المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا هاتان الايتان اصل في رخصة القصر وصلاة الخوف. يقول تعالى واذا ضربتم في الارض اي في السفر وظاهر انه يقتضي الترخص في اي سفر كان ولو كان سفر معصية كما هو مذهب ابي حنيفة رحمه الله وخالف في ذلك الجمهور وهم الائمة الثلاث وغيرهم فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية تخصيصا للاية بالمعنى والمناسبة فان الرخصة سهولة من الله لعباده اذا سافروا ان يقصروا والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف. وقوله فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة. اي لا حرج ولا اثم عليكم في ذلك لا ينافي ذلك كون القصر هو الافضل. لان نفي الحرج ازالة لبعض الوهم واقع في كثير من النفوس. بل ولا ينافي الوجوب كما تقدم ذلك في سورة بقرة في قوله ان الصفا والمروة من شعائر الله وازالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة لان الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه صفتي التامة ولا يزيل هذا عن نفوس اكثرهم الا بذكر ما ينافيه. ويدل على افضلية القصر على الاتمام امران. احدهما ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع اسفاره. والثاني ان هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد. والله تعالى يحب ان تؤتى رخصه. كما يكره ان تؤتى وقوله ان تقصروا من الصلاة ولم يقل ان تقصروا الصلاة فيه فائدتان احداهما انه لو قال ان تقصروا الصلاة لكان القصر منضبط بحد من الحدود. فربما ظن انه لو قصر معظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لاجزأ. فاتيانه بقوله من الصلاة ليدل ذلك على ان القصر محدود مضبوط. مرجوع فيه الى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. الثانية ان من تفيد التبعيض ليعلم بذلك ان القصر لبعض الصلوات المفروضات لا جميعها فان الفجر والمغرب لا يقصران وانما الذي يقصر الصلاة الرباعية من اربعة الى ركعتين فاذا تقرر ان القصر في السفر رخصة فاعلم ان المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد. وهو قوله ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا الذي يدل ظاهره ان القصر لا يجوز الا بوجود الامرين كليهما السفر مع الخوف. ويرجع حاصل اختلافهم الى انه هل المراد بقوله ان تقصروا قصر العدد فقط او قصر العدد والصفة. فالاشكال انما يكون على الوجه الاول. وقد اشكل هذا على امير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد امنا؟ اي والله يقول ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق الله بها عليكم. فاقبلوا صدقته. او كما قال على هذا يكون هذا القيد اوتي به نظرا لغالب الحال. التي كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عليها. فان غالب اسفارهم اسفار جهاد. وفي فيه فائدة اخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر. فبين في هذه الاية انهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة. وهي اجتماع والسفر والخوف ولا يستلزم ذلك الا يقصر مع السفر وحده. الذي هو مظنة المشقة. واما على الوجه الثاني وهو ان المراد بالقصر. قصر العدد والصفة فان القيد على بابه فاذا وجد السفر والخوف جاز قصر العدد وقصر الصفة. واذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط او الخوف وحده جاز قصر الصفة. ولذلك اتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله ولتأتي طائفة ود الذين كفروا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة. اي صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم علمه ما ينبغي لك ولهم فعله. ثم فسر ذلك بقوله فالتقم طائفة منهم معك. اي وطائفة قائمة بازاء العدو. كما يدل على ذلك ما يأتي فاذا سجدوا اي الذين معك اي اكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود. وانه ركن من اركانها بل هو واعظم اركانها فليكونوا من ورائكم. ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا. وهم الطائفة الذين قاموا بازاء العدو. فليصلوا معك. دل ذلك لان الامام يبقى بعد انصراف الطائفة الاولى منتظرا للطائفة الثانية. فاذا حضروا صلى به ما بقي من صلاته. ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم ثم يسلم بهم وهذا احد الوجوه في صلاة الخوف. فانها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة. كلها جائزة وهذه الاية تدل على ان صلاة الجماعة فرض عين من وجهين احدهما ان الله تعالى امر بها في هذه الحالة الشديدة وقت اشتداد الخوف من الاعداء وحذر فاذا اوجبها في هذه الحالة الشديدة فايجابها في حالة الطمأنينة والامن من باب اولى واحرى. والثاني ان المصلين صلاة الخوف فيها كثيرا من الشروط واللوازم. ويعفى فيها عن كثير من الافعال المبطلة في غيرها. وما ذاك الا لتأكد وجوب الجماعة. لانه لا تعارض في نواجب ومستحب فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الامور اللازمة لاجلها. وتدل الاية الكريمة على ان الاولى والافضل ان يصلوا بامام واحد ولو تضمن ذلك الاخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة ائمة. وذلك لاجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرقك كلمتهم وليكون ذلك اوقع هيبة في قلوب اعدائهم. وامر تعالى باخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف. وهذا وان كان فيه حركة واشتغال من بعض باحوال الصلاة فان