المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا فتحت على هذه السورة بالامر بتقواه والحث على عبادته والامر بصلة الارحام والحث على ذلك. وبين السبب الداعي الموجب لكل من ذلك وان الموجب لتقواه لانه ربكم الذي خلقكم ورزقكم ورباكم بنعمه العظيمة التي من جملتها خلقكم كن من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليناسبها فيسكن اليها وتتم بذلك النعمة ويحصل به السرور. وكذلك من الموجب داعي لتقوى تساؤلكم به وتعظيمكم. حتى انكم اذا اردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم. توسلتم لها بالسؤال بالله. فيقول من اريد ذلك لغيره. اسألك بالله ان تفعل الامر الفلاني لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي الا يرد من سأله بالله. فكما قمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه. وكذلك الاخبار بانه رقيب. اي مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم وعلنهم وجميع احوالهم مراقبا لهم فيها. مما يوجب مراقبته وشدة الحياء منه. بلزوم تقواه. وفي الاخبار بانه خلق من نفس واحدة وانه بثهم في اقطار الارض مع رجوعهم الى اصل واحد. ليعطف بعضهم على بعض ويرقق بعضهم على بعض. وقرن وبتقواه بالامر ببر الارحام والنهي عن قطيعتها ليؤكد هذا الحق. وانه كما يلزم القيام بحق الله. كذلك يجب القيام بحقوق الخلق خصوصا الاقربين منهم بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي امر الله به. وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالامر بالتقوى وصلة الارحام والازواج عموما. ثم بعد ذلك فصل هذه الامور اتم تفصيل. من اول السورة الى اخرها. فكأنها مبنية على هذه الامور المذكورة مفصلة لما اجمل منها موضحة لما امهم. وفي قوله وخلق منها زوجها تنبيه على مراعاة حق الازواج والزوجات والقيام لكون الزوجات مخلوقات من الازواج. فبينهم وبينهن اقرب نسب واشد اتصال. واقرب علاقة. وقوله تعالى واتوا ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم هذا اول ما اوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى الذين فقدوا اباءهم الكافلين لهم وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم. فامر الرؤوف الرحيم عباده ان يحسنوا اليهم. وان لا يقربوا اموالهم الا بالتي هي احسن وان يؤتوهم اموالهم اذا بلغوا ورشدوا كاملة موفرة والا تتبدلوا الخبيث الذي هو اكل مال اليتيم بغير حق بالطيب وهو الذي ما فيه حرج ولا تبعة. ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم اي مع اموالكم. ففيه تنبيح لقبح اكل مالهم بهذه الحالة قد استغنى بها الانسان بما جعل الله له من الرزق في ما له. فمن تجرأ على هذه الحالة فقد اتى حوبا كبيرا. اي اثما عظيما ووزرا جسيمة ومن استبدال الخبيث بالطيب ان يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس ويجعل بدله من ماله الخسيس. وفيه الولاية على اليتيم. لان من اللازم ايتاء اليتيم ماله ثبوت ولاية المؤت على ماله. وفيه الامر باصلاح مال اليتيم. لان تمام اتائه ما له حفظه. والقيام به بما يصلحه وينميه وعدم تعريضه للمخاوف والاخطار وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم. فانكحوا ما طاب لكم من فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ايوه ان خفتم الا تعدلوا في يتامى النساء التي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم الا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم اياهن. فاعدلوا الى غيرهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء. اي ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين والمال والجمال والحسب والنسب. وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن. فاختاروا على نظركم ومن احسن ما يختار من صفات الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك. وفي هذه الاية انه ينبغي للانسان ان يختار قبل النكاح. بل وقد اباح له الشارع النظر الى من يريد زوجها ليكون على بصيرة من امره. ثم ذكر العدد الذي اباحه من النساء فقال مثنى وثلاث ورباع. اي من احب ان يأخذ اثنتين فليفعل او ثلاثا فليفعل او اربعا فليفعل. ولا يزيد عليها. لان الاية سيقت لبيان