المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي وهذا رد على اليهود بزعمهم الباطل ان نسخ غير جائز فكفروا بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لانهما قد اتيا بما يخالف بعض احكام التوراة بالتحليل والتحريم. فمن تمام الانصاف في المجادلة الزامهم بما في كتابهم التوراة من ان جميع انواع الاطعمة محلبة رسالة لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه اي من غير تحريم من الله تعالى بل حرمه على لما اصابه عرق النسا نذر لئن شفاه الله تعالى ليحرمن احب الاطعمة عليه فحرم فيما يذكرون لحوم الابل والبانها وتبعهم وبنوه على ذلك وكان ذلك قبل نزول التوراة. ثم نزل في التوراة اشياء من المحرمات غير ما حرم اسرائيل. مما كان حلالا لهم طيبا كما قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم. وامر الله رسوله ان انكروا ذلك ان يأمرهم باحضار التوراة فاستمروا بعد هذا على الظلم والعناد. فلهذا قال تعالى واي ظلم اعظم من ظلم من يدعى الى تحكيم كتابه. فيمتنع من ذلك عنادا وتكبرا وتجبرا وهذا من اعظم الادلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقيام الايات البينات المتنوعات على صدقه. وصدق من نبأه واخبره بما اخبره به من الامور التي لا يعلمها الا باخبار ربه له بها. فلهذا قال تعالى قل صدق الله اي فيما اخبر به وحكم. وهذا امر من الله لرسوله ولمن يتبعه. ان يقولوا بالسنتهم. صدق الله بذلك في قلوبهم عن ادلة يقينية. مقيمين هذه الشهادة على من انكرها. ومن هنا تعلم ان اعظم الناس تصديقا لله. اعظمهم علما ويقينا بالادلة التفصيلية السمعية والعقلية. ثم امرهم باتباع ملة ابيهم ابراهيم عليه السلام. بالتوحيد وترك الشرك. الذي هو السعادة وبتركه حصول الشقاوة. وفي هذا دليل على ان اليهود وغيرهم ممن ليس على ملة ابراهيم مشركون غير موحدين ولما امرهم باتباع ملة ابراهيم في التوحيد وترك الشرك. امرهم باتباعه بتعظيم بيته الحرام. بالحج وغيره. فقال ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين يخبر تعالى عن شرف هذا البيت الحرام وانه اول بيت وضعه الله للناس يتعبدون فيه لربهم فتغفر اوزارهم وتقال عثارهم ويحصل لهم به من الطاعات والقربات ما ينالون به رضا ربهم والفوز بثوابه والنجاة من عقابه. ولهذا قال مباركا اي فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية. كما قال الله تعالى ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام. وهدى للعالمين والهدى نوعان هدى في المعرفة وهدى في العمل. فالهدى في العمل ظاهر. وهو ما جعل الله فيه من انواع التعبدات المختصة به. واما هدى علم فيما يحصل لهم بسببه من العلم بالحق بسبب الايات البينات. التي ذكر الله تعالى في قوله ومن دخله كان امنا الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فيه ايات بينات. اي ادلة واضحات وبراهين قاطعات. على انواع من العلوم الالهية والمطالب العالية كالادلة على توحيده ورحمته وحكمته. وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة جوده. وما من به على اوليائه وانبيائه. فمن من الايات مقام ابراهيم يحتمل ان المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان وكان ملصقا في جدار الكعبة. فلما كان عمر رضي الله عنه وضعه في مكانه الموجود فيه الان. والاية فيه قيل اثر قدمي ابراهيم قد اثرت في الصخرة وبقي ذلك الاثر الى اوائل هذه الامة. وهذا من خوارق العادات. وقيل ان الاية فيهما اودعه الله في القلوب من تعظيم وتكريمه وتشريفه واحترامه. ويحتمل ان المراد بمقام ابراهيم انه مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها فيكون على هذا جميع اجزاء الحج ومفرداته ايات بينات. كالطواف والسعي ومواضعها. والوقوف بعرفة ومزدلفة رمي وسائر الشعائر. والاية في ذلك ما جعله الله في القلوب من تعظيمها واحترامها. وبذل نفائس النفوس والاموال في الوصول اليها تحمل كل مشقة لاجلها. وما في ضمنها من الاسرار البديعة والمعاني الرفيعة. وما في افعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن احصاء بعضها ومن الايات البينات فيها ان من دخله كان امنا شرعا وقدرا. فالشرع قد امر الله ورسوله ابراهيم ثم رسوله محمد باحترامه وتأمين من دخل والا يهاج حتى ان التحريم في ذلك شمل صيودها واشجارها ونباتها. وقد استدل بهذه الاية من ذهب منها من العلماء ان من جنى جناية خارج الحرم ثم لجأ اليه انه يأمن ولا يقام عليه الحد حتى يخرج منه. واما تأمينها قدرا ان الله تعالى بقضائه وقدره وضع في النفوس حتى نفوس المشركين به الكافرين بربهم احتراما. حتى ان الواحد منهم مع شدة ونعرتهم وعدم احتمالهم للضيم يجد احدهم قاتل ابيه في الحرم فلا يهيجه. ومن جعله حرما ان كل من اراده بسوء فلا بد فان يعاقبه عقوبة عاجلة كما فعل باصحاب الفيل. وقد رأيت لابن القيم ها هنا كلاما حسنا. احببت ايراده لشدة الحاجة اليه. قال لا فائدة ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. حج البيت مبتدأ وخبره في احد المجرورين قبله. والذي يقتضيه المعنى ان يكون في قوله على الناس لانه وجوب. والوجوب يقتضي على ويجوز ان يكون في قوله ولله لانه متضمن الوجوب استحقاق ويرجح هذا التقدير ان الخبر محط الفائدة وموضعها. وتقديمه في هذا الباب في نية التأخير. فكان الاحسن ان يكون ولله على الناس ويرجح الوجه الاول بان يقال قوله حج البيت على الناس اكثر استعمالا في باب الوجوب من ان يقال حج البيت لله اي حق واجب لله فتأمله. وعلى هذا ففي تقديم المجرور الاول وليس بخبر فائدتان احداهما انه اسم للموجب للحج فكان احق بالتقديم من ذكر الوجوب. فتضمنت الاية ثلاثة امور مرتبة بحسب الوقائع. احدها الموجب لهذا فرض فبدأ بذكره والثاني مؤدي الواجب وهو المفترض عليه وهم الناس. والثالث النسبة والحق المتعلق به ايجابا وبهم وجوبا واداء وهو الحج. والفائدة الثانية ان الاسم المجرور من حيث كان اسما لله سبحانه. وجب الاهتمام بتقديمه تعظيما لحرمة هذا الواجب الذي اوجبه وتخويفا من تضييعه. اذ ليس ما اوجبه الله سبحانه بمثابة ما يوجبه غيره. واما قوله من فهي بدل وقد استهوى طائفة من الناس القول بانها فاعل بالمصدر. كانه قال ان يحج البيت من استطاع اليه سبيلا. وهذا القول يضعف من وجوه منها ان الحج فرض عين. ولو كان معنى الاية ما ذكره لافهم فرض الكفاية. لانه اذا حج المستطيعون برأت ذمم غيرهم. لان معنى يؤول الى ولله على الناس حج البيت مستطيعهم. فاذا ادى المستطيعون الواجب لم يبق واجبا على غير المستطيعين. وليس الامر كذلك بل الحج فرض عين على كل احد. حج المستطيعون او قعدوا. ولكن الله سبحانه عذر غير المستطيع بعجزه عن اداء الواجب. فلا يؤاخذهم وبه ولا يطالبه بادائه. فاذا حج سقط الفرض عن نفسه وليس حج المستطيعين بمسقط الفرض عن العاجزين. واذا اردت زيادة ايضاح فاذا قلت واجب على اهل هذه الناحية ان يجاهد منهم الطائفة المستطيعون للجهاد. فاذا جاهدت تلك الطائفة انقطع تعلق الوجوب في غيرهم واذا قلت واجب على الناس كلهم ان يجاهد منهم المستطيع. كان الوجوب متعلقا بالجميع. وعذر العاجز بعجزه. ففي نظم الاية على اهذا الوجه دون ان يقال؟ ولله حج البيت على المستطيعين. هذه النكتة البديعة فتأملها. الوجه الثاني ان اضافة الى الفاعل اذا وجد اولى من اضافته الى المفعول. ولا يعدل عن هذا الاصل الا بدليل من قول. فلو كان من هو الفاعل لاضيف المصدر اليه فكان يقال ولله على الناس حج من استطاع. وحمله على باب يعجبني ضرب زيد عمرا. وفيما يفصل فيه بين المصدر وفاعله المضاف اليه بالمفعول والظرف حمل على المكتوب المرجوح. وهي قراءة ابن عامر قتل اولادهم شركاءهم فلا يسار اليه. واذا ثبت ان من بذل بعض من كل وجب ان يكون في الكلام ضمير يعود الى الناس كأنه قيل من استطاع منهم وحذف هذا الضمير في اكثر كلامي لا يحسن وحسنه ها هنا امور منها ان من واقعة على من لا يعقل كالاسم المبدل منه فارتبطت به ومنها انها موصولة بما هو اخص من الاسم الاول. ولو كانت الصلة اعم لقبح حذف الضمير العائد. ومثال ذلك اذا قلت رأيت اخوتك من ذهب الى السوق منهم كان قبيحا. لان الذاهب الى السوق اعم من الاخوة. وكذلك لو قلت البس الثياب ما حسن وجمل. يريد منها ولم يذكر الضمير كان ابعد في الجواز لان لفظ ما حصل اعم من الثياب. وباب البعض من الكل ان يكون اخص من المبدل منه. فاذا اذا كان اعم واضفته الى ضمير او قيدته بضمير يعود الى الاول. ارتفع العموم وبقي الخصوص. ومما حسن حذف المضاف في هذه ايضا مع كما تقدم طول الكلام بالصلة والموصول. واما المجرور من قوله لله فيحتمل وجهين. احدهما ان يكون في موضع من سرير كأنه نعت نكرة قدم عليها. لانه لو تأخر لكان في موضع النعت لسبيل. والثاني ان يكون متعلقا بالسبيل. فان قلت كيف يتعلق به وليس فيه معنى الفعل؟ قيل السبيل لما كان عبارة ها هنا عن الموصل الى البيت من قوت وزاد ونحوهما كان فيه رائحة فعل ولم يقصد به السبيل الذي هو الطريق. فصلح تعلق المجرور به. واقتضى حسن النظم واعجاز اللفظ تقديم المجرور. وان كان موضعه تأخير لانه ضمير يعود على البيت. والبيت هو المقصود به الاعتناء. وهم يقدمون في كلامهم ما هم به اهم. وببيانه اعني هذا السهيلي وهذا بعيد جدا. بل الصواب في متعلق الجار والمجرور. وجه اخر احسن من هذين. ولا يليق بالاية سواه وهو الوجود المفهوم من قوله على الناس اي يجب لله على الناس الحج فهو حق واجب لله. واما تعليقه بالسبيل وجعله حالا منها ففي غاية البعد فتأمل ولا يكاد يخطر بالبال من الاية. وهذا كما تقول لله عليك الصلاة والزكاة والصيام. ومن فوائد الاية واسرارها انه سبحانه اذا ذكر ما يوجبه ويحرمه. بذكره بلفظ الامر والنهي وهو الاكثر وبلفظ الايجاب والكتابة والتحريم نحو كتب عليكم الصيام. حرمت عليكم الميتة. قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم. وفي الحج اتى بهذا اللفظ الدال على تأكد الوجوب من عشرة اوجه احدها انه قدم اسمه تعالى وادخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص. ثم ذكر من اوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليه حرف على ابدل منه اهل الاستطاعة. ثم نكر السبيل في سياق الشرط ايذانا بانه يجب الحج على اي سبيل تيسرت من قوت او مال فعلق الوجوب بحصون ما يسمى سبيلا. ثم اتبع ذلك باعظم التهديد بالكفر. فقال ومن كفر اي لعدم التزامه في هذا الواجب وتركه ثم عظم الشأن واكد الوعيد باخباره ما يستغنى به عنه. والله تعالى هو الغني الحميد ولا حاجة به الى حج احد وانما في ذكر استغنائه عنه هنا من الاعلام بمقته له وسخطه عليه. واعراضه بوجهه عنه. ما هو اعظم التهديد وابلغه؟ ثم اكد ذلك بذكر اسم العالمين عموما. ولم يقل فان الله غني عنه. لانه اذا كان غنيا عن العالمين كلهم فله الغنى الكامل التام من كل وجه كل اعتبار فكان ادل لعظم مقته لتارك حقه الذي اوجبه عليه. ثم اكد هذا المعنى باداة ان الدالة على التأكيد فهذه اوجه تقتضي تأكد هذا الفرض العظيم. وتأمل سر البدل في الاية المقتضي لذكر الاسناد مرتين. مرة باسناده الى عموم الناس ومرة باسناده الى خصوص المستطيعين. وهذا من فوائد البدل. تقوية المعنى وتأكيده بتكرر الاسناد. ولهذا كان في نية تكرار العامل واعادته. ثم تأمل ما في الاية من الايضاح بعد الابهام والتفصيل بعد الاجمال. وكيف تضمن ذلك ايراد الكلام في صورتين وخلتين اعتناء به وتأكيد لشأنه. ثم تأمل كيف افتتح هذا الايجاب بذكر محاسن البيت وعظم شأنه؟ بما تدعو النفوس الى قصده وحجه ان لم يطلب ذلك منها فقال ان اول بيت فوصفه بخمس صفات احدها كونه اسبق بيوت العالم وضع في الارض الثاني انه مبارك والبركة كثرة الخير ودوامه. وليس في بيوت العالم ابرك منه ولا اكثر خيرا ولا ادوم ولا انفع للخلائق ثالث انه هدى ووصفه بالمصدر نفسه مبالغة. حتى كأنه نفس الهدى. الرابع ما تضمن من الايات البينات التي تزيد على اربعين اية. الخامس الامن الحاصل لداخله. وفي وصفه بهذه الصفات دون ايجاب قصده. ما يبعث النفوس على حجه. وان شطت بالزائر الديار وتناءت بهم الاقطار. ثم اتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات. وهذا يدل على الاعتناء منه سبحانه لهذا البيت العظيم والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه والرفعة من قدره. ولو لم يكن له شرف الا اضافته اياه الى نفسه بقوله وطهر بيتي لكفى بهذه الاضافة فضلا وشرفا. وهذه الاضافة هي التي اقبلت بقلوب العالمين اليه. وسلبت نفوسهم حياله وشوقا الى رؤيته هذه المثابة للمحبين يثوبون اليه ولا يقضون منه وطرا ابدا. كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا واليه اشتياقا. فلا الوصال قالوا يشفيهم ولا البعاد يسليهم كما قيل اطوف به والنفس بعد مشوقة اليه وهل بعد الطواف تداني؟ والثم منه اطلب برد ما بقلبي من شوق ومن هيمان. فوالله ما ازداد الا صبابة. ولا القلب الا كثرة الخفقان جنة المأوى ويا غاية المنى. ويا منيتي من دون كل اماني. ابت غلبات الشوق الا تقربا اليك. فمالي بالبعاد يدان وما كان صد عنك صد ملامة ولي شاهد من مقلتي ولساني. دعوت اصطباري عنك بعدك والبكاء. فلبى البكاء الصبر عنك عصاني. وقد زعموا ان المحب اذا نأى سيبلى هواه بعد طول زمان. ولو كان هذا الزعم حقا لكان لا دواء الهوى في الناس كل زمان. بلى انه يبلي المحب وانه على حاله لم يبله الملواني. وهذا محب قاده الشوق والهوى بغير زمام قائد وعنان. اتاك على بعد المزار ولونت مطيته جاءت به القدمان انتهى كلامه رحمه الله قل يا اهل الكتاب لم تكفرون بايات الله والله شهيد على ما تعملون. قل يا اهل الكتاب امين ما تصدون عن سبيل الله من امن تبغونها عوجا وانتم شهداء يوبخ تعالى اهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بايات الله التي انزلت الله على رسله. التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها اليه. ويستدلون بها على جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة. فهؤلاء كفرة جمعوا بين الكفر بها وصد من امن بالله عنها. وتحريفها وتعويجها عما جعلت له. وهم شاهدون بذلك عالمون بان ما فعلوه اعظم الكفر الموجب لاعظم العقوبة. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. فلهذا توعدهم هم هنا بقوله وما الله بغافل عما تعملون. بل محيط باعمالكم ونياتكم ومكركم السيء. فمجازيكم عليه اشر الجزاء. لما اتوعدهم ووبخهم عطف برحمته وجوده واحسانه. وحذر عباده المؤمنين منهم لان لا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون. فقال يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين. وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم. وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم. كما قال الله تعالى ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. ثم ذكر تعالى السبب الاعظم والموجب الاكبر لثبات المؤمنين على ايمانهم. وعدم تزلزلهم عن ايقانهم. وان ذلك من ابعد الاشياء. فقال تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله. ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم. وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله؟ اي الرسول بين اظهره بكم يتلو عليكم ايات ربكم كل وقت وهي الايات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه في وجه من الوجوه خصوصا والمبين لها افضل الخلق واعلمهم وافصحهم وانصحهم وارأفهم بالمؤمنين. الحريص على هداية الخلق وارشادهم بكل طريق يقدر عليه. فصلوات الله وسلامه عليه. فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين. فلم يبق في نفوس القائلين مقالا. ولم يترك في طلب الخير مجالا. ثم اخبر ان من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر. واستعان به على كل خير فقد هدي الى صراط مستقيم. موصل له الى غاية المرغوب. لانه جمع بين اتباع الرسول في اقواله وافعاله واحواله. وبين الاعتصام بالله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا انتم مسلمون. هذا امر من الله لعباده المؤمنين ان يتقوه حق تقواه. وان يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه الى الممات فان من عاش على شيء مات عليه. فمن كان في حال صحته ونشاطه وامكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته. منيبا اليه على دوام ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة. وتقوى الله حق تقواه. كما قال ابن مسعود وهو ان يطاع فلا يعصى. ويذكر فلا ويشكر فلا يكفر. وهذه الاية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى. واما ما يجب على العبد منها فكما قال تعالى فاتقوا الله اه ما استطعتم وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا. يجمعها فعل ما امر الله به وترك كل ما نهى الله عنه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعلن فالف بين قلوبكم فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون. ثم امرهم تعالى بما يعينهم على التقوى. وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله وكون دعوة المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين. فان في اجتماع المسلمين على دينهم وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم. وبالاجتماع يتمكنون من كل امر من الامور. ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدوها من التعاون على البر والتقوى. كما ان بالافتراق والتعادي يختل نظامهم. وتنقطع روابطهم. ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوته في نفسه ولو ادى الى الضرر العام ثم ذكرهم تعالى نعمته وامرهم بذكرها. فقال واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء يقتل بعضكم بعضا ويأخذ بعضكم مال بعض. حتى ان القبيلة يعادي بعضهم بعضا. واهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال وكانوا في سر عظيم. وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعثه الله وامنوا به واجتمعوا على الاسلام. وتآلوا نفت قلوبهم على الايمان. كانوا كالشخص الواحد من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض. ولهذا قال انقذكم منها. اي قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها الا ان تموتوا فتدخلوها. فانقذكم منها بما من عليكم من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. كذلك يبين الله لكم اياته ان يوضحها ويفسرها ويبين لكم حق من الباطل والهدى من الضلال. لعلكم تهتدون بمعرفة الحق والعمل به. وفي هذه الاية ما يدل على ان الله يحب من عباده ان يذكر نعمته بقلوبهم والسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة. وليزيدهم من فضله واحسانه. وان من اعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية الى الاسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. واولئك هم المفلحون. اي وليكن منكم ايها المؤمنون الذين من الله عليهم بالايمان والاعتصام بحبله امة اي جماعة يدعون الى الخير وهو اسم جامع لكل ما يقرب الى الله ويبعد من سخطه. ويأمرون بالمعروف وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه. وينهون عن المنكر وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه. وهذا ارشاد من الله للمؤمنين. ان يكون منهم جماعة متصدية للدعوة الى سبيله وارشاد الخلق الى دينه ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين. والوعاظ الذين يدعون اهل الاديان الى الدخول في دين الاسلام. ويدعون المنحرفين الى الاستقامة والمجاهدون في سبيل الله والمتصدون لتفقد احوال الناس والزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الاسلام وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد اهل الاسواق ومنعه من الغش والمعاملات الباطلة. وكل هذه الامور من فروض الكفايات كما تدل عليه الاية الكريمة في قوله ولتكن منكم امة. اي لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الاشياء المذكورة. ومن المعلوم المتقرر ان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. فكل ما تتوقف هذه الاشياء عليه فهو مأمور به. كالاستعداد للجهاد بانواع العدد التي يحصل بها نكاية الاعداء وعز الاسلام. وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة الى الخير وسائلها ومقاصدها. وبناء المدارس للإرشاد والعلم ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال. وغير ذلك مما تتوقف هذه الامور عليه هذه الطائفة المستعدة للدعوة الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين. ولهذا قال تعالى عنهم واولئك هم المفلحون الفائزون بالمطلوب الناجون من المرهوب. ثم نهاهم عن التشبه باهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم. فقال كونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ومن العجائب ان اختلافهم من بعد ما جاءهم البينات. الموجبة لعدم التفرق والاختلاف. فهم اولى من غيرهم بالاعتصام بالدين. فعكسوا القضية مع علم بمخالفتهم امر الله فاستحقوا العقاب البليغ. ولهذا قال تعالى واولئك لهم عذاب عظيم فاما الذين اسودت وجوههم كفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. واما الذين وجوههم ففي رحمة الله. ففي رحمة الله هم فيها خالدون يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من اثار الجزاء بالعدل والفضل. ويتضمن ذلك الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء. فقال يوم تبيض وجوه وهي وجوه اهل السعادة والخير اهل الائتلاف والاعتصام بحبل الله. وتسود وجوه وهي وجوه اهل الشقاوة والشر اهل الفرقة والاختلاف هؤلاء سدت وجوههم بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلة والفضيحة. واولئك بيضت وجوههم لما في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم والحضور الذي ظهرت اثاره على وجوههم. كما قال الله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. نظرة تنفي وجوههم وسرورا في قلوبهم. وقال تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة. كانما اغشيته وجوههم قطعا من الليل مظلمة. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. واما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع اكفرتم بعد ايمانكم؟ اي كيف اثرتم الكفر والضلال على الايمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. فليس يليق بكم الا النار. ولا تستحقون الا الخزي والفضيحة والعار. واما الذين ابيضت فيهنئون اكمل تهنئة ويبشرون اعظم بشارة. وذلك انهم يبشرون بدخول الجنات ورضا ربهم ورحمته. ففي رحمة هم فيها خالدون. واذا كانوا خالدين في الرحمة فالجنة اثر من اثار رحمته تعالى. فهم خالدون فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار ارحم الراحمين. لما بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الاحكام الامرية والاحكام الجزائية. قال تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين وما الله يريد ظلما للعالمين. تلك ايات الله نتلوها اي نقصها عليك بالحق لان اوامره ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة. وثوابها وعقابها. كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم هذا قال وما الله يريد ظلما للعالمين. نفى ارادته ظلمهم فضلا عن كونه يفعل ذلك. فلا ينقص احد شيئا من حسناته. ولا يزيد في ظلم الظالمين بل يجازيهم باعمالهم فقط. ثم قال تعالى اي هو المالك لما في السماوات وما في الارض. الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم بقدره وقضائه وفي شرعه وامره واليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم باعمالهم حسنها وسيئها كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون هم الفاسقون. يمدح تعالى هذه الامة ويخبر انها خير الامم التي اخرجها الله للناس. وذلك بتكميلهم لانفسهم بالايمان المستلزم للقيام بكل ما امر الله به. وبتكميلهم لغيرهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. المتضمن دعوة الخلق الى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم. فبهذا كانوا خير امة اخرجت للناس. لما كانت الاية السابقة وهي قوله ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. امرا منه تعالى لهذه الامة والامر قد يمتثله ويقوم به وقد لا يقوم به. اخبر في هذه الاية ان الامة قد قامت بما امره الله بالقيام به. وامتثلت امر ربها واستحقت الفضل عليه كسائر الامم ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم. وفي هذا من دعوته بلطف الخطاب ما يدعوهم الى الايمان. ولكن لم يؤمن منهم الا قليل واكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله. المعادون لاولياء الله بانواع العداوة. ولكن من لطف الله بعباده المؤمنين انه رد كيدهم في نحورهم فليس على المؤمنين منهم ضرر في اديانهم ولا ابدانهم. وانما غاية ما يصلون اليه من الاذى. اذية الكلام التي لا سبيل الى السلامة منها من كل معادي. فلو قاتلوا المؤمنين لو الادبار فرارا. ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم. ولا هم ينصرون في وقت من الاوقات ولهذا اخبر تعالى انه عاقبهم بالذلة في بواطنهم المسكنة على ظواهرهم الا بحبل من الله بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة. ذلك بانهم هم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون الانبياء بغير حق. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. فلا يستقرون ولا يطمئنون الا بحبل اي عهد من الله وحبل من الناس. فلا يقول اليهود الا تحت احكام المسلمين وعهدهم تؤخذ منهم الجزية او يستذلون او تحت احكام النصارى. وقد باؤوا مع ذلك بغضب من الله وهذا اعظم العقوبات. والسبب الذي اوصلهم الى هذه الحال ذكره الله بقوله ايات الله التي انزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والايمان فكفروا بها بغيا ينادى ويقتلون الانبياء بغير حق اي يقابلون انبياء الله الذين يحسنون اليهم اعظم احسان باشر مقابلة وهو القتل هل بعد هذه الجراءة والجناية شيء اعظم منها؟ وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم. فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل انبياء الله ثم قال تعالى ليسوا سواء من اهل الكتاب امة ايات الله اناء الليل وهم يسجدون. لما بينت على الفرقة الفاسقة من اهل الكتاب وبين افعالهم وعقوباتهم بين ها هنا الامة المستقيمة. وبين افعالها وثوابها. فاخبر انهم لا عنده بل بينه من الفرق ما لا يمكن وصفه. فاما تلك الطائفة الفاسقة فقد مضى وصفهم. واما هؤلاء المؤمنون. فقال تعالى من امة قائمة اي مستقيمة على دين الله. قائمة بما الزمها الله به من المأمورات. ومن ذلك قيامها بالصلاة يتلون ايات الله اناء الليل وهم يسجدون. وهذا بيان لصلاتهم في اوقات الليل. وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم. وايثارهم الخضوع والركوع والسجود يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في يؤمنون بالله واليوم الاخر اي عن المؤمنين ايمانا يوجب لهم الايمان بكل نبي ارسله. وكل كتاب انزله الله وخص الايمان باليوم الاخر. لان الايمان الحقيقي باليوم اخر يحث المؤمن به على ما يقربه الى الله وترك كل ما يعاقب عليه في ذلك اليوم. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر حصل منهم تكميل انفسهم بالايمان ولوازمه. وتكميل غيرهم بامرهم بكل خير. ونهيهم عن كل شر. ومن ذلك حثهم اهل دينهم وغيرهم على الايمان عثمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم وصفهم بالهمم العالية وانهم يسارعون في الخيرات. اي يبادرون اليها فينتهزون الفرصة فيها ويفعلونها في اول وقت امكانها وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده. فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذا هذه الصفات الجميلة والافعال الجليلة من الصالحين الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله واحسانه وما يفعل من خير فلن يكفر والله عليم بالمتقين وانهم مهما فعلوا من خير قليلا كان او كثيرا فلن يكفروه. اي لن يحرموه ويفوتوا اجره. بل يثيبهم الله على ذلك اكثر الثواب ولكن الاعمال ثوابها تبع لما يقوم بقلب صاحبها من الايمان والتقوى. فلهذا قال والله عليم بالمتقين. كما قال الله تعالى انما يتقبل الله من المتقين يا اولادهم من الله شيئا واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون يخبر تعالى ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا. اي لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله. ولا في عليهم شيئا من ثواب الله كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى. الا من امن وعمل صالحا بل تكون اموالهم واولادهم زادا الى النار. وحجة عليهم في زيادة نعم الله عليهم. تقتضي منهم شكرها ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها. ولهذا قال اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. مثل ما ينفقون في هذه الحياة دنيا كمثل ريح فيها سر اصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فاهلكت ما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون. ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من اموالهم التي بها عن سبيل الله ويستعينون بها على اطفاء نور الله بانها تبطل وتضمحل. كمن زرع زرعا يرجو نتيجته ويأمل ادراك ريعه فبينما هو كذلك اذ اصابته ريح فيها صر. اي برد شديد محرق فاهلكت زرعه ولم يحصل له الا التعب والعناء وزيادة الاسف ذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون حسرة ثم يغلبون. وما ظلمهم الله بابطال اعمالهم. ولكن كانوا انفسهم يظلمون. حيث كفروا بايات الله وكذبوا رسوله حرصوا على اطفاء نور الله. هذه الامور هي التي احبطت اعمالهم وذهبت باموالهم. ثم قال تعالى الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا. ودوا ما عنتم قد وما تخفي صدورهم اكبر قل ايات ان كنتم تعقلون. ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يتخذوا بطانة من المنافقين من اهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم او يولونهم بعض الاعمال الاسلامية. وذلك انهم هم الاعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء. فظهرت على افواههم وما تخفي صدورهم اكبر مما يسمع منهم. فلهذا لا يألونكم خبالا. اي لا يقصرون في حصول الظرر عليكم والمشقة وعمل الاسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الاعداء عليكم. قال الله للمؤمنين قد بينا لكم الايات اي التي فيها مصالحكم حكم الدينية والدنيوية لعلكم تعقلون. فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو. فليس كل احد يجعل بطانة وانما العاقل من اذا ابتلي بمخالطة العدو ان تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من باطنه على شيء. ولو تملق له واقسم انه من اوليائه. قال اللهم مهيجا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من اهل الكتاب. ومبينا شدة عداوتهم تحبونهم ما لا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله. واذا لقوكم قالوا امنا واذا قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات ها انتم اولئك تحبونهم ولا يحبونكم. وتؤمنون بالكتاب كله. اي جنس الكتب التي انزلها الله على انبيائه وهم لا يؤمنون بكتابكم بل اذا لاقوكم اظهروا لكم الايمان واذا لاقوكم قالوا امنا واذا خلوا عضوا عليكم الانامل وهي اطراف الاصابع من شدة غيظهم عليكم قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور. وهذا فيه بشارة للمؤمنين ان هؤلاء الذين خذوا ضرركم لا يضرون الا انفسهم وان غيظهم ليقدرون على تنفيذه. بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا. فينتقلوا من عذاب الدنيا الى الاخرة اصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا. ان الله بما يعملون محيط انت امسسكم حسنة كالنصر على الاعداء وحصول الفتح والغنائم تسوءهم اي تغمهم وتحزنهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا. ان الله بما يعملون محيط. فاذا اتيتم بالاسباب التي وعد الله عليها النصر. وهي الصبر والتقوى لم يضركم مكرهم بل يجعل الله مكرهم في نحورهم. لانه محيط بهم علمه وقدرته. فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليه منهم شيء واذ غدوت من اهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون هذه الايات نزلت في وقعة احد. وقصتها مشهورة في السير والتواريخ. ولعل الحكمة في ذكرها في هذا الموضع. وادخل في اثناءها ما وقعت بدر لما ان الله تعالى قد وعد المؤمنين انهم اذا صبروا واتقوا نصرهم ورد كيد الاعداء عنهم وكان هذا حكما عاما ووعدا صادقا لا يتخلف مع الاتيان بشرطه. فذكر نموذجا من هذا في هاتين القصتين. وان الله نصر المؤمنين في بدر لما صبروا واتقوا. وادال عليهم العدو ولما صدر من بعضهم من الاخلال بالتقوى ما صدر. ومن حكمة الجمع بين القصتين ان الله يحب من عباده اذا اصابهم ما يكرهون ان يتذكروا ما يحبون فيخف عنهم البلاء ويشكر الله على نعمه العظيمة. التي اذا قوبلت بما يناله من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم. كان المكروه بالنسبة الى المحبوب نزرا يسيرا. وقد اشار تعالى الى هذه الحكمة في قوله اولما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها وحاصل قضية احد واجمالها ان المشركين لما رجع كلهم من بدر الى مكة وذلك في سنة اثنتين من الهجرة استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالاموال الرجال والعدد حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم وشفاء غيظهم. ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة الاف مقاتل تنازلوا قرب المدينة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم اليهم هو واصحابه. بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج. وخرج في الف فلما ساروا قليلا رجع عبدالله بن ابي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته. وهمت طائفتان من المؤمنين ان يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله. فلما وصلوا الى احد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم. واسندوا ظهورهم الى لا احد ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا من اصحابه في خلة في جبل احد. وامرهم ان يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه. ليأمنوا ان يأتيهم احد من ظهورهم. فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة. وخلفوا معسكرهم خلف ظهورهم. واتبعهم مسلمون يقتلون ويأسرون. فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل. قال بعضهم لبعض الغنيمة الغنيمة ايقعدنا ها هنا والمشركون قد انهزموا؟ ووعظهم اميرهم عبد الله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا اليه. فلما اخلوا موضعهم فلم يبقى فيه الا نفر يسير منهم اميرهم عبد الله بن جبير جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدمرت المسلمين وقاتلت ساقتهم. فجال المسلمون ابتلاهم الله بها وكفر بها عنهم. واذاقهم فيها عقوبة المخالفة. فحصل ما حصل من قتل من قتل منهم. ثم انهم انحازوا الى رأس جبل احد وكف الله عنهم ايدي المشركين وانكفأوا الى بلادهم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه المدينة. قال الله تعالى واذ غدوت من اهلك والغدو ها هنا مطلق الخروج ليس المراد به الخروج في اول النهار. لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يخرجوا الا بعدما صلوا الجمعة تبوء المؤمنين مقاعد للقتال. اي تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به. وفيها اعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم واقامتهم في مقاعد القتال. وما ذاك الا لكمال علمه ورأيه. وسداد نظره وعلوه حيث يباشر هذه الامور بنفسه. وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه. والله سميع لجميع المسموعات. ومنه انه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه عليم بنيات العبيد فيجازيهم عليها اتم الجزاء. وايضا فالله سميع عليم بكم يكلأكم ويتولى تدبير اموركم ويؤيدكم بنصره. كما قال تعالى لموسى وهارون انني معكما اسمع وارى ومن لطفه بهم واحسانه اليهم انه لما هم الطائفتان من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهم الله تعالى نعمة عليهما وعلى سائر المؤمنين. فلهذا قال والله وليهما اي بولايته الخاصة التي هي لطفه باوليائه. وتوفيق وهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم. فمن توليه لهما انهما لما هما بهذه المعصية العظيمة. وهي الفشل والفرار عن رسول الله لما معهما من الايمان. كما قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. ثم قال وعلى الله فليتوكل المؤمنون. ففيها الامر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار. مع الثقة بالله. وانه بحسب ايمان العبد توكله وان المؤمنين اولى بالتوكل على الله من غيرهم. وخصوصا في مواطن الشدة والقتال فانهم مضطرون الى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصاف والتبري من حولهم وقوتهم والاعتماد على حول الله وقوته. فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا والمحن. ثم قال تعالى ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين. وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر. وهم اذلة في قلة عددهم وعددهم. مع كثرة عدد عدوهم وعددهم. وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة. خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة. بثلاث مئة وبضعة عشرة من اصحابه ولم يكن معهم الا سبعون بعيرا وفرسان. لطلب عير لقريش قدمت من الشام. فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكرة فكعيرهم وخرجوا في زهاء الف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة. فالتقوهم والمسلمون في ماء يقال له بدر بين مكة والمدينة فاقتتلوا ونصر الله المسلمين نصرا عظيما. فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم. واسروا واحتووا على معسكرهم ستأتي ان شاء الله القصة في سورة الانفال. فان ذلك موضعها. ولكن الله تعالى هنا اتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه. فلهذا قال فاتقوا الله لعلكم تشكرون. لان من اتقى ربه فقد شكره. ومن ترك التقوى ولم يشكره ان يمدكم ربكم بثلاثة الاف من الملائكة منزلين. اذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر. الن يكفيكم ان ربكم بثلاثة الاف من الملائكة منزلين انا يمددكم ربكم بخمسة الاف من الملائكة مسومين. بلى انت تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا. اي من مقصدهم هذا وهو وقعة بدر يمددكم ربكم بخمسة الاف من الملائكة مسومين اي معلمين بعلامة الشجعان. فشرط الله لامدادهم ثلاثة شروط. الصبر والتقوى واتيان المشركين من فورهم هذا. فهذا هذا الوعد بانزال الملائكة المذكورين وامدادهم بهم. واما وعد النصر وقمع كيد الاعداء. فشرط الله له الشرطين الاولين كما تقدم في قوله وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا. وما جعله الله الا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم لله العزيز الحكيم. وما جعله الله اي امداده لكم بالملائكة الا بشرى تستبشرون بها وتفرحون ولتطمئن قلوبكم به وما النصر الا من عند الله. فلا تعتمدوا على ما معكم من الاسباب. بل الاسباب فيها طمأنينة لقلوبكم. واما حصر حقيقي الذي لا معارض له فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده. فانه ان شاء نصر من معه الاسباب كما هي سنته في خلقه ان شاء نصر المستضعفين الاذلين ليبين لعباده ان الامر كله بيديه. ومرجع الامور اليه. ولهذا قال عند الله العزيز فلا يمتنع عليه مخلوق. بل الخلق كلهم اذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. وله الحكمة في ادانة الكفار في معطي الاوقات على المسلمين. ادانة غير مستقرة. قال الله تعالى ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم لكن ليبلو بعضكم ببعض يخبر تعالى ان نصره عباده المؤمنين لاحد امرين اما ان يقطع طرفا من الذين كفروا اي منهم وركنا من اركانهم اما بقتل او اسر او استيلاء على بلد او غنيمة مال. فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون. وذلك ان مقاومتهم ومحاربتهم للاسلام تتألف من اشخاصهم وسلاحهم واموالهم وارضهم. فبهذه الامور تحصل منهم المقاومة والمقاتلة فقطع شيء من ذلك ذهاب لبعض قوتهم. الامر الثاني ان يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم طمعا في المسلمين. ويمنوا انفسهم ذلك حرصوا عليه غاية الحرص. ويبذلوا قواهم واموالهم في ذلك. فينصر الله المؤمنين عليهم. ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم. بل يرجعون بخسارة وغم وحسرة. واذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين الامرين. غير خارج عنهما اما نصر او خذل لهم لما جرى يوم احد ما جرى وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب رفع الله بها درجته فشج رأسه وكسرت رباعيته قال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وجعل يدعو على رؤساء من المشركين مثل ابي سفيان ابن حرب وصفوان ابن امية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام انزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد من رحمة الله. ليس لك من الامر شيء انما عليك البلاغ وارشاد الخلق والحرص على مصالحهم. وانما الامر لله تعالى هو الذي يدمر الامور. ويهدي من يشاء ويضل من يشاء فلا تدعوا عليهم بل امرهم راجع الى ربهم. ان اقتضت حكمته ورحمته ان يتوب عليهم ويمن عليهم بالاسلام فعل. وان اقتضت حكمته ابقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم. فانهم هم الذين ظلموا انفسهم وضروها وتسببوا بذلك. فعل. وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم فهداهم للاسلام رضي الله عنهم. وفي هذه الاية مما يدل على ان اختيار الله غالب على اختيار العباد. وان العبد وان ارتفعت درجته وعلى قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره. وان الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الامر شيء. فغيره من باب اولى. ففيها اعظم رد على من تعلق بالانبياء او غيرهم من الصالحين وغيرهم. وان هذا شرك في العبادة نقص في العقل. يتركون من الامر كله له من لا يملك من الامر مثقال ذرة. ان هذا لهو الضلال البعيد. وتأمل كيف لما ذكر تعالى توبته عليهم اسند الفعل اليه. ولم يذكر منهم سببا موجبا لذلك ليدل ذلك على ان النعمة محض فضله على عباده من غير سبق سبب من العبد ولا وسيلة. ولما ذكر العذاب ذكر معه وظلمهم ورتبه على العذاب بالفاء المفيدة للسببية. فقال او يعذبهم فانهم ظالمون. ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته حيث وضع العقوبة موضعها ولم يظلم عبده بل العبد هو الذي ظلم نفسه. ولما نفى عن رسوله انه ليس له من الامر شيء. قرر من الامر له فقال آآ والله غفور رحيم. ولله ما في السماوات وما في الارض من الملائكة والانس والجن والحيوانات والافلاك والجمادات كلها. وجميع ما في السماوات والارض. الكل ملك لله مخلوقون مدبرون. وتصرف فيهم تصرف المماليك. فليس فله مثقال ذرة من الملك. واذا كانوا كذلك فهم دائرون بين مغفرته وتعذيبه. فيغفر لمن يشاء بان يهديه للاسلام. فيغفر شركه ويمن عليه بترك العصيان فيغفر له ذنبه ويعذب من يشاء بان يكله الى نفسه الجاهلة الظالمة المقتضية لعمل الشر فيعمل الشر ويعذبه على ذلك. ثم ختم الاية باسمين كريمين دالين على سعة رحمته وعموم مغفرته. وسعة احسانه وعميم احسانه فقال والله غفور رحيم. ففيها اعظم بشارة بان رحمته غلبت غضبه. ومغفرته غلبت مؤاخذته. فالاية فيها الاخبار عن حالته الخلق وان منهم من يغفر الله له ومنهم من يعذبه. فلم يختمها باسمين احدهما دال على الرحمة. والثاني دال على النقمة. بل ختمها باسمين فيهما يدل على الرحمة فله تعالى رحمة واحسان سيرحم بها عباده لا تخطر ببال بشر. ولا يدرك لها وصف فنسأله تعالى ان يتغمدنا او يدخلنا برحمته في عباده الصالحين واتقوا الله لعلكم تفلحون. تقدم في مقدمة هذا التفسير ان العبد ينبغي له مراعاة الاوامر والنواهي في نفسه وفي غيره وان الله تعالى اذا امره بامر وجب عليه اولا ان يعرف حده وما هو الذي امر به ليتمكن بذلك من امتثاله. فاذا عرف ذلك اجتهد واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره. بحسب قدرته وامكانه. وكذلك اذا نهي عن امر عرف حده وما يدخل فيه وما الا يدخل ثم اجتهد واستعان بربه في تركه. وان هذا ينبغي مراعاته في جميع الاوامر الالهية والنواهي. وهذه الايات الكريمات قد حملت على اوامر وخصال من خصال الخير. امر الله بها وحث على فعلها. واخبر عن جزاء اهلها. وعلى نواهي حث على تركها. ولعل ان الحكمة والله اعلم في ادخال هذه الايات اثناء قصة احد انه قد تقدم ان الله تعالى وعد عباده المؤمنين انهم اذا صبروا واتقوا وهم على اعدائهم وخذل الاعداء عنهم كما في قوله تعالى وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ثم قال بلاء تصبرن وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم. فكأن النفوس اشتاقت الى معرفة خصال التقوى التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة. فذكر الله في هذه الايات اهم خصال التقوى. الذي اذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب اولى واحرى. ويدل على ما قلنا ان الله ذكر لفظ التقوى في هذه الايات ثلاث مرات مرة مطلقة وهي قوله اعدت للمتقين. ومرتين مقيدتين فقال واتقوا الله واتقوا النار. فقوله تعالى يا ايها الذين امنوا كل ما في القرآن من قوله تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا او اتركوا كذا يدل على ان الايمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الامر. واجتناب ذلك النهي. لان الايمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به المستلزم لاعمال الجوارح. فنهاهم عن اكل الربا اضعافا مضاعفة. وذلك هو ما اعتاده اهل الجاهلية. ومن لا يبالي بالاوامر الشرعية من انه اذا حل الدين عن المعسر ولم يحصل منه شيء. قالوا له اما ان تقضي ما عليك من الدين واما ان نزيد في المدة. ويزيد ما في ذمتك فيضطر الفقير ويستدفع غريمه ويلتزم ذلك. اغتناما لراحته الحاضرة فيزداد بذلك ما في ذمته اضعافا مضاعفة. من غير وانتفاع. ففي قوله اضعافا مضاعفة. تنبيه على شدة شناعته بكثرته. وتنبيه لحكمة تحريمه. وان تحريم الربا حكمته وان الله منع منه لما فيه من الظلم. وذلك ان الله اوجب انظار المعسر وبقاء ما في ذمته من غير زيادة. فالزامه بما فوق ذلك ظلم فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه. لان تركه من موجبات التقوى. والفلاح متوقف على التقوى. فلهذا قال فاتقوا الله لعلكم تفلحون. واتقوا النار التي اعدت للكافرين واتقوا النار التي اعدت قتل الكافرين بترك ما يوجب دخولها من الكفر والمعاصي على اختلاف درجاتها. فان المعاصي كلها وخصوصا المعاصي الكبار تجر الى الكفر بل هي من خصال الكفر الذي اعد الله النار لاهله. فترك المعاصي ينجي من النار ويقي من سخط الجبار وافعال الخير والطاعة توجب الرحمن ودخول الجنان وحصول الرحمة. ولهذا قال واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون اخوان واطيعوا الله ورسوله بفعل الاوامر امتثالا واجتناب النواهي لعلكم ترحمون. فطاعة الله وطاعة رسوله من اسباب بحصول الرحمة كما قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة. وسارعوا الى ثم امرهم تعالى بالمصارعة الى مغفرته وادراك جنته. التي عرضها السماوات والارض. فكيف بطولها التي اعدها الله للمتقين؟ فهم اهلها واعمال التقوى هي الموصلة اليها. ثم وصف المتقين واعمالهم فقال والكاظمين الغيظ عافين عن الناس والله يحب المحسنين الذين ينفقون في السراء والضراء. اي في حال عسرهم ويسرهم. ان ايسروا اكثروا من النفقة. وان اعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل. والكاظمين الغيظ اي اذا حصل لهم من غيرهم اذية توجب غيظهم وهو امتلاء قلوبهم من الحنق. الموجب للانتقام بالقول والفعل. هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ. ويصبرون على مقابلة المسيء اليهم. والعافين عن الناس يدخل في العفو عن الناس العفو عن كل من اساء اليك بقول او فعل. والعفو ابلغ من الكظم. لان العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء. وهذا انما كونوا ممن تحلى بالاخلاق الجميلة وتخلى عن الاخلاق الرذيلة وممن تاجر مع الله وعفا عن عباد الله رحمة بهم واحسانا اليهم وكراهة لحصول الشر عليهم. وليعفو الله عنهم. ويكون اجره على ربه الكريم. لا على العبد الفقير. كما قال تعالى فمن عفا واصلح اجره على الله ثم ذكر حالة اعم من غيرها واحسن واعلى واجل وهي الاحسان. فقال تعالى والله يحب المحسنين والاحسان نوعان. الاحسان في عبادة الخالق. والاحسان الى المخلوق. فالاحسان في عبادة الخالق فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. واما الاحسان الى المخلوق فهو ايصال النفع الديني والدنيوي اليهم ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم. فيدخل في ذلك امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم. والنصيحة لعامتهم وخاصتهم والسعي في جمع كلمتهم. وايصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة اليهم. على اختلاف احوالهم وتباين اوصافهم يدخل في ذلك بذل الندى وكف الاذى واحتمال الاذى. كما وصف الله به المتقين في هذه الايات. فمن قام بهذه الامور فقد قام بحق الله حق عبيده ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم فقالوا فاحشة او ظلموا يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم. اي صدر منهم اعمال سيئة كبيرة او ما دون ذلك بادروا الى التوبة والاستغفار. وذكروا ربهم وما توعدوا به العاصين ووعد به المتقين. فسألوه المغفرة لذنوبهم والستر لعيوبهم مع اقلاعهم عنها وندمهم عليها. فلهذا قال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون اولئك الموصوفون بتلك الصفات. جزاؤهم مغفرة من ربهم. تزيل عنهم كل محذور. وجنات تجري من تحت تحتها الانهار فيها من النعيم المقيم والبهجة والسرور والبهاء والخير والسرور والقصور والمنازل الانيقة العاليات والاشجار المثمرة البهية والانهار الجارية في تلك المساكن الطيبات. خالدين فيها لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا. ولا يغير ما هم فيه من النعيم ونعم اجر العاملين. عملوا لله قليلا فاجروا كثيرا. فعند الصباح يحمد القوم الصرى. وعند الجزاء يجد العامل اجره كاملا موفرا. وهذه الايات الكريمات من ادلة اهل السنة والجماعة على ان الاعمال تدخل في الايمان. خلافا للمرجئة ووجه الدلالة انما يتم بذكر الاية التي في سورة الحديد. نظير هذه الايات وهي قوله تعالى سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها عرض السماء والارض. اعدت للذين امنوا بالله ورسله. فلم يذكر فيها الا لفظ الايمان به وبرسله. وهنا قال اعدت للمتقين ثم وصف المتقين بهذه الاعمال المالية والبدنية. فدل على ان هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم اولئك المؤمنون ودخلت وهذه الايات كلمات وما بعدها في قصة احد يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم ويخبرهم انه مضى قبلهم اجيال وامم كثيرة امتحنوا وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين. فلم يزالوا في مداولة ومجاولة حتى جعل الله العافية للمتقين. والنصر لعباده المؤمنين واخر الامر حصلت الدولة على المكذبين. وخذلهم الله بنصر رسله واتباعه. فسيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم. فانظروا وكيف كان عاقبة المكذبين؟ فانكم لا تجدونهم الا معذبين بانواع العقوبات الدنيوية قد خوت ديارهم وتبين لكل احد خسارهم وذهب عزهم وملكهم وزال بذخهم وفخرهم. افليس في هذا اعظم دليل واكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل وحكمة الله التي يمتحن بها عباده ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم. ولهذا قال وموعظة للمتقين. هذا بيان للناس اي دلالة ظاهرة تبين للناس الحق من الباطل واهل السعادة من اهل شقاوة وهو الاشارة الى ما اوقع الله بالمكذبين. وهدى وموعظة للمتقين. لانهم هم المنتفعون بالايات. فتهديهم الى سبيل الرشاد وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغي. واما باقي الناس فهي بيان لهم تقوم به عليهم الحجة من الله. ليهلك من هلك عن بينة. ويحتمل وان الاشارة في قوله هذا بيان للناس للقرآن العظيم. والذكر الحكيم وانه بيان للناس عموما. وهدى وموعظة للمتقين توصى وكلا المعنيين حق ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين. يقول تعالى مشجعا لعباده ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهم. ولا تهنوا ولا تحزنوا. اي ولا تهنوا وتضعفوا في ابدانكم. ولا تحزنوا في قلوبكم عندما اصابتكم المصيبة ابتليتم بهذه البلوى فان الحزن في القلوب والوهن على الابدان زيادة مصيبة عليكم وعون لعدوكم عليكم بل شجعوا قلوبكم وصبروها وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم. وذكر تعالى انه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن. وهم هم الاعلون في الايمان ورجاء نصر الله وثوابه. فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والاخروي. لا ينبغي منه ذلك. ولهذا قال قال تعالى وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين. ثم سلاهم بما حصل لهم من الهزيمة. وبين الحكم العظيمة المترتبة على ذلك. فقال ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. وتلك الايام نداولها بين وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء اه والله لا يحب الظالمين. ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. فانتم واياهم قد تساويتم في ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون. كما قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون ومن الحكم في ذلك ان هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر والبر والفاجر فيداوي الله الايام بين الناس يوم لهذه الطائفة ويوم للطائفة الاخرى. لان هذه الدار الدنيا منقضية فانية. وهذا بخلاف الدار الاخرة. فانها خالصة للذي امنوا وليعلم الله الذين امنوا هذا ايضا من الحكم انه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء ليتبين المؤمن من المنافق لانه ولو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الاسلام من لا يريده. فاذا حصل في بعض الوقائع بعض انواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الاسلام في الضراء والسراء واليسر والعسر. ممن ليس كذلك. ويتخذ منكم شهداء. وهذا ايضا من بعض الحكم. لان الشهادة عند الله من ارفع المنازل ولا سبيل لنيلها الا بما يحصل من وجود اسبابها. فهذا من رحمته بعباده المؤمنين. ان قيض له من الاسباب ما تكره النفوس لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم. والله لا يحب الظالمين. الذين ظلموا انفسهم وتقاعدوا عن القتال في سبيله وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين. وانهم مبغضون لله ولهذا ثبتهم عن القتال في سبيله. ولو ارادوا الخروج لاعدوا لهم وعدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم. وقيل اقعدوا مع القاعدين. وليمحص الله الذين امنوا ويمحق كافرين. وليمحص الله الذين امنوا. وهذا ايضا من الحكم ان الله يمحص بذلك المؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم. يدل ذلك على ان الشهادة والقتال في سبيل الله يكفر الذنوب. ويزيل العيوب وليمحص الله ايضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين. فيتخلصون منهم ويعرفون المؤمن من المنافق ومن الحكم ايضا انه يقدر ذلك ليمحق الكافرين. اي ليكون سببا لمحقهم واستئصالهم بالعقوبة. فان هم اذا انتصروا بغوا وازدادوا طغيانا الى طغيانهم. يستحقون به المعادلة بالعقوبة رحمة بعباده المؤمنين. ثم قال تعالى الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين. ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين منكم ويعلم الصابرين. هذا استفهام انكاري اي لا تظنوا ولا يخطر ببالكم ان تدخلوا الجنة من دون مشقة. واحتمال المكاره في سبيل لله وابتغاء مرضاته. فان الجنة اعلى المطالب. وافضل ما به يتنافس المتنافسون. وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته. والعمل الموصل اليه فلا يوصل الى الراحة الا بترك الراحة. ولا يدرك النعيم الا بترك النعيم. ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول اليه تنقلب عند ارباب البصائر منحا يسرون بها ولا يبالون بها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم وبخهم تعالى على عدم صبرهم بامر كانوا يتمنونه ويودون حصوله. فقال فقد رأيتموه وانتم ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه. وذلك ان كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم ممن فاته بدر منون ان يحضرهم الله مشهدا يبذلون فيه جهدهم. قال الله تعالى لهم فقد رأيتموه اي رأيتم ما تمنيتم باعينكم. وانتم تنظرون فما بالكم وترك الصبر؟ هذه حالة لا تليق ولا تحسن. خصوصا لمن تمنى ذلك. وحصل له ما تمنى. فان الواجب عليه بذل الجهد الوسع في ذلك. وفي هذه الاية دليل على انه لا يكره تمني الشهادة. ووجه الدلالة ان الله تعالى اقرهم على امنيتهم. ولم ينكر عليهم وانما انكر عليهم عدم العمل بمقتضاها. والله اعلم. ثم قال تعالى وسيجزي الله الشاكرين يقول تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل اي ليس ببدع من الرسل بل هو من جنس الرسل الذين قبله وظيفتهم تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ اوامره. ليسوا بمخلدين وليس بقاؤهم شرطا في امتثال اوامر الله. بل الواجب على الامم عبادة ربهم في كل وقت في كل حال. ولهذا قال افإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم بترك ما جاءكم به من ايمان او جهاد او غير ذلك. قال الله تعالى ومن انقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا انما يضر نفسه والا فالله تعالى غني عنه وسيقيم دينه ويعز عباده المؤمنين. فلما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه مدح ما ثبت مع رسوله. وامتثل امر ربه. فقال وسيجزي الله الشاكرين والشكر لا يكون الا بالقيام بعبودية الله تعالى في كل حال. وفي هذه الاية الكريمة ارشاد من الله تعالى لعباده ان يكونوا بحالة لا اعزمهم عن ايمانهم او عن بعض لوازمه فقد رئيس ولو عظم. وما ذاك الا بالاستعداد في كل امر من امور الدين. بعدة اناس من اهل الكفاءة فيه اذا فقد احدهم قام به غيره. وان يكون عموم المؤمنين قصدهم اقامة دين الله. والجهاد عنه بحسب الامكان. لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس. فبهذه الحال يستتب لهم امرهم. وتستقيم امورهم. وفي هذه الاية ايضا اعظم دليل على الصديق الاكبر ابي بكر واصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لانهم هم سادات الشاكرين. وما كان ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤتيه منها وسنجزي الشاكرين. ثم اخبر تعالى ان النفوس جميعا انها متعلقة بآجالها باذن الله وقدره وقضائه. فمن حتم عليه بالقدر ان يموت مات ولو بغير سبب. ومن اراد بقاءه فلو من الاسباب كل سبب لم يضره ذلك قبل بلوغ اجله. وذلك ان الله قضاه وقدره وكتبه الى اجل مسمى. اذا جاء اجلهم فلا اخرون ساعة ولا يستقدمون. ثم اخبر تعالى انه يعطي الناس من ثواب الدنيا والاخرة. ما تعلقت به اراداتهم. فقال ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها. قال الله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك. وما كان عطاء ربك محظورا. انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض. وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا. وسنجزي الشاكرين. ولم اذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته. وليعلم ان الجزاء على قدر الشكر قلة وكثرة وحسنا فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما استكانوا والله يحب الصابرين. هذا تسلية للمؤمنين وحث على الاقتداء بهم. والفعل كفعل وان هذا امر قد كان متقدما. لم تزل سنة الله جارية بذلك. فقال وكاين من نبي اي وكم من نبي قاتل معه كثير. اي جماعات كثيرون من اتباعهم الذين قد ربتهم الانبياء بالايمان والاعمال الصالحة. فاصابهم قتل وجراح وغير ذلك فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. اي ما ضعفت قلوبهم ولا وهنت ابدانهم ولا استكانوا. اي ذلوا بل صبروا وثبتوا وشجعوا انفسهم. ولهذا قال والله يحب الصابرين. ثم ذكر قولهم واستنصارهم لربهم. فقال وما كان قولهم الا ذنوبنا واسرافنا في امرنا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وما كان قولهم اي في تلك المواطن الصعبة. الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا. والاسراف ومجاوزة الحد الى ما حرم. علموا ان الذنوب والاسراف من اعظم اسباب الخذلان. وان التخلي منها من اسباب النصر. فسألوا ربهم مغفرتها ثم انهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر. بل اعتمدوا على الله وسألوه ان يثبت اقدامهم عند ملاقاة الاعداء الكافرين. وان ينصرهم فجمعوا بين الصبر وترك ضده والتوبة والاستغفار والاستنصار بربهم لا جرم ان الله نصرهم وجعل لهم العاقبة في الدنيا والاخرة ولهذا قال محسنين فاتاهم الله ثواب الدنيا من النصر والظفر والغنيمة وحسن ثواب الاخرة وهو الفوز برضى بهم والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات. وما ذاك الا انهم احسنوا له الاعمال. فجازاهم باحسن الجزاء. فلهذا قال والله او يحب المحسنين في عبادة الخالق ومعاملة الخلق. ومن الاحسان ان يفعل عند جهاد الاعداء كفعل هؤلاء الموصوفين. ثم قال تعالى وهذا نهي من الله للمؤمنين ان يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين. فانهم ان اطاعوهم لم يريدوا لهم الا الشر وهم قصدهم ردهم الى الكفر الذي عاقبتهم الخيبة والخسران. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ثم اخبر انه مولاهم وناصرهم ففيه اخبار لهم بذلك. وبشارة بانه سيتولى امورهم بلطفه. ويعصمهم من انواع الشرور وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل احد ما لم ينزل به سلطانا. ومأواهم ومأواهم فمن ولايته ونصره لهم انه وعدهم انه سيلقي في قلوب باعدائه من الكافرين الرعب. وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم. وقد فعل تعالى وذلك ان المشركين بعدما انصرفوا من وقعة احد تشاوروا بينهم فقالوا كيف ننصرف بعد ان قتلنا منهم من قتلنا؟ وهزمناهم ولما نستأصلهم. فهموا بذلك. فالقى الله الرعب في قلوبهم فانصرفوا خائبين. ولا شك ان هذا من اعظم النصر. لانه قد تقدم ان نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن احد امرين اما ان يقطع طرفا من الذين كفروا او يكبتهم فينقلبوا خائبين. وهذا من الثاني. ثم ذكر السبب الموجب لالقاء الرعب في قلوب الكافرين فقال بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. اي ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الانداد والاصنام. التي اتخذوها على حسب اهوائهم ثم ايراداتهم الفاسدة من غير حجة ولا برهان. وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن. فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين. لا يعتمد على ركن وثيق وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق. هذا حاله في الدنيا. واما في الاخرة فاشد واعظم. ولهذا قال ومأواهم النار اي مستقرهم الذي يأوون اليه وليس لهم عنها خروج وبئس مثوى الظالمين بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم ولقد صدقكم الله وحده افتحوا حتى اذا فشلتم تنازعتم في الامر ولقد اي ولقد صدقكم الله وعده بالنصر. فنصركم عليهم حتى ولوكم اكتافهم وطفقتم هم فيهم قتلى حتى صرتم سببا لانفسكم وعونا لاعدائكم عليكم. فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور. وتنازعتم في الامر الذي فيه ترك امر الله بالائتلاف وعدم الاختلاف. فاختلفتم فمن قائل نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم. ومن قائل ما مقام هنا فيه وقد انهزم العدو ولم يبقى محذور فعصيتم الرسول وتركتم امره من بعد ما اراكم الله ما تحبون وهو انخذال اعدائكم لان يجب على من انعم الله عليه بما احب اعظم من غيره. فالواجب في هذه الحال خصوصا وفي غيرها عموما. امتثال امر الله ورسوله. منكم من يريد الدنيا وهم الذين اوجب لهم ذلك ما اوجب. ومنكم من يريد الاخرة. وهم الذين لزموا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وثبتوا حيث امروا ثم صرفكم عنهم اي بعدما وجدت هذه الامور منكم صرف الله وجوهكم عنهم. فصار الوجه لعدوكم ابتلاء من الله لكم وامتحان انا ليتبين المؤمن من الكافر والطائع من العاصي. وليكفر الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم. فلهذا قال ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين. اي ذو فضل عظيم عليهم حيث من عليهم بالاسلام. وهداهم لشرائعه وعفا عنهم سيئاتهم واثابهم على مصيباتهم. ومن فضله على المؤمنين انه لا يقدر عليهم خيرا ولا مصيبة الا كان خيرا لهم. ان اصابتهم سراء فشكروا جازاهم جزاء الشاكرين. وان اصابتهم ضراء فصبروا جازاهم جزاء الصابرين فاثابكم على ما فاتكم ولا ما اصابكم. والله خبير بما يذكرهم تعالى حالهم في وقت انهزامهم عن القتال. ويعاتبهم على ذلك. فقال اذ تصعدون اي في الهروب ولا تلوون على احد اي لا يلوي احد منكم على احد. ولا ينظر اليه بل ليس لكم هم الا الفرار والنجاة عن القتال. والحال انه ليس عليكم خطر كبير. اذ لستم اخر الناس مما يلي الاعداء ويباشر الهيجاء. بل الرسول يدعوكم في اخراكم. اي مما يلي القوم الي عباد الله فلم تلتفتوا اليه ولا عرجتم عليه. فالفرار نفسه موجب للوم. ودعوة الرسول الموجبة لتقديمه على النفس اعظم لوما بتخلفكم عنها فاثابكم اي جزاكم على فعلكم غما بغم اي غما يتبع غما غم بفوات النصر وفوات الغنيمة وغم بانهزامكم وغم انساكم كل غم. وهو سماعكم ان محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل. ولكن الله بلطفه وحسن نظره لعباده جعل اجتماع هذه الامور لعباده المؤمنين خيرا لهم. فقال لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والظفر. ولا ما اصابكم من الهزيمة والقتل والجراح اذا تحققتم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات واغتبتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الاسرار والحكم. وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته باعمالكم. وظواهركم وبواطنكم ولهذا قال والله خبير بما تعملون. ويحتمل ان معنى قوله لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم. يعني انه قد ترى ذلك الغم والمصيبة عليكم لكي تتوطن نفوسكم وتمرنوا على الصبر على المصيبات ويخف عليكم تحمل المشقات ثم طائفة قد اهمتهم انفسهم وطائفة قد اهمت في شيء قل ان الامر كله لله يخفون في ايبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شيء ما قتلنا ها هنا. قل لو كنتم في بيوت وليبتلي الله ما في صدوركم ولي احصنا في قلوبكم. والله عليم بذات الصدور. ثم انزل عليكم من بعد الغم الذي امانة نعاس يغشى طائفة منكم. ولا شك ان هذا رحمة بهم واحسان وتثبيت لقلوبهم. وزيادة طمأنينة. لان الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف. فاذا زال الخوف عن القلب امكن ان يأتيه النعاس. وهذه الطائفة التي انعم الله عليها بالنعاس المؤمنون الذين ليس لهم هم الا اقامة دين الله. ورضا الله ورسوله ومصلحة اخوانهم المسلمين. واما الطائفة الاخرى الذين قد انفسهم فليس لهم هم في غيرها. لنفاقهم او ضعف ايمانهم. فلهذا لم يصبهم من النعاس ما اصاب غيرهم. يقولون هل لنا من الامر من شيء وهذا استفهام انكاري اي ما لنا من الامر اي النصر والظهور شيء فأساءوا الظن بربهم وبدينه ونبيه وظنوا ان الله سيتم امر رسوله وان هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله. قال الله في جوابهم قل ان الامر كله لله. الامر يشمل الامر القدري والامر الشرعي. فجميع الاشياء بقضاء الله وقدره. وعاقبة النصر والظفر لاوليائه واهل طاعته. وان جرى عليهم ما جرى يخفون يعني المنافقين في انفسهم ما لا يبدون لك. ثم بين الامر الذي يخفونه. فقال يقولون لو كان لنا من الامر شيء. اي وكان لنا في هذه الواقعة رأي ومشورة ما قتلنا ها هنا. وهذا انكار منهم وتكذيب بقدر الله. وتسفيه منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم ورأي اصحابه وتزكية منهم لانفسهم. فرد الله عليهم بقوله قل لو كنتم في بيوتكم التي هي ابعد شيء عن مظان القتال لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. فالاسباب وان عظمت انما تنفع اذا لم يعارضها القدر والقضاء. فاذا عارضها القدر لم تنفع شيئا بل لابد ان يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة وليبتلي الله ما في صدوركم ان يختبر ما فيها من نفاق وايمان وضعف ايمان. وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان. وما تأثر عنها من الصفات غير الحميدة. والله عليم قم بذات الصدور اي بما فيها وما اكنته. فاقتضى علمه وحكمته ان قدر من الاسباب ما به تنهر مخبأت الصدور وسرائر الامور ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم. يخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم وما الذي اوجب لهم الفرار وانه من تسويل الشيطان وانه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم فهم الذين ادخلوه على انفسهم بما فعلوا من المعاصي. لانها مركبه ومدخله. فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان. قال الله تعالى ان ليس لك عليهم سلطان. ثم اخبر انه عفا عنهم بعدما فعلوا ما يوجب المؤاخذة. والا فلو اخذهم لاستأصلهم. ان الله غفور للمذنب الخطائين بما يوفقهم له من التوبة والاستغفار والمصائب المكفرة حليم لا يعادل من عصاه بل يستأني به ويدعوه الى ابت اليه والاقبال عليه. ثم ان تاب واناب قبل منه. وصيره كانه لم يجري منه ذنب. ولم يصدر منه عيب. فلله الحمد على احسانه يا ايها الذين امنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الارض او كانوا غز لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ويميت والله بما تعملون بصير. ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يشابهوا الكافرين. الذين لا يؤمنون بربهم ولا بقضائه وقدره من المنافقين وغيرهم. ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء. وفي هذا الامر الخاص وهو انهم يقولون لاخوانهم في الدين او في النسب اذا ضربوا في الارض اي سافروا للتجارة او كانوا غزاة اي غزاة ثم جرى عليهم قتل او موت يعارضون القدر يقولون لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. وهذا كذب منهم. فقد قال الله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم ولكن هذا التكذيب لم يفدهم الا ان الله يجعل هذا القول وهذه العقيدة حسرة في قلوبهم فتزداد واما المؤمنون بالله فانهم يعلمون ان ذلك بقدر الله فيؤمنون ويسلمون فيهدي الله قلوبهم ويثبتها ويخفف عنهم المصيبة. قال الله ردا عليهم والله يحيي ويميت. اي هو المنفرد بذلك. فلا يغني حذر عن قدر. والله بما تعملون فيجازيكم باعمالكم وتكذيبكم الله ورحمة خير مما يجمعون. ثم اخبر تعالى ان القتل في سبيله او الموت فيه. ليس فيه بنقص ولا محذور وانما هو مما ينبغي ان يتنافس فيه المتنافسون. لانه سبب مفض وموصل الى مغفرة الله ورحمته. وذلك خير مما اهل الدنيا من دنياهم. وعن الخلق ايضا اذا ماتوا او قتلوا باي حالة كانت فانما مرجعهم الى الله ومآلهم اليه. فيجازي كلا بعمله. فاين الفرار الا الله وما للخلق عاصم الا الاعتصام بحبل الله غليظ القلب فاعف عنهم واستغفر لهم وشاوذهم في الامر. فاذا فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. اي برحمة الله لك ولاصحابك. من الله عليك النت لهم جانبك وخفضت لهم جناحك وترقدت عليهم وحسنت لهم خلقك. فاجتمعوا عليك واحبوك وامتثلوا امرك. ولو كنت الظن اي سيء الخلق غليظ القلب اي قاسية لانفضوا من حولك. لان هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيء. فالاخير اخلاق حسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس الى دين الله وترغبهم فيه. مع مال صاحبه من المدح والثواب الخاص. والاخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين وتبغضهم اليه. مع مال صاحبها من الذنب والعقاب الخاص. فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول فكيف لغيره اليس من اوجب الواجبات واهم المهمات الاقتداء باخلاقه الكريمة ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم من من اللين وحسن الخلق والتأليف. امتثالا لامر الله وجذبا لعباد الله لدين الله. ثم امره الله تعالى بان يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حق صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم في التقصير في حق الله في جمع بين العفو والاحسان. وشاورهم في الامر. اي الامور التي تحتاج الى استشارة ونظر وفكر فان في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره. منها ان المشاورة من العبادات المتقرب بها الى الله ومنها ان فيها تسميحا لخواطرهم وازالة لما يصير في القلوب عند الحوادث فان من له الامر على الناس اذا جمع اهل الرأي فضل وشاورهم في حادثة من الحوادث اطمأنت نفوسهم واحبوه. وعلموا انه ليس بمستبد عليهم. وانما ينظر الى المصلحة الكلية العامة للجميع فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته. لعلمهم بسعيه في مصالح العموم بخلاف من ليس كذلك. فانهم لا يكادون يحبونه محبة ولا يطيعونه وان اطاعوه فطاعة غير تامة. ومنها ان في الاستشارة تنور الافكار بسبب اعمالها فيما فصار في ذلك زيادة للعقول. ومنها ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب. فان المشاور لا يكاد يخطئ في فعله. وان اخطأ او لم يتم له مطلوب فليس بملوم. فاذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو اكمل الناس عقلا واوزرهم علما وافضل رأيا وشاورهم في الامر فكيف بغيره؟ ثم قال الله تعالى فاذا عزمت اي على امر من الامور بعد الاستشارة فيه ان كان يحتاج الى استشارة فتوكل على الله. اي اعتمد على حول الله وقوته. متبرأ من حولك وقوتك. ان الله يحب المتوكلين عليه لاجئين اليه اي ان يمددكم الله بنصر ومعونته فلا غالب لكم. فلو اجتمع عليكم من في اقطارها وما عنده من العدد والعدد. لان الله لا مغالب له. وقد قهر العباد واخذ نواصيهم فلا تتحرك دابة الا باذنه. ولا تسكن الا باذنه. وان يخذلكم ويكلكم الى انفسكم. فمن ذا الذي ينصركم من بعده فلابد ان تنخذلوا ولو اعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الامر بالاستنصال بالله والاعتماد عليه. والبراءة من الحول والقوة. ولهذا قال وعلى الله فليتوكل المؤمنون تقديم المعمول يؤذن بالحصر اي على الله توكلوا لا على غيره. لانه قد علم انه هو وحدة فالاعتماد عليه توحيد محصن للمقصود. والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه. بل ضار. وفي هذه الاية الامر بالتوكل على الله وحده وانه بحسب ايمان العبد يكون توكله. وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة. ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يبلغون كن الغلول هو الكتمان من الغنيمة. والخيانة في كل مال يتولاه الانسان. وهو محرم اجماعا. بل هو من الكبائر. كما تدل عليه هذه الاية الكريمة وغيرها من النصوص. فاخبر الله تعالى انه ما ينبغي ولا يليق بنبي ان يغل. لان الغلول كما علمت من اعظم الذنوب وبأشر العيوب. وقد صان الله تعالى انبيائه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم. وجعلهم افضل العالمين اخلاقا. واطهرهم نفوسا. وازكى واطيبهم ونزههم عن كل عيب وجعلهم محل رسالته ومعدن حكمته. الله اعلم حيث يجعل رسالته. فبمجرد علم العبد في الواحد منهم يجزم بسلامته من كل امر يقدح فيهم. ولا يحتاج الى دليل على ما قيل فيه من اعدائهم. لان معرفته بنبوتهم لدفع ذلك ولذلك اتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم. فقال وما كان لنبي ان يغل. اي يمتنع ذلك ويستحيل على فمن اختارهم الله لنبوته ثم ذكر الوعيد على من غل فقال ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة اي يأتي به حامله على ظهره حيوانا كان او متاعا او غير ذلك. ليعذب به يوم القيامة. ثم توفى كل نفس ما كسبت. الغال وغيره كل يوفق فاجره ووزره على مقدار كسبه. وهم لا يظلمون. اي لا يزاد في سيئاتهم. ولا يهضمون شيئا من حسناتهم. وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الاية الكريمة لما ذكر عقوبة الغال وانه يأتي يوم القيامة بما غل ولما اراد ان يذكر توفيته وجزاءه وكان الاقتصار على قال يوهم بالمفهوم ان غيره من انواع العاملين قد لا يوفون اتى بلفظ عام جامع له ولغيره فمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير والله بصير بما يعملون يخبر تعالى انه لا يستوي من كان قصده رضوان الله والعمل على ما يرضيه كمن ليس كذلك ممن هو مكب على المعاصي مسخطه قل لربك هذان لا يستويان في حكم الله. وحكمة الله وفي فطر عباد الله. افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون لهذا قال هنا هم درجات عند الله. اي كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم. بحسب تفاوتهم في اعمالهم. فالمتبعون رضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات والمنازل والغرفات. فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر اعمالهم. والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات الى اسفل السافلين. كل على حسب عمله. والله تعالى بصير باعمالهم. لا يخفى عليه منها شيء. بل قد علمها واثبتها في اللوح المحفوظ ووكل ملائكته الامناء الكرام ان يكتبوها ويحفظوها ويضبطونها فيهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين هذه المنة التي امتن الله بها على عباده. اكبر النعم بل اصلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم. الذي انقذهم الله به من وعصمهم به من الهلكة. فقال لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يعرفون نسبه وحاله ولسانه من قومهم وقبيلتهم ناصحا لهم مشفقا عليهم يتلو عليهم اياته يعلمهم الفاظها ومعانيها ويزكيهم من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر مساوئ الاخلاق. ويعلمهم الكتاب. اما جنس الكتاب الذي هو القرآن. فيكون قوله يتلو عليهم اياته المراد به الايات الكونية او المراد بالكتاب هنا الكتابة فيكون قد امتن عليهم بتعليم الكتاب والكتابة التي بها تدرك العلوم وتحفظ والحكمة هي السنة التي هي شقيقة القرآن. او وضع الاشياء مواضعها. ومعرفة اسرار الشريعة. فجمع لهم بين تعليم الاحكام وما به تنفذ الاحكام وما به تدرك فوائدها وثمراتها. ففاقوا بهذه الامور العظيمة جميع المخلوقين. وكانوا من العلماء الربانيين وان كانوا من قبل بعثة هذا الرسول لفي ضلال مبين. لا يعرفون الطريق الموصل الى ربهم. ولا ما يزكي النفوس ويطهرها كل ما زين لهم جهلهم فعلوه. ولو ناقض ذلك عقول العالمين. اولم ما اصابتكم مصيبة قد اصبتم ان الله على كل شيء قدير. هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين. حيث اصابهم ما اصابهم يوم احد وقتل منهم نحو سبعين. فقال الله انكم قد اصبتم من المشركين مثليها يوم بدر. فقتلتم سبعين من كبارهم واسرتم سبعين فليهن الامر ولتخف المصيبة عليكم مع انكم لا تستوون انتم وهم فان قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار. قلتم انى هذا اي من اين اصابنا ما اصابنا وهزمنا؟ قل هو من عند انفسكم حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون. فعودوا على انفسكم باللوم واحذروا من الاسباب المرضية. ان الله على كل شيء قدير. فاياكم وسوء الظن بالله فانه قادر على نصركم. ولكن له اتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم. ولكن ليبلو بعضكم ببعض. وما اصابكم يوم التقى الجمعان باذن الله. وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا. وقيل لهم تعالوا قاتلون في سبيل الله او ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ اقرب منهم الايمان. يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم. والله اعلم بما يكتمون ثم اخبر ان ما اصابهم يوم التقى الجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين في احد من القتل والهزيمة انه باذنه وقضائه وقدره لا مرد له ولابد من وقوعه والامر القدري اذا نفذ لم يبق الا التسليم له وانه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة. وانه بين بذلك المؤمن من المنافق الذين لما امروا بالقتال وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله اي ذبا عن دين الله وحماية له وطلبا الله او ادفعوا عن محارمكم وبلدكم ان لم يكن لكم نية صالحة فابوا ذلك واعتذروا بان قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم اي لو نعلم انكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم وهم كذبة في هذا قد علموا وتيقنوا وعلم كل احد ان هؤلاء المشركين قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما اصابوا منهم. وانهم قد بذلوا اموالهم وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد. واقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم متحرقين على قتالهم. فمن كانت هذه حالهم كيف يتصور انهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم هذا من المستحيل. ولكن المنافقين ظنوا ان هذا العذر يروج على المؤمنين. قال الله تعالى هم للكفر يومئذ اي في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين اقرب منهم للايمان. يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم وهذه خاصة المنافقين. يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم. ومنه قولهم لو نعلم قتالا لاتبعنا معكم فانهم قد علموا وقوع القتال ويستدلوا بهذه الاية على قاعدة ارتكاب اخف المفسدتين لدفع اعلاهما وفعل ادنى المصلحة للعجز عن اعلاهما. لان المنافقين امروا ان يقاتلوا للدين. فان لم يفعلوا فللندافعة عن العيال والاوطان. والله اعلم بما فيبديه لعباده المؤمنين ويعاقبهم عليه. ثم قال تعالى الذين قالوا لاخوانهم مقعدوا لو اطاعونا ما قتلوا الف ادرأوا عن انفسكم الموت ان كنتم صادقين. الذين الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا لو اطاعونا ما قتلوا اي جمعوا بين التخلف عن الجهاد وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره. قال الله عليهم قل فادرأوا اي ادفعوا عن انفسكم الموت. ان كنتم صادقين انهم لو اطاعوكم ما قتلوا لا تقدرون على ذلك ولا تستطيعون وفي هذه الايات دليل على ان العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة ايمان. وقد يكون الى احدهما اقرب منه الى الاخرى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء هذه الايات الكريمة فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم. وما من الله عليهم من فضله واحسانه. وفي ضمنها تسلية الاحياء عن قتلاهم وتعزيتهم. وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة. فقال لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله اي في جهاد اعداء الدين. قاصدين بذلك اعلاء كلمة الله امواتا. اي لا يخطر ببالك وحسبانك انهم ماتوا وفقدوا وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها. الذي يحذر من فواته من جبن عن القتال وزهد في الشهادة بل قد حصل لهم اعظم مما يتنافس فيه المتنافسون. فهم احياء عند ربهم في دار كرامته. عند ربهم يقتضي علو درجتهم وقربهم من ربهم يرزقون من انواع النعيم. الذي لا يعلم وصفه الا من انعم به عليهم. ومع هذا فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. الا خوف فرحين بما اتاهم الله من فضله اي مغتبطين بذلك قد قرت به عيونهم فرحت به نفوسهم وذلك لحسنه وكثرته وعظمته. وكمال اللذة في الوصول اليه وعدم المنغص. فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق ونعيم القلب والروح بالفرح بما اتاهم من فضله. فتم لهم النعيم والسرور وجعلوا يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. ان يبشروا بعضهم بعضا بوصول اخوانهم الذين لم يلحقوا بهم وانهم سينالون ما نالوا الا خوف عليهم ولا هم يحزنون ان يستبشرون بزوال عنهم وعن اخوانهم المستلزم كمال السرور. يستبشرون بنعمة من الله وفضل ان الله لا يضيع اجر المؤمنين. يستبشرون بنعمة من الله وفضل ان يهنئ بعضهم بعضا. باعظم مهنئ وهو نعمة ربهم وفضله واحسانه. وان الله لا يضيع اجر المؤمنين. بل ينميه ويشكره. ويزيده من فضله ما لا يصل اليه سعيهم وفي هذه الايات اثبات نعيم البرزخ. وان الشهداء في اعلى مكان عند ربهم وفيه تلاقي ارواح اهل الخير. وزيارة بعض بعضا وتبشير بعضهم بعضا. الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح للذين احسنوا منهم ما اتقوا اجر عظيم. الذين قال لهم الناس الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا. فزادهم ايمانا وقالوا الله ونعم الوكيل. لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من احد الى المدينة. وسمع ان ابا سفيان ومن معه من قد هموا بالرجوع الى المدينة ندب اصحابه الى الخروج فخرجوا على ما بهم من الجراح استجابة لله ولرسوله وطاعة لله ولرسوله فوصلوا الى حمراء الاسد وجاءهم من جاءهم وقال لهم ان الناس قد جمعوا لكم وهموا باستئصالكم تخويفا لهم وترهيبا لم يزدهم ذلك الا ايمانا بالله واتكالا عليه. وقالوا حسبنا الله اي كافينا كل ما اهمنا ونعم الوكيل. المفوض اليه تدبير عباده والقائم بمصالحهم فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء فانقلبوا واتبعوا رضوان الله فانقلبوا اي رجعوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. وجاء الخبر المشركين ان الرسول واصحابه قد خرجوا اليكم. وندم من تخلف منهم فالقى الله الرعب في قلوبهم استمروا راجعين الى مكة ورجع المؤمنون بنعمة من الله وفضل. حيث من عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة والاتكال على ربهم. ثم انه قد كتب لهم اجر غزاة تامة. فبسبب احسانهم بطاعة ربهم وتقواهم عن معصيته لهم اجر عظيم. وهذا فضل الله عليهم. ثم قال تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم ثم خافوا فلا تخافوهم وخافوني ان كنتم مؤمنين انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه. اي ان ترهيب من رهب من المشركين. وقال انهم جمعوا لكم داع من دعاة الشيطان يخوف اولياءه الذين عدم ايمانهم او ضعف. فلا تخافوهم وخافوني ان كنتم مؤمنين. اي فلا تخافوا المشركين اولياء الشيطان فان نواصيهم بيد الله لا يتصرفون الا بقدره. بل خافوا الله الذي ينصر اولياءه الخائفين منه. المستجيبين لدعوته. وفي هذه الاية وجوب الخوف من الله وحده. وانه من لوازم الايمان فعلى قدر ايمان العبد يكون خوفه من الله. والخوف المحمود ما حجز العبد عن محارم بسم الله الله الا يجعل لهم حظا في الاخرة ولهم عذاب عظيم. كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا حرصا على الخلق مجتهدا في هدايتهم. وكان يحزن اذا لم يهتدوا. قال الله تعالى ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من شدة رغبتهم فيه وحرصهم عليه انهم لن يضروا الله شيئا فالله ناصر دينه ومؤيد رسوله ومنفذ امره من دونهم فلا تباليهم ولا بهم انما يضرون ويسعون في ضرر انفسهم بفوات الايمان في الدنيا وحصول العذاب الاليم في الاخرى. من هوانهم على الله وسقوطهم من عينه وارادته الا يجعل لهم نصيبا في الاخرة من ثوابه. خذلهم فلم يوفقهم لما وفق له اولياءه ومن اراد بهم خيرا. عدلا منه وحكمة في علمه بانهم غير زاكيين على الهدى ولا قابلين للرشاد لفساد اخلاقهم وسوء قصدهم ولهم عذاب اليم. ثم اخبر ان الذين اختاروا الكفر على الايمان فيه رغبة من بذل ما يحب من المال في شراء ما يحب من السلع. لن يضر الله شيئا بل ضرر فعلهم يعود على انفسهم. ولهذا قال ولهم عذاب اليم. وكيف يضرون الله شيئا؟ وهم قد زهدوا اشد الزهد في الايمان. ورغبوا كل الرغبة بالكفر بالرحمن. فالله غني عنهم وقد قيد لدينه من عباده الابرار الازكياء سواهم. واعد له ممن ارتضاه لنصرته. اهل البصائر والعقول وذوي الالباب من الرجال الفحول قال الله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجد ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما اي ولا يظن الذين كفروا بربهم دينه وحاربوا رسوله ان تركنا اياهم في هذه الدنيا وعدم استئصالنا لهم واملاءنا لهم خير لانفسهم ومحبة منا لهم كلا ليس الامر كما زعموا وانما ذلك لشر يريده الله بهم وزيادة عذاب وعقوبة الى عذابهم. ولهذا قال انما انملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين. فالله تعالى يملي للظالم حتى يزداد طغيانه ويترادف كفرانه. حتى اذا اخذ اخذه اخذ عزيز مقتدر فليحذر الظالمون من الامهال ولا يظنوا ان يفوتوا الكبير المتعال ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء آآ اي ما كان في حكمة الله ان يترك المؤمنين على ما انتم عليه من الاختلاط وعدم التميز. حتى يميز الخبيث من الطيب والمؤمن من المنافق صادقة من الكاذب ولم يكن في حكمته ايضا ان يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده. فاقتضت حكمته الباهرة ان يبتلي عباده ويفتن بما به يتميز الخبيث من الطيب من انواع الابتلاء والامتحان. فارسل الله رسله وامر بطاعتهم والانقياد لهم والايمان بهم ووعدهم على الايمان والتقوى الاجر العظيم. فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين. مطيعين وعاصين ومؤمنين ومنافقين ومسلمين الكافرين ليرتب على ذلك الثواب والعقاب. وليظهر عدله وفضله وحكمته لخلقه ولا يحسبن الذين يبخلون بما اتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر الله بما تعملون خبير. اي ولا يظن الذين يبخلون اي يمنعون ما عندهم مما اتاهم الله من فضله من المال والجاه والعلم وغير ذلك مما منحهم الله واحسن اليهم به. وامرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده. فبخلوا بذلك وامسكوه وظنوا به على عباد الله وظنوا انه خير لهم بل هو شر لهم في دينهم ودنياهم وعاجلهم واجلهم سيطوقون ما بخلوا به يوم يوم القيامة ان يجعلوا ما بخلوا به طوقا في اعناقهم. يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح. ان البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا اقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه يقول انا مالك انا كنزك وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك هذه الاية فهؤلاء حسموا ان بخلهم نافعهم ومجد عليهم فانقلب عليهم الامر وصار من اعظم مضارهم وسبب عقابهم ولله ميراث السماوات والارض. اي هو تعالى مالك الملك وترد جميع الاملاك الى مالكها. وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار ولا غير ذلك من المال. قال الله تعالى انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون. وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي الموجب كل واحد منهما الا يبخل العبد بما اعطاه الله. اخبر اولا ان الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة. ليس كاين لي لعب بل لولا فضل الله عليه واحسانه. لم يصل اليه منه شيء. فمنعه لذلك منع لفضل الله واحسانه. ولان احسانه موجب للاحسان الى يا عبيدي كما قال تعالى واحسن كما احسن الله اليك. فمن تحقق ان ما بيده فضل من الله لم يمنع الفضل الذي لا يضره بل ينفع في قلبه وماله وزيادة ايمانه وحفظه من الافات. ثم ذكر ثانيا ان هذا الذي بيد العباد كلها ترجع الى الله ويرثها تعالى وهو خير الوارثين. فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك. منتقل الى غيرك. ثم ذكر ثالثا السبب الجزائي. فقال والله بما تعملون خبير. فاذا كان خبيرا باعمالكم جميعها. ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات والعقوبات على الشر. لم يتخلف من به مثقال ذرة من ايمان عن الانفاق الذي يجزى به الثواب. ولا يرضى بالامساك الذي به العقاب لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذوقوا يخبر تعالى عن قول هؤلاء المتمردين الذين قالوا اقبح المقالة واشنعها واسمجها فاخبر انه قد سمع ما قالوا وانه سيكتبه ويحفظه. مع افعالهم الشنيعة. وهو قتلهم الانبياء الناصحين. وانه سيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة وانه يقال لهم بدل قولهم ان الله فقير ونحن اغنياء. ذوقوا عذاب الحريق. المحرق النافذ من البدن الى الافئدة. وان عذابهم ليس ظلما من الله لهم فانه ليس بظلام للعبيد. فانه منزه عن ذلك ان الله ليس بظلام للعبيد. وانما ذلك بما قدمت ايديهم من المخازي والقبائح. التي اوجبت استحقاق اهم العذاب وحرمانهم الثواب. وقد ذكر المفسرون ان هذه الاية نزلت في قوم من اليهود تكلموا بذلك وذكروا منهم فانحاص بن عازورا من رؤساء علماء اليهود في المدينة. وانه لما سمع قول الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا واقرضوا الله قرضا حسنا قال على وجه التكبر والتجرهم هذه المقالة قبحه الله. فذكرها الله عنهم. واخبر انه ليس ببدع من شنائعهم. بل قد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك وهو قتلهم الانبياء بغير حق. هذا القيد يراد به انهم تجرأوا على قتلهم مع علمهم بشناعته. لا جهلا وضلالا بل تمردا وعنادا تأتينا بقربان تأكله النار. قل قد جاءكم رسل من قبل يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفطرين القائلين ان الله عهد الينا اي تقدم الينا واوصى الا نؤمن لرسول حتى يأتينا تأكله النار فجمعوا بين الكذب على الله وحصر اية الرسل بما قالوه من هذا الافك المبين. وانهم ان لم يؤمنوا برسول لم يأتهم بقربان تأكله النار فهم في ذلك مطيعون لربهم ملتزمون عهده. وقد علم ان كل رسول يرسله الله يؤيده من الايات والبراهين ما على امن البشر ولم يقصرها على ما قالوه. ومع هذا فقد قالوا افكا لم يلتزموه وباطلا لم يعملوا به. ولهذا امر الله رسوله ان يقول لهم قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات الدالات على صدقهم. وبالذي قلتم بان اتاكم بقربان تأكله النار. فلما قتلتموهم ان كنتم اي في دعواهم الايمان برسول يأتي بقربان تأكله النار. فقد تبين بهذا كذبهم وعنادهم وتناقضهم. ثم صلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك. اي هذه عادة الظالمين ودأبهم الكفر بالله وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسول الله عن قصور ما اتوا به. او عدم تبين الحجة بل قد جاءوا بالبينات اي الحجج العقلية والبراهين النقلية والزبر اي الكتب المزبوطة المنزلة من السماء التي لا يمكن ان يأتي بها غير والكتاب المنير للاحكام الشرعية. وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية. ومنير ايضا للاخبار الصادقة. فاذا كان هذا عادتهم في في عدم الايمان بالرسل الذين هذا وصفهم فلا يحزنك امرهم ولا يهمنك شأنهم. ثم قال تعالى وانما توفون اجوركم يوم القيامة وما الحياة الدنيا هذه الاية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها. وانها متاع تفتن بزخرفها وتخدع بغرورها وتغر بمحاسنها. ثم هي منتقلة ومنتقل عنها الى دار القرار. التي توفى فيها النفوس ثم عملت في هذه الدار من خير وشر. فمن زحزح اي اخرج عن النار وادخل الجنة فقد فاز. اي حصل له الفوز العظيم من العذاب والوصول الى جنات النعيم التي فيها ملاعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومفهوم الاية ان من لم عن النار ويدخل الجنة فانه لم يفز. بل قد شقي الشقاء الابدي وابتلي بالعذاب السرمدي. وفي هذه الاية اشارة لطيفة الى نعيم البرزخ وعذابه وان العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه. ويقدم لهم انموذج مما اسلفوه. يفهم هذا من قوله وانما توفون اجوركم يوم القيامة. اي توفية الاعمال التامة. انما يكون يوم القيامة. واما ما دون ذلك فيكون في البرزخ. بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا قوله تعالى ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين انهم سيبتلون في اموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة ومن التعريض لاتلافها في سبيل الله وفي انفسهم من التكليف باعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس كالجهاد في سبيل الله التعرض فيه للتعب والقتل والاسر والجراح. وكالامراض التي تصيبه في نفسه. او في من يحب. ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا من الطعن فيكم وفي دينكم وكتابكم ورسولكم. وفي اخباره لعباده المؤمنين بذلك عدة فوائد منها ان حكمته تعالى تقتضي ذلك ليتميز المؤمن الصادق من غيره. ومنها انه تعالى يقدر عليهم هذه الامور. لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم ويكفر من سيئاتهم. وليزداد بذلك ايمانهم ويتم به ايقانهم. فانه اذا اخبرهم ووقع كما اخبر قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله. وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما. ومنها انه واخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك والصبر عليه اذا وقع. لانهم قد استعدوا لوقوعه فيهون عليهم حمله. وتخف عليهم مؤنته ويلجأون الى الصبر والتقوى. ولهذا قال وان تصبروا وتتقوا. اي ان تصبروا على ما نالكم في اموالكم وانفسكم من الابتلاء والامتحان وعلى اذية الظالمين. وتتقوا الله في ذلك الصبر. بان تنووا به وجه الله والتقرب اليه. ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من القبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال. بل وظيفتكم فيه الانتقام من اعداء الله. فان ذلك من عزم الامور. اي من الامور التي يعزم عليها وينافس فيها ولا يوفق لها الا اهل العزائم والهمم العالية. كما قال الله تعالى وما يلقاها الا الذين صبروا وما طه الا ذو حظ عظيم ولا تكتمونه فنبذوا هو وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد. وهذا الميثاق اخذه الله تعالى على كل من اعطاه الله الكتب. وعلمه العلم ان يبين للناس ما يحتاجون اليه مما علمه الله ولا يكتمهم ذلك. ويبخل عليهم به. خصوصا اذا سألوه او وقع ما يوجب ذلك. فان كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال ان يبينه. ويوضح الحق من الباطل. فاما الموفقون فقاموا بهذا اتم القيام وعلموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضات ربهم وشفقة على الخلق وخوفا من اثم الكتمان. واما الذين اوتوا الكتاب من اليهود والنصارى وما شابههم. فنبذوا العهود والمواثيق وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها فكتموا الحق واظهروا الباطل تجرأا على محارم الله وتهاونا بحقوق الله وحقوق الخلق واشتروا بذلك الكتمان ثمن قليلا. وهو ما يحصل لهم ان حصل من بعض الرياسات والاموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين اهواءهم المقدمين شهواتهم على الحق فبئس ما يشترون لانه اخس العوظ. والذي رغبوا عنه وهو بيان الحق الذي فيه السعادة الابدية والمصالح الدينية والدنيوية اعظم المطالب واجلها. فلم يختاروا الدنيء الخسيس. ويتركوا العالي النفيس. الا لسوء حظهم وهوانهم. وكون لا يصلحون لغير ما خلقوا له. ثم قال تعالى لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب هم عذاب اليم. لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوك. اي من القبائح والباطل القولي والفعلي. ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا الو اي بالخير الذي لم يفعلوه. والحق الذي لم يقولوه فجمعوا بين فعل الشر وقوله والفرح بذلك ومحبة ان يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب. اي بمحل نجوة منه وسلامة. بل قد استحقوه وسيصيرون اليه. ولهذا قال ولهم عذاب اليم. ويدخل في هذه الاية الكريمة اهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم. ولم ينقادوا للرسول وزعموا انهم هم المحقون في ومقالهم وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية او فعلية وفرح بها ودعا اليها وزعم انه محق وغيره مبطل كما هو الواقع من اهل البدع ودلت الاية بمفهومها على ان من احب ان يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق. اذا لم يكن قصده ذلك الرياء والسمعة انه غير مذموم. بل هذا من الامور المطلوبة التي اخبر الله انه يجزي بها المحسنين له الاعمال والاقوال. وانه جاز فيها خواص خلقه وسألوها منه. كما قال ابراهيم عليه السلام واجعل لي لسان صدق في الاخرين. وقال سلام على نوح في العالمين انا كذلك نجزي المحسنين. وقد قال عباد الرحمن واجعلنا للمتقين اماما. وهي من نعم البارئ على عبده. ومننه التي تحتاج الى الشكر ولله ملك السماوات والارض والله على كل شيء قدير. اي هو المالك للسموات والارض ما فيهما من سائر اصناف الخلق المتصرف فيهم بكمال القدرة وبديع الصنعة فلا يمتنع عليه منهم احد ولا يعجزه احد ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب اخبر تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب. وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها. والتبصر حياتها وتدبر خلقها وابهم قوله ايات ولم يقل على المطلب الفلاني اشارة لكثرتها وعمومها وذلك ان فيها من الايات العجيبة ما يبهر الناظرين. ويقنع المتفكرين ويجذب افئدة الصادقين. وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الالهية اما تفصيل ما اشتملت عليه فلا يمكن لمخلوق ان يحصره ويحيط ببعضه. وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة وانتظام السير والحركة. يدل على عظمة خالقها وعظمة سلطانه وشمول قدرته وما فيها من الاحكام والاتقان وبديع الصنع ولطائف الفعل يدل على حكمة الله ووضعه مواضعها وسعة علمه وما فيها من المنافع للخلق. يدل على سعة رحمة الله وعموم فضله وشمول بره ووجوب شكره. وكل يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها وبذل الجهد في مرضاته والا يشرك به سواه. ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وخص الله بالايات اولي الالباب وهم اهل العقول. لانهم هم المنتفعون بها. الناظرون اليها بعقولهم لا بابصارهم ثم وصف اولي الالباب بانهم جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك فقنا عذاب النار. يذكرون الله في جميع احوالهم قياما وقعودا وعلى جنوبهم. وهذا يشمل جميع مع انواع الذكر بالقول والقلب ويدخل في ذلك الصلاة قائما فان لم يستطع فقاعدا فان لم يستطع فعلى جنب وانهم يتفكرون في خلق السماوات والارض اي ليستدلوا بها على المقصود منها. ودل هذا على ان التفكر عبادة من صفات اولياء الله العارفين. فاذا تفكروا بها عرفوا ان الله لم يخلقها عبثا. فيقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك عن كل ما لا يليق بجلالك. بل خلقتها بالحق وللحق مشتملة على الحق. فقنا عذاب النار بان تعصمنا من السيئات. وتوفقنا للاعمال الصالحات. لننال بذلك النجاة من النار ويتضمن ذلك سؤال الجنة. لانهم اذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة. ولكن لما قام الخوف بقلوبهم دعوا الله باهم عندهم ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. اي لحصوله على السخط من الله ومن ملائكته واوليائه ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها ولا منقذ منها. ولهذا قال وما للظالمين من انصار ينقذونهم من عذابه وفيه دلالة على انهم دخلوها ابظلمهم ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي الايمان ان امنوا بربكم فامنا ربنا خوف لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار. ربنا اننا مناديا ينادي للايمان وهو محمد صلى الله عليه وسلم ان يدعو الناس اليه ويرغبهم فيه في اصوله وفروعه فامنا اي اجبناهم مبادرة وسارعنا اليه. وفي هذا اخبار منهم بمنة الله عليهم. وتبجح بنعمته. وتوسل اليه بذلك. ان يغفر ذنوبه ثم يكفر سيئاتهم. لان الحسنات يذهبن السيئات. والذي من عليهم بالايمان سيمن عليهم بالامان التام. وتوفنا مع الابرار يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير وترك الشر الذي به يكون العبد من الابرار والاستمرار عليه والثبات الى الممات ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد ولما ذكروا توفيق الله اياهم للايمان وتوسلهم به الى تمام النعمة سألوه الثواب على ذلك وان ينجز لهم ما وعدهم به على السنة رسله من النصر والظهور في الدنيا ومن الفوز برضوان الله وجنته في الاخرة. فانه تعالى لا يخلف الميعاد. فاجاب الله دعاءه وقبل تضرعهم فلهذا قال فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم. لاكفرن عنهم كن سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار. ثوابا اي اجاب الله دعاءهم دعاء العبادة ودعاء وقال اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى. فالجميع سيلقون ثواب اعمالهم كاملا موفرا. بعضكم من بعض. اي كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب. فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي. وقاتلوا وقتلوا. فجمعوا بين الايمان والهجرة مفارقة المحبوبات من الاوطان والاموال طلبا لمرضاة ربهم وجاهدوا في سبيل الله لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات من تحتها الانهار ثوابا من عند الله. الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل. والله عنده حسن الثواب. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فمن اراد ذلك فليطلبه من الله بطاعته والتقرب اليه. بما يقدر عليه العبد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس الميان. لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأوىهم جهنم ثم ومأواهم جهنم وبئس المهانئ. وهذه الاية المقصود منها التسلية عما يحصل للذي كفروا من متاع الدنيا وتنعمهم فيها وتقلبهم في البلاد بانواع التجارات والمكاسب واللذات وانواع العز والغلبة في بعض الاوقات فان هذا كله متاع قليل. ليس له ثبوت ولا بقاء بل يتمتعون به قليلا. ويعذبون عليه طويلا. هذه اعلى حالة تكون للكافر وقد رأيت ما تؤول اليه. واما المتقون لربهم المؤمنون به. فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. فلو قدر انهم في دار الدنيا قد حصل لهم كل بؤس وشدة هناء ومشقة لكان هذا بالنسبة الى النعيم المقيم والعيش السليم. والسرور والحبور والبهجة نزرا يسيرا. ومنحة في صورة محنة ولهذا قال تعالى وما عند الله خير للابرار. وهم الذين برت قلوبهم فبرت اقوالهم وافعالهم. فاثابهم البر الرحيم من بر فيه اجرا عظيما وعطاء جسيما وفوزا دائما اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله خاشعين اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله اي وان من اهل الكتاب طائفة موفقة للخير. يؤمنون بالله ويؤمنون بما انزل اليكم وما انزل اليهم وهذا الايمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب ويكفر ببعض. ولهذا لما كان ايمانهم عاما حقيقيا صار نافعا فاحدث لهم خشية الله وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لاوامره ونواهيه والوقوف عند حدوده. وهؤلاء اهل الكتاب والعلم على الحقيقة كما قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء. ومن تمام خشيتهم لله انهم لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل اهل الانحراف الذين يكتمون ما انزل الله ويشترون به ثمنا قليلا. واما هؤلاء فعرفوا الامر على الحقيقة وعلموا ان من اعظم الخسران الرضا بالدون عن الدين. والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية. وترك الحق الذي هو اكبر حظ وفوز في الدنيا والاخرة. فاثروا الحق وبينوه ودعوا اليه. وحذروا عن الباطل فاثابهم الله على ذلك بان وعدهم الاجر الجزيل. والثواب الجميل امرهم بقربه وانه سريع الحساب فلا يستبطئون ما وعدهم الله. لان ما هو ات محقق حصوله فهو قريب ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله واتقوا الله ثم حض المؤمنين على ما يوصلهم الى الفلاح وهو الفوز والسعادة والنجاح وان الطريق الموصل الى ذلك لزوم الصبر الذي هو حبس النفس على ما تكرهه من ترك المعاصي ومن الصبر على المصائب وعلى الاوامر الثقيلة على النفوس فامرهم بالصبر على جميع ذلك. والمصابرة اي الملازمة والاستمرار على ذلك على الدوام. ومقاومة الاعداء في جميع الاحوال المرابطة وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه. وان يراقبوا اعداءهم ويمنعوهم من الوصول الى مقاصدهم. لعلهم يفلحون يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والاخروي. وينجون من المكروه كذلك. فعلم من هذا انه لا سبيل الى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات فلم يفلح من افلح الا بها ولم يفت احدا الفلاح الا بالاخلال بها او ببعضها. والله الموفق ولا حول ولا قوة الا به بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا فتحت على هذه السورة بالامر بتقواه. والحث على عبادته والامر بصلة الارحام والحث على ذلك. وبين السبب الداعي الموجب لكل من ذلك وان الموجب لتقواه. لانه ربكم الذي خلقكم ورزقكم. ورباكم بنعمه العظيمة. التي من جملتها خلق كن من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليناسبها فيسكن اليها وتتم بذلك النعمة ويحصل به السرور. وكذلك من الموجب داعي لتقوى تساؤلكم به وتعظيمكم. حتى انكم اذا اردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم. توسلتم لها بالسؤال بالله. فيقول من اريد ذلك لغيره. اسألك بالله ان تفعل الامر الفلاني لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي الا يرد من سأله بالله. فكما قمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه. وكذلك الاخبار بانه رقيب. اي مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم وعلنهم وجميع احوالهم مراقبا لهم فيها. مما يوجب مراقبته وشدة الحياء منه. بلزوم تقواه. وفي الاخبار بانه خلق من نفس واحدة وانه بثهم في اقطار الارض مع رجوعهم الى اصل واحد. ليعطف بعضهم على بعض ويرقق بعضهم على بعض. وقرن وبتقواه بالامر ببر الارحام والنهي عن قطيعتها ليؤكد هذا الحق. وانه كما يلزم القيام بحق الله. كذلك يجب القيام بحقوق الخلق خصوصا الاقربين منهم. بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي امر الله به. وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالامر بالتقوى وصلة الارحام والازواج عموما. ثم بعد ذلك فصل هذه الامور اتم تفصيل من اول السورة الى اخرها. فكأنها مبنية على هذه الامور المذكورة مفصلة لما اجمل منها موضحة لما امهم. وفي قوله وخلق منها زوجها تنبيه على مراعاة حق الازواج والزوجات والقيام لكون الزوجات مخلوقات من الازواج. فبينهم وبينهن اقرب نسب واشد اتصال. واقرب علاقة. وقوله تعالى واتوا ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم هذا اول ما اوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى الذين فقدوا اباءهم الكافلين لهم وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم. فامر الرؤوف الرحيم عباده ان يحسنوا اليهم. وان لا يقربوا اموالهم الا بالتي هي احسن وان يؤتوهم اموالهم اذا بلغوا ورشدوا كاملة موفرة والا تتبدلوا الخبيث الذي هو اكل مال اليتيم بغير حق بالطيب وهو الذي ما فيه حرج ولا تبعة. ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم. اي مع اموالكم. ففيه تنبيح لقبح اكل مالهم بهذه الحالة قد استغنى بها الانسان بما جعل الله له من الرزق في ماله. فمن تجرأ على هذه الحالة فقد اتى حوبا كبيرا. اي اثما عظيما ووزرا جسيمة ومن استبدال الخبيث بالطيب ان يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس ويجعل بدله من ما له الخسيس. وفيه الولاية على اليتيم. لان من لازم ايتاء اليتيم ماله ثبوت ولاية المؤتي على ماله. وفيه الامر باصلاح مال اليتيم. لان تمام اتائه ما له حفظه. والقيام به بما يصلحه وينميه. وعدم تعريضه للمخاوف والاخطار وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم فانكحوا ما طاب لكم من مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ايوه ان خفتم الا تعدلوا في يتامى النساء التي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم الا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم اياهن. فاعدلوا الى غيرهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء. اي ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين والمال والجمال والحسب والنسب. وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن. فاختاروا على نظركم ومن احسن ما يختار من صفات الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك. وفي هذه الاية انه ينبغي للانسان ان يختار قبل النكاح. بل وقد اباح له الشارع النظر الى من يريد ليكون على بصيرة من امره. ثم ذكر العدد الذي اباحه من النساء فقال مثنى وثلاث ورباع. اي من احب ان يأخذ اثنتين فليفعل او ثلاثا فليفعل او اربعا فليفعل. ولا يزيد عليها. لان الاية سيقت لبيان الامتنان. فلا يجوز الزيادة على غير ما الله تعالى اجماعا وذلك لان الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة فابيح له واحدة بعد واحدة حتى يبلغ اربعا لان في الاربع هي غنية لكل احد الا ما ندر. ومع هذا فانما يباح له ذلك اذا امن على نفسه الجور والظلم. ووثق بالقيام بحقوقهن فان خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة او على ملك يمينه فانه لا يجب عليه القصم في ملك اليمين. ذلك اي الاقتصار على واحدة او ما ملكت اليمين ادنى الا تعولوا اي تظلموا. وفي هذا ان تعرض العبد للامر الذي يخاف منه الجور والظلم. وعدم القيام بالواجب ولو كان مباحا انه لا ينبغي له ان يتعرض له. بل يلزم السعة والعافية. فان العافية خير ما اعطي العبد. واتوا ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن خصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا ودفعة واحدة يشق دفعه للزوجة. امرهم وحثهم على ايتاء النساء صدقاتهن. اي مهورهن نحلة اي عن طيب نفس وحال طمأنينة. فلا تنطروهن او تبخسوا منه شيئا. وفيه ان المهر يدفع الى المرأة اذا كانت مكلفة وانها تملكه بالعقد لانه اضافه اليها. والاضافة تقتضي التمليك. فان طبن لكم عن شيء منه اي من الصداق نفس سمحنا لكم عن رضا واختيار باسقاط شيء منه او تأخيره او المعاوضة عنه. فكلوه هنيئا مريئا. اي لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعه وفيه دليل على ان للمرأة التصرف في مالها ولو بالتضرع اذا كانت رشيدة فان لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم وانه ليس لوليها من الصداق شيء غير ما طابت به. وفي قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء. دليل على ان نكاح الخبيثة غير مأمور به منهي عنه كالمشركة وكالفاجرة. كما قال تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن. وقال الزانية لا ينكحها الا زاني او مشرك وقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا. السفهاء جمع سفيه وهو من لا تحسن التصرف في المال اما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوهما. واما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله الاولياء ان يؤتوها هؤلاء اموالهم خشية افسادها واتلافها. لان الله جعل الاموال قياما لعباده في مصالح دينهم ودنياهم. وهؤلاء لا يحسنون عليها وحفظها. فامر الولي الا يؤتيهم اياها. بل يرزقهم منها ويكسوهم. ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيا وان يقولوا لهم قولا معروفا بان يعدوهم اذا طلبوها انهم سيدفعوها لهم بعد رشدهم ونحو ذلك. ويلطفوا لهم في الاقوال جبرا لخواطرهم. وفي اضافته تعالى الاموال الى الاولياء. اشارة الى انه يجب عليهم ان يعملوا في اموال السفهاء. ما يفعلونه في اموالهم من الحفظ والتصرف وعدم التعريض للاخطار. وفي الاية دليل على ان نفقة المجنون والصغير والسفيه في مالهم اذا كان لهم مال لقوله وارزقوهم فيها واكسوهم. وفيه دليل على ان قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنة والكسوة. لان الله جعله مؤتمنا على امالهم فلزم قبول قول امين دفعتم اليهم اموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا ابتلاء هو الاختبار والامتحان. وذلك بان يدفع لليتيم المقارب للرشد. الممكن رشده شيئا من ما له ويتصرف فيه التصرف اللائق اله فيتبين بذلك رشده من سفهه. فان استمر غير محسن للتصرف لم يدفع اليه ما له. بل هو باق على سفهه. ولو بلغ عمرا كثيرا فان تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح فادفعوا اليهم اموالهم كاملة موفرة ولا تأكلوها اسرافا اي مجاوزة للحد في الحلال الذي اباحه الله لكم من اموالكم الى الحرام الذي حرمه الله عليكم من اموالهم. وبدارا ان يكبروا. اي ولا تأكلوها في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها اخذها منكم ولا منعكم من اكلها. تبادرون بذلك ان يكبروا فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من امور الواقعة من كثير من الاولياء. الذين ليس عندهم خوف من الله ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم. يرون هذه الحالة حال فرصة فيغتنمون ويتعجلون ما حرم الله عليهم. فنهى الله تعالى عن هذه الحالة بخصوصها للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما تركن كان العرب في الجاهلية من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان ويجعلون الميراث للرجال الاقوياء لانهم بزعمهم اهل الحرب والقتال والنهج فاراد الرب الحكيم ان يشرع لعباده شرعا يستوي فيه رجالهم ونساؤهم واقويائهم وضعفاؤهم وقدم بين يدي ذلك امرا لتتوطن على ذلك النفوس فيأتي التفصيل بعد الاجمال قد تشوقت له النفوس وزالت الوحشة التي منشأها العادات القبيحة فقال للرجال نصيب اي قسط وحصة مما ترك اي خلف الوالدان اي الاب والام والاقربون عموم بعد خصوص وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون. فكأنه قيل هل ذلك النصيب راجع الى العرف والعادة؟ وان يرضخوا لهم ما يشاؤون. او مقدرا فقال تعالى نصيبا مفروضا. اي قد قدره العليم الحكيم. وسيأتي ان شاء الله تقدير ذلك. وايضا فها هنا توهم اخر لعل احدا يتوهم ان النساء والولدان ليس لهم نصيب الا من المال الكثير. فازال ذلك بقوله مما قل منه او كثر فتبارك الله احسن الحاكمين وقولوا لهم قولا معروفا. وهذا من احكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب. فقال واذا حضر القسم هاي قسمة المواريث اولوا القربى اي الاقارب غير الوارثين بقرينة قوله القسمة لان الوارثين من المقسوم عليهم واليتامى والمساكين اي المستحقون من الفقراء فارزقوهم منه اي اعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب ولا عناء ولا نصب فان نفوسهم متشوفة اليه وقلوبهم متطلعة فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم وهو نافعهم. ويؤخذ من هذا المعنى ان كل فمن له تطلع وتشوف الى ما حضر بين يدي الانسان. ينبغي له ان يعطيه منه ما تيسر. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اذا جاء احدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه. فان لم يجلسه معه فلينوله لقمة او لقمتين. او كما قال وكان الصحابة رضي الله عنهم اذا بدأت باكورة اشجارهم اتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرك عليها ونظر الى اصغر وليد عنده فاعطاه ذلك علما منه بشدة تشوفه لذلك. وهذا كله مع امكان الاعطاء. فان لم يمكن ذلك لكونه حق سفهاء او ثم اهم من ذلك فليقولوا لهم قولا معروفا يردوهم ردا جميلا بقول حسن غير فاحش ولا قبيح قيل ان هذا خطاب لمن يحضر من حضره الموت واجنف في وصيته. ان يأمره بالعدل في وصيته والمساواة فيها. بدليل قوله وليقولوا قوله سديدا اي سدادا موافقا للقسط والمعروف. وانهم يأمرون من يريد الوصية على اولاده. بما يحبون معاملة اولادهم بعدهم. وقيل الا ان المراد بذلك اولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف ان يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون ان يعامل به من بعدهم من ذريتهم الضعاف فليتقوا الله في ولايتهم لغيرهم اي يعاملونهم بما فيه تقوى الله من عدم اهانتهم والقيام عليهم الزامهم بتقوى الله. ولما امرهم بذلك زجرهم عن اكل اموال اليتامى. وتوعد على ذلك اشد العذاب. فقال حين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا انما يأكلون ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما اي بغير حق. وهذا يخرج به ما تقدم من جواز الاكل للفقير بالمعروف. ومن جواز خلط طعامهم بطعام الاقامة. فمن اكلها ظلما فانما يأكلون في نارا اي فان الذي اكلوه نار تتأجج في اجوافهم وهم الذين ادخلوها في بطونهم. وسيصلون سعيرا اي نارا محرقة توقد وهذا اعظم وعيد ورد في الذنوب. يدل على شناعة اكل اموال اليتامى وقبحها. وانها موجبة لدخول النار. فدل ذلك انها من اكبر الكبائر نسأل الله العافية فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلامه فان كان له اخوة لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا. فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما. هذه الايات والاية التي هي اخر السورة. هن ايات المواريث مطمنتي لها فانها مع حديث عبدالله ابن عباس الثابت في صحيح البخاري الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر مشتملات على جل احكام الفرائض بل على جميعها كما سترى ذلك الا ميراث الجدات فانه غير مذكور في ذلك. لكونه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى الجدة السدس. مع اجماع العلماء على ذلك. فقوله تعالى يوصيكم الله في اولادكم اي اولادكم يا معشر الوالدين. عندكم ودائع قد وصاكم الله عليها. لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد وتأمرونهم بطاعة الله. وملازمة التقوى على الدوام. كما قال تعالى يا ايها الذين الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. فالاولاد عند والديهم موصى بهم. فاما ان يقوموا بتلك الوصية واما ان يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. وهذا مما يدل على ان الله تعالى ارحم بعباده من الوالدين. حيث اوصى الوالدين مع كمال شفقتهم عليهم ثم ذكر كيفية ارثهم فقال للذكر مثل حظ الانثيين اي الاولاد للصلب والاولاد للابن للذكر مثل حظ الانثى ان لم يكن معهم صاحب فرض او ما ابقت الفروض يقتسمونه كذلك. فقد اجمع العلماء على ذلك. وانه مع وجود اولاد الصلب. فالميراث لهم وليس لاولاد الابن شيء. حيث كان اولاد الصلب ذكورا واناثا. هذا مع اجتماع الذكور والاناث. وهنا حالتان انفراد الذكور وسيأتي حكمها وانفراد الاناث. وقد ذكره بقوله فان كن نساء فوق اثنتين. اي بنات صلب او بنات بن. ثلاثا فاكثر لهن ثلث ما ترك. وان كانت واحدة اي بنتا او بنت ابن فلها النصف. وهذا اجماع. بقي ان يقال من اين يستفاد ان للابن الثنتين الثلثين بعد الاجماع على ذلك. فالجواب انه يستفاد من قوله وان كانت واحدة فلها النصف. فمفهوم ذلك انه ان زاد على الواحدة انتقل الفرض عن النصف ولا ثم بعده الا الثلثان وايضا فقوله للذكر مثل حظ الانثيين اذا خلف ابنا وبنت فان الابن له الثلثان. وقد اخبر الله انه مثل حظ الانثيين. فدل ذلك على ان للبنتين الثلثين. وايضا فان البنت اذا اخذت الثلث مع اخيها وهو ازيد ضررا عليها من اختها. فاخذها له مع اختها من باب اولى واحرى. وايضا فان قوله تعالى في الاختين فان كانت اثنتين فلهما الثلثان مما ترك. نص في الاختين الثنتين. فاذا كانت الاختان الثنتان مع بعدهما يأخذان الثلثين فالابنتان مع قربهما من باب اولى واحرى. وقد اعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح. بقي ان يقال فما الفائدة في قوله فوق اثنتين؟ قيل الفائدة في ذلك والله اعلم انه ليعلم ان الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدا. ودلت الاية الكريمة انه اذا وجد بنت صلب واحدة وبنت ابن او بنات ابن فان لبنت الصلب النص ويبقى من الثلثين الذين فرضهم الله للبنات او بنات الابن السدس. فيعطى بنت الابن او بنات الابن. ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين ومثل ذلك بنت الابن مع بنات الابن اللاتي انزل منها. وتدل الاية انه متى استغرق البنات او بنات الابن الثلثين؟ انه ويسقط من دونهن من بنات الابن. لان الله لم يفرض لهن الا الثلثين. وقد تم. فلو لم يسقطن لزم من ذلك ان يفرض لهن ازيد من الثلثين وهو خلاف النص. وكل هذه الاحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد. ودل قوله مما ترك ان الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار واثاث وذهب وفضة وغير ذلك. حتى الدية التي لم تجب الا بعد موته. وحتى الديون التي في الذمم. ثم ذكر ميراث الابوين فقال ولابويه اي ابوه وامه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد. اي ولد صلب او ولد ابن ذكرا كان او انثى واحدا او متعددا. فاما الام فلا تزيد على السدس مع احد من الاولاد. واما الاب فمع الذكور منهم لا يستحق ازيد من السدس. فان كان الولد انثى او اناثا. ولم يبق بعد الفرض شيء. كابوين وابنتين. لم يبقى له تعصيب. وان بقي بعد فرضها البنت او البنات شيء اخذ الاب السدس فرضا والباقي تعصيب لاننا الحقنا الفروض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. وهو اولى من والعم وغيرهما فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلامه الثلث. اي والباقي للام لانه اضاف المال الى الاب والام افة واحدة ثم قدر نصيب الام فدل ذلك على ان الباقي للاب وعلم من ذلك ان الاب مع عدم الاولاد لا فرض له بل يرث تعصيه بني المال كله او ما ابقت الفروض. لكن لو وجد مع الابوين احد الزوجين ويعبر عنهما بالعمريتين. فان الزوج او الزوجة يأخذ ثم تأخذ الام ثلث الباقي والاب الباقي. وقد دل على ذلك قوله وورثه ابواه فلامه الثلث. اي ثلث ما ورثه ابوان وهو في هاتين الصورتين اما سدس في زوج واب وام واما ربع في زوجة وام واب. فلم تدل الاية على ارث الام ثلث المال مع عدم الاولاد حتى يقال ان هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا. ويوضح ذلك ان الذي يأخذه الزوج او الزوجة ما يأخذه الغرماء. فيكون من رأس المال والباقي بين الابوين. ولانا لو اعطينا الام ثلث المال لزم زيادتها على الاب في مسألة الزوج او اخذ الاب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصف السدس. وهذا لا نظير له. فان المعهود مساواتها للاب او اخذه ضعف ما تأخذه الام فان كان له اخوة فلامه السدس اشقاء او لاب او لام ذكورا كانوا او اناثا وارثين او محجوبين بالاب او الجد لكن قد يقال ليس ظاهر قوله فان كان له اخوة شاملا لغير الوارثين. بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف. فعلى هذا كان يحجبها عن الثلث من الاخوة الا الاخوة الوارثون. ويؤيده ان الحكمة في حجبهم لها عن الثلث. لاجل ان يتوفر لهم شيء من المال وهو معدوم والله اعلم. ولكن بشرط كونهم اثنين فاكثر. ويشكل على ذلك اتيان لفظ الاخوة بلفظ الجمع. واجيب عن ذلك بان المقصود مجرد مفرد التعدد الى الجمع ويصدق ذلك باثنين. وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان كما في قوله تعالى عن داوود وسليمان وكنا لحكمهم شاهدون وقال في الاخوة للام وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت. فلكل واحد منهما السدس. فان كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث. فاطلق لفظ الجمع والمراد اثنان فاكثر بالاجماع. فعلى هذا لو خلف اما وابا واخوة كان ام السدس والباقي للاب. فحجبوها عن الثلث مع حجب الاب اياهم. الا على الاحتمال الاخر. فان للام الثلث والباقي للاب ثم قال تعالى من بعد وصية يوصي بها او دين. اي هذه الفروض والانصباء والمواريث. انما تريد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله او للادميين. وبعد الوصايا التي قد اوصى الميت بها بعد موته. فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة. وقدم الوصية مع انها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها لكون اخراجها شاقا على الورثة. والا فالديون مقدمة عليها وتكون من رأس المال واما الوصية فانها تصح من الثلث فاقل. للاجنبي الذي هو غير وارث. واما غير ذلك فلا ينفذ الا باجازة الورثة. قال قال اباؤكم وابناؤكم لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا. فلو رد تقدير الارث الى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليه لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الاحسن. في كل زمان ومكان. فلا يدرون اي الاولاد او الوالدين انفع لهم واقرب اصول مقاصدهم الدينية والدنيوية. فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما. اي فرضها الله الذي قد احاط بكل شيء علما واحكم ما شرعه وقدر ما قدره على احسن تقدير. لا تستطيع العقول ان تقترح مثل احكامه. الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان واحد قال ثم قال تعالى ان ولد فلكم الربع مما تركنا من بعد وصية من بعد وصية يوصين بها او الثمن مما تركتم من بعد وصية من بعد وصية توصون بها او دين وصية الله والله عليم حليم. ولكم ايها الازواج نصف ما ترك ازواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن. من بعد وصية يوصين بها او دين. ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد. فان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم. من بعد وصية توصون بها او دين. ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده او عدمه. ولد الولد الابن الذكر والانثى؟ الواحد والمتعدد الذي من الزوج او من غيره. ويخرج عنه ولد البنت اجماعا. ثم قال تعالى وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت. اي من ام كما هي في بعض القراءات. واجمع العلماء على ان المراد اخوتي هنا الاخوة للام فاذا كان يورث كلالة اي ليس للميت والد ولا ولد اي لا اب ولا جد ولا ابن ولا ابن ولا بنت ولا بنت ابن وان نزلوا وهذه هي الكلالة كما فسرها بذلك ابو بكر الصديق رضي الله عنه وقد حصل على ذلك الاتفاق ولله الحمد فلكل واحد منهما اي من الاخ والاخت السدس فان كانوا اكثر من ذلك اي من واحد فهم شركاء في الثلث اي لا يزيدون على ثلث ولو زادوا عن اثنين ودل قوله فهم شركاء في الثلث ان ذكرهم وانثاهم سواء لان لفظ التشريك يقتضي التسوية ودل لفظ الكلالة على ان الفروع وان نزلوا. والاصول الذكور وان علوا يسقطون اولاد الام. لان الله لم يورثهم الا في الكلالة. فلو لم يكن لم يرثوا منه شيئا اتفاقا. ودل قوله فهم شركاء في الثلث ان الاخوة الاشقاء يسقطون في المسألة المسماة بالحمارية وهي زوج وام واخوة لام واخوة اشقاء. للزوج النصف وللام السدس وللاخوة للام الثلث. ويسقط الاشقاء لان الله اضاف الثلث للاخوة من الام. فلو شاركهم الاشقاء لكان جمعا لما فرق الله حكمه. وايضا فان الاخوة للام اصحاب فروض والاشقاء عصبات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. واهل الفروض هم الذين الله انصبائهم ففي هذه المسألة لا يبقى بعدهم شيء فيسقط الاشقاء وهذا هو الصواب في ذلك. واما ميراث الاخوة والاخوات الاشقاء او لاب فمذكور في قوله يستفتونك. قل الله يفتيكم في الكلالة. فالاخت الواحدة شقيقة او لاب لها النصف. واثنتان لهما الثلثان والشقيقة الواحدة مع الاخت لاب او الاخوات تأخذ النصف. والباقي من الثلثين للاخت او الاخوات لاب وهو سدس تكملة الثلثين. واذا استغرقت الشقيقات الثلثين سقط الاخوات لاب كما تقدم في البنات وبنات الابن. وان كان الاخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين. فان قيل فهل يستفاد حكم ميراث القاتل والرقيق والمخالف في الدين والمبعظ والخنث والجد مع الاخوة لغير ام والعول والرد وذوي الارحام وبقية العصبة والاخوات لغير ام. مع البنات او بنات الابن من القرآن ام لا قيل نعم فيه تنبيهات واشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل. تدل على جميع المذكورات. فاما القاتل والمخالف في الدين فيعرف انهما غير وارثين. من بيان الحكمة الالهية في توزيع المال على الورثة. بحسب قربهم ونفعهم الديني والدنيوي. وقد اشار تعالى الى هذه الحكمة بقوله لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا؟ وقد علم ان القاتل قد سعى لمورثه باعظم الضرر. فلا ينتهض ما فيه من موجب الارث ان ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الارث. فعلم من ذلك ان القتل اكبر مانع يمنع الميراث. ويقطع الرحم الذي قال الله فيه اول الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. مع انه قد استقرت القاعدة الشرعية ان من استعجل شيئا قبل اوانه عوقب بحرمانه بهذا ونحوه يعرف ان المخالف لدين الموروث لا ارث له. وذلك انه قد تعارض الموجب الذي هو اتصال النسب الموجب للارث. والمانع الذي هو المخالفة الدين الموجبة للمباينة من كل وجه. فقوي المانع ومنع موجب الارث الذي هو النسب. فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك ان الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين اولى من حقوق الاقارب الكفار الدنيوية. فاذا مات المسلم انتقل ما له الى من هو اولى واحق به فيكون قوله تعالى واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. اذا اتفقت اديانهم واما مع تباينهم. فالاخوة الدينية مقدمة على الاخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في جلاء الافهام وتأمل هذا المعنى في اية المواريث وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة كما في قوله تعالى ولكم نصف ما ترك ازواجكم ايذانا بان هذا التوارث انما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل التناسب والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب. فلا يقع بينهما التوارف واسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقوله للعالمين انتهى كلامه رحمه الله. واما الرقيق فانه لا يرث ولا يورث. اما كونه لا يورث فواضح لانه ليس له يورث عنه بل كل ما معه فهو لسيده. واما كونه لا يرث فلانه لا يملك. فانه لو ملك لكان لسيده. وهو اجنبي من الميت فيكون مثل قوله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين. ولكم نصف ما ترك ازواجكم فلكل واحد منهما السدس. ونحوها ان يتأتى منه التملك. فاما الرقيق فلا يتأتى منه ذلك. فعلم انه لا ميراث له. واما من بعضه حر وبعضه رقيق. فانه تتبعض احد فما فيه من الحرية يستحق بها ما رتبه الله في المواريث. لكون ما فيه من الحرية قابلا للتملك. وما فيه من الرق فليس بقابل لذلك فاذا يكون المبعض يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. واذا كان العبد يكون محمودا مذموما. مثابا ومعاقبا بقدر ما فيه من موجبات ذلك فهذا كذلك. واما الخنثى فلا يخلو اما ان يكون واضحا ذكوريته او انوثيته او مشكلة. فاذا كان واضحا الامر فيه واضح ان كان ذكرا فله حكم الذكور. ويشمله النص الوارد فيهم. وان كان انثى فله حكم الاناث. ويشملها النص الوارد فيهن وان كان مشكلا فان كان الذكر والانثى لا يختلف ارثهما كالاخوة للام فالامر فيه واضح. وان كان يختلف ارثه بتقدير ذكوريته وبتقدير امسيته ولم يبق لنا طريق الى العلم بذلك لم نعطه اكثر التقديرين. لاحتمال ظلم من معه من الورثة. ولم نعطه الاقل لاحتمال ظلمنا له. فوجب التوسط بين الامرين وسلوك اعدل الطريقين. قال تعالى اعدلوا هو اقرب للتقوى. وليس لنا طريق الى العدل في مثل هذا اكثر من هذا الطريق المذكور. ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. فاتقوا الله ما استطعتم. واما ميراث الجد مع اخوتي الاشقاء او لاب وهل يرثون معه ام لا؟ فقد دل كتاب الله على قول ابي بكر الصديق رضي الله عنه. وان الجد يحجب الاخوة او لاب او لام كما يحجبهم الاب. وبيان ذلك ان الجد اب في غير موضع من القرآن. كقوله تعالى اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسحاق وقال يوسف عليه السلام واتبعت ملة ابائي في إبراهيم واسحاق ويعقوب. فسمى الله الجد وجد الاب ابا. فدل ذلك على ان الجد بمنزلة الاب يرث ما يرثه الاب ويحجب من يحجب واذا كان العلماء قد اجمعوا على ان الجد حكمه حكم الاب عند عدمه في ميراثه مع الاولاد وغيرهم. من بني الاخوة والاعمام وبنيهم سائر احكام المواريث فينبغي ايضا ان يكون حكمه حكمه في حجب الاخوة لغير ام. واذا كان ابن الابن بمنزلة ابن الصلب فلما لا الجد بمنزلة الاب واذا كان جد الاب مع ابن الاخ قد اتفق العلماء على انه يحجبه فلما لا يحجب جد الميت اخاه؟ فليس مع من يورث الاخوة مع الجد نص ولا اشارة ولا تنبيه ولا قياس صحيح. واما مسائل العول فانه يستفاد حكمها من القرآن. وذلك ان الله تعالى قد فرض وقدر لاهل المواريث انصبا. وهم بين حالتين. اما ان يحجب بعضهم بعضا. او لا. فان حجب بعضهم بعضا. فالمحجوب مساقط لا يزاحم ولا يستحق شيئا. وان لم يحجب بعضهم بعضا فلا يخلو اما ان لا تستغرق الفروض التركة. او تستغرقها من غير زيادة ولا نقص او تزيد الفروض على التركة. ففي الحالتين الاوليين كل يأخذ فرضه كاملا. وفي الحالة الاخيرة وهي ما اذا زادت الفروض على التركة فلا يخلو من حالين اما ان ننقص بعض الورثة عن فرضه الذي فرضه الله له. ونكمل للباقين منهم فروضهم. وهذا ترجيح بغير مرجح ليس نقصان احدهم باولى من الاخر. فتعينت الحال الثانية وهي اننا نعطي كل واحد منهم نصيبه بقدر الامكان. ونحاصص بينهم كديون من غرماء الزائدة على مال الغريم ولا طريق موصل الى ذلك الا بالعول. فعلم من هذا ان العول في الفرائض قد بينه الله في كتابه. وبعكسه بهذه الطريقة بعينها يعلم الرد فان اهل الفروض اذا لم تستغرق فروضهم التركة وبقي شيء ليس له مستحق من عاصب قريب ولا بعيد فان رده على احدهم ترجيح بغير مرجح. واعطاؤه غيرهم ممن ليس بقريب للميت. جنف وميل ومعارضة لقوله واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. فتعين ان يرد على اهل الفروض بقدر فروضهم. ولما كان الزوجان ليسا من القرابة لم يستحقا زيادة على فرضهم المقدر. هذا عند من لا يورث الزوجين بالرد. وهم جمهور القائلين بالرد. فعلى هذا تكون علة الرد كونه صاحب فرض قريبا وعلى القول الاخر ان الزوجين كغيرهما من ذوي الفروض يرد عليهما فكما ينقصان بالعول فانهما يزادان بالرد كغيرهما العلة على هذا كونه وارثا صاحب فرض. فهذا هو الظاهر من دلالة الكتاب والسنة. والقياس الصحيح والله اعلم. وبهذا يعلم ايضا ميراث ذوي الارحام فان الميت اذا لم يخلف صاحب فرض ولا عاصبا. وبقي الامر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال لمنافع الاجانب وبين كون ماله يرجع الى اقاربه المدنين بالورثة المجمع عليهم. ويدل على ذلك قوله تعالى واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب بسم الله فصرفه لغيرهم ترك لمن هو اولى من غيره. فتعين توريث ذوي الارحام واذا تعين توريثهم فقد علم انه ليس لهم نصيب مقدر باعيانهم في كتاب الله. وان بينهم وبين الميت وسائط صاروا بسببها من الاقارب. فينزلون منزلة من ادلوا به من تلك الوثائق. والله الله اعلم واما ميراث بقية العصبة كالبنوة والاخوة وبنيهم والاعمام وبنيهم. فان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. وقال تعالى ولكل جعلنا مواليا مما ترك الوالدان والاقربون. فاذا الحقنا الفروع وباهلها ولم يبق شيء. لم يستحق العاصم شيئا. وان بقي شيء اخذه اولى العصبة. وبحسب جهاتهم ودرجاتهم. فان جهات العصور خمس البنوة ثم الابوة ثم الاخوة وبنوهم ثم العمومة وبنوهم ثم الولاء. فيقدم منهم الاقرب جهة. فان في جهة واحدة فالاقرب منزلة. فان كانوا في منزلة واحدة فالاقوى وهو الشقيق. فان تساووا من كل وجه اشتركوا. والله واعلم واما كون الاخوات لغير ام مع البنات او بنات الابن عصبات يأخذن ما فضل عن فروضهن فلانه ليس في القرآن ما يدل على ان اخوات يسقطن بالبنات. فاذا كان الامر كذلك وبقي شيء بعد اخذ البنات فرضهن فانه يعطى للاخوات. ولا يعدل عنهن الى عصبة ابعد منهن كابن الاخ والعم ومن هو ابعد منهم والله اعلم يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار. ومن يدخل الانهار خالدين فيها وذلك الفوز اي تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها. وعدم مجاوزتها ولا القصور عنها. وفي ذلك دليل على ان الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى انصباء الوارثين. ثم قوله تعالى تلك حدود الله. فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل في هذا التعدي مع قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عموما ليدخل في لزوم حدوده في الفرائض او ترك ذلك فقال ومن يطع الله ورسوله بامتثال امرهما الذي اعظمه طاعتهما في التوحيد ثم الاوامر على اختلاف درجاتها. واجتناب نهيهما الذي اعظمه الشرك بالله. ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها. يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها فمن ادى الاوامر واجتنب النواهي فلا بد له من دخول الجنة والنجاة من النار. وذلك الفوز العظيم الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصفه الواصفون. ومن يعص الله ورسوله يدخل نارا خالدا فيها وله عذاب ومن يعصي الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي. فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر اهل المعاصي. فان الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله. ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله. فمن اطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب. ومن عصى الله الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه. دخل النار وخلد فيها. ومن اجتمع فيه معصية وطاعة كان فيه من موجب الثواب عقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة على ان الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد غير مخلدين في النار. فما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها والتي يأتينا الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم ان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا اي النساء اللاتي يأتين الفاحشة اي الزنا ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها. فاستشهدوا عليهن اربعة منكم اي من رجالكم المؤمنين العدول. فان شهدوا فامسكوهن في البيوت. اي احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وايضا فان الحبس من جملة العقوبات حتى يتوفاهن الموت اي هذا منتهى الحبس. او يجعل الله لهن سبيلا. اي طريقا غير الحبس في البيوت. وهذه الاية ليست منسوخة وانما هي مغياة الى ذلك الوقت. فكان الامر في اول الاسلام كذلك. حتى جعل الله لهن سبيلا. وهو رجل محصن وجلد غير المحصن واللذان يأتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما وكذلك اللذان يأتيانها اي الفاحشة منكم من الرجال والنساء فاذوهما بالقول والتوبيخ والتعيير والضرب الرادع عن هذه الفاحشة. فعلى هذا يكون الرجال اذا فعلوا الفاحشة يؤذون. والنساء يحبسن ويؤذين. فالحبس غايته الى الموت والاذية نهايتها الى التوبة والاصلاح. ولهذا قال فان تاب اي رجع عن الذنب الذي فعلاه وندما عليه. وعزم على الا يعود واصلح العمل الدال على صدق التوبة. فاعرضوا عنهما اي عن اذاهما. ان الله كان توابا رحيما. اي كثير التوبة هل المذنبين الخطائين؟ عظيم الرحمة والاحسان الذي من احسانه وفقهم للتوبة وقبلها منهم وسامحهم على ما صدر منهم. ويؤخذ من هاتين الايتين ان بينة الزنا لابد ان تكون اربعة رجال مؤمنين. ومن باب اولى واحرى اشتراط عدالتهم. لان الله تعالى شدد في امر هذه فاحشة سترا لعباده حتى انه لا يقبل فيها النساء منفردات ولا مع الرجال ولا ما دون اربعة. ولابد من التصريح بالشهادة كما دلت على كذلك الاحاديث الصحيحة وتومئ اليه هذه الاية لما قال فاستشهدوا عليهن اربعة منكم لم يكتفي بذلك حتى قال فان شهدوا اي لابد من شهادة صريحة عن امر يشاهد عيانا من غير تعريض ولا كناية. ويؤخذ منهما ان الاذية بالقول والفعل والحبس قد شرعه الله تعزيرا لجنس المعصية الذي يحصل به الزجر وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما. توبة الله على عباده نوعان توفيق منه للتوبة وقبول لها بعد وجودها من العبد. فاخبر هنا ان التوبة المستحقة على الله حق احقه على نفسه. كرما منه جودا لمن عمل السوء. اي المعاصي بجهالة اي جهالة منه بعاقبتها وايجابها لسخط الله وعقابه. وجهل منه بنظر الله ومراقبته له. وجهل منه بما تؤول اليه النقص الايمان او اعدامه. فكل عاص لله فهو جاهل بهذا الاعتبار. وان كان عالما بالتحريم بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقب عليه عليها ثم يتوبون من قريب. ثم يتوبون قبل معاينة الموت. فان الله يقبل توبة العبد اذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. واما بعد حضور الموت فلا يقبل من العاصين توبة. ولا من الكفار رجوع. كما قال الله تعالى عن فرعون حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل. وقال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا. سنة الله التي قد خلت في عباده. وقال هنا وليست التوبة للذين يعملون السيئات. اي المعاصي فيما دون الكفر الان ولا الذين يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما آآ وذلك ان التوبة في هذه الحال توبة اضطرار. لا تنفع صاحبها انما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل ان يكون معنى قوله من قريب اي قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة. فيكون المعنى ان من بادر الى الاقلاع من حين صدور الذنب واناب الى الله وندم عليه. فان الله يتوب عليك بخلاف من استمر على ذنوبه واصر على عيوبه. حتى صارت فيه الصفات الراسخة فانه يعسر عليه ايجاد التوبة التامة انه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لاسبابها. كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين. وتهاون بنظر الله اليك. فانه سد على نفسه باب نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة. التي يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته ولكن الرحمة والتوفيق للاول اقرب. ولهذا ختم الاية الاولى بقوله وكان الله عليما حكيما. فمن علمه انه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته. ومن حكمته ان يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقه للتوبة. ويخذل من اقتضت حكمته عدله عدم توفيقه والله اعلم ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة كانوا في الجاهلية اذا مات احدهم عن رأى قريبه كاخيه وابن عمه ونحوهما انه احق بزوجته من كل احد وحماها عن غيره. فان احبها تزوجها على صداق يحبها دونها وان لم يرضها عضلها فلا يزوجها الا من يختاره هو. وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئا مما يراف قريبه او في صداقها وكان الرجل ايضا يعضل زوجته التي يكون يكرهها ليذهب ببعض ما اتاها. فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الاحوال الى حالتين اذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الاول كما هو مفهوم قوله كرها. واذا اتينا بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش سوى اذيتها لزوجها فانه في هذه الحال يجوز له ان يعضلها عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه اذا كان عطلا بالعدل ثم قال وعاشروهن بالمعروف. وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية. فعلى الزوج ان يعاشر زوجته بالمعروف. من الصحبة الجميلة وكف الاذى وبذل الاحسان وحسن المعاملة. ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما. فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان وهذا يتفاوت بتفاوت الاحوال. فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. اي ينبغي لكم ايها الازواج ان تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن. فان في ذلك خيرا كثيرا. من ذلك امتثال امر الله. وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والاخرة ومنها ان اجباره نفسه مع عدم محبته لها فيه مجاهدة النفس والتخلق بالاخلاق الجميلة وربما ان الكراهة تزول وتخلفها المحبة كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا. نفع والديه في الدنيا والاخرة وبهتانا واثما مبينا. وهذا كله مع الامكان في الامساك وعدم المحظور. فان كان لا بد من الفراق وليس امساك محل فليس الامساك بلازم. بل متى اردتم استبدال زوج مكان زوج؟ اي تطليق الزوجة وتزوج اخرى. اي فلا جناح عليكم في ذلك ولا لا حرج ولكن اذا اتيتم احداهن اي المفارقة او التي تزوجها ان طارا اي مالا كثيرة فلا تأخذوا منه شيئا. بل لهن ولا تمطلوا بهن. وفي هذه الاية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر. مع ان الافضل واللائق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف في المهر ووجه الدلالة ان الله اخبر عن امر يقع منهم ولم يمكنه عليهم فدل على عدم تحريمه. لكن قد ينهى عن كثرة الصداق اذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم. ثم قال اتأخذونه بهتانا واثما مبينا؟ فان هذا لا يحل. ولو تحايلتم عليه بانواع الحيل فان اثمه واضح. وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله وبيان ذلك ان الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على الزوج ولم ترضى بحلها له بذلك المهر الذي يدفعه لها. فاذا دخل بها وافضى اليها وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك. التي لم ترضى ببذلها الا بذلك العوظ فانه قد استوفى المعوظ فثبت عليه العوظ. فكيف يستوفي المعوظ؟ ثم بعد ذلك يرجع على العوظ. هذا من اعظم الظلم والجور وكذلك اخذ الله على الازواج ميثاقا غليظا بالعقد. والقيام بحقوقها ثم قال تعالى اي لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن اباؤكم اي الاب وان علا انه كان كان فاحشة اي امرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه. ومقتا من الله لكم ومن الخلق. بل يمقت بسبب ذلك الابن اباه. والاب ابناه. مع ببره وساء سبيلا. اي بئس الطريق طريقا لمن سلكه. لان هذا من عوائد الجاهلية التي جاء الاسلام بالتنزه عنها والبراءة منها حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم فان لم تكونوا اصلابكم وان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف ان الله كان غفورا رحيما هذه الايات الكريمات مشتملات على المحرمات بالنسب والمحرمات بالرضاع والمحرمات بالصهر والمحرمات بالجمع وعلى المحللات من النساء فاما المحرمات في النسب فهن السبع اللاتي ذكرهن الله. الام يدخل فيها كل من لها عليك ولادة وان بعدت. ويدخل في البنت كل من لك عليها ولادة والاخوات الشقيقات او لاب او لام والعمة كل اخت لابيك او لجدك وان علا والخالة كل اخت لامك او جدتك وان علت وارثة ام لا؟ وبنات الاخ وبنات الاخت اي وان نزلت. فهؤلاء هن المحرمات من النسب باجماع العلم العلماء كما هو نص الاية الكريمة وما عداهن فيدخل في قوله واحل لكم ما وراء ذلكم. وذلك كبنت العمة والعم وبنت الخال والخالة واما المحرمات بالرضاع فقد ذكر الله منهن الام والاخت. وفي ذلك تحريم الام مع ان اللبن ليس لها انما هو لصاحب اللبن. دل تنبيهه على ان صاحب اللبن يكون ابا للمرتظع. فاذا ثبتت الابوة والامومة ثبت ما هو فرع عنهما كاخوتهما واصولهم وفروعهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فينتشر التحريم من جهة المرضعة ومن له اللبن. كما ينتشر في الاقارب وفي الطفل المرتضع الى ذريته فقط. لكن بشرط ان يكون الرضاع خمس رضعات في الحولين. كما بينت السنة. واما المحرمات بالصهر فهن حلائل الاباء وان علوا وحلائل الابناء وان نزلوا وارثين او محجوبين وامهات الزوجة وان علون فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد. والرابعة الربيبة وهي بنت زوجته وان نزلت. فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته. كما قال هنا وربائب اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وقد قال الجمهور ان قوله اللاتي في حجوركم قيد خرج مخرج الغالب لا مفهوم له فان الربيبة تحرم ولو لم تكن في حجره. ولكن للتقييد بذلك فائدتان احداهما فيه التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة وانها كانت بمنزلة البنت. فمن المستقبح اباحتها. والثانية فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة. وانها بمنزلة من هي في حجره من بناته ونحوهن والله اعلم. واما المحرمات بالجمع فقد ذكر الله الجمع بين الاختين وحرمه. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها فكل امرأتين بينهما رحم محرم لو قدر احداهما ذكرا والاخرى انثى حرمت عليه فانه يحرم الجمع بينهما وذلك في ذلك من اسباب التقاطع بين الارحام