المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي قال الملأ الذين استكبروا من قومه وهم الاشراف والكبراء منهم. الذين تبعوا اهواءهم ثم له بلذاتهم. فلما اتاهم الحق ورأوه غير موافق لاهوائهم الرديئة. ردوه واستكبروا عنه. فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين. لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك من قريتنا. او لتعودن في ملتنا. استعملوا قوتهم السبعية في مقابلة الحق ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا. وانما راعوا واتبعوا اهواءهم وعقولهم السفيهة. التي دلتهم على هذا القول الفاسد. فقال اما ان ترجع انت ومن معك الى ديننا. او لنخرجنكم من قريتنا. فشعيب عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في ايمانهم والان لم يسلم من شرهم حتى توعدوه ان لم يتابعهم بالجلاء عن وطنه. الذي هو ومن معه احق به منهم. فقال لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم او لو كنا كارهين اي انتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة؟ ولو كنا كارهين لها لعلم من ابي بطلانها فانما يدعى اليها من له نوع رغبة فيها. اما من يعلن بالنهي عنها والتشنيع على من اتبعها. فكيف يدعى اليها قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها سيكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها ايشهدوا علينا اننا ان عدنا فيها بعدما نجانا الله منها وانقذنا من شرها. اننا كاذبون مفترون على الله الكذب. فان اننا نعلم انه لا اعظم افتراء ممن جعل لله شريكا. وهو الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة. ولا شريكا في وما يكون لنا ان نعود فيها اي يمتنع على مثلنا ان نعود فيها. فان هذا من المحال. فايسهم عليه الصلاة والسلام من كونه توفقهم من وجوه متعددة. من جهة انهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة انه جعل ما هم عليه كذبا. واشهدهم ان انه ان اتبعهم ومن معه فانهم كاذبون. ومنها اعترافهم بمنة الله عليهم اذ انقذهم الله منها. ومنها ان عودهم فيها بعدما هداهم الله من المحالات بالنظر الى حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الله تعالى والاعتراف له بالعبودية وانه الاله وحده الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده لا شريك له. وان الهة المشركين ابطلوا الباطل. وامحلوا المحال. وحيث ان الله من عليهم بعقول بها الحق والباطل والهدى والضلال. واما من حيث النظر الى مشيئة الله وارادته النافذة في خلقه. التي لا خروج لاحد عنها. ولو وترت الاسباب وتوافقت القوى فانهم لا يحكمون على انفسهم انهم سيفعلون شيئا او يتركونه. ولهذا استثنى وما يكون لنا ان نعود الا ان يشاء الله اي فلا يمكننا ولا غيرنا. الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته. وقد وسع ربنا كل شيء علما فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. على الله توكلنا اي اعتمدنا انه سيثبتنا على الصراط المستقيم. وان يعصمنا من جميع طرق الجحيم فان من توكل على الله كفاه ويسر له امر دينه ودنياه. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق. اينصر المظلوم صاحب الحق على الظالم المعاند للحق. وانت خير الفاتحين وفتحه تعالى لعباده نوعان. فتح العلم بتبيين الحق من الباطل والهدى من الضلال ومن هو من المستقيمين على الصراط ممن هو منحرف عنه. والنوع الثاني فتحه بالجزاء وايقاع العقوبة على الظالمين والنجاة والاكرام للصالحين. فسألوا الله ان يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل. وان يريهم من اياته وعبره. ما يكون فاصلا بين الفريق وقال الملأ الذين كفروا من قومه لان اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون وقال الملأ الذين كفروا من قومه محذرين عن اتباع شعيب لان اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون. هذا ما سولت لهم انفسهم ان الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى. ولم يدروا ان الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والاضلال. وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال. فاخذتهم الرجفة اي الزلزلة الشديدة فاصبحوا في دارهم جاثمين اي صرعى ميتين هامدين. قال تعالى ناعيا حالهم الذين كلبوا شعيبا الذين كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها اي كأنهم ما اقاموا في ديارهم وكانهم ما تمتعوا في على ساعتها ولا تفيؤا في ظلالها ولا غنوا في مسارح انهارها ولا اكلوا من ثمار اشجارها. حين فاجئهم العذاب فنقلهم من مورد واللعب واللذات الى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات. ولهذا قال الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين الخسارة محصور فيهم. لانهم خسروا دينهم وانفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين. لا من قالوا لهم لا اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون ونصحت فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام. وقال معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم. يا قومي لقد ابلغتكم رسالات ربي. اي اوصلتها اليكم حتى بلغت منكم اقصى ما يمكن ان تصل اليه. وخالطت افئدتكم. ونصحت لكم فلم تقبلوا نصحي. ولا انقضتم لارشادي. بل ثم طغيتم فكيف اسى على قوم كافرين؟ اي فكيف احزن على قوم لا خير فيهم؟ اتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق الا الشر. فهؤلاء غير حقيقين ان يحزن عليهم. بل يفرحوا باهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة. واي شقاء عقوبة ابلغ من ان يصلوا الى حالة يتبرأ منهم انصح الخلق لهم وما ارسلنا في قرية من نبي الا اخذنا اهلها بالبأساء الا والضراء لعلهم يتضرعون يقول تعالى وما ارسلنا في قرية من نبي يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عن ما هم فيه من الشر فلم ينقادوا له الا ابتلاهم الله بالبأساء والضراء. اي بالفقر والمرض وانواع البلايا. لعلهم اذا اصابتهم اخضعت نفوسهم تضرعوا الى الله واستكانوا للحق. ثم اذا لم يفد فيهم واستمر استكبارهم وازداد طغيانهم فاخذناهم بغتة وهم بدلنا مكان السيئة الحسنة فادر عليهم الارزاق وعافى ابدانهم ورفع عنهم البلاء حتى عفوا اي كثروا وكثرت ارزاقهم وانبسطوا في نعمة الله وفضله. ونسوا ما مر عليه من البلاء وقالوا قد مس اباءنا الضراء والسراء اي هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الاولين واللاحقين. تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء. وتارة في فرح ومرة في ترف على حسب تقلبات الزمان وتداول الايام. وحسبوا انها ليست للموعظة والتذكير. ولا للاستدراج والنكير. حتى اذا اغتبطوا وفرحوا بما اوتوا وكانت الدنيا اسر ما كانت اليهم. اخذناهم بالعذاب بغتة وهم لا يشعرون. اي لم يخطر لهم الهلاك على بال وظنوا انهم قادرون على ما اتاهم الله. وانهم غير زائلين ولا منتقلين عنه لفتحنا عليهم بركات والارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يقسمون. لما ذكر تعالى ان المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وانذارا. وبالسراء استدراجا ومكرا. ذكر ان اهل القرى لو امنوا بقلوبهم ايمانا صادقا صدقته الاعمال. واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرا وباطنا. بترك جميع ما حرم الله لفتح عليهم بركات السماء والارض. فارسل السماء عليهم مدرارا. وانبت لهم من الارض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم. في اخصب عيش واغزل رزق من غير عناء ولا تعب ولا كد ولا نصب. ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا. فاخذناهم بما كانوا يكسبون. بالعقوبات والبلايا ونزع البركات وكثرة الافات وهي بعض جزاء اعمالهم. والا فلو اخذهم بجميع ما كسبوا ما ترك عليها من دابة. ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون افأمن اهل القرآن افانتم من اهل القرى اي المكذبة بقرينة السياق ان يأتيهم بأسنا اي عذابنا الشديد بياتا وهم نائمون اي في غفلتهم وغرتهم راحتهم اي شيء يؤمنهم من ذلك وهم قد فعلوا اسبابه وارتكبوا من الجرائم العظيمة ما يوجب بعضه الهلاك فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون افأمنوا مكر الله حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون. ويملي لهم ان كيده متين. فلا لا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون. فان من امن من عذاب الله فهو لم يصدق بالجزاء على الاعمال. ولا امن بالرسل حقيقة الايمان هذه الاية الكريمة فيها من التخويف البليغ. على ان العبد لا ينبغي له ان يكون امنا على ما معه من الايمان. بل لا يزال خائفا وجلا ان يبتلى ببلية ان تسلبوا ما معه من الايمان والا يزال داعيا بقوله يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وان يعمل ويسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن فان العبد ولو بلغت به الحال ما بلغت فليس على يقين من السلامة يقول تعالى منبها للامم الغابرين بعد هلاك الامم الغابرين. اولم يهدي للذين يرثون الارض من بعد اهلها لو نشاء اصبناهم بذنوبهم اي اولم يتبينوا ويتضح للامم الذين ورثوا الارض بعد اهلاك من قبلهم بذنوبهم. ثم عملوا كاعمال اولئك المهلكين اولم يهتدوا ان الله لو شاء لاصابهم بذنوبهم فان هذه سنته في الاولين والاخرين. وقوله ونطمع على بهم فهم لا يسمعون. اي اذا نبههم الله فلم ينتبهوا وذكرهم فلم يتذكروا. وهداهم بالايات والعبر فلم يهتدوا. فان الله تعالى الا يعاقبهم ويطبع على قلوبهم فيعلوها الران والدنس حتى يختم عليها فلا يدخلها حق ولا يصل اليها خير ولا يسمعون ما وانما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم كذلك تلك القرى الذين تقدم ذكرهم نقص عليك من انبائها ما يحصل به عبرة وازدجار للظالمين وموعظة للمتقين. ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات. اي ولقد جاءت هؤلاء المكذبين رسلهم الى ما فيه سعادتهم. وايدهم الله بالمعجزات الظاهرة والبينات المبينات للحق بيانا كاملا. ولكن لم يفدهم هذا ولا اغنى عنهم شيئا فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل. اي بسبب تكذيبهم وردهم الحق اول مرة. ما كان الله ليهديهم للايمان جزاء لهم على ردهم الحق. كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ونذرهم في طغيانهم يعمهون كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين. عقوبة منه وما ظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم وما وجدنا لاكثرهم من عهد وما وجدنا لاكثر الامم الذين ارسل الله اليهم الرسل من عهد اي من ثبات والتزام لوصية الله التي اوصى بها جميع العالمين. ولا انقادوا لاوامر التي ساقها اليهم على السنة رسله. وان وجدنا اكثرهم لفاسقين. اي خارجين عن طاعة الله. متبعين لاهوائهم بغير هدى من الله. فالله تعالى امتحن العباد بارسال الرسل وانزال الكتب. وامرهم باتباع عهده وهداه. فلم يمتثل لامره الا القليل من الناس سبقت لهم من الله سابقة السعادة. واما اكثر الخلق فاعرضوا عن الهدى واستكبروا عما جاءت به الرسل. فاحل الله بهم من عقوباته متنوعة ما احل اي ثم بعثنا من بعد اولئك الرسل موسى الكليم الامام العظيم الكريم الى قوم عتات جبابرة وهم فرعون وملأه من اشرافهم وكبرائهم. فاراهم من ايات الله العظيمة ما لم يشاهد له نظير فظلموا بها بان لم ينقادوا لحقها الذي من لم ينقض له فهو ظالم. بل استكبروا عنها. فانظر كيف كان عاقبة المفسدين. كيف اهلك الله واتبعهم الذم واللعنة في الدنيا ويوم القيامة. بئس الرفد المرفود. وهذا مجمل فصله بقوله جئتكم ببينة من ربكم فارسل معي بني اسرائيل وقال قال موسى حين جاء الى فرعون يدعوه الى الايمان. يا فرعون اني رسول من رب العالمين. اي اني رسول من مرسل عظيم. وهو رب العالمين الشامل للعالم العلوي والسفلي. مربي جميع خلقه بانواع التدابير الالهية. التي من جملتها انه لا يتركهم سدى. بل يرسل اليهم الرسل مبشرين ومنذرين. وهو الذي لا يقدر احد ان يتجرأ عليه. ويدعي انه ارسله ولم يرسله. فاذا كان هذا شأنه وانا قد ارني واصطفاني لرسالته. فحقيق علي الا اكذب عليه. ولا اقول عليه الا الحق. فاني لو قلت عليه غير ذلك لعاجلني بالعقوبة واخذ اخذ عزيز مقتدر. فهذا موجب لان ينقادوا له ويتبعوه. خصوصا وقد جاءهم ببينة من الله واضحة على صحة ما جاء به من الحق فوجب عليهم ان يعملوا بمقصود رسالته ولها مقصودان عظيمان. ايمانهم به واتباعهم له. وارسال بني اسرائيل الشعب الذي فضله الله وعلى العالمين اولاد الانبياء وسلسلة يعقوب عليه السلام الذي موسى عليه الصلاة والسلام واحد منهم. فقال له فرعون فالقى عصاه فالقى موسى عصاه في الارض. فاذا هي ثعبان مبين. اي حية ظاهرة تسعى. وهم يشاهدونها. ونزع يده من جيبه فاذا هي بيضاء للناظرين من غير سوء. فهاتان ايتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه. وانه رسول رب العالمين ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل اية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم. فلهذا قال الملأ من قوم فرعون قال الملأ من قوم فرعون حين بهرهم ما رأوا من الايات ولم يؤمنوا وطلبوا لها التأويلات الفاسدة ان هذا لساحر عليم. اي ماهر في سحره ثم خوفوا ضعفاء الاحلام وسفهاء العقول بانه يريد موسى بفعله هذا ان يخرجكم من ارضكم اي يريد ان يجليكم لكم عن اوطانكم فماذا تأمرون؟ اي انهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم. فان ما جاء به ان لم يقابل بما يبطله ويدحضه. والا دخل في عقول اكثر الناس. فحين اذ انعقد رأيهم الى ان قالوا لفرعون يأتوك بكل ساحر عليم ارجه واخاه اي احبسهما وامهلهما وابعث في المدائن اناسا يحشرون اهل المملكة ويأتون بكل سحار عليم. اي يجيئون بالسحرة المهرة ليقابلوا ما جاء به موسى. فقالوا يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى. قال موعدك يوم زينة وان يحشر الناس ضحى. فتولى فرعون فجمع كيده ثم اتى. وقال هنا وجاء السحرة وجاء السحرة فرعون طالبين من انه الجزاء ان غلبوا فقالوا ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين. فقال فرعون نعم لكم اجر وانكم لمن المقربين. فوعدهم الاجر والتقريب وعلو المنزلة عندهم ليجتهدوا يبذلوا وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى. فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم قالوا على وجه التألي وعدم المبالاة بما جاء به موسى موسى اما ان تلقي ما معك واما ان نكون نحن الملقين. فقال موسى سحروا اعين الناس واسترهبوهم مجاؤوا بسحر القوا لاجل ان يرى الناس ما معهم وما مع موسى. فلما القوا حبالهم وعصيهم اذا هي من سحرهم كان انها حيات تسعى فسحروا اعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم لم يوجد له نظير من السحر واوحينا الى موسى ان الق عصاك فالقاها فاذا هي حية تسعى فتلقف جميع ما يأفكون اي يكذبون به ويموهون حق وبطل ما كانوا يعملون. فوقع الحق اي تبين وظهر واستعلن في ذلك المجمع بطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك اي في ذلك المقام وانقلبوا صاغرين اي حقيرين قد اضمحل باطلهم وتلاشى سحرهم ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله واعظم من تبين له الحق العظيم اهل الصنف والسحر. الذين يعرفون من انواع السحر وجزئياته ما لا يعرفه غيرهم. فعرفوا ان هذه اية عظيمة من ايات الله لا يدان لاحد بها موسى وهارون. رب موسى وهارون اي وصدقنا بما بعث به موسى من الايات البينات. فقال لهم فرعون متهددا على الايمان اهلها فسوف تعلمون لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ثم لاصلبنكم اجمعين امنتم به قبل ان اذن لكم انا الخبيث حاكم مستبدا على الابدان والاقوال. قد تقرر عنده وعندهم ان قوله هو المطاع. وامره نافذ فيهم. ولا خروج لاحد عن قوله وحكمه وبهذه الحالة تنحط الامم وتضعف عقولها ونفوذها. وتعجز عن المدافعة عن حقوقها. ولهذا قال الله عنه خف قومه فاطاعوه وقال هنا امنتم به قبل ان اذن لكم اي فهذا سوء ادب منكم وتجرؤ علي ثم موه على قومه وقال ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها اهلها. اي ان موسى كبيركم الذي علمكم السحر. فتواطأتم انتم وهو على ان فيظهر فتتبعوه ثم يتبعكم الناس او جمهورهم فتخرجوا منها اهلها. وهذا كذب يعلمه هو ومن سبر الاحوال ان موسى عليه الصلاة والسلام لم يجتمع باحد منهم. وانهم جمعوا على نظر فرعون ورسله. وان ما جاء به موسى اية الهية. وان السحرة قد بذلوا مجهودهم في مغالبة موسى. حتى عجزوا وتبين لهم الحق فاتبعوه. ثم توعدهم فرعون بقوله فسوف تعلمون ما بكم من العقوبة لاصلبنكم اجمعين. لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف زعم الخبيث انهم مفسدون في الارض. وسيصنع بهم ما يصنع بالمفسدين. من تقطيع الايدي والارجل من خلاف. اي اليد اليمنى والرجل اليسرى ثم لاصلبنكم في جذوع النخل لتختزوا بزعمه اجمعين. اي لا افعل هذا الفعل باحد دون احد. بل كلكم سيذوق هذا العذاب فقال السحرة الذين امنوا لفرعون حين تهددهم امنا بايات ربنا لما وتوفنا انا الى ربنا منقلبون. اي فلا نبالي بعقوبتك. فالله خير وابقى. فاقض ما انتقاض وما تنقم منا اي وما تعيب منا على انكارك علينا وتوعدك لنا فليس لنا ذنب الا ان امنا بايات بنا لما جاءتنا فان كان هذا ذنبا يعاب عليه ويستحق صاحبه العقوبة فهو ذنبنا. ثم دعوا الله ان يثبتهم ويصبرهم فقال ربنا افرغ اي افظ علينا صبرا اي عظيما كما يدل عليه التنكير. لان هذه محنة عظيمة تؤدي الى ذهاب النفس فيحتاج فيها من الصبر الى شيء كثير. ليثبت الفؤاد ويطمئن المؤمن على ايمانه. ويزول عنه الانزعاج الكثير. وتوفنا مسلمين القادين لامرك متبعين لرسولك. والظاهر انه اوقع بهم ما توعدهم عليه. وان الله تعالى ثبتهم على الايمان. هذا وفرعون ملأه وعامتهم المتبعون للملأ. قد استكبروا عن ايات الله وجحدوا بها ظلما وعلوا. وقالوا لفرعون مهيجين له على الايقاع بموسى وزاعمين ان ما جاء به باطل وفساد في الارض ويدرك والهتك. قال سنقتل ابناءهم ونستحيي نساءهم اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض بالدعوة الى الله والى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال التي هي الصلاح في الارض. وما هم عليه هو الفساد. ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون. ويذرك والهتك ان يدعك والهتك وينهى عنك ويصد الناس عن اتباعك. فقال فرعون مجيبا لهم بانه سيدع بني اسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها ويأمن فرعون وقومه بزعمه من ضررهم سنقتل ابنائهم ونستحيي نساءهم. اي نستبقيهن فلا نقتلهن. فاذا فعلنا ذلك ان من كثرتهم وكنا مستخدمين لباقيهم ومسخرين لهم على ما نشاء من الاعمال. وانا فوقهم قاهرون لا خروج لهم عن حكمنا ولا قدرة وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة. فقال موسى لقومه موصيا لهم في هذه الحالة التي لا يقدرون معها على شيء ولا مقاومة للمقاومة الالهية والاستعانة الربانية والعاقبة استعينوا بالله اي اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم ودفع ما يضركم وثقوا بالله انه سيتم امركم واصبروا اي الزموا الصبر على ما يحل بكم. منتظرين للفرج. ان الارض لله ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها يورثها من يشاء من عباده. ان يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته. ولكن العاقبة للمتقين. فانهما ان امتحنوا مدة كابتلاء من الله وحكمة فان النصر لهم والعاقبة الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد انه عند القدرة ان يفعل من الاسباب الدافعة عنه اذى الغير ما يقدر عليه وعند العجز ان يصبر ويستعين بالله وينتظر الفرج ان تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في النار قالوا لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون واذيته اوذينا من قبل ان تأتينا فانهم يصوموننا سوء العذاب. يذبحون ابنائنا ويستحيون نسائنا. ومن بعد ما جئتنا كذلك. فقال لهم موسى مرجيا لهم الفرج والخلاص من شرهم. عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض. ان يمكنكم فيها ويجعل لكم التدبير فيها فينظر كيف تعملون. هل تشكرون ام تكفرون؟ وهذا وعد انجزه الله لما جاء الوقت الذي اراده الله. قال الله تعالى في بيان ما عامل به ال فرعون في هذه المدة الاخيرة انها على عادته وسنته في الامم. ان يأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون لقد اخذنا ال فرعون بالسنين اي بالدهور والجدب ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. اي يتعظون ان ما حل بهم واصابهم معاتبة من الله لهم لعلهم يرجعون عن كفرهم فلم ينجح فيهم ولا افاد بل استمروا على الظلم والفساد والحسنة قالوا لنا هذه وان تصيبهم سيئة يتطيروا بموسى ومن معه. الا انما فاذا جاءتهم الحسنة اي الخصب وادرار الرزق قالوا لنا هذه اي نحن مستحقون لها فلم يشكروا الله عليها وان تصبهم سيئة اي قحط وجدب يتطير بموسى ومن معه ان يقولوا انما جاءنا بسبب مجيء موسى واتباع بني اسرائيل له. قال الله تعالى الا انما طائرهم عند الله اي بقضائه وقدرته. ليس كما قالوا بل ان ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك. بل اكثرهم لا يعلمون. اي فلذلك قالوا ما قال قالوا وقالوا مهما تأتينا به من اية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. وقالوا مبينين لموسى انهم لا يزالون ولا يزولون عن باطلهم. مهما تأتنا به من اية لتسحرنا بها. فما نحن لك بمؤمنين. اي قرر عندنا انك ساحر. فمهما جئت باية جزمنا انها سحر فلا نؤمن لك ولا نصدق. وهذا غاية ما يكون من العناد ان يبلغ بالكافر الى ان تستوي عندهم الحالات سواء نزلت عليهم الايات ام لم تنزل فارسلنا عليهم الطوفان اي الماء الكثير الذي اغرق اشجارهم وزروعهم واضر بهم ضررا كثيرا. والجراد اكل ثمارهم وزروعهم ونباتهم. والقمل. قيل انه الدباء اي صغار الجراد. والظاهر انه القمل المعروف. والضفادع. فملأ توعيتهم واقلقتهم واذتهم اذية شديدة والدم اما ان يكون الرعاف او كما قال كثير من المفسرين ان ماءهم الذي يشربون القلب دما فكانوا لا يشربون الا دما ولا يطبخون الا بدم. ايات مفصلات اي ادلة وبينات على انهم كانوا كاذبون ظالمين وعلى ان ما جاء به موسى حق وصدق. فاستكبروا لما رأوا الايات وكانوا في سابق امرهم قوما مجرمين. فلذلك الله تعالى بان ابقاهم على الغي والضلال ولما وقع عليهم الرجز اي العذاب يحتمل ان المراد به الطاعون كما قاله كثير من المفسرين. ويحتمل ان يراد به ما تقدم من الايات. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. فانها وعذاب وانهم كلما اصابهم واحد منها قالوا يا موسى ادعوا لنا ربك بما عهد عندك اي تشفعوا بموسى بما عهد الله عنده من الوحيد والشرع لان كشفت عنا الرجز لنؤمننن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل وهم في ذلك كذبة لا قصد لهم الا زوال ما حل بهم من العذاب وظنوا اذا رفع لا يصيبهم غيره فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغوه. اي الى مدة قدر الله بقاءهم اليها. وليس كشفا مؤبدا وانما هو مؤقت اذا هم يمكثون العهد الذي عاهدوا عليه موسى ووعدوه بالايمان به وارسال بني اسرائيل. فلا امنوا به ولا ارسلوا معه بني اسرائيل بل استمروا على كفرهم يعمهون وعلى تعذيب بني اسرائيل دائبين فانتقمنا منهم اي حين جاء الوقت المؤقت لهلاكهم امر الله موسى ان يسري ببني اسرائيل ليلا. واخبره ان فرعون سيتبعهم هو وجنوده. فارسل فرعون وفي المدائن حاشرين. يجمعون الناس ليتبعوا بني اسرائيل. وقالوا لهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون. وانهم لنا لعائضون وانا لجميع حاذرون. فاخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم. كذلك واورثناها بني اسرائيل. فاتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون. قال كلا ان معي ربي سيهدين. فاوحينا الى موسى ان اضرب بعصاه هاك البحر فانفلق. فكان كل فرق كالطود العظيم. وازلفنا ثم الاخرين. وانجينا موسى ومن معه اجمعين. ثم اغرقنا اخرين وقال هنا فاغرقناهم في اليم بانهم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين. اي بسبب تكذيبهم بايات الله واعراضهم عن ما دلت عليه من الحق واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها ودمرنا ما كان يصنع واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في الارض اي بني اسرائيل الذين كانوا خدمة لال فرعون يسومونهم سوء العذاب. اورثهم الله مشارق الارض ومغاربها. والمراد بالارض ها هنا ارض مصر التي فيها مستضعفين اذلين. اي ملكهم الله جميعها ومكنهم فيها. التي باركنا فيها. وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا. حين قال لهم موسى استعينوا بالله واصبروا. ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة المتقين ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من الابنية الهائلة والمساكين المزخرفة وما كانوا يعرشون. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعلمون. وجاوزنا ببني اسرائيل قوم تجهلون. وجاوزنا ببني اسرائيل البحر بعدما انجاهم الله من عدوهم فرعون وقومه واهلكهم الله وبنو اسرائيل ينظرون فاتوا اي مروا على قوم يعكفون على اصنام لهم ان يقيمون عندها ويتبركون بها ويعبدونها فقالوا من جهلهم وسفههم لنبيهم موسى بعدما اراهم الله من الايات ما اراهم. يا موسى اجعل لنا الها كما لهم الهة اي اشرع لنا ان نتخذ اصناما الهة كما اتخذها هؤلاء. فقال لهم موسى انكم قوم تجهلون واي جهل اعظم من من جهل من جهل ربه وخالقه. واراد ان يسوي به غيره. ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولهذا قال له موسى ان هؤلاء ما هم فيه وباطل ما كانوا ان هؤلاء ما هم فيه. وباطن ما كانوا يعملون. لان دعاءهم اياها باطل. وهي باطلة بنفسها فالعمل باطل وغايته باطلة قال اغير الله ابغيكم الها؟ اي اأطلب لكم الها غير الله المألوف؟ الكامل في ذاته صفاته وافعاله وهو فضلكم على العالمين. فيقتضي ان تقابلوا فضله وتفضيله بالشكر. وذلك بافراده وحده بالعبادة والكفر بما ما يدعى من دونه ثم ذكرهم ما امتن الله به عليهم فقال العداء يسومونكم سوء العذاب يقتلون واذ انجيناكم من ال فرعون اي من فرعون واله يصومونكم سوء العذاب ان يوجهون اليكم من العذاب اسوأ. وهو انهم كانوا يقتلون ابناءكم ويستحيون نسائكم. وفي ذلكم النجاة من من عذابهم بلاء من ربكم عظيم. اي نعمة جليلة ومنحة جزيلة. اي وفي ذلك العذاب الصادر منهم لكم بلاء من ربكم عليكم عظيم فلما ذكرهم موسى ووعظهم انتهوا عن ذلك. ولما اتم الله نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم. وتمكينهم في الارض اراد تبارك وتعالى ان يتم نعمته عليهم بانزال الكتاب الذي فيه الاحكام الشرعية والعقائد المرضية وقال موسى لاخيه هارون فواعد موسى ثلاثين ليلة واتمها بعشر فصارت اربعين ليلة ليستعد موسى ويتهيأ لوعد الله. ويكون لنزولها موقع كبير لديهم. وتشوق الى انزالها. ولما ذهب موسى الى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني اسرائيل من حرصه عليهم وشفقته. اخلفني في قومي اي كن خليفتي فيهم واعمل فيهم بما كنت اعمل واصلح اي اتبع طريق الصلاح ولا تتبع سبيل المفسدين وهم الذين يعملون بالمعاصي وكلمه ربه قال قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين ولما جاء موسى لميقاتنا الذي وقتناه له لانزال الكتاب. وكلمه ربه بما كلمه من وحيه وامره ونهيه. تشوق الى رؤية الله ونزعت نفسه لذلك حبا لربه ومودة لرؤيته. فقال ربي ارني انظر اليك. قال الله لن تراني اي لن تقدر الان على رؤيتي فان الله تبارك وتعالى انشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها ولا يثبتون لرؤية الله ليس في هذا دليل على انهم لا يرونه في الجنة. فانه قد دلت النصوص القرآنية والاحاديث النبوية. على ان اهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر الى وجهه الكريم. وانه ينشأهم نشأة كاملة. يقدرون معها على رؤية الله تعالى. ولهذا رتب الله الرؤية في هذه الاية على ثبوت الجبل فقال مقنعا لموسى في عدم اجابته للرؤية ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه اذا تجلى الله له فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل الاصم الغليظ جعله دكا. اي انهال مثل الرمل انزعاجا من رؤية الله وعدم ثبوته لها وخر موسى حين رأى ما رأى صعقا. فتبين له حينئذ انه اذا لم يثبت الجبل لرؤية الله. فموسى او لا الا يثبت لذلك واستغفر ربه لما صدر منه من السؤال الذي لم يوافق موضعا. ولذلك قال سبحانك اي تنزيها لك وتعظيما عما لا يليق بجلالك تبت اليك من جميع الذنوب وسوء الادب معك. وانا اول المؤمنين. اي جدد عليه الصلاة والسلام ايمانه بما الله له مما كان يجهله قبل ذلك. فلما منعه الله من رؤيته بعدما كان متشوقا اليها اعطاه خيرا كثيرا. فقال قال يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي. فخذ ما اتيتك وكن يا موسى اني اصطفيتك على الناس اي اخترتك واجتبيتك وفضلتك وخصصتك بفضائل عظيمة ومناقب جليلة برسالاتي التي لا اجعلها ولا اخص بها الا افضل الخلق. وبكلامي اياك من غير واسطة. وهذه فضيلة اختص موسى الكليم وعرف بها من بين اخوانه من المرسلين. فخذ ما اتيتك من النعم وخذ ما اتيتك من الامر والنهي بانشراح صدر. وتلقاه بالقبول والانقياد وكن من الشاكرين لله على ما خصك وفضلك موعظة وتفصيلا فخذنا بقوة وامر قومك يأخذوا باحسن سأريكم دار الفاسقين. وكتبنا له في الالواح من كل شيء يحتاج اليه العباد. موعظة ترغب النفوس في افعال الخير. وترهبهم من افعال الشر. وتفصيلا لكل شيء من الاحكام الشرعية والعقائد والاخلاق والاداب خذها بقوة اي بجد واجتهاد على اقامتها. وامر قومك يأخذوا باحسنها. وهي الاوامر الواجبة والمستحبة. فانها احسنها وفي هذا دليل على ان اوامر الله في كل شريعة كاملة عادلة حسنة. ساريكم دار الفاسقين بعدما اهلكهم الله وابقى ديارهم بعدهم يعتبر بها المؤمنون الموفقون المتواضعون. واما غيرهم فقال عنهم وان يروا كل اية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل ذلك بانهم هم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين. ساصرف عن اياتي اي عن الاعتبار في الايات الافقية والفهم لايات الكتاب الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. اي يتكبرون على عباد الله وعلى الحق. وعلى من جاء به. فمن كان بهذه الصفة حرمه الله خيرا كثيرا وخذله. ولم يفقه من ايات الله ما ينتفع به. بل ربما انقلبت عليه الحقائق واستحسن القبيح وان يروا كل اية لا يؤمن بها لاعراضهم واعتراضهم ومحادتهم لله ورسوله. وان يروا سبيل الرشد اي الهدى والاستقامة وهو الصراط الموصل الى الله والى دار كرامته. لا يتخذوه اي لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه. وان يروا سبيل الغي اي الغواية نوصل لصاحبه الى دار الشقاء يتخذوه سبيلا. والسبب في انحرافهم هذا الانحراف. ذلك بانهم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين فردهم لايات الله وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها. هو الذي اوجب لهم من سلوك طريق الغي وترك طريق الرشاد ما اوجب والذين كذبوا باياتنا ورقاء الاخرة حبطت اعمالهم هل يجزون الا ما كانوا يعملون والذين كذبوا باياتنا العظيمة الدالة على صحة ما به رسلنا ولقاء الاخرة حبطت اعمالهم. لانها على غير اساس. وقد فقد شرطها وهو الايمان بايات الله والتصديق بجزاءه هل يجزون في بطلان اعمالهم وحصول ضد مقصودهم الا ما كانوا يعملون؟ فان اعمال من لا يؤمن باليوم الاخر لا يرجو فيها وليس لها غاية تنتهي اليه. فلذلك اضمحلت وبطلت واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوان. الم ولا يهديهم سبيلا. اتخذوه وكانوا ظالمين واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا. صاغه السامري والقى عليه قبضة من اثر الرسول. فصار له خوار وصوت فعبدوه واتخذوه الها. وقال هذا الهكم واله موسى. فنسي موسى وذهب يطلبه. وهذا من سفههم وقلة بصيرته كيف اشتبه عليهم رب الارض والسماوات بعجل من انقص المخلوقات. ولهذا قال مبينا انه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية ما يوجب ان يكون اله؟ الم يروا انه لا يكلمهم؟ اي عدم الكلام نقص عظيم؟ فهم اكمل حالة من هذا الحيوان او الجماد الذي لا يتكلم ولا يهديهم سبيلا. اي لا يدلهم طريقا دينيا ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية. لان من المتقرر في العقول والفطر ان اتخاذ اله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من ابطال الباطل واسمج السفه. ولهذا قال اتخذوه وكانوا ظالمين. حيث وضعوا في غير موضعها واشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. وفيه دليل على ان من انكر كلام الله فقد انكر خصائص الهية الله تعالى لان الله ذكر ان عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للالهية قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن ولما رجع موسى الى قومه فوجدهم على هذه الحال واخبرهم بضلالهم ندموا سقط في ايديهم اي من الهم والندم على فعلهم. ورأوا انهم قد ضلوا فتنصلوا الى الله وتضرعوا. وقالوا لان لم يرحمنا ربنا فيدلنا عليه ويرزقنا عبادته. ويوفقنا لصالح الاعمال. ويغفر لنا ما صدر من عبادة العجل. لنكونن من الخاسرين. الذين خسروا الدنيا والاخرة فلا تشمت بي ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا اي ممتلئ غضبا وغيظا عليهم لتمام غيرته عليه الصلاة والسلام. وكمال نصحه وشفقته. قال بئس ما خلفتموني من بعدي. اي بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم. فانها حالة تفضي الى الهلاك الابدي والشقاء السرمدي. اعدلتم امر ربكم حيث وعدكم بانزال الكتاب فبادرتم برأيكم الفاسد الى هذه الخصلة القبيحة والقى الالواح اي رماها من الغضب واخذ برأس اخيه هارون يجره اليه وقال له ما منعك اذ رأيتهم ضلوا الا تتبعا افعصيت امري لك بقول اخلفني في قومي اصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. فقال يا ابن امة لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل. ولم ترقب قولي وقال هنا ابن ام هذا ترقيق لاخيه بذكر الام وحدها والا فهو شقيقه لامه وابيه. ان القوم استضعفوا اي احتقروني حين قلت لهم يا قومي انما فتنتم به. وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري. وكادوا يقتلونني كيف لا تظن بي تقصيرا؟ فلا تشمت بي الاعداء بنهرك لي ومسك اياي بسوء. فان الاعداء حريصون على ان يجدوا علي عثرة. او يطلعوا على زلة ولا تجعلني مع القوم الظالمين. فتعاملني معاملتهم. فندم موسى عليه السلام على ما استعجل من صنعه باخيه. قبل ان اعلم براءته مما ظنه فيه من التقصير وقال ربي اغفر لي ولاخي هارون وادخلنا في رحمتك. اي في وسطها واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب انها حصن حصين من جميع الشرور. وثم كل خير وسرور. وانت ارحم الراحمين. اي ارحم بنا من كل راحم. ارحم بنا من ابائنا وامهاتنا واولادنا وانفسنا. قال الله تعالى مبينا حال اهل العجل الذين عبدوه ان اتخذوا العجل اي اله سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا. كما اغضبوا ربهم واستهانوا بامره. وكذلك المفترين فكل مفتر على الله كاذب على شرعه. متقول عليه ما لم يقل فان له نصيبا من الغضب من الله والذل في الحياة الدنيا. وقد لهم غضب الله حيث امرهم ان يقتلوا انفسهم وانه لا يرضى الله عنهم الا بذلك. فقتل بعضهم بعضا. وانجلت المعركة عن كثير من القتل ثم تاب الله عليهم بعد ذلك. ولهذا ذكر حكما عاما يدخلون فيه هم وغيرهم. فقال والذي الذين عملوا السيئات من شرك وكبائر وصغائر. ثم تابوا من بعدها بان ندموا على ما مضى واقلعوا عنها وعزموا الا يعودوا. وامنوا الله وبما اوجب الله من الايمان به. ولا يتم الايمان الا باعمال القلوب واعمال الجوارح المترتبة على الايمان. ان ربك من بعدها اي بعد هذه الحالة حالة التوبة من السيئات والرجوع الى الطاعات. لغفور يغفر السيئات ويمحوها ولو كانت قراب الارض رحيم بقبول التوبة والتوفيق لافعال الخير وقبولها ولما سكت عن موسى الغضب اي سكن غضبه وتراجعت نفسه وعرف ما هو فيه اشتغل باهم الاشياء عنده فاخذ الالواح التي القاها وهي الواح عظيمة المقدار جليلة وفي نسختها اي مشتملة ومتضمنة هدى ورحمة اي فيها الهدى من الضلالة وبيان الحق من الباطل واعمال الخير واعمال الشر والهدى لاحسن الاعمال والاخلاق والاداب. ورحمة وسعادة لمن عمل بها. وعلم احكامها ومعانيها. ولكن ليس كل احد يقبل هدى الله الله ورحمته وانما يقبل ذلك وينقاد له ويتلقاه بالقبول. الذين هم لربهم يرهبون. اي يخافون منه ويخشونه. واما من لم الله ولا المقام بين يديه فانه لا يزداد بها الا عتوا ونفورا. وتقوم عليه حجة الله فيها. واختار موسى قومه اتهلكنا بما فعل السفهاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا ولما تاب بنو اسرائيل وتراجعوا الى رشدهم اختار موسى منهم سبعين رجلا من خيارهم ليعتذروا لقومهم عند ربهم ووعدهم الله ميقاتا يحضرون فيه. فلما حضروا قالوا يا موسى ارنا الله جهره. فتجرأوا على الله جراءة كبيرة. واساءوا الادب معه فاخذتهم الرجفة فصعقوا وهلكوا. فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام يتضرع الى الله ويتبتل ويقول ربي لو شئت اهلكتهم من قبل ان ان يحضروا ويكونوا في حالة يعتذرون فيها لقومهم. فصاروا هم الظالمين. اتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ اي ضعفاء العقول؟ سفهاء الاحلام فتضرع الى الله واعتذر بان المتجرئين على الله ليس لهم عقول كاملة. تردعهم عما قالوا وفعلوا. وبانهم حصل لهم يخطر بها الانسان ويخاف من ذهاب دينه. فقال ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء. انت ولينا فاغفر وارحمنا وانت خير الغافرين. اي انت خير من غفر واولى من رحم. واكرم من اعطى وتفضل. فكأن موسى عليه الصلاة والسلام قال المقصود يا رب بالقصد الاول لنا كلنا هو التزام طاعتك والايمان بك. وان من حضره عقله ورشده وتم على ما وهبته ومن التوفيق فانه لم يزل مستقيما. واما من ضعف عقله وسفه رأيه. وصرفته الفتنة فهو الذي فعل ما فعل. لذينك السببين مع هذا فانت ارحم الراحمين وخير الغافرين. فاغفر لنا وارحمنا. فاجاب الله سؤاله واحياهم من بعد موتهم. وغفر لهم ذنوبهم. وقال موسى في تمام دعائه قال عذابي يصيب به من ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها عن الذين يتقون ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة سنة من علم نافع ورزق واسع وعمل صالح. وفي الاخرة حسنة وهي ما اعد الله لاولياءه الصالحين من الثواب. انا هدنا اليك اي رجعنا مقرين بتقصيرنا منيبين في جميع امورنا. قال الله تعالى عذابي اصيب به من اشاء ممن كان شقيا متعرضا اسبابه ورحمته وسعت كل شيء. من العالم العلوي والسفلي البر والفاجر المؤمن والكافر. فلا مخلوق الا قد وصلت اليه رحمة الله وغمره فضله واحسانه. ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والاخرة. ليست لكل احد. ولهذا قال عنها اكتبها للذين يتقون المعاصي صغارها وكبارها. ويؤتون الزكاة الواجبة مستحقيها. والذين هم باياتنا يؤمنون. ومن امام الايمان بايات الله. معرفة معناها والعمل بمقتضاها. ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. في اصول الدين وفروعه عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويضع عنهم وعزروه ونصروه واتبعوا هم المفلحون الذين يتبعون الرسول النبي الامي احتراز عن سائر الانبياء فان المقصود بهذا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم. والسياق في احوال بني اسرائيل وان الايمان بالنبي محمد صلى الله الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الايمان. وان المؤمنين به المتبعين هم اهل الرحمة المطلقة. التي كتبها الله لهم ووصفه بالامة لانه من العرب الامة الامية التي لا تقرأ ولا تكتب وليس عندها قبل القرآن كتاب. الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل باسمه وصفته التي من اعظمها واجلها ما يدعو اليه وينهى عنه. وانه يأمرهم بالمعروف وهو كل ما عرف حسنه هو صلاحه ونفعه وينهاهم عن المنكر وهو كل ما عرف قبحه في العقول والفطر. فيأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج وصلة الارحام وبر الوالدين والاحسان الى الجار والمملوك وبذل النفع لسائر الخلق والصدق والعفاف والبر والنصيحة وما اشبه ذلك وينهى عن بالله وقتل النفوس بغير حق والزنا وشرب ما يسكر العقل والظلم لسائر الخلق والكذب والفجور ونحو ذلك فاعظم دليل ان يدل على انه رسول الله ما دعا اليه وامر به ونهى عنه واحله وحرمه فانه يحل لهم الطيبات من المطاعم والمشارب المناكح ويحرم عليهم الخبائث من المطاعم والمشارب والمناكح والاقوال والافعال. ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم اي ومن وصفه ان دينه سهل سمح ميسر لا اصر فيه ولا اغلال ولا مشقات ولا تكاليف ثقال. فالذين امنوا به وعز اي عظموه وبجلوه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه وهو القرآن الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات ويقتدى اذا تعارضت المقالات اولئك هم المفلحون. الظافرون بخير الدنيا والاخرة. والناجون من شرهما. لانهم اتوا باكبر اسباب فلاح واما من لم يؤمن بهذا النبي الامي ويعزره وينصره. ولم يتبع النور الذي انزل معه. فاولئك هم الخاسرون. ولما دعا اهل التوراة من بني اسرائيل الى اتباعه. وكان ربما توهم متوهم ان الحكم مقصور عليهم. اتى بما يدل على العموم فقال قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذين هم ملك السماوات الذين هم ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت. فامنوا الله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا. اي عربيكم وعجميكم. اهل الكتاب منكم وغيرهم. الذي له ملك السماوات والارض يتصرف فيهما باحكامه الكونية والتدابير السلطانية. وباحكامه الشرعية الدينية التي من جملتها ان ارسل اليكم رسولا عظيما يدعوكم الى الله والى دار كرامته. ويحذركم من كل ما يباعدكم منه ومن دار كرامته. لا اله الا هو اي لا معبود فبحق الا الله وحده لا شريك له. ولا تعرف عبادته الا من طريق رسله. يحيي ويميت اي من جملة تدابيره. الاحياء والاماتة التي لا يشاركه فيها احد. الذي جعل الموت جسرا ومعبرا يعبر منه الى دار البقاء. التي من امن بها صدق الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قطعا فامنوا بالله ورسوله النبي الامي ايمانا في القلب متضمنا لاعمال القلوب والجوارح الذي يؤمن بالله وكلماته اي امنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده واعماله. واتبعوه لعلكم تهتدون في مصالحكم الدينية والدنيوية فانكم اذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا ومن قوم موسى اي يهدون بالحق وبه يعدلون. اي يهدون به الناس في تعليمهم اياهم وفتواهم له. ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم بقضاياهم كما قال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. وفي هذا فضيلة لامة موسى عليه الصلاة والسلام وان الله تعالى جعل منهم هداة يهدون بامره. وكأن الاتيان بهذه الاية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم. فانه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني اسرائيل المنافية للكمال المناقضة للهداية. فربما توهم متوهم ان هذا يعم جميعهم فذكر تعالى ان منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصا قد علم كل اناس مشربهم مظلل هنا ولكن كانوا انفسهم يظلمون. وقطعناهم اي قسمناهم اثنتي عشرة اسباطا ام ما اي اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة. كل بني رجل من اولاد يعقوب قبيلة. واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه اي طلبوا منه ان يدعو الله تعالى ان يسقيهم ماء ان يشربون منه وتشربوا منه مواشيهم. وذلك لانهم والله اعلم في محل قليل الماء فاوحى الله لموسى اجابة لطلبتهم ان اضرب بعصاك الحجر يحتمل انه حجر معين ويحتمل انه اسم جنس يشمل اي كان فضربه فانبجست اي انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا جارية سارحة. قد علم كل اناس مشربهم اي قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة وجعل لكل منهم عينا فعلموها واطمأنوا واستراحوا من التعب والمزاحمة والمخاطرة وهذا من تمام نعمة الله عليهم. وظللنا عليهم الغمام فكان يسترهم من حر الشمس. وانزلنا عليهم المن وهو الحلوى والسلوى وهو لحم طير من احسن انواع الطيور والذها. فجمع الله لهم بين الظلال والشراب والطعام الطيب. من الحلوى واللحوم على وجه بالراحة والطمأنينة وقيل لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا حين لم يشكروا الله ولم يقوموا بما اوجب الله عليهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون حيث فوتوها كل خير وعرضوها للشر والنقمة. وهذا كان مدة لبسهم في التيه اسكنوا هذه القرية وكلوا منا حيث شئتم قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ادخلوا الباب سجدا نغفر لكم اتكم سنزيد المحسنين اذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ايدخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا. وهي اي الياء وكلوا منها حيث شئتم. اي قرية كانت كثيرة اشجار غزيرة الثمار رغيدة العيش. فلذلك امرهم الله ان يأكلوا منها حيث شاءوا. وقولوا حين تدخلون الباب حطة. اي ان خطايانا واعف عنا وادخلوا الباب سجدا. اي خاضعين لربكم مستكينين لعزته. شاكرين لنعمته. فامرهم بالخضوع وسؤال الموت ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والاجل. فقال نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين من خير الدنيا والاخرة بما كانوا يظلمون. فلم يمتثلوا هذا الامر الالهي. بل بدل الذين منهم اي عصوا الله واستهانوا بامره قولا غير الذي قيل لهم فقالوا بدل طلب المغفرة وقولهم حطة حبة في شعيرة واذا بدلوا القول مع يسره وسهولته فتبديلهم للفعل من باب اولى. ولهذا دخلوا وهم يزحفون على استههم. فارسلنا عليهم حين خالفوا امر الله وعصوه رجزا من السماء اي عذابا شديدا. اما الطاعون واما غيره من العقوبات السماوية. وما ظلمهم الله الله بعقابه وانما كان ذلك بما كانوا يظلمون. اي يخرجون من طاعة الله الى معصيته. من غير ضرورة الجأتهم ولا داع دعاهم سوى الخبث والشر الذي كان كامنا في نفوسهم واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في السبت اذ تأتيهم حيتانهم يوم يوم سبتهم واسألهم اي اسأل بني اسرائيل عن القرية التي كانت حاضرة البحر. اي على ساحله في حال تعديهم وعقاب الله اياهم. اذ يعدون في السبت وكان الله تعالى قد امرهم هم ان يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا. فابتلاهم الله وامتحنهم فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعا. اي كثيرة صافية على وجه البحر ويوم لا يسبتون اي اذا ذهب يوم السبت لا تأتيهم اي تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا. كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون. ففسقهم هو الذي اوجب ان يبتليهم الله. وان تكون لهم هذه المحنة. والا فلو لم يفسقوا لعافاهم الله. ولما عرضهم للبلاء والشر. فتحيلوا على الصيد فكانوا يحفرون لها حفرا. وينصبون لها الشباك. فاذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك لم يأخذوها في ذلك اليوم. فاذا جاء يوم الاحد اخذوها وكثر فيهم ذلك. وانقسموا ثلاث فرق. معظمهم اعتدوا وتجرأوا اعلنوا بذلك وفرقة اعلنت بنهيهم والانكار عليهم. وفرقة اكتفت بانكار اولئك عليهم ونهيهم لهم. وقالوا لهم قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون. لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديد اذا كانهم يقولون لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله ولم يصغي للنصيح بل استمر على اعتدائه وطغيانه فانه لا بد ان عاقبهم الله اما بهلاك او عذاب شديد. فقال الواعظون نعظهم وننهاهم معذرة الى ربكم. اي لنعذر فيهم ولعلهم يتقون ان يتركون ما هم فيه من المعصية فلا نيأس من هدايتهم. فربما نجع فيهم الوعظ واكثر فيهم اللوم. وهذا المقصود الاعظم من انكار المنكر ليكون معذرة واقامة حجة على المأمور المنهي. ولعل الله ان يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الامر والنهي فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا فلما نسوا ما ذكروا به اي تركوا ما ذكروا به. واستمروا على غيهم واعتدائهم انجينا من العذاب الذين ينهون عن السوء. وهكذا سنة الله في عباده ان العقوبة اذا نزلت نجا منها الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر. واخذنا الذين ظلموا وهم الذين اعتدوا في السبت بعذاب بئيس اي شديد بما كانوا يفسقون واما الفرقة الاخرى التي قالت للناهين لم تعظون قوما الله مهلكهم؟ فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم والظاهر انهم كانوا من الناجين لان الله خص الهلاك بالظالمين وهو لم يذكر انهم ظالمون. فدل على ان العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت. ولان الامر بالمعروف والنهي عن عن المنكر فرض كفاية. اذا قام به البعض سقط عن الاخرين. فاكتفوا بانكار اولئك. ولانهم انكروا عليهم بقولهم لما تعظون قوم الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا. فابدوا من غضبهم عليهم ما يقتضي انهم كارهون اشد الكراهة لفعلهم. وان الله سيعاقبهم هم اشد العقوبة ما عتوا عما نهوا عنه اي فسقوا فلم يلينوا ولا اتعظوا. قلنا لهم قولا قدريا كونوا قردة خاسئين. فانقلبوا باذن الله قردة وابعدهم الله من رحمته. ثم ذكر ضرب الذلة والصغار على من بقي منهم. فقال واذ تأذن ربك اي اعلم اعلاما صريحا ليبعثن عليهم الى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب. ان يهينهم ويذلهم. ان ربك لسريع العقاب لمن عصاه. حتى انه يعجل له العقوبة في الدنيا وانه لغفور رحيم. لمن تاب اليه واناب. يغفر له الذنوب ويستر عليه العيوب. ويرحمه بان تقبل منه الطاعات ويثيبه عليها بانواع المثوبات. وقد فعل الله بهم ما اوعدهم به. فلا يزالون في ذل واهانة تحت حكم غيرهم اتقوم لهم راية ولا ينصر لهم علم والسيئات لعلهم يرجعون. وقطعناهم في الارض امما. اي فرقناهم ومزقناهم في الارض بعد ما كانوا منهم الصالحون القائمون بحقوق الله وحقوق عباده. ومنهم دون ذلك اي دون الصلاح اما مقتصدون واما ظالمون انفسهم وبلوناهم على عادتنا وسنتنا بالحسنات والسيئات. اي بالعسر واليسر. لعلهم يرجعون عما هم عليه من الردى يراجعون ما خلقوا له من الهدى. فلم يزالوا بين صالح وطالح ومقتصد ويقولون والدار الاخرة خير للذين يتقون فلا تعقل حتى خلف من بعدهم خلف زاد شرهم ورثوا بعدهم الكتاب وصار المرجع فيه اليهم وصاروا يتصرفون فيه باهوال وتبذل لهم الاموال ليفتوا ويحكموا بغير الحق وفشت فيهم الرشوة. يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون مقرين بان انه ذنب وانهم ظلمه سيغفر لنا. وهذا قول خال من الحقيقة. فانه ليس استغفارا وطلبا للمغفرة على الحقيقة. فلو كان ذلك على ما فعلوا وعزموا على الا يعودوا. ولكنهم اذا اتاهم عرض اخر ورشوة اخرى يأخذوه. فاشتروا بايات الله ثمنا قليل قيل واستبدلوا الذي هو ادنى بالذي هو خير. قال الله تعالى في الانكار عليهم وبيان جراءتهم. الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الا يقولوا على والله ان الحق فما بالهم يقولون عليه غير الحق اتباعا لاهوائهم وميلا مع مطامعهم. والحال انهم قد درسوا ما فيه فليس عليهم فيه اشكال بل قد اتوا امرهم متعمدين وكانوا في امرهم مستبصرين. وهذا اعظم للذنب واشد للوم واشنع للعقوبة هذا من نقص عقولهم وسفاهة رأيهم بايثار الحياة الدنيا على الاخرة. ولهذا قال والدار الاخرة خير للذين يتقون ما حرم الله وعليهم من المآكل التي تصاب وتأكل رشوة على الحكم بغير ما انزل الله وغير ذلك من انواع المحرمات. افلا تعقلون اي افلا يكون لكم عقول توازن بينما ينبغي ايثاره. وما ينبغي الايثار عليه. وما هو اولى بالسعي اليه والتقديم له على غيره؟ فخاصية النظر للعواقب. واما من نظر الى عادل طفيف منقطع. يفوت نعيما عظيما باقيا. فانى له العقل والرأي. وانما العقل الا احقيقة من وصفهم الله بقوله والذين يمسكون بالكتاب ان يتمسكون به علما وعملا فيعلمون ما فيه من الاحكام التي علمها اشرف العلوم. ويعملون بما فيها من الاوامر التي هي قرة العيون وسرور القلوب وافراح الارواح. وصلاح الدنيا والاخرة من اعظم ما يجب التمسك به من المأمورات. اقامة الصلاة ظاهرا وباطنا. ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها وشرفها وكونها ميزان انا الايمان واقامتها داعية لاقامة غيرها من العبادات. ولما كان عملهم كله اصلاحا. قال تعالى انا لا نضيع اجر في اقوالهم واعمالهم ونياتهم. مصلحين لانفسهم ولغيرهم. وهذه الاية وما اشبهها دلت على ان الله بعث رسله الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد. وبالمنافع لا بالمضار وانهم بعثوا بصلاح الدارين. فكل من كان اصلح كان اقرب الى اتباعه ثم قال تعالى واذ نطقنا الجبل فوقهم حين امتنعوا من قبول ما في التوراة فالزمهم الله العمل ونطق فوق رؤوسهم الجبل فصار فوقهم انه ظله وظنوا انه واقع بهم. وقيل لهم خذوا ما اتيناكم بقوة. اي بجد واجتهاد. واذكروا ما فيه. دراسة مباحثة واتصافا بالعمل به لعلكم تتقون اذا فعلتم ذلك شهدنا ان تكونوا يوم القيامة انا كنا عن هذا يقول تعالى واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم اي اخرج من اصلابهم ذريتهم وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن. وحين اخرجهم من بطون امهاتهم واصلاب ابائهم. اشهدهم على انفسهم. الست بربكم قررهم باثبات ربوبيته بما اودع في فطرهم من الاقرار بانه ربهم وخالقهم ومليكهم. قالوا بلى قد اقررنا بذلك فان الله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم. فكل احد فهو مفطور على ذلك. ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ عليها من عقائد الفاسدة. ولهذا قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين. اي انما امتحناكم حتى اقررتم بما تقرر عندكم من ان الله تعالى ربكم خشية ان تنكروا يوم القيامة فلا تقروا بشيء من ذلك وتزعمون ان حجة الله ما قامت ولا عندكم بها علم بل انتم غافلون عنها لاهون. فاليوم قد انقطعت حجتكم وثبتت الحجة البالغة لله عليكم او تحت ايضا بحجة اخرى فتقولون او تقولوا انما اشرك افتهلكنا بما فعل المبطنون انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم. فحذونا حذوهم وتبعناهم في باطلهم. افتهلكنا بما فعل المبطلون فقد اودع الله في فطركم ما يدل على ان ما مع ابائكم باطل. وان الحق ما جاءت به الرسل. وهذا يقاوم ما وجدتم عليه ابائكم اعلو عليه. نعم قد يعرض للعبد من اقوال ابائهم ضالين ومذاهبهم الفاسدة. ما يظنه هو الحق وما ذاك الا لاعراضه عن حجج الله وبيناته واياته الافقية والنفسية. فاعراضه عن ذلك واقباله على ما قاله المبطلون. ربما سيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق هذا هو الصواب في تفسير هذه الايات. وقد قيل ان هذا يوم اخذ الله الميثاق على ذرية ادم. حين استخرجهم من ظهره واشهدهم هم على انفسهم فشهدوا بذلك فاحتج عليهم بما اقروا به في ذلك الوقت على ظلمهم في كفرهم وعنادهم في الدنيا والاخرة ولكن ليس في الاية ما يدل على هذا ولا له مناسبة. ولا تقتضيه حكمة الله تعالى. والواقع شاهد بذلك. فان هذا العهد والميثاق الذي ذكروا انه حين اخرج الله ذرية ادم من ظهره. حين كانوا في عالم كالذر ليذكره احد. ولا يخطر ببال ادمي. فكيف يحتج الله عليهم بامر ليس عندهم به خبر ولا له عين ولا اثر. ولهذا لما كان هذا امرا واضحا جليا. قال تعالى الايات ولعلهم يرجعون. وكذلك نفصل الايات اي نبينها ونوضحها. ولعلهم يرجعون ما اودع الله في فطرهم والى ما عاهدوا الله عليه فيرتدعون عن القبائح حياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين يقول تعالى لنبيه صلى الله الله عليه وسلم واتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا. اي علمناه علم كتاب الله. فصار العالم الكبير والحبر النحرير. فانسلخ ومنها فاتبعه الشيطان اي انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بايات الله فان العلم بذلك يصير صاحبه متصفا بمكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال. ويرقى الى اعلى الدرجات وارفع المقامات. فترك هذا كتاب الله وراء ظهره. ونبذ الاخلاق التي يأمر بها الكتاب كما يخلع اللباس. فلما انسلخ منها اتبعه الشيطان. اي تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين. وصار الى اسفل سافلين الى المعاصي اجزاء فكان من الغاويين بعد ان كان من الراشدين المرشدين. وهذا لان الله تعالى خذله ووكله الى نفسه. فلهذا قال تعالى فمثله كمثل الكلب ان تحمل علي يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا باياتنا فقصص القصص لعلهم يتفكرون ولو شئنا لرفعناه بها بان نوفقه للعمل بها فيرتفع في الدنيا والاخرة فيتحصن من اعدائه. ولكنه فعل يقتضي الخذلان فاخلد الى الارض اي الى الشهوات السفلية والمقاصد الدنيوية واتبع هواه وترك طاعة مولاه فمثله في شدة على الدنيا وانقطاع قلبه اليها. كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث. او تتركه يلهث. اي لا يزال لاهثا في كل حال. وهذا لا لا يزال حريصا حرصا قاطعا قلبه لا يسد فاقته شيء من الدنيا. ذلك مثل القوم الذين كذبوا باياتنا بعد ان ساقها الله اليهم فلم ينقادوا لها بل كذبوا بها وردوها لهوانهم على الله واتباعهم لاهوائهم بغير هدى من الله. فاقصص القصص لعلهم هم يتفكرون في ضرب الامثال وفي العبر والايات. فاذا تفكروا علموا واذا علموا عملوا اي ساء وقبح. مثل من كذب بايات الله وظلم نفسه بانواع المعاصي فان مثلهم مثل السوء. وهذا الذي اتاه الله اياته يحتمل ان المراد به شخص معين. قد كان منه ما ذكره الله فقص الله قصته تنبيها للعباد. ويحتمل ان المراد بذلك انه اسم جنس. وانه شامل لكل من اتاه الله اياته فانسلخ منها وفي هذه الاية الترغيب في العمل بالعلم. وان ذلك رفعة من الله لصاحبه. وعصمة من الشيطان. والترهيب من عدم العمل به. وانه نزول الى اسفل السافلين وتسليط للشيطان عليه. وفيه ان اتباع الهوى واخلاد العبد الى الشهوات يكون سببا للخذلان يهدي الله فهو المهتدين. ومن يضلل فاولاه ثم قال تعالى مبينا انه المنفرد بالهداية والاضلال. من يهدي الله بان للخيرات ويعصمه من المكروهات ويعلمه ما لم يكن يعلم. فهو المهتدي حقا. لانه اثر هدايته تعالى. ومن يضلل فيخذله ولا يوفقه للخير. فاولئك هم الخاسرون لانفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين ولقد لهم لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها. ولهم اعين قلوا لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها. اولئك هم الغافلون يقول تعالى مبينا كثرة الغاويين الضالين. المتبعين ابليس اللعين. ولقد ذرأنا اي انشأنا وبثثنا جهنم كثيرا من الجن والانس. صارت البهائم احسن حالة منهم. لهم قلوب لا يفقهون بها. اي لا يصل اليها فقه ولا علم. الا مجرد بعد قيام الحجة ولهم اعين لا يبصرون بها ما ينفعهم. بل فقدوا منفعتها وفائدتها. ولهم اذان لا يسمعون بها سماعا يصل معناه الى قلوبهم اولئك الذين بهذه الاوصاف القبيحة. كالانعام اي البهائم التي فقدت العقول. وهؤلاء اثروا ما يفنى على ما فسلبوا خاصية العقل بل هم اضل من البهائم. فان الانعام مستعملة فيما خلقت له. ولها اذهان تدرك بها مضرتها من منفعتها فلذلك كانت احسن حالا منهم. اولئك هم الغافلون الذين غفلوا عن انفع الاشياء. غفلوا عن الايمان بالله وطاعته وذكره. خلق لهم الافئدة والاسماع والابصار لتكون عونا لهم على القيام باوامر الله وحقوقه. فاستعانوا بها على ضد هذا المقصود. فهؤلاء يحققون ان يكونوا ممن ذرأ الله لجهنم وخلقهم لها فخلقهم للنار وباعمال اهلها يعملون. واما من استعمل هذه الجوارح في عبادة من صبغ قلبه بالايمان بالله ومحبته. ولم يغفل عن الله فهؤلاء اهل الجنة. وباعمال اهل الجنة يعملون الحسنى فادعوه بها. وذروا الذي حين يلحدون فيجزون ما كانوا يعملون هذا بيان لعظيم جلاله وسعة اوصافه بان له الاسماء الحسنى اي له كل اسم حسن وضابطه انه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة. وبذلك كانت حسنا فانها لو دلت على غير صفة بل كانت علما محضى لم تكن حسنا. وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال او صفة منقسمة الى المدح والقدح لم تكن حسنا. فكل اسم من اسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها مستغرق لجميع معناها. وذلك نحو العليم الدال على ان له علما محيطا عاما لجميع الاشياء. فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وكالرحيم. الدال على ان له رحمة عظيمة واسعة لكل شيء. وكالقدير الدال على ان له قدرة عامة لا شيء ونحو ذلك. ومن تمام كونها حسنى انه لا يدعى الا بها. ولذلك قال فادعوه بها وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء دعاء المسألة فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب. فيقول الداعي مثلا اللهم اغفر لي وارحمني انك انت الغفور الرحيم تب علي يا تواب وارزقني يا رزاق والطف بي يا لطيف ونحو ذلك. وقوله وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون اي عقوبة وعذابا على الحادهم في اسمائه. وحقيقة الالحاد الميل بها عما جعلت له. اما بان يسمى بها من لا يستحقه كتسمية المشركين بها لالهتهم. واما بنفي معانيها وتحريفها. وان يجعل لها معنى ما اراده الله ولا رسوله. واما ان يشبه فيها غيرها فالواجب ان يحذر الالحاد فيها. ويحذر الملحدون فيها. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان لله تسعة تسعين اسماء من احصاها دخل الجنة وقوله اي ومن جملة من خلقنا امة فاضلة كاملة في نفسها مكملة لغيرها. يهدون انفسهم وغيرهم بالحق فيعلمون الحق ويعملون به ويعلمونه ويدعون اليه والى العمل به. وبه يعدلون بين الناس في احكامهم اذا حكموا في الاموال والدماء والحقوق والمقاليب وغير ذلك وهؤلاء هم ائمة الهدى ومصابيح الدجى. وهم الذين انعم الله عليهم بالايمان والعمل الصالح. والتواصي بالحق التواصي بالصبر وهم الصديقون الذين مرتبتهم تلي مرتبة الرسالة. وهم في انفسهم مراتب متفاوتة. كل بحسب حاله وعلو منزلته فسبحان من يختص برحمته من يشاء. والله ذو الفضل العظيم والذين كذبوا باياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون واملي لهم ان كيدي متين. ايها الذين كذبوا بايات الله الدالة على الصحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى فردوها ولم يقبلوها سنستدرجهم من حيث لا يعلمون بان يدر لهم الارزاق. واملي لهم اي امهلهم حتى يظنوا انهم لا يؤخذون ولا يعاقبون فيزدادون كفرا وطغيانا وشرا الى شرهم. وبذلك تزيد عقوبتهم ويتضاعف عذابهم. فيضرون انفسهم من حيث لا يشعرون. ولهذا قال ان كيدي متين. اي قوي بليغ اولم يتفكروا ما بصاحبهم محمد صلى الله عليه وسلم من جنة اي او لم يعملوا افكارهم وينظروا هل في صاحبهم الذي يعرفونه ولا يخفى عليهم من حاله شيء؟ هل هو مجنون فلينظر في اخلاقه وهديه ودله وصفاته وينظرون فيما دعا اليه فلا يجدون فيه من الصفات الا اكملها ولا من الاخلاق الا اتمها ولا من العقل والرأي الا ما فاق به العالمين. ولا يدعو الا لكل خير ولا ينهى الا عن كل شر. افبهذا يا اولي الالباب ام هو الامام العظيم والناصح المبين؟ والماجد الكريم والرؤوف الرحيم. ولهذا قال ان هو الا نذير مبين ان يدعو الخلق الى ما ينجيهم من العذاب ويحصل لهم الثواب ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث اولم ينظروا في ملكوت السماوات والارض؟ فانهم اذا نظروا اليها وجدوها ادلة دالة على توحيد لربها وعلى ما له من صفات الكمال. وكذلك لينظروا الى جميع ما خلق الله من شيء. فان جميع اجزاء العالم يدل اعظم دلالة على علم الله وقدرته وحكمته وسعة رحمته واحسانه ونفوذ مشيئته وغير ذلك من صفاته العظيمة الدالة على تفرده بالخلق والتدبير الموجبة لان يكون هو المعبود المحمود المسبح الموحد المحبوب. وقوله وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم. اي في خصوص حالهم وينظروا لانفسهم قبل ان يقترب اجلهم. ويفجأهم الموت وهم في غفلة معرضون. فلا يتمكنون حينئذ من استدراك فبأي حديث بعده يؤمنون؟ اي اذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل فبأي حديث يؤمنون به؟ ابكتب الكذب والضلال ام بحديث كل مفتر دجال ولكن الضال لا حيلة فيه ولا سبيل الى هدايته. ولهذا قال تعالى من يضلل فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون. اي متحيرين يترددون لا يخرجون ولا يهتدون الى حق والارض لا تأتيكم الا بغتة. يسألونك كأنك حفي عنها. قل انما ولكن اكثر الناس لا يعلمون يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم يسألونك اي المكذبون لك المتعنتون عن الساعة ايان مرساها اي متى وقتها الذي تجيء به؟ ومتى تحل بالخلق؟ قل انما علمها عند ربي اي انه تعالى مختص بعلمها لا يجليها ما فيها الا هو اي لا يظهرها لوقتها الذي قدر ان تقوم فيه الا هو. ثقلت في السماوات والارض اي خفي علمها على اهل السماوات والارض واشتد امرها ايضا عليهم فهم من الساعة مشفقون. لا تأتيكم الا بغتة. اي فجأة من حيث لا تشعرون. لم يستعدوا لها ولم يتهيأوا لقيامها يسألونك كانك حفي عنها. اي هم حريصون على سؤالك عن الساعة. كانك مستحف عن السؤال عنها. ولم انك لكمال علمك بربك وما ينفع السؤال عنه غير مبال بالسؤال عنها. ولا حريص على ذلك. فلما لا يقتدون بك ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه فانه لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب وهي من الامور التي اخفاها الله عن الخلق لكمال حكمته وسعة علمه. قل انما علمها عند الله. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي عليه خصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الاهم ويدعون ما يجب عليهم من العلم ثم يذهبون الى ما لا سبيل لاحد من ان يدركه ولا هم مطالبون بعلمه لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله اه ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا فاني فقير مدبر لا يأتيني خبر الا من الله. ولا يدفع عني الشر الا هو. وليس لي من العلم الا ما علمني الله تعالى. ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير. وما مسني السوء. اي لفعلت الاسباب التي اعلم انها تنتج لي المصالح والمنافع. ولحذرت من كل ما يفضي كسوء ومكروه لعلم بالاشياء قبل كونها وعلمي بما تفضي اليه. ولكني لعدم علمي قد ينالني ما ينالني من السوء. وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها. فهذا ادل دليل على اني لاعلم لي بالغيب. ان انا الا نذير. انذر العقوبات الدينية والدنيوية والاخروية. وابين الاعمال المفضية الى ذلك. واحذر منها وبشير بالثواب العاجل والاجل. ببيان الاعمال اليه والترغيب فيها. ولكن ليس كل احد يقبل هذه البشارة والنذارة. وانما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون. وهذه الايات الكريمة مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع او دفع ضر. فانه ليس بيده شيء من الامر ولا ينفع من لم ينفعه الله الله ولا يدفع الضر عن من لم يدفعه الله عنه. ولا له من العلم الا ما علمه الله تعالى. وانما ينفع من قبل ما ارسل به من البشارة والنذارة عمل بذلك فهذا نفعه صلى الله عليه وسلم. الذي فاق نفع الاباء والامهات والاخلاء والاخوان. بما حث العباد على كل خير وحذرهم عن كل شر. وبينه لهم غاية البيان والايضاح فمنها زوجها ليسكن اليها. فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به اي هو الذي خلقكم ايها الرجال والنساء المنتشرون في الارض على كثرتكم وتفرقكم من نفس واحدة وهو ادم ابو البشر صلى الله عليه وسلم وجعل منها زوجها اي خلق من ادم زوجته حواء لاجل ان يسكن اليها لانها اذا كانت منه حصل بينهما من المناسبات والموافقة ما يقتضي سكون احدهما الى الاخر. فانقاد كل منهما الى صاحبه بزمام الشهوة. فلما تغشاها اي تجللها جامعا لها قدر الباري ان يوجد من تلك الشهوة وذلك الجماع النسل. وحينئذ حملت حملا خفيفا وذلك في ابتداء الحمل. لا تحس الانثى ولا يثقلها. فلما استمرت به واثقلت به حين كبر في بطنها. فحين اذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد وعلى خروج به حيا صحيحا سالما لا افة فيه كذلك. فدعوا الله ربهما لان اتيتنا ولدا صالحا اي صالح الخلقة تمها لا نقص فيه لنكونن من الشاكرين فيما اتاهما فتعالى الله عما يشركون. فلما اتاهما صالحا على وفق ما طلبا وتمت عليهما النعمة فيه. جعلا له شركاء فيما اتاهما. اي جعل لله شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الله بايجاده والنعمة به واقر به اعين والديه فعبداه لغير الله. اما ان يسمياه بعبد غير الله كعبد الحارث وعبد العزى وعبد الكعبة ولذلك او يشركا بالله في العبادة بعد ما من الله عليهما بما من من النعم التي لا يحصيها احد من العباد. وهذا انتقال من النوع الى الجنس فان اول الكلام في ادم وحواء ثم انتقل الى الكلام في الجنس. ولا شك ان هذا موجود في الذرية كثيرا. فلذلك قررهم الله على بطلان الشرك وانهم في ذلك ظالمون اشد الظلم. سواء كان الشرك في الاقوال ام في الافعال. فان الخالق لهم من نفس واحدة. الذي خلق منها زوجها جعل لهم من انفسهم ازواجا. ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم الى بعض. ويألفه ويلتذ به ثم هداهم الى ما به تحصل الشهوة واللذة والاولاد والنسل. ثم اوجد الذرية في بطون الامهات وقتا مؤقتا. تتشوف اليه نفوسهم. ويدعون الله ان يخرجه سويا صحيحا فاتم الله عليهم النعمة وانا لهم مطلوبهم. افلا يستحق ان يعبدوه ولا يشركوا به في عبادته احدا. ويخلصوا له ولكن الامر جاء على العكس فاشركوا بالله من لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم اي لعابديها نصرا ولا انفسهم ينصرون. فاذا كانت لا تخلق شيئا ولا مثقال ذرة بل هي مخلوقة ولا تستطيع ان تدفع المكروه عمن يعبدها بل ولا عن انفسها فكيف تتخذ مع الله الهة؟ ان هذا الا اظلموا الظلم واسفه السفه وان تدعو ايها المشركون هذه الاصنام التي عبدتم من دون الله الى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم ادعوتمهم ام انتم صامتون؟ فصار الانسان احسن حالة منها لانها لا تسمع ولا تبصر. ولا تهدي ولا تهدى كل هذا اذا تصوره اللبيب العاقل تصورا مجردا التزم ببطلان الهيتها وسفاهة من عبدها وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للاوثان. يقول تعالى ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم اي لا فرق بينكم وبينهم فكلكم عبيد لله مملوكون. فان كنتم كما تزعمون صادقين في انها تستحق من العبادة شيئا. فادعوهم فليستجيبوا لكم فان استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم. والا تبين انكم كاذبون في هذه الدعوة. مفترون على الله اعظم الفريا قل ادعوا شركاءكم ثم وهذا لا يحتاج الى التبين فيه. فانكم اذا نظرتم اليها وجدتم صورتها دالة على انه ليس لديها من النفع شيء. فليس لها ارجل تمشي بها ولا ايد تبطش بها. ولا اعين تبصر بها. ولا اذان تسمع بها فهي عادمة لجميع الالات والقوى الموجودة في الانسان. فاذا كانت لا تجيبكم اذا دعوتموها وهي عباد امثالكم. بل انتم اكمل منها واقوى على كثير من الاشياء. فلاي شيء عبدتموها؟ قل ادعوا شركاءكم ثم كيدوني فلا تنظرون. اي اجتمعوا انتم وشركائكم على ايقاع السوء والمكروه بي من غير امهال ولا انظار. فانكم غير بالغين لشيء من المكروه بي. لان وليي الله الذي يتولاني فيجلب لي المنافع ويدفع عني المضار ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. الذي نزل الكتاب الذي فيه الهدى والشفاء والنور. وهو من توليته وتربيته لعباده الخاصة الدينية. وهو يتولى الصالحين الذين صلحت نياتهم واعمالهم واقوالهم كما قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. فالمؤمنون الصالحون لما تولوا ربهم بالايمان والتقوى ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر. تولاهم الله ولطف بهم واعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم في دينهم دنياهم ودفع عنهم بايمانهم كل مكروه. كما قال الله تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون وهذا ايضا في بيان عدم استحقاق هذه الاصنام التي يعبدونها من دون الله لشيء من العبادة. لانها ليس لها استطاعة اقتدار في نصر انفسهم ولا في نصر عابديها وليس لها قوة العقل والاستجابة. فلو دعوتها الى الهدى لم تهتدي. وهي صور لا حياة فيها بها فتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون حقيقة. لانهم صوروها على صور الحيوانات من الادميين او غيرهم. وجعلوا لها ابصارا واعضاء فاذا رأيتها قلت هذه حية. فاذا تأملتها عرفت انها جمادات لا حراك بها ولا حياة. فباي رأي اتخذها المشركون الهة مع الله ولاي مصلحة او نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بانواع العبادات. فاذا عرف هذا عرف ان المشركين والهتهم التي عبدوه ولو اجتمعوا وارادوا ان يكيدوا من تولاه فاطر الارض والسماوات. متولي احوال عباده الصالحين. لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر لكمال عجزهم وعجزها وكمال قوة الله واقتداره وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه. وقيل ان معنى قوله تراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون. ان الضمير يعود الى المشركين المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتحسبهم ينظرون اليك يا رسول الله والله نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب. ولكنهم لا يبصرون حقيقتك. وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق هذه الاية جامعة لحسن الخلق مع الناس. وما ينبغي في معاملتهم فالذي ينبغي ان يعامل به الناس ان يأخذ العفو اي ما سمحت به انفسهم وما سهل عليه من الاعمال والاخلاق فلا يكلفهم ما لا به طبائعهم بل يشكر من كل احد ما قابله به من قول وفعل جميل او ما هو دون ذلك. ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن ولا يتكبر على الصغير لصغره. ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره. بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه وتنشرح له صدورهم. وامر بالعرف اي بكل قول حسن وفعل جميل. وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما يأتي الى الناس منك اما تعليم علم او حث على خير من صلة رحم او بر والدين او اصلاح بين الناس او نصيحة نافعة او رأي مصيب او على بر وتقوى او زجر عن قبيح او ارشاد الى تحصيل مصلحة دينية او دنيوية. ولما كان لا بد من اذية الجاهل امر الله تعالى ان يقابل الجاهل بالاعراض عنه. وعدم مقابلته بجهله. فمن اذاك بقوله او فعله لا تؤذه. ومن حرمك لا تحرمه. ومن قطعك ومن ظلمك فاعدل فيه. واما ما ينبغي ان يعامل به العبد شياطين الانس والجن. فقال تعالى انه اي وقت وفي اي حال ينزغنك من الشيطان نزغ. اي تحس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير. او حث على الشر وايعاز اليه فاستعذ اي التجأ واعتصم بالله واحتمي بحماه فانه سميع لما تقول عليم بنيتك وضعفك وقوة التجائك له فسيحميك من فتنته ويقيك من وسوسته. كما قال تعالى قل اعوذ برب الناس. ملك الناس. اله الناس من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا تذكروا فاذا ولما كان العبد لابد ان يغفل وينال منه الشيطان. الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته. ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ان المتقي اذا احس بذنب ومسه طائف من الشيطان فاذنب بفعل محرم او ترك واجب تذكر من اي باب اوتي ومن اي مدخل دخل الشيطان علي وتذكر ما اوجب الله عليه وما عليه من لوازم الايمان فابصر واستغفر الله تعالى واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح الحسنات الكثيرة فرد شيطانه خاسئا حسيرا. قد افسد عليه كل ما ادركه منه واما اخوان الشياطين واولياؤهم فانهم اذا وقعوا في الذنوب لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب ولا يقصرون عن ذلك. فالشياطين ولا تقصر عنهم بالاغواء لانها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القيادة لها وهم لا يقصرون عن فعل الشر يؤمنون اي لا يزال هؤلاء المكذبين لك في تعنت وعناد. ولو جاءتهم الايات الدالة على الهدى والرشاد. فاذا جئتهم بشيء من الايات الدالة على صدقك لم ينقادوا واذا لم تأتهم باية من ايات الاقتراح التي يعينونها قالوا لولا اجتبيتها اي هلا اخترت الاية فصارت الاية الفلانية او المعجزة الفلانية كانك انت المنزل للايات. المدبر لجميع المخلوقات. ولم يعلموا انه ليس لك من الامر شيء. او ان المعنى لولا اخترعتها من نفسك قل انما اتبع ما يوحى الي من ربي فانا عبد متبع مدبر. والله تعالى هو الذي ينزل الايات ويرسل على حسب ما اقتضاه حمده. وطلبته حكمته البالغة. فان اردتم اية لا تضمحلوا على تعاقب الاوقات. وحجة لا تبطل في جميع الانات فهذا القرآن العظيم والذكر الحكيم. بصائر من ربكم يستبصر به في جميع المطالب الالهية والمقاصد الانسانية. وهو الدليل والمدلول فمن تفكر فيه وتدبره علم انه تنزيل من حكيم حميد. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبه قامت الحجة على كل من بلغ ولكن اكثر الناس لا يؤمنون. والا فمن امن فهو هدى له من الضلال. ورحمة له من الشقاء. فالمؤمن مهتد بالقرآن متبع له سعيد في دنياه واخراه. واما من لم يؤمن به فانه ضال شقي في الدنيا والاخرة واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون هذا الامر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى فانه مأمور بالاستماع له والانصات. والفرق بين الاستماع والانصات ان الانصات في الظاهر ترك التحدث او الاشتغال بما يشغل عن استماعه. واما الاستماع له فهو ان يلقي سمعه ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع. فان من لازم على هذه الامرين حين يتلى كتاب الله فانه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا وايمانا مستمرا متجددا وهدى متزايدا وبصيرة في ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما. فدل ذلك على ان من تلي عليه الكتاب فلم يستمع له وينصت. انه محروم الحظ من الرحمة. قد فاته خير كثير. ومن اوكد ما يؤمر به مستمع القرآن ان يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية اذا قرأ امامه. فانه مأمور بالانصات حتى ان اكثر العلماء يقولون ان اشتغاله بالانصات اولى من قراءته الفاتحة وغيرها الذكر لله تعالى يكون ويكون باللسان ويكون بهما وهو اكمل انواع الذكر واحواله. فامر الله عبده ورسوله محمدا اصلا. وغيره تبع ذكر ربه في نفسه اي مخلصا خاليا تضرعا اي متضرعا بلسانك مكررا لانواع الذكر وخيفة في قلبك بان تكون خائفا من الله وجل القلب منه. خوفا ان يكون عملك غير مقبول. وعلامة الخوف ان يسعى ويجتهد في تكميل العمل واصلاحه والنصح به دون الجهر من القول اي كن متوسطا. لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها. وابتغي بين ذلك سبيلا. بالغدو اول النهار والاخر قال اخره وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما. ولا تكن من الغافلين الذين نسوا الله فانساهم انفسهم فانهم حرموا خير الدنيا والاخرة. واعرضوا عن من كل السعادة والفوز في ذكره وعبوديته. واقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال وهذه من الاداب التي ينبغي للعبد ان يراعيها حق رعايتها. وهي الاكثار من ذكر الله اناء الليل والنهار. خصوصا طرفي النهار مخلصا خاشعا متضرعا متذللا ساكنا. وتواطأ عليه قلبه ولسانه بادب ووقار واقبال على الدعاء والذكر. واحضار له بقلبه وعدم غفلة فان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل له ثم ذكر تعالى ان له عبادا مستديمين لعبادته. ملازمين لخدمته. وهم الملائكة. فلتعلموا ان الله لا يريد ان يتكثر بعبادتكم من قلة. ولا عزز بها من ذلة وانما يريد نفع انفسكم وان تربحوا عليه اضعاف اضعاف ما عملتم. فقال ان الذين عند ربك من الملائكة المقربين وحملة العرش لا يستكبرون عن عبادته بل يذعنون لها وينقادون لاوامر ربهم ويسبحونه الليل والنهار لا يفطرون. وله وحده لا شريك له. يسجدون. فليقتدي العباد بهؤلاء الملائكة الكرام. وليداوموا على عبادة الملك العلام بسم الله الرحمن الرحيم. يسألونك عن الانفاق واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين الانفال هي الغنائم التي ينفلها الله لهذه الامة من اموال الكفار. وكانت هذه الايات في هذه السورة قد نزلت في قصة بدر اول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين. فحصل بين المسلمين فيها نزاع. