيمة تكون الثروة الدينية في غاية الشرف وكمال الاعتبار. ويكون الغنى على هذا الوجه وصفا محمودا. ونعت كمال ورفعة وعدو. لان الشرع وصفاه فحث على التباعد عن رذائله ورغب في اكتساب فضائله. واما ما صنعه الدين الاسلامي مع الفقراء امرهم وكل من لم يدرك محبوباته النفسية ان يصبروا ويرضوا بقضائه وتدبيره. وان يعترفوا ان الله حكيم له في ذلك حكم وفيه مصالح متنوعة. قال الله تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى اه ان تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون. فنظرهم هذا يذهب حزن الذي يقع في القلوب فيحدث العجز والكسل. ثم امرهم الا ينظروا في دفع فقرهم وحاجاتهم الى المخلوقين ولا يسألونهم الا حيث لا مندوحة عن السؤال عند الضرورة الى ذلك. وان يطلبوا دفع فقرهم من الله وحده لا شريك له. بما جعله من الاسباب الدافعة للفقر الجالبة للغنى. وهي الاعمال والاسباب المتنوعة. كل يشتغل بالسبب الذي يناسبه ويليق بحاله فيستفيد بذلك تحرره من رق المخلوقين. وتمرنه على القوة والنشاط ومحاربة الكسل والفتنة ومع ذلك لا يقع في قلوبهم حسد للاغنياء على ما اتاهم الله من فضله. قال سبحانه ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما. وامرهم ان ينصحوا في اعمالهم ومعاملاتهم اعاتهم والا يتعجلوا الرزق بالانغماس في المكاسب الدنيئة التي تذهب الدين والدنيا. وامرهم بامرين يعينانهم على مشقة الفقر الاقتصادي في تدبير المعاش والاقتناع برزق الله. فالرزق القليل مع الاقتصاد الحكيم يكون كثيرا. والقناعة كنز لا ينفد وغنى بلا مال. فكم من فقير وفق للاقتصاد والقناعة لا يغبط الاغنياء المترفين. ولا تبرموا بقلة ما عنده من الرزق اليسير. فمتى اهتدى اهل الفقر بارشادات الدين من الصبر والتعلق بالله والتحرر من رق المخلوقين والجد والاجتهاد في الاعمال الشريفة النافعة. والاقتناع بفضل الله هانت عليهم وطأة الفقر وعناء ومع ذلك فهم لا يزالون يسعون في تحصيل الغنى ويرجون ربهم وينتظرون وعده ويتقون الله فانه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. فهذه التعاليم النية والارشادات من الله ورسوله لاهل الغنى والفقر يجلب لهم الخيرات. وتمنعهم من الشرور والمضرات وتنتج لهم اجمل الثمرات العاجلة والآجلة. فهذا الحل الوحيد من الرب المجيد لمشكلة الغنى والفقر. وما سوى ذلك ثناء وشقاء وضرر وهلاك. والله الموفق. ونظير هذه المسألة مسألة الصحة والمرض. فان الشريعة الاسلامية جاءت باكمل الامور فيها. امرت بكل ما يحفظ الصحة وينميها. وما يدفع الامراض او يخففها بحسب الامكان وفصلت في هذا الموضوع تفاصيل نافعة. تدور على حفظ الصحة وتنميتها والحمية من جميع المؤذيات والامور الضالة وعلى السعي في التحرز من الامراض قبل نزولها. ومداواتها قبل نزولها. وامرت مع ذلك بالتوكل على الله اعتمادي عليه والعلم بان الله تعالى هو المعطي للنعم الدافع للنقم بلطفه وقدرته ورحمته وبما جعله من الاسباب الكثيرة التي علمها الله العباد وامرهم بسلوكها. وامر ايضا بمقاومة الامراض بامور اخرى غير الادوية الحسية امر بالصبر على المكاره ايمانا به واحتسابا لثوابه فانه بذلك تخف مشقة الامراض بما يحصل للصابر المحتسب من الايمان واليقين والثواب العاجل والاجل. وكذلك امر بقوة الاعتماد على الله عند نزول المصائب