فيه مصلحة راجحة. وهو الجمع بين الصلاة والجهاد. والحذر من الاعداء الحريصين غاية الحرص على الايقاع بالمسلمين. والميل عليهم على امتعتهم. ولهذا قال تعالى ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم. فيميلون عليكم ميلة واحدة. ثمان الله عذر من له عذر من مرض او مطر ان يضع سلاحه ولكن مع اخذ الحذر فقال ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا. ومن العذاب المهين ما امر الله به حزبه المؤمنين وانصاره صار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم ويأخذوهم ويحصروهم ويقعدو لهم كل مرصد ويحذروهم في جميع الاحوال ولا يغفل عنهم خشية ان ينالوا الكفار بعض مطلوبهم فيهم. فلله اعظم حمد وثناء على ما من به على المؤمنين. وايدهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الاوقات. وفي قوله فاذا سجدوا فليكونوا من وراء يدل على ان هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم الى موضع الحارسين. وان الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الاخرى وقبل السلام لانه اولا ذكر ان الطائفة تقوم معه فاخبر عن مصاحبتهم له. ثم اضاف الفعل بعد اليهم دون الرسول. فدل ذلك على ما وفي قوله ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك. دليل على ان الطائفة الاولى قد صلوا وان جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الامام حقيقة في ركعتهم الاولى وحكما في ركعتهم الاخيرة. فيستلزم ذلك انتظار الامام اياهم حتى يكملوا صلاتهم. ثم يسلموا بهم وهذا ظاهر للمتأمل انا جنوبكم فاذا اطمئنتم فاقيموا الصلاة ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. اي فاذا فرغتم من صلاتكم صلاة الخوف وغيرها. فاذكروا الله في جميع احوالكم وهيئاتكم لكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد. منها ان القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالانابة الى الله تعالى في المحبة وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه. واعظم ما يحصل به هذا المقصود. الصلاة التي حقيقتها انها صلة بين العبد وبين ربه ومنها ان فيها من حقائق الايمان ومعارف الايقان. ما اوجب ان يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة. ومن المعلوم ان صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة. بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف. فامر بجبرها بالذكر بعدها. ومنها ان الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه؟ ما هو مظنة لضعفه؟ واذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو. والذكر لله والاكثار منه من اعظم مقويات القلب. ومنها ان الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات. سبب للفلاح والظفر بالاعداء كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فامر بالاكثار ساري منه في هذه الحال الى غير ذلك من الحكم. وقوله فاذا اطمئننتم فاقيموا الصلاة. اي اذا امنتم من الخوف واطمأنت قلوبكم وابدانكم فاتموا صلاتكم على الوجه الاكمل. ظاهرا وباطنا باركانها وشروطها وخشوعها وسائر مكملاتها ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. اي مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها وان لها وقتا لا تصح الا به وهو هذه الاوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم. واخذوا ذلك عن نبيه محمد صلى الله عليه عليه وسلم بقوله صلوا كما رأيتموني اصلي. ودل قوله على المؤمنين على ان الصلاة ميزان الايمان. وعلى حسب العبد تكون صلاته وتتم وتكمل. ويدل ذلك على ان الكفار وان كانوا ملتزمين لاحكام المسلمين. كاهل الذمة انهم ايخاطبون بفروع الدين كالصلاة ولا يؤمرون بها. بل ولا تصح منهم ما داموا على كفرهم. وان كانوا يعاقبون عليها وعلى سائر الاحكام في الاخرة يرجون وكان الله عليما حكيما. اي لا تضعفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار. اي في والمرابطة على ذلك فان وهن القلب مستدع لوهن البدن. وذلك يضعف عن مقاومة الاعداء. بل كونوا اقوياء نشيطين في قتالهم ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين فذكر شيئين. الاول ان ما يصيبكم من الالم والتعب والجراح ونحو ذلك. فانه يصيب اعدائكم فليس من المروءة الانسانية والشهامة الاسلامية. ان تكونوا اضعف منهم وانتم وهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك ان العادة الجارية انه لا يضعف الا من توالت عليه الالام. وانتصر عليه الاعداء على الدوام. لا من يدال مرة ويدال عليه اخرى الامر الثاني انكم ترجون من الله ما لا يرجون. فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه. بل خواص المؤمنين لهم مقاصد غالية وامال رفيعة من نصر دين الله واقامة شرعه. واتساع دائرة الاسلام وهداية الضالين وقمع اعداء الدين هذه الامور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة. وتضاعف النشاط والشجاعة التامة. لان من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي انا ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والاخروية والفوز برضوان الله وجنته. فسبحان من فاوت بين العباد وفرق وبينهم بعلمه وحكمته. ولهذا قال وكان الله عليما حكيما. كامل العلم كامل الحكمة انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا يخبر تعالى انه انزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق. اي