المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يأمر تعالى عباده المؤمنين باخذ حذرهم من اعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الاخذ بجميع الاسباب التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم من استعمال الحصون والخنادق وتعلم الرمي والركوب وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك وما به يعرف مداخلهم ومخارجهم ارجهم ومكرهم والنفير في سبيل الله. ولهذا قال فانفروا ثبات اي متفرقين بان تنفر سرية او جيش ويقيم غيرهم او انفروا جميعا. وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية والراحة للمسلمين في دينهم. وهذه الاية نظير قوله تعالى اعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ثم اخبر عن ضعفاء الايمان المتكاسلين عن الجهاد فقال فان اصابتكم مصيبة قال قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا. وان منكم ايها المؤمنون لا من لا يبطئ ان يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفا وخورا وجبنا. هذا الصحيح. وقيل معناه ليبطئن غيره اي يزهده عن القتال وهؤلاء هم المنافقون. ولكن الاول اولى لوجهين احدهما قوله منكم الخطاب للمؤمنين الثاني قوله في اخر الاية كان لم تكن بينكم وبينه مودة. فان الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله وبينهم وبين المؤمنين المودة. وايضا فان هذا هو الواقع. فان المؤمنين على قسمين صادقون في ايمانهم. اوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد وضعفاء دخلوا في الاسلام فصار معهم ايمان ضعيف لا يقوى على الجهاد. كما قال تعالى قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا لكن قولوا اسلمنا الى اخر الايات. ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين. ونهاية مقاصدهم وان معظم قصدهم الدنيا وحطامها. فقال فان اصابتكم مصيبة اي هزيمة وقتل. وظفر الاعداء عليكم في بعض الاحوال لما لله في ذلك من الحكم. قال ذلك المتخلف قد انعم انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا رأى من ضعف عقله وايمانه ان التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة ولم يدري ان النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة. التي بها يقوى الايمان. ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران. ويحصل له فيها عظيم الثواب. ورضا الكريم الوهاب واما القعود فانه وان استراح قليلا فانه يعقبه تعب طويل والام عظيمة. ويفوته ما يحصل للمجاهدين. ثم قال ولان اصابكم فضل من الله ليقولنك ان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما. ولئن اصابكم فضل من الله اي نصر وغنيمة فيقولنك ان لم تكن بينكم وبينهم مودة. يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما. اي يتمنى انه حاضر لينال من المغانم. ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك. كانه ليس منكم يا معشر المؤمنين. ولا بينكم وبينه مودة الايمانية التي من مقتضاها ان المؤمنين مشتركون في مصالحهم ودفع مضارهم. يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من اخوانهم المؤمنين. ويألمون بفقدها ويسعون جميعا في كل امر يصلحون به دينهم ودنياهم. فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط ليست معه الروح الايمانية المذكورة. ومن لطف الله بعباده الا يقطع عنهم رحمته. ولا يغلق عنهم ابوابها بل من حصل منه غير ما يليق امره ودعاه الى جبر نقصه وتكميل نفسه. فلهذا امر هؤلاء بالاخلاص والخروج في سبيله قال فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة. هذا احد الاقوال في هذه الاية وهو اصحها. وقيل ان معناه في سبيل الله المؤمنون الكامل الايمان. الصادقون في ايمانهم الذين يشترون الحياة الدنيا بالاخرة. اي يبيعون الدنيا رغبة عنها بالاخرة رغبة فيها فان هؤلاء هم الذين يوجه اليهم الخطاب. لانهم الذين قد اعدوا انفسهم ووطنوها على جهاد الاعداء. لما معهم من الايمان المقتضي لذلك. واما اولئك المتثاقلون فلا يعبأ بهم. خرجوا او قعدوا. فيكون