وان استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا استسقى اي طلب لهم ماء ان يشربون منه فقلنا اضرب بعصاك الحجر اما حجر مخصوص معلوم عنده واما اسم جنس انفجرت منه اثنتا عشرة عينا. وقبائل بني اسرائيل اثنتا عشرة قبيلة. قد علم كل اناس منهم مشربهم. اي محلهم الذي يشربون عليه من هذه الاعين. فلا يزاحم بعضهم بعضا بل يشربونه متهنئين لا متكدرين. ولهذا قال كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعسوا في الارض مفسدين. كلوا واشربوا من رزق الله اي الذي اتاكم من غير سعي ولا تعب ولا تعثوا في الارض مفسدين. اي تخربوا على وجه الافساد اي واذكروا اذ قلتم لموسى على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها. لن نصبر على طعام واحد اي جنس من الطعام وان كان كما تقدم انواعا لكنها لا تتغير تنبت الارض من بقرها. يخرج لنا منا وعدسها وبصرها. فادعو لنا ربك يخرج لنا من ما تنبت الارض من بقلها اي نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه. وقثائها وهو الخيار وفومها اي ثومها والعدس والبصل معروف. قال لهم موسى اتستبدلون الذي هو ادنى وهو الاطعمة المذكورة بالذي هو خير وهو المن والسلوى. فهذا غير لائق بكم. فان هذه الاطعمة التي طلبتم اي مصر هبطتموه واما طعامكم الذي من الله به عليكم فهو خير الاطعمة واشرفها فكيف تطلبون به بدلا؟ ولما كان الذي جرى منهم فيه اكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لاوامر الله ونعمه. جازاهم من جنس عملهم. فقال المسكنة وباؤوا لغضب من الله وضربت عليهم الذلة التي تشاهد على ظاهر ابدانهم والمسكنة بقلوبهم. فلم تكن انفسهم عزيزة. ولا لهم همم عالية. بل انفسهم انفس مهينة وهممهم ارداء الهمم. وباءوا بغضب من الله. اي لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا. الا ان رجعوا بسخطه عليهم. فبئست الغنيمة غنيمتهم وبئسة الحالة حالتهم. ذلك بانهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون ذلك الذي استحقوا به غضبه بانهم كانوا يكفرون بايات الله الدالات على الحق لهم فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم. وبما كانوا يقتلون النبيين بغير الحق. وقوله بغير الحق زيادة الشناعة والا فمن المعلوم ان قتل النبي لا يكون بحق. لكن لان لا يظن جهلهم وعدم علمهم. ذلك بما عصوا كانوا يعتدون. ذلك بما عصوا بان ارتكبوا معاصي الله وكانوا يعتدون على عباد الله. فان المعاصي يجر بعضا في الغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير. ثم ينشأ عنه الذنب الكبير. ثم ينشأ عنها انواع البدع والكفر وغير ذلك. فنسأل الله خافية من كل بلاء. واعلم ان الخطاب في هذه الايات لامة بني اسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن. وهذه الافعال مذكورة خوطبوا بها وهي فعل اسلافهم. ونسبت اليهم لفوائد عديدة. منها انهم كانوا يتمدحون ويزكون انفسهم. ويزعمون اللهم على محمد ومن امن به. فبين الله من احوال سلفهم التي قد تقررت عندهم. ما يبين به لكل احد منهم انهم ليسوا من اهل الصبر ومكارم بالاخلاق ومعالي الاعمال. فاذا كانت هذه حالة سلفهم مع ان المظنة انهم اولى وارفع حالة ممن بعدهم. فكيف الظن بالمخاطب ومنها ان نعمة الله على المتقدمين منهم نعمة واصلة الى المتأخرين. والنعمة على الاباء نعمة على الابناء. فخوطبوا بها لانها نعم تشملهم وتعمهم. ومنها ان الخطاب لهم بافعال غيرهم. مما يدل على ان الامة المجتمعة على دين تتكافل ساعدوا على مصالحها حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد. وكان الحادث من بعدهم حادثا من الجميع. لان ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع وما يعمله من الشر. يعود بضرر الجميع. ومنها ان افعالهم اكثرها لم ينكروها. والراضي معصيتي شريك للعاصي الى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها الا الله. ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية ان امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وهذا الحكم على اهل الكتاب خاصة لان الصابئين الصحيح انهم من جملة فرق النصارى. فاخبر الله ان المؤمنين من هذه الامة واليهود والنصارى والصابئين من امن منهم بالله واليوم الاخر وصدقوا رسلهم فان لهم الاجر العظيم والامن ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. واما من كفر منهم لله ورسوله واليوم الاخر. فهو بضد هذه الحال. فعليه الخوف والحزن. والصحيح ان هذا الحكم بين هذه الطوائف من حيث هم. لا بالنسبة الى الايمان بمحمد. فان هذا اخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. وان هذا مضمون احوالهم وهذه طريقة القرآن اذا وقع في بعض النفوس عند سياق الايات بعض الاوهام فلابد ان تجد ما يزيل ذلك الوهم لانه تنزيل من يعلم الاشياء قبل وجودها ومن وسعت كل شيء. وذلك والله اعلم انه لما ذكر بني اسرائيل وذمهم. وذكر معاصيهم وقبائحهم. ربما وقع في بعض النفوس انهم كلهم يشملهم الذم فاراد الباري تعالى ان يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه. ولما كان ايضا ذكر بني اسرائيل خاصة يوهم الاختصار بهم ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها. ليتضح الحق. ويزول التوهم والاشكال. فسبحان من اودع في كتابه ما يبهر عقوله العالمين ثم عاد تبارك وتعالى يوبخ بني اسرائيل بما فعل سلفهم. وان اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم اي واذكروا اذ اخذ ميثاقكم وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم. برفع الطور فوقهم. وقيل لهم خذوا ما اتيناكم من التوراة بقوة. اي واجتهاد وصبر على اوامر الله. واذكروا ما فيه اي ما في كتابكم بان تتلوه وتتعلموه. لعلكم تتقون عذاب الله وسخطه. او تكون من اهل التقوى. فبعد هذا التأكيد البليغ توليتم واعرظتم وكان ذلك موجبا لان يحل بكم اعظم العقوبات ولكن لولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين. ولقد علمتم الذين اعتدوا من كن في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسرين. اي ولقد تقرر عندكم حالة الذين اعتدوا منكم في السبت وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الاعراف. في قوله واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر. اذ يعدون في السبت. فاوجب لهم هذا الذنب العظيم ان غضب الله عليهم وجعلهم قردة خاسئين حقيرين ذليلين سيء وما خلفا وموعظة للمتقين وجعل الله هذه العقوبة مكانا لما بين يديها اي لمن حضرها من الامم. وبلغه خبرها ممن هو في وقتهم. وما خلفها اي من بعدهم فتقوم على للعباد حجة الله وليرتدعوا عن معاصيه. ولكنها لا تكون موعظة نافعة الا للمتقين. واما من عاداهم فلا ينتفعون بالايات