سيقول السفهاء من ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم قد اشتملت الاية الاولى على معجزة وتسلية وتطمين قلوب المؤمنين. واعتراض وجوابه من ثلاثة اوجه وصفة المعترض وصفة المسلم لحكم الله ودينه. فاخبر تعالى انه سيعترض السفهاء من الناس. وهم الذين لا يعرفون مصالح بل يضيعونها ويبيعونها بابخس ثمن. وهم اليهود والنصارى ومن اشبههم من المعترضين على احكام الله وشرائعه. وذلك ان ان المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس مدة مقامهم بمكة. ثم بعد الهجرة الى المدينة نحو سنة ونصف. لما لله تعالى في ذلك فمن الحكم التي سيشير الى بعضها وكانت حكمته تقتضي امرهم باستقبال الكعبة. فاخبرهم انه لابد ان يقول السفهاء من الناس ما ولا عن قبلتهم التي كانوا عليها. وهي استقبال بيت المقدس. اي شيء صرفهم عنه. وفي ذلك الاعتراض على حكم الله وشرعه وفضله فسلاهم واخبر بوقوعه وانه انما يقع ممن اتصف بالسفه قليل العقل والحلم والديانة فلا تبالوا بهم اذ قد فيما مصدر هذا الكلام فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه. ولا يلقي له ذهنه. ودلت الاية على انه لا يعترض على احكام الله الا سفيه جاهل معاند واما الرشيد المؤمن العاقل فيتلقى احكام ربه بالقبول والانقياد والتسليم. كما قال الله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا. وقد كان في قوله السفهاء ما يغني عن رد قولهم وعدم المبالاة به. ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة حتى ازالها وكشفها. مما سيعرض بعض القلوب من الاعتراض. فقال تعالى قل لهم مجيبا لله المشرق والمغرب. يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. اي فاذا كان المشرق والمغرب ملكا لله. ليس جهة من الجهات خارجة عن ملكه. ومع هذا يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. ومنه هدايتكم الى هذه القبلة التي هي من ملة ابيكم ابراهيم. فلاي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله. لم تستقبلوا جهة ليست ملك الله. فهذا يوجب التسليم لامره بمجرد ذلك. فكيف وهو من فضل الله عليكم وهدايته واحسانه ان هداكم لذلك المعترض عليكم معترض على فضل الله حسدا لكم وبغيا. ولما كان قوله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. والمطلق على المقيد فان الهداية والضلال لهما اسباب اوجبتها حكمة الله وعدله. وقد اخبر في غير موضع من كتابه باسباب الهداية. التي اذا اتى بها العبد حصل له الهدى. كما قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ذكر في هذه الاية السبب الموجب للهداية بداية هذه الامة مطلقا بجميع انواع الهداية ومنة الله عليها. فقال وكذلك جعلناكم امة وكذلك جعلناكم امة وسطا. اي عدلا خيارا وما عدا الوسط. فاطراف داخلة تحت الخطر فجعل الله هذه الامة وسطا في كل امور الدين وسطا في الانبياء بين من غلا فيهم كالنصارى وبين من جفاهم كاليهود بان امنوا كلهم على الوجه اللائق بذلك ووسطا في الشريعة لا تشديدات اليهود واصارهم ولا تهاون النصارى. وفي باب الطهارة والمطاعم لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة الا في بيعهم وكنائسهم. ولا يطهرهم الماء من النجاسات. وقد حرمت عليهم طيبات عقوبة لهم ولكن نصارى الذين لا ينجسون شيئا ولا يحرمون شيئا. بل اباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم اكمل طهارة واتمها واباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح. وحرم عليهم الخبائث من ذلك. فلهذه الامة من الدين اكمله. ومن الاخلاق اجلها ومن الاعمال افضلها. ووهبهم الله من العلم والحلم والعدل والاحسان. ما لم يهبه لامة سواهم. فلذلك كانوا امة وسط كاملين ليكونوا شهداء على الناس بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط يحكمون على الناس من سائر اهل الاديان ولا يحكموا عليهم غيرهم. فمن شهدت له هذه الامة بالقبول فهو مقبول. وما شهدت له بالرد فهو مردود. فان قيل كيف يقبل حكمهم على غير والحال ان كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض. قيل انما لم يقبل قول احد المتخاصمين لوجود التهمة. فاما اذا انتفت التهمة وحصلت العدالة التامة كما في هذه الامة. فانما المقصود الحكم بالعدل والحق. وشرط ذلك العلم والعدل. وهما موجودون في هذه الامة فقبل قولها فان شك شاك في فضلها وطلب مزكيا لها فهو اكمل الخلق نبيهم صلى الله عليه وسلم فلهذا قال تعالى ويكون الرسول عليكم شهيدا. ومن شهادة هذه الامة على غيرهم انه اذا كان يوم القيامة. وسأل الله المرسلين عن تبليغهم والامم المكذبة عن ذلك. وانكروا ان الانبياء بلغتهم استشهدت الانبياء بهذه الامة. وزكاها نبيها وفي الاية دليل على ان اجماع هذه الامة حجة قاطعة. وانهم معصومون عن الخطأ لاطلاق قوله وسطا. فلو قدر اتفاقهم على خطأ لم يكونوا وسطا الا في بعض الامور. ولقوله لتكونوا شهداء على الناس. يقتضي انهم اذا شهدوا على حكم ان الله احله او حرمه او اوجبه فانها معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم والشهادة والفتيا. ونحو ذلك. يقول تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول من وان كانت لكبيرة الرحيم. وما جعلنا القبلة التي كنت عليها وهي استقبال بيت المقدس اولا الا لنعلم. اي علما يتعلق به الثواب والعقاب والا فهو تعالى عالم بكل الامور قبل وجودها. ولكن هذا العلم لا يعلق عليه ثوابا ولا عقابا تمام عدله واقامة الحجة على عباده. بل اذا وجدت اعمالهم ترتب عليها الثواب والعقاب. اي شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن من يتبع الرسول ويؤمن به فيتبعه على كل حال. لانه عبد مأمور مدبر. ولانه قد اخبرت الكتب المتقدمة انه يستقبل الكعبة فالمنصف الذي مقصوده الحق مما يزيده ذلك ايمانا وطاعة للرسول. واما من انقلب على عقبيه واعرض عن الحق دع هواه فانه يزداد كفرا الى كفره. وحيرة الى حيرته ويدلي بالحجة الباطلة المبنية على شبهة لا حقيقة لها ان كانت اي صرفك عنها لكبيرة اي شاقة الا على الذين هدى الله. فاعرفوا بذلك نعمة الله عليهم وشكروا واقروا بالاحسان حيث وجههم الى هذا البيت العظيم الذي فضله على سائر الارض وجعل قصده ركنا من اركان الاسلام وهادما للذنوب والاثام فلهذا خف عليهم ذلك وشق على من سواهم. ثم قال تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم اي ما ينبغي ولا يليق به تعالى بل هي من الممتنعات عليه. فاخبر انه ممتنع عليه ومستحيل ان يضيع ايمانكم. وفي هذا بشارة عظيمة لمن من الله عليهم بالاسلام والايمان بان الله سيحفظ عليهم ايمانهم فلا يضيعه. وحفظه نوعان حفظ عن الضياع والبطلان بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص. من المحن المقلقة والاهواء الصادة. وحفظ له بتنميته لهم وتوفيقهم لما يزداد به ايمانهم ويتم به ايقانهم. فكما ابتدأكم بان هداكم للامام فسيحفظه لكم ويتم نعمته بتنميته وتنمية اجره وثوابه وحفظه من كل مكدر. بل اذا وجدت المحن التي المقصود منها تبيين المؤمن الصادق من الكاذب. فانها تمحص المؤمنين وتظهر وصدقهم وكأن في هذا احترازا عما يقال ان قوله وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلبون وعلى عقبيه قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين ايمانهم. فدفع هذا الوهم بقوله وما كان الله ليضيع ايمانكم بتقديره لهذه المحنة او غيرها ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة فان الله لا يضيع ايمانهم لكونهم امتثلوا امر الله طاعة رسوله في وقتها وطاعة الله امتثال امره في كل وقت بحسب ذلك. وفي هذه الاية دليل لمذهب اهل السنة والجماعة ان معنى تدخل فيه اعمال الجوارح؟ وقوله ان الله بالناس لرؤوف رحيم. اي شديد الرحمة بهم عظيمها. فمن رأفته ورحمته بهم ان يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها. وان ميز عنهم من دخل في الايمان بلسانه دون قلبه. وان امتحنهم امتحانا زاد به ايمانهم وارتفعت به درجتهم. وان وجههم الى اشرف البيوت واجلها وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعمل يقول الله لنبيه قد نرى تقلب وجهك في السماء. اي كثرة تردده في جميع جهاته. شوقا وانتظارا لنزول توحي باستقبال الكعبة وقال وجهك ولم يقل بصرك لزيادة اهتمامه. ولان تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر. فلا نولينك اي نوجهك لولايتنا اياك قبلة ترضاها اي تحبها وهي الكعبة. وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى الله عليه وسلم حيث ان الله تعالى يسارع في رضاه ثم صرح له باستقبالها فقال فول وجهك شطر المسجد الحرام والوجه ما اقبل من بدن الانسان وحيثما كنتم اي من بر وبحر شرق وغرب جنوب وشمال فولوا وجوهكم شطرة اي جهته فيها اشتراط استقبال الكعبة للصلوات كلها فرضها ونفلها. وانه ان امكن استقبال عينها. والا فيكفي شطرها وجهتها. وان الالتفات بالبدن مبطل للصلاة. لان الامر بالشيء نهي عن ضده. ولما ذكر تعالى فيما تقدم المعترضين على ذلك من اهل الكتاب وغيرهم. وذكر ترى جوابهم ذكر هنا ان اهل الكتاب والعلم منهم يعلمون انك في ذلك على حق وامر لما يجدونه في كتبهم فيعترضون عناد وبغي فاذا كانوا يعلمون بخطئهم فلا تبالوا بذلك. فان الانسان انما يغمه اعتراض من اعترض عليه. اذا كان الامر مشتبها وكان ممكنا ان يكون معه صواب. فاما اذا تيقن ان الصواب والحق مع المعترض عليه. وان المعترض معاند عارف ببطلان قوله فانه لا محل للمبالاة. بل ينتظر بالمعترض العقوبة الدنيوية والاخروية. فلهذا قال تعالى وما الله بغافل عما يعملون بل يحفظ عليهم اعمالهم ويجازيهم عليها وفيها وعيد للمعترضين وتسلية للمؤمنين ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا انك اذا لمن الظالمين. كان النبي صلى الله عليه وسلم من كمال حرصه على هداية الخلق. يبذل لهم غاية ما يقدر عليه من النصيحة. ويتلطف بهدايتهم ويحزن اذا لم ينقادوا لامر الله. فكان من الكفار من تمرد عن امر الله واستكبر على رسله رسول الله وترك الهدى عمدا وعدوانا فمنهم اليهود والنصارى. اهل الكتاب الاول الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم عن يقينه الا عن جهل. فلهذا اخبره الله تعالى انك لو اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية. اي بكل برهان ودليل يوضح قولك يبين ما تدعو اليه ما تبعوا قبلتك. اي ما تبعوك. لان اتباع القبلة دليل على اتباعه. ولان السبب هو شأن القبلة. وانما كان الامر كذلك لانهم معاندون. عرفوا الحق وتركوه. فالايات انما تفيد وينتفع بها من يتطلب الحق وهو مشتبه عليه. فتوضح له البينات واما من جزم بعدم اتباع الحق فلا حيلة فيه. وايضا فان اختلافهم فيما بينهم حاصل وبعضهم غير تابع قبلة بعض فليس بغريب منهم مع ذلك الا يتبعوا قبلتك يا محمد. وهم الاعداء حقيقة. الحسدة وقوله وما انت بتابع قبلته ابلغ من قوله ولا تتبع لان ذلك يتضمن انه صلى الله عليه وسلم اتصف بمخالفتهم. فلا يمكن وقوع ذلك منه لم يقل ولو اتوا بكل اية لانهم لا دليل لهم على قولهم. وكذلك اذا تبين الحق بادلته اليقينية لم يلزم الاتيان باجوبة الشبه الواردة عليه لانه لا حد لها. ولانه يعلم بطلانها. للعلم بان كل ما نافى الحق الواضح فهو باطل. فيكون الشبه من باب التبرع. ولئن اتبعت اهواءهم انما قال اهواءهم. ولم يقل دينهم. لان ما هم عليه مجرد نفس حتى هم في قلوبهم يعلمون انه ليس بدين. ومن ترك الدين اتبع الهوى ولا محالة. قال تعالى افرأيت من اخذ الهه هواه. من بعد ما جاءك من العلم بانك على الحق وهم على الباطل. انك اذا اي ان اتبعتهم فهذا احتراز لالا تصل هذه الجملة عما قبلها ولو في الافهام لمن الظالمين. اي داخل فيهم ومندرج في جملتهم. واي ظلم اعظم من ظلم لمن علم الحق والباطل فاثر الباطل على الحق. وهذا وان كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم فان امته داخلة في ذلك. وايضا فاذا كان هو صلى الله عليه وسلم لو فعل ذلك وحاشاه صار ظالما مع علو مرتبته وكثرة حسناته. فغيره من باب اولى واحرى ثم قال تعالى الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون. يخبر تعالى ان اهل الكتاب قد تقرر عندهم وعرفوا ان محمدا رسول الله وان ما جاء به حق وصدق. وتيقنوا ذلك كما تيقنوا ابناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم. فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وصلت الى حد لا يشكون فيه ولا يمترون. لكن فريقا منهم وهم اكثرهم الذين كفروا به. كتموا هذه الشهادة سادة مع تيقنها وهم يعلمون. ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله. وفي ضمن ذلك تسلية للرسول والمؤمنين. وتحذير من شرهم وشبههم وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون. فمنهم من امن به ومنهم من كفر به جهلا. فالعالم عليه اظهار الحق تبينه وتزيينه بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال وغير ذلك وابطال الباطل وتمييزه عن الحق وتشيينه وتقبيحه للنفوس بكل طريق مؤذن لذلك. فهؤلاء الكاتمون عكسوا الامر فانعكست احوالهم الحق من ربك اي هذا الحق الذي هو احق ان يسمى حقا من كل شيء لما اشتمل عليه من طالب العالية والاوامر الحسنة. وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها ودفع مفاسدها. لصدوره من ربك. الذي من جملة تربيته لك ان انزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس وجميع المصالح. فلا تكونن من الممترين اي فلا يحصل لك ادنى شك وريبة فيه بل تفكر فيه وتأمل حتى تصل بذلك الى اليقين. لان التفكر فيه لا محالة دافع للشك موصل لليقين ولكل اما تكونوا يأتي بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير اي كل اهل دين وملة له وجهة يتوجه اليها في عبادته. وليس الشأن في استقبال القبلة فانه من الشرائع التي تتغير بها الازمنة والاحوال ويدخلها النسخ والنقل من جهة الى جهة. ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله والتقرب اليه وطلب الزلفة عنده هذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية. وهو الذي اذا لم تتصف به النفوس حصلت له خسارة الدنيا والاخرة. كما انها اذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة وهذا امر متفق عليه في جميع الشرائع. وهو الذي خلق الله له الخلق وامرهم به. والامر بالاستباق الى الخيرات زائد على الامر بفعل الخيرات. فان الاستباق اليها يتضمن فعلها وتكميلها. وايقاعها على اكمل الاحوال. والمبادرة اليها سبق في الدنيا الى الخيرات. فهو السابق في الاخرة الى الجنات. فالسابقون اعلى الخلق درجة. والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل. من صلاة صيام وزكوات وحج وعمرة وجهاد. ونفع متعد وقاصر. ولما كان اقوى ما يحث النفوس على المسارعة الى الخير وينشطها ما رتب الله عليها من الثواب. قال اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا. ان الله على كل شيء قدير. فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته فيجازي كل عامل بعمله. ليجزي الذين اساءوا بما عملوا. ويجزي الذين احسنوا بالحسنى. ويستدل بهذه الاية الشريفة على الاتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل كالصلاة في اول وقتها والمبادرة الى ابراء الذمة من الصيام والحج والعمرة واخراج الزكاة والاتيان بسنن العبادات وادابها. فلله ما اجمعها وانفعها من اية المسجد الحرام. وانه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون اي ومن حيث خرجت في اسفارك وغيرها وهذا للعموم. فولي وجهك شطر المسجد الحرام. اي جهته. ثم خاطب الامة عموما فقال ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون. وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرا وقال وانه للحق من ربك اكده بان واللام لان لا يقع لاحد فيه ادنى شبهة ولان لا يظن انه على سبيل التشهي الامتثال وما الله بغافل عما تعملون. بل هو مطلع عليكم في جميع احوالكم. فتأدبوا معه وراقبوه بامتثال اوامره بنواهيه فان اعمالكم غير مغفول عنها بل مجازون عليها اتم الجزاء. ان خيرا فخير وان شرا فشر. وقال هنا في الا يكون للناس عليكم حجة اي شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة لينقطع عنكم احتجاج الناس من اهل الكتاب والمشركين فانه لو بقي مستقبلا بيت المقدس فتوجهت عليه الحجة فان اهل الكتاب يجدون في كتابهم ان قبلته المستقرة هي الكعبة البيت الحرام والمشركون يرون ان من مفاخرهم هذا البيت العظيم. وانه من ملة ابراهيم وانه اذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم. توجهت نحوه وقالوا كيف يدعي انه على ملة ابراهيم؟ وهو من ذريته وقد ترك استقبال قبلته. فباستقبال الكعبة قامت الحجة على اهل الكتاب والمشركين وانقطعت حججهم عليه الا من ظلم منهم اي من احتج منهم بحجة هو ظالم فيها وليس لها مستند اتباع الهوى والظلم. فهذا لا سبيل الى اقناعه والاحتجاج عليه. وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يريدونها على سبيل الاحتجاج محلا يؤبه لها ولا يلقى لها بال. ولهذا قال تعالى فلا تخشوهم لان حجتهم باطلة. والباطل كاسمه مخذول. مخذول صاحبه هذا بخلاف صاحب الحق. فان للحق صولة وعزا يوجب خشية من هو معه. وامر تعالى بخشيته التي هي اصل كل خير. فمن لم يخشى الله لم ينكف عن معصيته ولم يمتثل امره. وكان صرف المسلمين الى الكعبة مما حصلت فيها فتنة كبيرة. اشاعها اهل الكتاب والمنافقون والمشركون يكون واكثروا فيها من الكلام والشبه. فلهذا بسطها الله تعالى وبينها اكمل بيان. واكدها بانواع من التأكيدات التي تضمنتها هذه ايات منها الامر بها ثلاث مرات مع كفاية المرة الواحدة. ومنها ان المعهود ان الامر اما ان يكون للرسول. فتدخل فيه الامة تبعا او للامة عموما. وفي هذه الاية امر فيها الرسول بالخصوص في قوله فولي وجهك والامة عموما في قوله فولوا وجوهكم ومنها انه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة التي اوردها اهل العناد وابطلها شبهة شبهة كما تقدم توضيح ومنها انه قطع الاطماع من اتباع الرسول قبلة اهل الكتاب. ومنها قوله وانه للحق من ربك. فمجرد اخبار الصادق العظيم كاف شاف ولكن مع هذا قال وانه للحق من ربك. ومنها انه اخمر وهو العالم بالخفيات. ان اهل كتاب متقرر عندهم صحة هذا الامر. ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم. ولما كانت توليته لنا الى استقبال القبلة نعمة عظيمة كان لطفه بهذه الامة ورحمته لم يزل يتزايد. وكلما شرع لهم شريعة فهي نعمة عظيمة. قال ولاتم نعمتي عليكم. فاصلح من نعمة الهداية لدينه. بارسال رسوله وانزال كتابه. ثم بعد ذلك النعم المتممات لهذا الاصل. لا تعد كثرة ولا تحصر. منذ بعث الله الله ورسوله الى ان قرب رحيله من الدنيا. وقد اعطاه الله من الاحوال والنعم. واعطى امته ما اتم به نعمته عليه وعليهم. وانزل الله عليه اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. فلله الحمد على فضله الذي لا نبلغ له عدا فضلا عن القيام بشكره. ولعلكم تهتدون اي تعلمون الحق وتعملون به. فالله تبارك وتعالى من رحمته بالعباد قد يسر لهم باب الهداية غاية التيسير. ونبههم على سلوك طرقها. وبينها لهم اتم تبيين. حتى ان من جملة ذلك ان يقيض للحق المعاندين له فيجادلون فيه فيتضح بذلك الحق. وتظهر اياته واعلامه ويتضح بطلان الباطل. وانه لا حقيقة له. ولولا قيامه في مقابلة الحق لربما لم يتبين حاله لاكثر الخلق. وبضدها تتبين الاشياء فلولا الليل ما عرف فضل النهار. ولولا القبيح عرف فضله الحسن ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور. ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا. فلله الحمد على ذلك كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم اياتنا ويزكيكم. يتلو عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة. ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون يقول تعالى ان انعامنا عليكم باستقبال الكعبة واتمامها بالشرائع والنعم المتممة. ليس ذلك ببدع من احساننا ولا باوله بل انعمنا عليكم باصول النعم ومتمماتها. فابلغها ارسالنا اليكم هذا الرسول الكريم منكم. تعرفون نسبكم وصدقه وامانته وكماله ونصحه. يتلو عليكم اياتنا وهذا يعم الايات القرآنية وغيرها. فهو يتلو عليكم الايات المبينة الحق من الباطل والهدى من الضلال. التي دلتكم اولا على توحيد الله وكماله. ثم على صدق رسوله ووجوب الايمان به. ثم على جميع ما من المعادي والغيوب. حتى حصل لكم الهداية التامة والعلم اليقيني. ويزكيكم ان يطهروا اخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الاخلاق الجميلة وتنزيهها عن الاخلاق الرذيلة. وذلك كتزكيتكم من الشرك الى التوحيد. ومن الرياء الى الاخلاص ومن الكذب الى الصدق. ومن الى الامانة ومن الكبر الى التواضع. ومن سوء الخلق الى حسن الخلق. ومن التباغض والتهاجر والتقاطع. الى التحاب والتواصل وغير ذلك من انواع التزكية. ويعلمكم الكتاب اي القرآن الفاظه ومعانيه والحكمة. قيل هي السنة قيل الحكمة معرفة اسرار الشريعة والفقه فيها. وتنزيل الامور منازلها. فيكون على هذا تعليم السنة داخلا في تعليم الكتاب لان السنة تبين القرآن وتفسره وتعبر عنه ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. لانهم كانوا قبل بعثته في ضلال مبين. لا ولا عمل. فكل علم او عمل نالته هذه الامة فعلى يده صلى الله عليه وسلم وبسببه كان. فهذه النعم هي اصول النعم على الاطلاق ولا هي اكبر نعم ينعم بها على عباده. فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها. فلهذا قال تعالى فاذكروني اذكركم. فامر تعالى بذكره ووعد عليه افضل جزاء وهو ذكره لمن ذكره. كما قال تعالى على لسان رسوله من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وذكر الله تعالى افضله ما تواطأ عليه القلب واللسان. وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته كثرة ثوابه والذكر هو رأس الشكر. فلهذا امر به خصوصا ثم من بعده امر بالشكر عموما. فقال واشكروا لي اي على ما انعمت عليكم بهذه النعم ودفعت عنكم صنوف النقم. والشكر يكون بالقلب اقرارا بالنعم واعترافا. وباللسان ذكرا وثناء. وبالجوارح طاعة لله وانقيادا لامره واجتنابا لنهيه. فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة. وزيادة في النعم المفقودة. قال تعالى لان شكرتم لازيدنكم. وفي الاتيان بالامر بالشكر بعد النعم الدينية من العلم وتزكية الاخلاق والتوفيق للاعمال. بيان انها اكبر النعم بل هي النعم الحقيقية التي تدوم اذا زال غيرها. وانه ينبغي لمن وفقوا لعلم او عمل ان يشكروا الله على ذلك. ليزيدهم من فضله وليندفع عنهم الاعجاب فيشتغلوا بالشكر. ولما كان الشكر ضده الكفر نهى عن ضده فقال ولا تكفرون. المراد الكفر هنا ما يقابل الشكر. فهو كفر النعم وجحدها وعدم القيام بها. ويحتمل ان يكون المعنى عاما. فيكون الكفر انواعا كثيرة اعظمه الكفر بالله. ثم انواع المعاصي على اختلاف انواعها واجناسها من الشرك فما دونه الصبر والصلاة ان الله مع الصابرين امر الله تعالى المؤمنين بالاستعانة على امورهم الدينية والدنيوية بالصبر والصلاة. فالصبر هو حبس النفس وكفها على ما تكره. فهو ثلاثة اقسام. صبرها على طاعة الله حتى تؤديها. وعن معصية حتى تتركها. وعلى اقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها. فالصبر هو المعونة العظيمة على كل امر. فلا سبيل لغير الصابر ان يدركه مطلوبة خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة. فانها مفتقرة اشد الافتقار الى تحمل الصبر. وتجرع المرارة الشاقة. فاذا هزم صاحبها الصبر فاز بالنجاح. وان رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها. لم يدرك شيئا وحصل على الحرمان. وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها اليها وهي في محل قدرة العبد. فهذه لا يمكن تركها الا بصبر عظيم. وكف لدواعي قلبه وازعها لله تعالى واستعانة بالله على العصمة منها. فانها من الفتن الكبار. وكذلك البلاء الشاق خصوصا ان استمر. فهذا تضعف ومعه القوى النفسانية والجسدية. ويوجد مقتضاها وهو التسخط. ان لم يقاومها صاحبها بالصبر لله والتوكل عليه. واللجأ اليه والافتقار على الدوام فعلمت ان الصبر محتاج اليه العبد. بل مضطر في كل حالة من احواله. فلهذا امر الله تعالى به. واخبر انه مع الصابرين اي مع من كان الصبر لهم خلقا وصفة. وملكة بمعونته وتوفيقه وتسديده. فهانت عليهم بذلك المشاق والمكاره. وسهل عليهم كل عظيم وزالت عنهم كل صعوبة. وهذه معية خاصة تقتضي محبته ومعونته ونصره وقربه. وهذه منقبة عظيمة للصابرين فلو لم يكن للصابرين فضيلة الا انهم فازوا بهذه المعية من الله. لكفى بها فضلا وشرفا. واما المعية العامة فهي معية العلم والقدرة كما في قوله وهو معكم اينما كنتم. وهذه عامة للخلق. وامر تعالى بالاستعانة بالصلاة. لان الصلاة هي عماد الدين ونور المؤمن وهي الصلة بين العبد وبين ربه. فاذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة مجتمعا فيها ما يلزم فيها وما يسن. وحصل فيها حضور القلب الذي لبها فصار العبد اذا دخل فيها استشعر دخوله على ربه ووقوفه بين يديه موقف العبد الخادم المتأدب مستحضرا لكل ما يقول وما يفعله مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه. لا جرم ان هذه الصلاة من اكبر المعونة على جميع الامور. فان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولان هذا الحضور الذي يكون في الصلاة يوجب للعبد في قلبه وصفا وداعيا يدعوه الى امتثال اوامر ربه واجتناب نواهيه هذه هي الصلاة التي امر الله ان نستعين بها على كل شيء. ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون. لما ذكر تبارك وتعالى الامر بالاستعانة بالصبر على جميع الامور كان نموذجا مما يستعان بالصبر عليه. وهو الجهاد في سبيله. وهو افضل الطاعات البدنية واشقها على النفوس. لمشقته في نفسه. ولكونه مؤديا للقتل وعدم الحياة التي انما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها. فكل ما يتصرفون به فانه سعي لها دفع لما يضادها. ومن المعلوم ان المحبوب لا يتركه العاقل. الا لمحبوب اعلى من هو اعظم. فاخبر تعالى ان من قتل في سبيله بان قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر لا لغير ذلك من الاغراض فانه لم تفته الحياة المحبوبة بل حصل له حياة اعظم واكمل مما تظنون وتحسبون. فالشهداء احياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما اتاهم الله من فضله بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل. وان الله لا يضيع المؤمنين فهل اعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى؟ وتمتعهم برزقه البدني من المأكولات والمشروبات اللذيذة والرزق الروحي وهو الفرح والاستبشار. وزوال كل خوف وحزن. وهذه حياة برزخية اكمل من الحياة الدنيا. بل قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان ارواح الشهداء في اجواف طيور خضر ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل معلقة بالعرش وفي هذه الاية اعظم حث على الجهاد في سبيل الله وملازمة الصبر عليه. فلو شعر العباد بمال المقتولين في سبيل الله من الثواب. لم عنه احد ولكن عدم العلم اليقيني التام هو الذي فتر العزائم. وزاد نوما نائم وافات الاجور العظيمة والغنائم. لم لا يكون كذلك والله تعالى قد اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون فوالله لو كان للانسان الف نفس تذهب نفسا فنفسا في سبيل الله. لم يكن عظيما في جانب هذا الاجر العظيم. ولهذا لا يتمنى شهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزاءه. الا ان يردوا الى الدنيا حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة. وفي الاية دليل على نعيم برزخ وعذابه كما تكاثرت بذلك النصوص ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموات اخبر تعالى انه لابد ان يبتلي عباده بالمحن ليتبين من الكاذب والجازع من الصابر. وهذه سنته تعالى في عباده. لان السراء لو استمرت لاهل الايمان ولم يحصل معها محنة. لحصل الاختلاط والذي هو فساد وحكمة الله تقتضي تمييز اهل الخير من اهل الشر. هذه فائدة المحن. لا ازالة ما مع المؤمنين من الايمان. ولا ردهم عن دينهم فما كان الله ليضيع ايمان المؤمنين. فاخبر في هذه الاية انه سيبتلي عباده بشيء من الخوف من الاعداء والجوع اي بشيء يسير منهما. لانه لو ابتلاهم بالخوف كله او الجوع لهلكوا. والمحن تمحص ولا تهلك. ونقص من الاموال. وهذا تشمل جميع النقص المعنوي للاموال من جوائز سماوية وغرق وضياع واخذ الظلمة للاموال من الملوك الظلمة وقطاع الطريق وغير ذلك ذلك والانفس اي ذهاب الاحباب من الاولاد والاقارب والاصحاب. ومن انواع الامراض في بدن العبد. او بدن من يحبه. والثمرات اي الحبوب وثمار النخيل والاشجار كلها والخضر. ببرد او برد او حرق او افة سماوية من جراد ونحوه فهذه الامور لابد ان تقع لان العليم الخبير اخبر بها فوقعت كما اخبر. فاذا وقعت انقسم الناس قسمين جازعين وصابرين الجزع حصلت له المصيبتان. فوات المحبوب وهو وجود هذه المصيبة وفوات ما هو اعظم منها. وهو الاجر بامتثال امر الله بالصبر بالخسارة والحرمان ونقص ما معه من الايمان. وفاته الصبر والرضا والشكران. وحصل له السخط الدال على شدة النقصان. واما من الله للصبر عند وجود هذه المصائب. فحبس نفسه عن التسخط قولا وفعلا واحتسب اجرها عند الله وعلم ان ما يدركه من الاجر بصبره اعظم من المصيبة التي حصلت له. بل المصيبة تكون نعمة في حقه. لانها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وانفع منها. فقد امتثل امر الله وفاز بالثواب. فلهذا قال تعالى وبشر الصابرين. اي بشرهم بانهم يوفون اجرهم بغير حساب. فالصابرون هم الذين بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة ثم وصفهم بقوله انا لله وانا اليه راجعون. الذين اذا اصابتهم مصيبة وهي كل ما يؤلم القلب او بدن او كليهما مما تقدم ذكره. قالوا انا لله اي مملوكون لله مدبرون تحت امره وتصريفه. فليس لنا من انفسنا واموالنا شيء. فاذا ابتلانا بشيء منها فقد تصرف ارحم الراحمين بمماليكه واموالهم. فلا اعتراض عليه. بل من كمال عبودية العبد علمه بان وقوع البلية من المالك الحكيم الذي ارحم بعبده من نفسه. فيوجب له ذلك الرضا عن الله والشكر له على تدبيره. لما هو خير لعبده وان لم يشعر بذلك. ومع اننا مملوكون لله فانا اليه راجعون يوم المعاد. فمجاز كل عامل بعمله. فان صبرنا واحتسبنا وجدنا اجرنا موفرا عنده. وان جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا الا السخط وفوات الاجر. فكون العبد لله وراجع اليه من اقوى اسباب الصبر. عليهم صلوات من ربهم ورحمة اولئك هم المهتدون. اولئك الموصوفون بالصبر المذكور عليهم صلوات من ربهم. اي ثناء وتنويه بحالهم ورحمة عظيمة. ومن رحمته اياهم ان وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الاجر. واولئك هم المهتدون الذين الحق وهو في هذا الموضع علمهم بانهم لله وانهم اليه راجعون. وعملوا به وهو هنا صبرهم لله. ودلت هذه الاية على ان من يصبر فله ضد ما لهم. فحصل له الذنب من الله والعقوبة والضلال والخسار. فما اعظم الفرق بين الفريقين وما اقل الصابرين واعظم عناء الجازعين. فقد اشتملت هاتان الايتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها. لتخف وتسهل اذا وقعت وبيان ما تقابل به اذا وقعت وهو الصبر. وبيان ما يعين على الصبر. وما للصابر من الاجر. ويعلم حال غير الصابر بضد للصابر وان هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت. ولن تجد لسنة الله تبديلا. وبيان انواع المصائب ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف به يخبر تعالى ان الصفا والمروة وهما معروفان من شعائر الله. اي اعلام دينه الظاهرة التي تعبد الله بها عباده. واذا كان من شعائر الله فقد امر الله بتعظيم شعائره فقال ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب. فدل مجموع النصين انهما من شعائر الله وان تعظيم من تقوى القلوب. والتقوى واجبة على كل مكلف. وذلك يدل على ان السعي بها فرض لازم للحج والعمرة. كما عليه الجمهور. ودلت فيه الاحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال خذوا عني مناسككم فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان وفبهما هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما. لكونهما في الجاهلية تعبد عندهم الاصنام. فنفى تعال الجناح بدفع هذا الوهم لا لانه غير لازم. ودل تقييد نفي الجناح في من تطوف بهما في الحج والعمرة. انه لا يتطوع بالسعير مفردا الا مع انضمامه لحج او عمرة. بخلاف الطواف بالبيت فانه يشرع مع العمرة والحج. وهو عبادة مفردة. فاما السعي الوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار فانها تتبع النسك. فلو فعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة. لان البدعة نوعان نوع لله بعبادة لم يشرعها اصلا. ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة. فتفعل على غير تلك الصفة. وهذا من وقوله ومن تطوع اي فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى خيرا من حج وعمرة وطواف وصلاة وصوم وغير ذلك فهو خير له. فدل هذا على انه كلما ازداد العبد من طاعة الله ازداد خيره وكماله ودرجته عند الله. لزيادة ايمانه الا تقييد التطوع بالخير ان من تطوع بالبدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله انه لا يحصل له الا العناء وليس بخير له بل قد يكون له ان كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل. فان الله شاكر عليم. الشاكر والشكور من اسماء الله تعالى الذي يقبله من عباده اليسيرة من العمل. ويجازيهم عليه العظيم من الاجر. الذي اذا قام عبده باوامره وامتثل طاعته. اعانه على ذلك. واثنى عليه مدحه وجزاه في قلبه نورا وايمانا وسعة. وفي بدنه قوة ونشاطا. وفي جميع احواله زيادة بركة ونماء. وفي اعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الاجل عند ربه كاملا موفرا. لم تنقصه هذه الامور. ومن شكره لعبده ان من ترك فشيئا لله اعاظه خيرا منه. ومن تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا. ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا. ومن اتاه يمشي اتاه مهرولة ومن عامله ربح عليه اضعافا مضاعفة. ومع انه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل. بحسب نيته وايمانه ممن ليس كذلك عليم باعمال العباد فلا يضيعها. بل يجدونها اوفر ما كانت. على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والمهدى من بعد ما بين هذه الاية وان كانت نازلة في اهل الكتاب وما كتموا من شأن للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته. فان حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما انزل الله من البينات. الدالات على الحق والهدى وهو العلم الذي تحصل به الهداية الى الصراط المستقيم. ويتبين به طريق اهل النعيم من طريق اهل الجحيم. فان الله اخذ المثال على اهل العلم بان يبينوا للناس ما من الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه. فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين كتم ما انزل الله والغش لعباد الله فاولئك يلعنهم الله اي يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته. ويلعنهم اللاعنون وهم جميع الخليقة عليهم اللعنة من جميع الخليقة. لسعيهم في غش الخلق وفساد اديانهم. وابعادهم من رحمة الله. فجوزوا من جنس عملهم. كما ان معلما ناس الخير يصلي الله عليه وملائكته حتى الحوت في جوف الماء لسعيه في مصلحة الخلق واصلاح اديانهم وقربهم من رحمة الله فجوزي من جنس عمله فالكاتم لما انزل الله مضاد لامر الله مشاق لله. يبين الله الايات للناس ويوضحها. وهذا يطمح ويعميها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد الا الذين تابوا اي رجعوا عما هم عليه من الذنوب ندما واقلاعا. وعزما على عدم المعاودة واصلحوا ما فسد من اعمالهم. فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن. ولا يكفي ذلك في الكاتم ايضا حتى يبين ما كتمه ويبدي ضد ما اخفى. فهذا يتوب الله عليه. لان توبة الله غير محجوب عنها. فمن اتى بسبب التوبة تاب الله عليه. لانه اي الرجاع على عباده بالعفو والصفح بعد الذنب اذا تابوا. وبالاحسان والنعم بعد المنع اذا رجعوا. الرحيم الذي اتصف بالرحمة العظيمة التي وسعت كل شيء. ومن رحمته ان وفقهم للتوبة والانابة. فتابوا وانابوا. ثم رحمهم بان قبل ذلك منهم لطفا وكرما. هذا حكم التائب من الذنب واما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع الى ربه ولم يتب اليه ولم ينب اليه ولم يتب عن قريب. فاولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. لانه لما صار كفرهم وصفا ثابتا صارت اللعنة في وصف ثابتا لا تزول. لان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب خالدين فيها اي في اللعنة او في العذاب والمعنيان متلازمان. لا يخفف عنهم العذاب بل عذابهم دائم شديد مستمر. ولا هم ينظرون اي يمهلون. لان وقت الامهال وهم الدنيا قد مضى. ولم يبقى لهم عذر فيعتذرون والهكم اله واحد لا اله الا هو لا اله الا هو يخبر تعالى وهو اصدق القائلين انه اله واحد اي متوحد منفرد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. فليس له شريك في ذاته ولا سمي له ولا كفو. ولا مثل ولا نظير. ولا خالق ولا مدمر غيره فاذا كان كذلك فهو المستحق لان يؤله ويعبد بجميع انواع العبادة. ولا يشرك به احد من خلقه. لانه الرحمن الرحيم المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة احد. فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي. فبرحمته وجدت المخلوقات وبرحمته قالت لها انواع الكمالات وبرحمته اندفع عنها كل نقمة. وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته والائه. وبين لهم كل ما يحتاجون اليه من مصالح دينهم ودنياهم بارسال الرسل وانزال الكتب. فاذا علم ان ما بالعباد من نعمة فمن الله. وان احدا من المخلوقين لا ينفع احد علم ان الله هو المستحق لجميع انواع العبادة. وان يفرد بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل. وغير ذلك من انواع عاد وان من اظلم الظلم واقبح القبيح ان يعدل عن عبادته الى عبادة العبيد. وان يشرك المخلوق من تراب برب الارباب. او يعبد مخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه. مع الخالق المدبر القادر القوي. الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء. ففي هذه الاية اثبات وحدانية الباري والهيته. وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين. وبيان اصل الدليل على ذلك وهو اثبات رحمته التي من اثار فيها وجود جميع النعم