والمكاره. والا يخضع الانسان ويضعف قلبه وارادته. وتستولي عليه الخيالات التي هي امراض فتاكة. فكم من مرض يسير بسيط عظمت وطأته بسبب ضعف القلب وخوره وانخداعه بالاوهام والخيالات وكم من مرض عظيم هانت مشقته وسهلت وطأته حين اعتمد القلب على الله وقوي ايمانه وتوكله وزال خوف منه وهذا امر مشاهد محسوس. فالدين الاسلامي امر بالامرين في وقت واحد امر بفعل الاسباب النافعة وبالاعتماد على الله في نفعها وتحصيل المنافع ودفع المضار بحسب الاستطاعة. وكذلك النعم والمسار والمكاره والمصائب جاءت شريعة الاسلام فيها باكمل الحالات امر الله رسوله بتلقي النعم بالافتقار الى الله فيها. والاعتراف التام بفضل الله بتقديرها وتيسيرها. وشكر المنعم بها شكرا متتابعا. وتصريفها فيما كانت لاجله. والاستعانة بها على عبادة الله. والا يكون العبد عندها اشرا ولا بطرة بل متواضعا. وامر العبد ان يغتنم الفرصة النافعة في النعم. فيربح عندها ارباحا عاجلة واجلة. يغتنم فرصة العافية والصحة والقوة والجدة والجاه والاولاد. فلا يغبن فيها بحيث تكون نعما حاضرة مؤقتة. بل يستخرج منها نعما باقية. وخيرا متسلسلا ونفعا مستمرا. وفي الحديث اغتنم خمسا قبل خمس. شبابك قبل هرم وصحتك قبل سقمك. وفراغك قبل شغلك. وغناك قبل فقرك. وحياتك قبل موتك فمتى عرف العبد المقصود من النعم وانها مجعولة وسائل الى خيرات الاخرة اجتمع له الامران التمتع بها عاجلا والاستفادة من خيراتها اجلا. فيؤدي واجبها ومستحبها. وبذلك تكون نعما حقيقية دينية ودنيوية عكس حالة المنحرفين عما جاءت به الشريعة. الذين يتمتعون بها كما تتمتع الانعام السائلة ويتناولونها بمقتضى الشهوة البهيمية. فالنعم في حقهم سريعة الزوال وشيكة الانفصال. لا تعقبهم الا الحصر والندامة والاولون يشاركونهم في التمتع العاجل. وربما زادوا عليهم براحة القلب وطمأنينة النفس من الهلع والجشع. واما المصائب فلما كانت لابد منها للخلق ولا احد يسلم منها. اعد الشارع الحكيم لها عدتها وارشد عباده الى الصبر والتسليم والاحتساب لثوابها والا يتلقاها العبد بجزع وخبر وضعف بل بقوة وتوكل على الله وايمان صادق. وبذلك تخف وطأتها وتهون مشقتها ويحصل من الثواب والزيارة قيادة الايمان اضعاف اضعاف ما حصل من المصيبة. قال تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع قطعي ونقص من الاموال والانفس والثمرات. وبشر الصابرين. الذين اذا اصابتهم مصيبة طيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون. اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون. وقال تعالى انما يوفى الصابرون اجرهم بغيره حساب وقال سبحانه ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. فانظر الى هذه الارشادات الحكيمة في هداية الشريعة الى تلقي النعم والمساري والمصائب والمضار. كيف سترى القلوب فيها مطمئنة. والحياة طيبة والخير حاصلا ومأمولا. والربح مستمرا. عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لاحد الا للمؤمن. فاين هذه الحالة الجليلة العالية؟ من حالة المنحرفين عن الدين. الذين اذا اصابتهم النعم بطروا ومرحوا مرح البهائم. وتجبروا على عباد الله وطغوا وبغوا واذا اصابتهم المكاره جازعوا وضعفوا وربما ادت بهم الحال الى الانتحار. لعدم الصبر وللهلع والجزع الذي لا يحتمل. نسأل الله الله العافية