المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون. واذا لم يكن فيه خير فاما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح واما شر ومضرة محضة. كالكلام المحرم بجميع انواعه. ثم استثنى تعالى فقال الا من امر بصدقة من مال او علم او اي نفع كان بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه. كما قال النبي صلى الله عليه سلم ان بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تهليلة صدقة وامر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع احدكم صدقة. الحديث او معروف وهو الاحسان والطاعة. وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه. واذا اطلق الامر بالمعروف من غير ان يقرن بالنهي عن المنكر. دخل فيه النهي عن المنكر. وذلك لان ترك المنهيات من المعروف. وايضا لا يتم فعل الخير الا بترك الشر. واما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور. والمنكر بترك المنهي او اصلاح بين والاصلاح لا يكون الا بين متنازعين متخاصمين. والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره. فلذلك تحث الشارع على الاصلاح بين الناس في الدماء والاموال والاعراض. بل وفي الاديان. كما قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما. فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى الى امر الله. وقال الله تعالى والصلح خير. والساعي في الاصلاح بين الناس. افضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة المصلح لا بد ان يصلح الله سعيه وعمله. كما ان السعي في الافساد لا يصلح الله عمله. ولا يتم له مقصوده. كما قال الله تعالى ان الله لا يصلح عمل المفسدين. فهذه الاشياء حيثما فعلت فهي خير. كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الاجر امامه بحسب النية والاخلاص. ولهذا قال ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما. فلهذا ينبغي للعبد ان وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت. وفي كل جزء من اجزاء الخير. ليحصل له بذلك الاجر العظيم. وليتعود الاخلاص فيكون من المخلصين وليتم له الاجر سواء تم مقصوده ام لا. لان النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ان الله لا يغفر ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا. اي ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به من بعد ما تبين له الهدى بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية. ويتبع غير سبيل المؤمنين. وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم واعمالهم نوله ما تولى. اي نتركه وما اختاره لنفسه ونخذله. فلا نوفقه للخير. لكونه رأى الحق وعلمه وتركه. فجزاء من الله عدلا ان يبقيه في ضلاله حائرا. ويزداد ضلالا الى ضلاله. كما قال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. وقال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ويدل مفهومها على ان من لم يشاقق رسول ويتبع غير سبيل المؤمنين بان كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين ثم صدر منه من الذنوب او بها ما هو من مقتضيات النفوس وغلبات الطباع. فان الله لا يوليه نفسه وشيطانه. بل يتداركه بلطفه ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء. كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين اي بسبب اخلاصه صرفنا عنه السوء. وكذلك كل مخلص كما يدل عليه عموم التعليل. وقوله ونصله جهنم نعذبه فيها عذابا عظيما. وساءت مصيرا. اي مرجعا له ومآلا. وهذا الوعيد المترتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين مراتب لا يحصيها الا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا. فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان. ومنه ما هو دون ذلك فلعل الاية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق وهو ان الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. بمن هو مالك النفع والضر. الذي ما من نعمة الا منه ولا يدفع النقم الا هو. الذي اله الكمال المطلق من جميع الوجوه. والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات. فمن اعظم الظلم وابعد الضلال. عدم اخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء. ولا له من صفات الغنى شيء. بل ليس له الا العدم عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى. والفقر من جميع الوجوه. واما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة. ان شاء الله غفره برحمته وحكمته. وان شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته. وقد استدل بهذه الاية الكريمة على ان اجماع هذه حجة وانها معصومة من الخطأ. ووجه ذلك ان الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار. وسبيل المؤمنين مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والاعمال. فاذا اتفقوا على ايجاب شيء او استحبابه او تحريمه او كراهته او اباحته فهذا سبيلهم. فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد اجماعهم عليه فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. ووجه الدلالة منها ان الله تعالى ان المؤمنين من هذه الامة لا يأمرون الا بالمعروف. فاذا اتفقوا على ايجاب شيء او استحبابه فهو مما امروا به. فيتعين بنصها الاية ان يكون معروفا ولا شيء بعد المعروف غير المنكر. وكذلك اذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه. فلا يكون الا منكر ومثل ذلك قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. فاخبر تعالى ان هذه الامة نهى الله وسطا اي عدلا خيارا ليكونوا شهداء على الناس. اي في كل شيء فاذا شهدوا على حكم بان الله امر به او نهى عنه او اباحه فان شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم. فلو كان الامر بخلاف ذلك لم معادلين في شهادتهم ولا عالمين بها. ومثل ذلك قوله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول. يفهم منها ان ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه انهم