واندفاع جميع النقم فهذا دليل اجمالي على وحدانيته تعالى. ثم ذكر الادلة التفصيلية فقال ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع هذه الارض بعد موتها فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة المسخر بين السماء في ارضنا ايات لقوم يعقلون. اخبر تعالى ان في هذه المخلوقات العظيمة ايات. اي ادلة على وحدانية الباري الهيته وعظيم سلطانه ورحمته. وسائر صفاته. ولكنها لقوم يعقلون. اي لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له على حسب ما من الله على عبده من العقل. ينتفع بالايات ويعرفها بعقله وفكره وتدبره. ففي خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها. وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم. وتنظيمها لمصالح العباد. وفي خلق الارض مهادا للخلق يمكنهم القرار عليه والانتفاع بما عليها. والاعتبار ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير. وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها وحكمته التي بها اتقنها واحسنها ونظمها. وعلمه ورحمته التي بها اودع ما اودع. من منافع الخلق ومصالحهم. وضروراتهم وفي ذلك ابلغوا الدليل على كماله واستحقاقه ان يفرد بالعبادة. لانفراده بالخلق والتدبير والقيام بشؤون عباده. وفي اختلاف الليل والنهار وهو تعاقبهما على الدوام. اذا ذهب احدهما خلفه الاخر. وفي اختلافهما في الحر والبرد والتوسط. وفي الطول والقصر والتوسط وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح بني ادم وحيواناتهم وجميع ما على وجه الارض من اشجار ونوابت كل ذلك بانتظار امن وتدبير وتسخير تنبهر له العقول. وتعجز عن ادراكه من الرجال الفحول. ما يدل ذلك على قدرة مصرفها وعلمه وحكمته ورحمته واسعة ولطفه الشامل وتصريفه وتدبيره الذي تفرد به وعظمته وعظمة ملكه وسلطانه مما يوجب ان يؤله ويعبد ويفرد بالمحبة والتعظيم والخوف والرجاء. وبذل الجهد في محابه ومراضيه. وفي الفلك التي تجري في البحر وهي السفن والمراكب ونحوها. مما الله عباده صنعتها وخلق لهم من الايات الداخلية والخارجية ما اقدرهم عليها. ثم سخر لها هذا البحر العظيم. والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والاموال والبضائع التي هي من منافع الناس. وبما تقوم مصالحهم وتنتظم معايشهم. فمن الذي الهمهم صنعتها قدرهم عليها وخلق لهم من الالات ما به يعملونها. امن الذي سخر لها البحر تجري فيه باذنه وتسخيره والرياح؟ امن الذي خلق للمراكب البرية والبحرية النار والمعادن المعينة على حملها وحمل ما فيها من الاموال. فهل هذه الامور حصلت اتفاقا؟ ام استقلت فبعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز. الذي خرج من بطن امه لا علم له ولا قدرة. ثم خلق له ربه القدرة وعلمه ما يشاء تعليمه. ام اسخر لذلك رب واحد حكيم عليم لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء. بل الاشياء قد دانت لربوبيته واستكانت لعظمته وخضعت لجبروته. وغاية العبد الضعيف ان جعله الله جزءا من اجزاء الاسباب. التي بها وجدت هذه الامور العظام. فهذا يدل على الله وعنايته بخلقه. وذلك يوجب ان تكون المحبة كلها له. والخوف والرجاء وجميع الطاعة. والذل والتعظيم. وما انزل الله من السماء من ماء وهو المطر النازل من السحاب. فاحيا به الارض بعد موتها فاظهرت من انواع الاقوات واصناف النبات. ما هو من ضرورات الخلائق التي لا يعيشون بدونها. اليس ذلك دليلا على قدرة من انزله واخرج بهما اخرج. ورحمته ولطفه بعباده وقيامه بمصالحهم وشدة افتقانهم وضرورتهم اليه من كل وجه؟ اما يوجب ذلك ان يكون هو معبودهم والههم؟ اليس ذلك دليلا على احياء الموتى ومجازاة باعمالهم وبث فيها اي في الارض من كل دابة. اي نشر في اقطار الارض من الدواب المتنوعة. ما هو دليل على قدرته وعظمته ووحدانيته وسلطانه العظيم. وسخرها للناس ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع. فمنها ما يأكلون من لحمه ويشربون ومنها ما يركبون. ومنها ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم. ومنها ما يعتبر به. ومع انه بث فيها من كل دابة انه سبحانه هو القائم بارزاقهم المتكفل باقواتهم. فما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها وفي تصريف الرياح باردة وحارة وجنوبا وشمالا وشرقا ودبورا وبين ذلك وتارة تثير السحاب وتارة تؤلف وبين وتارة تلقحه وتارة تدره وتارة تمزقه وتزيل ضرره وتارة تكون رحمة وتارة ترسل بالعذاب فمن الذي صرفها هذا التصريف. واودع فيها من منافع العباد ما لا يستغنون عنه. وسخرها ليعيش فيها جميع الحيوانات. وتصلح الابدان والاشجار والحبوب نوابت الا العزيز الحكيم الرحيم. اللطيف بعباده المستحق لكل ذل وخضوع ومحبة وانابة وعبادة. وفي تسخير بين السماء والارض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير فيسوقه الله الى حيث شاء فيحيي به البلاد والعباد ويروي التلول والوهام وينزله على الخلق وقت حاجتهم اليه. فاذا كان يضرهم كثرته امسكه عنهم فينزله رحمة ولطفا. ويصرفه عناية وعطفا فما اعظم سلطانه واغزر احسانه والطف امتنانه. اليس من القبيح بالعباد ان يتمتعوا برزقه؟ ويعيشوا ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه. اليس ذلك دليلا على حلمه وصبره وعفوه وصفحه وعميم لطفه. فلله الحمد اولا واخرا ظاهرا وباطنا. والحاصل انه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات. وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات. وازداد تأمله للصنعة وما اودع فيها من لطائف البر والحكمة. علم بذلك انها خلقت للحق وبالحق. وانها صحائف ايات وكتب دلالات. على ما اخبر الله به نفسه ووحدانيته وما اخبرت به الرسل من اليوم الاخر. وانها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها اعرف ان العالم العلوي والسفلي كلهم اليه مفتقرون. واليه صامدون وانه الغني بالذات عن جميع المخلوقات. فلا اله الا الله ولا رب سواه ثم قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله ولو يرى الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا وان الله شديد ما احسن اتصال هذه الاية بما قبلها؟ فانه تعالى لما بين وحدانيته وادلتها القاطعة وبراهينها الساطعة الموصلة الى علم اليقين المزيلة لكل شك. ذكر هنا ان من الناس مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين اندادا لله. اي نظراء يساويهم في الله بالعبادة والمحبة والتعظيم والطاعة. ومن كان بهذه الحالة بعد اقامة الحجة وبيان التوحيد. علم انه عاند لله مشاق له. او معرض عن تدبر اياته والتفكر في مخلوقاته. فليس له ادنى عذر في ذلك. بل قد حقت عليه كلمة العذاب وهؤلاء الذين يتخذون الانداد مع الله. لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير. وانما يسوونهم به في العبادة. فيعبدونهم ليقربوهم اليه وفي قوله اتخذوا دليل على انه ليس لله ند. وانما المشركون جعلوا بعض المخلوقات اندادا لله. تسمية مجردة لفظا فارغا من المعنى. كما قال تعالى وجعلوا لله شركاء. قل سموهم ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن. فالمخلوق ليس ندا لان الله هو الخالق وغيره مخلوق. والرب الرازق ومن عاداه مرزوق. والله هو الغني وانتم الفقراء. وهو الكامل من كل الوجوه والعبيد ناقصون من جميع الوجوه. والله هو النافع الضار. والمخلوق ليس له من النفع والضر والامر شيء. فعلم علما يقينا بطلان قول من اتخذ ان من دون الله الهة واندادا. سواء كان ملكا او نبيا او صالحا او صنما او غير ذلك. وان الله هو المستحق للمحبة الكاملة التام فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله والذين امنوا اشد حبا لله اي من اهل الانداد لاندادهم لانهم اخلصوا محبتهم له وهؤلاء اشركوا بها. ولانهم احبوا من يستحقوا المحبة على الحقيقة. الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه. والمشركون احب من لا يستحق من الحب شيئا. ومحبته عين شقاء العبد وفساده. وتشتت امره. فلهذا توعدهم الله بقوله ولو الذين ظلموا باتخاذ الانداد والانقياد لغير رب العباد. وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله. وسعيهم فيما يضرهم. اذ يرون العذاب اي يوم القيامة عيانا بابصارهم ان القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب. اي لعلموا علما جازما ان القوة والقدرة لله كلها وان اندادهم ليس فيها من القوة شيء. فيتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها. لا كما اشتبه عليهم في الدنيا. وظنوا ان لها من الامر شيئا وانها تقربهم اليه وتوصلهم اليه. فخاب ظنهم وبطل سعيهم وحق عليهم شدة العذاب. ولم تدفع عنهم اندادهم شيئا ولم تغني عنه مثقال ذرة من النفع بل يحصل لهم الضرر منها من حيث ظنوا نفعها وتبرأ المتبوعون من التابعين وتقطعت انهم الوصل التي كانت في الدنيا لانها كانت لغير الله وعلى غير امر الله. ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له. فاضمحلت اعمالهم وتلاشت احوالهم اقوالهم وتبين لهم انهم كانوا كاذبين. وان اعمالهم التي يؤمنون نفعها وحصول نتيجتها. انقلبت عليهم حسرة وندامة. وانهم خالدون في النار لا يخرجون منها ابدا. فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بانه متبع الباطل. فعملوا العمل الباطل. ورجوا غير وتعلقوا بغير متعلق. فبطلت الاعمال ببطلان متعلقيها. ولما بطلت وقعت الحسرة بما فاتهم من الامل فيها. فضرتهم غاية الضرر وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين. واخلص العمل له ورجا نفعه. فهذا قد وضع الحق في موضعه. فكانت اعماله حقا لتعلقها بالحق. ففاز بنتيجة عمله ووجد جزاءه عند ربه غير منقطع. كما قال تعالى الذين كفروا وصدوا عن لله اضل اعمالهم. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد. وهو الحق من ربهم. كفر عنهم سيئاتهم واصلح اما لهم ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل. وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم. كذلك يضرب الله للناس امثالهم وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة منهم كما تبرأوا من كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم كذلك يريهم الله اعمالا وحينئذ يتمنى التابعون ان يردوا الى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم بان يتركوا الشرك بالله ويقبلوا على اخلاص العمل لله هيهات فات الامر وليس الوقت وقت امهال وانظار. ومع هذا فهم كذبة. فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. وانما هو قول يقولونه واما يتمنونها حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم. فرأس المتبوعين على الشر ابليس. ومع هذا يقول اتباعه لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي الا تلوموني ولوموا انفسكم يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا اتبعوا خطوات الشيطان ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين. هذا خطاب للناس كلهم. مؤمنهم وكافرهم. فامتن عليهم بان امرهم ان يأكلوا من جميع ما في الارض. من حبوب وثمار وفواكه وحيوانات. حالة كونها حلالا اي محللا لكم تناوله. ليس بغصب ولا سرقة ولا محصنا بمعاملة محرمة او وعلى وجه المحرم او معينا على محرم طيبا اي ليس بخبيث كالميتة والدم ولحم الخنزير والخبائث كلها ففي هذه في الاية دليل على ان الاصل في الاعيان الاباحة اكلا وانتفاعا. وان المحرم نوعان اما محرم لذاته وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب واما محرم لما عرض له وهو المحرم لتعلق حق الله او حق عباده به وهو ضد الحلال. وفيه دليل على ان الاكل بقدر ما يقيم بنية واجب يأثم تاركه لظاهر الامر. ولا ما امرهم باتباع ما امرهم به. اذ هو عين صلاحهم. نهاهم عن اتباع خطوات الشيطان بطرقه التي يأمر بها وهي جميع المعاصي من كفر وفسوق وظلم. ويدخل في ذلك تحريم الشوائب والحام. ونحو ذلك ويدخل فيه ايضا اول المأكولات المحرمة. انه لكم عدو مبين. اي ظاهر العداوة. فلا يريد بامركم الا غشكم. وان تكونوا من اصحاب السعير فلم يكتفي ربنا بنهينا عن اتباع خطواته. حتى اخبرنا وهو اصدق القائلين بعداوته الداعية للحذر منه. ثم لم يكتف بذلك حتى اخبرنا بتفصيل ما يأمر به وانه اقبح الاشياء واعظمها مفسدة. فقال انما يأمركم اي الشر الذي يسوء صاحبه فيدخل في ذلك جميع المعاصي. فيكون قوله والفحشاء من باب عطف الخاص على العام. لان الفحشاء من المعاصي ما تناهى قبحه كالزنا وشرب الخمر والقتل والقذف والبخل. ونحو ذلك مما يستفحشه من له عقل. وان تقولوا على الله ما لا تعلمون فيدخل في ذلك القول على الله بلا علم في شرعه وقدره. فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه او وصفه به رسوله او ونفى عنه ما اثبته لنفسه او اثبت له ما نفاه عن نفسه. فقد قال على الله بلا علم. ومن زعم ان لله ندا واوثانا تقرب من عبدها من الله. فقد قال على الله بلا علم. ومن قال ان الله احل كذا او حرم كذا. او امر بكذا. او نهى عن كذا بغير بصيرة. فقد قال على الله بلا علم. ومن قال ان الله خلق هذا الصنف من المخلوقات للعلة الفلانية. بلا برهان له بذلك. فقد قال على الله بلا علم. ومن اعظم القول على الله بلا علم ان يتأول المتأول كلامه او كلام رسوله على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال. ثم يقول ان الله ارادها فالقول على الله بلا علم من اكبر المحرمات واشملها واكبر طرق الشيطان التي يدعو اليها. فهذه طرق الشيطان التي يدعو فيها هو وجنوده ويبذلون مكرهم وخداعهم على اغواء الخلق بما يقدرون عليه. واما الله تعالى فانه يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. فلينظر العبد نفسه مع اي الداعيين هو. ومن اي الحزبين؟ اتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير سعادة الدنيوية والاخروية. الذي كل الفلاح بطاعته وكل الفوز في خدمته. وجميع الارباح في معاملته المنعم بالنعم الظاهرة الذي لا يأمر الا بالخير ولا ينهى الا عن الشر. ام تتبع داعي الشيطان الذي هو عدو الانسان؟ الذي يريد لك الشر. ويسعى يهده على اهلاكك في الدنيا والاخرة. الذي كل الشر في طاعته وكل الخسران في ولايته. الذي لا يأمر الا بشر ولا ينهى الا عن خير ثم اخبر تعالى عن حال المشركين اذا امروا باتباع ما انزل الله على رسوله مما تقدم وصفه رغبوا عن ذلك وقالوا واذا اه او لو كان اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتلون. بل نتبع ما عليه ابائنا فاكتفوا بتقليد الاباء وزهدوا في الايمان بالانبياء. ومع هذا فاباؤهم اجهل الناس واشدهم ضلالا. وهذه فيه شبهة لرد الحق واهية. فهذا دليل على اعراضهم عن الحق ورغبتهم عنه. وعدم انصافهم. فلو هدوا لرشدهم وحسن قصدهم لكان الحق هو القصد ومن جعل الحق قصده ووازن بينه وبين غيره. تبين له الحق قطعا واتبعه ان كان منصفا. ثم قال انا ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل وردهم لذلك بالتقليد. علم انهم غير قابلين للحق ولا مستجيبين له بل كان معلوما لكل احد انهم لن يزولوا عن عنادهم. اخبر تعالى ان مثلهم عند دعاء الداعي لهم الى الايمان. كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها وليس لها علم بما يقول داعيها ومناديها. فهم يسمعون مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة. ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم فلهذا كانوا صما لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول. عميا لا ينظرون نظر اعتبار. بكما فلا ينطقون بما فيه خير لهم سبب موجب لذلك كله انه ليس لهم عقل صحيح. بل هم اسفه السفهاء واجهل الجهلاء. فهل يستريب العاقل ان من دعي الى الرشاد عن الفساد ونهي عن اقتحام العذاب. وامر بما فيه صلاحه وفلاحه وفوزه ونعيمه. فعصى الناصح وتولى عن امر ربه واقتحم النار بصيرة واتبع الباطل ونبذ الحق ان هذا ليس له مسكة من عقل وانه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء انه من اسفه السفهاء يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه مياه تعبدون. هذا امر للمؤمنين خاصة بعد الامر العام. وذلك انهم هم المنتفعون على الحقيقة بالاوامر والنواهي بسبب فبايمانهم فامرهم باكل الطيبات من الرزق. والشكر لله على انعامه باستعمالها بطاعته. والتقوي بها على ما يوصل اليه. فامرهم بما امر به المرسلين في قوله يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا. فالشكر في هذه الاية هو العمل الصالح. وهنا لم يقل حلالا لان المؤمن اباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة. ولان ايمانه يحجزه عن تناول ما ليس له. وقوله ان كنتم اياه وتعبدون اي فاشكروه. فدل على ان من لم يشكر الله فلم يعبده وحده. كما ان من شكره فقد عبده واتى بما امر به. ويدل ايضا على ان اكل الطيب سبب للعمل الصالح وقبوله. والامر بالشكر عقب النعم. لان الشكر يحفظ النعم الموجودة. ويجلب النعم المفقودة ما ان الكفر ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة. ولما ذكرت على اباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله من اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم انما حرم عليكم الميتة وهي ما مات بغير تذكية شرعية. لان الميتة خبيثة مضرة لرداءتها في نفسها. ولان الاغلب ان تكون عن فيكون زيادة ضرر. واستثنى الشارع من هذا العموم ميتة الجراد وسمك البحر. فانه حلال طيب والدم اي المسفوح عقيد في الاية الاخرى وما اهل به لغير الله اي ذبح لغير الله كالذي يذبح للاصنام والاوثان من الاحجار والقبور ونحوها وهذا المذكور غير حاصل للمحرمات. جيء به لبيان اجناس الخبائث المدلول عليها بمفهوم قوله طيبات. فعموم المحرمات استفادوا من الاية السابقة من قوله حلالا طيبا كما تقدم. وانما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها لطفا بنا وتنزيها عن ومع هذا فمن اضطر اي الجأ الى المحرم بجوع وعدم او اكراه غير اي غير طالب للمحرم مع على الحلال او مع عدم جوعه ولا عاد. اي متجاوز الحد في تناول ما ابيح له اضطرارا. فمن اضطر وهو غير قادر على واكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها فلا اثم اي جناح عليه. واذا ارتفع الجناح رجع الامر الى ما كان عليه. والانسان في هذه الحالة مأمور بالاكيد. بل منهي ان يلقي بيده الى التهلكة وان يقتل نفسه. فيجب اذا عليه الاكل ويأثم ان ترك الاكل حتى فيكون قاتلا لنفسه. وهذه الاباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده. فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين غاية المناسبة فقال ان الله غفور رحيم. ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين وكان الانسان في هذه الحالة ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها. اخبر تعالى انه غفور فيغفر له ما اخطأ فيه في هذه الحال. خصوصا وقد غلبته واذهبت حواسه المشقة. وفي هذه الاية دليل على القاعدة المشهورة. الضرورات تبيح المحظورات. فكل محظور اضطر له الانسان فقد اباحه له الملك الرحمن فلله الحمد والشكر اولا واخرا. وظاهرا وباطنا ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك لا يأكلون في بطونهم الا النار. ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ثم لهم عذاب اليم. اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة هذا وعيد شديد لمن كتم ما انزل الله على رسله من العلم الذي اخذ الله الميثاق على اهله ان يبينوه للناس ولا يكتموه. فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي ونبذ امر الله. فاولئك ما ياكلون في بطونهم الا النار لان هذا الثمن الذي اكتسبوه انما حصل لهم باقمح المكاسب واعظم المحرمات. فكان جزاؤهم من جنس عملهم ولا يكلمهم الله يوم يوم القيامة بل قد سخط عليهم واعرض عنهم فهذا اعظم عليهم من عذاب النار. ولا يزكيهم اي لا يطهرهم من الاخلاق الرذيلة. وليس لهم اعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها. وانما لم يزكهم لانهم فعلوا اسباب عدم التزكية التي اعظم اسبابها العمل بكتاب الله والاهتداء به والدعوة اليه. فهؤلاء نبذوا كتاب الله واعرضوا عنه. واختاروا الضلالة على الهدى. والعذاب على المغفرة. فهؤلاء لا يصلح لهم الا النار. فكيف يصبرون عليها؟ وان لهم الجلد عليها؟ ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق فان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد. ذلك المذكور وهو مجازاة من عدل ومنعه اسباب الهداية. ممن اباها واختار سواها. بان الله نزل الكتاب بالحق. ومن الحق مجازاة المحسن باحسانه والمسيء باساءته. وايضا ففي قوله نزل الكتاب بالحق ما يدل على ان الله انزله لهداية خلقه. وتبيين الحق من الباطل والهدى من الضلال. فمن صرفه عن مقصوده فهو حقيق بان يجازى باعظم العقوبة. وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ايوة ان الذين اختلفوا في الكتاب فامنوا ببعضه وكفروا ببعضه. او الذين حرفوه وصرفوه على اهوائهم ومراداتهم. لفي شقاق اي محادة بعيد عن الحق. لانهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض. فمرج امرهم وكثر وترتب على ذلك افتراقهم بخلاف اهل الكتاب الذين امنوا به وحكموه في كل شيء. فانهم اتفقوا واتفقوا بالمحبة والاجتماع عليه وقد تضمنت هذه الايات الوعيدة للكاتمين لما انزل الله. المؤثرين عليه عرض الدنيا بالعذاب والسخط. وان الله لا يطهرهم بالتوفيق ولا بالمغفرة وذكر السبب في ذلك بايثارهم الضلالة على الهدى. فترتب على ذلك اختيار العذاب على المغفرة. لعملهم بالاسباب التي يعلمون انها موصلة لها. وان الكتاب مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه. وعدم الافتراق. وان كل من خالفه فهو في غاية البعد عن الحق والمنازعة والمخاصمة والله اعلم لكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين اتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وبنى السبيل والساقين وحين البأس كالذين صدقوا واولئك هم المتقون. يقول تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب اي ليس هذا هو البر المقصود من العباد. فيكون كثرة البحث فيه والجدال من العناء الذي ليس تحته الا الشقاق والخلاف. وهذا نظيره قوله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالسرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ونحو ذلك. ولكن البر من امن بالله اي بانه اله واحد موصوف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص. واليوم الاخر وهو كل ما اخبر الله به في كتابه او اخبر الرسول مما يكون بعد الموت والملائكة الذين وصفهم الله لنا في كتابه ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم والكتاب اي جنس الكتب التي انزلها الله على رسله واعظمها القرآن. فيؤمن بما تضمنه من الاخبار والاحكام. والنبيين عموما خصوصا خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم. واتى المال وهو كل ما يتموله الانسان من مال. قليلا كان او كثيرا. اي والمال على حبه اي حب المال. بين به ان المال محبوب للنفوس. فلا يكاد يخرجه العبد. فمن اخرجه مع حبه له تقربا الى الله تعالى كان هذا برهانا لايمانه. ومن ايتاء المال على حبه ان يتصدق وهو صحيح شحيح. يأمل الغنى ويخشى الفقر. وكذلك اذا كانت الصدقة عن قلة كانت افضل لانه في هذه الحال يحب امساكه لما يتوهمه من العدم والفقر. وكذلك اخراج النفيس من المال وما يحبه من ما له. كما قال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. فكل هؤلاء ممن اتى المال على حبه ثم ذكر المنفق عليهم وهم اولى الناس ببرك واحسانك من الاقارب الذين تتوجع لمصابهم وتفرح بسرورهم الذين يتناصرون ويتعاقلون فمن احسن البر واوفقه. تعاهد الاقارب بالاحسان المالي والقولي. على حسب قربهم وحاجتهم. ومن اليتامى الذين لا كاسب لهم وليس لهم قوة يستغنون بها. وهذا من رحمته تعالى بالعباد. الدالة على انه تعالى ارحم بعباده من الوالد بولده فالله قد اوصى العباد وفرض عليهم في اموالهم الاحسان الى من فقد اباؤهم. ليصيروا كمن لم يفقد والديه. ولان الجزاء من جنس العمل فمن رحم يتيم غيره رحم يتيمه. والمساكين وهم الذين اسكنتهم الحاجة واذلهم الفقر. فلهم حق على الاغنياء بما يدفع كانت لهم او يخففها بما يقدرون عليه وبما يتيسر. وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فحث الله عباده على من المال ما يعينه على سفره. لكونه مظنة الحاجة وكثرة المصارف. فعلى من انعم الله عليه بوطنه وراحته وخوله من ان يرحم اخاه الغريب الذي بهذه الصفة على حسب استطاعته ولو بتزويده او اعطائه الة لسفره او دفع ما ينوبه من الظالم وغيرها والسائلين اي الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج توجب السؤال كمن ابتلي بارش جناية او ضريبة عليه من الامور او يسأل الناس لتعمير المصالح العامة كالمساجد والمدارس والقناطر ونحو ذلك فهذا له حق وان كان غنيا رقاب فيدخل فيه العتق والاعانة عليه. وبذل مال للمكاتب ليوفي سيده. وفداء الاسرى عند الكفار او عند الظلمة. واقام الصلاة واتى الزكاة قد تقدم مرارا ان الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة. لكونهما افضل العبادات واكمل القربات. عبادات قلبية وبدنية ومالية وبهما يوزن الايمان. ويعرف ما مع صاحبه من الايقان. والموفون بعهدهم اذا عاهدوا. والعهد هو الالتزام بالزام الله او الزام العبد لنفسه فدخل في ذلك حقوق الله كلها لكون الله الزم بها عباده والتزموها ودخلوا تحت عهدتها وجب عليهم اداؤها وحقوق العباد التي اوجبها الله عليهم. والحقوق التي التزمها العبد كالايمان والنذور ونحو ذلك. والصابرين البأس اي الفقر لان الفقير يحتاج الى الصدر من وجوه كثيرة. لكونه يحصل له من الالام القلبية والبدنية المستمرة. ما لا يحصل في غيره فان تنعم الاغنياء بما لا