محفوظا في انزاله من الشياطين. ان يتطرق اليه منهم باطل. بل نزل بالحق مشتملا ايضا على الحق فاخباره صدق واوامره ونواهيه عدل. وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. واخبر انه انزله ليحكم بين الناس وفي الاية الاخرى وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم. فيحتمل ان هذه الاية في الحكم بين الناس في مسائل النزاع الاختلاف وتلك في تبيين جميع الدين واصوله وفروعه. ويحتمل ان الايتين كليهما معناهما واحد. فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والاعراض والاموال وسائر الحقوق. وفي العقائد وفي جميع مسائل الاحكام. وقوله بما اراك الله اي لا بهواك بل بما علمك الله والهمك. كقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله من جميع الاحكام وغيرها. وانه يشترط في الحكم العلم والعدل لقوله بما اراك الله ولم يقل بما رأيت. ورتب ايضا الحكم بين الناس على معرفة الكتاب. ولما امر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم. الذي هو ضد العدل. فقال ولا تكن للخائنين خصيما. اي لا خاصم عمن عرفت خيانته من مدع ما ليس له او منكر حقا عليه سواء علم ذلك او ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في الباطل والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية. ويدل مفهوم الاية على جواز الدخول في نيابة الخصومة ان لم يعرف منه ظلم واستغفر الله ان الله كان غفورا رحيما. واستغفر الله مما صدر من ان صدر ان الله كان غفورا رحيما. اي يغفر الذنب العظيم لمن استغفره وتاب اليه واناب. يوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجب لثوابه وزوال عقابه. ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما. ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم. الاختيان والخيانة بمعنى الجناية والظلم والاثم. وهذا يشمل النهي عن المجادلة عمن اذنب. وتوجه عليه عقوبة من حد او تعزير. فانه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة. او بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. ان الله لا يحب من كان خوانا اثيرا فيما اي كثير الخيانة والاثم واذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البغض. وهذا كالتعليل للنهي المتقدم. ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين انهم وهذا من ضعف الايمان ونقصان اليقين. ان تكون مخافة الخلق عندهم اعظم من مخافة الله. فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس. وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم. ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم وهو معهم بالعلم في جميع احوالهم خصوصا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول من تبرئة الجاني ورمي البريء بالجناية والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه فقد جمعوا بين عدة جنايات ولم يراقبوا رب الارض والسماوات المطلعة على الى سرائرهم وضمائرهم. ولهذا توعدهم تعالى بقوله وكان الله بما يعملون محيطا. اي قد احاط بذلك علما. ومع هذا لم يعادلهم بالعقوبة بل استأنى بهم وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الاصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة صيغة ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة امن يكون عليهم وكيلا اي هبكم جادلتم عنهم في هذه في الحياة الدنيا ودفع عنهم جدالكم بعض ما يحذرون من العار والفضيحة عند الخلق. فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة وتشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيه الله دينهم الحق ويعلمون ان الله هو الحق المبين. فمن يجادل عنه من يعلم السر واخفى. ومن اقام عليه من الشهود ما لا يمكن معه الانكار. وفي هذه الاية الارشاد الى المقابلة بينما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك اوامر الله. او في يعني مناهيه وبينما يفوت من ثواب الاخرة او يحصل من عقوباتها فيقول من امرته نفسه بترك امر الله ها انت تركت امره وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الاخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران وكذلك اذا دعته نفسه الى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة. قال لها هبك فعلت ما اشتهيتي فان لذته تنقضي من الهموم والغموم والحسرات. وفوات الثواب وحصول العقاب. ما بعضه يكفي العاقل في الاحجام عنها. وهذا من اعظم ما ينفع العبد تدبره وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف من يدعي العقل وليس كذلك. فانه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة هنا ولو ترتب عليها ما ترتب والله المستعان. ثم قال تعالى ومن يعمل سوء اي من تجرأ على المعاصي واقتحم على الاثم ثم استغفر الله استغفارا عما يستلزم الاقرار بالذنب والندم عليه والاقلاع والعزم على الا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة فيغفر له ما صدر منه من الذنب. ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب. ويعيد اليه ما تقدم من الاعمال الصالحة. ويوفقه في ما يستقبله من عمره ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه. لانه قد غفر واذا غفر غفر ما يترتب عليه. واعلم ان عمل السوء عند الاطلاق يشمل سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة. وسمي سوءا لكونه يسوء عامله بعقوبته. ولكونه في نفسه سيئا غير حسن. وكذلك ظلم النفس عند الاطلاق. يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران احدهما بالاخر قد فسروا كل واحد منهما بما يناسبه. فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس. وهو ظلمهم في دمائهم واموالهم واعراضهم ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده. وسمي ظلم النفس ظلما. لان نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء وانما هي ملك لله تعالى. قد جعلها امانة عند العبد. وامره ان يقيمها على طريق العدل بالزامها الصراط المستقيم علما وعملا. فيسعى في تعليمها ما امر به. ويسعى في العمل بما يجب. فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل الذي ضده الجور والظلم. ثم قال ومن يكسب اثما فان انما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما. ومن يكسب اثما فانما يكسب على نفسه وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير. فمن كسب سيئة فان عقوبتها الدنيوية والاخروية على نفسه لا اعداها الى غيره. كما قال تعالى ولا تزر وازرة وزر اخرى. لكن اذا ظهرت السيئات فلم تنكر. عمت عقوبتها وشمل اسمها فلا تخرج ايضا عن حكم هذه الاية الكريمة. لان من ترك الانكار الواجب فقد كسب سيئة. وفي هذا بيان عدل الله وحكمته انه لا يعاقب احدا بذنب احد. ولا يعاقب احدا اكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه. ولهذا قال وكان الله عليما اي له العلم الكامل والحكمة التامة. ومن علمه وحكمته انه يعلم الذنب وما صدر منه. والسبب الداعي لفعله. والعقوبة المترتبة على فعله ويعلم حالة المذنب انه ان صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الامارة بالسوء مع انابته الى ربه في كثير كثير من اوقاته انه سيغفر له ويوفقه للتوبة. وان صدر منه بتجرؤه على المحارم. استخفافا بنظر ربه وتهاونا بعتق فان هذا بعيد من المغفرة. بعيد من التوفيق للتوبة. ثم قال ومن يكسب خطيئة او اثما ثم يرمي به ثم يرمي به بريء فقد احتمل بهتانا واثما مبينا. ومن يكسب خطيئة اي ذنبا كبيرا او اثم ما دون ذلك ثم يرمي به اي يتهم بذنبه بريئا من ذلك الذنب وان كان مذنبا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا. اي فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء. واثما ظاهرا بينا. وهذا يدل على ان ذلك من كبائر الذنوب فانه قد جمع عدة مفاسد كسب الخطيئة والاثم ثم رمي من لم يفعلها بفعلها ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه سهام البريء ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية. تندفع عمن وجبت عليه وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على كذلك ايضا من كلام الناس في البريء. الى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر. ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن اراد ان يضله فقال وما يضلون الا وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم. وعلمك ما لم تكن تعلم ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وذلك ان هذه الايات الكريمات قد ذكر المفسرون ان سبب نزولها ان اهل بيت سرقوا في المدينة فلما اطلع على الى سرقتهم خافوا الفضيحة واخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك واستعان السارق بقومه ان يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلب منه ان يبرئ صاحبهم على رؤوس الناس وقالوا انه لم يسرق وانما الذي سرق من وجدت الثقة ببيته وهو البريء. فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبرأ صاحبهم. فانزل الله هذه الايات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين. فان المخاصمة عن المبطل من الضلال. فان الضلال نوعان ضلال في العلم وهو الجهل بالحق. وضلال في العمل وهو العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال. كما حفظ عن الضلال في الاعمال. واخبر ان كيدهم ومكرهم يعود على انفسهم كحالة كل ماكر. فقال وما يضلون الا انفسهم لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم يحصل لهم فيه مقصودهم ولم يحصل لهم الا بالخيبة والحرمان والاثم والخسران. وهذا نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم. يتضمن النعمة بالعمل وهو التوفيق لفعل ما يجب. والعصمة له عن كل محرم. ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال وانزل الله عليك الكتاب والحكمة اي انزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه كل شيء وعلم الاولين والاخرين. والحكمة اما السنة التي قد قال فيها بعض السلف ان السنة تنزل عليه كما ينزل القرآن القرآن واما معرفة اسرار الشريعة الزائدة على معرفة احكامها. وتنزيل الاشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه علمك ما لم تكن تعلم. وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فانه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. ووجدك ضالا فهدى. ثم لم يزل يوحي الله اليه ويعلمه ويكمله. حتى ارتقى مقامه من العلم يتعذر وصوله على الاولين والاخرين. فكان اعلم الخلق على الاطلاق واجمعهم لصفات الكمال واكملهم فيها. ولهذا اذا قال وكان فضل الله عليك عظيما. ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. اعظم من فضله على كل الخلق اجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤه ولا يتيسر احصاؤه