غير مأمورين برده الى الكتاب والسنة. وذلك لا يكون الا موافقا للكتاب والسنة لا يكون مخالفا. فهذه الادلة ونحوها تفيد القطع ان اجماع هذه الامة حجة قاطعة. ولهذا بين الله قبح ولا للمشركين بقوله ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله. وقال لاتخذن ان من عبادك نصيبا مكروضا اي ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله الا اناثا. اي اوثانا واصنافا مسميات باسماء الاناث كالعزى ومناة ونحوهما. ومن المعلوم ان الاسم دال على المسمى. فاذا كانت اسماؤها اسماء مؤنثة ناقصة دل ذلك على نقص المسميات بتلك الاسماء وفقدها لصفات الكمال. كما اخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه انها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها. بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا. ولا تنصر انفسها ممن يريدها بسوء. وليس لها اسماع ولا ابصار ولا افئدة. فكيف يعبد من هذا وصفه؟ ويترك الاخلاص لمن له الاسماء الحسنى. والصفات العليا والحمد والكمال المجد والجلال والعز والجمال. والرحمة والبر والاحسان والانفراد بالخلق والتدبير والحكمة العظيمة في الامر والتقدير. هل الا من اقبح القبيح الدال على نقص صاحبه. وبلوغه من الخسة والدناءة ادنى ما يتصوره متصور. او يصفه واصف ومع هذا فعبادتهم انما صورتها فقط لهذه الاوثان الناقصة. وبالحقيقة ما عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم. الذي يريد اهلاكهم ويسعى في ذلك بكل ما يقدر عليه. الذي هو في غاية البعد من الله. لعنه الله وابعده عن رحمته. فكما ابعدهم الله عن رحمته يسعى في ابعاد العباد عن رحمة الله. انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. ولهذا اخبر الله عن سعيه في العباد وتزيين الشر لهم والفساد. وانه قال لربه مقسما لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. اي مقدرا لمن لعين انه لا يقدر على اغواء جميع عباد الله. وان عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان. وانما سلطانه على من تولاه اثر طاعته على طاعة مولاه. واقسم في موضع اخر ليغوينهم اجمعين. الا عبادك منهم المخلصين. فهذا الذي الخبيث وجزم به اخبر الله تعالى بوقوعه بقوله ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين وهذا النصيب المفروض الذي اقسم لله ليتخذه منهم ذكر ما يريد بهم وما يقصده لهم بقوله ولامرنهم فليبتكن ولاضلنهم اي عن الصراط المستقيم ضلالا الم في العلم وضلالا في العمل. ولامنينهم اي مع الاضلال لامنينهم ان ينالوا ما ناله المهتدون. وهذا هو الغرور بعينه فلم يقتصر على مجرد اضلالهم حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال. وهذا زيادة شر الى شرهم. حيث عملوا اعمال اهل النار الموجبة للعقوبة وحسبوا انها موجبة للجنة. واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم. فانهم كما حكى الله عنهم وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم. وكذلك زينا لكل امة عملهم. قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. وقال تعالى عن المنافقين انهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين الم نكن معكم؟ قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور. وقوله ولامرنهم فليبتكن اذان الانعام. اي بتقطيع اذانها وذلك البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. فنبه ببعض ذلك على جميعه. وهذا نوع من الاضلال يقتضي تحريم ما احل الله او ما حرم الله ويلتحق بذلك من الاعتقادات الفاسدة والاحكام الجائرة ما هو من اكبر الاضلال. ولامرنهم فليغيرن القى الله وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم والوشر والنمص والتفلج للحسن. ونحو ذلك مما اغواهم به الشيطان فغير خلقة الرحمن. وذلك يتضمن التسخط من خلقته. والقدح في حكمته واعتقاد ان ما يصنعونه بايديهم احسن من خلقة الرحمن عدم الرضا بتقديره وتدبيره. ويتناول ايضا تغيير الخلقة الباطنة. فان الله تعالى خلق عباده حنفاء. مفطورين على قبول الحق وايثاره فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل. وزينت لهم الشر والشرك والكفر والفسوق والعصيان. فان كل مولود يولد على الفطر ولكن ابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه. ونحو ذلك مما يغيرون به ما فطر الله عليه العباد من توحيده وحب به ومعرفته. فافترستهم الشياطين في هذا الموضع افتراس السبع والذئاب للغنم المنفردة. لولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين لجرى عليه ما جرى على هؤلاء المفتونين. وهذا الذي جرى عليهم من توليهم عن ربهم وفاطرهم. وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه فخسروا الدنيا والاخرة ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة. ولهذا قال ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله الهي فقد خسر خسرانا مبينا. واي خسائر ابين واعظم ممن خسر دينه ودنياه. واوبقته معاصيه وخطاياه. فحصل له الشقاء الابدي وفاته النعيم السرمدي. كما ان من تولى مولاه واثر رضاه ربح كل الربح. وافلح كل الفلاح وفاز سعادة الدارين واصبح قرير العين. فلا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت. اللهم تولنا فيمن توليت. وعافنا فيمن عافيت ثم قال اي الشيطان من يسعى في اضلالهم. والوعد يشمل حتى الوعيد. كما قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر. فانه يعدهم اذا انفقوا في سبيل الله افتقروا ويخوفهم اذا جاهدوا بالقتل وغيره. كما قال تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه. ويخوف عند ايثار مرضات الله بكل ما يمكن وما لا يمكن. مما يدخله في عقولهم حتى يكسلوا عن فعل الخير. وكذلك يمنيهم الاماني الباطلة التي هي عند التحقيق كالسراب الذي لا حقيقة له. ولهذا قال وما يعدهم الشيطان الا غرورا آآ اولئك مأواهم جهنم اي من انقاد للشيطان واعرض عن ربه وصار من اتباع ابليس وحزبه مستقرهم النار ولا يجدون عنها محيصا مخلصا ولا ملجأ بل هم خالدون فيها ابد الاباد