يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة. فصل الايمان قال المصنف رحمه الله ومن اصول اهل السنة ان الدين والايمان قول وعمل. قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح وان الايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهم مع ذلك لا يكفرون اهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج بل الاخوة الايمانية ثابتة مع المعاصي. كما قال في اية القصاص فمن عفي له من اخيه فيه شيء فاتباع بالمعروف وقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان فائت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين. انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين خويكم قد دل الكتاب والسنة على ما قاله الشيخ رحمه الله. واجمع على ذلك سلف الامة. فكم من اية قرآنية واحاديث نبوية اطلقت على كثير من الاقوال والاعمال اسم الايمان. فالايمان المطلق يدخل فيه جميع الدين ظاهره وباطنه. اصوله وفروعه ويدخل فيه العقائد التي يجب اعتقادها في كل ما احتوى عليه هذا الكتاب ويدخل فيه اعمال القلوب كالحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وارادة الله والانابة اليه والفرق بين اقوال القلب وبين اعماله ان اقواله هي العقائد التي يعترف بها القلب ويعلمها ويعتقدها واما اعمال القلب فهي حركته التي يحبها الله ورسوله. وضابطها محبة الخير وارادته الجازمة وكراهية الشر والعزم على تركه لله عز وجل وهذه الاعمال القلبية تنشأ عنها اعمال الجوارح الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد من الايمان. وبر الوالدين وصلة الارحام والقيام بحقوق الله وحقوق خلقه كلها من الايمان. وكذلك الاقوال. فقراءة القرآن وذكر الله والثناء عليه والدعوة الى الله والنصير لعباد الله وتعلم العلوم النافعة. كلها داخلة في الايمان ولهذا لما كان الايمان اسما لهذه الامور ترتب عليه انه يزيد وينقص كما هو صريح الادلة من الكتاب والسنة وكما هو ظاهر مشاهد في تفاوت المؤمنين في عقائدهم واعمال قلوبهم وجوارحهم ومن زيادته ونقصه من قسم الله عز وجل المؤمنين الى ثلاث طبقات سابقون بالخيرات وهم الذين ادوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات فهؤلاء المقربون ومقتصدون وهم الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات وظالمون لانفسهم وهم الذين تجرأوا على بعض المحرمات وقصروا في بعض الواجبات. مع بقاء اصل الايمان معهم. فهذا هذا من اكبر البراهين على زيارة الايمان ونقصه. فما اعظم التفاوت بين هؤلاء الطبقات ومن وجوه زيادته ونقصه ان المؤمنين متفاوتون في علوم الايمان وتفاصيله فمنهم من وصل اليه من تفاصيله وعقائده خير كثير فازداد به ايمانه وتم به يقينه ومنهم من هو دون ذلك ودون ذلك حتى تصل الحال الى ان من المؤمنين من معه ايمان اجمالي ولم يتيسر له من التفاصيل شيء وهو مع ذلك مؤمن ومعلوم الفرق بين هذه المراتب ومن وجوه زيادة الايمان ونقصه ان المؤمنين متفاوتون تفاوتا كبيرا في اعمال القلب والجوارح وكثرة الطاعات وقلتها وهذا شيء محسوس ومن وجوه زيارته ونقصه ان من المؤمنين من لم تجرح المعاصي ايمانه وان وقع منه شيء من ذلك بادر الى التوبة والانابة ومنهم من هو متجرأ على كثير من المعاصي ومعلوم الفرق بينهما ومن وجوه زيادته ونقصه ان من المؤمنين من هو واجد حلاوة الايمان. وقد ذاق طعمه واستحلى الطاعات واستنار قلبه بالايمان ومنهم من لم يصل الى ذلك ولهذا قال المصنف رحمه الله ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الايمان بالكلية. ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة بل الفاسق يدخل في اسم الايمان المطلق كما في قوله فتحرير رقبة مؤمنة. وقد لا يدخل في اسم الايمان المطلق كما في قوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وقوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس اليه فيها ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن. ونقول كلوا هو مؤمن ناقص الايمان او مؤمن بايمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم وهذا تحقيق مذهب السلف الذي باينوا فيه الخوارج المارقين الذين يسلبون العصاة اسم الايمان ويخلدونهم في النار وبينوا فيه المعتزلة الذين وافقوا الخوارج في المعنى وخالفوهم في اللفظ اما الكتاب والسنة فانهما دل من وجوه كثيرة. على ان العبد يكون فيه خير وشر وايمان وخصال كفر وخصال نفاق لا تخرجه عن الايمان بالكلية وان الايمان المطلق انما يتناول الايمان الممدوح الكامل. في مثل قوله تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا. وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ونحو ذلك من النصوص واما مطلق الايمان الذي يدخل فيه الايمان الكامل والايمان الناقص فانه قد ثبت في الكتاب والسنة اطلاقه على العصاة من المؤمنين واجمع على ذلك سلف الامة وائمتها. قال تعالى فتحرير رقبة مؤمنة. ومن المعلوم دخول اي مؤمن من الارقاء في هذا النص. وكذلك قوله تعالى فاصلحوا بين اخويكم فسماهم اخوة بعد وجود الاقتتال ويقال ايضا في توضيح ذلك ان الايمان الممدوح الذي يؤتى به في سياق الثناء على اهله انما يتناول الايمان الكامل. والايمان الذي يقال لصاحبه انه من المؤمنين يدخل فيه هذا وهذا. ويقال ايضا الايمان الذي يمنع صاحبه من التجري على الزنا وشرب الخمر والسرقة ونحوها من الفواحش هو الايمان الكامل. والايمان الذي لا يمنع من ذلك هو الناقص وهذا هو وجه الحديث الذي ذكره المصنف لا يزني الزاني الى اخره. ويقال ايضا الايمان الذي يمنع من دخول النار هو ايمان كامل والايمان الذي يمنع من الخلود فيها يكون ايمانا ناقصا وقد تواترت الاحاديث بخروج من في قلبه حبة خردل من ايمان ويقال ايضا الاحكام الاصولية والفروعية تدور مع اسبابها وعللها واذا وجد في العبد اسباب متعارضة عمل كل سبب في مسببه. فالطاعات سبب لدخول الجنة والثواب. والمعاصي سبب لدخول النار والعقاب اعمل كل واحد في مقتضاه. ولكن لما كانت رحمة الله عز وجل قد سبقت غضبه. وفضله على العباد قد غمرهم وتنوع عليهم من كل وجه كان اقل القليل من الايمان له الاثر المستقر الذي يضمحل ضده من كل وجه. وان كان معه شيء من الايمان فانما اله الى الخلود في دار النعيم