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فانزل الله يسألونك عن الانفال كيف تقسم وعلى من تقسم؟ قل اهم الانفال لله ورسوله يضعانها حيث شاء. فلا اعتراض لكم على حكم الله ورسوله. بل عليكم اذا حكم الله ورسوله وان ترضوا بحكمهما وتسلموا الامر لهما. وذلك داخل في قوله فاتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه واصلحوا ذات بينكم. اي اصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر. بالتوادد والتحاب والتواصل. فبذلك تجتمع كلمات ويزول ما يحصل بسبب التقاطع من التخاصم والتشاجر والتنازع. ويدخل في اصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم والعفو عن المسيئين منهم. فانه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر والامر الجامع لذلك كله قوله فان الايمان يدعو الى طاعة الله ورسوله. كما ان من لم يطع الله ورسوله فليس بمؤمن. ومن نقصت طاعته لله ورسوله فذلك لنقص ايمانه. ولما كان الايمان قسمين ايمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء. والفوز التام وايمانا دون ذلك ذكر الايمان الكامل فقال انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم ايات انما المؤمنون الالف واللام للاستغراق لشرائع الايمان. الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خافت ورهبت فاوجبت لهم خشية الله تعالى الانكار عن المحارم. فان خوف الله تعالى اكبر علاماته ان يحجز صاحبه عن الذنوب. واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا انا ووجه ذلك انهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره. فعند ذلك يزيد ايمانهم. لان التدبر من اعمال القلوب ولانه لا بد ان يبين لهم معنى كانوا يجهلونه. او يتذكرون ما كانوا نسوه او يحدث في قلوبهم رغبة في الخير. واشتياق الى كرامة ربهم او وجلا من العقوبات وازدجارا عن المعاصي. وكل هذا مما يزداد به الايمان. وعلى ربهم وحده لا له يتوكلون ان يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية. ويثقون بان ان الله تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للاعمال كلها. فلا توجد ولا تكمل الا به الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون الذين يقيمون الصلاة من فرائض ونوافل باعمالها الظاهرة والباطنة كحضور القلب فيها. الذي هو روح الصلاة ولبها ومما رزقناهم ينفقون النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقة على الزوجات والاقارب. وما ملكت ايمانهم والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم اولئك الذين اتصفوا بتلك الصفات هم المؤمنون حقا. لانهم جمعوا بين الاسلام والايمان. بين الاعمال الباطنة والاعمال الظاهرة بين العلم والعمل بين اداء حقوق الله وحقوق عباده. وقدم تعالى اعمال القلوب لانها اصل لاعمال الجوارح وافضلها منها وفيها دليل على ان الايمان يزيد وينقص. فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها. وانه ينبغي للعبد ان شهد ايمانه وينميه. وان اولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى والتأمل لمعانيه ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال لهم درجات عند ربهم اي عالية بحسب علو اعمالهم ومغفرتهم لذنوبهم ورزق كريم. وهو ما اعده الله لهم في دار كرامته. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر قلب بشر ودل هذا على ان من لم يصل الى درجتهم في الايمان. وان دخل الجنة فلن ينال ما ينال من كرامة الله التامة كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في بحق بعد ما تبين قدم تعالى امام هذه الغزوة الكبرى المباركة الصفات التي على المؤمنين ان يقوموا بها. لان من قام بها استقامت احواله وصلحت اعماله. التي من اكبرها الجهاد في سبيل الله فكما ان ايمانهم هو الايمان الحقيقي وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم الله به. كذلك اخرج الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته الى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه الله تعالى. وقد قدره وقضاه. وان كان المؤمنون لم يخطر ببال الهم في ذلك الخروج انه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم ان ذلك واقع جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ويكرهون لقاء عدوهم كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون. والحال ان هذا لا ينبغي منهم خصوصا بعدما تبين لهم ان خروجهم بالحق. ومما امر الله به ورضيه. فبهذه الحال ليس للجدال محل فيها لان الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الامر. فاما اذا وضح وبان فليس الا الانقياد والاذعان. هذا كثير من المؤمنين لم يجري منهم من هذه المجادلة شيء. ولا كرهوا لقاء عدوهم وكذلك الذين عاتبهم الله ان قادوا للجهاد اشد الانقياد. وثبتهم الله وقيض لهم من الاسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها واذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم. وتودون ان غير ذات وكان اصل خروج يتعرضون لعير خرجت مع ابي سفيان ابن حرب لقريش الى الشام. قافلة كبيرة. فلما سمعوا برجوعها من الشام ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فخرج معه ثلاث مئة ومضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا يعتقدون عليها ويحملون عليها متاعهم. فسمعت بخبرهم قريش فخرجوا لمنع غيرهم في عدد كثير وعدة وافرة من السلاح والخيل والرجال يبلغ عددهم قريبا من الالف فوعد الله المؤمنين احدى الطائفتين اما ان يظفروا بالعير او بالنفير فاحب العيرة لقلة ذات يد المسلمين. ولانها غير ذات شوكة ولكن الله تعالى احب لهم واراد امرا اعلى مما احبوا اراد ان يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم. ويريد الله ان يحق الحق بكلماته. فينصر اهله ان يستأصل اهل الباطل ويري عباده من نصره للحق امرا لم يكن يخطر ببالهم ليحق الحق بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه ويبطل الباطل بما يقيم من الادلة والشواهد على بطلانه. فلا يبالي الله بهم ان تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين اي اذكروا نعمة الله عليكم لما قارب التقاؤكم بعدوكم استغثتم بربكم وطلبتم منه ان يعينكم وينصركم فاستجابوا لكم واغاثكم بعدة امور. منها ان الله امدكم بالف من الملائكة مردفين. اي يردف بعضهم بعضا وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم. وما جعله الله اي انزال الملائكة الا بشرى. اي لتستبشر بذلك نفوسكم ولتطمئن به قلوبكم والا فالنصر بيد الله ليس بكثرة عدد ولا عدد ان الله عزيز لا يغالبه مغالب. بل هو القهار الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والالات ما بلغوا. حكيم حيث قدر الامور باسبابها ووضع الاشياء مواضعها. ومن نصره واستجابته لدعائكم ان انزل عليكم نعاسا ليطهركم به يغشيكم اي فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل. ويكون امنة لكم وعلامة على النصر والطمأنينة. ومن ذلك انه انزل من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجسه وليربط على قلوبكم ان يثبتها. فان ثبات القلب اصل ثبات البدن. ويثبت به الاقدام. فان الارض كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت وثبتت به الاقدام. ومن ذلك ان الله اوحى الى الملائكة اني معكم بالعون والنصر والتأييد فثبتوا الذين امنوا اي القوا في قلوبهم والهموهم الجراءة على عدوهم ورغبوهم في الجهاد وفضله. سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب الذي هو اعظم جند لكم عليهم. فان الله اذا ثبت المؤمنين والقى الرعب في قلوب الكافرين. لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم الله اكتافهم. فاضربوا فوق الاعناق اي على الرقاب. واضربوا منهم كل بنان. اي مفصل وهذا خطاب اما للملائكة الذين اوحى الله اليهم ان يثبتوا الذين امنوا. فيكون في ذلك دليل انهم باشروا القتال يوم بدر او للمؤمنين يشجعهم الله ويعلمهم كيف يقتلون المشركين. وانهم لا يرحمونهم. وذلك لانهم شاقوا الله ورسوله. اي حاربوا ابوهما وبارزوهما بالعداوة اتق الله ورسوله فان الله شديد العقاب. ومن عقابه تسليط اوليائه على اعدائه ذلكم العذاب المذكور فذوقوه ايها المشاققون لله ورسوله عذابا معجلا وفي هذه القصة من ايات الله العظيمة ما يدل على ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله حق منها ان الله وعدهم وعدا فانجز هموه. ومنها ما قال الله تعالى قد كان لكم اية في فئتين التقت فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين. ومنها اجابة دعوة الله للمؤمنين ما استغاثوه بما ذكره من الاسباب. وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين وتقييد الاسباب التي بها ثبت ايمانهم. وثبت اقدامهم وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية. ومنها ان من لطف الله عبده ان يسهل عليه طاعته. وييسرها باسباب داخلية وخارجية يأمر تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الايمانية والقوة في امره والسعي في جلب الاسباب المقوية للقلوب والابدان. ونهاهم عن الفرار اذا التقى الزحفان. فقال يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا اي في صف القتال وتزاحف الرجال واقتراب بعضهم من بعض بل اثبتوا لقتالهم واصبروا على جلادهم. فان في ذلك نصرة لدين الله وقوة لقلوب المؤمنين. وارهابا للكافرين فقد باء اي رجع بغضب من الله مأواه اي مقره جهنم. وهذا يدل على ان الفرار من الزحف من غير عذر. من اكبر الكبائر كما وردت بذلك الاحاديث الصحيحة. وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الاية ان المتحرف للقتال وهو الذي ينحرف من جهة الى اخرى ليكون امكن له في القتال وانكى لعدوه فانه لا بأس بذلك لانه لم يولد بره فارا. وانما ولى دبره ليستعلي على عدوه. او يأتيه من محل يصيب فيه غرته. او ليخدعه ذلك او غير ذلك من مقاصد المحاربين. وان المتحيز الى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار. فان ذلك جائز. فان كانت الفئة في العسكر فالامر في هذا واضح. وان كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين. والتجائهم الى بلد من بلدان المسلمين او الى عسكر اخر من عسكر المسلمين. فقد ورد من اثار الصحابة ما يدل على ان هذا جائز. ولعل هذا يقيد بما اذا ظن المسلمون ان الانهزام احمد عاقبة وابقى عليهم اما اذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم فيبعد في هذه الحال ان تكون من الاحوال المرخص فيها لانه على هذا لا يتصور الفرار المنهي عنه. وهذه الاية مطلقة. وسيأتي في اخر السورة تقيدها بالعدد فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وليبليه يقول تعالى لما انهزم المشركون يوم بدر وقتلهم المسلمون فلم تقتلوهم بحولكم وقوتكم ولكن الله قتلهم حيث اعانكم على ذلك بما تقدموا ذكره وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو الله ويناشده في نصرته. ثم خرج منه فاخذ حفنة من تراب. فرماها في وجوه المشركين. فاوصلها الله الى وجوههم فما بقي منهم واحد الا وقد اصاب وجهه. وفمه وعينيه منها. فحينئذ انكسر حدهم وفتر زندهم ابان فيهم الفشل والضعف فانهزموا. يقول تعالى لنبيه لست بقوتك حين رميت التراب اوصلته الى اعينهم. وانما اوصلت اليهم بقوتنا واقتدارنا اي ان الله قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين. من دون مباشرة قتال ولكن الله اراد ان يمتحن المؤمنين ويوصلهم بالجهاد الى اعلى الدرجات وارفع المقامات. ويعطيهم اجرا حسنا وثوابا جزيلا يسمع تعالى ما اسر به العبد وما اعلن. ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها فيقدر على العباد اقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده. ويجزي كلا بحسب نيته وعمله ذلكم النصر من الله لكم اي مضعف كل مكر وكيد يكيدون به الاسلام واهله وجاعل مكره محيقا بهم لكم وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله معه ان تستفتحوا ايها المشركون اي تطلبوا من الله ان يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين فقد جاءكم الفتح حين اوقع الله بكم من عقابه ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين. وان تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لانه ربما امهلتم ولم يعجل لكم النقمة وان تعودوا الى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين. نعد في نصرهم عليكم ولن تغني عنكم فئتكم اي اعوانكم وانصاركم الذين تحاربون وتقاتلون معتمدين عليهم شيئا. وان الله مع المؤمنين ومن كان الله معه فهو المنصور. وان كان ضعيفا قليلا عدده وهذه المعية التي اخبر الله انه يؤيد بها المؤمنين. تكون بحسب ما قاموا به من اعمال الايمان. فاذا ادين العدو عن المؤمنين في بعض الاوقات فليس ذلك الا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الايمان ومقتضاه. والا فلو قاموا بما امر الله به من كل وجه. لمن هزم لهم راية انهزاما مستقرا. ولا عليهم عدوهم ابدا لما اخبر تعالى انه مع المؤمنين امرهم ان يقوموا بمقتضى الايمان الذي يدركون به معيته. فقال يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله ورسوله. بامتثال امرهما واجتناب نهيهما. ولا تولوا عنه اي عن هذا الامر الذي هو طاعة الله وطاعة رسوله وانتم تسمعون ما يتلى عليكم من كتاب الله واوامره ووصاياه ونصائحه وتوليكم في هذه الحال من اقبح الاحوال ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون. اي لا تكتفوا بمجرد الدعوة الخالية التي لا حقيقة لها فانها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله. فليس الايمان بالتمني والتحلي. ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الاعمال عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. يقول تعالى قال ان شر الدواب عند الله من لم تفيد فيهم الايات والنذر وهم الصم عن استماع الحق البكم عن النطق به الذين لا يعقلون ما ينفعهم ويؤثرونه على ما يضرهم. فهؤلاء شر عند الله من جميع الدواب لان الله اعطاهم اسماعا وابصارا وافئدة ليستعملوها في طاعة الله فاستعملوها في معاصيه. وعدموا بذلك الخير الكثير فانهم كانوا بصدد ان يكونوا من خيار البرية. فابوا هذا الطريق واختاروا لانفسهم ان يكونوا من شر البرية. والسمع الذي نفاه الله عنهم سمع المعنى المؤثر في القلب. واما سمع الحجة فقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من اياته. وانما لم يسمعوا السماع النافع لانه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع اياته ولو معهم على الفرض والتقدير لتولوا عن الطاعة وهم معرضون. لا التفات لهم الى الحق بوجه من الوجوه. وهذا دليل على ان الله تعالى لا يمنع الايمان والخير الا لمن لا خير فيه. الذي لا يزكو لديه ولا يثمر عنده وله الحمد تعالى والحكمة في هذا يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم. واعلموا الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون. يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان منه وهو الاستجابة لله وللرسول اي الانقياد لما امر به والمبادرة الى ذلك والدعوة اليه والاجتناب لما نهيا عنه. والانكفاف عنه والنهي عنه. وقوله اذا دعاكم لما يحييكم. وصف ملازم لكل ما دعا الله ورسوله اليه وبيان لفائدته وحكمته. فان حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال انه اليه تحشرون. فاياكم ان تردوا امر الله اول ما يأتيكم في حال بينكم وبينه اذا اردتموه بعد ذلك وتختلف قلوبكم فان الله يحول بين المرء وقلبه. يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها انا شاء. فليكثر العبد من قول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. يا مصرف القلوب اصرف قلبي الى طاعتك اي تجمعون ليوم لا ريب فيه. فيجازى المحسن باحسانه والمسيء بعصيانه. واتقوا فتنة لا تصيب خاصة واعلموا واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تصيب فاعل الظلم وغيره وذلك اذا ظهر الظلم فلم يغير. فان عقوبته تعم الفاعل وغيره. وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر وقمع اهل الشر والفساد والا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما امكن لمن تعرض لمساخطه وجانب رضاه واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فاواكم يقول تعالى ممتنا على عباده في نصرهم بعد الذكر وتكثيرهم بعد القلة واغنائهم بعد العيلة. واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض. اي مقهورون تحت حكم غيركم تخافون ان يتخطفكم الناس اي يأخذونكم فاواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات فجعل لكم غدا تأون اليه وانتصر من اعدائكم على ايديكم وغنمتم من اموالهم ما كنتم به اغنياء. لعلكم تشكرون الله على منته عظيمة واحسانه التام بان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا يا ايها الذين امنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا امانتكم وانتم تعلمون يأمر تعالى عباده المؤمنين ان يؤدوا ما ائتمنهم الله عليه من اوامره ونواهيه. فان الامانة قد عرضها الله على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان. انه كان ظلوما جهولا. فمن ادى الامانة استحق من الله الثواب الجزيل ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل وصار خائنا لله وللرسول ولامانته منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه باخس الصفات. واقبح الشيات وهي الخيانة. مفوتا لها اكمل الصفات واتمها. وهي الامانة واعلموا انما اموالكم واولادكم فتنة. وان الله عنده اجر عظيم لما كان العبد ممتحنا بامواله واولاده. فربما حمله محبة ذلك على تقديم هوى نفسه على اداء امانته. اخبر الله تعالى ان الاموال والاولاد فتنة يبتلي الله بهما عباده. وانها عارية ستؤدى لمن اعطاها. وترد لمن استودعها ان الله عنده اجر عظيم. فان كان لكم عقل ورأي فاثروا فضله العظيم. على لذة صغيرة كان يتم بمحله فالعاقل يوازن بين الاشياء ويؤثر اولاها بالايثار. واحقها بالتقديم امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة وعلامة الفلاح وقد رتب الله على التقوى من خير الدنيا والاخرة شيئا كثيرا. فذكر هنا ان من اتقى الله حصل له اربعة اشياء كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها الاول الفرقان وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال. والحق والباطل والحرام واهل السعادة من اهل الشقاوة. الثاني والثالث تكفير السيئات ومغفرة الذنوب. وكل واحد منهما داخل في الاخر عند الاطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر الرابع الاجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه واثر رضاه على هوى نفسه اي واذكر ايها الرسول ما من الله به عليك اذ يمكر بك الذين كفروا حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم اما ان يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه. واما ان يقتلوه فيستريحوا بزعمهم من شره. واما ان يخرجوه ويجلوه من ديارهم كل ابدى من هذه الاراء رأيا رآه. فاتفق رأيهم على رأي رآه شريرهم ابو جهل لعنه الله. وهو ان يأخذوا من كل قلب قبيلة من قبائل قريش الفتى ويعطوه سيفا صارما ويقتله الجميع قتلة رجل واحد ليتفرق دمه في القبائل فيرضى بنو هاشم ثم بديته فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش. فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به اذا فقام من فراشه فجاءه الوحي من السماء وخرج عليهم فذر على رؤوسهم التراب وخرج. واعمى الله ابصارهم عنه حتى اذا استبطؤوه جاءهم ات وقال خيبكم الله. قد خرج محمد وذر على رؤوسكم التراب. فنفض كل منهم التراب عن رأسه. ومنع الله رسوله منهم واذن له في الهجرة الى المدينة فهاجر اليها. وايده الله باصحابه المهاجرين والانصار. ولم يزل امره يعلو حتى على مكة عنوة وقهر اهلها فاذعنوا له وصاروا تحت حكمه. بعد ان خرج مستخفيا منهم خائفا على نفسه. فسبحان الله بعبده الذي لا يغالبه مغالب وقوله واذا تتلى عليهم اياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم واذا تتلى اياتنا الدالة على صدق ما جاء به الرسول ان هذا الا اساطير الاولين. وهذا من عنادهم وظلمهم. والا فقد تحداهم الله ان يأتوا بسورة من مثله ويدعو من استطاعوا من دون الله فلم يقدروا على ذلك. وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا القائل. مجرد دعوة كذبه الواقع. وقد علم انه صلى الله عليه وسلم امي. لا يقرأ ولا يكتب ولا رحل ليدرس من اخبار الاولين. فاتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد وان قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء آآ واذ قالوا اللهم ان كان الذي يدعو اليه محمد هو الحق من عندك. فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم. قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم والجهل بما ينبغي من الخطاب. فلو انهم اذ اقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات. ما اوجب لهم ان يكونوا على بصيرة ويقين منه قالوا لمن ناظرهم وادعى ان الحق معه ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له لكان اولى لهم واستر لظلمهم فمذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك. الاية علم بمجرد قولهم انهم السفهاء الاغبياء. الجهلة الظالمون فلو عاجلهم الله بالعقاب لما ابقى منهم باقية. ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب. بسبب وجود الرسول بين اظهرهم فقال فوجوده صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم امانة لهم من العذاب وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رؤوس الاشهاد. يدرون بقبحها فكانوا يخافون من وقوعها فيهم. فيستغفرون الله تعالى فلهذا قال تعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فهذا مانع يمنع من وقوع العذاب بهم. بعدما انعقدت اسبابه ثم قال ان اولياءه الا المتقون ولكن اكثرهم لا يعلمون. وما لهم الا يعذبهم الله اي اي شيء يمنعهم من عذاب الله وقد فعلوا ما يوجب ذلك. وهو صد الناس عن المسجد الحرام. خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الذين هم اولى به منهم. ولهذا قال وما كانوا اي المشركون اولياءه. يحتمل ان الضمير يعود الى الله اي اولياء الله. ويحتمل ان يعود الى المسجد الحرام. اي وما كانوا اولى به من غيرهم. ان اولياءه الا المتقون وهم الذين امنوا بالله ورسوله وافردوا الله بالتوحيد والعبادة واخلصوا له الدين فلذلك ادعوا لانفسهم امرا غيرهم اولى به وما كان صلاتهم عند البيت الا وتصدية. فذوقوا العذاب ما كنتم تكفرون. يعني ان الله تعالى انما جعل بيته الحرام ليقام فيه دينه. وتخلص له فيه العبادة. فالمؤمنون هم الذين قاموا بهذا الامر. واما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه. فما كان صلاتهم فيه التي هي اكبر العبادات الا مكاء وتصدية. اي صفيرا وتصفيقا. فعل الجهلة الاغبياء الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم ولا معرفة بحقوقه. ولا احترام لافضل البقاع واشرفها. فاذا كانت هذه صلاتهم فيه. فكيف ببقية العبادات فباي شيء كانوا اولى بهذا البيت من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون الى اخر ما وصفهم الله وبه من الصفات الحميدة والافعال السديدة. لا جرم اورثهم الله بيته الحرام. ومكنهم منه وقال لهم بعد ما مكن لهم فيه يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وقال هنا ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا فسينفقونها ثم تكون حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يقول تعالى مبين لعداوة المشركين وكيدهم ومكرهم ومبارزتهم لله ولرسوله وسعيهم في اطفاء نوره واخماد كلمته. وان وبال مكرهم سيعود عليهم. ولا يحيق المكر السيء الا باهله. فقال ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله. اي ليبطلوا الحق وينصروا الباطل. ويبطل توحيد الرحمن ويقوم دين عبادة الاوثان فسينفقونها اي فيصدرون هذه النفقة. وتخف عليهم لتمسكهم بالباطل. وشدة بغضهم للحق. ولكنها ستكون عليهم حسرة اين دامت وخزيا وذلا ويغلبون فتذهب اموالهم وما املوا. ويعذبون في الاخرة اشد العذاب. ولهذا قال يجمعون اليه ليذوقوا عذابها وذلك لانها دار الخبث والخبثاء فيرقمه جميعا فيجعله هم الخاسرون والله تعالى يريد ان يميز الخبيث من الطيب. ويجعل كل واحد على حدة. وفي دار تخصه. فيجعل الخبيث بعضه على بعض من الاعمال والاموال والاشخاص هم الخاسرون الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف. وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين هذا من لطفه تعالى بعباده لا يمنعه كفر العباد ولا استمرارهم في العناد من ان يدعوهم الى طريق الرشاد والهدى وين ها هم عما يهلكهم من اسباب الغي والردا. فقال قل للذين كفروا ان ينتهوا عن كفرهم وذلك بالاسلام لله وحده لا شريك له يغفر لهم ما قد سلف منهم من الجرائم. وان يعودوا الى كفرهم وعنادهم. فقد مضت سنة الاولين ذاك الامم المكذبة فلينتظروا ما حل بالمعاندين. فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون. فهذا خطابه للمكذبين. واما خطابه للمؤمنين عندما امرهم بمعاملة الكافرين فقال وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون ما الدين كله لله؟ فان تهوا فان الله بما يعملون بصير. وقال حتى لا تكون فتنة اي شرك وصد عن سبيل الله. ويذعنوا لاحكام الاسلام. ويكون الدين كله لله. فهذا المقصود من القتال والجهاد لاعداء الدين ان يدفع شرهم عن الدين وان يذب عن دين الله الذي خلق الخلق له حتى يكون هو العالي على سائر الاديان فان انتهوا عما هم عليه من الظلم. لا تخفى عليه منهم خافية ان تولوا عن الطاعة واوضعوا في الاضاعة نعم المولى الذي يتولى عباده المؤمنين. ويوصل اليه مصالحهم وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية النصير الذي ينصرهم فيدفع عنهم كيد الفجار وتكالب الاشرار. ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه. ومن الله عليه فلا عز له ولا قائمة له