الامتنان. فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى اجماعا وذلك لان الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة فابيح له واحدة بعد واحدة حتى يبلغ اربع لان في الاربع هي غنية لكل احد الا ما ندر. ومع هذا فانما يباح له ذلك اذا امن على نفسه الجور والظلم. ووثق بالقيام بحقوقهن فان خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة او على ملك يمينه فانه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين. ذلك اي الاقتصار على واحدة او ما ملكت اليمين ادنى الا تعولوا اي تظلموا. وفي هذا ان تعرض العبد للامر الذي يخاف منه الجور والظلم. وعدم القيام بالواجب ولو كان مباحا انه لا ينبغي له ان يتعرض له. بل يلزم السعة والعافية. فان العافية خير ما اعطي العبد. واتوا النساء ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن الصداق الذي يكون شيئا كثيرا. ودفعة واحدة يشق دفعه للزوجة. امرهم وحثهم على ايتاء النساء صدقاتهن. اي مهورهن نحلة اي عن طيب نفس وحال طمأنينة. فلا تنطروهن او تبخسوا منه شيئا. وفيه ان المهر يدفع الى المرأة اذا كانت مكلفة وانها تملكه بالعقد لانه اضافه اليها. والاضافة تقتضي التمليك. فان طبن لكم عن شيء منه اي من الصداق نفس سمحنا لكم عن رضا واختيار باسقاط شيء منه او تأخيره او المعاوضة عنه. فكلوه هنيئا مريئا. اي لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعه وفيه دليل على ان للمرأة التصرف في مالها ولو بالتبرع اذا كانت رشيدة فان لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم وانه ليس لوليها من الصداق شيء غير ما طابت به. وفي قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء. دليل على ان نكاح الخبيثة غير مأمور به منهي عنه كالمشركة وكالفاجرة. كما قال تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن. وقال الزانية لا ينكحها الا زاني او مشرك وقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا. السفهاء جمع سفيه وهو من لا تحسين التصرف في المال اما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوهما. واما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله الاولياء ان يؤتوها هؤلاء اموالهم خشية افسادها واتلافها. لان الله جعل الاموال قياما لعباده في مصالح دينهم ودنياهم. وهؤلاء لا يحسنون عليها وحفظها. فامر الولي الا يؤتيهم اياها. بل يرزقهم منها ويكسوهم. ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيا وان يقولوا لهم قولا معروفا بان يعدوهم اذا طلبوها انهم سيدفعوها لهم بعد رشدهم ونحو ذلك. ويلطفوا لهم في الاقوال جبرا لخواطرهم. وفي اضافته تعالى الاموال الى الاولياء. اشارة الى انه يجب عليهم ان يعملوا في اموال السفهاء. ما يفعلونه في اموالهم من الحفظ والتصرف وعدم التعريض للاخطار. وفي الاية دليل على ان نفقة المجنون والصغير والسفيه في مالهم. اذا كان لهم مال لقوله وارزقوهم فيها واكسوهم. وفيه دليل على ان قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنة والكسوة. لان الله جعله مؤتمنا على امالهم فلزم قبول قول امين دفعتم اليهم اموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا. الف ابتلاء هو الاختبار والامتحان. وذلك بان يدفع لليتيم المقارب للرشد. الممكن رشده شيئا من ما له ويتصرف فيه التصرف اللائق اله فيتبين بذلك رشده من سفهه. فان استمر غير محسن للتصرف لم يدفع اليه ما له. بل هو باق على سفهه. ولو بلغ عمرا كثيرا فان تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح فادفعوا اليهم اموالهم كاملة موفرة ولا تأكلوها اسرافا اي مجاوزة للحد في الحلال الذي اباحه الله لكم من اموالكم الى الحرام الذي حرمه الله عليكم من اموالهم. وبدارا ان يكبروا اي ولا تأكلوها في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها اخذها منكم. ولا منعكم من اكلها. تبادرون بذلك ان يكبروا. فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من امور الواقعة من كثير من الاولياء. الذين ليس عندهم خوف من الله ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم. يرون هذه الحالة حال فرصة فيغتنمون ويتعجلون ما حرم الله عليهم. فنهى الله تعالى عن هذه الحالة بخصوصها