المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي كان الله غنيا حميدا. ولله ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا اخبر تعالى عن عموم ملكيه العظيم الواسع. المستلزم تدبيره بجميع انواع التدبير. وتصرفه بانواع التصريف قدرا وشرعا فتصرفه الشرعي ان وصى الاولين والاخرين اهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للامر والنهي وتشريع والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب والمعاقبة لمن اهملها وضيعها باليم العذاب. ولهذا قال وان بان تتركوا تقوى الله وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فانكم لا تضرون بذلك الا انفسكم. ولا تضرون الله شيئا ولا تنقصون ملكه. وله عبيد خير منكم واعظم واكثر. مطيعون له خاضعون لامره. ولهذا رتب على ذلك قوله وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الارض. وكان الله غنيا حميدا. له الجود الكامل والاحسان الشامل. الصادق من خزائن رحمته التي لا ينقصها الانفاق. ولا يغيظها نفقة. سحاء الليل والنهار. لو اجتمع اهل السماوات واهل الارض اولهم واخرهم فسأل كل واحد منهم ما بلغت امانيه ما نقص من ملكه شيئا. ذلك بانه جواد واجد ماجد عطاؤه كلام وعذابه كلام. انما امره لشيء اذا اراد ان يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه انه كامل اوصاف اذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه لكان فيه نوع افتقار الى ذلك الكمال بل له كل الصفة كمال ومن تلك الصفة ومن تمام غناه انه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا في ملكه ولا ظهيرا ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع احوالهم وشؤونهم اليه. وسؤالهم اياه جميع حوائجهم الدقيقة الجليلة فقام تعالى بتلك المطالب والاسئلة واغناهم واغناهم ومن عليهم بلطفه وهداهم. واما الحميد ومن اسماء الله تعالى الجليلة. الدال على انه هو المستحق لكل حمد ومحبة وثناء واكرام. وذلك لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفة الجمال والجلال. ولما انعم به على خلقه من النعم الجزال. فهو المحمود على كل حال. وما احسن اقتران هذين اسمين الكريمين الغني الحميد فانه غني محمود. فله كمال من غناه. وكمال من حمده. وكمال من اقتران احدهما بالاخر ثم كرر احاطة ملكه لما في السماوات وما في الارض وانه على كل شيء وكيل. اي عالم قائم بتدبير الاشياء على وجه الحكمة فان ذلك من تمام الوكالة. فان الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه. والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره. وكون ذلك ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة. فما نقص من ذلك فهو لنقص الوكيل. والله تعالى منزه عن كل نقص وكان الله على ذلك قديرا اي هو الغني الحميد الذي له القدرة الكاملة والمشيئة النافذة فيكم. ان يشأ يذهبكم ايها الناس ويأتي باخرين غيركم. هم اطوع لله من وخير منكم. وفي هذا تهديد للناس على اقامتهم على كفرهم واعراضهم عن ربهم. فان الله لا يعبأ بهم شيئا ان لم يطيعوه ولكنه يمهل ويملي ولا يهمل ثم اخبر ان من كانت همته وارادته دنية غير متجاوزة ثوابه الدنيا وليس له ارادة في الاخرة فانه قد قصر سعيه ونظره. ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له ومنها فانه تعالى هو المالك لكل شيء. الذي عنده ثواب الدنيا والاخرة. فليطلبا منه ويستعان به عليهما. فان انه لا ينال ما عنده الا بطاعته. ولا تدرك الامور الدينية والدنيوية الا بالاستعانة به والافتقار اليه على الدوام. وله الحكمة تعالى في توفيقه من يوفقه وخذلان من يخذله. وفي عطائه ومنعه. ولهذا قال وكان الله سميعا بصيرا ثم قال تعالى بسم الله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين. ان يكن غني او فقيرا فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا. وان تلبوا او تعرضوا ان الله كان بما تعملون خبيرا. يأمر تعالى عباده المؤمنين ان يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله والقوام صيغة مبالغة. اي كونوا في كل احوالكم قائمين بالقسط. الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده. فالقسط في حقوق الله الا يستعان بنعمه على معصيته. بل تصرف في طاعته. والقسط في حقوق الادميين. ان تؤدي جميع الحقوق التي عليه كما تطلب حقوقك فتؤدي النفقات الواجبة والديون. وتعامل الناس بما تحب ان يعاملوك به من الاخلاق. والمكافأة وغير ذلك ومن اعظم انواع القسط القسط في المقالات والقائلين فلا يحكم لاحد القولين او احد المتنازعين لانتسابه او ميله لاحدهما بل يجعل وجهته بينهما ومن القسط اداء الشهادة التي عندك على اي وجه كان. حتى على الاحباب. بل على النفس. ولهذا قال شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين. ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما. اي فلا تراعوا الغني لغناه ولا الفقير بزعمكم رحمة له. بل اشهدوا بالحق على من كان. والقيام بالقسط من اعظم الامور وادلها على دين القائم به ووراءه ومقامه في الاسلام. فيتعين على من نصح نفسه واراد نجاتها. ان يهتم له غاية الاهتمام. وان يجعله نصب عينيه محل ارادته وان يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن ارادة القسط او العمل به. واعظم عائق لذلك اتباع الهوى هذا نبه تعالى على ازالة هذا المانع بقوله فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا. اي فلا تتبعوا شهوات انفسكم المعارضة للحق فانكم ان اتبعتموها عدلتم عن الصواب ولم توفقوا للعدل. فان الهوى اما ان يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا الباطل حقا واما ان يعرف الحق ويتركه لاجل هواه. فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي الى الصراط المستقيم ولما بين ان الواجب القيام بالقسط نهى عن ما يضاد ذلك. وهو لي اللسان عن الحق في الشهادات وغيرها. وتحريف النطق عن الصواب المقصود من كل وجه او من بعض الوجوه ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها او تأويل الشاهد على امر اخر فان هذا من الليل لانه الانحراف عن الحق. او تعرض اي تترك القسط المنوط بكم كترك الشاهد لشهادته وترك الحاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به. فان الله كان بما تعملون خبيرا. اي محيط بما فعلتم يعلم اعمالكم خفية وجليها. وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي او يعرض. ومن باب اولى واحرى الذي يحكم بالباطل او يشهد بالزور. لانه واعظم جرم لان الاولين تركا الحق وهذا تركا الحق وقام بالباطل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا اعلم ان الامر اما ان يوجه الى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه. فهذا يكون امرا له في الدخول فيه. وذلك كامر من ليس بمؤمن بالايمان. كقوله تعالى يا ايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم. واما ان توجه الى من دخل في الشيء فهذا يكون امره ليصحح ما وجد منه. ويحصل ما لم يوجد. ومنه ما ذكره الله في هذه الاية. من ان المؤمنين بالايمان. فان ذلك يقتضي امرهم بما يصحح ايمانهم من الاخلاص والصدق. وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات ويقتضي ايضا الامر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الايمان واعماله. فانه كلما وصل اليه نص وفهم معناه واعتقده. فان ذلك من الايمان المأمور به. وكذلك سائر الاعمال الظاهرة والباطنة. كلها من الايمان. كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة. واجمع عليه سلف الامة ثم الاستمرار على ذلك والثبات عليه الى الممات. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته. ولا تموتن الا وانتم مسلمون. وامر هنا بالايمان به وبرسله وبالقرآن وبالكتب المتقدمة. فهذا كله من الايمان الواجب الذي لا يكون العبد مؤمنا الا به. اجمالا فيما لم يصل اليه تفصيله. وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل. فمن امن هذا الايمان المأمون امر به فقد اهتدى وانجح. ومن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. فقد ضل ضلالا بعيدا. واي ضلال ال ابعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم. وسلك الطريق الموصلة له الى العذاب الاليم. واعلم ان الكفر بشيء من هذه الامور المذكورة كالكفر بجميعها لتلازمها وامتناع وجود الايمان ببعضها دون بعض اي من تكرر منه الكفر بعد الايمان فاهتدى ثم ضل وابصر ثم عمي وامن ثم كفر واستمر على كفره وازداد منه فانه بعيد من التوفيق والهداية لاقوم طريق. وبعيد من المغفرة كونه اتى باعظم مانع يمنعه من حصولها. فان كفره يكون عقوبة وطبعا لا يزول. كما قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ودلت الاية انهم ان لم يزدادوا كفرا. بل رجعوا الى ايمان وتركوا ما هم عليه من الكفران فان الله يغفر لهم ولو تكررت منهم الردة. واذا كان هذا الحكم في الكفر فغير من المعاصي التي دونه من باب اولى ان العبد لو تكررت منه ثم عاد الى التوبة عاد الله له بالمغفرة الذين يتخذون الكافرين اولياء ايبتغون عندهم العزة فان العزة البشارة تستعمل في الخير وتستعمل في الشر بقيد كما في هذه الاية. يقول تعالى المنافقين اي الذين اظهروا الاسلام وابطنوا الكفر باقبح بشارة واسوأها وهو العذاب الاليم. وذلك بسبب محبتهم الكفر وموالاتهم ونصرتهم وتركهم لموالاة المؤمنين. فاي شيء حملهم على ذلك؟ ايبتغون عندهم العزة؟ وهذا هو الواقع من احوال المنافقين ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين. ولحظوا بعض الاسباب التي عند الكافرين. وقصر فنظروهم عما وراء ذلك فاتخذوا الكافرين اولياء يتعززون بهم ويستنصرون. والحال ان العزة لله جميعا فان نواصي العباد يده ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين. ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين وازالة العدو عليهم ادالة غير مستمرة. فان العاقبة والاستقرار للمؤمنين. وفي هذه الاية الترهيب العظيم من موالاة كافرين وترك موالاة المؤمنين. وان ذلك من صفات المنافقين. وان الايمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم. وبغض كافرين وعداوتهم