المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي الله وكذلك تعليقهم الايمان بارادتهم ومشيئتهم وحدهم. وعدم الاعتماد على الله من اكبر الغلط. فانهم لو جاءتهم الايات العظيمة من تنزيل الملائكة اليهم يشهدون للرسول بالرسالة وتكليم الموتى وبعثهم بعد موتهم وحشر كل شيء اليهم حتى يكلمهم قبلا ومشاهدة ومباشرة بصدق ما جاء به الرسول ما حصل منهم الايمان. اذا لم يشأ الله ايمانهم ولكن اكثرهم يجهلون. فلذلك رتبوا ايمانهم على مجرد اتيان الايات وانما العقل والعلم ان يكون العبد مقصوده اتباع الحق. ويطلبه بالطرق التي بينها الله. ويعمل بذلك. ويستعين ربه في اتباعه. ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته. ولا يطلب من الايات الاقتراحية ما لا فائدة فيه. وكذلك جعلنا لكل نبي عدو شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون يقول تعالى مصليا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وكما جعلنا لك اعداء يردون دعوتك ويحاربونك ويحسدونك. فهذه سنة ان نجعل لكل نبي نرسله الى الخلق اعداء من شياطين الانس والجن يقومون بضد ما جاءت به الرسل. يوحي بعضهم الى بعض من زخرف القول غرورا. اي يزين بعضهم لبعض الامر الذي يدعون اليه من الباطل. ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في احسن صورة. ليغتر وبه السفهاء وان قاد له الاغبياء الذين لا يفهمون الحقائق ولا يفقهون المعاني بل تعجبهم الالفاظ المزخرفة والعبارات المموهة فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا. ولهذا قال تعالى ولتصغى اليه اي لتميل الى ذلك كلامي المزخرف افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة. لان عدم ايمانهم باليوم الاخر وعدم عقولهم النافعة. يحملهم على ذلك. وليرضون بعد ان يصغوا اليه فيصغون اليه اولا. فاذا مالوا اليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة رضوه. وزين في قلوبهم وصار عقيدة وسخة وصفة لازمة ثم ينتج من ذلك ان يقترفوا من الاعمال والاقوال ما هم مقترفون. ان يأتون من الكذب بالقول والفعل ما هو من لوازم في تلك العقائد القبيحة فهذه حال المغترين بشياطين الانس والجن. المستجيبين لدعوتهم. واما اهل الايمان بالاخرة واولو العقول الوافية الالباب الرزينة فانهم لا يغترون بتلك العبارات. ولا تخلو بهم تلك التمويهات بل همتهم مصروفة الى معرفة الحقائق. فينظرون الى المعاني التي يدعو اليها الدعاة فان كانت حقا قبلوها وانقادوا لها. ولو كسيت عبارات ردية والفاظا غير وافية. وان كانت باطلا ردوها على من قالها كائنا من كان ولو البست من العبارات المستحسنة ما هو ارق من الحرير. ومن حكمة الله تعالى في جعله للانبياء اعداء للباطن انصارا قائمين بالدعوة اليه ان يحصل لعباده الابتلاء والامتحان. ليتميز الصادق من الكاذب والعاقل من الجاهل والبصير من الاعمى ومن حكمته ان في ذلك بيانا للحق وتوضيحا له. فان الحق يستنير ويتضح اذا قام الباطل يصارعه ويقاومه. فانه حينئذ تبينوا من ادلة الحق وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته. ومن فساد الباطل وبطلانه ما هو من اكبر المطالب التي يتنافس فيه المتنافس افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا والذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق اي قل يا ايها الرسول افغير الله ابتغي حكما احاكم اليه واتقيد باوامره ونواهيه فان غير الله محكوم عليه لا حاكم. وكل تدبير وحكم للمخلوق فانه مشتمل على النقص والعيب وانما الذي يجب ان يتخذ حاكما فهو الله وحده لا شريك له. الذي له الخلق والامر الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا. اي موضحا فيه الحلال والحرام والاحكام الشرعية واصول الدين وفروعه. الذي لا بيان فوق بيانه ولا برهان اجلى من برهانه. ولا احسن منه حكم ولا اقوى مقيلا لان احكامه مشتملة على الحكمة والرحمة. واهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى. يعترفون بذلك يعلمون انه منزل من ربك بالحق. ولهذا تواطأت الاخبارات فلا تشكن في ذلك ولا تكونن من الممترين. ثم وصف تفصيلها فقال وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. اي صدقا في الاخبار وعدلا في الامر والنهي. فلا اصدق من اخبار الله التي عاه هذا الكتاب العزيز ولا اعدل من اوامره ونواهيه. لا مبدل لكلماته حيث حفظها واحكمها باعلى انواع الصدق وبغاية الحق فلا يمكن تغييرها ولا اقتراح احسن منها. وهو السميع لسائر الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. العليم الذي احاط علمه في الظواهر والبواطن والماظي والمستقبل يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم محذرا عن طاعة اكثر الناس. وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله. فان اكثرهم قد انحرفوا في اديانهم واعمالهم وعلومهم. فاديانهم فاسدة واعمالهم تبع لاهوائهم. وعلومهم ليس فيها تحقيق. ولا ايصال لسواء الطريق بل غايتهم انهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. ويتخرصون في القول على الله ما لا يعلمون. ومن كان بهذه المثابة فحري ان يحذر الله منه عباده. ويصف لهم احوالهم لان هذا وان كان خطاما للنبي صلى الله عليه وسلم. فان امته اخوة له في سائر الاحكام التي ليست من خصائصه. والله تعالى اصدق قيلا واصدق حديثا وهو اعلم من يضل عن سبيله واعلم بمن يهتدي ويهدي فيجب عليكم ايها المؤمنون ان تتبعوا نصائحه واوامره ونواهيه. لانه اعلم بمصالحكم وارحم بكم من انفسكم ودلت هذه الاية على انه لا يستدل على الحق بكثرة اهله. ولا يدل قلة السالكين لامر من الامور ان يكون غير حق. بل بخلاف ذلك فان اهل الحق هم الاقلون عددا. الاعظمون عند الله قدرا واجرا. بل الواجب ان يستدل على الحق والباطل بالطرق موصلتي اليه يأمر تعالى عباده المؤمنين بمقتضى الايمان وانهم ان كانوا مؤمنين فليأكلوا مما ذكر اسم الله عليه من بهيمة الانعام وغيرها من الحيوانات المحللة. ويعتقد ولا يفعل كما تفعله الجاهلية من تحريم كثير من الحلال ابتداء من عند انفسهم واضلالا من شياطينهم. فذكر الله ان علامة المؤمن مخالفة اهل الجاهلية في هذه العادة الذميمة المتضمنة لتغيير شرع الله وانه اي شيء يمنعه من اكل ما ذكر اسم الله عليه وقد فصل الله لعباده ما حرم عليهم وبينه ووضحه. فلم يبق فيه اشكال ولا شبهة توجب ان يمتنع من اكل بعض الحلال. خوفا من للوقوع في الحرام ودلت الاية الكريمة على ان الاصل في الاشياء والاطعمة الاباحة. وانه اذا لم يرد الشرع بتحريم شيء منها فانه باق الاباحة فما سكت الله عنه فهو حلال. لان الحرام قد فصله الله. فما لم يفصله الله فليس بحرام. ومع ذلك فالحرام الذي قد فصله الله واوضحه قد اباحه عند الضرورة والمخمصة كما قال تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الى ان قال فمن اضطر في محمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم. ثم حذر عن كثير من الناس فقال وان كثيرا ليضلون اهوائهم اي بمجرد ما تهوى انفسهم بغير علم ولا حجة. فليحذر العبد من امثال هؤلاء وعلامتهم كما وصفهم الله لعباده ان دعوتهم غير مبنية على برهان ولا لهم حجة شرعية. وانما يوجد لهم شبه بحسب اهوائهم الفاسدة وارائهم القاصرة. فهذا هؤلاء معتدون على شرع الله وعلى عباد الله. والله لا يحب المعتدين بخلاف الهادين المهتدين. فانهم يدعون الى الحق والهدى ويؤيدون دعوتهم في الحجج العقلية والنقلية. ولا يتبعون في دعوتهم الا رضا ربهم والقرب منه يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون. المراد بالاثم جميع المعاصي التي تؤثم العبد اي توقعه وفي الاثم والحرج من الاشياء المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده. فنهى الله عباده عن اقتراف الاثم الظاهر والباطن. اي السر والعلانية المتعلقة بالبدن والجوارح والمتعلقة بالقلب. ولا يتم للعبد ترك المعاصي الظاهرة والباطنة الا بعد معرفتها والبحث عنها. فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن والعلم بذلك واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس تخفى عليه كثير من المعاصي. خصوصا معاصي القلب كالكبر والعجب والرياء ونحو ذلك. حتى انه يكون به كثير منها وهو لا يحس به ولا يشعر. وهذا من الاعراض عن العلم وعدم البصير ثم اخبر تعالى ان الذين يكسبون الاثم الظاهر والباطن سيجزون على حسب كسبهم وعلى قدر ذنوبهم قلت او كثرت وهذا الجزاء ويكون في الاخرة وقد يكون في الدنيا يعاقب العبد فيخفف عنه بذلك من سيئاته. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق. وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون. ويدخل تحت هذا المنهي عنه ما ذكر عليه اسم غير الله. كالذي للاصنام والهتهم فان هذا مما اهل لغير الله به. المحرم بالنص عليه خصوصا. ويدخل في ذلك متروك التسمية مما ذبح لله كم ضحايا والهدايا او للحم والاكل؟ اذا كان الذابح متعمدا ترك التسمية عند كثير من العلماء. ويخرج من هذا العموم الناس بالنصوص الاخر الدالة على رفع الحرج عنه. ويدخل في هذه الاية ما مات بغير زكاة من الميتات. فانها مما لم يذكر اسم الله عليه ونص الله عليها بخصوصها في قوله حرمت عليكم الميتة ولعلها سبب نزول الاية. لقوله وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم بغير علم. فان المشركين حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتة وتحليله للمزكاة وكانوا يستحلون اكل الميتة قالوا معاندة لله ورسوله ومجادلة بغير حجة وبرهان. اتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله يعنون بذلك الميتة. وهذا رأي فاسد لا يستند على حجة ولا دليل. بل يستند الى ارائهم الفاسدة. التي لو كان الحق تبعا لها لفسدت السماوات والارض ومن فيهن. فتبا لمن قدم هذه العقول على شرع الله واحكامه. الموافقة للمصالح العامة والمنافع خاصة ولا يستغرب هذا منهم فان هذه الاراء واشباهها صادرة عن وحي اوليائهم من الشياطين. الذين يريدون ان يضلوا الخلق عن دينهم ويدعوهم ليكونوا من اصحاب السعير. وان اطعتموهم في شركهم وتحليلهم الحرام. وتحريمهم الحلال. انكم لمشركون لانكم اتخذتموهم اولياء من دون الله ووافقتموهم على ما به فارقوا المسلمين. فلذلك كان طريقكم طريقهم. ودلت هذه الاية الكريمة على ان ما يقع في القلوب من الالهامات والكشوف. التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم. لا تدل بمجردها على انها حق ولا تصدقوا حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله. فان شهدا لها بالقبول قبلت وان ناقضتهما ردت. وان لم يعلم شيء من ذلك فيها ولم تصدق ولم تكذب لان الوحي والالهام يكون من الرحمن ويكون من الشيطان فلا بد من التمييز بينهما والفرقان بعدم التفريق بين الامرين حصل من الغلط والضلال ما لا يحصيه الا الله اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثلوه. كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها. كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون يقول تعالى او من كان من قبل هداية الله له ميتا في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي فاحييناه بنور العلم والايمان الطاعة فصار يمشي بين الناس في النور متبصرا في اموره مهتديا لسبيله عارفا للخير مؤثرا له مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره عارفا بالشر مبغضا له مجتهدا في تركه وازالته عن نفسه وعن غيره. افيستوي هذا بمن هو في الظلمات؟ ظلمات الجهل والغي الكفر والمعاصي ليس بخارج منها قد التبست عليه الطرق واظلمت عليه المسالك فحضره الهم والغم والحزن والشقاء. فنبه تعالى العقول بما تدركه وتعرفه انه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار. والضياء والظلمة والاحياء والاموات. فكأنه قيل فكيف يؤثر من له ادنى مسكة من عقل ان يكون بهذه الحالة وان يبقى في الظلمات متحيرا؟ فاجاب بانه زين للكافرين ما كانوا يعملون فلم يزل الشيطان يحسن لهم اعمالهم. ويزينها في قلوبهم حتى استحسنوها ورأوها حقا. وصار ذلك عقيدة في بهم الصفة الراسخة ملازمة لهم. فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح. وهؤلاء الذين في الظلمات يعمهون. وفي باطلهم يترددون غير متساوين فمنهم القادة والرؤساء والمتبوعون ومنهم التابعون المرؤوسون. والاولون منهم الذين فازوا باشقى الاحوال. ولهذا قال وكذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون الا انفسهم وما يشعرون. وكذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها. اي الرؤساء الذين قد كبر جرمهم اشتد طغيانهم ليمكروا فيها بالخديعة والدعوة الى سبيل الشيطان. ومحاربة الرسل واتباعهم بالقول والفعل. وانما مكرهم وكيدهم يعود على انفسهم لانهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وكذلك يجعل الله كبار ائمة الهدى وافاضلهم يناضلونها هؤلاء المجرمين ويردون عليهم اقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله. ويسلكون بذلك السبل الموصلة الى ذلك. ويعينهم الله ويسدد يهم ويثبت اقدامهم ويداول الايام بينهم وبين اعدائهم. حتى يدور الامر في عاقبته بنصرهم وظهورهم. والعاقبة للمتقين وانما ثبت اكابر المجرمين على باطلهم. وقاموا برد الحق الذي جاءت به الرسل. حسدا منهم وبغيا. فقالوا الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسول الله من النبوة والرسالة. وفي هذا اعتراض منهم على الله وعجب بانفسهم متكبر على الحق الذي انزله الله على ايدي رسله. وتحجر على فضل الله واحسانه. فرد الله عليهم واعتراضهم الفاسد. واخبر انهم لا يصلحون للخير ولا فيهم ما يوجب ان يكونوا من عباد الله الصالحين. فضلا ان يكونوا من النبيين والمرسلين. فقال الله اعلم حيث اجعلوا رسالته. فمن علمه يصلح لها ويقوم باعدائها. وهو متصف بكل خلق جميل. ومتبرئ من كل خلق دنيء. اعطاه الله منها ما تقتضيه حكمته اصلا وتبعا. ومن لم يكن كذلك لم يضع افضل مواهبه عند من لا يستأهله. ولا يزكو عنده. وفي هذه الاية دليل على كمال حكمة الله تعالى. لانه وان كان تعالى رحيما واسع الجود كثير الاحسان. فانه حكيم لا يضع جوده الا عند اهله. ثم توعد المجرمين فقال سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله اي اهانة وذل كما تكبروا على الحق اذلهم الله شديد بما كانوا يمكرون. اي بسبب مكرهم لا ظلما منه تعالى اشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يقول تعالى مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته وعلامة شقاوته وضلاله. ان من انشرح للاسلام اي اتسع وانفسح. فاستنار بنور الايمان وحي بضوء اليقين. فاطمئنت بذلك نفسه واحب الخير. وطوعت له نفسه فعلة متلذذا به غير مستثقل. فان هذا علامة على ان الله قد هداه. ومن عليه بالتوفيق وسلوك اقوم طريق. وان علامة من يرد الله ان يضله. ان يجعل صدره ضيقا حرجا. اي في غاية الضيق عن الايمان والعلم واليقين. قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات فلا يصل اليه خير. لا ينشرح قلبه لفعل الخير. كانه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء. اي كانه يكلف الصعود الى السماء الذي لا حيلة له فيه. وهذا سببه عدم ايمانهم. هو الذي اوجب ان يجعل الله الرجس عليهم. لانهم سدوا على انفسهم باب الرحمة الاحسان وهذا ميزان لا يعول وطريق لا يتغير. فان من اعطى واتقى وصدق بالحسنى يسره الله لليسرى. ومن بخل استغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات اي معتدلة موصلا الى الله والى دار كرامته. قد بينت احكامه وفصلت شرائعه وميز الخير من الشر. ولكن هذا التفصيل والبيان ليس لكل احد. انما هو لقوم يذكرون. فانهم الذين علموا فانتفعوا واعد الله لهم الجزاء الجزيل والاجر الجميل. فلهذا قال لهم دار السلام عند ربهم وهو ولي بما كانوا يعملون. لهم دار السلام عند ربهم. وسميت الجنة دار السلام سلامتها من كل عيب وافة وكدر. وهم وغم وغير ذلك من المنغصات. ويلزم من ذلك ان يكون نعيمها في غاية الكمال ونهاية التمام بحيث لا يقدر على وصفه الواصفون. ولا يتمنى فوقه المتمنون من نعيم الروح والقلب والبدن. ولهم فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون. وهو وليهم الذي تولى تدبيرهم وتربيتهم. ولطف بهم في جميع امورهم واعانهم على طاعته ويسر لهم كل سبب موصل الى محبته. وانما تولاهم بسبب اعمالهم الصالحة. ومقدماتهم التي قصدوا بها رضا مولاهم. بخلاف في من اعرض عن مولاه واتبع هواه فانه سلط عليه الشيطان فتولاه. فافسد عليه دينه ودنياه. ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس. وقال اولياء هم من الانس قال النار مسواكم ان ربك حكيم عليم يقول تعالى ويوم يحشرهم جميعا اي جميع الثقلين من الانس والجن. من ظل منهم ومن اضل غيره. فيقول موبخا للجن حين اضل الانس وزينوا لهم الشر وازوهم الى المعاصي. يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس. اي من اضلالهم وصدهم عن سبيل الله فكيف اقدمتم على محارمي وتجرأتم على معاندة رسلي؟ وقمتم محاربين لله ساعين في صد عباد الله عن سبيله الى سبيل الجحيم فاليوم حقت عليكم لعنتي ووجبت لكم نقمتي. وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم واضلالكم لغيركم. وليس لكم عذر به ولا ملجأ اليه تلجأون ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع. فلا تسأل حينئذ عما يحل بهم من النكال والخزي والوبال لهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا. واما اولياؤهم من الانس فابدوا عذرا غير مقبول. فقالوا ربنا استمتع بعضنا ببعض. اي تمتع كل من والانسي بصاحبه وانتفع به. فالجني يستمتع بطاعة الانسي له. وعبادته وتعظيمه واستعاذته به. والانسي يستمتع بنيل اغراضه وبلوغه بسبب خدمة الجني له بعض شهواته. فان الانس يعبد الجني فيخدمه الجني ويحصل له منه بعض الحوائج اي حصل منا من الذنوب ما حصل. ولا يمكن رد ذلك وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا. اي وقد وصلنا المحل الذي تجازي فيه اعمال فافعل بنا الان ما تشاء واحكم فينا بما تريد. فقد انقطعت حجتنا ولم يبقى لنا عذر. والامر امرك والحكم حكمك. وكأن في هذا الكلام منهم نوع تضرع وترقق. ولكن في غير اوانه. ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل الذي لا جور فيه. فقال النار مثواكم فيها. ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمته وعلمه ختم الاية بقوله ان ربك حكيم عليم. فكما ان علمه وسع الاشياء قل لها وعمها فحكمته الغائية شملت الاشياء وعمتها ووسعتها. وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون. اي وكما ولينا الجن المردة وسلطناهم على اضلال اوليائهم من الانس. وعقدنا بينهم عقد الموالاة موافقة بسبب كسبهم وسعيهم بذلك. كذلك من سنتنا ان نولي كل ظالم ظالما مثله. يؤزه الى الشر ويحثه عليه. ويزهده في بالخير وينفره عنه. وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع اثرها. البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم. فهو الذي ادخل الضرر على نفسه وعلى نفسه جنى وما ربك بظلام للعبيد. ومن ذلك ان العباد اذا كثر ظلمهم وفسادهم ومنعهم الحقوق الواجبة ولى عليهم ظلمة يصومونهم سوء العذاب. ويأخذون منهم بالظلم والجور اضعاف ما منعوا من حقوق الله وحقوق عباده. على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين. كما ان العباد اذا صلحوا واستقاموا اصلح الله رعاتهم. وجعلهم ائمة عدل وانصاف. لا ولاة ظلم واعتساف ثم وبخ الله جميع من اعرض عن الحق ورده من الجن والانس. وبين خطأهم فاعترفوا بذلك. فقال والإنس الم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم يقصون اياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا. قالوا شهدنا على انفسنا غرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم واهلها غافلون. يا معشر الجن والانس الم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي الواضحات البينات. التي فيها تفاصيل الامر والنهي والخير والشر والوعد والوعيد وينذرونكم لقاء يومكم هذا ويعلمونكم ان النجاة فيه. والفوز انما هو بامتثال اوامر الله واجتناب نواهيه. وان الشقاء والخسران انا في تضييع ذلك فاقروا بذلك واعترفوا فقالوا بلى شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها نعيمها فاطمئنوا بها ورضوا والهتهم عن الاخرة. وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. فقامت عليهم حجة الله وعلم حينها حينئذ كل احد حتى هم بانفسهم عدل الله فيهم. فقال لهم حاكما عليهم بالعذاب الاليم. ادخلوا في جملة امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس صنعوا كصنيعكم واستمتعوا بخلاقهم كما استمتعتم وخاضوا بالباطل كما خضتم. انهم كانوا خاسرين اي الاولون من هؤلاء والاخرون واي خسران اعظم من خسران جنات النعيم وحرمان جوار اكرم الاكرمين. ولكنهم وان اشتركوا في الخسران فانهم يتفاوتون في مقداره تفاوتا عظيما عما يعملون. ولكل منهم درجات مما عملوا. بحسب اعمالهم لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره ولا التابع كالمتبوع ولا المرؤوس كالرئيس. كما ان اهل الثواب والجنة وان اشتركوا في الربح والفلاح ودخول الجنة. فان بينهم من الفرق ما لا يعلمون الا الله مع انهم كلهم قد رضوا بما اتاهم مولاهم. وقنعوا بما حباهم. فنسأله تعالى ان يجعلنا من اهل الفردوس الاعلى. التي الله للمقربين من عباده والمصطفين من خلقه. واهل الصفوة من اهل وداده. وما ربك بغافل عما تعملون. فيجازي كلا بحسب وبما يعلمه من مقصده. وانما امر الله العباد بالاعمال الصالحة. ونهاهم عن الاعمال السيئة رحمة بهم وقصدا لمصالحهم. والا والغني بذاته عن جميع مخلوقاته فلا تنفعه طاعة الطائعين كما لا تضره معصية العاصين. ان يشأ يذهبكم بالاهلاك ويستخلف من بعدكم ما يشاء. كما انشأكم من ذرية قوم اخرين. فاذا عرفتم بانكم لابد ان تنتقلوا من هذه الدار كمن قال غيركم وترحلون عنها وتخلونها لمن بعدكم. كما رحل عنها من قبلكم وخلوها لكم. فلما اتخذتموها قرارا؟ وتوطنتم بها ونسيتم انها دار ممر لا دار مقر. وان امامكم دارا هي الدار التي جمعت كل نعيم وسلمت من كل افة ونقص. وهي الدار التي يسعى اليها الاولون والاخرون. ويرحل نحوها السابقون واللاحقون. التي اذا وصلوها فثم الخلود الدائم والاقامة اللازمة. والغاية التي لا غاية ورائها. والمطلوب الذي ينتهي اليه كل مطلوب. والمرغوب الذي يضمحل دونه كل مرغوب. هنالك والله ما تشتهيه الانفس وتلذ اعين ويتنافس فيه المتنافسون من لذة الارواح وكثرة الافراح ونعيم الابدان والقلوب والقرب من علام الغيوب. فلله همة تعلقت بتلك الكرامات وارادة سمت الى اعلى الدرجات. وادنى همة من اختار صفقة المغبون. ولا يستبعد المعرض الغافل سرعة الوصول الى هذه الدار وما انتم بمعجزين فانما توعدون لآت وما انتم بمعجزين الله فاردين من عقابه. فان نواصيكم تحت قبضته وانتم تحت تدبيره وتصرفه. قل يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح قل يا ايها الرسول لقومك اذا دعوتهم الى الله وبينت لهم ما لهم وما عليهم من حقوقه فامتنعوا من الانقياد لامره اتبعوا اهواءهم واستمروا على شركهم. يا قوم اعملوا على مكانتكم. اي على حالتكم التي انتم عليها. ورضيتموها لانفسكم اني عامل على امر الله ومتبع لمراضي الله. فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار. انا او انتم. وهذا من الانصاف بموضع عظيم حيث بين الاعمال وعامليها وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير. ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح. وقد علم بما ان العاقبة الحسنة في الدنيا والاخرة للمتقين. وان المؤمنين لهم عقبى الدار. وان كل معرض عما جاءت به الرسل. عاقبته عاقبة سوء وشر. ولهذا قال انه لا يفلح الظالمون. فكل ظالم وان تمتع في الدنيا بما تمتع به. فنهايته فيه الاضمحلال ان الله ليملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا شركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شرك يخبر تعالى عما عليه المشركون المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم من سفاهة العقل وخفة الاحلام والجهل البليغ. وعدد تبارك وتعالى شيئا من خرافاتهم لينبه بذلك على ضلالهم والحذر منهم وان معارضة امثال هؤلاء السفهاء للحق الذي جاء به الرسول لا تقدح فيه اصلا. فانهم لا اهلية لهم في مقابلة الحق فذكر من ذلك انهم جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا. ولشركائهم من ذلك نصيبا. والحال ان الله تعالى هو الذي للعباد واوجده رزقا فجمعوا بين محظورين محظورين. بل ثلاثة محاذير منتهم على الله في جعلهم له نصيبا. مع اعتقاد ان ذلك منهم تبرع واشراك الشركاء الذين لم يرزقوهم ولم يوجدوا لهم شيئا في ذلك. وحكمهم الجائر في ان ما كان لله لم يبالوا به ولم يهتموا ولو كان واصلا الى الشركاء وما كان لشركائهم واعتنوا به واحتفظوا به ولم يصل الى الله منه شيء. وذلك انهم اذا حصل لهم من زروعهم وثمارهم وانعامهم التي اوجدها الله لهم شيء جعلوه قسمين. قسما قالوا هذا لله بقولهم وزعمهم. والا فالله لا الا ما كان خالصا لوجهه. ولا يقبل عمل من اشرك به. وقسما جعلوه حصة شركائهم من الاوثان والانداد. فان وصل شيء مما جعلوه لله واختلط بما جعلوه لغيره لم يبالوا بذلك. وقالوا الله غني عنه. فلا يردونه. وان وصل شيء مما جعلوه لالهتهم الى ما اجعله لله ردوه الى محله. وقالوا انها فقراء لابد من رد نصيبها. فهل اسوأ من هذا الحكم واظلم؟ حيث جعلوا ما مخلوق يجتهد فيه وينصح ويحفظ اكثر مما يفعل بحق الله ويحتمل ان تأويل الاية الكريمة ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال عن الله تعالى انه قال انا اغنى الشركاء عن الشرك. من اشرك معي شيئا تركته وشركه. وان معنى الاية ان ما جعلوه وتقربوا به لاوثانهم. فهو تقرب خالص لغير الله. ليس لله منه شيء. وما جعلوه لله على زعمهم. فانه لا يصل اليه لكونه شركا بل يكون حظ الشركاء والانداد لان الله غني عنه. لا يقبل العمل الذي اشرك به معه احد من الخلق ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ومن سفه المشركين وضلالهم انه زين لكثير من المشركين شركاؤهم اي رؤساؤهم وشياطينهم قتل اولادهم وهو الوأد الذين يدفنون اولادهم الذكور خشية الافتقار والاناث خشية العار. وكل هذا من خدع الشياطين. الذين يريدون ان يرضوهم بالهلاك ويلبسوا عليهم دينهم. فيفعل الافعال التي في غاية القبح. ولا يزال شركاؤهم يزينونها لهم حتى تكون عندهم من الامور الحسنة والخصال المستحسنة. ولو شاء الله ان يمنعهم ثم يحول بينهم وبين هذه الافعال. ويمنع اولادهم عن قتل الابوين لهم ما فعلوه. ولكن اقتضت حكمته التخلية بينهم وبين افعالهم استدراج منه تعالى لهم وامهالا لهم. وعدم مبالاة بما هم عليه. ولهذا قال فذرهم وما يفترون. اي دعهم مع كذبهم ولا تحزن عليهم فانهم لن يضروا الله شيئا. وقالوا هذه انعام وحرس حجر لا يطعمها بزعمهم وانعام حرمت ظهورها وانعام لا يذكرون اسم الله ومن انواع سفاهات ان الانعام التي احلها الله لهم عموما. وجعلها رزقا ورحمة يتمتعون بها وينتفعون. قد اخترعوا فيها بدعا واقوالا من تلقاء انفسهم فعندهم اصطلاح في بعض الانعام والحرث انهم يقولون فيها هذه انعام وحرث حجر. اي محرم لا يطعمها الا من نشاء اي لا يجوز ان يطعمه احد الا من اردنا ان يطعمه او وصفناه بوصف من عندهم. وكل هذا بزعمهم لا مستند لهم ولا حجة الا اهويتهم واراؤهم الفاسدة. وانعام ليست محرمة من كل وجه. بل يحرمون ظهورها. اي بالركوب والحمل عليها. ويحمون ويسمونها الحام. وانعام لا يذكرون اسم الله عليها. بل يذكرون اسم اصنامهم وما كانوا يعبدون من دون الله عليها. وينسبون كالافعال الى الله وهم كذبة فجار في ذلك. سيجزيهم بما كانوا يفترون على الله من احلال الشرك. وتحريم الحلال من الاكل نافع ومن ارائهم السخيفة انهم يجعلون بعض الانعام ويعينوها محرما ما في بطنها على الاناث دون الذكور فيقولون وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا سيجزيهم وصفهم ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا. اي حلال لهم لا يشاركهم فيها النساء. ومحرمات على ازواجنا اي نسائنا. هذا اذا ولد حيا وان يكن ما في بطنها يولد ميتا فهم فيه شركاء. اي فهو حلال للذكور والاناث سيجزيهم الله وصفهم حيث وصفوا ما احله الله بانه حرام ووصفوا الحرام بالحلال فناقضوا شرع الله وخالفوه ونسبوا ذلك الله انه حكيم حيث امهل لهم. ومكنهم مما هم فيه من الضلال. عليم بهم لا تخفى عليه خافية. وهو تعالى يعلم بهم وبما قالوه عليه وافتروه وهو يعافيهم ويرزقهم جل جلاله. ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال هل ضلوا وما كانوا مهتدين اي خسروا دينهم واولادهم وعقولهم وصار وصفهم بعد العقول الرزينة السفه المرضية والضلال. وحرموا ما رزقهم الله اي ما جعله رحمة لهم. وساقه رزقا لهم كرامة ربهم ولم يكتفوا بذلك. بل وصفوها بانها حرام. وهي من احل الحلال. وكل هذا افتراء على الله. اي كذبا يكذب به كل معاند كفار قد ضلوا وما كانوا مهتدين. اي قد ضلوا ضلالا بعيدا ولم يكونوا مهتدين في شيء من امورهم والنخل والزرع لما ذكر تعالى تصرف المشركين في كثير مما احله الله لهم من الحروف والانعام. ذكر تبارك وتعالى نعمته عليه عليهم بذلك ووظيفتهم اللازمة عليهم في الحروف والانعام فقال وهو الذي انشأ جنات اي بساتين فيها انواع الاشجار المتنوعة والنباتات المختلفة معوشات وغير معروشات اي بعض تلك الجنات مجعول له عرش تنتشر عليه الاشجار ويعاونها في النهوض عن الارض وبعضها خال من العروش تنبت على ساق او تنفرش في الارض. وفي هذا تنبيه على كثرة منافعها وخيراتها. وانه تعالى تعلم العباد كيف يعيشونها وينمونها. وانشأت عالنخل والزرع مختلفا اكله. اي كله في محل واحد ويشرب من ماء واحد يفضل الله بعضه على بعض في الاكل. وخاصة على النخلة والزرع على اختلاف انواعه لكثرة منافعها. ولكونها هي القوت لاكثر الخلق وانشأ تعالى الزيتون والرمان متشابها في شجره. وغير متشابه في ثمره وطعمه. كانه قيل لاي شيء انشأ الله هذه الجنة وما عطف عليها فاخبر انه انشأها لمنافع العباد فقال كلوا من ثمره اي النخل والزرع اذا اثمر واتوا يوم حصاده اي اعطوا حق الزرع. وهو الزكاة ذات الانصباء المقدرة في الشرع. امرهم ان يعطوها يوم حصادها. وذلك لان حصاد الزرع بمنزلة حولان الحول لانه الوقت الذي تتشوف اليه نفوس الفقراء. ويسهل حينئذ اخراجه على اهل الزروع. ويكون الامر فيها ظاهرا لمن حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج. وقوله ولا تسرفوا يعم النهي عن الاسراف في الاكل. وهو مجاوزة الحد والعادة وان يأكل صاحب الزرع اكلا يضر بالزكاة والاسراف في اخراج حق الزرع بحيث يخرج فوق الواجب عليه. ويضر نفسه او عائلته او غرماءه فكل هذا من الاسراف الذي نهى الله عنه. الذي لا يحبه الله بل يبغضه ويمقت عليه. وفي هذه الاية دليل على وجوب الزكاة في الثمار وانه لا حول لها بل حولها حصادها في الزروع. وجذاذ النخيل وانه لا تتكرر فيها الزكاة. لو مكثت عند العبد احوالا كثيرة. اذا كان لغير التجارة لان الله لم يأمر بالاخراج منه الا وقت حصاده. وانه لو اصابها افة قبل ذلك بغير تفريط من صاحب الزرع والثمر انه لا يضمنها وانه يجوز الاكل من النخل والزرع قبل اخراج الزكاة منه. وانه لا يحسب ذلك من الزكاة. بل يزكى المال الذي يبقى به بعده وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث خالصا يخلص للناس ثمارهم ويأمره ان يدع لاهلها الثلث او الربع بحسب ما من الاكل وغيره من اهلها وغيرهم كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان قال انه لكم عدو مبين. ايها خلق وانشأ من الانعام حمولة وفرشا. اي بعضها عليه وتركبونه. وبعضها لا تصلح للحمل والركوب عليها لصغرها. كالفصلان ونحوها وهي الفرش. فهي من جهة الحمل الركوب تنقسم الى هذين القسمين. واما من جهة الاكل وانواع الانتفاع فانها كلها تؤكل وينتفع بها. ولهذا قال كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان. اي طرقه واعماله التي من جملتها ان تحرموا بعض ما رزقكم الله. انه لكم عدو مبين فلا يأمركم الا بما فيه مضرتكم وشقاؤكم الابدي. وهذه الانعام التي امتن الله بها على عباده. وجعلها كلها حلالا طيبا فصلها بانها من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ذكرين حرم ام الانثى تمام انية ازواج من الضأن اثنين. ذكر وانثى ومن المعز اثنين كذلك. فهذه اربعة كلها داخلة فيما احل الله. لا فرق بين كشيء منها فقل لهؤلاء المتكلفين الذين يحرمون منها شيئا دون شيء. او يحرمون بعضها على الاناث دون الذكور. ملزما لهم بعدم الفرق بينما اباحوا منها وحرموا الذكرين من الضأن والمعز حرم الله فلستم تقولون بذلك وتطردونه ام الانثيين حرم الله من الضأن والماعز. فليس هذا قولكم لا تحريم الذكور الخلص. ولا الاناث الخلص من الصنفين. بقي اذا كان الرحم مشتملا على ذكر انثى او على مجهول فقال ام تحرمون ما اشتملت عليه ارحام الانثيين؟ اي انثى الضأن وانثى المعز من غير فرق بين ذكر انثى فلستم تقولون ايضا بهذا القول. فاذا كنتم لا تقولون باحد هذه الاقوال الثلاثة. التي حصلت الاقسام الممكنة في ذلك فالى اي شيء تذهبون؟ نبئوني بعلم ان كنتم صادقين في قولكم ودعواكم. ومن المعلوم انهم لا يمكنهم ان يقولوا قولا سائغا في العقد الا واحدة من هذه الامور الثلاثة. وهم لا يقولون بشيء منها. انما يقولون ان بعض الانعام التي يصطلحون عليها اصطلاحات من عند انفسهم حرام على الاناث دون الذكور او محرمة في وقت من الاوقات او نحو ذلك من الاقوال التي يعلم علما لا شك فيه ان مصدرها من الجهل مركب والعقول المختلة المنحرفة والاراء الفاسدة. وان الله ما انزل بما قالوه من سلطان. ولا لهم عليه حجة ولا برهان. ثم ما ذكر في الابل والبقر مثل ذلك ام كنتم شهداء فلما بين بطلان قولهم وفساده قال لهم قولا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته. الا في اتباع شرع الله. ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله. اي لم يبقى عليكم الا دعوا لا سبيل قيل لكم الى صدقها وصحتها. وهي ان تقولوا ان الله اوصانا بذلك. واوحى الينا كما اوحى الى رسله. بل اوحى الينا وحيا مخالفا لما دعت اليه الرسل ونزلت به الكتب وهذا افتراء لا يجهله احد. ولهذا قال فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم اي مع كذبه وافتراءه على الله. قصده بذلك اضلال عباد الله عن سبيل الله. بغير بينة منه ولا برهان. ولا عقل ولا نقل ان الله لا يهدي القوم الظالمين. الذين لا ارادة لهم في غير الظلم والجور والافتراء على الله فمن اضطر غير باغ ولا لما ذكر تعالى ذم المشركين على ما حرموا من الحلال ونسبوه الى الله الله وابطل قولهم امر تعالى رسوله ان يبين للناس ما حرمه الله عليهم. ليعلموا ان ما عدا ذلك حلال. من نسب تحريمه الى الله فهو كاذب مبطل. لان التحريم لا يكون الا من عند الله على لسان رسوله. وقد قال لرسوله قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم اي محرما اكله بقطع النظر عن تحريم الانتفاع بغير الاكل وعدمه. الا ان يكون ميتة والميتة ما مات بغير زكاة شرعية فان ذلك لا يحل كما قال تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير او دما مسفوحا وهو الدم الذي يخرج من الذبيحة عند فانه الدم الذي يضر احتباسه في البدن. فاذا خرج من البدن زال الضرر باكل اللحم. ومفهوم هذا اللفظ ان الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح انه حلال طاهر او لحم خنزير فانه رجس. اي فان هذه الاشياء الثلاثة رجز. اي خبث نجس مضر حرمه الله لطفا بكم. ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث. او الا ان يكون فسقا اهل لغير الله به. اي الا ان تكون الذبيحة مذبوحة لغير الله من الاوثان والالهة التي يعبدها المشركون. فان هذا من الفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله الى معصيته. اي ومع هذا فهذه الاشياء المحرمات من اضطر اليها اي حملته الحاجة والضرورة الى اكل شيء منها بان لم يكن عنده شيء وخاف على نفسه التلف غير باغ ولا عاد اي غير باغ اي مريد لاكلها من غير اضطرار ولا متعد اي متجاوز للحد بان يأكل زيادة عن حاجته فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم. اي فالله قد سامح من كان بهذه الحال. واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحصر المذكور في هذه الاية. مع ان ثم محرمات لم تذكر فيها كالسباع وكل ذي مخلب من الطير ونحو ذلك. فقال بعضهم ان هذه الاية نازلة قبل تحريم ما زاد على ما ذكر فيها. فلا ينافي هذا الحصر المذكور فيها التحريم المتأخر بعد ذلك. لانه لم يجده فيما اوحي اليه في ذلك الوقت. وقال بعضهم ان هذه الاية مشتملة على سائر المحرمات. بعضها صريح وبعضها يؤخذ من المعنى وعموم العلم فان قوله تعالى في تعليل الميتة والدم ولحم الخنزير. او الاخير منها فقط فانه رجز. وصف شامل لكل محرم. فان المحرم كلها رجس وخبث. وهي من الخبائث المستقذرة التي حرمها الله على عباده. صيانة لهم وتكرمة عن مباشرة الخبيث الرجس. ويؤخذ تفاصيل المحرم من السنة فانها تفسر القرآن وتبين المقصود منه. فاذا كان الله تعالى لم يحرم من المطاعم الا ما ذكر. والتحريم لا يكون مصدره الا شرع الله. دل ذلك على ان المشركين الذين حرموا ما رزقهم الله مفترون على الله. متقولون عليه ما لم يقل. وفي الاية احتمال قوي لولا ان الله ذكر فيها الخنزير وهو ان السياق في نقض اقوال المشركين المتقدمة في تحريمهم لما احله الله وخوضهم بذلك بحسب ما سولت لهم انفسهم وذلك في بهيمة الانعام خاصة. وليس منها محرم الا ما ذكر في الاية. الميتة منها وما اهل لغير الله به وما سوى ذلك فحلال. ولعل مناسبة ذكر الخنزير هنا على هذا الاحتمال. ان بعض الجهال قد يدخله في بهيمة الانعام وانه نوع من انواع الغنم. كما قد يتوهمه جهلة النصارى واشباههم. فينمونها كما ينمون المواشي. ويستحلونها ولا يفرقون بينها وبين الانعام. فهذا المحرم على هذه الامة كله من باب التنزيه لهم والصيانة. واما ما حرم على اهل الكتاب فبعضه طيب ولكنه حرم عليهم عقوبة لهم. ولهذا قال وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي وذلك كالابل وما اشبهها وحرمنا عليه من البقر والغنم بعض اجزائها وهو شحومهما. وليس المحرم جميع منها بل شحم الالية والثرب. ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك. فقال الا ما حملت ظهورهما او الحوايا. اي شحم المخالطة للامعاء او ما اختلط بعظم. ذلك التحريم على اليهود. جزيناهم ببغيهم. اي ظلمهم وتعديهم في حقوق الله وحقوق عباده فحرم الله عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم ونكالا. وانا لصادقون في كل ما نقول ونفعل ونحكم به. ومن اصدق من الله ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون اي فان كذبك هؤلاء المشركون تستمر على دعوتهم بالترغيب والترهيب. واخبرهم بان الله ذو رحمة واسعة. اي عامة شاملة لجميع المخلوقات كلها. فسارعوا الى رحمته باسبابها التي رأسها واسها ومادتها. تصديق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به. ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين اي الذين كثر اجرامهم وذنوبهم فاحذروا الجرائم الموصلة لبأس الله التي اعظمها ورأسها تكذيب محمد صلى الله الله عليه وسلم كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين. هذا اخبار من الله والله ان المشركين سيحتجون على شركهم وتحريمهم ما احل الله بالقضاء والقدر. ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر حجة لهم في دفع اللوم عنهم. وقد قالوا ما اخبر الله انهم سيقولونه. كما قال في الاية الاخرى وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء. فاخبر تعالى ان هذه الحجة لم تزل الامم المكذبة تدفع بها عنهم دعوة الرسل ويحتجون بها. فلم تجد فيهم شيء شيئا ولم تنفعهم فلم يزل هذا دأبهم حتى اهلكهم الله واذاقهم بأسه. فلو كانت حجة صحيحة لدفعت عنهم العقاب. ولما الله بهم العذاب لانه لا يحل بأسه الا بمن استحقه. فعلم انها حجة فاسدة وشبهة كاسدة من عدة اوجه. منها ما ذكر الله من انها لو كانت صحيحة لم تحل بهم العقوبة. ومنها ان الحجة لا بد ان تكون حجة مستندة الى العلم والبرهان فاما اذا كانت مستندة الى مجرد الظن والخرص الذي لا يغني من الحق شيئا فانها باطلة. ولهذا قال قل هل عندكم من علم تخرجوه لنا فلو كان لهم علم وهم خصوم الداء لاخرجوه. فلما لم يخرجوه علم انه لا علم عندهم. ان تتبعوا الا الظن وان انتم الا تخرصون. ومن بنى حججه على الخرس والظن فهو مبطل خاسر. فكيف اذا بناها على البغي والعناد والفساد ومنها ان الحجة لله البالغة التي لم تبق لاحد عذرا التي اتفقت عليها الانبياء والمرسلون والكتب الالهية اثار نبوية والعقول الصحيحة والفطر المستقيمة والاخلاق القويمة. فعلم بذلك ان كل ما خالف هذه الادلة القاطعة باطل ان نقيض الحق لا يكون الا باطلا. ومنها ان الله تعالى اعطى كل مخلوق قدرة وارادة يتمكن بها من فعل ما كلف به. فلا اوجب فالله على احد ما لا يقدر على فعله. ولا حرم على احد ما لا يتمكن على تركه. فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر. ظلم محض وعناد الصرف ومنها ان الله تعالى لم يجبر العباد على افعالهم بل جعل افعالهم تبعا لاختيارهم. فان شاءوا فعلوا وان شاءوا كفوا وهذا امر مشاهد لا ينكره الا من كابر وانكر المحسوسات. فان كل احد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية. وان كان داخلا في مشيئة الله ومندرجا تحت ارادته. ومنها ان المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك. فانهم لا يمكن هم ان يطردوا ذلك بل لو اساء اليهم مسيء بضرب او اخذ مال او نحو ذلك. واحتج بالقضاء والقدر لما قبلوا منه هذا الاحتجاج. ولا من ذلك اشد الغضب. فيا عجبا كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه؟ ولا يرضون من احد ان يحتج به في مقابلة مساخطهم ومنها ان احتجاجهم بالقضاء والقدر ليس مقصودا. ويعلمون انه ليس بحجة وانما المقصود منه دفع الحق. ويرون ان الحق بمنزلة فهم يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام. وان كانوا يعتقدونه خطأ قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهدوا والذين لا يؤمنون بالاخرة وهم اي قل لمن حرم ما احل الله ونسب ذلك الى الله احضروا شهداءكم الذين يشهدون ان الله ما حرم هذا فاذا قيل لهم هذا الكلام فهم بين امرين اما الا يحضروا احدا يشهد بهذا فتكون دعواهم اذا باطلة خلية من الشهود والبرهان. واما ان يحضروا احدا يشهد لهم بذلك. ولا يمكن ان يشهد بهذا الا كل افاك اثيم. غير مقبول الشهادة وليس فهذا من الامور التي يصح ان يشهد بها العدول. ولهذا قال تعالى ناهيا نبيه واتباعه عن هذه الشهادة. فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع اهواء الذين كذبوا باياتنا والذين لا يؤمنون بالاخرة وهم بربهم يعدلون. اي يسوون به غيره من الانداد والاوثان فاذا كانوا كافرين باليوم الاخر غير موحدين لله كانت اهويتهم مناسبة لعقيدتهم وكانت دائرة بين الشرك والتكذيب بالحق فحري بهوى هذا شأنه ان ينهى الله خيار خلقه عن اتباعه وعن الشهادة مع اربابه وعلم حينئذ ان تحريم لما احل الله صادر عن تلك الاهواء المضلة ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء الذين حرموا ما احل الله تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم تحريما عاما شاملا لكل احد محتويا على سائر المحرمات من المآكل والمشارب والاقوال والافعال. الا تشركوا به شيئا اي لا قليلا ولا كثيرا. وحقيقة الشرك بالله ان يعبد المخلوق كما يعبد الله. او يعظم كما يعظم الله. او يصرف له نوع من خصائص الربوبية والالهية. واذا ترك العبد الشرك كله وصار موحدا مخلصا لله في جميع احواله فهذا حق الله على عباده. ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. ثم بدأ باكد الحقوق بعد حقه فقال وبالوالدين احسانا من الاقوال الكريمة الحسنة والافعال الجميلة المستحسنة. فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين او سرور لهما فان ذلك من الاحسان. واذا وجد الاحسان انتفى العقوق. ولا تقتلوا اولادكم من ذكور واناث من املاق اي بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم. كما كان ذلك موجودا في الجاهلية القاسية الظالمة. واذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه وهم اولادهم فنهيهم عن قتلهم لغير موجب او قتل اولاد غيرهم من باب اولى واحرى. نحن نرزقكم واياهم اي قد كفلنا برزق الجميع فلستم الذين ترزقون اولادكم بل ولا انفسكم فليس عليكم منهم ضيق ولا تقربوا الفواحش وهي الذنوب مستفحشة ما ظهر منها وما بطن اي لا تقرب الظاهر منها والخفي او المتعلق منها بالظاهر والمتعلقة بالقلب والباطن والنهي عن قربان الفواحش ابلغ من النهي عن مجرد فعلها. فانه يتناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة اليها. ولا النفس التي حرم الله وهي النفس المسلمة من ذكر وانثى صغير وكبير بر وفاجر. والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق الا بالحق كالزاني المحصن والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة. ذلكم المذكور وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله وصيته. ثم تحفظونها ثم تراعونها وتقومون بها. ودلت الاية على انهم بحسب عقل العبد يكون قيامه بما امر الله به ولا تقربوا مال اليتيم باكل او معاوية على وجه المحاباة لانفسكم او اخذ من غير سبب الا بالتي هي احسن. اي الا بالحال التي تصلح بها اموالهم. وينتفعون بها فدل هذا على انه لا يجوز قربانها والتصرف بها على وجه يضر اليتامى. او على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة. حتى يبلغ اليتيم اشده اي حتى يبلغ ويرشد ويعرف التصرف. فاذا بلغ اشده اعطي حينئذ ما له. وتصرف فيه على نظره. وفي هذا على ان اليتيم قبل بلوغ الاشد محجور عليه. وان وليه يتصرف في ماله بالاحظ. وان هذا الحجر ينتهي ببلوغ الاشد واوفوا الكيل والميزان بالقسط. اي بالعدل والوفاء التام. فاذا اجتهدتم في ذلك فلا نكلف نفسا الا وسعها. اي بقدر ما تسعه ولا تضيق عنه. فمن حرص على الايفاء في الكيل والوزن ثم حصل منه تقصير لم يفرط فيه ولم يعلمه. فان الله غفور رحيم هذه الاية ونحوها استدل الاصوليون بان الله لا يكلف احدا ما لا يطيق. وعلى ان من اتقى الله فيما امر وفعل ما يمكنه من ذلك فلا حرج عليه فيما سوى ذلك. واذا قلتم قولا تحكمون به بين الناس. وتفصلون بينهم الخطاب وتتكلمون به على المقالات والاحوال فاعدلوا في قولكم بمراعاة الصدق في من تحبون ومن تكرهون. والانصاف وعدم كتمان ما يلزم بيانه. فان الميل على من تكره بالكلام فيه او في مقالته من الظلم المحرم. بل اذا تكلم العالم على مقالات اهل البدع فالواجب عليه ان يعطي كل ذي حق حقه. وان يبين ما فيها من الحق والباطل ويعتبر قربها من الحق وبعدها منه. وذكر الفقهاء ان القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه. وبعهد بالله اوفوا وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد من القيام بحقوقه والوفاء بها. ومن العهد الذي يقع التعاهد به بين الخلق فالجميع يجب الوفاء به ويحرم نقضه والاخلال به. ذلكم الاحكام المذكورة وصاكم به لعلكم تذكرون ما بينه لكم من الاثر احكام وتقومون بوصية الله لكم حق القيام. وتعرفون ما فيها من الحكم والاحكام. ولما بين كثيرا من الاوامر الكبار والشرائع المهمة اشار اليها والى ما هو اعم منها فقال وان هذا صراطي مستقيما. اي هذه الاحكام وما اشبهها مما بينه الله في كتابه ووضحه لعباده. صراط الله الموصل اليه والى دار كرامته. المعتدل السهل المختصر. فاتبعوه لتنالوا الفوز والفلاح. وتدركوا الامال والافراح. ولا تتبعوا اي الطرق المخالفة لهذا الطريق. فتفرق بكم عن سبيله اي تضلكم عنه. وتفرقكم يمينا وشمالا. فاذا ضللتم عن الصراط المستقيم فليس ثم الا طرق توصل الى الجحيم. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون. فانكم اذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا. صرتم من المتقين وعباد الله المفلحين. ووحد الصراط واضافه اليه. لانه سبيل واحد موصل اليه. والله هو المعين للسالكين على سلوكه ثم في هذا الموضع ليس المراد منها الترتيب الزماني فان زمن موسى عليه السلام متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب. وانما المراد الترتيب الاخباري فاخبر انه اتى موسى الكتاب وهو التوراة تماما لنعمته وكمالا لاحسانه. على الذي احسن من امة موسى فان الله انعم على المحسنين منهم بنعم لا تحصى من جملتها وتمامها انزال التوراة عليهم. فتمت عليهم نعمة الله ووجب عليهم القيام بشكرها وتفصيلا لكل شيء يحتاجون الى تفصيله من الحلال والحرام والامر والنهي والعقائد ونحوها وهدى ورحمة ان يهديهم الى الخير ويعرفهم بالشر في الاصول والفروع. ورحمة يحصل به لهم السعادة والرحمة والخير الكثير. لعلهم بسبب انزالنا الكتاب والبينات عليهم بلقاء ربهم يؤمنون. فانه اشتمل من الادلة القاطعة على البعث والجزاء بالاعمال. ما يوجب لهم الايمان بلقاء ربهم والاستعداد سادة له وهذا القرآن العظيم والذكر الحكيم. كتاب انزلناه مبارك اي فيه الخير الكثير والعلم الغزير. وهو الذي تستمد منه سائر العلوم وتستخرج منه البركات. فما من خير الا وقد دعا اليه ورغب فيه. وذكر الحكم والمصالح التي تحث عليه. وما من شر الا وقد نهى عنه وحذر منه وذكر الاسباب المنفرة عن فعله وعواقبها الوخيمة. فاتبعوه فيما يأمر به وينهى وابنوا اصول دينكم وفروعه عليه واتقوا الله تعالى ان تخالفوا له امرا. لعلكم ان اتبعتموه ترحمون. فاكبر سبب لنيل رحمة الله. اتباع هذا الكتاب علما وعملا اه ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين. اي انزلنا اليكم هذا الكتاب المبارك قطعا لحجتكم. وخشية ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من من قبلنا اي اليهود والنصارى وان كنا عن دراستهم لغافلين. اي تقولون لم تنزل علينا كتابا. والكتب التي انزلتها على الطائفتين ليس لنا بها علم ولا معرفة. فانزلنا اليكم كتابا لم ينزل من السماء كتاب اجمع ولا اوضح ولا ابين منه او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم. فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن اظلم ممن كذب بايات الله او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم. اي اما ان تعتذروا بعدم وصول اصل الهداية اليكم واما ان تعتذروا بعدم كمالها وتمامها. فحصل لكم بكتابكم اصل الهداية وكمالها. ولهذا قال فقد جاءكم من ربكم وهذا اسم جنس يدخل فيه كل ما يبين الحق. وهدى من الضلالة ورحمة اي سعادة لكم في دينكم ودنياكم فهذا يوجب لكم الانقياد لاحكامه والايمان باخباره. وان من لم يرفع به رأسا وكذب به فانه اظلم الظالمين. ولهذا قال فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها اي اعرظ ونأى بجانبه سنجزي الذين يصطفون عن اياتنا سوء العذاب اي العذاب الذي يسوء صاحبه ويشق عليه بما كانوا يصدفون لانفسهم ولغيرهم جزاء لهم على عملهم السيء. وما ربك بظلام للعبيد وفي هذه الايات دليل على ان علم القرآن اجل العلوم وابركها واوسعها. وانه به تحصل الهداية الى الصراط المستقيم بداية تامة لا يحتاج معها الى تخرص المتكلمين. ولا الى افكار المتفلسفين ولا لغير ذلك من علوم الاولين والاخرين. وان معروفة انه لم ينزل جنس الكتاب الا على الطائفتين من اليهود والنصارى. فهم اهل الكتاب عند الاطلاق لا يدخل فيهم سائر الطوائف. لا ولا غيرهم. وفيه ما كان عليه الجاهلية قبل نزول القرآن. من الجهل العظيم وعدم العلم بما عند اهل الكتاب. الذين عندهم مادة والعلم وغفلتهم عن دراسة كتبهم. هل ينظرون الا ان تأتيهم يقول تعالى هل ينظر هؤلاء الذين استمر ظلمهم الى ان تأتيهم مقدمات العذاب ومقدمات الاخرة بان تأتيهم الملائكة لقبض ارواحهم فانهم اذا وصلوا الى تلك الحال لم ينفعهم الايمان ولا صالح الاعمال. او يأتي ربك لفصل القضاء بين العباد ومجازاة المحسنين والمسيئين. او يأتي بعض ايات ربك كالدالة على قرب الساعة يوم ياتي بعض ايات ربك الخارقة للعادة التي يعلم بها ان الساعة قد دنت وان القيامة قد اقتربت لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا. اي اذا وجد بعض ايات الله لم ينفع الكافر ايمانه وان امن ولا المؤمن المقصر ان يزداد خيره بعد ذلك. بل ينفعه ما كان معه من الايمان قبل ذلك. وما كان له من الخير المرجو قبل ان يأتي بعض الايات والحكمة في هذا ظاهرة فانه انما كان الايمان ينفع اذا كان ايمانا بالغيب وكان اختيارا من العبد. فاما اذا وجدت الايات صار الامر شهادة. ولم يبق للايمان فائدة. لانه يشبه الايمان الضروري. كايمان الغريق والحريق ونحوهما. ممن اذا رأى الموت متأقلع عما هو فيه. كما قال الله تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يكفر ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده. وقد تكاثرت الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان المراد ببعض ايات الله طلوع الشمس من مغربها. وان الناس اذا رأوها امنوا فلم ينفعهم ايمانهم. ويغلق حينئذ باب التوبة ولما كان هذا وعيدا للمكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم منتظرا. وهم ينتظرون بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه قوارع الدهر ومصائب الامور قال قل انتظروا انا منتظرون. فستعلمون اينا احق بالامن. وفي هذه الاية دليل لمذهب اهل السنة جماعة في اثبات الافعال الاختيارية لله تعالى كالاستواء والنزول والاتيان لله تبارك وتعالى من غير تشبيه له بصفات المخلوقين وفي الكتاب والسنة من هذا شيء كثير. وفيه ان من جملة اشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها. وان الله تعالى حكيم قد جرت عادته وسنته ان الايمان انما ينفع اذا كان اختياريا لا اضطراريا كما تقدم. وان الانسان يكتسب الخير بايمانه. فالطاعة والبر والتقوى انما تنفع وتنمو اذا كان مع العبد الايمان. فاذا خلا القلب من الايمان لم ينفعه شيء من ذلك كانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون. يتوعد تعالى الذين فرقوا دينهم. اي شتتوهم وتفرقوا فيه وكل اخذ لنفسه نصيبا من الاسماء التي لا تفيد الانسان في دينه شيئا. كاليهودية والنصرانية والمجوسية. او لا يكمل بها ايمانه بان يأخذ من الشريعة شيئا ويجعله دينه ويدع مثله او ما هو اولى منه كما هو حال اهل الفرقة من اهل البدع والضلال والمفرقين هل الامة ودلت الاية الكريمة ان الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف. وينهى عن التفرق والاختلاف في اهل الدين. وفي سائر مسائله الاصولية فروعية وامره ان يتبرأ ممن فرقوا دينهم. فقال لست منهم في شيء اي لست منهم وليسوا منك. لانهم خالفوك وعاندوك انما امرهم الى الله يردون اليه فيجازيهم باعمالهم ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون. ثم ذكر صفة الجزاء فقال من بالحسنة فله عشر امثالها من جاء القولية والفعلية الظاهرة والباطنة المتعلقة بحق الله او حق خلقه. فله عشر امثالها هذا اقل ما يكون من التضعيف ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها. وهذا من تمام عدله تعالى واحسانه. وانه لا يظلم مثقال ذرة. ولهذا قال وهم لا يظلمون يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية الى الصراط المستقيم. الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة والاعمال الصالحة والامر بكل حسن والنهي عن كل قبيح. الذي عليه الانبياء والمرسلون. خصوصا امام الحنفاء ووالد من بعث من بعد موته من الانبياء خليل الرحمن ابراهيم عليه الصلاة والسلام. وهو الدين الحنيف المائل عن كل دين غير مستقيم. من اديان اهل الانحراف كاليهود النصارى والمشركين وهذا عموم ثم خصص من ذلك اشرف العبادات فقال وبذلك امرت وانا اول المسلمين قل ان ان صلاتي ونسكي اي ذبحي. وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما. ودلالتهما على محبة الله تعالى واخلاص الدين له والتقرب اليه بالقلب واللسان والجوارح. وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال. لما هو احب اليها وهو الله تعالى ومن اخلص في صلاته ونسكه استلزم ذلك اخلاصه لله في سائر اعماله وقوله ومحياي ومماتي اي مآتيه في اياتي وما يجريه الله علي وما يقدر علي في مماتي الجميع. لله رب العالمين. لا شريك له في العبادة. كما انه ليس له شريك في الملك والتدبير. وليس هذا الاخلاص لله ابتداعا مني. وبدعا اتيته من تلقاء نفسي. بل بذلك امرت امرا لا اخرج من التبعة الا بامتثاله. وانا اول المسلمين من هذه الامة رب كل شيء ولا تكسب كل نفس الا عليها. ولا تزر وازرة وزر اخرى قل والله من المخلوقين ابغي رب اي ايحسن ذلك ويليق بي ان اتخذ غيره مربيا ومدبرا. والله رب كل شيء فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته منقادون لامره. فتعين علي وعلى غيري ان يتخذ الله ربا ويرضى به الا يتعلق باحد من المربوبين الفقراء العاجزين. ثم رغب ورهب بذكر الجزاء فقال عليها. ولا تكسب كل نفس من خير وشر الا عليها. كما قال الله تعالى من عمل صالحا فلنفسه من اساء فعليها ولا تزر وازرة وزر اخرى بل كل عليه وزر نفس وان كان احد قد تسبب في ضلال غيره ووزره. فان عليه وزر التسبب من غير ان ينقص من وزر المباشر شيء. ثم الى ربك مرجعكم يوم القيامة. فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من خير وشر ويجازيكم على كذلك اوفى الجزاء درجات الابل وكن فيما اتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور وهو الذي جعلكم خلائف الارض اي يخلف بعضكم بعضا واستخلفكم الله في الارض وسخر لكم جميع ما في فيها وابتلاكم لينظر كيف تعملون. ورفع بعضكم فوق بعض درجات في القوة والعافية والرزق والخلق والخلق ليبلوكم فيما اتاكم فتفاوتت اعمالكم. ان ربك سريع العقاب لمن عصاه وكذب باياته. وانه لغفور رحيم لمن امن به وعمل صالحا وتاب من الموبقات بسم الله الرحمن الرحيم كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبينا له عظمة القرآن كتاب اب انزل اليك اي كتاب جليل حوى كل ما يحتاج اليه العباد. وجميع المطالب الالهية والمقاصد الشرعية محكما مفصلا لا يكن في صدرك حرج منه اي ضيق وشك واشتباه. بل لتعلم انه تنزيل من حكيم حميد. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وانه اصدق الكلام فلينشرح له صدرك. ولتطمئن به نفسك. ولتصدع باوامره ونواهيه لا تخشى نائما ومعارضا لتنذر به الخلق فتعظهم وتذكرهم فتقوم الحجة على المعاندين. وليكون ذكرى للمؤمنين كما قال قال الله تعالى وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين. يتذكرون به الصراط المستقيم واعماله الظاهرة والباطنة. وما يحول بين العبد بين سلوكه ثم خاطب الله العباد والفتهم الى الكتاب فقال ثم لا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم. اي الكتاب الذي اريد انزاله لاجلكم. وهو من ربكم الذي يريد ان يتم تربيته لكم. فانزل عليكم هذا الكتاب الذي ان اتبعتموه كملت تربيتكم. وتمت عليكم النعمة وهديتم لاحسن الاعمال والاخلاق ومعاليها. ولا تتبع من دونه اولياء. اي تتولونهم وتتبعون اهواءهم. وتتركون لاجلها الحق. قليلا ما تذكرون. فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة لما اثرتم الضار على النافع والعدو على الولي. ثم حذرهم عقوباته للامم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم. لان لا يشابههم فقال وكم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا اي عذابنا الشديد بياتا او هم اي في حين غفلتهم. وعلى غرتهم غافلون لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب لم يدفعوه عن انفسهم. ولا عنهم الهتهم التي كانوا يرجونهم. ولا انكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي فما كان دعواهم اذ جاءهم بأسنا الا ان قالوا انا كنا كما قال الله تعالى وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وانشأنا بعدها قوما اخرين. فلما احسوا بأسنا اذا هم منها يركضون لا ترقموا وارجعوا الى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون. قالوا يا ويلنا انا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى سألناهم حصيدا خامدين. وقوله فلنسألن الذين ارسل اليهم اي لنسألن الامم الذين ارسل الله اليهم المرسلين عما اجابوا به رسلهم ويوم يناديهم فيقول ماذا اجبتم المرسلين. ولنسألن المرسلين عن تبليغهم لرسالات ربهم. وعما اجابتهم به اممهم فلنقصن عليهم اي على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منه تعالى لاعمالهم. وما كنا غائبين في وقت من الاوقات كما قال الله تعالى احصاه الله ونسوه. وقال الله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين ثم ذكر الجزاء على الاعمال فقال والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ايها الوزن يوم القيامة يكون بالعدل والقسط. الذي لا جور فيه ولا ظلم بوجه. فمن ثقلت موازينه بان رجحت كفة حسناته على سيئاته. فاولئك هم المفلحون. اي الناجون من المكروه. المدركون للمحبوب الذي حصل لهم الربا العظيم والسعادة الدائمة ومن خفت موازينه بان رجحت سيئاته وصار الحكم لها. فاولئك الذين خسروا انفسهم اذ فاتهم النعيم المقيم. وحصل لهم العذاب الاليم بما كانوا باياتنا يظلمون. فلم ينقادوا لها كما يجب عليهم ذلك ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلة ما تشكرون يقول تعالى ممتنا على عباده بذكر المسكن والمعيشة. ولقد مكناكم في الارض اي هيأناها لكم بحيث تتمكنون من البناء عليها وحرثها ووجوه الانتفاع بها. وجعلنا لكم فيها معايش مما يخرج من الاشجار والنبات ومعادن الارض وانواع الصناعات والتجارات فانه هو الذي هيأها وسخر اسبابها. قليلا ما تشكرون الله الذي انعم عليكم باصناف النعم صرف عنكم النقم يقول تعالى مخاطبا لبني ادم ولقد خلقناكم بخلق اصلكم ومادتكم التي منها خرجتم. ابيكم ادم عليه السلام. ثم صورناكم في احسن صورة واحسن تقويم. وعلمه الله تعالى ما به تكمن صورته الباطنة اسماء كل شيء. ثم امر الملائكة الكرام ان يسجدوا لادم اكراما واحتراما واظهارا لفضله فامتثلوا امر ربهم فسجدوا كلهم اجمعون. الا ابليس ابى ان يسجد له. تكبرا عليه واعجابا بنفسه. فوبخه الله على ذلك وقت قال ما منعك الا تسجد لما خلقت بيدي اي شرفته وفضلته بهذه الفضيلة التي لم تكن لغيره فعصيت امري وتهاونت بي. قال ابليس معارضا لربه انا خير منه ثم برهن على هذه الدعوة الباطلة بقوله خلقتني من نار وخلقته من طين. وموجب هذا ان المخلوق من نار افضل من المخلوق من طين. لعلو النار على الطين وصعودها هذا القياس من افسد الاقيسة فانه باطل من عدة اوجه. منها انه في مقابلة امر الله له بالسجود. والقياس اذا عارض النص فانه قياس باطل. لان المقصود بالقياس ان يكون الحكم الذي لم يأتي فيه نص. يقارب الامور المنصوص عليها ويكون تابعا لها فاما قياس يعارضها ويلزم من اعتباره الغاء النصوص. فهذا القياس من اشنع الاقيس. ومنها ان قوله انا خير منه بمجردها كافية لنقص ابليس الخبيث. فانه برهن على نقصه باعجابه بنفسه وتكبره. والقول على الله بلا علم. واي نقص اعظم ومن هذا ومنها انه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب. فان مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة. ومنها بركات الارض من الاشجار وانواع النبات. على اختلاف اجناسه وانواعه. واما النار ففيها الخفة والطيش والاحراق. ولهذا لما جرى من ما جرى انحط من مرتبته العالية الى اسفل السافلين فقال الله له فاهبط منها اي من الجنة فما يكون لك ان تتكبر فيها لانها دار الطيبين الطاهرين. فلا تليق باخبث خلق الله واشرهم. فاخرج انك من الصاغرين اي المهانين الاذلين جزاء على كبره وعجبه بالاهانة والذل فلما اعلن عدو الله بعداوة الله وعداوة ادم وذريته سأل الله النظرة والامهال الى يوم البعث. ليتمكن من اغواء ما يقدر عليه من بني ادم. ولما كانت حكمة الله مقتضية العباد واختبارهم ليتبين الصادق من الكاذب. ومن يطيعه ممن يطيع عدوه. اجابه لما سأل. فقال انك من المنظرين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم اي قال ابل ابليس لما ابلس وايس من رحمة الله. فبما اغويتني لاقعدن لهم اي للخلق صراطك المستقيم. اي لالزمن الصراط ولا اسعى اية جهدي على صد الناس عنه وعدم سلوكهم اياه ولا تجد اكثرهم شاكرين ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم اي من جميع الجهات والجوانب ومن كل يتمكن فيه من ادراك بعض مقصوده فيهم. ولما علم الخبيث انهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم. وكان جازما ببذل مجهوده على على اغوائهم ظن وصدق ظنه. فقال ولا تجد اكثرهم شاكرين. فان القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم. وهو يريد صدهم عنه وعدم قيامهم به. قال الله تعالى انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. وانما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا ونحترز منه بعلمنا بالطرق التي يأتي منها ومداخله التي ينفذ منها فله تعالى علينا بذلك اكمل نعمة قال اخرج منها مذئوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم اجر اي قال الله لابليس لما قال ما قال اخرج منها خروج صغار واحتقار لا خروج اكرام بل مذئوما اي مذموما مدحورا مبعدا عن الله وعن رحمته وعن كل خير. لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين هذا قسم منه تعالى ان النار دار العصاة لابد ان يملأها من ابليس واتباعه من الجن والانس. ثم حذر ادم شره وفتنته فقال ويا ادم اسكن انت وزوجك الجنة فكنا من حيث شئتما ولا اي امر الله تعالى ادم وزوجته حواء التي انعم الله بها بها عليه ليسكن اليها ان يأكلا من الجنة حيث شاء ويتمتع فيها بما اراد. الا انه عين لهما شجرة ونهاهما عن اكلها. والله الله اعلم ما هي وليس في تعيينها فائدة لنا. وحرم عليهما اكلها. بدليل قوله فتكون من الظالمين. فلم يزال ممتثلين لله حتى تغلغل اليهما عدوهما ابليس بمكره. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها ونوه عليهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين. اي من جنس الملائكة او تكونا من الخالدين. كما قال في الاية الاخرى هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى. ومع قوله هذا اقسم لهما بالله. وقاسمهما اني لك ما اني لك ما لمن الناصحين. اي من جملة الناصحين. حيث قلت لكما ما قلت فاغترا بذلك غلبت الشهوة في تلك الحال على العقل فلما ذاق الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخسر وناداهما ربهما الم انهكما عن تلك فدلاهما اي نزلهما عن رتبتهما العالية التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي. الى التلوث باودارها فاقدما على اكلها. فلما ذاق بدت لهما سوءاتهما اي ظهرت عورة كل منهما بعدما كانت مستورة. فصار العري الباطن من التقوى في هذه الحال. اثر في اللباس حتى انخلع فظهرت عوراتهما. ولما ظهرت عوراتهما خجلا وجعلا يخصفان على عوراتهما من اوراق شجر الجنة. ليستتر وبذلك وناداهما ربهما وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين. فلما اقترضتم المنهي واطعتما عدوكما؟ فحينئذ من الله عليهما بالتوبة وقبولها. فاعترفا بالذنب سأل من الله مغفرته فقال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا لا ترحمنا لنكونن من الخاسرين. قالا ربنا ظلمنا انفسنا ان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا ترحمنا لنكونن من الخاسرين اي قد فعلنا الذنب الذي نهيتنا عنه وضرينا انفسنا باقتراف الذنب. وقد فعلنا سبب الخسائر ان لم تغفر لنا بمحو اثر الذنب وعقوبته. وترحم قمنا بقبول التوبة والمعافاة من امثال هذه الخطايا. فغفر الله لهما ذلك وعصى ادم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه عليه وهدى. هذا وابليس مستمر على طغيانه. غير مقلع من عصيانه. فمن اشبه ادم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والاقلاع. اذا صدرت منه الذنوب اجتباه الله وهداه. ومن اشبه ابليس اذا صدر منه الذنب لا يزال يزداد من المعاصي. فانه لا يزداد من الله بعدا قال فيها تموت وفيها تموتون ومنها تخرجون اي لما اهبط الله ادم وزوجته وذريتهما الى الارض. اخبرهما بحال اقامتهم فيها. وانه جعل لهم فيها حياة يتلوها الموت. مشحونة بالامتحان والابتلاء. وان هم لا يزالون فيها يرسل اليهم رسلا وينزل عليهم كتبا حتى يأتيهم الموت فيدفنون فيها ثم اذا استكملوا بعثهم الله واخرجهم من الى الدار التي هي الدار حقيقة. التي هي دار مقامة. يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير. ذلك من ايات الله ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري. واللباس الذي المقصود منه الجمال هكذا سائر الاشياء كالطعام والشراب والمراكب والمناكح ونحوها. قد يسر الله للعباد ضروريها. ومكمل ذلك. وبين لهم ان هذا ليس مقصودا بالذات وانما انزله الله ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته. ولهذا قال ولباس التقوى ذلك خير من اللباس الحسي فان لباس التقوى يستمر مع العبد ولا يبلى ولا يبيد. وهو جمال القلب والروح. واما اللباس الظاهري فغايته ان يستر العورة الظاهرة في وقت من الاوقات او يكون جمالا للانسان وليس وراء ذلك منه نفع. وايضا فبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورته الظاهرة التي لا يضره مع الضرورة. واما بتقدير عدم لباس التقوى. فانها تنكشف عورته الباطنة. ويناله الخزي والفضيحة. وقوله ذلك فمن ايات الله لعلهم يذكرون. اي ذلك المذكور لكم من اللباس. مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم. وتشبهون باللباس الظاهر على الباطن يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. انا جعلنا الشياطين اولياء يقول تعالى محذرا لبني ادم ان يفعل بهم الشيطان كما فعل بابيهم يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان بان يزين لكم العصيان ويدعوكم اليه ويرغبكم فيه فتنقادون له. كما اخرج ابويكم من الجنة وانزلهما من المحل العالي الى انزل منه. فانتم يريد ان يفعل بكم كذلك. ولا يألو جهده عنكم. حتى يفتنكم ان استطاع فعليكم ان تجعلوا الحذر منه في بالكم. وان تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه. والا تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها اليكم. فانه يراقبكم على الدوام ويراكم هو وقبيله من شياطين الجن من حيث لا ترونهم. انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون فعدم الايمان هو الموجب لعقد الولاية بين الانسان والشيطان. انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها ان الله لا يأمر بالفحشاء. اتقولون على الله ما لا تعلمون. يقول تعالى هذا مبينا لقبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب وينسبون ان الله امرهم بها. واذا فعلوا فاحشة وهي كل ما يستفحش ويستقبح ومن ذلك الطواف هم بالبيت عراة. قالوا وجدنا عليها ابائنا وصدقوا في هذا والله امرنا بها وكذبوا في هذا. ولهذا رد الله عليهم هذه النسبة فقال قل ان الله لا يأمر بالفحشاء. اي لا يليق بكماله وحكمته ان يأمر عباده بتعاطي الفواحش. لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره. اتقولون على الله ما لا تعلمون؟ واي افتراء اعظم من هذا؟ ثم ذكر ما يأمر به فقال قل امر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد. وادعوه مخلصين له الدين كما اه بدأكم تعودون. قل امر ربي بالقسط. اي بالعدل في العبادات والمعاملات لا بالظلم والجور. واقيموا وجوهكم عند كل مسجد اي توجهوا لله واجتهدوا في تكميل العبادات خصوصا الصلاة. اقيموها ظاهرا وباطنا ونقوها من كل نقص ومفسد وادعوه مخلصين له الدين. اي قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. والدعاء يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة. اي لا تراء ولا خذوا من الاغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه. كما بدأكم اول مرة تعودون للبعث. فالقادر على بدء خلقكم قادر على سعادته بل الاعادة اهون من البداءة شياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون. فريقا منكم هدف الله ان وفقهم للهداية ويسر لهم اسبابها وصرف عنهم موانعها. وفريقا حق عليهم الضلالة اي وجبت عليهم الضلالة بما تسببوا لانفسهم وعملوا باسباب الغواية. فانهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. فحين انسلخوا من ولاية الرحمن واستحبوا ولاية الشيطان. حصل لهم النصيب الوافر من الخذلان. ووكلوا الى انفسهم فخسروا اشد الخسران وهم يحسبون انهم مهتدون. لانهم انقلبت عليهم الحقائق. فظنوا الباطل حقا والحق باطلا. وفي هذه اياتي دليل على ان الاوامر والنواهي تابعة للحكمة والمصلحة. حيث ذكر تعالى انه لا يتصور ان يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول وانه لا يأمر الا بالعدل والاخلاص. وفيه دليل على ان الهداية بفضل الله ومنه. وان الضلالة بخذلانه للعبد اذا تولى الشيطان بجهله وظلمه وتسبب لنفسه بالضلال. وان من حسب انه مهتد وهو ضال انه لا عذر له. لانه متمكن من الهدى. وانما اتاه من ظلمه بترك الطريق الموصل الى الهدى يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب الم مسرفين. يقول تعالى بعد ما انزل على بني ادم لباسا يواري سوءاتهم وريشا. يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد اي استروا عوراتكم عند الصلاة كلها فارضها ونفلها فان سترها زينة للبدن. كما ان كشفها يدع البدن قبيحا مشوها ويحتمل ان المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن. ففي هذا الامر بستر العورة في الصلاة وباستعمال التجمل فيها نظافة السترة من الادناس والانجاس. ثم قال وكلوا واشربوا اي مما رزقكم الله من الطيبات ولا تسرفوا في ذلك. والاسراف واما ان يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي يضر بالجسم. واما ان يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس واما بتجاوز الحلال الى الحرام. انه لا يحب المسرفين. فان السرف يبغضه الله ويضر بدن الانسان ومعيشته. حتى انه ربما ادت به الحال الى ان يعجز عما يجب عليه من النفقات. ففي هذه الاية الكريمة الامر بتناول الاكل والشرب. والنهي عن تركهما وعن فيهما كذلك يقول تعالى منكرا على من تعنت وحرم ما احل الله من الطيبات. قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده من انواع اللباس على اختلاف اصنافه والطيبات من الرزق من مأكل ومشرب بجميع انواعه. اي من هذا الذي يقدم على تحريم ما انعم الله به على العباد ومن ذا الذي يضيق عليه ما وسعه الله. وهذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا به على عبادته فلم يبحوا الا لعباده المؤمنين. ولهذا قال قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. اي لا تبعت عليهم فيها ومفهوم الاية ان من لم يؤمن بالله بل استعان بها على معاصيه. فانها غير خالصة له ولا مباحة. بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها ويسأل عن النعيم يوم القيامة. كذلك نفصل الايات اي نوضحها ونبينها لقوم يعلمون. لانهم الذين ينتفعون بما في الصلاة الله من الايات ويعلمون انها من عند الله فيعقلونها ويفهمونها. ثم ذكر المحرمات التي حرمها الله في كل شريعة من الشرائع فقال قل انما حرم ربي الفواحش اي الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها وذلك واللواط ونحوهما وقوله ما ظهر منها وما بطن. اي الفواحش التي تتعلق بحركات البدن والتي تتعلق بحركات القلوب كالكبر والعجب والرياء والنفاق ونحو ذلك. والاثم والبغي بغير الحق. اي الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في حقوق الله بقي على الناس في دمائهم واموالهم واعراضهم. فدخل في هذا الذنوب المتعلقة بحق الله. والمتعلقة بحق العباد. وان تشركوا بالله ما لم نزل به سلطانا اي حجة. بل انزل الحجة والبرهان على التوحيد. والشرك هو ان يشرك مع الله في عبادته احد من الخلق. وربما دخل في هذا الاصغر كالرياء والحلف بغير الله ونحو ذلك. وان تقولوا على الله ما لا تعلمون في اسمائه وصفاته وافعاله وشرعه كل هذه قد حرمها الله ونهى العبادة عن تعاطيها لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة ولما فيها من الظلم والتجري على الله والاستطالة على عباده عباد الله وتغيير دين الله وشرعه اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون اي وقد اخرج الله بني ادم الى الارض واسكن انهم فيها وجعل لهم اجلا مسمى لا تتقدم امة من الامم على وقتها المسمى. ولا تتأخر. لا الامم المجتمعة ولا افرادها لما اخرج الله بني ادم من الجنة ابتلاهم بارسال الرسل وانزال الكتب عليهم يقصون عليهم ايات الله ويبينون لهم احكامه. ثم ذكر فضل من استجاب لهم وخسارة من لم يستجب لهم. فقال فمن اتقى ما حرم الله من الشرك والكبائر والصغائر. واصلح اعماله الظاهرة والباطنة. فلا خوف عليه من الشر الذي قد يخافه غيرهم ولا هم يحزنون على ما مضى. وان انتفى الخوف والحزن. حصل الامن التام والسعادة والفلاح الابدي والذين فكذبوا باياتنا واستكبروا عنها اي لا امنت بها قلوبهم ولا انقادت لها جوارحهم. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. كما استهانوا باياته ولازموا التكذيب بها اهينوا بالعذاب الدائم الملازم حتى قالوا ضلوا عنا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. اي لا احد اظلم ممن افترى على الله كذبا بنسبة الشريك له او النقص له. او التقول عليه ما لم يقل او كذب باياته الواضحة المبينة للحق المبين الهادية الى الصراط المستقيم. فهؤلاء وان تمتعوا بالدنيا ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ. فليس ذلك بمغن عنهم شيئا. يتمتعون قليلا ثم يعذبون طويلا. حتى اذا جاءتهم رسلنا يوفونهم اي الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم واصطفاء اجالهم. قالوا لهم في تلك الحالة توبيخا وعتابا. اينما كنتم تدعون من دون الله من الاصنام والاوثان. فقد جاء وقت الحاجة ان كان فيها منفعة لكم او دفع مضرة. قالوا ضلوا عنا. اي اضمحلوا وبطلوا وليسوا مغنيين عنا من عذاب الله من شيء. وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. مستحقين للعذاب المهين الدائم. فقالت له هم الملائكة كلما دخلت امة لعنت اختها قالت اخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء ربنا هؤلاء يظلون فاتهم عذابا ضعفا من قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. ادخلوا في اي في جملة امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس. اي مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار. فاستحق الجميع الخزي والبوار كلما دخلت امة من الامم العاتية النار لعنت اختها كما قال تعالى ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا حتى اذا اداركوا فيها جميعا. اي اجتمع في النار جميع اهلها من الاولين والاخرين والقادة والرؤساء والمقلدين الاتباع قالت اخراهم اي متأخروهم المتبعون للرؤساء لاولاهم اي لرؤسائهم شاكين الى الله اضلالهم اياهم بنى هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار. اي عذبهم عذابا مضاعفا لانهم اضلونا. وزينوا لنا الاعمال الخبيثة وقالت اولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب وقالت اولاهم لاخراهم اي رؤساء قالوا لاتباعهم فما كان لكم علينا من فضل. اي قد اشتركنا جميعا في الغي والضلال. وفي فعل اسباب العذاب. فاي فضل لكم علينا؟ قال الله لكل من كن ضعف ونصيب من العذاب. فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون. ولكنه من المعلوم ان عذاب الرؤساء وائمة الضلال ابلغوا واشنع من بالاتباع كما ان نعيم ائمة الهدى ورؤساءه اعظم من ثواب الاتباع. قال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. فهذه الايات ونحوها دلت على ان سائر انواع المكذبين بايات الله مخلدون في العذاب. مشتركون فيه وفي اصله وان كانوا متفاوتين في مقداره بحسب اعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم. وان مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنا ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل وكذلك نجزي المجرمين. يخبر تعالى عن عقاب من كذب باياته به فلم يؤمن بها مع انها ايات بينات. واستكبر عنها فلم ينقد لاحكامها. بل كذب وتولى انهم ايسون من كل خير. فلا تفتح ابواب السماء لارواحهم اذا ماتوا. وصعدت تريد العروج الى الله. فتستأذن فلا يؤذن لها كما لم تصعد في الدنيا الى الايمان بالله ومعرفة ومحبته كذلك لا تصعد بعد الموت فان الجزاء من جنس العمل. ومفهوم الاية ان ارواح المؤمنين المنقادين لامر الله المصدقين باياته تفتح لها ابواب السماء حتى تعرج الى الله. وتصل الى حيث اراد الله من العالم العلوي. وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوان وقوله عن اهل النار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل وهو البعير المعروف في سم الخياط اي حتى يدخل البعير الذي هو من اكبر حيوانات جسم في خرق الابرة الذي هو من اضيق الاشياء. وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال. اي فكما انه محال دخول الجمل في سم فكذلك المكذبون بايات الله محال دخولهم الجنة. قال الله تعالى انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. وقال هنا وكذلك نجزي المجرمين. اي الذين كثر اجرامهم واشتد طغيانهم من جهنم مهاد اي فراش من تحتهم. ومن فوقهم غواش اي ظلل من العذاب تغشاهم. وكذلك نجزي الظالمين لانفسهم وفاقا وما ربك بظلام للعبيد. والذين امنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين. ذكر ثواب المطيعين فقال والذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم فجمعوا بين الايمان والعمل بين الاعمال الظاهرة والاعمال الباطنة. بين فعل الواجبات وترك المحرمات. ولما كان قوله وعملوا الصالحات لفظا عاما يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة. وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد. قال تعالى لا نكلف نفسا الا وسعها اي بمقدار ما تسعه طاقتها. ولا يعسر على قدرتها. فعليها في هذه الحال ان تتقي الله بحسب استطاعتها. واذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها. كما قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها. لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها ما جعل عليكم في الدين من حراج. فاتقوا الله ما استطعتم. فلا واجب مع العجز. ولا محرم مع الضرورة. اولئك اي المتصفون بالايمان والعمل الصالح. اصحاب الجنة هم فيها خالدون. اي لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا. لانهم يرون فيها من انواع عن اللذات واصناف المشتهيات ما تقف عنده الغايات. ولا يطلب اعلى منه ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار. وقال الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي وما كنا لنهتدي لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا اورثتموها بما كنتم تعملون. ونزعنا ما في صدورهم من غل وهذا من كرمه واحسانه على اهل الجنة ان الغل الذي كان موجودا في قلوبهم والتنافس الذي بينهم ان الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا اخوانا متحابين واخلاء متصافين. قال تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوان على سرر متقابلين ويخلق الله له من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهما الغبطة والسرور. ويرى انه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباعد لانه قد فقدت اسبابه. وقوله تجري من تحتهم الانهار. اي يفجرونها تفجيرا. حيث شاؤوا واين ارادوا ان شاءوا في خلال القصور او في تلك الغرف العاليات او في رياض الجنات من تحت تلك الحدائق الزاهرات انهار تجري في غير في اخدود وخيرات ليس لها حد محدود. ولهذا لما رأوا ما انعم الله عليهم واكرمهم به. قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا بان من علينا واوحى الى قلوبنا فامنت به وانقادت للاعمال الموصلة الى هذه الدار. وحفظ الله علينا ايماننا واعمالنا حتى لنا بها الى هذه الدار فنعم الرب الكريم الذي ابتدأنا بالنعم واسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون ولا يعده وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله اي ليس في نفوسنا قابلية للهدى. لولا انه تعالى من بهدايته واتباع رسله لقد جاءت رسل ربنا بالحق. اي حين كانوا يتمتعون بالنعيم الذي اخبرت به الرسل. وصار حق يقين لهم بعد ان كان علم يقين لهم قالوا لقد تحققنا ورأينا ما وعدتنا به الرسل. وان جميع ما جاءوا به حق اليقين. لا مرية فيه ولا اشكال. ونود تهنئة لهم واكراما وتحية واحتراما. ان تلكم الجنة اورثتموها. اي كنتم الوارثين لها. وصارت اقطاعا لكم. اذ انا اقطاع الكفار النار اورثتموها بما كنتم تعملون. قال بعض السلف اهل الجنة نجوا من النار بعفو الله. وادخلوا الجنة برحمته الله واقتسموا المنازل وورثوها بالاعمال الصالحة. وهي من رحمته بل من اعلى انواع رحمته ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم الذين يصدون عن سبيل الله يقول تعالى لما ذكر استقرار كل من الفريقين في الدارين ووجدوا ما اخبرت به الرسل ونطقت به الكتب من الثواب والعقاب ان اهل الجنة نادوا اصحاب النار بان قالوا ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. حين وعدنا على الايمان والصالح الجنة. فادخلناها وارانا ما وصفه لنا. فهل وجدتم ما وعد على الكفر والمعاصي حقا. قالوا نعم قد وجدناه حقا. فتبين للخلق كلهم بيانا لا شك فيه. صدق وعد الله. ومن من الله قيلا وذهبت عنهم الشكوك والشبه. وصار الامر حق اليقين. وفرح المؤمنون بوعد الله واغتبطوا. وايس الكفار من الخير واقروا على انفسهم بانهم مستحقون للعذاب. فاذن مؤذن بينهم اي بين اهل النار واهل الجنة. بان قال ان لعنة الله اي بعده واقصاؤه عن كل خير على الظالمين. اذ فتح الله لهم ابواب رحمته فصدفوا انفسهم عنها ظلما وصدوا عن سبيل الله بانفسهم وصدوا غيرهم فضلوا واضلوا. والله تعالى يريد ان تكون مستقيمة. ويعتدل سير السالكين اليه. وهؤلاء يريدونه عوجا منحرفة صادة عن سواء السبيل. وهم بالاخرة كافرون. وهذا الذي اوجب لهم الانحراف عن الصراط. والاقبال على شهوات النفس المحرمة عدم ايمانهم بالبعث وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم للثواب. ومفهوم هذا النداء ان رحمة الله على المؤمنين وبره شامل لهم واحسانه متواتر عليهم ولا نو اصحاب الجنة سلام عليكم لم يدخلون يدخلوها وهم يطمعون. اي وبين اصحاب الجنة واصحاب النار حجاب يقال له الاعراف لا من الجنة ولا من النار يشرف على الدارين وينظر من عليه حال الفريقين. وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من اهل الجنة والنار بسيماهم. اي على التي بها يعرفون ويميزون. فاذا نظروا الى اهل الجنة نادوهم ان سلام عليكم ان يحيونهم ويسلمون عليهم هم الى الان لم يدخلوا الجنة. ولكنهم يطمعون في دخولها. ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم الا لما يريد بهم من كرامته اصحاب النار قالوا ربنا قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. ربنا لا تجعلنا كان مع القوم الظالمين واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار. ورأوا منظرا شنيعا وهولا فظيعا. قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين اهل الجنة اذا رآهم اهل الاعراف يطمعون ان يكونوا معهم في الجنة. ويحيونهم ويسلمون عليهم. وعند انصراف ابصارهم بغير اختيارهم لاهل النار يستجيرون بالله من حالهم هذا على وجه العموم. ثم ذكر الخصوص بعد العموم فقال قالوا ما اغنى عنكم جمعكم ممات ونادى اصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم وهم من اهل النار. وقد في الدنيا لهم ابهة وشرف واموال واولاد. فقال لهم اصحاب الاعراف حين رأوهم منفردين في العذاب بلا ناصر ولا مغيث. ما اغنى عنكم جمعكم في الدنيا الذي تستدفعون به المكاره. وتتوسلون به الى مطالبكم في الدنيا. فاليوم اضمحل ولا اغنى عنكم شيئا. وكذلك لديك اي شيء نفعكم استكباركم على الحق وعلى من جاء به وعلى من اتبعه. ثم اشاروا لهم الى اناس من اهل الجنة كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزئون بهم اهل النار فقالوا لاهل النار اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا جنة لا خوف عليكم ولا انتم اهؤلاء الذين ادخلهم الله الجنة الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة احتقارا لهم وازدراء واعجابا بانفسكم قد حنثم في ايمانكم وبدا لكم من والله ما لم يكن لكم في حساب ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. اي قيل لهؤلاء الضعفاء اكراما واحتراما. ادخلوا الجنة باعمالكم الصالحة لا خوف عليكم فيما يستقبل من المكاره. ولا انتم تحزنون على ما مضى بل امنون مطمئنون فرحون بكل خير. وهذا كقوله تعالى ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون. واذا مروا بهم يتغامزون. الى ان قال فاليوم الذين امنوا من الكفر فليضحكون على الارائك ينظرون. واختلف اهل العلم والمفسرون من هم اصحاب الاعراف؟ وما اعمالهم؟ والصحيح في ذلك انهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلا رجحت سيئاتهم فدخلوا النار. ولا رجحت حسناتهم فدخلوا الجنة. فصاروا في الاعراف ما شاء الله ثم ان الله تعالى يدخلهم برحمته الجنة. فان رحمته تسبق وتغلب غضبه. ورحمته وسعت كل شيء قالوا ان الله حرمهما على الكافرين. الذين اتخذوا دينهم وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما لقاء يومهم هذا فاليوم ننساهم كما نسوا نقاب ويومهم هذا وما كانوا باياتنا يجحدون. اي ينادي اصحاب ناري اصحاب الجنة حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ. وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع. يستغيثون بهم فيقولون افيضوا علينا فمن الماء او مما رزقكم الله من الطعام؟ فاجابهم اهل الجنة بقولهم ان الله حرمهما اي ماء الجنة وطعامها على الكافرين وذلك جزاء لهم على كفرهم بايات الله. واتخاذهم دينهم الذي امروا ان يستقيموا عليه. ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه لهوا ولعبا اي لهت قلوبهم واعرضت عنه ولعبوا واتخذوه سخريا. او انهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب. واستعاضوا بذلك عن الدين القيم وغرتهم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها. فاطمئنوا اليها ورضوا بها وفرحوا. واعرضوا عن الاخرة ونسوها اليوم ننساهم اي نتركهم في العذاب كما نسوا لقاء يومهم هذا. فكأنهم لم يخلقوا الا للدنيا. وليس امامهم عرض ولا جزاء وما كانوا باياتنا يجحدون. والحال ان جحودهم هذا لا عن قصور في ايات الله وبيناته. ولقد جئناهم بكتاب وصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون. بل قد جئناهم بكتاب فصلناه اي بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج اليها الخلق. على علم من الله باحوال العباد في كل زمان ومكان. وما يصلح لهم وما لا يصلح. ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالامور. فتجهله بعض الاحوال فيحكم حكما غير مناسب. بل تفصيل من احاط علمه بكل شيء. ووسعت رحمته كل شيء هدى ورحمة لقوم يؤمنون. اي تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال. وبيان الحق والباطل والغي والرشد. ويحصل ايضا لهم به الرحمة وهي الخير والسعادة في الدنيا والاخرة. فينتفي عنهم بذلك الضلال والشقاء. وهؤلاء الذين حق عليهم العذاب لم يؤمنوا هذا الكتاب العظيم ولنقادوا لاوامره ونواهيه. فلم يبق فيهم حيلة الا استحقاقهم ان يحل بهم ما اخبر به القرآن. ولهذا قال هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوا من قبل آآ انا قد خسروا هل ينظرون الا تأويله اي وقوع ما اخبر به؟ كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه هذا تأويل رؤياي من قبل. يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل. متندمين متأسفين قيل على ما مضى منهم متشفعين في مغفرة ذنوبهم مقرين بما اخبرت به الرسل. قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء اشفعوا لنا او نرد الى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل. وقد فات الوقت عن الرجوع الى الدنيا. فما تنفعهم شفاعة وسؤالهم الرجوع الى الدنيا ليعملوا غير عملهم كذب منهم. مقصودهم به دفع ما حل بهم. قال الله تعالى ولو عادوا لما نهوا عنه. وانهم لكاذبون. قد خسروا انفسهم حين فوتوها الارباح. وسلكوا بها سبيل الهلاك. وليس ذلك كخسران الاموال والاثاث او الاولاد. انما هذا خسران لا جبران لمصابه. وضل عنه ما كانوا يفترون في الدنيا مما تمنيهم انفسهم به. ويعدهم به الشيطان قدموا على ما لم يكن لهم في حساب. وتبين لهم باطلهم وضلالهم. وصدق ما جاءتهم به الرسل الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش تبارك الله يقول تعالى مبينا انه الرب المعبود وحده لا شريك له. ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض وما فيهما على عظمهما وسعتهما. واحكامهما واتقانهما وبديع خلقهما. في ستة ايام اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. فلما قضاهما واودع فيهما من امرهما اودع. استوى تبارك وتعالى على العرش العظيم. الذي يسع السماوات والارض ارضى وما فيهما وما بينهما. استوى استواء يليق بجلاله وعظمته وسلطانه. فاستوى على العرش واحتوى على الملك ودبر الممالك. واجرى عليه اليهم احكامه الكونية واحكامه الدينية. ولهذا قال يغشى الليل المظلم النهار المضيء. في ظلم ما على وجه الارض ويسكن الادمي وتأوي المخلوقات الى مساكنها ويستريحون من التعب والذهاب والاياب الذي حصل لهم في النهار. يطلبه حثيثا كلما جاء الليل ذهب نهار وكلما جاء النهار ذهب الليل وهكذا ابدا على الدوام. حتى يطوي الله هذا العالم. وينتقل العباد الى دار غير هذه الدار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره. اي بتسخيره وتدبيره. الدال على ما له من اوصاف الكمال. فخلقها وعظمها دال على كمال قلوبها قدرته وما فيها من الاحكام والانتظام والاتقان دال على كمال حكمته. وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها. دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه. وانه الاله الحق الذي لا تنبغي العبادة الاله. الا له الخلق والامر. اي له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها اعيانها واوصافها وافعالها. والامر المتضمن للشرائع والنبوات. فالخلق يتضمن احكامه الكونية القديمة والامر يتضمن احكامه الدينية الشرعية. وثم احكام الجزاء. وذلك يكون في دار البقاء. تبارك الله. اي عظم وتعالى وكثر خيره واحسانه. فتبارك في نفسه لعظمة اوصافه وكمالها. وبارك في غيره باحلال الخير الجزيل والبر الكثير. فكل بركة في الكون فمن اثار رحمته. ولهذا قال تبارك الله رب العالمين. ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الالباب على لانه وحده المعبود المقصود في الحوائج كلها امر بما يترتب على ذلك فقال المعتدين ادعوا ربكم تضرعوا وخفية انه لا يحب المعتدين الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة ودعاء العبادة. فامر بدعائه تضرعا. اي الحاحا في المسألة ودؤوبا في العبادة وخفية. اي لا قهرا وعلانية يخاف منها الرياء. بل خفية واخلاصا لله تعالى. انه لا يحب المعتدين اي المتجاوزين للحد في كل الامور من الاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له. او يتنطع في السؤال او يبالغ في رفع صوته بالدعاء. فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه ان رحمة الله قريب من المحسنين ولا تفسدوا في الارض بعمل المعاصي بعد اصلاحها بالطاعات. فان المعاصي الاخلاق والاعمال والارزاق. كما قال الله تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس. كما ان الطاعات تصلح بها الاخلاق والاعمال والارزاق واحوال الدنيا والاخرة. وادعوه خوفا وطمعا اي خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه. طمعا في قبولها وخوفا من ردها لا دعاء عبد مضل على ربه قد اعجبته نفسه ونزل نفسه فوق منزلته او دعاء من هو غافل له وحاصل ما ذكر الله من اداب دعاء الاخلاص فيه لله وحده. لان ذلك يتضمنه الخفية واخفاؤه واصراره. وان يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا. ولا ولا غير مبال بالاجابة. وهذا من احسان الدعاء. فان الاحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها. واداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوقت ولهذا قال ان رحمة الله قريب من المحسنين في عبادة الله. المحسنين الى عباد الله. فكلما كان العبد اكثر احسانا كان اقرب الى رحمة ربه. وكان ربه قريبا منه برحمته. وفي هذا من الحث على الاحسان ما لا يخفى فانزلنا به الماء فاخرجنا كذلك نخرج الموتى لعلكم يبين تعالى اثرا من اثار قدرته ونفحة من نفحات رحمته. فقال وهو الذي يرسل الرياح بين يدي رحمته. اي الرياح المبشرات بالغيث التي تثيره باذن الله من الارض. فيستبشر الخلق برحمة الله وترتاح لها قلوبهم قبل حتى اذا اقلت الرياح سحابا ثقالا قد اثاره بعضها والفه ريح اخرى والقحه ريح اخرى سقناه لبلد ميت قد كادت تهلك حيواناته وكاد اهله ان ييأسوا من رحمة الله. فانزلنا به اي بذلك البلد الميت. الماء الغزير من ذلك السحاب وسخر الله له ريحا تضره وتفرقه باذن الله. فاخرجنا به من كل الثمرات فاصبحوا مستبشرين برحمة الله راكعين بخير الله وقوله كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون. اي كما احيينا الارض بعد موتها بالنبات. كذلك نخرج الموتى من قبورهم بعد ما كانوا خرفات متمزقين وهذا استدلال واضح فانه لا فرق بين الامرين فمنكر البعث استبعادا له مع انه يرى ما هو نظيره من باب العناد المحسوسات. وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في الاء الله. والنظر اليها بعين الاعتبار والاستدلال. لا بعين الغفلة والاهمال ثم ذكر تفاوت الاراضي التي ينزل عليها المطر فقال والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبت لا يخرج الا نكدا. كذلك نصرف الايات لقومه والبلد الطيب اي طيب التربة والمادة. اذا نزل عليها مطر يخرج نباته الذي هو مستعد له باذن ربه. اي بارادة الله ومشيئته. فليست الاسباب مستقلة بوجود الاشياء حتى يأذن الله بذلك في خبث من الاراضي لا يخرج الا نكدا. اي الا نباتا خاصا لا نفع فيه ولا بركة. كذلك نصرف الايات لقوم يشكرون لننوعها ونبينها ونضرب فيها الامثال. ونسوقها لقوم يشكرون الله بالاعتراف بنعمه. والاقرار بها وصرفها في مرضات الله. فهم الذين ينتفعون بما فصل الله في كتابه من الاحكام والمطالب الالهية. لانهم يرونها من اكبر النعم الواصلة اليهم من ربهم. فيتلقونها مفتقرين اليها فرحين بها فيتدبرونها ويتأملونها. فيبين لهم من معانيها بحسب استعدادهم. وهذا مثال للقلوب حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة كما ان الغيث مادة الحياء فان القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي تقبله وتعلمه وتنبت بحسب طيب اصلها وحسن عنصرها واما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها. فاذا جاءها الوحي لم يجد محلا قابلا. بل يجدها غافلة معرضة او معارضة. فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور فلا يؤثر فيها شيئا. وهذا كقوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها احتمل السيل زبد الرابية اله غيره اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم. لما ذكر تعالى من ادلة توحيده جملة ايد ذلك بذكر ما جرى للانبياء الداعين الى توحيده مع اممهم المنكرين لذلك. وكيف ايد الله اهل التوحيد واهلك من عاندهم ان من قبلهم وكيف اتفقت دعوة المرسلين على دين واحد ومعتقد واحد؟ فقال عن نوح اول المرسلين لقد ارسلنا نوحا الى قومه الى عبادة الله وحده حين كانوا يعبدون الاوثان. فقال لهم يا قومي اعبدوا الله اي وحده ما لكم من اله غيره. لانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور وما سواه مخلوق مدبر ليس له من الامر شيء ثم خوفهم ان لم يطيعوه عذاب الله فقال اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم. وهذا من نصحه عليه الصلاة والسلام وشفقته عليهم. حيث خاف عليهم العذاب الابدي والشقاء السرمدي. كاخوة اخوانه من المرسلين الذين يشفقون على الخلق اعظم من شفقة ابائهم وامهاتهم. فلما قال لهم هذه المقالة ردوا عليه اقبح رد قال الملأ من قومه انا لنراك في ضلال مبين. وقال الملأ من قومه اي الرؤساء الاغنياء المتبوعون الذين قدرت العادة باستكبارهم على الحق. وعدم انقيادهم للرسل. انا لنراك في ضلال مبين. فلم يكفهم قبحهم الله الله انهم لم ينقادوا له بل استكبروا عن الانقياد له وقدحوا فيه اعظم قدح ونسبوه الى الضلال. ولم يكتفوا بمجرد الضلال حتى جعلوه وضلالا مبينا. واضحا لكل احد. وهذا من اعظم المكابرة التي لا تروج الا على اضعف الناس عقلا. وانما هذا الوصف منطبق على قوم نور الذين جاءوا الى اصنام قد صوروها ونحتوها بايديهم. من الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر. ولا تغني عنهم شيئا. فنزلوها منزلة فاطر السماء السماوات وصرفوا لها ما امكنهم من انواع القروبات. فلولا ان لهم اذهانا تقوم بها حجة الله عليهم. لحكم عليهم بان المجانين اهدى منهم بل هم اهدى منهم واعقل. فرد نوح عليهم ردا لطيفا. وترقق لهم لعلهم ينقادون له. فقال يا قومي ليس بي ضلال اي لست ضالا في مسألة من المسائل بوجه من الوجوه. وانما انا هاد مهتد بل هدايته عليه الصلاة والسلام من جنس هداية اخوانه اولي العزم من المرسلين اعلى انواع الهدايات واكملها واتمها. وهي هداية الرسالة التامة الكاملة. ولهذا قال ولكني رسول من رب العالمين اي ربي وربكم ورب جميع الخلق الذي ربى جميع الخلق بانواع التربية الذي من اعظم تربيته ان ارسل الى عباده رسلا تامرهم في الاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة والعقائد الحسنة. وتنهاهم عن اضدادها. ولهذا قال ابلغكم رسالات ربي وانصح لكم اي وظيفة تبليغكم ببيان توحيده واوامره ونواهيه على وجه النصيحة لكم والشفقة عليكم. واعلم من الله ما لا تعلمون الذي يتعين ان تطيعوني وتنقادوا لامري ان كنتم تعلمون ولعلكم ترحمون او عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم؟ اي كيف تعجبون من حالة لا ينبغي العجب منها؟ وهو انه جاءكم التذكير والموعظة النصيحة على يد رجل منكم تعرفون حقيقته وصدقه وحاله. فهذه الحال من عناية الله بكم وبره واحسانه. الذي يتلقى القبول والشكر وقوله لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون. اي لينذركم العذاب الاليم وتفعلوا الاسباب المنجية من استعمال تقوى الله ظاهرا وباطنا. وبذلك تحصل عليهم وتنزل رحمة الله الواسعة. فلم يفد فيهم ولا نجح فكذبوه فانجيناه والذين معه في الفلك. اي السفينة التي امر الله الله نوحا عليه الصلاة والسلام بصنعتها. واوحى اليه ان يحمل من كل صنف من الحيوانات. زوجين اثنين واهله ومن امن معه. فحملهم في فيها ونجاهم الله بها. واغرقنا الذين كذبوا باياتنا. انهم كانوا عامين عن الهدى. ابصروا الحق. واراهم الله على يد نوح من الايات البينات ما بها يؤمن اولو الالباب فسخروا منه واستهزأوا به وكفروا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره افلا تتقون. اي وارسلنا الى عاد اولى الذين كانوا في ارض اليمن اخاهم في النسب هودا عليه السلام يدعوهم الى التوحيد وينهاهم عن الشرك والطغيان في الارض. فقال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. افلا تتقون سخطه وعذابه؟ ان اقمتم على ما انتم عليه. فلم يستجيبوا ولا انقادوا. قال الملأ الذين كفروا من قومه انا لنراك في سفاهة فقال الملأ الذين كفروا من قومه رادين لدعوته قادحين في رأيه. انا لنراك في سفاهة وانا لنظنك من الكاذبين. اي ما نراك الا سفيها غير رشيد. ويغلب على ظننا انك من جملة الكاذبين. وقد انقلبت عليهم الحقيقة واستحكم عماهم حيث رموا نبيهم عليه السلام بما هم متصفون به. وهو ابعد الناس عنه فانهم السفهاء حقا الكاذبون. واي سفه ان اعظم ممن قابل احق الحق بالرد والانكار وتكبر عن الانقياد للمرشدين والنصحاء. وانقاد قلبه وقالبه لكل شيطان مريد مع العبادة في غير موضعها. فعبد من لا يغني عنه شيئا من الاشجار والاحجار. واي كذب ابلغ من كذب من نسب هذه الامور الى الله تعالى قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين قال يا قومي ليس بي سفاهة بوجه من الوجوه بل هو الرسول المرشد الرشيد. ولكني رسول من رب العالمين. ابلغكم ميساء ابلغكم رسالات ربي وانا لكم ناصح امين. فالواجب عليكم ان تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد وطاعة رب العباد اوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم؟ اي كيف تعجبون من امر لا يتعجب منه وهو ان الله ارسل اليكم رجلا منكم تعرفون امره يذكركم بما فيه مصالحكم ويحثكم على ما فيه النفع لكم فتعجبكم من ذلك تعجب المنكرين. واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح. اي احمدوا ربكم واشكروه. اذ مكن لكم في الارض. وجعلكم تخلفون ان الامم الهالكة الذين كذبوا الرسل فاهلكهم الله وابقاكم لينظر كيف تعملون. واحذروا ان تقيموا على التكذيب كما اقاموا. فيصيبكم ما اصابهم واذكروا نعمة الله عليكم التي خصكم بها. وهي ان زادكم في الخلق بسطة في القوة وكبر الاجسام. وشدة البطش. فاذكروا قال الله اي نعمه الواسعة واياديه المتكررة. لعلكم اذا ذكرتموها بشكرها واداء حقها تفلحون. اي تفوزون مطلوب وتنجون من المرهوب. فوعظهم وذكرهم وامرهم بالتوحيد. وذكر لهم وصف نفسه. وانه ناصح امين. وحذرهم ان يأخذهم الله كما اخذ من قبلهم. وذكرهم نعم الله عليهم وادرار الارزاق اليهم. فلم ينقادوا ولا استجابوا. فقالوا متعجبين من دعوته ومخبرين له انه من المحال ان يطيعوه اجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد اباؤنا. قبحهم الله جعلوا الامر الذي هو اوجب الواجبات واكمل الامور. من الامور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه اباءهم. فقدموا ما عليه الاباء الضالون من الشرك وعبادة الاصنام. على ما دعت اليه الرسل من توحيد الله وحده لا شريك له وكذبوا نبيهم وقالوا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين. وهذا استفتاح منهم على انفسهم. فقال لهم هود عليه سلام نزل ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا اني معكم قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب. اي لابد من وقوعه فانه قد انعقد اسبابه وحان وقت الهلاك. اتجادلونني في اسماء سميتموها انتم واباؤكم. اي كيف تجادلون على امور لا حقائق لها. وعلى من سميتموها الهة وهي لا شيء من الالهة فيها. ولا مثقال ذرة. ما نزل الله بها من سلطان. فانها لو كانت صحيحة لانزلتها الله بها سلطانا. فعدم انزاله له دليل على بطلانها. فانه ما من مطلوب ومقصود. وخصوصا الامور الكبار. الا وقد بين الله فيها من الحجج ما يدل عليها ومن السلطان ما لا تخفى معه. فانتظروا ما يقع بكم من العقاب الذي وعدتكم به. اني معكم من المنتظرين. وفرق بين الانتظارين انتظار من يخشى وقوع العقاب. ومن يرجو من الله النصر والثواب. ولهذا فتح الله بين الفريقين فقال وقطعنا دابر الذين كذبوا فانجيناه اي هود والذين امنوا معه برحمة من ان فانه الذي هداهم للايمان وجعل ايمانهم سببا ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته وقطعنا دابر الذين كذبوا بايات اي استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم احدا. وسلط الله عليهم الريح العقيم. ما تذر من شيء اتت عليه الا جعلته كرة وميم فاهلكوا فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين اقيمت عليهم الحجج. فلم ينقادوا لها وامروا الايمان فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك والخزي والفضيحة. واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة. الا ان عاد الكفر الا بعدا لعاد قوم هود. وقال هنا وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا وما كانوا مؤمنين بوجه من الوجوه بل وصفهم التكذيب والعناد ونعتهم الكبر والفساد والى ثمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم هذه ناقة الله لكم اية فذروها اي وصلنا الى ثمود القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله من ارض الحجاز وجزيرة العرب. ارسل الله اليهم اخاهم صالحا نبيا وهم الى الايمان والتوحيد وينهاهم عن الشرك والتنديد. فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. دعوته عليه الصلاة والسلام من جنس دعوة اخوانه من المرسلين الامر بعبادة الله وبيان انه ليس للعباد اله غير الله. قد جاءتكم بينة من ربكم اي خالق من خوارق عادات التي لا تكون الا اية سماوية لا يقدر الناس عليها. ثم فسرها بقوله هذه ناقة الله لكم اية. اي هذه ناقة صحيفة فاضلة لاضافتها الى الله تعالى اضافة تشريف. لكم فيها اية عظيمة. وقد ذكر وجه الاية في قوله لها شرب ولكم شرب يوم من معلوم وكان عندهم بئر كبيرة وهي المعروفة ببئر الناقة يتناوبونها هم الناقة. للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من ضرعها ولهم يوم يردونها وتصدر الناقة عنهم. وقال لهم نبيهم صالح عليه السلام فذروها تأكل في ارض الله فلا عليكم مما شيء ولا تمسوها بسوء اي بعقل او غيره فيأخذكم عذاب اليم آآ واذكروا اذ جعلكم خلفاء في الارض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم. من بعد عاد الذين اهلكهم الله وجعلكم خلفاء من بعدهم. وبوأكم في الارض اي مكن لكم فيها وسهل لكم الاسباب الموصلة الى ما تريدون وتبتغون. تتخذون من سهولها قصورا اي الاراضي السهلة التي ليست في جبال تتخذون فيها القصور العالية والابنية الحصينة. وتنحتون الجبال بيوتا كما هو مشاهد الى الان من اعمالهم التي في الجبال من المساكن والحجر ونحوها. وهي باقية ما بقيت الجبال. فاذكروا الاء الله اي نعمه وما خولكم من الفضل والرزق والقوة. ولا استعفوا في الارض مفسدين. اي لا تخربوا الارض بالفساد والمعاصي. فان المعاصي تدع الديار العامرة بلاقع. وقد اخلت ديارهم منهم وابقت ساكنهم موحشة بعدهم قال الذين استكبروا من قومه اي الرؤساء والاشراف الذين تكبروا عن الحق. للذين استضعفوا. ولما كان المستضعفون ليسوا كلهم مؤمنين قالوا لمن امن منهم اتعلمون ان صالحا مرسل من ربه؟ اي اهو صادق ام كاذب؟ فقال المستضعفون انا بما ارسل به المؤمنون من توحيد الله والخبر عنه وامره ونهيه حملهم الكبر الا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء ثم قالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين فعقروا الناقة التي توعدهم ان مسوها فبسوء ان يصيبهم عذاب اليم. وعتوا عن امر ربهم اي قسوا عنه. واستكبروا عن امره الذي من عتى عنه اذاقه العذاب الشديد. لا جرم الله بهم من النكال ما لم يحل بغيرهم. وقالوا مع هذه الافعال متجرئين على الله معجزين له. غير مبالين بما فعلوا. بل بها يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين من العذاب. فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايام. ذلك وعد غير مكتوب فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في دارهم جاثمين على ركبهم قد ابادهم الله وقطع دابرهم ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين فتولى عنهم صالح عليه السلام حين احل الله به العذاب وقال مخاطبا لهم توبيخا وعتابا بعدما اهلكهم الله. يا قومي لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم. اي ما ارسلني الله به اليكم قد ابلغتكم به وحرصت على هدايتكم. واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم. ولكن لا تحب الناصحين بل رددتم قول النصحاء واطعتم كل شيطان مريد. واعلم ان كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة ان الناقة قد خربت خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح وانها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وان لها فصيلا حين رغى ثلاث رغيات. وانفلق له الجبل ودخل فيه. وان صالحا عليه السلام قال لهم اية نزول العذاب بكم ان تصبحوا في اليوم في الاول من الايام الثلاثة ووجوهكم مصفرة. واليوم الثاني محمرة. والثالث مسودة. فكان كما قال. وكل هذا من الاسرائيل التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب الله. وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه. بل لو كانت صحيحة لذكرها الله تعالى. لان في فيها من العجائب والعبر والايات ما لا يهمله تعالى ويدع ذكره. حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله. بل القرآن يكذب بعض هذه المذكورات. فان صالحا قال لهم تمتعوا في داركم ثلاثة ايام. اي تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جدا. فانه ليس لكم من المتاع واللذة سوى هذا واي لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع العذاب. وذكر لهم وقوع مقدماته. فوقعت يوما فيوما على وجه يعمهم ويشملهم وجوههم واصفرارهم واسودادها من العذاب. هل هذا الا مناقض للقرآن ومضاد له؟ فالقرآن فيه الكفاية والهداية عما ونعم لو صح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يناقض كتاب الله تعالى فعلى الرأس والعين. وهو مما امر القرآن وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقد تقدم انه لا يجوز تفسير كتاب الله بالاخبار الاسرائيلية. ولو على تجويز الرواية عنهم بالامور التي لا يجزم بكذبها. فان معاني كتاب الله يقينية وتلك امور لا تصدق ولا تكذب. فلا يمكن اتفاقهما ولوطا اذ قال لقومه اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين ايها واذكر عبدنا لوطا عليه الصلاة والسلام. اذ ارسلناه الى قومه يأمرهم بعبادة الله وحده. وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها احد من العالمين فقال اتأتون الفاحشة؟ اي الخصلة التي بلغت في العظم والشناعة الى ان استغرقت انواع الفحش؟ ما سبقكم بها من احد من العالمين فكونها فاحشة من اشنع الاشياء وكونهم ابتدعوها وابتكروها وسنوها لمن بعدهم من اشنع ما يكون ايضا. ثم بينها بقوله انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل ان انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء. اي كيف تذرون النساء اللاتي خلقهن الله لكم وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة. وتقبلون على ادبار الرجال التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث. محل تخرج منه الانتان الاخبار التي يستحيا من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها. بل انتم قوم مسرفون اي متجاوزون لما حده الله متجرؤون على ان يتنزهون عن فعل الفاحشة وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد اي الباقين المعذبين امره الله ان يسري باهله ليلا. فان العذاب مصبح قومه. فسرى بهم الا امرأته اصابها ما اصابهم امطرنا عليهم مطرا اي حجارة حارة شديدة من سجيل. وجعل الله عاليها سافلها. فانظر كيف كان عاقبة المجرمين الهلاك والخزي الدائم اللهم لا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين اي وارسلنا الى القبيلة المعروفة بمدين اخاهم في النسب شعيبا يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له ويأمرهم بايفاء المكيال والميزان. والا يبخسوا الناس اشياءهم والا يعثوا في الارض مفسدين بالاكثار من عمل المعاصي. ولهذا قال ولا افسدوا في الارض بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين. فان ترك المعاصي امتثالا لامر الله وتقربا اليه خير. وانفع عبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار وعذاب النار سبيل الله من امن به من امن به وتبغونها عوجا واذكروا ان كنتم قليلا ولا تقعدوا للناس بكل صراط اي طريق من التي يكثر سلوكها تحذرون الناس منها وتوعدون من سلكها وتصدون عن سبيل الله من اراد الاهتداء به. وتبغونها عوجا اي تبغون سبيل الله تكونوا معوجة وتميلونها اتباعا لاهوائكم. وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها الله الله لعباده ليسلكوها الى مرضاته ودار كرامته. ورحمهم بها اعظم رحمة. وتصدون لنصرتها والدعوة اليها والذب عنها. لا تكونوا انتم قطاع طريقها الصادين الناس عنها فان هذا كفر لنعمة الله ومحادة لله. وجعل اقوم الطرق واعدلها مائلة تشنعون على من سلكها. واذكروا نعمة الله عليكم. اذ كنتم قليلا فكثركم. اي نماكم بما انعم عليكم من الزوجات والنسل والصحة وانه ما ابتلاك بوباء او امراض من الامراض المقللة لكم. ولا سلط عليكم عدوا اجتاحكم ولا فرقكم في الارض. بل انعم عليكم باجتماعكم وادرار الارزاق وكثرة النسل. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. فانكم لا تجدون في جموعهم الا الشتات. ولا في ربوعهم الا الوحشة والانبتار ولم يورثوا ذكرا حسنا بل اتبعوا في هذه الدنيا لعنة. ويوم القيامة اشد خزيا وفضيحة وان كانت طائفة من امنوا بالذي ارسلت به وطائفة لم يؤمنوا. وهم الجمهور منهم. فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فينصر المحق ويوقع العقوبة على المبطل