انتصار الحق. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. محاورة دينية اجتماعية. هذه صورة محاورة بين رجلين كانا متصاحبين رفيقين مسلمين. يدينان بالدين الحق ويشتغلان في طلب العلم جميعا فغاب احدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فاذا هذا الغائب قد تغيرت احواله وتبدلت اخلاقك. فسأله صاحبه عن ذلك فاذا هو قد تغلبت عليه باية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون. فحاوله صاحبه وقلبه لعله عن هذا الانقلاب الغريب فاعيته الحيلة في ذلك. وعرف ان ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر الى استئصال الداء ومعالجته بانفع الدواء. وعرف ان ذلك متوقف على معرفة الاسباب التي حولته والطرق التي اوصلته الى الحالة المخيفة. والى فحصها وتمحيصها وتخليصها وتوضيحها مقابلتها بما يضادها ويقمعها على وجه الحكمة والسداد فقال لصاحبه مستكشفا له عن الحامل له على ذلك. يا اخي ما هذه الاسباب التي حملتك على ما ارى وما الذي دعاك الى نبذ ما كنت عليه. فان كان خيرا كنت انا وانت شريكين وان كان غير ذلك فاعرف من عقلك ودينك وادبك انني وانك لا ترضى ان تقيم على ما يضرك فاجابه صاحبه قائلا لا اكتمك اني قد رأيت المسلمين على حالة لا يرضى هذا والهمم العلية رأيتهم في جهل وذل وخمول. وامورهم مدبرة. وفي الجانب الاخر هؤلاء الاجانب قد ترقوا في في هذه الحياة وتفننوا في الفنون الراقية والمخترعات العجيبة المدهشة والصناعات المتفوقة رأيتهم قد دانت لهم الامم وخضعت لهم الرقاب وصاروا يتحكمون في الامم الضعيفة بما ما شاءوا ويعدونهم كالعبيد والاجراء. فرأيت فيهم العز الذي بهرني. والتفنن الذي ادهشني فقلت في نفسي لولا ان هؤلاء القوم هم القوم وانهم على الحق والمسلمون على الباطل لما فكانوا على هذا الوصف الذي ذكرت لك فرأيت ان سلوكي سبيلهم واقتدائي بهم خير لي واحسن عاقبة. فهذا الذي سيرني الى ما رأيت فقال له صاحبه حين ابدى ما كان خافيا اذا كان هذا هو السبب الذي حولك الى ما اراك. فهذا ليس من الاسباب التي يبني عليها اولو الالباب والعقول عقائد واخلاقهم واعمالهم ومستقبل امرهم اسمع يا صديقي تمحيص هذا الامر الذي غرك وحقيقته ان تأخر المسلمين فيما ذكرت ليس ناشئا عن دينهم. فانه قد علم كل من له ادنى نظر وبصيرة ان دين الاسلام يدعو الى الصلاح والاصلاح في امور الدين وفي امور الدنيا. ويحث على الاستعداد من تعلم العلوم والفنون النافعة. ويدعو الى تقوية القوة المعنوية والمادية لمقاومة الاعداء سلامتي من شرهم واضرارهم ولم يستفد احد منفعة دنيوية فضلا عن المنافذ الدينية الا من هذا الدين. وهذه تعاليمه وارشاده ساداته قائمة لدينا. تنادي اهلها هلم الى الاشتغال بجميع الاسباب النافعة. التي تعليكم وترقيكم في دينكم ودنياكم. افبتفريط المسلمين تحتج على الدين ان هذا لهو الظلم المبين اليس من قصور النظر ومن الهوى والتعصب؟ النظر في احوال المسلمين في هذه الحقبة من الزمن التي تدهور فيها علومهم واعمالهم واخلاقهم. وفقدوا فيها جميع مقومات دينهم. وترك النظر اليهم في زهرة الاسلام والدين في الصدر الاول. حيث كانوا قائمين بالدين مستقيمين على الدين. سالكين كل كطريق يدعو اليه الدين. فارتقت اخلاقهم واعمالهم. حتى بلغت مبلغا ما وصل اليه ليصل اليه احد من الاولين والاخرين. ودانت لهم الدنيا من مشارقها الى مغاربها. وخضعت له من اقوى الامم وذلك بالدين الحق. والعدل والحكمة والرحمة. وبالاوصاف الجميلة التي كانوا عليه اليس ضعف المسلمين في هذه الاوقات يوجب لاهل البصائر والنجدة منهم. ان يكون جدهم ونشاطهم وجهادهم الاكبر متضاعفا. ويقوموا بكل ما في وسعهم لينالوا المقامات الشامخة ولينجوا من الهوة العميقة التي وقعوا فيها. اليس هذا من افرض الفرائض؟ والزم اللازمات في هذا الحال فالجهاد في حال قوة المسلمين وكثرة المشاركين فيه له فضل عظيم يفوق سائر العبادات فكيف اذا كانوا على هذه الحالة التي وصفت فان الجهاد لا يمكن التعبير عن فضائله وثمراته ففي هذه الحالة يكون الجهاد على قسمين. احدهما السعي في تقويم المسلمين. وايقاظ هممهم وبعث عزائمهم وتعليمهم العلوم النافعة وتهذيبهم بالأخلاق الراقية وهذا اشق امرين وهو انفعهما وافضلهما. والثاني السعي في مقاومة الاعداء. واعداد جميع العدد القولية والفعلية والسياسية الداخلية والخارجية لمناوأتهم والسلامة من شرهم افحين صار الامر على هذا الوصف الذي ذكرت وصار الموقف حرجا تتخلى عن اخوانك المسلمين وتتخلف مع الجبناء والمخالفين. فكيف مع ذلك تنضم الى حزب المحاربين؟ الله الله يا اخي لا تكن اقل ممن قيل فيهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا. قاتلوا لاجل دينكم او ادفعوا لاجل قومكم ووطنكم. لا تكن مثل هؤلاء المنافقين. فاعيذك يا اخي من هذه الحال التي لا يرضاها اهل الديانات ولا اهل النجدات والمروءات. فهل ترضى ان تشارك قومك في حال عزهم وقوة ادددهم وعنصرهم وتفارقهم في حال ذلهم ومصائبهم. وتخذلهم في وقت اشتدت فيه الضرورة الى نصرة الاولياء. ورد عدوان الاعداء. فهل رأيت قوما خيرا من قومك او شاهدت دينا افضل من دينك