واعلم يا اخي ان الدين نوعان. احدهما اعمال واحوال واخلاق دينية ودنيوية. وكما انه لا سبيل الى حصول الحياة الطيبة الا بالدين. والثاني علوم ومعارف نافعة وهي علوم الشرع والدين. وما يعين عليها ويتوصل اليها به. فالاشتغال بها من اجل العبادات وحصول ثمرتها من اكمل اللذات. ولا يشبهه شيء من اللذات الدنيوية. واعتبر ذلك بحال راغبين في العلم تجد اكثر اوقاتهم مصروفة في تحصيل العلم. فيمضي الوقت الطويل وصاحبه فيه يتمنى امتداد الزمن. وهذا عنوان اللذة. فان المشتاق يقصر عنده الوقت الطويل. ومن ضاق صدره بشيء يطول عليه الوقت القصير. وصاحب العلم في كل وقت مستفيد علوما يزداد بها ايمانه وتكمل بها اخلاقه. والمتصفح للكتب النافعة لا يزال يعرض على ذهنه عقول الاولين الاخرين ومعارفهم واحوالهم الحميدة وضدها. وفي ذلك معتبر لاولي الالباب. فكم من قصة تمر عليك في الكتب تكتسب بها عقلا جديدا وتسليك عند المصائب بما جرى على الفضلاء. وكيف فتلقوها بالرضا والتسليم. واغتنموا الاجر من العليم الحكيم. والعلم يعرفك طرقا تدرك بها المطالب وتدفع بها المكاره والمضار. والعقل عقلان. عقل غريزي. وهو ما وضعه الله في الانسان من قوة الذهن في امور الدين والدنيا. وعقل مكتسب اذا انضم الى العقل الغريزي ازداد صاحبه حزما وبصيرة فكما ان العقل الغريزي ينمو بنمو الانسان حتى يبلغ اشده فكذلك العقل المكتسب له مادتان للنمو مادة الاجتماع بالعقلاء والاستفادة من عقولهم وتجاربهم تارة بالاقتداء وتارة بمشاورتهم ومباحثتهم فكم ترقى الرجل بهذه الحال الى مراقي الفلاح. ولهذا اكان انزواء الرجل عن الناس يفوته خيرا كثيرا ونفعا جليلا. مع ما يحدثه الاعتزال من الخيالات وسوء الظن بالناس والاعجاب بالنفس الذي يعبر عن نقص الرجل وربما ضرت بدن فان مخالطة تفتح ابوابا من المصالح وتسليك وتقوي قلبك وفي ضعف القلب ضرر على العقل وضرر على الدين وضرر على الاخلاق وضرر على الصحة. وينبغي للانسان ان يعامل الناس بحسب احوالهم. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن خلقه مع الصغير والكبير. قال تعالى خذ العفو اي خذ ما صفا لك من اخلاق الخلق. ودع عنك ما تعسر منها فيجالس ابناء الدنيا بالادب والمروءة اكابر بالتوقير والاخوان والاصحاب بالانبساط والفقراء بالرحمة والتواضع واهل العلم والدين بما بفضلهم فصاحبوا هذا الخلق الجليل تراه مبتهل النفس في حياة طيبة. واما المادة الثانية للعقل المكتسب فهي الاشتغال بالعلوم النافعة. فتستفيد بكل قضية رأيا جديدا. وعقلا سديدا ولا يزال المشتغل بالعلم يترقى في العلم والعقل والادب. والعلم يعرفك بالله وكيف الطريق اليه يعرفك كيف تتوسل بالامور المباحة الى ان تجعلها عبادة تقربك الى الله. والعلم يقوم مقام الرياسات والاموال. فمن ادرك العلم فقد ادرك كل شيء. ومن فاته العلم فاته كل شيء. وكل هذا في العلوم النافعة. واما كتب الخرافات والمجون فانها تحلل الاخلاق وتفسد الافكار والقلوب بحثها على الاقتداء باهل الشر. وهي تعمل في الايمان والقلوب عمل النار في الهشيم