المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ان الله الامانات كل ما اؤتمن عليه الانسان وامر بالقيام به. فامر الله عباده بادائها هاي كاملة موفرة لا منقوصة ولا مبخوسة ولا منطونا بها ويدخل في ذلك امانات الولايات والاموال والاسرار والمأمورات التي لا عليها الا الله. وقد ذكر الفقهاء على ان من ائتمن امانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا لانه لا يمكن اداؤها الا حفظها فوجب ذلك. وفي قوله الى اهلها دلالة على انها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمن. ووكيله بمنزلته. فلو دفعها لغير رمز بها لم يكن مؤديا لها. واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل. وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والاموال والاعراض. القليل من ذلك كثير على القريب والبعيد والبر والفاجر والولي والعدو والمراد بالعدل الذي امر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود احكام وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به. ولما كانت هذه اوامر حسنة عادلة. قال ان الله نعم ما يعظكم به. ان الله كان سميعا بصيرا. وهذا مدح من الله لاوامره ونواهيه. لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما. لان شارعها السميع البصير الذي تخفى عليه خافية ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون. يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول ثم امر بطاعته طاعة رسوله وذلك بامتثال امرهما الواجب والمستحب واجتناب نهيهما وامر بطاعة اولي الامر وهم الولاة على الناس من الامراء والحكام والمفتيين فانه لا يستقيم للناس امر دينهم ودنياهم الا بطاعتهم والانقياد لهم. طاعة لله ورغبة فيما عنده. ولكن شرط الا يأمروا بمعصية الله. فان امروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الامر بطاعتهم. وذكر به مع طاعة الرسول. فان الرسول لا يأمر الا بطاعة الله. ومن يطعه فقد اطاع الله. واما اولو الامر فشرط الامر بطاعتهم الا يكون معصية ثم امر برد كل ما تنازع الناس فيه من اصول الدين وفروعه الى الله والى رسوله. اي الى كتاب الله وسنة رسوله. فان فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية اما بصريحها او عمومها او ايماء او تنبيه او مفهوم او عموم معنى يقاس عليه ما اشبهه. لان كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين. ولا يستقيم الايمان الا بهما. فالرد اليهما شرط في الايمان. فلهذا قال ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر فدل ذلك على ان من لم يرد اليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة بل مؤمن بالطاغوت كما ذكر في الاية بعدها ذلك اي الرد الى الله ورسوله خير واحسن تأويلا. فان حكم الله ورسوله احسن الاحكام واعدلها. واصلحها للناس في امر دينهم وعاقبتهم الم ترين الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريدوا الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا. واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رأيت المنافقين حين يصدون رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا تعالى عباده من حالة المنافقين الذين يزعمون انهم مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله. ومع هذا يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت. والحال انهم قد امروا ان يكفروا به. فكيف يجتمع هذا والايمان؟ فان الايمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل امر من الامور. فمن زعم انه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله. فهو كاذب في ذلك. وهذا من اضلال الشيطان اياه ولهذا قال ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا عن الحق فكيف اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم ثم يحلفون بالله ان اردنا الا احسانا فكيف يكون حال هؤلاء الضالين؟ اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم من المعاصي. ومنها تحكيم طاغوت ثم جاءوك معتذرين لما صدر منهم. ويقولون ان اردنا الا احسانا وتوفيقا. اي ما قصدنا في ذلك الا الاحسان الى المتخاصم والتوفيق بينهم وهم كذبة في ذلك. فان الاحسان كل الاحسان تحكيم الله ورسوله. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ولهذا قال اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم اي من النفاق والقصد السيء فاعرض عنهم اي لا تبالي بهم ولا تقابلهم على ما فعلوه واقترفوه وعظهم هيبين لهم حكم الله تعالى مع الترغيب في الانقياد لله والترهيب من تركه. وقل لهم في انفسهم قولا بليغا. انصحهم سرا بينك وبين فانه انجح لحصول المقصود. وبالغ في زجرهم وقمعهم عما كانوا عليه. وفي هذا دليل على ان مقترف المعاصي وان اعرض عنه. فانه ينصح سرا ويبالغ في وعظه بما يظن حصون المقصود به ولو انهم اذ ظلموا انفسهم فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا يخبر تعالى خبرا في ضمنه الامر والحث على طاعة الرسول والانقياد له. وان الغاية من ارسال الرسل ان يكونوا مطاعين. انقادوا لهم المرسل اليهم في جميع ما امروا به ونهوا عنه. وان يكونوا معظمين تعظيم المطيع للمطاع. وفي هذا اثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن وفيما يأمرون به وينهون عنه. لان الله امر بطاعته مطلقا. فلولا انهم معصومون لا يشرعون ما هو خطأ. لما امر بذلك مطلقا قوله باذن الله اي الطاعة من المطيع. صادرة بقضاء الله وقدره. ففيه اثبات القضاء والقدر. والحث على الاستعانة بالله. وبيان انه لا يمكن الانسان ان لم يعنه الله ان يطيع الرسول ثم اخبر عن كرمه العظيم وجوده ودعوته لمن اقترف السيئات ان يعترفوا ويتوبوا الله فقال ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك اي معترفين بذنوبهم باخعين بها فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. اي لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم. ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها. والثواب عليها. وهذا المجيء الى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته لان السياق يدل على ذلك. لكون الاستغفار من الرسول لا يكون الا في حياته. واما بعد موته فانه لا يطلب منه بل ذلك شرك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم اقسم تعالى بنفسه الكريمة انهم لا يؤمنون حتى حكموا رسوله فيما شجر بينهم. اي في كل شيء يحصل فيه اختلاف. بخلاف مسائل الاجماع. فانها لا تكون الا مستندة للكتاب والسنة. ثم لا في هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم الضيق. وكونهم يحكمونه على وجه الاغماض. ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليما انشراح صدر وطمأنينة نفس وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الاسلام وانتفاء الحرج في مقام الايمان. والتسليم في مقام الاحسان فمن استكمل هذه المراتب وكملها فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر من تركه مع التزامه فله حكم امثاله من العاصين اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم. ولو انهم فعلوا ما يوعون لكان خيرا لهم لكان خيرا لهم اشد تثبيتا. يخبر تعالى انه لو كتب على هذه الاوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار. لم يفعله الا القليل منهم والنادر. فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما امرهم به من الاول اوامر التي تسهل على كل احد ولا يشق فعلها. وفي هذا اشارة الى انه ينبغي ان يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات. لتخف عليه العبادات ويزداد حمدا وشكرا لربه. ثم اخبر انهم لو فعلوا ما يوعظون به اي ما وظف عليهم في كل وقت بحسبه. فبذلوا هممهم ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا اليه ولم يكونوا بصدده وهذا هو الذي ينبغي للعبد ان ينظر الى الحالة التي يلزمه القيام بها في يكملها ثم يتدرج شيئا فشيئا. حتى يصل الى ما قدر له من العلم والعمل. في امر الدين والدنيا. وهذا بخلاف من طمحت نفسه الى امر لم يصل اليه ولم يؤمر به بعد. فانه لا يكاد يصل الى ذلك بسبب تفريق الهمة. وحصول الكسل وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يعظون به وهو اربعة امور احدها الخيرية في قوله لكان خيرا لهم اي لكانوا من الاخيار المتصفين باوصافهم من افعال الخير التي امروا بها اي وانتفى عنهم بذلك صفة الاشرار. لان ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده. الثاني حصول التثبيت والثبات وزيادته. فان الله يثبت الذين امنوا بسبب ما قاموا به من الايمان الذي هو القيام بما وعظوا به. فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الاوامر والنواهي والمصائب طيب فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الاوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد فيوفق بالتوفيق للصبر او للرضا او للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك. ويحصل له الثبات على الدين عند الموت وفي القبر وايضا فان العبد القائم بما امر به لا يزال يتمرن على الاوامر الشرعية حتى يألفها. ويشتاق اليها والى امثالها. فيكون ذلك معونة لهم وعلى الثبات على الطاعات. الثالث قوله اي في العاجل والاجل. الذي يكون للروح والقلب والبدن. ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على على قلب بشر. الرابع الهداية الى صراط مستقيم. وهذا عموم ومن بعد خصوص لشرف الهداية الى الصراط المستقيم. من كونها متضمنة للعلم بالحق ومحبته وايثاره والعمل به. وتوقف السعادة والفلاح على ذلك فمن هدي الى صراط مستقيم فقد وفق لكل خير واندفع عنه كل شر وضير مع الذين انعم الله فاولئك مع الذين انعم الله والصالحين وحسن اولئك رفيقا. اي كل ومن اطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه. من ذكر وانثى وصغير وكبير. فاولئك مع الذين انعم الله عليهم اي النعمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة من النبيين الذين فضلهم الله بوحيه واختصهم بتفضيلهم بارسالهم الى الخلق دعوتهم الى الله تعالى والصديقين. وهم الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل. فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم. وبالقيام به قولا وعملا محالا ودعوة الى الله والشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله لاعلاء كلمة الله فقتلوا والصالحين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت اعمالهم فكل من اطاع الله تعالى كان مع هؤلاء وفي صحبتهم وحسن اولئك رفيقا بالاجتماع بهم في جنات النعيم والانس بقربهم في جوار رب العالمين بك الفضل من الله وكفى بالله علي ما ذلك الفضل الذي نالوه من الله فهو الذي وفقهم لذلك واعانهم عليه واعطاهم من الثواب ما لا تبلغه اعمالهم. وكفى بالله عليما. يعلم احوال عباده. ومن يستحق منهم الثواب الجزيل بما قام به من الاعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح