يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون يخبر تعالى بما من به على عباده بانه فرض عليهم الصيام كما فرضه على الامم السابقة. لانه من الشرائع والاوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان. وفيه تنشيط لهذه الامة بانه ينبغي لكم ان تنافسوا غيركم في تكميل الاعمال. والمسارعة الى صالح الخصال وانه ليس من الامور الثقيلة التي اختصيتم بها. ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام. فقال لعلكم تتقون فان الصيام من اكبر اسباب التقوى لان فيه امتثال امر الله واجتناب نهيه. فمما اشتمل عليه من التقوى ان الصائم يترك ما حرم الله عليه من الاكل والشرب والجماع ونحوها. التي تميل اليها نفسه متقربا بذلك الى الله. راجيا بتركها ثوابه. فهذا من التقوى ومنها ان الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه منها ان الصيام يضيق مجاري الشيطان. فانه يجري من ابن ادم مجرى الدم. فبالصيام يضعف نفوذه. وتقل منه المعاصي. ومنها ان الصائم في الغالب تكثر طاعته. والطاعات من خصال التقوى. ومنها ان الغني اذا ذاق الم الجوع اوجب له ذلك مواساة الفقراء ده مين؟ وهذا من خصال التقوى لا سفر فعدة من ايام اخر. وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسك فمن تطوع خيرا فهو خير له. وان تصوموا خير لكم من ولما ذكر انه فرض عليهم الصيام اخبر انه ايام معدودات اي قليلة في غاية السهولة ثم سهل تسهيلا اخر. فقال فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. وذلك للمشقة في رخص الله لهما في الفطر. ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن امرهما ان يقضياه في ايام اخر. اذا زال مرض وانقضى السفر وحصلت الراحة وفي قوله فعدة من ايام فيه دليل على انه يقضي عدد ايام رمضان كاملا كان وعلى انه يجوز ان يقضي اياما قصيرة باردة عن ايام طويلة حارة كالعكس. وقوله وعلى الذين يطيقونه ان يطيقون الصيام فدية عن كل يوم يفطرون طعام مسكين. وهذا في ابتداء فرض الصيام لما كانوا غير معتادين للصيام وكان فرضه حتما فيه مشقة عليهم درجهم الرب الحكيم باسهل طريق. وخير المضيق للصوم بين ان يصوم. وهو افضل او يطعم ولهذا قال وان تصوموا خير لكم. ثم بعد ذلك جعل الصيام حتما على المطيق. وغير المطيق يفطر ويقضيه في ايام وقيل وعلى الذين يطيقونه ان يتكلفونه ويشق عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير فدية عن كل يوم وهذا هو الصحيح شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى هدى للناس وبينات من الهدى فمن شهد منكم الشهر فليصم. ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون. شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اي الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان. الشهر العظيم الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم. وهو القرآن الكريم المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية. وتبيين الحق باوضح بيان والفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال واهل السعادة واهل الشقاوة. فحققوا بشهر هذا فضله. وهذا احسان الله عليكم فيه. ان يكون موسما للعباد مفروضا فيه في الصيام فلما قرره وبين فضيلته وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه هذا فيه تعيين الصيام على القدر الصحيح الحاضر. ولما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصة. اعاد الرخصة للمريض والمسافر. لئلا يتوهم ان الرخصة ايضا منسوخة. فقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. اي يريد الله تعالى ان ييسر عليكم الطرق الموصلة الى رضوانه اعظم تيسير ويسهلها اشد تسهيل. ولهذا كان جميع ما امر الله به عباده في غاية السهولة في اصله. واذا حصلت بعض عوارض موجبة لثقله سهله تسهيلا اخر. اما باسقاطه او تخفيفه بانواع التخفيفات. وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لان تفاصيلها جميع الشرعيات ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات. ولتكملوا العدة وهذا والله اعلم. لان لا يتوهم متوهم ان صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه رفع هذا الوهم بالامر بتكميل عدته. وبشكر الله تعالى عند اتمامه على توفيقه تسهيله وتبيينه لعباده. وبالتكبير عند انقضائه ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال الى فراغ خطبة العيد واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع. اجيب دعوة فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون هذا جواب سؤال سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه فقالوا يا رسول الله اقريب ربنا فنناجيه ام بعيد فنناديه؟ فنزل واذا سألك عبادي عني فاني قريب. لانه تعالى الرقيب الشهيد المطلع على السر واخفى خائنة الاعين وما تخفي الصدور. فهو قريب ايضا من داعيه بالاجابة. ولهذا قال اجيب دعوة الداعي اذا دعان. والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة. والقرب نوعان قرب بعلمه من كل خلقه. وقرب من عابديه وداعيه بالاجابة والمعونة والتوفيق. فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع. ولم يمنع مانع من اجابة الدعاء كاكل الحرام ونحوه. فان الله قد وعدهم بالاجابة وخصوصا اذا اتى باسباب اجابة الدعاء وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لاوامره ونواهيه القولية والفعلية والايمان به الموجب للاستجابة. فلهذا قال فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. اي يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية الايمان والاعمال الصالحة. ويزول عنهم الغي المنافي للايمان والاعمال الصالحة. ولان الايمان بالله والاستجابة لامره سبب لحصول العلم كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. ثم قال تعالى كالصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن. علم الله وانكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالان باشروهن حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. ولا تباشروهن انتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها. كذلك يبين الله اياته كان في اول فرض الصيام يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الاكل والشرب اجتماع فحصلت المشقة لبعضهم فخفف الله تعالى عنهم ذلك. فاباح في ليالي الصيام كلها الاكل والشرب والجماع. سواء نام او لم لكونهم يختانون انفسهم بترك بعض ما امروا به. فتاب الله عليكم بان وسع لكم امرا كان لولا توسعته موجبا للاثم وعفا عنكم ما سلف من التخون. فالان بعد هذه الرخصة والسعة من الله باشروهن وطئا وقبلة ولمسا وغير ذلك وابتغوا ما كتب الله لكم. اينوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب الى الله تعالى. والمقصود الاعظم من الوطء. وهو حصول الذرية واعفاف فرجه وفرج زوجته وحصول مقاصد النكاح. ومما كتب الله لكم ليلة القدر الموافقة لليالي صيام رمضان فلا ينبغي لكم ان تشتغلوا بهذه اللذة عنها وتضيعوها. فاللذة مدركة وليلة القدر اذا فاتت لم تدرك. وكلوا واشربوا حتى تبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. هذا غاية للاكل والشرب والجماع. وفيه انه اذا اكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه وفيه دليل على استحباب السحور للامر. وانه يستحب تأخيره اخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد. وفيه ايضا دليل على الا انه يجوز ان يدركه الفجر وهو جنب من الجماع. قبل ان يغتسل ويصح صيامه. لان لازم اباحة الجماع الى طلوع الفجر. ان الفجر وهو جنب ولازم الحق حق. ثم اذا طلع الفجر اتموا الصيام اي الامساك عن المفطرات الى الليل. وهو غروب الشمس ولما كان اباحة الوطء في ليالي الصيام ليست اباحته عامة لكل احد. فان المعتكف لا يحل له ذلك. استثناه بقوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد. اي وانتم متصفون بذلك. ودلت الاية على مشروعية الاعتكاف. وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى وانقطاعا اليه. وان الاعتكاف لا يصح الا في المسجد. ويستفاد من تعريف المساجد انها المساجد المعروفة عندهم وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس. وفيه ان الوطء من مفسدات الاعتكاف. تلك المذكورات وهو تحريم الاكل والشرب والجماع. ونحوه من المفطرات في الصيام وتحريم الفطر على غير المعذور وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات حدود الله التي حدها بعباده ونهاهم عنها. فقال فلا تقربوها ابلغ من قوله فلا تفعلوها. لان القربان يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه والنهي عن وسائله الموصلة اليه. والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد عنها غاية ما يمكنه. وترك كل سبب يدعو اليها. واما الاوامر فيقول الله فيها تلك حدود الله فلا تعتدوها فينهى عن مجاوزتها كذلك اي بين الله لعباده الاحكام السابقة اتم تبيين واوضحها لكم اكمل ايضاح. يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون. فانهم اذا بان لهم الحق اتبعوه واذا تبين لهم الباطل اجتنبوه فان الانسان قد يفعل المحرم على وجه الجهل بانه محرم. ولو علم تحريمه لم يفعله. فاذا بين الله اياته لم يبق لهم عذر ولا حجة. فكان ذلك سببا للتقوى