هذا نظير قوله تعالى. قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا الى اخر الايات. وقوله فان يكفر بها هؤلاء قد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين. وقيل ان معنى الاية فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار. الذين ينشرون الحياة الدنيا بالاخرة يكون على هذا الوجه الذي في محل نصب على المفعولية ومن يقاتل في سبيل الله بان يكون جهادا قد امر الله به ورسوله ويكون العبد مخلصا لله فيه قاصدا وجه الله. فيقتل او يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما. زيادة في ايمانه ودينه. وغنيمة وثناء حسنا وثواب المجاهدين في سبيل الله. الذين اعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها. واجعل لنا من لدنك هذا حث من الله لعباده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيله وان ذلك قد تعين عليهم وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه فقال وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله. والحال ان المستضعفين من الرجال والنساء والولدان. الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ومع هذا فقدنا لهم اعظم الظلم من اعدائهم. فهم يدعون الله ان يخرجه من هذه القرية الظالم اهلها لانفسهم. بالكفر والشرك وللمؤمنين بالاذى والصد عن سبيل الله. ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة يدعون الله ان يجعل لهم وليا ونصيرا. يستنقذهم من هذه القرية الظالم اهلها. فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال. والذب عن عيلاتكم واولادكم ومحارمكم لا من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار. فانه وان كان فيه فضل عظيم. ويلام المتخلف عنه اعظم لوم. فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم اعظم اجرا واكبر فائدة بحيث يكون من باب دفع الاعداء. ثم قال فقاتل هذا اخبار من الله من المؤمنين يقاتلون في سبيله. والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان. وفي ضمن ذلك عدة فوائد. منها انه بحسب ايمان العبد يكون جهاده في سبيل الله واخلاصه ومتابعته. فالجهاد في سبيل الله من اثار الايمان ومقتضياته ولوازمه. كما ان القتال في الطاغوت من شعب الكفر ومقتضياته. ومنها ان الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد. ما لا يقوم به غيره اذا كان اولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل. فاهل الحق اولى بذلك. كما قال تعالى في هذا المعنى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. ومنها ان الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق. وهو الحق والتوكل على الله فصاحب القوة والركن الوثيق يطلب منه من الصبر والثبات والنشاط ما لا يطلب ممن يقاتل عن الباطل. الذي لا حقيقة له ولا عاقبة له حميدة فلهذا قال تعالى فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا والكيد سلوك الطرق الخفية في ضرره العدو فالشيطان وان بلغ مكروه مهما بلغ فانه في غاية الضعف. الذي لا يقوم لادنى شيء من الحق. ولا لكيد الله لعباده المؤمنين وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الى ولا تظلمون فتينا. كان المسلمون اذ كانوا بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة. اي مواساة الفقراء لا الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط فانها لم تفرض الا بالمدينة. ولم يؤمروا بجهاد الاعداء لعدة فوائد. منها ان من حكمة الباري تعالى ان يشرع هذه الشرائع على وجه لا يشق عليهم. ويبدأ بالاهم فالاهم. والاسهل فالاسهل. ومنها انه لو فرض عليهم القتال مع قلة عددهم وعددهم وكثرة اعدائهم لادى ذلك الى اضمحلال الاسلام. فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها. ولغير ذلك من الحكم. وكان بعض المؤمنين يودون ان لو فرض عليهم القتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك وانما اللائق فيها القيام بما امروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة زكاة ونحو ذلك. كما قال تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا. فلما هاجروا الى المدينة وقوي الاسلام كتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك. فقال فريق من الذين يستعجلون القتال قبل ذلك. خوفا من الناس وضعفا وخورا. ربنا لما كتبت ان القتال وفي هذا تضجرهم واعتراضهم على الله. وكان الذي ينبغي لهم ضد هذه الحال التسليم لامر الله والصبر على اوامره. فعكسوا المطلوب منهم فقالوا لولا اخرتنا الى اجل قريب. اي هلا اخرت فرض القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر. وهذه الحال كثيرة ما تعرض لمن هو غير رزين واستعجل في الامور قبل وقتها. فالغالب عليه انه لا يصبر عليها وقت حلولها. ولا ينوء بحملها. بل يكون قليل الصبر ثمان الله وعظهم عن هذه الحال. التي فيها التخلف عن القتال فقال قل متاع الدنيا قليل. والاخرة خير لمن اتقى. اي التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل. فتحمل الاثقال في طاعة الله في المدة القصيرة. مما يسهل على النفوس ويخف عليها. لانها اذا علمت ان المشقة التي تنالها لا يطول لبسها هان عليها ذلك. فكيف اذا وازنت بين الدنيا والاخرة؟ وان الاخرة خير منها في ذاتها ولذاتها وزمانها فذاتها كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه ان موضع صوت في الجنة خير من الدنيا وما فيها. ولذاتها صافية عن المكدرات بل كل ما خطر بالبال او دار في الفكر من تصور لذة فلذة الجنة فوق ذلك. كما قال تعالى فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. وقال على لسان نبيه اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. واما لذات الدنيا فانها مكتوبة بانواع التنغيص الذي لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من انواع الالام والهموم والغموم. لم يكن لذلك نسبة بوجه من الوجوه. واما زمانها فان الدنيا منقضية. وعمر الانسان بالنسبة الى الدنيا شيء يسير. واما الاخرة فانها دائمة النعيم. واهلها خالدون فيها فاذا فكر العاقل في هاتين الدارين وتصور حقيقتهما حق التصور عرف ما هو احق بالايثار والسعي له والاجتهاد لطلبه. ولهذا قال والاخرة خير لمن اتقى. اي اتقى الشرك وسائر المحرمات. ولا تظلمون فتيلا. اي فسعيكم للدار الاخرة. ستجدونه كاملا موفقا غير منقوص منه شيئا. ثم اخبر انه لا يغني حذر عن قدر. وان القاعد لا يدفع عنه قعوده شيئا. فقال اينما تكونوا يدرككم الموت في اي زمان واي مكان ولو كنتم في بروج مشيدة. اي قصور منيعة ومنازل رفيعة وكل هذا حث على الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه. وتارة بالترهيب من عقوبة تركه. وتارة بالاخبار انه لا ينفع القاعدين قعودهم. وتارة بتسهيل الطريق في ثم قال ثمان هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. يخبر تعالى عن الذين لا تعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل المعارضين لهم. انهم اذا جاءتهم حسنة اي خصب وكثرة اموال وتوفر اولاد وصحة. قالوا به من عند الله وانهم ان اصابتهم سيئة اي جدوى وفقر ومرض وموت اولاد واحباب. قالوا هذه من عندك اي بسبب ما جئتنا به يا محمد تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير امثالهم برسل الله كما اخبر الله عن قوم فرعون انهم قالوا لموسى فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يتطيروا بموسى ومن معه. وقال قوم صالح قالوا اطيرنا بك وبمن معك. وقال قوم ياسين انا تطيرنا بكم لان لم تنتهوا لنرجمنكم. فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت اقوالهم واعمالهم. وهكذا كل من نسب فحصول الشر او زوال الخير لما جاءت به الرسل او لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم. قال الله في جوابهم قل كل اي من الحسنة والخير والشر من عند الله اي بقضائه وقدره وخلقه. فما لهؤلاء القوم اي الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. لا يكاد يفقهون حديث اي لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه او لا يفهمون منه الا فهما ضعيفا. وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ كن على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله. وذلك بسبب كفرهم واعراضهم. وفي ضمن ذلك مدح من يفهم عن الله وعن رسوله. والحث على كذلك وعلى الاسباب المعينة على ذلك من الاقبال على كلامهما وتدبره وسلوك الطرق الموصلة اليه. فلو فقهوا عن الله لعلموا ان الخير والشر والحسن والسيئات كلها بقضاء الله وقدره. لا يخرج منها شيء عن ذلك. وان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث هم ولا ما جاءوا به لانهم بعثوا بصلاح الدنيا والاخرة والدين. ثم قال تعالى وارسل ما اصابك من حسنة اي في الدين والدنيا فمن الله هو الذي من عليها ويسرها بتيسير اسبابها وما اصابك من سيئة في الدين والدنيا فمن نفسك اي بذنوبك وكسبك وما يعفو الله عنه اكثر فالله تعالى قد فتح لعباده ابواب احسانه. وامرهم بالدخول لبره وفضله. واخبرهم ان المعاصي مانعة من فضله. فاذا فعل العبد فلا يلومن الا نفسه فانه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره. ثم اخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قال وارسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا على انك رسول الله حقا بما ايدك بنصره والمعجزات الباهرة والبركات الرهين الساطعة فهي اكبر شهادة على الاطلاق. كما قال تعالى قل اي شيء اكبر شهادة؟ قل الله شهيد بيني وبينكم. فاذا علم ان الله تعالى على كامل العلم تام القدرة عظيم الحكمة. وقد ايد الله رسوله بما ايده. ونصره نصرا عظيما. تيقن بذلك انه رسول الله. والا فلو تقول عليه بعض الاقاويل لاخذ منه باليمين ثم لقطع منه الوتين. من يطع الرسول فقد اطاعه الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا. اي كل من اطاع رسول الله في اوامره ونواهيه فقد اطاع الله تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى الا بامر الله وشرعه ووحيه وتنزيله. وفي هذا عصمة صلى الله عليه وسلم لان الله امر بطاعته مطلقا. فلولا انه معصوم في كل ما يبلغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا. ويمدح على ذلك وهذا من الحقوق المشتركة فان الحقوق ثلاثة حق لله تعالى لا يكون لاحد من الخلق وهو عبادة الله والرغبة اليه وتوابع ذلك وقسم مختص بالرسول وهو التعزير والتوقير والنصرة وقسم مشترك وهو الايمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا. فمن اطاع الرسول فقد اطاع الله فله من الثواب والخير ما رتب على طاعة الله. ومن تولى عن طاعة الله ورسوله فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا. فما ارسلناك اي تحفظ اعمالهم واحوالهم. بل ارسلناك مبلغا ومبينا وناصحا. وقد اديت وظيفتك ووجب اجرك على الله. سواء اهتدوا لم يهتدوا كما قال تعالى فذكر انما انت مذكر. لست عليهم بمسيطر والله يكتب ما ولابد ان تكون طاعة الله ورسوله ظاهر وباطنا في الحضرة والمغيب. فاما من يظهر في الحضرة الطاعة والالتزام. فاذا خلا بنفسه او ابناء جنسه ترك الطاعة واقبل على فان الطاعة التي اظهرها غير نافعة ولا مفيدة. وقد اشبه من قال الله فيهم ويقولون طاعة اي يظهرون الطاعة اذا كانوا فاذا برزوا من عندك اي خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم. بيت طائفة منهم غير الذي تقول. اي بيتوا ودبروا غير طاعتك ولا ثم الا المعصية. وفي قوله بيت طائفة منهم غير الذي تقول دليل على ان الامر الذي استقروا عليه غير الطاعة. لان التثبيت تدبير الامر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي. ثم توعدهم على ما فعلوا فقال والله يكتب ما يبيتون. اي يحفظه عليهم وسيجازيهم عليه اتم الجزاء ففيه وعيد لهم. ثم امر رسوله بمقابلتهم بالاعراض وعدم التعنيف. فانهم لا يضرونه شيئا اذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه واقامة شرعه. ولهذا قال فاعرض عنهم وتوكل على الله. وكفى بالله وكيلا. افلا تدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا يأمر تعالى بتدبر كتابه وهو التأمل في معانيه. وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه. ولوازم فان تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف. وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم. وبه يزداد الايمان في القلب. وترسخ شجرته فانه يعرف بالرب المعبود. وما له من صفات الكمال وما ينزه عنه من سمات النقص. ويعرف الطريق الموصلة اليه وصفة اهلها وما لهم عند القدوم عليه ويعرف العدو الذي هو العدو على الحقيقة. والطريق الموصلة الى العذاب وصفة اهلها وما لهم عند وجود اسباب العقاب. وكلما زاد العبد تأملا فيه. ازداد علما وعملا وبصيرا. لذلك امر الله بذلك وحث عليه. واخبر انه هو المقصود بانزال القرآن. كما قال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليتدبروا اياته. وليتذكر اولو الالباب. وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفال ومن فوائد التدبر لكتاب الله انه بذلك يصل العبد الى درجة اليقين. والعلم بانه كلام الله لانه يراه يصدق بعضه بعضا ويوافق بعضه بعضا. فترى الحكم والقصة والاخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع. كلها متوافقة متصادقة. لا ينقض بعضها بعضا فبذلك يعلم كمال القرآن وانه من عند من احاط علمه بجميع الامور. فلذلك قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلاف كثيرا اي فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف اصلا ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليل هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وانه ينبغي لهم اذا جاءهم امر من الامور المهمة والمصالح العامة يتعلق بالامن وسرور المؤمنين او بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ان يتثبتوا ولا يستعجلوا باشاعة ذلك الخبر. بل يردونه الى الرسول والى يا اولي الامر منهم اهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة. الذين يعرفون الامور ويعرفون المصالح وضدها. فان رأوا في اذاعته مصلحة نشاطا للمؤمنين. وسرورا لهم وتحرزا من اعدائهم. فعلوا ذلك. وان رأوا انه ليس فيه مصلحة او فيه مصلحة. ولكن مضرته تزيد على لم يضيعوه. ولهذا قال لعلمه الذين يستنبطونه منهم. اي يستخرجونه بفكرهم وارائهم السديدة. وعلومهم الرشيدة وفي هذا دليل لقاعدة ادبية وهي انه اذا حصل بحث في امر من الامور ينبغي ان يولى من هو اهل لذلك ويجعل الى اهله ولا يتقدم فانه اقرب الى الصواب واحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الامور من حين سماعها. والامر بالتأمل قبل الكلام هل هو مصلحة؟ فيقدم عليه الانسان ام لا فيحجم عنه؟ ثم قال تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته اي في توفيقكم بكم وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون لاتبعتم الشيطان الا قليلا. لان الانسان بطبعه ظالم جاهل فلا تأمره نفسه الا بالشر فاذا لجأ الى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك. لطف به ربه ووفقه لكل خير. وعصمه من الشيطان الرجيم في سبيل الله لا تكلف الا نفسك وحرض المؤمنين. عسى الله ان يكف بأسنا الذين كفروا والله اشد بأسا واشد تنكيلا. هذه الحالة افضل احوال العبد ان اجتهد في نفسه على امتثال امر الله من الجهاد وغيره. ويحرض غيره عليه. وقد يعدم في العبد الامراني او احدهما. فلهذا قال لرسوله تقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك. اي ليس لك قدرة على غير نفسك. فلن تكلف بفعل غيرك. وحرض المؤمنين على القتال. وهذا يشمل كل امر يحصل به نشاط المؤمنين وقوة قلوبهم من تقويتهم والاخبار بضعف الاعداء وفشلهم. وبما اعد الله للمقاتلين من الثواب. وما على من العقاب فهذا وامثاله كله يدخل في التحريض على القتال. عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا اي بقتالكم في سبيل الله وتحريض بعض بعضا والله اشد بأسا اي قوة وعزة واشد تنكيلا بالمذنب في نفسه وتنكيلا لغيره. فلو شاء تعالى لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية. ولكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض. ليقوم سوق الجهاد ويحصل الايمان النافع. ايمان الاختيار. لا ايمان الاضطرار والقهر الذي لا يفيد شيئا