بسم الله الرحمن الرحيم. بسم الله اي ابتدأ بكل اسم لله تعالى. لان لفظ اسم مفرد مضاف فيعم جميع الاسماء الحسنى. الله هو المألوه المعبود المستحق لافراده بالعبادة. لما اتصف به من صفات الالوهية وهي صفات الكمال الرحمن الرحيم. اسمان دالان على انه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة. التي وسعت كل شيء وعمت كل حي وكتبها للمتقين المتبعين لانبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة. ومن عاداهم له نصيب منها. واعلم ان من القواعد المتفق عليها بين سلف الامة وائمتها. الايمان باسماء الله وصفاته واحكام الصلة فيؤمنون مثلا بانه رحمن رحيم. ذو الرحمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها اثر من اثار رحمته وهكذا في سائر الاسماء. يقال في العليم انه عليم ذو علم يعلم به كل شيء. قدير ذو قدرة يقدر وعلى كل شيء الحمد لله رب العالمين. الحمد لله هو الثناء على الله بصفات الكمال وبافعاله الدائرة بين الفضل والعدل. فله الحمد الكامل بجميع الوجوه. رب العالمين الرب هو المربي جميعا العالمين وهم من سوى الله بخلقه لهم واعداده لهم الالات وانعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء فما بهم من نعمة فمنه تعالى. وتربيته تعالى لخلقه نوعان. عامة وخاصة. فالعامة هي خلق للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم. التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة تربيته لاوليائه يربيهم بالايمان ويوفقهم له. ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه. وحقيقتها تربية بالتوفيق لكل خير والعصمة من كل شر. ولعل هذا المعنى هو السر في كون اكثر ادعية الانبياء بلفظ الرب. فان مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. فدل قوله رب العالمين على انفراده بالخلق والتدبير والنعم. وكمال غناه زمام فقر العالمين اليه بكل وجه واعتبار ما لك يوم الدين. ما لك يوم الدين المالك هو من اتصف بصفة الملك التي من اثارها انه يأمر وينهى ويثيب ويعاقب ويتصرف بمماليكه بجميع انواع التصرفات واضاف الملك ليوم الدين وهو يوم القيامة. يوم يدان الناس فيه باعمالهم خيرها وشرها. لان في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته وانقطاع املاك الخلائق. حتى انه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والاحرار كلهم مذعنون لعظمته. خاضعون لعزته منتظرون لمجازاته. راجون ثوابه خائفون من فلذلك خصه بالذكر. والا فهو المالك ليوم الدين وغيره من الايام اياك نعبد واياك نستعين اين خصك وحدك بالعبادة والاستعانة؟ لان تقديم يفيد الحصر وهو اثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه. فكأنه يقول نعبدك ولا نعبد غيرك ونستعين بك ولا نستعين بغيرك. وتقديم العبادة على الاستعانة. من باب تقديم العام على الخاص. واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده والعبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به في تحصيل ذلك. والقيام بعبادة الله والاستعانة به. هو الوسيلة سعادتي الابدية والنجاة من جميع الشرور. فلا سبيل الى النجاة الا بالقيام بهما. وانما تكون العبادة عبادة اذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. مقصودا بها وجه الله فبهذين الامرين تكون عبادة. وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخوله فيها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته الى الاستعانة بالله تعالى. فانه ان لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الاوامر واجتناب النواهي. ثم قال تعالى اهدنا الصراط المستقيم. اي دلنا وارشدنا ووفقنا الى الصراط المستقيم. وهو الطريق الواضح الموصل الى الله والى جنته. وهو معرفة الحق والعمل به. فاهدنا الى الصراط واهدنا في الصراط فالهداية الى الصراط لزوم دين الاسلام وترك ما سواه من الاديان والهداية في الصراط تشمل الهداية جميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من اجمع الادعية وانفعها للعبد. ولهذا وجب على الانسان ان يدعو الله به في كل ركعة من صلاته بضرورته الى ذلك. وهذا الصراط المستقيم هو صراط الذين انعمت عليهم صراط الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير صراط المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وترك كاليهود ونحوهم وغير صراط الضالين الذين تركوا الحق على جهل وضلال كالنصارى ونحوهم. فهذه السورة على ايجازها قد احتوت على ما لم تحتوي عليه سورة من سور القرآن. فتضمنت انواع التوحيد الثلاثة توحيد الربوبية يؤخذ من قوله رب العالمين. وتوحيد الالوهية وهو افراد الله بالعبادة. يؤخذ من لفظ. الله ومن قوله اياك نعبد نعبد واياك نستعين وتوحيد الاسماء والصفات وهو اثبات الصفات الكمال لله تعالى التي اثبتها لنفسه واثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه. وقد دل على ذلك لفظ الحمد كما تقدم. وتضمن اثبات النبوة في قوله اهدنا الصراط المستقيم. لان ذلك ممتنع بدون الرسالة. واثبات الجزاء على الاعمال في قوله وان الجزاء يكون بالعدل. لان الدين معناه الجزاء بالعدل. وتضمنت اثبات القدر وان العبد فاعل حقيقي خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع اهل البدع والضلال. في قوله اهدنا الصراط المستقيم. لانه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع وضال فهو مخالف لذلك. وتضمنت اخلاص الدين لله تعالى عبادة واستعانة. في اقول ايه؟ اياك نعبد واياك نستعين. فالحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم تقدم الكلام على البسملة. واما الحروف المقطعة في اوائل السور. فالاسلم فيها السكوت من التعرض لمعناها. من غير مستند شرعي مع الجزم بان الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها. وقوله ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. ذلك الكتاب اي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة. المشتمل على ما لم عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين. فلا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه. ونفي الريب عنه تلزم ضده اذ ضد الريب والشك اليقين. فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة ان المقصودة به المدح لابد ان يكون متضمنا لضده وهو الكمال. لان النفي عدم والعدم المحض لا مدح فيه. فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل الا باليقين. قال والهدى ما تحصل به الهداية من الضلال والشبه وما به الهداية الى سلوك الطرق النافعة. وقال هدى وحذف المعمول. فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية ولا للشيء الفلاني لارادة العموم وانه هدى لجميع مصالح الدارين. فهو مرشد للعباد في المسائل الاصولية والفروعية. ومبين للحق من الباطل والصحيح من الضعيف ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم واخراهم. وقال في موضع اخر هدى للناس تعمم وفي هذا الموضع وغيره هدى للمتقين. لانه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالاشقياء لم يرفعوا به رأسا. ولم اقبلوا هدى الله فقامت عليهم به الحجة. ولم ينتفعوا به لشقائهم. واما المتقون الذين اتوا بالسبب الاكبر لحصول الهداية. وهو التقوى التي حقيقتها اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه. بامتثال اوامره واجتناب النواهي. فاهتدوا به وانتفعوا غاية الانتفاع. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. فالمتقون هم المنتفعون بالايات القرآنية والايات الكونية فلان الهداية نوعان هداية البيان وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل له هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة. ثم وصف المتقين بالعقائد والاعمال الباطنة والاعمال الظاهرة تضمن التقوى لذلك فقال الذين يؤمنون بالغيب حقيقة الايمان والتصديق التام بما اخبرت به الرسل المتضمن لانقياد الجوارح وليس الشأن في الايمان بالاشياء المشاهدة بالحس. فانه لا يتميز بها المسلم من الكافر. انما الشأن في الايمان بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده وانما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الايمان الذي يميز به المسلم من الكافر. لانه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن اؤمن بكل ما اخبر الله به او اخبر به رسوله. سواء شاهده او لم يشاهده. وسواء فهمه وعقله. او لم يهتدي اليه عقله وفهمه بخلاف الزنادقة المكذبين للامور الغيبية. لان عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتدي اليها. فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. ففسدت عقولهم ومرجت احلامهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله. ويدخل في الايمان بالغيب. الايمان بجميع ما اخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة. واحوال الاخرة وحقائق اوصاف الله وكيفيتها. وما اخبرت به الرسل من ذلك. فيؤمنون بالصفات الله ووجودها ويتيقنونها وان لم يفهموا كيفيتها. ثم قال ويقيمون الصلاة. لم يقل يفعلون الصلاة او يأتون بالصلاة لانه لا يكفي فيها مجرد الاتيان بصورتها الظاهرة فاقامة الصلاة اقامتها ظاهرا باتمام اركانها وواجباتها وشروطها واقامتها باطنا باقامة روحها. وهو حضور القلب فيها. وتدبر ما يقوله ويفعله منها. فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للانسان من صلاته الا ما عقل منها. ويدخل في صلاة فرائضها ونوافلها. ثم قال ومما رزقناهم ينفقون. يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة. والنفقة على الزوجات والاقارب والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليه لكثرة اسبابه وتنوع اهله. ولان ان النفقة من حيث هي قربة الى الله واتى بمن الدالة على التبعيض لينبههم انه لم يرد منهم الا جزءا يسيرا من اموالهم غير راض لهم ولا مثقل بل ينتفعونهم بانفاقه وينتفع به اخوانهم. وفي قوله رزقناهم اشارة الى ان هذه الاموال التي بين ايديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم. وانما هي رزق الله الذي خولكم وانعم به عليكم. فكما انعم عليكم وفضلكم على فكثير من عباده فاشكروه باخراج بعض ما انعم به عليكم. وواسوا اخوانكم المعدمين. وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن لان الصلاة متضمنة للاخلاص للمعبود والزكاة والنفقة متضمنة للاحسان على عبيده. فعنوان سعادة العبد اخلاصه وسعيه في نفع الخلق. كما ان عنوان شقاوة العبد عدم هذين الامرين منه. فلا اخلاص ولا احسان. ثم قال والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون والذين يؤمنون بما انزل اليك وهو القرآن والسنة. قال الله تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. فالمتقون بجميع ما جاء به الرسول ولا يفرقون بين بعض ما انزل اليه. فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه. اما بجحده او تأويله على عبد الله ورسوله. كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة. الذين يأولون النصوص الدالة على خلاف قولهم. بما حاصله عدم التصديق بمعناها وان صدقوا بلفظها فلم يؤمنوا بها ايمانا حقيقيا. وقوله وما انزل من قبلك يشمل الايمان بالكتب السابقة ويتضمن الايمان بالكتب الايمان بالرسل وبما اشتملت عليه. خصوصا التوراة والانجيل والزبور. وهذه خاصية المؤمنين. يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل. فلا يفرقون بين احد منهم. ثم قال تعالى وبالاخرة هم يوقنون. والاخرة اسم لما يكون بعد الموت وخصه بالذكر بعد العموم. لان الايمان باليوم الاخر احد اركان الايمان. ولانه اعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل واليقين والعلم التام الذي ليس فيه ادنى شك. الموجب للعمل اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون. اولئك اي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة على هدى من ربهم اي على هدى عظيم. لان التنكير للتعظيم واي هداية اعظم من تلك الصفات المذكورة متضمنة للعقيدة الصحيحة والاعمال المستقيمة. وهل الهداية الحقيقية الا هدايتهم؟ وما سواها مما خالفها فهو ضلالة واتى بعلى في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء. وفي الضلالة يأتي بفي كما في قوله وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين لان صاحب الهدى مستعلم بالهدى مرتفع به وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ثم قال اولئك هم المفلحون. واولئك هم المفلحون. والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب. حصر الفلاح لانه لا سبيل الى الفلاح الا بسلوك سبيلهم. وما عدا تلك السبيل فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار. التي تفضي بسالكها من الهلاك. فلهذا لما ذكرت صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم. المعاندين للرسول فقال ان الذين كفروا سواء عليهم اأنذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون. يخبر تعالى ان الذين كفروا اي اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لهم لازما. لا يردعهم عنه رادع. ولا ينجح فيهم وعظ. انهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون. وحقيقة الكفر هو الجحد لما جاء به الرسول او جحد بعضه هؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة الا اقامة الحجة عليهم. وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في ايمانهم. وانك لا تأس ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الايمان. فقال اي طبع عليها بطابع لا يدخلها الايمان. ولا ينفذ فيها. فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب وعلى ابصارهم غشاوة اي غشاء وغطاء واكنة يمنعها عن النظر الذي ينفعهم. وهذه طرق العلم والخير قد سدت عليهم فلا مطمع فيهم. ولا خير يرجى عندهم. وانما منعوا ذلك وسدت عنهم ابواب الايمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم. بعدما تبين لهم الحق. كما قال الله تعالى ونقلب افئدتهم ثم ابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وهذا عقاب عاجل. ثم ذكر العقاب الاجل. فقال ولهم عذاب عظيم. وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم. ثم قال الله تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الاسلام وباطنهم الكفر فقال ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين واعلم ان النفاق هو اظهار الخير وابطال الشر. ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي والنفاق العملي. فالنفاق العملي كالذي ذكرنا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان وفي رواية اذا خاصم فجر واما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الاسلام. فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها. ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة. وبعد ان هاجر فلما كانت وقعة بدر واظهر الله المؤمنين واعزهم لهم ذل من في المدينة ممن لم يسلم. فاظهر بعضهم الاسلام خوفا ومخادعة. ولتحقن دماؤهم وتسلم اموالهم. فكانوا بين جمهور المسلمين في الظاهر انهم منهم. وفي الحقيقة ليسوا منهم. فمن لطف الله بالمؤمنين ان جل احوالهم ووصفهم باوصاف يتميزون بها لان اغتر بهم المؤمنون ولينقمعوا ايضا عن كثير من فجورهم. قال الله تعالى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم ما في قلوبهم فوصفهم الله باصل النفاق. فقال يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم فانهم يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. فاكذبهم الله بقوله وما هم بمؤمنين. لان الايمان الحقيقية ما تواطأ عليه القلب واللسان. وانما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة ان يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا ويبطن خلافه. لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع. فهؤلاء المنافقون سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك. فعاد خداعهم على انفسهم فان هذا من العجائب. لان المخادع اما ان ينتج خداعه ويحصل ما يريد. او يسلم لا له ولا عليه. وهؤلاء عاد خداعهم عليهم وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لاهلاك انفسهم واضرارها وكيدها. لان الله تعالى لا يتضرر بخداعهم شيئا المؤمنون لا يضرهم كيدهم شيئا. فلا يضر المؤمنين ان اظهر المنافقون الايمان. فسلمت بذلك اموالهم وحقنت دماؤهم. وصار كيدهم في نحورهم وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا. والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة. ثم في الاخرة لهم العذاب الاليم الموجع المفجع. بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم. والحال انهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك. وقوله في قلوبهم مرض. المراد بالمرض هنا مرض الشك والشبهات والنفاق. لان القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله مرض الشبهات الباطلة. ومرض الشهوات المرضية. فالكفر والنفاق والشكوك والبدع. كلها من مرض الشبهات. والزنا حبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات. كما قال الله تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض. وهي شهوة الزنا. والمعافى من عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والايمان والصبر عن كل معصية فرفل في اثواب العافية. وفي قوله عن المنافقين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين. وانه بسبب ذنوبهم السابقة يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وقال الله تعالى فلما ما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. وقال تعالى واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم. فعقوبة المعصية المعصية بعدها كما ان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها قال الله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. اي اذا نهي هؤلاء المنافقون عن الافساد في الارض وهو العمل بالكفر والمعاصي. ومنه اظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين. قالوا انما نحن مصلحون. فجمعوا بين بالفساد في الارض واظهارهم انه ليس بافساد بل هو اصلاح قلبا للحقائق وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا. وهذا اعظم جناية ممن يعمل بالمعصية مع اعتقادي انها معصية فهذا اقرب للسلامة وارجى لرجوعه. ولما كان في قولهم انما نحن حصر للاصلاح في جانبهم وفي ضمنه ان المؤمنين ليسوا من اهل الاصلاح قلب الله عليهم دعواهم بقوله المفسدون ولكن لا يشعرون. الا انهم هم المفسدون. فانه لا اعظم فسادا ممن كفر بايات الله وصد عن سبيل الله وخدع الله واولياءه ووالى المحاربين لله ورسوله. وزعم مع ذلك ان هذا اصلاح. فهل بعد هذا الفساد فساد ولكن لا يعلمون علما ينفعهم. وان كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله. وانما كان العمل بالمعاصي في الارض افسادا. لان يتضمن فساد ما على الارض من الحبوب والثمار والاشجار والنبات. بما يحصل فيها من الافات بسبب المعاصي. ولان الاصلاح في الارض ان تعمر طاعة الله والايمان به. لهذا خلق الله الخلق واسكنهم في الارض وادر لهم الارزاق. ليستعينوا بها على طاعته وعبادته. فاذا عمل في ضده كان سعيا بالفساد فيها واخرابا لها عما خلقت له الا انهم هم السفهاء اي اذا قيل للمنافقين امنوا كما امن الناس اي كايمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الايمان بالقلب واللسان. قالوا بزعمهم الباطل انؤمن كما امن السفهاء؟ يعنون قبحهم الله ثبت رضي الله عنهم بزعمهم ان سفههم اوجب لهم الايمان وترك الاوطان ومعاداة الكفار والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك فنسبوهم الى السفه وفي ضمنه انهم هم العقلاء ارباب الحجى والنهى. فرد الله ذلك عليهم واخبر انهم هم السفهاء على حقيقة لان حقيقة السفه جهل الانسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم كما ان العقل والحجاب معرفة الانسان بمصالح نفسه. والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره. وهذه الصفة منطبقة على الصحابة مؤمنين وصادقة عليهم فالعبرة بالاوصاف والبرهان. لا بالدعاوى المجردة والاقوال الفارغة. ثم قال الله تعالى الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون. هذا من قولهم بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. وذلك انهم اذا اجتمعوا بالمؤمنين انهم على طريقتهم وانهم معهم. فاذا خلوا الى شياطينهم اي رؤساءهم وكبراءهم في الشر. قالوا ان معكم في الحقيقة انما نحن مستهزئون بالمؤمنين باظهارنا لهم ان على طريقتهم. فهذه حالهم الباطنة والظاهرة. ولا يحيق المكر السيء الا باهله قال الله تعالى الله يستهزأ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون هذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده. فمن استهزائه بهم ان زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة. حتى ظنوا انهم مع المؤمنين لم ما لم يسلط الله المؤمنين عليهم. ومن استهزائه بهم يوم القيامة انه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا. فاذا مشى المؤمنون بنورهم وفي انوار المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين. فما اعظم اليأس بعد الطمع! ينادونهم الم نكن معكم؟ قالوا بلى لكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم. وقوله ويمدهم اي يزيدهم في طغيانهم. اي فجورهم وكفرهم يعمهون اي حائرون مترددون. وهذا من استهزائه تعالى بهم. ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة احوالهم. اولئك آآ الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربح التجارتهم وما كانوا مهو اولئك اي المنافقون الموصوفون بتلك الصفات الذين اشتروا الضلالة بالهدى اي رغبوا في الضلال رغبة المشتري بالسلعة. التي من رغبته فيها يبذل فيها الاثمان النفيسة. وهذا من احسن الامثلة. فانه جعل الضلالة التي هي غاية الشر كالصيام سلعة وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن. فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة. رغبة فيها فهذه تجارتهم فبئس التجارة وبئس الصفقة صفقتهم. واذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا. فكيف من بذل جوهرة واخذ عنها درهما فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة؟ واختار الشقاء على السعادة ورغب في سافل الامور عن اعاليها. فما ربحت تجارته بل خسر فيها اعظم خسارة. قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين. وقوله وما كانوا مهتدين تحقيق لضلالهم وانهم لم يحصل لهم من الهداية شيء. فهذه اوصافهم القبيحة. ثم ذكر مثلهم كشف لهم غاية الكشف فقال له ذهب الله بنورهم وتركهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. اي مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا اي كان في ظلمة عظيمة وحاجة الى النار شديدة. فاستوقدها من غيره ولم تكن عنده معدة. بل هي خارجة عنه. فلما اضاءت النار ما حوله ونظر المحل الذي هو فيه. وما فيه من المخاوف وامنها وانتفع بتلك النار بها عينه وظن انه قادر عليها. فبينما هو كذلك اذ ذهب الله بنوره. فذهب عنه النور وذهب معه السرور. وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة فذهب ما فيها من الاشراق. وبقي ما فيها من الاحراق. فبقي في ظلمات متعددة. ظلمة الليل وظلمة السحاب المطر والظلمة الحاصلة بعد النور. فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون. استوقدوا نار الايمان من المؤمنين ولم تكن صفة لهم فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم. وسلمت اموالهم وحصل لهم نوع من الامن في الدنيا. فبينما هم على ذلك اذ هجم عليهم الموت فسلبهم الانتفاع بذلك النور. وحصل لهم كل هم وغم وعذاب. وحصل لهم ظلمة القبر وظلمة الكفر وظلمة النفاق وظلم المعاصي على اختلاف انواعها. وبعد ذلك ظلمة النار وبئس القرار. فلهذا قال الله عنهم بكم عمي فهم لا يرجعون. صم اي عن سماع الخير بكم اي عن النطق به عن رؤية الحق فهم لا يرجعون. لانهم تركوا الحق بعد ان عرفوه. فلا يرجعون اليه. بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال انه لا يعقل وهو اقرب رجوعا منهم. ثم قال الله تعالى او كصيد من السماء يعني او مثلهم كصيب اي كصاحب صيد من السماء هو المطر الذي يصوب اي ينزل بكثرة فيه ظلمات ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر ورعد وهو الصوت الذي يسمع من السحاب وبرق وهو الضوء اللامع المشاهد مع السحاب. يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان كلما اضاء لهم البرق في تلك الظلمات مشوا فيه واذا ما عليهم قاموا اي وقفوا فهكذا حال المنافقين. اذا سمعوا القرآن واوامره ونواهيه ووعده ووعيده. جعلوا اصابعهم في واعرضوا عن امره ونهيه ووعده ووعيده. فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده. فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم يكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد. ويجعل اصابعه في اذنيه خشية الموت. فهذا تمكن له السلامة. واما المنافقون فانى لهم السلامة وهو تعالى محيط بهم قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه بل يحفظ عليهم اعمالهم ويجازيهم عليها اتم جزاء. ولما كانوا مبتلين بالصمم والبكم والعمل معنوي. ومسدودة عليهم طرق الايمان. قال الله تعالى ولو شاء الله لذهب سمعهم وابصارهم اي الحسية. ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ليحذروا. فيرتدعو عن بعض شرهم ونفاقهم الله على كل شيء قدير. فلا يعجزه شيء. ومن قدرته انه اذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض. وفي هذه الاية وما اشبهها رد على القدرية القائلين بان افعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى. لان افعالهم من جملة الاشياء الداخلة في قوله ان الله على كل شيء قدير لعلكم تتقون. هذا امر عام لكل الناس بامر عام. وهو العبادة الجامعة لامتثال اوامر الله واجتناب اهي وتصديق خبره فامرهم تعالى بما خلقهم له. قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ثم استدل على وجوب بعبادته وحده بانه ربكم الذي رباكم باصناف النعم. فخلقكم بعد العدم وخلق الذين من قبلكم وانعم عليكم بالنعم والباطنة. فجعل لكم الارض فراشا تستقرون عليها وتنتفعون بالابنية والزراعة والحراثة. والسلوك من محل الى محل وغير ذلك من انواع الانتفاع بها وجعل السماء بناء لمسكنكم. واودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم. كالشمس والقمر والنجوم وانزل من السماء ماء وكل ما علا فوقك فهو سماء. ولهذا قال المفسرون المراد بالسماء ها هنا السحاب. فانزل منه تعالى ماء اخرج به من الثمرات كالحبوب والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها رزقا لكم به ترتزقون وتقوتون وتفكهون فلا تجعلوا لله اي نظراء واشباها من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله وتحبونهم كما تحبون الله وهم مثلكم مرزوقون مدبرون لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الارض ولا ينفعونكم ولا يضرون وانتم تعلمون ان الله ليس له ولا نظير لا في الخلق والرزق والتدبير ولا في العبادة. فكيف تعبدون معه الهة اخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من اعجب العجب واسفه السفه وهذه الاية جمعت بين الامر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادة وبطلان عبادة من سواه وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير. فاذا كان كل احد مقرا انه ليس له شريك في ذلك. فكذلك فليكن اقراره بان الله لا شريك له في العبادة. وهذا اوضح دليل عقلي على وحدانية الباري بطلان الشرك وقوله تعالى لعلكم تتقون. يحتمل ان المعنى انكم اذا اعبدتم الله وحده اتقيتم بذلك سخطه عذابه لانكم اتيتم بالسبب الدافع لذلك. ويحتمل ان يكون المعنى انكم اذا عبدتم الله صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى وكلا المعنيين صحيح وهما متلازمان. فمن اتى بالعبادة كاملة كان من المتقين. ومن كان من المتقين حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه ثم قال تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوه كنتم صادقين. وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصحة ما جاء به. فقال وان كنتم معشر المعاندين للرسول الراضين دعوته الزاعمين كذبه في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا هل هو حق او غيره فها هنا امر نصف فيه الفيصلة بينكم وبينه. وهو انه بشر مثلكم. ليس بافصحكم ولا باعلمكم. وانتم تعرفونه منذ نشأ بينكم لا يكتب ولا يقرأ. فاتاكم بكتاب زعم انه من عند الله. وقلتم انتم انه تقوله وافتراه. فان كان الامر كما يقولون فاتوا بسورة من مثله واستعينوا بمن تقدرون عليه من اعوانكم وشهدائكم فان هذا امر يسير عليكم خصوصا وانتم اهل الفصل والخطابة والعداوة العظيمة للرسول. فان جئتم بسورة من مثله فهو كما زعمتم. وان لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية عجز ولن تأتوا بسورة من مثله ولكن هذا التقييم على وجه الانصاف والتنزل معكم. فهذا اية كبرى ودليل واضح جلي على صدقه وصدق ما جاء به فيتعين عليكم اتباعه واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة ان كانت وقودها الناس والحجارة ليست كنائذ الدنيا التي انما تتقد بالحطب. وهذه النار الموصوفة معدة ومهيئة للكافرين بالله ورسله. فاحذر الكفر برسوله بعد ما تبين لكم انه رسول الله التي وقودها الناس والحجارة فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة وهذه الاية ونحوها يسمونها ايات التحدي. وهو تعجيز الخلق ان يأتوا بمثل هذا القرآن قال الله تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وكيف يقدر المخلوق من تراب ان يكون كلامه ككلام رب الارباب؟ ام كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه؟ ان يأتي بكلام ككلام الكامل الذي له الكمال المطلق. والغنى الواسع من كل الوجوه. هذا ليس في الامكان ولا في قدرة الانسان. وكل من له ذوق ومعرفة بانواع الكلام اذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله وان كنتم في ريب الى اخره دليل على ان الذي يرجى له الهداية من الضلالة هو الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال. فهذا اذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق ان كان صادقا في طلب الحق. واما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه فهذا لا يمكن رجوعه. لانه وترك الحق بعدما تبين له لم يتركه عن جهل فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق. بل هو معرض غير مجتهد في فهذا في الغالب انه لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم. دلالة على ان اعظم اوصافه صلى الله عليه وسلم قيامه بالعبودية التي لا يلحقه فيها احد من الاولين والاخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الاسراء. فقال سبحان الذي في اسراب عبده وفي مقام الانزال فقال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده وفي قوله اعدت للكافرين ونحوها من الايات دليل لمذهب اهل السنة والجماعة ان الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة وفيها ايضا ان الموحدين وان ارتكبوا بعض كبائر لا يخلدون في النار. لانه قال اعدت للكافرين. فلو كان عصاة الموحدين يخلدون فيها لم تكن معدة للكافرين وحدهم خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على ان العذاب مستحق باسبابه. وهو الكفر وانواع المعاصي على اختلافها وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قال هذا الذي ولهم فيها ازواج مطهرة هم فيها خالدون. لما ذكر جزاء الكافرين ذكر جزاء المؤمنين. اهل الاعمال الصالحات على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب ليكون العبد راغبا راهبا خائفا راجيا فقال وبشر اي ايها الرسول من قام مقامه. الذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم. فصدقوا ايمانهم باعمالهم الصالحة. ووصفت اعمالهم اهل الخير بالصالحات لانها بها تصلح احوال العبد وامور دينه ودنياه. وحياته الدنيوية والاخروية ويزول بها عنه فساد الاحوال فيكون بذلك من الصالحين. الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم ان لهم جنات. اي بساتين جامعة من الاشجار العجيبة والثمار الانيقة والظل المديد والاغصان والافنان وبذلك صارت جنة يجتن بها داخلها وينعم فيها ساكنها تجري من تحتها الانهار اي انهار الماء واللبن والعسل والخمر. يفجرونها كيف شاءوا ويصرفونها اين ارادوا. وتشرب منها تلك الاشجار فتنبت اصناف الثمار الذي يرزقنا من قبل واتوا به متشابها. اي هذا من جنسه وعلى وصفه. كلها متشابهة في الحسن ما اللذة ليس فيها ثمرة خاصة وليس لهم وقت خال من اللذة. فهم دائما متلذذون باكلها. وقوله واتوا به متشابها قيل متشابها في الاسم مختلف الطعوم وقيل متشابها في اللون مختلفا في الاسم وقيل يشبه بعضه بعضا في الحسن واللذة والفجر ولعل هذا هو الصحيح. ثم لما ذكر مسكنهم واقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم. ذكر ازواجهم فوصفهن باكمله لوصف واوجزه واوضحه فقال ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون ولهم فيها ازواج مطهرة. فلم يقل مطهرة من العيب الفلاني. ليشمل جميع انواع التطهير. فهن مطهرة الاخلاق مطهرة الخلق مطهرات اللسان مطهرات الابصار فاخلاقهن انهن عرب متحببات الى ازواجهن بالخلق الحسن وحسن التبعل والادب القولي والفعلي. ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني. والبول والغائط والمخاط والبصاق الكريهة ومطهرات الخلق ايضا بكمال الجمال. فليس فيهن عيب ولا دمامة خلق. بل هن خيرات حسان. مطهرات اللسان طرف قاصرات طرفهن على ازواجهن وقاصرات السنتهن عن كل كلام قبيح. ففي هذه الاية الكريمة ذكر المبشر والمبشر والمبشر به والسبب الموصل لهذه البشارة. فالمبشر هو الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن قام مقامه من امته. والمبشر هم المؤمنون العاملون الصالحات والمبشر به هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات. والسبب الموصل لذلك هو الايمان والعمل فلا سبيل الى الوصول الى هذه البشارة الا بهما. وهذا اعظم بشارة حاصلة على يد افضل الخلق. بافضل الاسباب وفيه استحباب بشارة المؤمنين وتنشيطهم على الاعمال بذكر جزائها وثمراتها فانها بذلك تخف وتسهل. واعظم بشرى حاصلة للانسان توفيقه للايمان والعمل الصالح. فذلك اول البشارة واصلها ومن بعده البشرى عند الموت. ومن بعده الوصول الى هذا النعيم المقيم نسأل الله ان يجعلنا منهم فقهاء يقول تعالى ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما اي مثل كان بعوضة فما فوقها لاشتمال الامثال الا على الحكمة وايضاح الحق. والله لا يستحي من الحق. وكأن في هذا جوابا لمن انكر ضرب الامثال في الاشياء الحقيرة. واعترض على الله في ذلك فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب ان تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال ان الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم. فيتفهمونها ويتفكرون فيها. فان علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل ازداد بذلك علمهم وايمانهم والا علموا انها حق. وما اشتملت عليه حق. وان خفي عليهم وجه الحق فيها العلمهم بان الله لم يضربها عبثا. بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة فيعترضون ويتحيرون فيزدادون كفرا الى كفرهم كما ازداد المؤمنون ايمانا على ايمانهم ولهذا قال فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الايات القرآنية قال الله تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. فاما الذين امنوا امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون. واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم. وماتوا وهم كافرون. فلا اعظم نعمة على العباد من نزول الايات القرآنية. ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة. وزيادة شر الى شرهم. ولقوم منحة رحمة وزيادة خير الى خيرهم. فسبحان من فاوت بين عباده وانفرد بالهداية والاضلال. ثم ذكر حكمته في اضلال من يضلهم وان ذلك عدل منه تعالى فقال اي الخارجين عن طاعة الله المعاندين قيل لرسل الله الذين صار الفسق وصفهم فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى اضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى كما حكمته وفضله هداية من اتصف بالايمان. وتحلى بالاعمال الصالحة. والفسق نوعان. نوع مخرج من الدين. وهو الفسق المقتضي الخروج من الايمان كالمذكور في هذه الاية ونحوها ونوع غير مخرج عن الايمان كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ ثم وصف الفاسقين فقال ويقطعون ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك اولئك هم الخاسرون. الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه. والذي بينه ثم بين عباده الذي اكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والالزامات فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون اوامره نواهيه وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق. ويقطعون ما امر الله به ان يوصل. وهذا يدخل فيه اشياء كثيرة. فان الله ارانا ان نصل ما بيننا وبينه بالايمان به والقيام بعبوديته. وما بيننا وبين رسوله بالايمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه وما بيننا وبين الوالدين والاقارب والاصحاب. وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي امر الله ان نصلها. فاما المؤمنون فوصلوا ما امر الله به ان يوصل من هذه الحقوق. وقاموا بها اتم القيام. واما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم. معتاضين عنها بالفسق قطيعة والعمل بالمعاصي وهو الافساد في الارض. اي من هذه صفته هم الخاسرون في الدنيا والاخرة. فحصل الخسارة فيهم لان خسرانهم عام في كل احوالهم. ليس لهم نوع من الربح. لان كل عمل صالح شرطه الايمان فمن لا ايمان له لا عمل له. وهذا الخسار هو خسار الكفر. واما الخسار الذي قد يكون كفرا وقد يكون معصية وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى ان الانسان لفي خسر. فهذا عام لكل مخلوق الا من اتصف بالايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وحقيقته فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله. وهو تحت امكانه. ثم قال تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والانكار. اي كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم. وانعم عليكم باصناف النعم. ثم يميتكم عند استكمال لاجالكم ويجازيكم في القبور. ثم يحييكم بعد البعث والنشور. ثم اليه ترجعون. فيجازيكم الجزاء الاوفى. فاذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره وتحت اوامره الدينية. ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي. افيليق بكم ان تكفروا به؟ وهل هذا الا جهل عظيم وسفه وحماقة. بل الذي يليق بكم ان تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه. وتخافوا عذابه وترجوا ثوابه. هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى الى السماء ثم استوى وهو بكل شيء اي خلق لكم برا بكم ورحمة جميع ما على الارض للانتفاع والاستمتاع والاعتبار وفي هذه الاية العظيمة دليل على ان الاصل في الاشياء الاباحة والطهارة. لانها سيقت في معرض الامتنان. يخرج بذلك الخبائث. فان ايضا يؤخذ من فحوى الاية. ومعرفة المقصود منها وانه خلقها لنفعنا. فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك. ومن تمام نعمته من من الخبائث تنزيها لنا وقوله ان سبع سموات استوى ترد في القرآن على ثلاثة معاني. فتارة لا تعدى بالحرف. فيكون معناها الكمال والتمام. كما في قوله عن موسى ولما بلغ اشده واستوى. وتارة تكون بمعنى علا وارتفع. وذلك اذا عديت بعلى كما في قوله تعالى ثم استوى على العرش لتستووا على ظهوره وتارة تكون بمعنى قصد كما اذا عديت بالايلاء كما في هذه الاية اي لما خلق تعالى الارض قصد الى خلق السماوات فسواهن سبع سماوات فخلقها واحكمها واتقنها وهو بكل شيء عليم فيعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها. وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. ويعلم ما تسرون وما تعلنون. يعلم السر واخفى وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق واثبات علمه كما في هذه الاية وكما في قوله تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ولان خلقه للمخلوقات ادل دليل على علمه وحكمته وقدرته قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك هذا شروع في ادم عليه السلام ابي البشر ان الله حين اراد خلقه اخبر الملائكة بذلك وان الله مستخلفه في الارض. فقالت الملائكة عليهم السلام اتجعل فيها من يفسد فيها بالمعاصي؟ ويسفك الدماء. وهذا تخصيص بعد تعميم. لبيان شدة مفسدة القتل. وهذا بحسب ظن ان الخليفة المجعول في الارض سيحدث منه ذلك. فنزهوا الباري عن ذلك وعظموه. واخبروا انهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا ونحن نسبح بحمدك. اي ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك. ونقدس لك يحتمل ان معناها ونقدسك فتكون اللام مفيدة للتخصيص والاخلاص. ويحتمل ان تكون ونقدس لك انفسنا. اي نطهرها بالاخلاق الجميلة كمحبة الله وخشيته وتعظيمه ونطهرها من الاخلاق الرذيلة. قال الله تعالى للملائكة اني اعلم من هذا الخليفة ما لا تعلمون. لانك كلامكم بحسب ما ظننتم وانا عالم بالظواهر والسرائر. واعلم ان الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة اضعاف اضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك الا ان الله تعالى اراد ان يجتبي منهم الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين. ولتظهر اياته لخلقه ويحصل من العبودية التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة كالجهاد وغيره. وليظهر ما كمل في غرائز بني ادم من الخير والشر بالامتحان وليتبين عدوه من وليه وحزبه من حربه. وليظهر ما كمل في نفس ابليس من الشر الذي انطوى عليه. واتصف به. فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك. ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام فيه اشارة الى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الارض. اراد الله تعالى ان يبين لهم من فضل ادم ما يعرفون به فضله. وكمال حكمة الله وعلمه. وعلم ادم الاسماء فاكن لها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسمائه فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين فعلم ادم الاسماء كلها اي اسماء الاشياء. ومن هو مسمى بها؟ فعلمه الاسم والمسمى. اي الالفاظ والمعاني. حتى المكبرة من الاسماء كالقصعة والمصغرة كالقصيعة ثم عرضهم اي عرض المسميات على الملائكة امتحانا لهم هل يعرفون ام لا؟ فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين في قولكم وظنكم انكم افضل من هذا الخليفة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. قالوا سبحانك اي ننزهك عن الاعتراض منا عليك ومخالفة امرك. لا علم لنا بوجه من الوجوه الا ما علمتنا اياه. فضلا منك وجودا. انك انت العليم حكيم حكيم العليم الذي احاط علما بكل شيء فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الحكيم من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ولا يشد عنها مأمور. فما خلق شيئا الا لحكمة ولا امر بشيء الا لحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به. فاقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته. وقصورهم عن معرفة ادنى شيء. واعتراضهم بفضل الله عليهم وتعليمه اياهم ما لا يعلمون. فحينئذ قال الله السماوات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. يا ادم انبئهم باسمائهم اي اسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها. فلما انبأهم باسمائهم تبين للملائكة فضل ادم عليهم وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة. قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض وهو ما غاب عنا فلم نشاهده. فاذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب اولى. واعلم ما تبدون اي تظهرون وما كنتم تكتمون. ثم امرهم تعالى بالسجود ادم اكراما له وتعظيما وعبودية لله تعالى ادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين. فامتثلوا امر الله وبادروا كلهم بالسجود الا ابليس ابى امتنع عن السجود واستكبر عن امر الله وعلى ادم قال ااسجد لمن خلقت طينا؟ وهذا الاباء منه والاستحسان اكبار نتيجة الكفر الذي هو منطوي عليه. فتبينت حينئذ عداوته لله ولادم. وكفره واستكباره. وفي هذه الايات من العبر ايات اثبات الكلام لله تعالى. وانه لم يزل متكلما يقول ما شاء ويتكلم بما شاء. وانه عليم حكيم. وفيه ان عبدة اذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات. فالواجب عليه التسليم واتهام عقله. والاقرار لله بالحكمة. وفيه اعتناء الله بالشأن الملائكة واحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه منها ان الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته. ومنها ان الله عرفهم فضل ادم بالعلم. وانه افضل صفة تكون في العبد. ومنها ان الله امرهم بالسجود لادم اكراما له لما بان فضل علمه. ومنها ان الامتحان للغير اذا عجزوا عن ما امتحنوا به ثم صاحب الفضيلة فهو اكمل مما عرفه ابتداء. ومنها الاعتبار بحالي ابوي الانس والجن. وبيان فضل ادم وافضال الله عليه وعداوة ابليس له الى غير ذلك من العبر لما خلق الله ادم وفضله. اتم نعمته عليه بان خلق منه زوجة ليسكن اليها ويستأنس بها. وامرهما بسكن الجنة والاكل منها رغد اي واسعا هنيئا حيث شئتما اي من اي اصناف الثمار والفواكه. وقال الله له ان لك الا تجوع فيها ولا وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. ولا تقربا هذه الشجرة نوع من انواع شجر الجنة. الله اعلم بها. وانما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء او لحكمة غير معلومة لنا. فتكونا من الظالمين. دل على ان النهي للتحريم لانه رتب عليه الظلم فازل لهم الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه. وقلنا اهبطوا بعضكم فلم يزل عدو ما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهي عنه. حتى ازلهما. اي حملهما على الزلل بتزيينه. وقاسمهما بالله اني لكما لمن الناصحين. فاغترا به واطاعاه فاخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد. واهبطوا الى دار التعب والنصب والمجاهدة بعضكم لبعض عدو اي ادم وذريته اعداء لابليس وذريته. ومن المعلوم ان العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه وللشر اليه بكل طريق وحرمانه الخير بكل طريق. ففي ضمن هذا تحذير بني ادم من الشيطان. كما قال الله تعالى ان لكم عدو فاتخذوه عدوا. انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. افتتخذونه ذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا. ثم ذكر منتهى الاهباط الى الارض فقال ولكم في الارض مستقر. اي مسكن وقرار ومتاع الى حين انقضاء اجالكم. ثم تنتقلون من انها للدار التي خلقتم لها وخلقت لكم ففيها ان مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة ليست مسكنا حقيقيا وانما هي معبر زودوا منها لتلك الدار ولا تعمر للاستقرار. فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه فتلقى ادم اي تلقف وتلقن والهمه الله من ربه كلمات وهي قوله ربنا ظلمنا انفسنا. فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته. فتاب الله عليه ورحمه انه هو التواب لمن تاب اليه واناب وتوبته نوعان توفيقه اولا ثم قبوله للتوبة اذا اجتمعت شروطها ثانيا. الرحيم في عباده ومن رحمته بهم ان وفقهم للتوبة وعفا عنهم وصفح خوف عليهم ولا هم يحزنون. كرر الاحباط ليرتب عليهما ذكر وهو قوله فاما يأتينكم مني اي اي وقت وزمان جاءكم مني يا معشر الثقلين هدى اي رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني ويدنيكم من رضاءي فمن تبع هداي منكم بان امن برسلي وكتبي واهتدى بهم وذلك بتصديق جميع اخبار الرسل والكتب والامتثال للامر والاجتناب للنهي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وفي الاية الاخرى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. فرتب على اتباع هداه اربعة اشياء نفي الخوف والحزن والفرق بينهما ان المكروه ان كان قد مضى احدث الحزن وان كان منتظرا احدث الخوف فنفاهما عمن اتبع واذا انتفيا حصل ظدهما وهو الامن التام. وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه. وان التفي ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة فمن اتبع هداه حصل له الامن والسعادة الدنيوية والاخروية والهدى وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء اه فحصل له المرغوب واندفع عنه المرغوب. وهذا عكس من لم يتبع هداه. فكفر به وكذب باياته وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. فاولئك اصحاب النار اي الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه. والغريم لغريمه. هم فيها خالدون. لا يخرجون منها. ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الايات وما اشبهها انقسام الخلق من الجن والانس الى اهل السعادة واهل الشقاوة. وفيها صفات الفريقين والاعمال الموجبة لذلك. وان الجن كالانس في الثواب والعقاب. كما انهم مثلهم في الامر والنهي. ثم شرع تعالى يذكر بني اسرائيل نعمه عليه اليهم واحسانا فقال اهدي اوفي بعهدكم واياي فارهبون. يا بني اسرائيل المراد باسرائيل يعقوب عليه السلام. والخطاب مع فرق بني اسرائيل الذين بالمدينة وما حولها ويدخل فيهم من اتى من بعدهم فامرهم بامر عام فقال اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها. والمراد بذكرها بالقلب اعترافا. وباللسان ثناء باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. واوفوا بعهدي وهو ما عهده اليه من الايمان به وبرسله. واقامة شرعه اوفي بعهدكم وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك ما ذكره الله في قوله. ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله اني معكم لان اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وامنتم برسلي. الى قوله فقد ضل سواء السبيل. ثم امرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده. وهو الرهبة منه تعالى وخشيته وحده. فان من خشيه اوجبت له خشيته امتثال امره واجتناب نهيه. ثم امر بالامر الخاص الذي لا يتم ايمانهم ولا يصح الا به. فقال وامنوا بما انزلت مصدقا لما معكم لا تكونوا اول كافر به. ولا تشتروا باياته ثمنا قليلا واياي فاتقوا وامنوا بما انزلت. وهو القرآن الذي انزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فامرهم بالايمان به واتباعه ويستلزم ذلك الايمان بمن انزل عليه. وذكر الداعية لايمانهم به. فقال مصدقا لما معكم اي موافقا له لا مخالفا ولا منافق فاذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الايمان به. لانه جاء بما جاءت به المرسلون. فانتم اولى من امن به وصدق به. لكونكم اهل الكتب والعلم. وايضا فان في قوله مصدقا لما معكم اشارة الى انكم ان لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم. لان ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الانبياء. فتكذيبكم له تكذيب لما معكم وايضا فان في الكتب التي بايديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به. فان لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما انزل اليكم ومن كذب ببعض ما انزل اليه فقد كذب بجميعه. كما ان من كفر برسول فقد كذب الرسل جميعهم. فلما امرهم بالايمان به نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به. فقال ولا تكونوا اول كافر به اي بالرسول والقرآن. وفي قوله اول كافر به ابلغ من قوله ولا تكفروا به. لانهم اذا كانوا اول كافر به كان فيه مبادرتهم الى الكفر به. عكس ما ينبغي منهم وصار عليه اثمهم واثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع لهم من الايمان وهو اختيار العرض الادنى على السعادة الابدية. فقال ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا وهو ما يحصل له من المناصب والمآكل. التي يتوهمون انقطاعها ان امنوا بالله ورسوله. فاشتروها بايات الله واستحبوها واثروها واياي اي لا غيري فاتقون. فانكم اذا اتقيتم الله وحده اوجبت لكم تقواه تقديم الايمان باياته على الثمن القليل كما انكم اذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم. ثم قال ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتم الحق ولا تلبسوا اي تخلطوا الحق بالباطل وتكتموا الحق فنهاهم عن شيئين عن خلق الحق بالباطل وكتمان بيان الحق. لان المقصود من اهل الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل واظهار الحق نهتدي بذلك المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين. لان الله فصل اياته واوضح بيناته. ليميز الحق من الباطل ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين. فمن عمل بهذا من اهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الامم. ومن لبس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك. وكتم الحق الذي يعلمه وامر باظهاره فهو من دعاة جهنم. لان الناس لا يقتدون في امر بغير علمائهم. فاختاروا لانفسكم احدى الحالتين. ثم قال واقيموا الصلاة. اي ظاهرا وباطنا. واتوا الزكاة مستحقيها. واركعوا مع الراكعين. اي مع المصلين فانكم اذا فعلتم ذلك مع الايمان برسل الله وايات الله. فقد جمعتم بين الاعمال الظاهرة والباطنة وبين الاخلاص للمعبود والاحسان الى عبيده وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية. وقوله اركعوا مع الراكعين. اي صلوا مع المصلين. ففيه الامر للصلاة ووجوبها. وفيه ان الركوع ركن من اركان الصلاة. لانه عبر عن الصلاة بالركوع. والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون اتأمرون الناس بالبر؟ اي بالايمان والخير وتنسون انفسكم اي تتركونها عن امرها بذلك؟ والحال وانتم تتلون افلا تعقلون واسمى العقل عقلا؟ لانه يعقل به ما ينفعه من الخير. وينعقل به عما يضره. وذلك ان العقل يحث صاحبه ان يكون اول فاعل لما يأمر به. واول تارك لما ينهى عنه. فمن امر غيره بالخير ولم يفعله. او نهاه عن الشر فلم يتركه. دل على عدم عقله وجهله خصوصا اذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة وهذه الاية وان كانت نزلت في سبب بني اسرائيل فهي عامة لكل احد لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لما تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. وليس في الاية ان الانسان اذا لم يقم بما امر به انه يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لانها دلت على التوبيخ بالنسبة الى الواجبين. والا فمن المعلوم ان على الانسان واجبين امر غيره ونهيه وامر نفسه ونهيها. فترك احدهما لا يكون رخصة في ترك الاخر. فان الكمال ان يقوم الانسان بالواجب والنقص الكامل ان يتركهما. واما قيامه باحدهما دون الاخر. فليس في رتبة الاول وهو دون الاخير. وايضا فان النفوس مجبورة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله. فاقتداؤهم بالافعال ابلغ من اقتدائهم بالاقوال المجردة الصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين امرهم الله ان يستعينوا في امورهم كل بالصبر بجميع انواعه. وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها. والصبر عن معصية الله حتى يتركها. والصبر على اقدار الله المؤلمة فلا سخطها فبالصبر وحبس النفس على ما امر الله بالصبر عليه. معونة عظيمة على كل امر من الامور. ومن يتصبر يصبره الله كذلك الصلاة التي هي ميزان الايمان. وتنهى عن الفحشاء والمنكر. يستعان بها على كل امر من الامور. وانها اي الصلاة لكبيرة اي شاقة الا على الخاشعين. فانها سهلة عليهم خفيفة. لان الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده. يوجب له فعلها شرحا صدره لترقبه للثواب وخشيته من العقاب. بخلاف من لم يكن كذلك فانه لا داعي له يدعوه اليها. واذا فعلها صارت من اثقل الاشياء عليه. والخشوع هو خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى. وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا ايمانا به وبلقائه. ولهذا قال الذين يظنون ان يستيقنون انهم ملاقوا ربهم فيجازيهم باعمالهم وانهم اليه راجعون. فهذا الذي خفف عليهم العبادات واوجب لهم التسلي في المصيبات. ونفس عنهم الكربات وزجرهم عن فعل السيئات. فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات. واما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات من اشق شيء عليه اسرائيل ثم وكرر على بني اسرائيل التذكير بنعمته. وعظا لهم وتحذيرا وحثا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه اي لا تغني نفس ولو كانت من الانفس الكريمة كالانبياء والصالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة والاقربين شيئا لا كبيرا ولا صغيرا. وانما ينفع الانسان عمله الذي قدمه. ولا يقبل منها اي النفس. شفاعة لاحد بدون اذن الله ورضاه عن المشفوع له. ولا يرضى من العمل الا ما اريد به وجهه. وكان على السبيل والسنة. ولا يؤخذ منها عدل. اي فداء ولو ان للذين ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب ولا يقبل منهم ذلك ولا هم ينصرون عنهم المكروه فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه. فقوله لا تجزي نفس عن نفس شيئا. هذا في تحصيل المنافع. ولا هم ينصرون هذا في دفع المضار. فهذا النفي للامر المستقل به النافع. ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل. هذا نفي كل النفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل او بغيره كالشفاعة. فهذا يوجب للعبد ان ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين. لعلمه انهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع. وان يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار. فيعبده وحده لا شريك له. ويستعينه الى عبادته ثم يستحيون نساءكم وفي داركم بلاء من ربكم عظيم. وان فرقنا اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون. ثم عفونا عنكم وان قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا اليه ابارئكم فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليه هذا شروع في تعداد نعمه على بني اسرائيل على وجه التفصيل. فقال واذ نجيناكم من ال فرعون اي من فرعون وملأه وجنوده وكانوا قبل ذلك يصومونكم ايولونهم ويستعملونهم سوء العذاب اي اشده بان كانوا يذبحون ابناءكم خشية نموكم ويستحيون نسائكم اي فلا يقتلونهن فانتم بين قتيل ومذلل بالاعمال الشاقة مستحيا على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه. فهذا غاية الاهانة. فمن الله عليهم بالنجاة التامة واغراق عدوهم وهم لتقر اعينهم وفي ذلكم اي الانجاء بلى اي احسان من ربكم عظيم. فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام باوامره. ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى اربعين ليلة. لينزل عليه التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة. ثم انهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده. اي ذهابه. وانتم ظالمون. عالمون بظلمكم. قد قامت عليكم الحجة فهو اعظم جرما واكبر اثما. ثم انه امركم بالتوبة على لسان نبيه موسى. بان يقتل بعضكم بعضا. فعفا الله عنكم بسبب ذلك لعلكم تشكرون الله. وان قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرا. فاخذتكم الصاعقة واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره. وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى فاخذتكم الصاعقة اما الموت او الغشية العظيمة. وانتم تنظرون وقوع ذلك. كل ينظر الى صاحبه بعد موتكم لعلكم تشكرون. ثم ذكر نعمته عليهم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الارض فقال وضللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم وضللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن. وهو اسم جامع لكل رزق حسن. يحصل بلا تعب. ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك والسلوى طائر صغير يقال له السماني طيب اللحم. فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم كانوا انفسهم يظلمون كلوا من طيبات ما رزقناكم. اي رزقا لا يحصل نظيره لاهل المدن المترفهين. فلم يشكروا هذه النعم. واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب وما ظلمونا يعني بتلك الافعال المخالفة لاوامرنا لان الله لا تضره معصية العاصين كما لا تنفعه طاعات طائعين ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فيعود ضرره عليهم حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين وهذا ايضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم اياه. فامرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا وسكنا. ويحصل لهم فيها الرزق وغد وان يكون دخولهم على وجه الخاضعين لله فيه بالفعل. وهو دخول الباب سجدا. اي خاضعين ذليلين. وبالقول وهو ان يقولوا اي ان يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم اياهم مغفرته. نغفر لكم خطاياكم بسؤالكم المغفرة. وسنزيد المحسنين باعمالهم اي جزاء عاجلا واجلا الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون. فبدل الذين ظلموا منهم ولم يقل فبدلوا لانهم لم يكونوا كلهم بدلوا. قولا غير الذي قيل لهم. فقالوا بدل حطة حبة في حنطة بامر الله واستهزاء. واذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب اولى واحرى. ولهذا دخلوا يزحفون على ادبارهم لما كان هذا الطغيان اكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم. قال فانزلنا على الذين ظلموا منهم اجزا اي عذابا من اما بسبب فسقهم وبغيهم. وان استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم. كلوا واشربوا من رزق الله ولكن استسقى اي طلب لهم ماء ان يشربون منه فقلنا اضرب بعصاك الحجر اما حجر معلوم عنده واما اسم جنس. فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. وقبائل بني اسرائيل اثنتا عشرة قبيلة. قد علم كل اناس منهم مشربهم اي محلهم الذي يشربون عليه من هذه الاعين. فلا يزاحم بعضهم بعضا بل يشربونه متهنئين لا متكدرين ولهذا قال كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعسوا في الارض مفسدين كلوا واشربوا من رزق الله اي الذي اتاكم من غير سعيا ولا تعب. ولا تعثوا في الارض مفسدين. اي تخربوا على وجه الافساد اي واذكروا اذ قلتم لموسى على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها لن نصبر على طعام واحد. اي جنس من الطعام. وان كان كما تقدم انواعا. لكنها لا تتغير ان ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقرها آآ وفومها وعدسها فادعو لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها. اي نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه. وقثائها هو الخيار وفومها اي ثومها. والعدس والبصل معروف. قال لهم موسى الذي هو خير. اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم وضربت عليهم الدلة اتستبدلون الذي هو ادنى وهو الاطعمة المذكورة بالذي هو خير وهو المن والسلوى فهذا غير لائق بكم فان هذه الاطعمة التي طلبتم اي مصر هبطتموه وجدتموها. واما طعامكم الذي من الله به عليكم. فهو خير الاطعمة واشرفها. فكيف تطلب به بدلا. ولما كان الذي جرى منهم فيه اكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لاوامر الله ونعمه. جازاهم من جنس عملهم. فقال وضربت عليهم الدلة والمسكنة وباءوا لغضب من الله اه وضربت عليهم الذلة التي تشاهد على ظاهر ابدانهم والمسكنة بقلوبهم. فلم تكن انفسهم عزيزة يا لهم همم عالية بل انفسهم انفس مهينة وهممهم ارداء الهمم وباءوا بغضب من الله. اي لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا الا ان رجعوا بسخطه عليهم فبئست الغنيمة غنيمتهم وبئسة الحالة حالتهم بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق. ذلك الذي استحقوا به غضبه بانهم كانوا يذكرون بايات الله الدالات على الحق الموضحة لهم. فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم. وبما كانوا يقتلون النبيين بغيره للحق وقوله بغير الحق زيادة شناعة والا فمن المعلوم ان قتل النبي لا يكون بحق لكن لئلا يظن جهلهم وعدم وعلمهم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. ذلك بما عصوا بان ارتكبوا معاصي الله وكانوا يعتدون على عباد الله. فان المعاصي يجر بعضها بعضا. فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير. ثم ينشأ عنه الذنب الكبير. ثم ينشأ عنها انواع البدع والكفر وغير ذلك. فنسأل الله العافية من كل بلاء. واعلم ان الخطاب في هذه الايات لامة بني اسرائيل. الذين كانوا موجودون دين وقت نزول القرآن. وهذه الافعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل اسلافهم. ونسبت اليهم لفوائد عديدة. منها انهم كانوا ويتمدحون ويزكون انفسهم ويزعمون فضلهم على محمد ومن امن به. فبين الله من احوال سلفهم التي قد تقررت عندهم ما يبين به لكل لاحد منهم انهم ليسوا من اهل الصبر ومكارم الاخلاق ومعالي الاعمال. فاذا كانت هذه حالة سلفهم مع ان المظنة انهم اولى وارفع مما بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين؟ ومنها ان نعمة الله على المتقدمين منهم نعمة واصلة الى المتأخرين والنعمة على الاباء نعمة على الابناء فخوطبوا بها لانها نعم تشملهم وتعمهم. ومنها ان الخطاب لهم بافعال غيرهم مما يدل على ان ان الامة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها. حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد. وكان الحادث من بعدهم حادث من الجميع لان ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع. ومنها ان افعالهم اكثرها لم ينكروها. والراضي بالمعصية شريك للعاصي. الى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها الا الله. ثم قال تعالى حاكما من الفرق الكتابية وهذا الحكم على اهل الكتاب خاصة. لان الصابئين الصحيح انهم من جملة فرق النصارى. فاخبر الله ان المؤمنين من هذه الامة واليهود والنصارى والصابئين. من امن منهم بالله واليوم الاخر وصدقوا رسلهم. فان لهم الاجر العظيم والامن عليهم ولا هم يحزنون. واما من كفر منهم بالله ورسله واليوم الاخر. فهو بضد هذه الحال. فعليه الخوف والحزن. والصحيح ان هذا حكم بين هذه الطوائف من حيث هم. لا بالنسبة الى الايمان بمحمد. فان هذا اخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. وان هذا مضمون احوالهم وهذه طريقة القرآن اذا وقع في بعض النفوس عند سياق الايات بعض الاوهام. فلابد ان تجد ما يزيل ذلك الوهم لانه قيل من يعلم الاشياء قبل وجودها؟ ومن رحمته وسعت كل شيء. وذلك والله اعلم انه لما ذكر بني اسرائيل وذمهم وذكر معاصيهم وقبائحهم ربما وقع في بعض النفوس انهم كلهم يشملهم الذم. فاراد الباري تعالى ان يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه. ولما كان ايضا ذكر بني اسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها. ليتضح الحق. ويزول التوهم والاشكال فسبحان من اودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين. ثم عاد تبارك وتعالى يوبخ بني اسرائيل بما فعل سلفهم. وان اخذنا خذوا ما اتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ايا اذكروا اذ اخذنا ميثاقكم وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم برفع الطور فوقهم وقيل لهم خذ ما اتيناكم من التوراة بقوة اي بجد واجتهاد وصبر على اوامر الله. واذكروا ما فيه اي ما في كتابكم بان تتلوه وتتعلموه لعلكم تتقون عذاب الله وسخطه. او لتكونوا من اهل التقوى. فبعد هذا التأكيد البليغ توليتم وكان ذلك موجبا لان يحل بكم اعظم العقوبات. ولكن لولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين. ولقد انتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسرين. اي ولقد تقرر عندكم حالة الذين اعتدوا منكم في السبت. وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الاعراف. في قوله واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في السبت. فاوجب لهم هذا الذنب العظيم ان غضب الله عليهم وجعلهم قردة خاسئين. حقيرين ذليلين جعلناها نكالا لما بين يدي وما خلفا وموعظة للمتقين وجعل الله هذه العقوبة نكالا لما بين يديها. اي لمن حضرها من الامم. وبلغه خبرها ممن هو في وقتهم وما خلفها اي من بعدهم فتقوم على العباد حجة الله. وليرتدعوا عن معاصيه. ولكنها لا تكون موعظة نافعة الا للمتقين واما من عداهم فلا ينتفعون بالايات قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين اي واذكروا ما جرى لكم مع موسى حين قتلتم قتيلا وادارأتم فيه. اي تدافعتم واختلفتم في قاتله. حتى تفاقم الامر بينكم. وكاد لولا تبين الله لكم يحدث بينكم شر كبير. فقال لكم موسى في تبيين القاتل اذبحوا بقرة. وكان من الواجب المبادرة الى امتثال امره وعدم عليه ولكنهم ابوا الا الاعتراض. فقالوا اتتخذنا هزوا؟ فقال نبي الله ان اكون من الجاهلين. فان الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه. وهو الذي يستهزئ بالناس. واما العاقل يرى ان من اكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزائه بمن هو ادمي مثله وان كان قد فضل عليه فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه والرحمة لعباده فلما قال لهم موسى ذلك علموا ان ذلك صدق فقالوا ما هي اي سنها قال انه يقول انها بقرة لا فارض. اي كبيرة ولا بكر اي صغيرة. عوان بين ذلك واتركوا التشديد والتعنت يسر الناظرين. قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها. اي شديد. تسر الناظرين من حسنها قالوا ادعوا لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقرة شابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون. قالوا ادعو لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقرة شابهة علينا فلم نهتدي الى ما تريد. وانا ان شاء الله لمهتدون هذا لون تثير الارض ولا تسقي الحظ فمسلمة. مسلمة لا شية فيها قالوا الان جئت بالحق قال انه يقول انها بقرة لدلول اي مذللة بالعمل تثير الارض بالحراثة ولا تسقي الحرف. اي ليست بساقية مسلمة من العيوب. او من العمل لا شية فيها اي لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم قالوا الان جئت بالحق اي بالبيان الواضح وهذا من جهلهم والا فقد جاءهم بالحق اول مرة فلو انهم اعترضوا ان بقرة الا حصل المقصود ولكنهم شددوا بكثرة الاسئلة فشدد الله عليهم. ولو لم يقولوا ان شاء الله لم يهتدوا ايضا اليها فذبحوها اي البقرة التي وصفت بتلك الصفات. وما كادوا يفعلون بسبب التعنت الذي جرى منهم وان قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون. فقلنا اضرب ببعضها كذلك يحشي الله الموتى ويريكم اياته لعلكم تعقلون. فلما ذب قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها اي بعض منها اما معين او اي عضو منها فليس في تعيينه فائدة فضربوه ببعضها فاحياه الله واخرج ما كانوا يكتمون فاخبر بقاتله وكان في احياءه وهم يشاهدون ما يدل على احياء الله الموتى لعلكم تعقلون فتنزجرون عما يضركم ثم قست قلوبكم اي اشتدت وغلظت فلم تؤثر فيها الموعظة من بعد ذلك. اي من بعد ما انعم عليكم بالنعم العظيمة واراكم الايات ولم يكن ينبغي ان تقسو قلوبكم لان ما شاهدتم مما يوجب رقة القلب والقيادة ثم وصف قسوتها بانها الحجارة التي هي اشد قسوة من الحديد. لان الحديد والرصاص اذا اذيب في النار ذاب بخلاف الاحجار. وقوله او اشد قسوة اي انها لا تقصر عن قساوة الاحجار. وليست او بمعنى بل. ثم ذكر فضيلة الاحجار على قلوبهم. فقال ان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار. وان منها لما يشقق فيخرج ومنه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله فبهذه الامور فظلت قلوبكم ثم توعدهم تعالى اشد الوعيد فقال من هو عالم بها حافظ لصغيرها وكبيرها. وسيجازيكم على ذلك اتم الجزاء واوفاه. واعلم انك كثيرا من المفسرين رحمهم الله قد اكثروا في حشو تفاسيره من قصص بني اسرائيل ونزلوا عليها الايات القرآنية وجعلوها تفسيرا لكتاب الله محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج. والذي ارى انه وان جاز نقل احاديثهم على وجه تكون مفردة غير ولا منزلة على كتاب الله فانه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا. اذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ان مرتبتها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا بني اسرائيل ولا تكذبوهم. فاذا كان مرتبتها ان تكون مشكوكا فيها كان من المعلوم بالضرورة من دين الاسلام ان القرآن يجب الايمان به والقطع بالفاظه ومعانيه فلا يجوز ان تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة التي يغلب على الظن كذبها او كذب اكثرها معاني لكتاب الله. مقطوعا بها ولا يستريب بهذا احد. ولكن بسبب عن هذا حصل ما حصل والله الموفق افتطمعون ان يؤمنونكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرف هذا قطع لاطماع المؤمنين من ايمان اهل الكتاب اي لا تطمعوا في وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم. فانهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه. فيضعون له معاني ما ارادها الله. ليه الناس انها من عند الله. وما هي من عند الله؟ فاذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم. يصدون به الناس عن سبيل الله فكيف يرجى منهم ايمان لكم؟ فهذا من ابعد الاشياء. ثم ذكر حال منافقي اهل الكتاب فقال واذا خلا بعضهم الى بعض قالوا اتحدثونهم بما فتح الله ليحاجكم بي عند ربكم. افلا تعقلون. واذا لقوا الذين امنوا من قالوا امنا فاظهروا لهم الايمان قولا بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. واذا خلا بعضهم الى بعض فلم يكن عندهم احد من غير اهل دينهم قال بعضهم لبعض اتحدثونهم بما فتح الله عليكم؟ اي اتظهرون لهم الايمان وتخبرونهم انكم مثلهم؟ فيكون ذلك حجة لهم عليكم يقولون انهم قد اقروا بان ما نحن عليه حق. وما هم عليه باطل. فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم فلا تعقلون اي افلا يكون لكم عقل فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض. اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون ما يعلنون فهم وان اسروا ما يعتقدونه فيما بينهم. وزعموا انهم باصرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين. فان هذا غلط منهم وجهل كبير فان الله يعلم سرهم وعلنهم في ظهر لعباده ما انتم عليه. ومنهم فانا اماني وانهم الا يظنون. ومنهم اي من اهل الكتاب اميون اي عوام ليسوا من اهل العلم لا يعلمون الكتاب الا اماني. اي ليس لهم حظ من كتاب الله الا التلاوة فقط. وليس عندهم خبر بما عند الاولين الذين يعلمون حقهم المعرفة حالهم. وهؤلاء انما معهم ظنون وتقاليد لاهل العلم منهم. فذكر في هذه الايات علماءهم وعوامهم ومن لم ينافق منهم فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال. والعوام مقلدون لهم لا بصيرة عندهم. فلا مطمع لكم في الطائفتين فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ان يشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما لا يكسبون. توعدت على المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون. هذا من عند الله وهذا فيه اظهار حار الباطل وكتم الحق وانما فعلوا ذلك مع علمهم ليشتروا به ثمنا قليلا. والدنيا كلها من اولها الى اخرها ثمن قليل وجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في ايدي الناس. فظلموهم من وجهين. من جهة تلبيس دينهم عليهم. ومن جهة اخذ اموالهم بغير حق. بل لابطال الباطل اعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما. ولهذا توعدهم بهذين الامرين فقال فويل لهم مما كتبت ايديهم اي من التحريف والباطل. وويل لهم مما يكسبون من الاموال. والويل شدة العذاب والحسرة. وفي ضمنها الوعيد الشديد. قال شيخ اسلام لما ذكر هذه الايات من قوله افتطمعون الى قوله يكسبون فان الله ذم الذين يحرفون الكلمة عن مواضعه وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما اصله من البدع الباطلة. وذم الذين لا يعلمون الكتاب الا اماني. وهو متناول لمن ترك تدبر والقرآن ولم يعلم الا مجرد تلاوة حروفه. ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله. لينال به دنيا. وقال انه من عند الله مثل ان يقول هذا هو الشرع والدين. وهذا معنى الكتاب والسنة. وهذا معقول السلف والائمة. وهذا هو اصول الدين الذي يجب اعتقاده على الاعيان والكفاية. ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة. لان لا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله. وهذه امور كثيرة جدا في اهل الاهواء جملة كالرافضة. وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين الى الفقهاء ذكر افعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا انهم يزكون انفسهم ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه. وانهم لن تمسهم النار الا اياما معدودة. اي قليلة تعد بالاصابع فجمعوا بين الاساءة والامن ولما كان هذا مجرد دعوة رد الله عليهم فقال قل لهم يا ايها الرسول اتخذتم عند الله في عهد اي بالايمان به وبرسله وبطاعته. فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل. ام تقولون على الله ما لا تعلمون فاخبر تعالى ان صدق دعواهم متوقفة على احد هذين الامرين اللذين لا ثالث لهما. اما ان يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا فتكون دعواهم صحيحة. واما ان يكونوا متقولين عليه. فتكون كاذبة. فيكون ابلغ لخزيهم وعذابهم. وقد علم من حالهم انهم لم اتخذوا عند الله عهدا لتكذيبهم كثيرا من الانبياء. حتى وصلت بهم الحال الى ان قتلوا طائفة منهم. ولنقولهم عن طاعة الله ونقضيهم المواثيق فتعين بذلك انهم متقولون مختلقون. قائلون عليه ما لا يعلمون. والقول عليه بلا علم من اعظم المحرمات واشنع القبيحات ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل احد يدخل به بنو اسرائيل وغيرهم. وهو الحكم الذي لا حكم غيره. لا امانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين فقال اصحاب النار هم فيها خالدون. بلى اي ليس الامر كما ذكرتم فانه قول لا حقيقة له. ولكن من سيئة وهو نكرة في سياق الشرط. فيعم الشرك فما دونه. والمراد به هنا الشرك. بدليل قوله واحاطت به خطيئته. اي احاطت بعاملها فلم تدع له منفذا. وهذا لا يكون الا بالشرك. فان من معه الايمان لا تحيط به خطيئته. فاولئك اصحاب النار هم في فيها خالدون وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية. وهي حجة عليهم كما ترى. فانها ظاهرة في الشرك. وهكذا كل مبطل يحتج او حديث صحيح على قوله الباطل فلابد ان يكون فيما احتج به حجة عليه. والذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. والذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وعملوا الصالحات. ولا تكون الاعمال صالحة الا بشرطين. ان تكون خالصة لوجه الله. متبعا بها سنة رسوله هاتين الايتين ان اهل النجاة والفوز اهل الايمان والعمل الصالح. والهالكون اهل النار المشركون بالله. الكافرون به اذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله بالوالدين احسانا وذي القربى يتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا. واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون وهذه الشرائع من اصول الدين التي امر الله بها في كل شريعة. اشتمالها على المصالح العامة في كل زمان ومكان فلا يدخلها نسخ كاصل الدين. ولهذا امرنا الله بها في قوله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فقوله واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل هذا من قسوتهم ان كل امر امروا به استعصوا فلا يقبلونه الا بالايمان الغليظة والعهود الموثقة لا تعبدون الا الله. هذا امر بعبادة الله وحده. ونهي عن الشرك به. وهذا اصل الدين. فلا تقبل الاعمال كلها ان لم يكن هذا اساسها فهذا حق الله تعالى على عباده. ثم قال وبالوالدين احسانا. اي احسنوا بالوالدين احسانا. وهذا يعم وكل احسان قولي وفعلي. مما هو احسان اليهم. وفيه النهي عن الاساءة الى الوالدين. او عدم الاحسان والاساءة. لان الواجب الاحسان والامر بالشيء نهي عن ضده. وللاحسان ظدان الاساءة وهي اعظم جرما. وترك الاحسان بدون اساءة. وهذا محرم لكن لا يجب ان يلحق بالاول. وكذا يقال في صلة الاقارب واليتامى والمساكين. وتفاصيل الاحسان لا تنحصر بالعدل بل تكون بالحد ما تقدم ثم امر بالاحسان الى الناس عموما فقال وقولوا للناس حسنا. ومن القول الحسن امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليمهم العلم وبذل السلام والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب. ولما كان الانسان لا يسع الناس بماله امر بامر يقدر به على الاحسان الى كل مخلوق وهو الاحسان بالقول فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار. ولهذا قال تعالى ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن. ومن ادب الانسان الذي ادب الله به عباده ان يكون الانسان نزيها في اقواله وافعاله. غير ولا بذيء ولا شاتم ولا مخاصم بل يكون حسن الخلق واسع الحلم مجاملا لكل احد صبورا على ما يناله من اذى الخلق لامر الله ورجاء لثوابه. ثم امرهم باقامة الصلاة وايتاء الزكاة. لما تقدم ان الصلاة متضمنة للاخلاص للمعبود. والزكاة متضمنة للاحسان الى العبيد. ثم بعد هذا الامر لكم بهذه الاوامر الحسنة. التي اذا نظر اليها البصير العاقل عرف ان من احسان الله الى عباده بان امرهم بها وتفضل بها عليهم واخذ المواثيق عليكم توليتم على وجه الاعراض لان المتولي قد يتولى وله نية رجوع الى تولى عنه وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الاوامر. فنعوذ بالله من الخذلان. وقوله الا قليلا منهم هذا لان لا يوهم انهم تولوا كلهم فاخبر ان قليلا منهم عصمهم الله وثبتهم دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون. ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان. وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم اتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض. فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما اعملون وهذا الفعل المذكور في هذه الاية فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة وذلك ان الاوس والخزرج وهم الانصار كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين. وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية. فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود. بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع. فكل فرقة منهم حالفت فرقة من اهل المدينة. فكانوا اذا اقتتلوا اعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الاخرى من اليهود. فيقتل اليهودي اليهودي ويخرجه من دياره اذا حصل جلاء ونهب. ثم اذا وضعت الحرب اوزارها وكان قد حصل اسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا. والامور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم. ففرض عليهم الا يسفك بعضهم وهم دم بعض ولا يخرج بعضهم بعضا. واذا وجدوا اسيرا منهم وجب عليهم فدائه. فعملوا بالاخير وتركوا الاولين. فانكر الله عليهم ذلك فقال افتؤمنون ببعض الكتاب وهو فداء الاسير وتكفرون ببعض وهو القتل والاخراج. وفيها اكبر دليل على ان الايمان يقتضي الاوامر واجتناب النواهي. وان المأمورات من الايمان. قال الله تعالى فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا؟ وقد ومع ذلك فاخزاهم الله وسلط رسوله عليهم فقتل من قتل وسبى من سبى منهم واجلى من اجلى ويوم القيامة يردون الى العذاب اي اعظمه. وما الله بغافل عما تعملون. ثم اخبر تعالى عن السبب الذي اوجب لهم الكفر ببعض الكتاب والايمان ببعضه قال اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة. توهموا انهم ان لم يعينوا حلفائهم حصل لهم عار فاختاروا النار على العار. فلهذا قال فلا يخفف عنهم العذاب بل هو باق على شدته. ولا يحصل لهم راحة بوقت من الاوقات ولا هم ينصرون ان يدفع عنهم مكروه. ولقد اتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون يمتن تعالى على بني اسرائيل ان ارسل اليهم كليمه موسى واتاه التوراة ثم تابع من بعده بالرسل الذين بالتوراة الى ان ختم انبياؤهم بعيسى ابن مريم عليهم السلام. واتاهم من الايات البينات ما يؤمن على مثله البشر. وايدناه بروح القدوة اي قواه الله بروح القدس. قال اكثر المفسرين انه جبريل عليه السلام. وقيل انه الايمان الذي يؤيد الله به عباده ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها لما اتوكم بما لا تهوى انفسكم استكبرتم عن الايمان بهم. ففريقا منهم كذبتم وفريقا تقتلون فقدمتم الهوى على الهدى واثرتم الدنيا على الاخرة. وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى وقالوا قلوبنا غلف. بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون. اي اعتذروا عن الايمان لما دعوتهم اليه يا ايها الرسول بان قلوبهم غلف اي عليها غلاف واغطية فلا تفقه ما تقول يعني فيكون لهم بزعم عذر لعدم العلم. وهذا كذب منهم. فلهذا قال تعالى بل لعنهم الله بكفرهم. اي انهم مطرودون ملعونون بسبب كفرهم فقليلا المؤمن منهم او قليلا ايمانهم وكفرهم هو الكثير الله على الكافرين بئس ما اشتروا به انفسهم ان يكفروا بما انزل الله بغيا فباؤوا بغضب غضب غضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ايوة لما جاءهم كتاب من عند الله على يد افضل الخلق وخاتم الانبياء المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة وقد علموا به وتيقنوه حتى انهم كان اذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب استنصروا بهذا النبي وتوعدوهم بخروجه وانهم يقاتلون المشركين معه. فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا كفروا به. بغيا وحسدا ان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده. فلعنهم الله وغضب عليهم غضبا بعد غضب. لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم. ولهم في الاخرة عذاب مهين. اي مؤلم موجع. وهو الجحيم وفوت النعيم المقيم. فبئس الحال حالهم. وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الايمان بالله وكتبه ورسوله. الكفر به وبكتبه مع علمهم وتيقنهم فيكون اعظم لعذابهم. واذا قيل لهم امنوا بما انزل الله قالوا بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم اي واذا امر اليهود بالايمان بما انزل الله على رسوله وهو القرآن. استكبروا واتوا وقالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه. اي بما سواه من الكتب. مع ان الواجب ان يؤمن بما انزل الله مطلقا. سواء انزل عليهم او على غيرهم. وهذا هو الايمان النافع. الايمان بما انزل الله على جميع رسل الله تم التفريق بين الرسل والكتب وزعم الايمان ببعضها دون بعض فهذا ليس بايمان. بل هو الكفر بعينه. ولهذا قال الله تعالى ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله. ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض. ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا قيل اولئك هم الكافرون حقا. ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا. والزمهم الزاما لا محيد لهم عنه. فرد عليهم بكفر بالقرآن بامرين فقال وهو الحق. فاذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الاخبارات والاوامر والنواهي. وهو من عند ربهم الكفر به بعد ذلك كفر بالله وكفر بالحق الذي انزله. ثم قال مصدقا لما معهم اي موافقا له في كل ما دل عليه من الحق مهيمنا عليه. فلما تؤمنون بما انزل عليكم وتكفرون بنظيره؟ وهل هذا الا تعصب واتباع للهوى لا للهدى؟ وايضا ان كون القرآن مصدقا لما معهم يقتضي انه حجة لهم على صدق ما في ايديهم من الكتب. فلا سبيل لهم الى اثباتها الا به. فاذا كفروا به وجحدوا صاروا بمنزلة من ادعى دعوة بحجة وبينة ليس له غيرها. ولا تتم دعواه الا بسلامة بينته. ثم يأتي هو ولبينته وحجته يقدح فيها ويكذب فيها. اليس هذا من الحماقة والجنون؟ فكان كفرهم بالقرآن كفرا بما في ايديهم ونقضا له. ثم نقض تعالى عليهم دعواهم الايمان بما انزل اليهم بقوله قل لهم فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين؟ ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون. ولقد جاءكم موسى بالبينات. اي الادلة الواضحات المبينة للحق. ثم اتخذتم العجل من بعده اي من بعد مجيئه. وانتم ظالمون في ذلك. ليس لكم عذر ان ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما اتيناكم بقوة واسمعوا. قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم. قل بئس ما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين. واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور. خذوا ما اتيناكم بقوة واسمعوا. اي سمع قبول وطاعة واستجابة قالوا سمعنا وعصينا. اي صارت هذه حالتهم واشربوا في قلوبهم العجل. اي صبغ حب العجل وحب عبادته في قلوبهم وتشربها بسبب كفرهم. قل بئس ما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين. اي انتم تدعون الايمان وتتمدحون بالدين ان الحق وانتم قتلتم انبياء الله واتخذتم العجل الها من دون الله. لما غاب عنكم موسى نبي الله ولم تقبلوا اوامره ونواهيه الى الا بعد التهديد ورفع الطول فوقكم. فالتزمتم بالقول ونقضتم بالفعل. فما هذا الايمان الذي ادعيتم؟ وما هذا الدين؟ فان ان هذا ايمانا على زعمكم فبئس الايمان الداعي صاحبه الى الطغيان والكفر برسل الله. وكثرة العصيان. وقد عهد ان الايمان الصحيح يأمر صحبه بكل خير وينهاه عن كل شر. فوضح بهذا كذبهم وتبين تناقضهم. قل ان كانت لكم الدار فتمنوا الموت. فتمنوا انه الموت ان كنتم صادقين. اي قل لهم على وجه تصحيح دعواهم ان كانت لكم الدار الاخرة يعني الجنة خالصة من دون الناس. كما زعمتم انه لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. وان النار لن تمسهم الا اياما معدودة. فان كنتم صادقين بهذه الدعوة. فتمنوا الموت وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس بعد هذا الالجاء والمضايقة له وهم بعد العناد منهم الا احد امرين اما ان يؤمنوا بالله ورسوله واما ان يباهلوا على ما هم عليه بامر يسير عليهم وهو الموت الذي يوصلهم الى الدار التي هي خالصة لهم. فامتنعوا من ذلك. فعلم كل احد انهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله. مع علمهم بذلك ولهذا قال تعالى ان يتمنوه ابدا بما قدمت ايديهم من الكفر والمعاصي. لانهم يعلمون انه طريق لهم الى المجازاة باعمالهم الخبيثة. فالموت اكره شيء اليهم وهم احرص على الحياة من كل احد من الناس. حتى من المشركين الذين لا يؤمنون باحد من الرسل والكتب. ثم ذكر شدة محبتهم دنيا فقال يود احدهم لو يعمر الف سنة وما هو بمزحه من العذاب والله بصير بما يعملون. يود احدهم لو يعمر الف سنة. وهذا ابلغ ما يكون من الحرص تمنوا حالة هي من المحالات والحال انهم لو عمروا العمر المذكور لم يغني عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا والله بصير بما يعملون. تهديد لهم على المجازات باعمالهم ورسله وجبريل وميكال وجبريل وميكائيل الا فان الله عدو للكافرين. اي قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا ان الذي منعهم من الايمان ان وليك جبريل عليه السلام ولو كان غيره من ملائكة الله لامنوا بك وصدقوا. ان هذا زعم منكم تناقض وتهافت وتكبر على الله فان جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبه. وهو الذي ينزل على الانبياء قبلك. والله هو الذي امره وارسله بذلك. فهو اصول محو مع ان هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض وفيه الهداية التامة من انواع الضلالات والبشارة بالخير الدنيوي والاخروي لمن امن به. فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك كفر بالله واياته وعداوة لله ولرسوله وملائكته. فان عداوتهم لجبريل لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله. فيتضمن الكفر والعداوة للذي انزله وارسله والذي ارسل به والذي ارسل اليه فهذا وجه ذلك بينات وما يكفر بها الا الفاسقون. يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم ولقد انزلنا اليك ايات بينات تحصل بها الهداية لمن استهدى. واقامة الحجة على من عاند. وهي في الوضوح والدلالة على الحق. قد بلغت مبلغا عظيما. ووصلت الى حالتنا يمتنع من قبولها الا من فسق عن امر الله. وخرج عن طاعة الله واستكبر غاية التكبر. اوكلما عاهدوا بل اكثرهم لا يؤمنون. وهذا فيه التعجيب من كثرة معاهداتهم من صبرهم على الوفاء بها. فكلما تفيد التكرار فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض. ما السبب في ذلك؟ السبب ان اكثرهم لا يؤمنون فعدم ايمانهم هو الذي اوجب لهم نقض العهود ولو صدق ايمانهم لكان مثل من قال الله فيهم من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله الله عليه. رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا لا يعلمون. اي ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم. وكانوا يزعمون انهم متمسكون بكتابهم فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله الذي انزل اليهم. اي طرحوه رغبة عنه ظهورهم وهذا ابلغ في الاعراض كانهم في فعلهم هذا من الجاهلين. وهم يعلمون صدقه واحقية ما جاء به. تبين بهذا ان هذا فرقة من اهل الكتاب لم يبقى في ايديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول. فصار كفرهم به كفرا بكتابهم من حيث لا يشعرون. ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الالهية ان من ترك ما ينفعه وامكنه الانتفاع به فلم ينتفع. ابتلي بالاشتغال بما يضره. فمن ترك عبادة الرحمن ابتلي بعبادة الاوثان. ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه. ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه. ومن لم ينفق ما له في طاعة الله انفقه في طاعة الشيطان. ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد. ومن ترك الحق ابتلي بالباطل. كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين ولا ملك سليمان وما سليمان ولكن الشياطين كفروا. يعلمون الناس السحر وما انزل على الملأ حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر. فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. وما به من احد الا باذن الله. ويتعلق ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخرة من لو كانوا يعلمون امنوا واتقوا لمثوبة من عند الله لو كانوا اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلقوا من السحر على ملك سليمان. حيث اخرجت الشياطين للناس السحر. وزعموا سليمان عليه السلام كان يستعمله. وبه حصل له الملك العظيم. وهم كذبة في ذلك. فلم يستعمله سليمان بل نزهه الصادق في قيله كما كفر سليمان اي بتعلم السحر فلم يتعلمه ولكن الشياطين كفروا بذلك. يعلمون الناس السحر من اضلالهم وحرصهم على اغواءهم بني ادم وكذلك اتبع اليهود السحر الذي انزل على الملكين الكائنين بارض بابنا من ارض العراق. انزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله فيعلمانهم السحر. وما يعلمان من احد حتى ينصحاه. ويقولا انما نحن فتنة فلا تكفر. اي لا تتعلم السحر انه كفر فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته. فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والاضلال. ونسبته وترويجه الى من برأهم الله منه وهو سليمان عليه السلام وتعليم الملكين امتحانا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة. فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه اسمه الشياطين والسحر الذي يعلمه الملكان. فتركوا علم الانبياء والمرسلين واقبلوا على علم الشياطين. وكل يصبو الى ما يناسبه ثم ذكر مفاسد السحر فقال فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. ومع ان محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما لان الله قال في حقهما وجعل بينكم مودة ورحمة. وفي هذا دليل على ان السحر له حقيقة وانه يضر باذن الله. اي ارادة الله والاذن نوعان اذن قدري وهو المتعلق بمشيئة الله كما في هذه الاية واذن شرعي كما في قوله تعالى في الاية فانه نزله على قلبك باذن الله. وفي هذه الاية وما اشبهها ان الاسباب مهما بلغت في قوة التأثير فانها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير. ولم يخالف في هذا الاصل احد من فرق الامة غير القدرية في افعال العباد. زعموا انها مستقلة غير تابعة للمشيئة فاخرجوها عن قدرة الله فخالفوا كتاب الله وسنة رسوله واجماع الصحابة والتابعين. ثم ذكر ان علم السحر مضرة محضة ليس فيه منفعة لا دينية ولا دنيوية. كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي. كما قال تعالى في الخمر والميسر قل فيهن ما اثم كبير ومنافع للناس. واثمهما اكبر من نفعهما. فهذا السحر مضرة محضة. فليس له داع اصلا. فالمنهيات كلها اما مضرة او شرها اكبر من خيرها. كما ان المأمورات اما مصلحة محضة او خيرها اكثر من شرها. ولقد علموا اي اليهود من اشتراه اي رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة ما له في الاخرة من خلاق. اي نصيب بل هو موجب للعقوبة فلم يكن فعله اياه جهلا ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة. ولبئس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون علما يثمر العمل ما فعلوه وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين ان عذاب اليم. كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم ام للدين. راعنا اي راعي احوالنا يقصدون بها معنى صحيحا. وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا. فانتهزوا الفرصة. فصاروا يخاطبون الرسول بذلك. ويقصدون المعنى الفاسد فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة سدا لهذا الباب. ففيه النهي عن الجائز اذا كان وسيلة الى محرم. وفيه الادب واستعمال الالفاظ لا تحتمل الا الحسن وعدم الفحش. وترك الالفاظ القبيحة او التي فيها نوع تشويش او احتمال لامر غير لائق. فامرهم بلفظة لا تحتمل الى الحسن فقال وقولوا انظرن فانها كافية يحصل بها المقصود من غير محظور. واسمعوا لم يذكر المسموع ليعم ما امر فيدخل فيه سماع القرآن وسماع السنة التي هي الحكمة لفظا ومعنى واستجابة. ففيه الادب والطاعة ثم توعد الكافرين بالعذاب مؤلم الموجع ما يود الذين كفروا من اهل الكتاب ولا المشركين ان ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل واخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين انهم ما يودون ان ينزل عليكم من خير اي لا قليلا ولا كثيرا من ربكم حسدا منهم وبغضا لكم ان يختصكم بفضله فانه ذو الفضل العظيم ومن فضله عليكم انزال الكتاب على رسولكم ليزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة. ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. فله الحمد والمنة. ما نأتي بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير. النسخ هو النقل فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع الى حكم اخر او الى اسقاطه. وكان اليهود ينكرون النسخ ويزعمون انه لا يجوز. وهو مذكور عندهم في التوراة. فانكارهم له كفر وهوى محض. فاخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ وانه ما ينسخ من اية اي ننسيها العباد فنزيلها من قلوبهم. نأتي بخير منها وانفع لكم او مثلها. فدل على ان النسخ لا يكون لاقل مصلحة لكم من الاول. لان فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الامة. التي سهل عليها انها غاية التسهيل. واخبر ان من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته. فقال الم تعلم ان الله على كل شيء قدير ام تعلم ان الله له ملك السماوات والارض. وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض؟ فاذا كان مالكا لكم متصرفا فيكم تصرف المالك البر الرحيم في اقداره واوامره ونواهيه. فكما انه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من انواع التقادير. كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من احكام فالعبد مدبر مسخر تحت اوامر ربه الدينية والقدرية. فما له والاعتراض وهو ايضا ولي عباده ونصيرهم فيتولاهم في تحصين منافعهم وينصرهم في دفع مضارهم. فمن ولايته لهم ان يشرع لهم من الاحكام ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم. ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ عرف بذلك حكمة الله ورحمته وعباده. وايصالهم الى مصالحهم من حيث لا يشعرون بلطفه هنا ان تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد الض السبيل. ينهى الله المؤمنين او اليهود بان يسألوا رسولهم كما سئل موسى من قبل. والمراد بذلك اسئلة التعنت والاعتراض. كما قال تعالى يسألك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء. فقد سألوا موسى اكبر من ذلك. فقالوا ارنا الله وقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم فهذه ونحوها هي المنهي عنها. واما سؤال الاسترشاد والتعلم فهذا محمود قد امر الله به. كما قال تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. ويقررهم عليه كما في قوله يسألونك عن الخمر والميسر ويسألونك عن اليتامى ونحو ذلك. ولما كانت المسائل المنهي عنها مذمومة قد تصل بصاحبها الى الكفر قال ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل. ثم اخبر عن حسد كثير من اهل الكتاب اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله وانهم بلغت بهم الحال انهم ودوا لو يردونكم من بعدي ايمانكم كفارا وسعوا في ذلك واعملوا المكايد. وكيدهم راجع عليهم. كما قال الله تعالى وقالت طائفة من اهل الكتاب امنوا بالذي انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا اخره. لعلهم يرجعون. وهذا من حسدهم الصادر من عند انفسهم. فامرهم الله بمقابلة من اساء اليهم غاية الاساءة بالعفو عنهم والصفح حتى يأتي الله بامره. ثم بعد ذلك اتى الله بامره اياهم بالجهاد كشف الله انفس المؤمنين منهم فقتلوا من قتلوا. واسترقوا من استرقوا واجلوا من اجلوا. ان الله على كل شيء قدير. واقيموا الصلاة واتوا الزكاة وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ان الله بما تعملون بصير. ثم امرهم الله بالاشتغال في الوقت الحاضر باقامة الصلاة وايتاء الزكاة. وفعل كل القربات ووعدهم انهم مهما فعلوا من خير. فانه لا يضيع عند الله بل يجدونه عنده وافرا موفرا. قد حفظه. ان الله ما تعملون بصير. وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين. اي قال اليهود ان يدخل الجنة الا من كان هودى. وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصارى. فحكموا لانفسهم بالجنة وحدهم. وهذا مجرد واماني غير مقبولة الا بحجة وبرهان. فاتوا بها ان كنتم صادقين. وهكذا كل من ادعى دعوى لابد ان يقيم البرهان على صحة دعواه والا فلو قلبت عليه دعواه وادعى مندع عكس ما ادعى بلا برهان. لكان لا فرق بينهما. فالبرهان هو الذي يصدق الدعاوى او ولما لم يكن بايديهم برهان علم كذبهم بتلك الدعوى. ثم ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل احد. فقال بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بلى اي ليس بامانيكم ثم دعاويكم ولكن من اسلم وجهه لله اي اخلص لله اعماله. متوجها اليه بقلبه وهو مع اخلاصه محسن في عبادة ربه بان عبده بشرعه فاولئك هم اهل الجنة وحدهم. فلهم اجرهم عند ربهم وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم. ولا خوف عليه ولا هم يحزنون. فحصل لهم المرغوب ونجوا من المرغوب. ويفهم منها ان من ليس كذلك فهو من اهل النار الهالكين. فلا نجاة الا الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول كذلك قال الذين لا وذلك لانه بلغ باهل الكتاب الهوى والحسد الى ان بعضهم ضلل بعضا. وكفر بعضهم بعضا. كما فعل الاميون من مشركي العرب وغيرهم فكل فرقة تضلل الفرقة الاخرى. ويحكم الله في الاخرة بين المختلفين بحكمه العدل. الذي اخبر به عباده. فانه لا فوز ولا نجاة لمن صدق جميع الانبياء والمرسلين. وامتثل اوامر ربه واجتنب نواهيه. ومن عاداهم فهو هالك اولئك ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين. لهم في الدنيا خزي ولهم في الاخرة عذاب عظيم. اي لا احد اظلم واشد جرما ممن منع مساجد الله عن ذكر الله اهي فيها واقامة الصلاة وغيرها من انواع الطاعات. وسعى اي اجتهد وبذل وسعه في خرابها الحسي والمعنوي. فالخراب الحسي وتخريبها وتقديرها. والخراب المعنوي منع الذاكرين لاسم الله فيها. وهذا عام لكل من اتصف بهذه الصفة. فيدخل في ذلك اصحاب الفيل وقريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها عام الحديبية والنصارى حين اخربوا بيت المقدس وغيرهم من انواع الظلمة الساعين في خرابها محادة لله ومشاقة. فجازاهم الله بان منعهم دخولها شرعا وقدرا الا خائفين ذليلين. فلما اخافوا الله اخافهم الله فالمشركون الذين صدوا رسوله لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم الا يسيرا حتى اذن الله له في فتح مكة منع المشركين من قربان بيته. فقال تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا واصحاب الفيل قد ذكر الله ما جرى عليهم. والنصارى سلط الله عليهم المؤمنين فاجلوهم عنه. وهكذا كل من اتصف بوصفهم فلابد ان يناله قسطه وهذا من الايات العظيمة اخبر بها الباري قبل وقوعها فوقعت كما اخبر. واستدل العلماء بالاية الكريمة على انه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد. لهم خزي في الدنيا اي فضيحة كما تقدم. ولهم في الاخرة عذاب عظيم. واذا كان لا اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه. فلا اعظم ايمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية. كما قال الله تعالى انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر. بل قد امر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها. فقال قال في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه. وللمساجد احكام كثيرة يرجع حاصلها الى مضمون هذه الاية الكريمة ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله الله واسع عليم. اي ولله المشرق والمغرب خصهما بالذكر. لانهما محل الايات العظيمة. فهما مطالع انوار ومغاربها. فاذا كان مالكا لها كان مالكا لكل الجهات. فاينما تولوا وجوهكم من الجهات. اذا كان توليكم اياها بامره اما ان يأمركم باستقبال الكعبة بعد ان كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس. او تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها. فان القبلة حيثما توجه العبد او تشتبه القبلة فيتحرى الصلاة اليها. ثم يتبين له الخطأ او يكون معذورا بصلب او مرض ونحو ذلك. فهذه اما ان يكون العبد فيها معذورا او مأمورا. وبكل حال فما استقبل جهة من الجهات خارجة عن ملك ربه. فثم وجه الله ان الله واسع عليم. فيه اثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به تعالى. وان لله وجها لا تشبهه الوجوه. وهو تعالى قاسع الفضل والصفات عظيمها عليم بسرائركم ونياتكم. فمن سعته وعلمه وسع لكم الامر وقبل منكم المأمور فله الحمد والشكر وقالوا اي اليهود والنصارى والمشركون. وكل من قال ذلك اتخذ الله ولدا فنسبوه الى ما لا يليق بجلاله. واساءوا كل الاساءة وظلموا انفسهم. وهو تعالى صابر على ذلك منهم. قد حلم عليهم ورزقهم مع تنقصهم اياه. سبحانه اي تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون. مما لا يليق بجلاله فسبحان من له الكمال المطلق من جميع الوجوه. الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه. ومع رده لقولهم اقام الحجة والبرهان على تنزيل عن ذلك فقال بل له ما في السماوات والارض. اي جميعكم ملكه وعبيده يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك. وهم قانون له مسخرون تحت تدبيره. فاذا كانوا كلهم عبيدا مفتقرين اليه وهو غني عنهم. فكيف يكون منهم احد يكون له ولدا والولد لابد ان يكون من جنس والده لانه جزء منه. والله تعالى المالك القاهر وانتم المملوكون المقهورون. وهو الغني وانتم الفقراء فكيف مع هذا يكون له ولد؟ هذا من ابطل الباطل واسمجه. والقنوط نوعان. قنوت عام. وهو قنوت الخلق كلهم تدبير الخالق وخاص وهو قنوت العبادة. فالنوع الاول كما في هذه الاية والنوع الثاني كما في قوله تعالى وقوموا قانتين ثم قال قولوا له كن فيكون. بديع السماوات والارض اي خالقهما على وجه قد اتقنهما واحسنهما. على غير مثال سبق واذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون. فلا يستعصي عليه ولا يمتنع منه يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا اية كذلك قال الذين من قبل تشابهت قلوبهم قد يوقنون. اي قال الجهلة من اهل الكتاب وغيرهم هل لا يكلمنا كما كلم الرسل او تأتينا يعنون ايات الاقتراح التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وارائهم الكاسدة التي تجرأوا بها على الخالق واستكبروا على رسلهم في كقولهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره. يسألك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء. فقد سألوا موسى اكبر من ذلك قالوا لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا او يلقى اليه كنز او تكون له جنة وقوله وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا. فهذا دأبهم مع رسلهم. يطلبون ايات التعنت. لا ايات الاسترشاد. ولم يكن قصدهم تبين الحق فان الرسل قد جاءوا من الايات بما يؤمن بمثله البشر. ولهذا قال تعالى قد بينا الايات لقوم يوقنون. فكل موقن فقد عرف من ايات الله الباهرة وبراهينه الظاهرة ما حصل له به اليقين. واندفع عنه كل شك وريب. ثم ذكر تعالى بعض اية موجزة مختصرة جامعة للايات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم. وصحة ما جاء به. فقال ان ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا. فهذا مشتمل على الايات التي جاء بها. وهي ترجع الى ثلاثة امور. الاول في نفس ارساله والثاني في سيرته وهديه ودله. والثالث في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة. فالاول والثاني قد دخل في قوله انا والثالث دخل في قوله بالحق. وبيان الامر الاول وهو نفس ارساله انه قد علم حالة اهل الارض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الاوثان والنيران والصلبان. وتبديلهم للاديان حتى كانوا في ظلمة من الكفر. قد عمتهم وشملتهم الا بقايا من اهل الكتاب قد انقرضوا قبيل البعثة وقد علم ان الله تعالى لم يخلق خلقه سدى ولم يتركهم هملا لانه حكيم عليم قد الرحيم فمن حكمته ورحمته بعباده ان ارسل اليهم هذا الرسول العظيم. يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له. فبمجرد يعرف العاقل صدقه. وهو اية كبيرة على انه رسول الله. واما الثاني فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة. وعرف سيرته وهديه قبل البعثة ونشوءه على اكمل الخصال. ثم من بعد ذلك قد ازدادت مكارمه واخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين. فما من عرفها وصبر احواله. عرف انها لا تكون الا اخلاق الانبياء الكاملين. لان الله تعالى جعل الاوصاف اكبر دليل على معرفة اصحابها بصدقهم وكذبهم. واما الثالث فهو معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم. والقرآن الكريم المشتمل على الاخبارات الصادقة والاوامر الحسنة والنهي عن كل قبيح والمعجزات الباهرة. فجميع الايات تدخل في هذه الثلاثة. قوله بشيرا اي لمن اطاعك بالسعادة الدنيوية والاخروية. ونذيرا لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والاخروي. ولا تسأل عن اصحاب الجحيم اي لست مسؤولا عنهم انما عليك البلاغ وعلينا الحساب اتبعت اهواءهم بعد الذي من العلم ما لك يخبر تعالى رسوله انه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى الا اتباعه دينهم. لانهم دعاة الى الدين الذي هم عليه. ويزعمون انه الهدى فقل لهم ان هدى الله الذي ارسلت به هو الهدى واما ما انتم عليه فهو الهوى. بدليل قوله ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم. ما لك من الله من ولي ولا نصير هذا فيه النهي العظيم عن اتباع اهواء اليهود والنصارى. والتشبه بهم فيما يختص به دينهم. والخطاب وان كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان امته داخلة في ذلك. لان الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب. كما ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثم قال الذين اتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون. يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي واتقوا يوما لا تجزي نفس يخبر تعالى ان الذين اتاهم الكتاب ومن عليهم به منة مطلقة. انهم يتلونه حق تلاوته. اي يتبعونه حق اتباعه والتلاوة الاتباع فيحلون حلاله ويحرمون حرامه. ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه هؤلاء هم السعداء من اهل الكتاب. الذين عرفوا نعمة الله وشكروها وامنوا بكل الرسل. ولم يفرقوا بين احد منهم. فهؤلاء هم يؤمنون حقا لا من قال منهم نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه. ولهذا توعدهم بقوله ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون وقد تقدم تفسير الاية التي بعدها انهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين. يخبر تعالى عن عبده وخليله ابراهيم عليه السلام. المتفق على امامته وجلالته الذي كل من طوائف اهل الكتاب تدعيه. بل وكذلك المشركون ان الله ابتلاه وامتحنه بكلمات. اي باوامر ونواهي كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده. ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان. من الصادق الذي ترتفع درجته ويزيد قدره رزقه عمله ويخلص ذهبه وكان من اجلهم في هذا المقام الخليل عليه السلام. فاتم مما ابتلاه الله به واكمله ووفاه. فشكر الله له ذلك ولم يزل الله شكورا فقال اني جاعلك للناس اماما ان يقتدون بك في الهدى ويمشون خلفك الى سعادتهم ويحصل لك الثناء الدائم والاجر الجزيل. والتعظيم من كل احد. وهذه لعمر الله افضل درجة تنافس فيها المتنافسون. واعلى مقام شمر اليه العاملون واكمل حالة حصلها اولو العزم من المرسلين واتباعهم من كل صديق متبع لهم داع الى الله والى فلما اغتبط ابراهيم بهذا المقام وادرك هذا طلب ذلك لذريته لتعلو درجته ودرجة ذريته. وهذا ايضا من امامته ونصه لعباد الله ومحبته ان يكثر فيهم المرشدون. فلله عظمة هذه الهمم العالية. والمقامات السامية. فاجابه الرحيم اللطيف واخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال لا ينال عهدي الظالمين. اي لا ينال الامامة في الدين. من ظلم نفسه وضرها وحط قدرها لمنافات الظلم لهذا المقام. فانه مقام الته الصبر واليقين. ونتيجته ان يكون صاحبه على جانب عظيم من الايمان والاعمال الصالحة والاخلاق الجميلة والشمائل السديدة. والمحبة التامة والخشية والانابة. فاين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الاية ان غير الظالم سينال الامامة. ولكن مع اتيانه باسبابها. ثم ذكر تعالى نموذجا باقيا دالا على امامة ابراهيم. وهو هذا البيت الحرام اللهم الذي جعل قصده ركنا من اركان الاسلام حاطا للذنوب والاثام. وفيه من اثار الخليل وذريته ما عرف به امامته. وتذكر به حالته فقال ابراهيم مصلى. وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا. ان طهرا واذ جعلنا البيت مثابة للناس. اي مرجعا يتوبون اليه لحصول منافعهم الدينية والدنيوية. يترددون اليه ولا يقضون منه وطرا وجعله امن يأمن به كل احد حتى الوحش وحتى الجمادات كالاشجار. ولهذا كانوا في الجاهلية على شركهم يحترمونه الاحترام ويجد احدهم قاتل ابيه في الحرم فلا يهيجه. فلما جاء الاسلام زاده حرمة وتعظيما وتشريفا وتكريما. واتخذ من مقام إبراهيم مصلى يحتمل ان يكون المراد بذلك المقام المعروف الذي قد جعل الان مقابل باب الكعبة وان المراد بهذا الطواف يستحب ان تكون خلف مقام ابراهيم وعليه جمهور المفسرين. ويحتمل ان يكون المقام مفردا مضافا. فيعم جميع مقامات اتي ابراهيم في الحج وهي المشاعر كلها من الطواف والسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والنحر وغير ذلك من افعال حج فيكون معنى قوله مصلى اي معبدا اي اقتدوا به في شعائر الحج. ولعل هذا المعنى اولى لدخول المعنى الاول فيه. واحتمال هل اللفظ له وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل اي اوحينا اليهما وامرناهما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي من الريتسي والنجاسات والاقدار ليكون للطائفين فيه والعاكفين والركع السجود اي المصلين. قدم الطواف الاختصاصه بالمسجد الحرام ثم الاعتكاف لان من شرطه المسجد مطلقا. ثم الصلاة مع انها افضل لهذا المعنى. واضاف الباري البيت اليه لفوائد منها ان ذلك يقتضي شدة اهتمام ابراهيم واسماعيل بتطهيره. لكونه بيت الله فيبذلان جهدهما ويستفرغان وسعهما في ذلك. ومنها ان الاظافة تقتضي التشريف والاكرام. ففي ضمنها امر عباده بتعظيمه وتكريمه. ومنها ان هذه الاظافة هي السبب الجاذب للقلوب الي واذ قال ابراهيم ربي اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم من نار وبئس المصير. اي واذ دعا ابراهيم لهذا البيت ان يجعله الله بلدا امنا. ويرزق اهله من انواع الثمرات ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين تأدبا مع الله. اذ كان دعاؤه الاول فيه الاطلاق. فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم. فلما فدعا لهم بالرزق وقيدهم بالمؤمن. وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر والعاصي والطائع. قال تعالى ومن كفر اي ارزقهم مسلمهم وكافرهم. اما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله. ثم ينتقل منه الى نعيم الجنة. واما الكافر فيتمتع فيه قليلا ثم اضطره اي الجئه واخرجه مكرها الى عذاب النار. وبئس المصير ربنا تقبل منا ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ايوة اذكر ابراهيم واسماعيل في حالة رفعهما القواعد من البيت الاساس. واستمرارهما على هذا العمل العظيم. وكيف كانت حالهم من الخوف والرجاء حتى انهما مع هذا العمل. دعوا الله ان يتقبل منهما عملهما. حتى يحصل فيه النفع العميم مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك. وارنا مناسكنا وتب علينا ودعوا لانفسهما وذريتهما بالاسلام الذي حقيقته خضوع القلب وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح وارنا مناسكنا اي علمناها على وجه المشاهدة ليكون ابلغ. يحتمل ان يكون المراد بالمناسك اهل الحج كلها كما يدل عليه السياق والمقام. ويحتمل ان يكون المراد ما هو اعم من ذلك. وهو الدين كله والعبادات كلها. كما يدل عليه عموم اللفظ لان النسك التعبد. ولكن غلب على متعبدات الحج تغليبا عرفيا. فيكون حاصل دعائهما يرجع الى التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح. ولما كان العبد مهما كان لا بد ان يعتريه التقصير. ويحتاج الى التوبة. قال وتب علينا انك انت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم اي في ذريتنا رسولا كم منهم ليكون ارفع لدرجتهما والانقاد له وليعرفوهم حقيقة المعرفة. يتلو عليهم اياتك لفظا وحفظا وتحفيظا ويعلمهم الكتاب والحكمة معنى. ويزكيهم بالتربية على الاعمال الصالحة. والتبري من الاعمال الردية التي لا تزكو النفوس معها انك انت العزيز اي القاهر لكل شيء. الذي لا يمتنع على قوته شيء. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فبعزتك وحكمتك ابعث فيهم هذا الرسول فاستجاب الله لهما فبعث الله هذا الرسول الكريم الذي رحم الله به ذريتهما خاصة وسائر الخلق عامة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام انا دعوة ابي ابراهيم ولما عظم الله ابراهيم هذا التعظيم واخبر عن صفاته الكاملة قال قال تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا اي ما يرغب عن ملة ابراهيم بعدما عرف من فضله الا من نفسه اي جهلها وامتهنها ورضي لها بالدون وباعها بصفقة المغبون. كما انه لا ارشد واكمل ممن رغب في ملة ابراهيم ثم اخبر عن حالته في الدنيا والاخرة. فقال ولقد اصطفيناه في الدنيا التي صار بها من المصطفين الاخيار. وانه في الاخرة لمن الصالحين الذين لهم اعلى الدرجات. اذ قال قال له ربه اسلم قال امتثالا لربه اسلمت لرب العالمين اخلاصا وتوحيدا ومحبة وانابة. فكان التوحيد لله ثم ورثه في ذريته ووصاهم به. وجعلها كلمة باقية في عقبه. وتوارثت فيهم حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه فانتم يا بني يعقوب قد وصاكم ابوكم بالخصوص. فيجب عليكم كمال الانقياد واتباع خاتم الانبياء. قال ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين. يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون. يا بني ان الله اصطفى لكم الدين. اي اختاره وتخيره لكم رحمة بكم واحسانا اليكم. فقوموا به واتصفوا بشرائعه وانصبغوا باخلاقه. حتى تستمروا على ذلك. فلا يأتيكم الموت الا وانتم عليه لان من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه. ولما كان اليهود يزعمون انهم على ملة ابراهيم ومن بعده يعقوب قال تعالى منكرا عليهم لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل اعين واسحاق الها واحدا الها واحدا ونحن له مسلمون. ام كنتم شهداء حضورا اذ حضر يعقوب الموت اي مقدماته واسبابه فقال لبنيه على وجه الاختبار ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به ما تعبدون من بعدي فاجابوه بما قرت به عينه. فقالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا فلا نشرك به شيئا ولا نعدل به احدا ونحن له مسلمون. فجمعوا بين التوحيد والعمل. ومن المعلومي انهم لم يحضروا يعقوب. لانهم لم يوجدوا بعد. فاذا لم يحضروا فقد اخبر الله عنه انه وصى بنيه بالحنيفية لا باليهودية ثم قال تعالى ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. تلك امة قد خلت اي مضت لها ما كسبت ولكم ما كسب اي كل له عمله وكل سيجازى بما فعله. لا يؤخذ احد بذنب احد ولا ينفع احدا الا ايمانه وتقواه. فاشتغالكم بهم ادعائكم انكم على ملتهم والرضا بمجرد القول امر فارغ لا حقيقة له. بل الواجب عليكم ان تنظروا حالتكم التي انتم عليها هل تصلح للنجاة ام لا ما كان من المشركين. اي دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين الى الدخول في دينهم. زاعمين انهم هم المهتدون وغيرهم قل له مجيبا جوابا شافيا. بل نتبع ملة ابراهيم حنيفا. اي مقبلا على الله. معرضا عمن سواه. قائما بالتوحيد تاركا للشرك والتنديد فهذا الذي في اتباعه الهداية وفي الاعراض عن ملته الكفر والغواية واسماعيل واسحاق ويعقوب وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم هذه الاية الكريمة قد اشتملت على جميع ما يجب الايمان به واعلم ان الايمان الذي هو تصديق القلب التام بهذه الاصول واقراره المتضمن لاعمال القلوب والجوارح وهو بهذا الاعتبار دخل فيه الاسلام وتدخل فيه الاعمال الصالحة كلها. فهي من الايمان واثر من اثاره. فحيث اطلق الايمان دخل فيه ما ذكر. وكذلك الاسلام اذا اطلق دخل فيه الامام. فاذا قرن بينهما كان الايمان اسما لما في القلب من الاقرار والتصديق. والاسلام اسما للاعمال الظاهرة. وكذلك اذا جمع بين الايمان والاعمال الصالحة. فقوله تعالى قولوا اي بالسنتكم متواطئة عليها قلوبكم. وهذا هو القول التام يترتب عليه الثواب والجزاء. فكما ان النطق باللسان بدون اعتقاد القلب نفاق وكفر. فالقول الخالي من عمل القلب عديم التأثير. قليل الفائدة وان كان العبد يؤجر عليه. اذا كان خيرا ومعه اصل الايمان. لكن فرق بين القول المجرد والمقترن به عمل القلب. وفي قوله قولوا اشارة الى الاعلان بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها اذ هي اصل الدين واساسه. وفي قوله امنا ونحوه مما فيه صدور الفعل منسوبا الى جميع الامة. اشارة الى انه يجب على الامة الاعتصام بحبل الله جميعا. والحث على الائتلاف. حتى يكون وعملهم متحدا. وفي ضمنه النهي عن الافتراق. وفيه ان المؤمنين كالجسد الواحد. وفي قوله قولوا امنا بالله الى اخر الاية دلالة على جواز اضافة الانسان الى نفسه الايمان على وجه التقييد. بل على وجوب ذلك بخلاف قوله انا مؤمن ونحوه فانه لا يقال الا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة. لما فيه من تزكية النفس والشهادة على نفسه بالايمان. فقوله امنا بالله اي بانه موجود. واحد احد متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص وعيب. مستحق لافراده بالعبادة كلها وعدم الاشراك به في شيء منها بوجه من الوجوه. وما انزل الينا يشمل القرآن والسنة. لقوله تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. فيدخل فيه الايمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله. من صفات البارئ وصفات رسله. واليوم الاخر والغيوب الماضية والمستقبلة والايمان بما تضمنه ذلك من الاحكام الشرعية الامرية واحكام الجزاء وغير ذلك. وما انزل الى ابراهيم الى اخر الاية فيه الايمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء. والايمان بالانبياء عموما وخصوصا ما نص عليه في الاية لشرفهم. والاتيان بالشرائع الكبار. فالواجب في الايمان بالانبياء والكتب ان يؤمن بهم على وجه العموم والشمول. ثم ما عرف منهم بالتفصيل. وجب الايمان بهم الصلاة وقوله لا نفرق بين احد منهم اي بل نؤمن بهم كلهم هذه خاصية المسلمين التي انفردوا بها عن كل من يدعي ان انه على دين فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم. وان زعموا انهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب. فانهم يكفرون بغيره يفرقون بين الرسل والكتب. بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به. وينقض تكذيبهم تصديقهم. فان الرسول الذي زعموا انهم قد امنوا به قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم. فاذا كذبوا محمدا فقد كذبوا رسولهم فيما اخبرهم به. فيكون كفرا برسولهم وفي قوله وما اوتي النبيون من ربهم دلالة على ان عطية الدين هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والاخروية لم يأمرنا ان نؤمن بما اوتي الانبياء من الملك والمال ونحو ذلك. بل امرنا ان نؤمن بما اعطوا من الكتب والشرائع. وفيه ان انبياء مبلغون عن الله ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه. ليس لهم من الامر شيء. وفي قوله من ربهم اشارة الى انه من كمال ربوبيته لعباده ان ينزل عليهم الكتب ويرسل اليهم الرسل. فلا تقتضي ربوبيته تركهم سدى ولا هملا اذا كان ما اوتي النبيون انما هو من ربهم. ففيه الفرق بين الانبياء وبين من يدعي النبوة. وانه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون اليه فالرسل لا يدعون الا لخير ولا ينهون الا عن كل شر. وكل واحد منهم يصدق الاخر ويشهد له بالحق. من غير تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وهذا بخلاف من ادعى النبوة فلابد ان تناقضوا في اخبارهم واوامرهم ونواهيهم. كما يعلم ذلك من سبر احوال الجميع وعرف ما يدعون اليه. فلما بين تعالى جميع ما يؤمن به عموما وخصوصا وكان القول لا يغني عن العمل. قال ونحن له مسلمون. اي خاضعون لعظمته. منقادون لعبادته ببعض باطننا وظاهرنا مخلصون له العبادة بدليل تقديم المعمول وهو له على العامل وهو مسلمون. فقد اشتملت هذه الاية الكريمة على ايجازها واختصارها على انواع التوحيد الثلاثة. توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية وتوحيد الاسماء والصفات اشتملت على الايمان بجميع الرسل وجميع الكتب. وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم. وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والاخلاص لله في ذلك وعلى الفرق بين الرسل الصادقين. ومن ادعى النبوة من الكاذبين. وعلى تعليم الباري عباده كيف يقولون. ورحمته واحسانه عليهم النعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والاخرة. فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء. وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ان امنوا بمثل ما امناتم به فقد اهتدوا. وان تولوا فانما هي فسيكفيكهم الله وهو السميع اي فان امن اهل الكتاب بمثل ما امنتم به يا معشر المؤمنين. من جميع الرسل وجميع الكتب. الذين انا اول من دخل فيهم واولى خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. واسلموا لله وحده ولم يفرقوا بين احد من رسله لله فقد اهتدوا للصراط المستقيم. الموصل لجنات النعيم اي فلا سبيل لهم الى الهداية الا بهذا الايمان. لا كما زعموا بقولهم كونوا هودا او نصارى تهتدوا. فزعموا ان الهداية خاصة بما كانوا عليه. والهدى هو العلم بالحق والعمل به. وضدهم ضلال عن العلم الضلال عن العمل بعد العلم وهو الشقاق الذي كانوا عليه لما تولوا واعرضوا. فالمشاق هو الذي يكون في شق. والله ورسوله في شق ويلزم من المشاقة المحادة والعداوة البليغة التي من لوازمها بذل ما يقدرون عليه من اذية الرسول. فلهذا وعد الله رسوله ان يكفيه اياهم لانه السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنون الحاجات. العليم بما بين ايديهم وما خلفهم بالغيب والشهادة بالظواهر الطاهر والبواطن فاذا كان كذلك كفاك الله شرهم. وقد انجز الله لرسوله وعده. وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم. وسبى بعضهم وادلى بعضهم وشردهم كل مشرد. ففيه معجزة من معجزات القرآن. وهو الاخبار بالشيء قبل وقوعه. فوقع طبق ما اخبر صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون. اي صبغة الله وهو دينه. وقوموا به قياما تاما بجميع اعماله الظاهرة والباطنة. وجميع عقائده في جميع الاوقات. حتى يكون لكم صبغة وصفة من صفاتكم. فاذا كان صفة من صفاتكم اوجب ذلك لكم الانقياد لاوامره طوعا واختيارا ومحبة. وصار دين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة فحصلت لكم السعادة الدنيوية والاخروية لحث الدين مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال ومعالي الامور. فلهذا قال على سبيل التعجيب المتقرر للعقول الزكية. ومن احسن من الله اي لا احسن صبغة من صبغته. واذا اردت ان تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ. فقس الشيء بضيوفك فكيف ترى في عبد امن بربه ايمانا صحيحا اثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح فلم يزل يتجلى بكل وصف حسن جميل وخلق كامل ونعت جليل. ويتخلى من كل وصف قبيح ورذيلة وعيب. فوصفه الصدق في قوله وفعله. والصبر العلم والعفة والشجاعة والاحسان القولي والفعلي. ومحبة الله وخشيته وخوفه ورجائه. فحاله الاخلاص للمعبود احسان لعبيده فقسوا بعبد كفر بربه وشرد عنه. واقبل على غيره من المخلوقين. فاتصف بالصفات القبيحة من الكفر والشرك والكذب والخيانة والمكر والخداع وعدم العفة والاساءة الى الخلق في اقواله وافعاله فلا اخلاص للمعبود ولا احسان الى فانه يظهر لك الفرق العظيم بينهما. ويتبين لك انه لا احسن صبغة من صبغة الله. وفي ضمنه انه لا اقبح صبغة ممن الصبغ وبغير دينه وفي قوله ونحن له عابدون. بيان لهذه الصبغة وهي القيام بهذين الاصلين. الاخلاص والمتابعة. لان عبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. ولا تكون كذلك حتى يشرعها الله على لسان رسوله والاخلاص ان يقصد العبد وجه الله وحده في تلك الاعمال. فتقديم المعمول يؤذن بالحصر. وقال ونحن له عابدون فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار. ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما آآ حاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ونحن له مخلصون المحاجة هي المجادلة بين اثنين فاكثر. تتعلق في المسائل الخلافية حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله وابطال قول خصمه فكل واحد منهما يجتهد في اقامة الحجة على ذلك. والمطلوب منها ان تكون بالتي هي احسن. باقرب طريق يرد الضالة الى الحق. ويقيم الحجة على المعاند. ويوضح الحق ويبين الباطل. فان خرجت عن هذه الامور كانت مماراة ومخاصمة لا خير فيها. واحدثت من من شر ما احدثت فكان اهل الكتاب يزعمون انهم اولى بالله من المسلمين. وهذا مجرد دعوة تفتقر الى برهان ودليل. فاذا كان رب جميع واحدة ليس ربا لكم دوننا. وكل منا ومنكم له عمله. فاستوينا نحن واياكم بذلك. فهذا لا يوجب ان يكون احد الفريقين اولى بالله من غيره. لان التفريق مع الاشتراك في الشيء من غير فرق مؤثر. دعوة باطلة. وتفريق بين متماثلين ومكابرة ظاهرة وانما يحصل التفضيل باخلاص الاعمال الصالحة لله وحده. وهذه الحالة وصف المؤمنين وحدهم. فيتعين انهم اولى بالله من غيرهم ان الاخلاص هو الطريق الى الخلاص. فهذا هو الفرق بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان. بالاوصاف الحقيقية التي يسلمها اهل العقول. ولا تنزع فيها الا كل مكابر جهول. ففي هذه الاية ارشاد لطيف لطريق المحاجة. وان الامور مبنية على الجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين كانوا هودا او نصارى وهذه دعوة اخرى منهم ومحاجة في رسول الله زعموا انهم بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين. فرد الله عليهم بقوله اانتم اعلم ام الله؟ فالله يقول ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانية ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. وهم يقولون بل كان يهوديا او نصرانيا. فاما ان يكونوا هم الصادقين العالمين. او يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك. فاحد الامرين متعين لا محالة. وصورة الجواب مبهم. وهو في غاية الوضوح والبيان حتى انه من وضوحه لم يحتج ان يقول بل الله اعلم وهو اصدق. ونحو ذلك لانجلائه لكل احد كما اذا قيل الليل انور ام النهار؟ والنار احر ام الماء؟ والشرك احسن ام التوحيد؟ ونحو ذلك؟ وهذا يعرفه كل من له ادنى عقل حتى انهم بانفسهم يعرفون ذلك. ويعرفون ان ابراهيم وغيره من الانبياء لم يكونوا هودا ولا نصارى. فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة فلهذا كان ظلمهم اعظم الظلم. ولهذا قال تعالى ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله. فهي شهادة عند مودعة من الله لا من الخلق. فيقتضي الاهتمام باقامتها فكتموها واظهروا ضدها. جمعوا بين كتم الحق وعدم النطق به واظهار الباطل والدعوة اليه. اليس هذا اعظم الظلم؟ بلى والله وسيعاقبهم عليه اشد العقوبة. فلهذا قال وما الله بغافل عما تعملون. بل قد احصى اعمالهم واعدها وادخر لهم جزاءها. فبئس الجزاء جزاءهم وبئست النار مثوى للظالمين وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة. عقب الايات المتضمنة للاعمال التي يجازى عليها. فيفيد ذلك الوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ويفيد ايضا ذكر الاسماء الحسنى بعد الاحكام. ان الامر الديني والجزائي اثر من اثارها. وموجب من موجباتها وهي مقتضية له ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. تقدم تفسيرها وكررها لقطع التعلق بالمخلوقين. وان المعول عليه ما اتصف به الانسان. لا عمل اسلافه وابائه. فالنفع الحقيقي بالاعمال لا بالانتساب المجرد للرجال