يقدر عليه تألم. وان جاع او جاعت عياله تألم. وان اكل طعاما غير موافق لهواه تألم ان عري او كاد تألم وان نظر الى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألم. وان اصابه البرد الذي لا يقدر على نفعه تألم فكل هذه ونحوها مصائب يؤمر بالصبر عليها والاحتساب. ورجاء الثواب من الله عليها والضراء اي المرض على اختلاف انواعه من حمى وقروح ورياح ووجع عضو. حتى الضرس والاصبع ونحو ذلك. فانه يحتاج الى الصبر على ذلك. لان النفوس تضعف والبدن يألم وذلك في غاية المشقة على النفوس. خصوصا مع تطاول ذلك فانه يؤمر بالصبر احتسابا لثواب الله تعالى وحين البأس اي وقت القتال للاعداء المأمور بقتالهم. لان الجلاد يشق غاية المشقة على النفس. ويجزع الانسان من القتل او الجراح او الاسد فاحتيج الى الصبر في ذلك احتسابا. ورجاء لثواب الله تعالى الذي منه النصر والمعونة. التي وعدها الصابرين. اولئك اي المتصلين بما ذكر من العقائد الحسنة والاعمال التي هي اثار الايمان وبرهانه ونوره. والاخلاق التي هي جمال الانسان وحقيقته الانسانية فاولئك هم الذين صدقوا في ايمانهم لان اعمالهم صدقت ايمانهم واولئك هم المتقون. لانهم تركوا المحظور وفعلوا المأمور لان هذه الامور مشتملة على كل خصال الخير. تضمنا ولزوما. لان الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله. ولان العبادات المنصوص عليها في هذه الاية اكبر العبادات. ومن قام بها كان بما سواها اقوم. فهؤلاء هم الابرار الصادقون المتقون. وقد علم ما رتب الله على هذه الامور الثلاثة من الثواب الدنيوي والاخروي. مما لا يمكن تفصيله في مثل هذا الموضع. يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصص في القتل ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم يمتن تعالى على عباده المؤمنين بانه فرض عليهم القصاص في القتل. اي المساواة فيه. وان يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول اقامة للعدل والقسط بين العباد. وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين. فيه دليل على انه يجب عليهم كلهم حتى اولياء القاتل حتى القاتل بنفسه اعانة ولي المقتول اذا طلب القصاص. وتمكينه من القاتل. وانه لا يجوز لهم ان يحولوا بين هذا الحد ويمنعوا الولي هي من الاقتصاص كما عليه عادة الجاهلية ومن اشباههم من ايواء المحدثين. ثم بين تفصيل ذلك فقال الحر بالحر يدخل بمنطوقها الذكر بالذكر. والانثى بالانثى والانثى بالذكر. والذكر بالانثى. فيكون منطوقها مقدم على مفهوم قوله الانثى بالانثى مع دلالة السنة على ان الذكر يقتل بالانثى. وخرج من عموم هذا الابوان وان علوا. فلا يقتلان بالولد لورود السنة بذلك مع ان في قوله القصاص ما يدل على انه ليس من العدل ان يقتل الوالد بولده. ولان ما في قلب الوالد من الشفقة والرحمة ما يمنعه من القتل لولده. الا بسبب اختلال في عقله او اذية شديدة جدا من الولد له. وخرج من العموم ايضا الكافر وبالسنة مع ان الاية في خطاب المؤمنين خاصة. وايضا فليس من العدل ان يقتل ولي الله بعدوه. والعبد بالعبد ذكرا كان او انثى تساوت قيمهما او اختلفت. ودل بمفهومها على ان الحر لا يقتل بالعبد. لكونه غير مساو له والانثى بالانثى اخذ بمفهومها اهل العلم فلم يجز قتل الرجل بالمرأة وتقدم وجه ذلك. وفي هذه الاية دليل على ان الاصل وجوب القود في القتل. وان الدية فلهذا قال فمن عفي له من اخيه شيء اي عفا ولي المقتول عن القاتل الى الدية او عفا بعض الاولياء فانه يسقط والقصاص وتجب الدية. وتكون الخيرة في القود واختيار الدية الى الولي. فاذا عفا عنه وجب على الولي اي ولي المقتول ان يتبع قتل بالمعروف من غير ان يشق عليه. ولا يحمله ما لا يطيق. بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه. وعلى القاتل اداء اليه باحسان من غير مطل ولا نقص ولا اساءة فعلية او قولية. فهل جزاء الاحسان اليه بالعفو؟ الا الاحسان بحسن القضاء. وهذا مأمور به في كل لما ثبت في ذمم الناس للانسان مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف. ومن عليه الحق بالاداء باحسان. وفي قوله فمن عفي له من اخيه ترقيق وحث على العفو الى الدية. واحسن من ذلك العفو مجانا. وفي قوله اخيه دليل على ان القاتل لا يكفر. لان المراد اخوتي هنا اخوة الايمان. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الايمان. فلم يخرج بالقتل منها. ومن باب اولى ان سائر المعاصي التي هي دون الكفر لا يكفر بها فاعلها وانما ينقص بذلك ايمانه. واذا عفا اولياء المقتول او عفا بعضهم احتقن دم القاتل. وصار معصوما منهم ومن غيرهم. ولهذا قال فمن اعتدى بعد ذلك اي بعد العفو فله عذاب اليم. اي في الاخرة. واما قتل وعدمه فيؤخذ مما تقدم. لانه قتل مكافئا له فيجب قتله بذلك. واما من فسر العذاب الاليم بالقتل. فان الاية تدل على انه يتعين قتله ولا يجوز العفو عنه. وبذلك قال بعض العلماء والصحيح الاول لان جنايته لا تزيد على جناية غيره. ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص. فقال ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم اتقون. ولكم في القصاص حياة. اي تنحقن بذلك الدماء وتنقمع به الاشقياء. لان من عرف انه مقتول اذا لا يكاد يصدر منه القتل. واذا رؤي القاتل مقتولا انذعر بذلك غيره وانزجر. فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل باب الشر الذي يحصل بالقتل وهكذا سائر الحدود الشرعية. فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار. ونكر الحياة لافادة التعظيم والتكثير. ولما كان هذا الحكم لا يعرف حقيقته الا اهل العقول الكاملة. والالباب الثقيلة. خصهم بالخطاب دون غيرهم وهذا يدل على ان الله تعالى يحب من عباده ان يعملوا افكارهم وعقولهم في تدبر ما في احكامه من الحكم والمصالح الدالة على كماله وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة. وان من كان بهذه المثابة فقد استحق المدح بانه من ذوي الالباب الذين وجه اليهم خطاب وناداهم رب الارباب وكفى بذلك فضلا وشرفا لقوم يعقلون. وقوله لعلكم تتقون. وذلك ان من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الاسرار العظيمة والحكم البديعة. والايات الرفيعة. اوجب له ذلك ان ينقاد لامر الله. ويعظم معاصيه فيستحق بذلك ان يكون من المتقين كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حق حقا على المتقين. اي فرض الله عليكم يا معشر المؤمنين. اذا حضر احدكم الموت اي اسبابه كالمرض المشرف على الهلاك وحضور اسباب المهالك وكان قد ترك خيرا اي مالا وهو المال الكثير عرفا. فعليه ان يوصي لوالديه واقرب الناس اليه بالمعروف على قدر حاله من غير سرف ولا اقتصاد على الابعد دون الاقرب. بل يرتبهم على القرب والحاجة. ولهذا اتى فيه بافعال التفضيل. وقوله حقا على المتقين دل على وجوب ذلك لان الحق هو الثابت. وقد جعله الله من موجبات التقوى. واعلم ان جمهور المفسرين يرون ان ان هذه الاية منسوخة باية المواريث. وبعضهم يرى انها في الوالدين والاقربين غير الوارثين. مع انه لم يدل على التخصيص بذلك دليل والاحسن في هذا ان يقال ان هذه الوصية للوالدين والاقربين مجملة ردها الله تعالى الى العرف الجاري. ثم ان الله تعالى قدر للوالدين لدين الوارثين وغيرهما من الاقارب الوارثين هذا المعروف في ايات المواريث بعد ان كان مجملا. وبقي الحكم في من لم يرثه من الوالدين نعين من الارث وغيرهما ممن حجب بشخص او وصف. فان الانسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم احق الناس ببره. وهذا القول تتفق عليه الامة ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين. لان كلا من القائلين بهما كل منهم لاحظ ملحظا واختلف المورد. فبهذا جمع يحصل الاتفاق والجمع بين الايات. لانه مهما امكن الجمع كان احسن من ادعاء النسخ. الذي لم يدل عليه دليل صحيح. ولما كان اوصي قد يمتنع من الوصية لما يتوهمه ان من بعده قد يبدل ما وصى به. قال تعالى ان الله سميع عليم. فمن ان الله غفور رحيم فمن بدله اي الاساءة للمذكورين او غيرهم بعد ما سمعه اي بعدما عقله وعرف طرقه وتنفيذه فانما اثمه على الذين يبدلونه. والا فالموصي وقع اجره على الله. وانما الاثم على المبدل المغير. ان الله سميع. يسمع سائر الاصوات ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته. فينبغي له ان يراقب من يسمعه ويراه. وان لا يجور في وصيته. عليم بنيته وعليم بعمل الموصى اليه. فاذا اجتهد الموصي وعلم الله من نيته ذلك. اثابه ولو اخطأ. وفيه التحذير للموصى اليه من التبديل فان الله عليم به مطلع على ما فعله. فليحذر من الله هذا حكم الوصية العادلة. واما الوصية التي فيها حيف وجنف واثم ينبغي لمن حضر الموصي وقت الوصية بها ان ينصحه بما هو الاحسن والاعدل. وان ينهاه عن الجور والجنف وهو الميل بها عن خطأ. من غير تعمد والاثم وهو التعمد لذلك. فان لم يفعل ذلك فينبغي له ان يصلح بين الموصى اليهم. ويتوصل الى العدل بينهم على وجه التراضي والمصالحة ووعظهم بتبرئة ذمة ميتهم. فهذا قد فعل معروفا عظيما. وليس عليه اثم. كما على مبدل الوصية الجائزة. ولهذا قال قال ان الله غفور ان يغفر جميع الزلات ويصفح عن التبعات لمن تاب اليه. ومنه مغفرته لمن غض من نفسه وترك بعض حقه لاخيه لان من سامح سامحه الله غفور لميتهم الجائر في وصيته. اذا احتسبوا بمسامحة بعضهم بعضا لاجل براءة ذمته. رحيم بعباده حيث شرع لهم كل امر به يتراحمون ويتعاطفون. فدلت هذه الايات على الحث على الوصية وعلى بيان من هي له. وعلى وعيد الوصية العادلة والترغيب في الاصلاح في الوصية الجائرة كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. يخبر تعالى بما من به على عباده بانه فرض عليهم الصيام كما فرضه على الامم السابقة لانه من الشرائع والاوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان وفيه تنشيط لهذه الامة بان ينبغي لكم ان تنافسوا غيركم في تكميل الاعمال. والمسارعة الى صالح الخصال وانه ليس من الامور الثقيلة التي اختصيتم بها. ثم تعالى حكمته في مشروعية الصيام. فقال لعلكم تتقون. فان الصيام من اكبر اسباب التقوى. لان فيه امتثال امر الله واجتناب فمما اشتمل عليه من التقوى ان الصائم يترك ما حرم الله عليه من الاكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل اليها نفسه بذلك الى الله راجيا بتركها ثوابه فهذا من التقوى. ومنها ان الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى. فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه. لعلمه باطلاع الله عليه. ومنها ان الصيام يضيق مجاري الشيطان. فانه يجري من ابن ادم مجرى الدم فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي. ومنها ان الصائم في الغالب تكثر طاعته. والطاعات من خصال التقوى. ومنها ان الغني اذا ذاق الم الجوع اوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين. وهذا من خصال التقوى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. فمن تطوع خيرا فهو خير ولما ذكر انه فرض عليه الصيام اخبر انه ايام معدودات. اي قليلة في غاية السهولة. ثم سهل تسهيلا اخر. فقال فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. وذلك للمشقة في الغالب رخص الله لهما في الفطر. ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن امرهما ان يقضياه في ايام اخر. اذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة. وفي قوله فعدة من ايام فيه دليل على انه يقضي عدد ايام رمضان. كاملا كان او ناقصا. وعلى انه يجوز ان يقضي اياما قصيرة باردة. عن ايام طويلة حارة كالعكس وقوله وعلى الذين يطيقونه ان يطيقون الصيام فدية عن كل يوم يفطرونه طعام مسكين وهذا في ابتداء فرض الصيام لما كانوا غير معتادين للصيام. وكان فرضه حتما فيه مشقة عليهم. درجهم الرب الحكيم باسهل وخير المطيق للصوم بين ان يصوم وهو افضل او يطعم. ولهذا قال وان تصوموا خير لكم. ثم بعد ذلك جعل الصيام حتما على المطيق. وغير المطيق يفطر ويقضيه في ايام اخر. وقيل وعلى الذين يطيقونه ان يتكلفونه ويشق عليهم من مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير. فدية عن كل يوم مسكين. وهذا هو الصحيح شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى هدى للناس وبينات من الهدى والفضل طرقان فمن شهد منكم الشهر فليصم ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اي الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان. الشهر العظيم الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم. وهو القرآن القرآن الكريم المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية. وتبيين الحق باوضح بيان والفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال واهل السعادة واهل الشقاوة. فحققوا بشهر هذا فضله. وهذا احسان الله عليكم فيه. ان يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام فلما قرره وبين فضيلته وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه هذا فيه تعيين الصيام على القدر الصحيح الحاضر. ولما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصة. اعاد الرخصة للمريض والمسافر. لئلا يتوهم ان الرخصة ايضا منسوخة. فقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. اي يريد الله تعالى ان ييسر عليكم الطرق الموصلة الى رضوانه اعظم تيسير ويسهلها اشد تسهيل. ولهذا كان جميع ما امر الله به عباده في غاية السهولة في اصله. واذا حصلت بعض عوارض موجبة لثقله سهله تسهيلا اخر. اما باسقاطه او تخفيفه بانواع التخفيفات. وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لان تفاصيلها جميع الشرعيات ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات. ولتكملوا العدة وهذا والله اعلم. لان لا يتوهم متوهم ان صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه رفع هذا الوهم بالامر بتكميل عدته وبشكر الله تعالى عند اتمامه على توفيقه تسهيله وتبينه لعباده. وبالتكبير عند انقضائه ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال الى فراغ خطبة العيد واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع. اجيب دعوة فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون هذا جواب سؤال سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه فقالوا يا رسول الله اقريب ربنا فنناجيه ام بعيد فنناديه فنزل واذا سألك عبادي عني فاني قريب. لانه تعالى الرقيب الشهيد المطلع على السر واخفى خائنة الاعين وما تخفي الصدور. فهو قريب ايضا من داعيه بالاجابة. ولهذا قال اجيب دعوة الداعي اذا دعان. والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة. والقرب نوعان قرب بعلمه من كل خلقه. وقرب من عابديه وداعيه بالاجابة والمعونة والتوفيق. فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع. ولم يمنع مانع من اجابة الدعاء كأكل الحرام ونحوه. فان الله قد وعدهم بالاجابة وخصوصا اذا اتى باسباب اجابة الدعاء وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لاوامره ونواهيه القولية والفعلية والايمان به الموجب للاستجابة. فلهذا قال فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. اي يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية الايمان والاعمال الصالحة. ويزول عنهم الغي المنافي للايمان والاعمال الصالحة. ولان الايمان بالله والاستجابة لامره سبب لحصول العلم كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. ثم قال تعالى احل لكم ليلة كالصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن. علم الله انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالان باشروهن حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. ولا تباشروهن انتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها. كذلك يبين الله اياته كان في اول فرض الصيام يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الاكل والشرب اجتماع فحصلت المشقة لبعضهم فخفف الله تعالى عنهم ذلك. فاباح في ليالي الصيام كلها الاكل والشرب والجماع. سواء نام او لم لكونهم يختارون انفسهم بترك بعض ما امروا به. فتاب الله عليكم بان وسع لكم امرا كان لولا توسعته موجبا للاثم وعفى عنكم ما سلف من التخون. فالان بعد هذه الرخصة والسعة من الله باشروهن وطئا وقبلة ولمسا وغير ذلك وابتغوا ما كتب الله لكم. اينوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب الى الله تعالى. والمقصود الاعظم من الوطء. وهو حصول الذرية واعفاف فرجه وفرج زوجته. وحصول مقاصد النكاح. ومما كتب الله لكم ليلة القدر الموافقة لليالي صيام رمضان فلا ينبغي لكم ان تشتغلوا بهذه اللذة عنها وتضيعوها. فاللذة مدركة وليلة القدر اذا فاتت لم تدرك. وكلوا واشربوا حتى بين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. هذا غاية للاكل والشرب والجماع. وفيه انه اذا اكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه وفيه دليل على استحباب السحور للامر. وانه يستحب تأخيره اخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد. وفيه ايضا دليل على على انه يجوز ان يدركه الفجر وهو جنب من الجماع. قبل ان يغتسل ويصح صيامه. لان لازم اباحة الجماع الى طلوع الفجر. ان الفجر وهو جنب ولازم الحق حق. ثم اذا طلع الفجر اتموا الصيام اي الامساك عن المفطرات الى الليل. وهو غروب الشمس ولما كان اباحة الوطء في ليالي الصيام ليست اباحته عامة لكل احد. فان المعتكف لا يحل له ذلك. استثناه بقوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد. اي وانتم متصفون بذلك. ودلت الاية على مشروعية الاعتكاف. وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى وانقطاعا اليه. وان الاعتكاف لا يصح الا في المسجد. ويستفاد من تعريف المساجد انها المساجد المعروفة عندهم وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس. وفيه ان الوطأ من مفسدات الاعتكاف. تلك المذكورات وهو تحريم الاكل والشرب والجماع. ونحوه من المفطرات في الصيام وتحريم الفطر على غير المعذور وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات حدود الله التي حدها عباده ونهاهم عنها فقال فلا تقربوها ابلغ من قوله فلا تفعلوها. لان القربان يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه والنهي عن وسائله الموصلة اليه. والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد عنها غاية ما يمكنه. وترك كل سبب يدعو اليها. واما الاوامر فيقول الله فيها تلك حدود الله فلا تعتدوها فينهى عن مجاوزتها كذلك اي بين الله لعباده الاحكام السابقة اتم تبيين واوضحها لكم اكمل ايضاح يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون. فانهم اذا بان لهم الحق اتبعوه واذا تبين لهم الباطل اجتنبوه. فان الانسان قد يفعل المحرم على وجه الجهل بانه محرم. ولو علم تحريمه لم يفعله. فاذا بين الله اياته لم يبقى لهم عذر ولا حجة فكان ذلك سببا للتقوى. ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالاثم اي ولا تأخذوا اموالكم اي اموال اضافها اليهم لانه ينبغي للمسلم ان يحب لاخيه ما يحب لنفسه. ويحترم ما له كما يحترم ما له. ولان اكله لما لغيره يجرؤ غيره على اكل ماله عند القدرة. ولما كان اكلها نوعين نوعا بحق ونوعا بباطل. وكان المحرم انما هو اكلها بالباطل ايده تعالى بذلك ويدخل في ذلك اكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة او عارية او نحو ذلك. ويدخل فيه ايضا اخذها على وجه المعاوضة بمعاوضة محرمة كعقود الربا والقمار كلها. فانها من اكل المال بالباطل. لانه ليس في مقابلة عوض مباحة ويدخل في ذلك اخذها بسبب غش في البيع والشراء والاجارة ونحوها. ويدخل في ذلك استعمال الاجراء واكل اجرتهم. وكذلك خذهم اجرة على عمل لم يقوموا بواجبه. ويدخل في ذلك اخذ الاجرة على العبادات والقربات التي لا تصح. حتى يقصد بها وجه الله تعالى يدخل في ذلك الاخذ من الزكوات والصدقات والاوقاف. والوصايا لمن ليس له حق منها او فوق حقه. فكل هذا ونحوه من اكل المال بالباطل فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع الى حاكم الشرع وادلى من يريد اكلها بالباطن بحجة غلبت حجة المحق. وحكم له الحاكم بذلك. فان حكم الحاكم لا يبيح محرما ولا يحلل حراما. انما يحكم على نحو مما يسمع والا فحقائق الامور باقية فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ولا شبهة ولا استراحة. فمن ادلى الى الحاكم بحجة باطلة وحكم له بذلك فانه لا يحل له. ويكون اكلا لما لغيره بالباطل والاثم. وهو عالم بذلك. فيكون ابلغ في عقوبته واشد في نكاله وعلى هذا فالوكيل اذا علم ان موكله مبطل في دعواه لم يحل له ان يخاصم عن الخائن كما قال تعالى ولا تكن للخائن خائنين خصيما يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر ان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها البيوت من ابوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون. يقول تعالى يسألونك عن الاهل جمع هلال ما فائدتها وحكمتها؟ او عن ذاتها؟ قل هي مواقيت للناس اي جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا تدبير يبدو الهلال ضعيفا في اول الشهر. ثم يتزايد الى نصفه. ثم يشرع في النقص الى كماله. وهكذا ليعرف الناس بذلك مواقيت عبادته من الصيام واوقات الزكاة والكفارات واوقات الحج. ولما كان الحج يقع في اشهر معلومات. ويستغرق اوقاتا كثيرة قال والحج وكذلك تعرف بذلك اوقات الديون المؤجلات. ومدة الايجارات ومدة العدد والحمل. وغير ذلك مما هو من الخلق فجعله تعالى حسابا يعرفه كل احد من صغير وكبير وعالم وجاهل. فلو كان الحساب بالسنة الشمسية لم يعرفه الا من الناس وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها. وهذا كما كان الانصار وغيرهم من العرب. اذا احرموا لم يدخلوا البيوت من ابوابها تعبدا بذلك وظنا انه بر. فاخبر الله انه ليس ببر. لان الله تعالى لم يشرعه لهم. وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله فهو متعبد ببدعة. وامرهم ان يأتوا البيوت من ابوابها لما فيه من السهولة عليهم. التي هي قاعدة من قواعد الشرع ويستفاد من اشارة الاية انه ينبغي في كل امر من الامور ان يأتيه الانسان من الطريق السهل القريب الذي قد جعل له موصلا. فالامر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي ان ينظر في حالة المأمور ويستعمل معه الرفق والسياسة التي بها يحصل المقصود او بعضه. والمتعلم والمعلم معلم ينبغي ان يسلك اقرب طريق واسهله. يحصل به مقصوده. وهكذا كل من حاول امرا من الامور. واتاهم من ابوابه وثابر عليه فلا بد ان يحصل له المقصود بعون الملك المعبود. واتقوا الله هذا هو البر الذي امر الله به. وهو لزوم تقواه على الدوام. بامتثال واجتناب نواهيه. فانه سبب للفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب. والنجاة من المرهوب. فمن لم يتق الله تعالى لم يكن له سبيل الى الفلاح ومن اتقاه فاز بالفلاح والنجاح. وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا هذه الايات تتضمن الامر بالقتال في سبيل الله. وهذا كان بعد الهجرة الى المدينة لما قوي المسلمون للقتال امرهم الله به بعدما كانوا مأمورين بكف ايديهم وفي تخصيص القتال في في سبيل الله حث على الاخلاص ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين. الذين يقاتلونكم اي الذين هم مستعدون لقتالكم. وهم المكلفون الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال. والنهي عن الاعتداء يشمل انواع الاعتداء كلها. من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين والاطفال والرهبان ونحوهم. والتمثيل بالقتلى وقتل الحيوانات وقطع الاشجار ونحوها. بغير مصلحة تعود للمسلمين مين؟ ومن الاعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية اذا بذلوها. فان ذلك لا يجوز. واقتلوهم حيث ثقفتموهم ثم اخرجوهم من حيث اخرجوهم والفتنة اشد من القتل. ولا تقاتلوهم عند المسجد في الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان انتهوا فان الله غفور رحيم. واقتلوهم حيث ثقفتموهم. هذا امر بقتال بهم اينما وجدوا في كل وقت وفي كل زمان قتال مدافعة وقتال مهاجمة ثم استثنى من هذا العموم قتالهم عند المسجد الحرام وانه لا يجوز الا ان يبدأوا بالقتال. فانهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم. وهذا مستمر في كل وقت حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا فان الله يتوب عليهم. ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله والشرك في المسجد الحرام. وصد الرسول والمؤمنين عنه. وهذا من وكرمه بعباده. ولما كان القتال عند المسجد الحرام يتوهم انه مفسدة في هذا البلد الحرام. اخبر تعالى ان المفسدة بالفتنة عنده بالشرك والصد عن دينه. اشد من مفسدة القتل. فليس عليكم ايها المسلمون حرج في قتالهم. ويستدل بهذه الاية على المشهورة وهي انه يرتكب اخف المفسدتين لدفع اعلاهما. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله. فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين. ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله. وانه ليس المقصود به سفك دماء الكفار واخذ اموالهم. ولكن المقصود به ان يكون الدين لله تعالى في ظهر دين الله تعالى على سائر الاديان. ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره. وهو المراد بالفتنة. فاذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال فان انتهوا عن قتالكم عند المسجد الحرام فلا عدوان الا على الظالمين. اي فليس عليهم منكم اعتداء الا من ظلم منهم فانه يستحق المعاقبة بقدر ظلمه واتقوا الله واعلموا يقول تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام يحتمل ان يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عام الحديبية عن الدخول لمكة وقضوهم على دخولها من قبل. وكان الصد والقضاء في شهر حرام وهو ذو القعدة فيكون هذا بهذا فيكون فيه تطييب لقلوب الصحابة بتمام نسكهم وكماله. ويحتمل ان يكون المعنى انكم ان قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه وهم المعتدون. فليس عليكم في ذلك حرج. وعلى هذا فيكون قوله والحرمات قصاص من باب عطف العام على الخاص اي كل شيء يحترم من شهر حرام او بلد حرام او احرام او ما هو اعم من ذلك جميع ما امر الشرع باحترامه فمن تجرأ عليها فانه يقتص منه. فمن قاتل في الشهر الحرام قاتل. ومن هتك البلد الحرام اخذ منه الحد. ولم يكن له ومن قتل مكافئا له قتل به. ومن جرحه او قطع عضوا منه اقتص منه. ومن اخذ مال غيره المحترم اخذ منه بدله. ولكن لصاحب الحق ان يأخذ من ماله بقدر حقه ام لا؟ خلاف بين العلماء الراجح من ذلك انه ان كان سبب الحق ظاهرا كالضيف اذا لم يكره غيره والزوجة والقريب اذا امتنع من تجب عليه النفقة من الانفاق عليه. فانه يجوز اخذه من ما له. وان كان السبب خفيا كمن جحد دين غيره او خانه في وديعة او سرق منه ونحو ذلك فانه لا يجوز ان يأخذ من ماله مقابلة له جمعا بين ادلة. ولهذا قال تعالى تأكيدا وتقوية لما تقدم. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. هذا تفسير لصفة قصة وانها هي المماثلة في مقابلة المعتدي. ولما كانت النفوس في الغالب لا تقف على حدها اذا رخص لها في المعاقبة قال بها التشفي. امر تعالى بلزوم تقواه التي هي الوقوف عند حدوده وعدم تجاوزها. واخبر تعالى انه مع المتقين. اي بالعون والنصر والتأييد والتوفيق. ومن كان الله معه حصل له السعادة الابدية. ومن لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه وخذله له الى نفسه فصار هلاكه اقرب اليه من حبل الوريد من التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين يأمن تعالى عباده بالنفقات في سبيله وهو اخراج الاموال في الطرق الموصلة الى الله. وهي كل طرق الخير من صدقة على مسكين. او قريب او انفاق على من تجب واعظم ذلك واول ما دخل في ذلك. الانفاق في الجهاد في سبيل الله. فان النفقة فيها جهاد بالمال. وهو فرض كالجهاد بالبدن وفيها من المصالح العظيمة الاعانة على تقوية المسلمين وعلى توهية الشرك واهله وعلى اقامة دين الله واعزازه. فالجهاد في سبيل سبيل الله لا يقوم الا على ساق النفقة. فالنفقة له كالروح لا يمكن وجوده بدونها. وفي ترك الانفاق في سبيل الله ابطال للجهاد وتسليط للاعداء وشدة تكالبهم. فيكون قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة كالتعليل لذلك. والالقاء وباليد الى التهلكة يرجع الى امرين ترك ما امر به العبد اذا كان تركه موجبا او مقارب لهلاك البدن او الروح وفعل ما هو سبب موصل الى تلف النفس او الروح. فيدخل تحت ذلك امور كثيرة. فمن ذلك ترك الجهاد في سبيل الله او النفقة فيه. الموجب لتسلط اعداء ومن ذلك تغرير الانسان بنفسه في مقاتلة او سفر مخوف او محل مسبعة او حيات او يصعد شجرا او بنيانا خطرا او ادخلوا تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك. فهذا ونحوه ممن القى بيده الى التهلكة. ومن الالقاء باليد الى التهلكة. الاقامة على معاصيه واليأس من التوبة ومنها ترك ما امر الله به من الفرائض التي تركها هلاك للروح والدين. ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعا من انواع الاحسان امر بالاحسان عموما. فقال واحسنوا ان الله يحب المحسنين. وهذا يشمل جميع انواع الاحسان لانه لم يقيده بشيء دون شيء. فيدخل فيه الاحسان بالمال كما تقدم. ويدخل فيه الاحسان بالجاه بالشفاعات ونحو ذلك. ويدخل في الاحسان بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع. ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم وازالة شداتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وارشاد ضالهم واعانة من يعمل عملا. والعمل لمن لا يحسن العمل. ونحو ذلك مما هو من الاحسان الذي امر الله به. ويدخل في الاحسان ايضا الاحسان في عبادة الله تعالى. وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فمن اتصف بهذه الصفات كانوا من الذين قال الله فيهم للذين احسنوا حسنى وزيادة. وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل اموره. ولما فرغ تعالى من ذكر احكام الصيام فالجهاد ذكر احكام الحج فقال رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله من صيام او صدقة او نسك. فاذا امنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج ما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعن ذلك لمن لم يكن اهله حاضر المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا ان الله شديد العقاب. يستدل بقوله تعالى واتموا الحج والعمرة على امور احدها وجوب الحج والعمرة وفرضيتهما. الثاني وجوب اتمامهما باركانهما وواجباتهما التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله خذوا عني مناسككم. الثالث ان فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة. الرابع ان الحج والعمرة يجب اتمامهما بالشروع فيهما. ولو كانا نفلا. الخامس الامر باتقانهما واحسانهما. وهذا زائد على فعل ما يلزم لهما. السادس وفيه الامر باخلاصهما لله تعالى. السابع انه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الاشياء حتى يكملهما الا بما استثناه الله وهو الحصر. فلهذا قال فان احصرتم اي منعتم من الوصول الى البيت لتكميلهما بمرض او ضلالة او عدو ونحو ذلك من انواع الحصر الذي هو المنع فما استيسر من الهدي اي فاذبحه ما استيسر من الهدي وهو سبع بدنة او سبع بقرة او شاة يذبحها المحصر ويحلق ويحل من احرامه بسبب الحصر. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما صدهم المشركون عام الحديبية فان لم يجد الهدي فليصم بدله عشرة ايام كما في المتمتع ثم يحل ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله. وهذا من محظورات الاحرام. ازالة الشعر بحلق او غيره. لان المعنى واحد من الرأس او من البدن لان المقصود من ذلك حصول الشعث والمنع من الترفه بازالته. وهو موجود في بقية الشعر. وقاس كثير من من العلماء على ازالة الشعر تقليم الاظفار بجامع الترفه. ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ الهدي محله. وهو يوم النحر والافضل ان يكون الحلق بعد النحر كما تدل عليه الاية. ويستدل بهذه الاية على ان المتمتع اذا ساق الهدي لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر فاذا طاف وسعى للعمرة احرم بالحج ولم يكن له احلال بسبب سوق الهدي وانما منع تبارك وتعالى من ذلك لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له. والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد. وليس عليه في ذلك من ضرر. فاذا حصل الضرر بان كان به هذا من مرض ينتفع بحلق رأسه له او قروح او قمل ونحو ذلك فانه يحل له ان يحلق رأسه ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة ايام او صدقة على ستة مساكين. او نسك ما يجزئ في اضحية فهو مخير. والنسك افضل. فالصدقة في الصيام ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك من تقليم الاظفار او تغطية الرأس او لبس المخيط او التطيب فانه يجوز عند الضرورة عوجوا بالفدية المذكورة لان القصد من الجميع ازالة ما به يترفه. ثم قال تعالى فاذا امنتم اي بان قدرتم على البيت من غير ما عدو وغيره فمن تمتع بالعمرة الى الحج بان توصل بها اليه وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها فما استيسر من الهدي اي فعليه ما تيسر من الهدي وهو ما يجزئ في اضحية. وهذا دم نسك. مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة. ولانعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة وقبل الشروع في الحج. ومثلها القران لحصول النسكين له. ويدل مفهوم الاية على ان المفرد للحج ليس عليه هدي. ودلت الاية على جواز بل فضيلة المتعة. وعلى جواز فعلها في اشهر الحج. فمن لم يجد اي الهدي او ثمنه فصيام ثلاثة ايام في الحج. اول جوازها من حين الاحرام بالعمرة. واخرها ثلاثة ايام بعد النحر ايام رمي الجمار والمبيت بمنى ولكن الافضل منها ان يصوم السابع والثامن والتاسع. وسبعة اذا رجعتم اي فرغتم من اعمال الحج فيجوز فعلها في مكة وفي الطريق. وعند وصوله الى اهله. ذلك المذكور من وجوب الهدي على المتمتع. لمن لم يكن اهله حاضرين المسجد الحرام بان كان عنه مسافة قصر فاكثر. او بعيدا عنه عرفا. فهذا الذي يجب عليه الهدي لحصول النسكين له في سفر واحد واما من كان اهله من حاضري المسجد الحرام فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك واتقوا الله اي في جميع اموركم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات. واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الاية. واعلموا ان الله العقاب اي لمن عصاه. وهذا هو الموجب للتقوى فان من خاف عقاب الله ان كف عما يوجب العقاب. كما ان من رجا ثواب الله عمل ما يوصله الى الثواب. واما من لم يخف العقاب ولم يرجو الثواب. اقتحم المحارم وتجرأ على ترك الواجبات الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان يخبر تعالى ان الحج واقع في اشهر معلومات عند المخاطبين مشهورات بحيث لا تحتاج الى تخصيص. كما احتاج الصيام الى تعيين شهره. وكما بين تعالى اوقات الصلوات الخمس. واما الحج فقد كان من ملة ابراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم. والمراد بالاشهر المعلومات عند جمهور العلماء. شوال قال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهي التي يقع فيها الاحرام بالحج غالبا. فمن فرض فيهن الحج اي احرم به لان الشروع يصيره فرضا ولو كان نفلا واستدل بهذه الاية الشافعي ومن تابعه على انه لا يجوز الاحرام بالحج قبل اشهره قلت لو قيل ان فيها دلالة لقول الجمهور بالصحة الاحرام بالحج قبل اشهره. لكان قريبا. فان قوله فمن فرض فيهن الحج دليل على ان الفرض قد يقع في الاشهر المذكورة. وقد لا يقع فيها والا لم يقيده. وقوله فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في اي يجب ان تعظموا الاحرام بالحج وخصوصا الواقع في اشهره. وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث. وهو الجماع ومقدمات الفعلية والقولية خصوصا عند النساء بحضرتهن. والفسوق وهو جميع المعاصي. ومنها محظورات الاحرام. والجدال وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب اليه بما امكن من القربات والتنزه عن مقارفة السيئات. فانه بذلك يكون مبرورا. والمبرور ليس له جزاء الا الجنة. وهذه للاشياء وان كانت ممنوعة في كل مكان وزمان. فانها يتغلظ المنع عنها في الحج. واعلم انه لا يتم التقرب الى الله بترك المعاصي حتى يفعل الاوامر. ولهذا قال تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله. اتى بمن لتنصيص العموم. فكل خير وقربة وعبادة داخل في ذلك. اي فان الله به عليم. وهذا يتضمن غاية الحث على افعال الخير. وخصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيرة فانه ينبغي تدارك ما امكن تداركه فيها من صلاة وصيام وصدقة وطواف واحسان قولي وفعلي. ثم امر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك فان التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين والكف عن اموالهم سؤالا واستشرافا وفي الاكثار منه نفع واعانة للمسافرين وزيادة قربة لرب العالمين. وهذا الزاد الذي المراد منه اقامة البنية بلغة ومتاع. واما الزاد الحقيقي مستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه. فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى دار القرار. وهو الموصل لاكمل لذة واجل نعيم دائما ابدا ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به. الذي هو عرضة لكل شر. وممنوع من الوصول الى دار المتقين. فهذا مدح التقوى ثم امر بها اولي الالباب فقال واتقوني يا اولي الالباب ايا اهل العقول الرزينة اتقوا ربكم الذي تقواه اعظم ما تأمر به العقول وتركها دليل على الجهل وفساد الرأي لما امر تعالى بالتقوى اخبر تعالى ان ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره ليس فيه حرج اذا لم يشغل عما يجب اذا كان المقصود هو الحج وكان الكسب حلالا منسوبا الى فضل الله. لا منسوبا الى حذق العبد والوقوف مع السبب ونسيان المسبب. فان هذا هو الحرج عينه وفي قوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام. دلالة على امور احدها الوقوف بعرفة وانه كان معروفا انه ركن من اركان الحج. فالافاضة من عرفات لا تكون الا بعد الوقوف. الثاني الامر بذكر الله عند المشعر الحرام وهو المزدلفة وذلك ايضا معروف يكون ليلة النحر بائتا بها. وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعيا حتى يسفر جدا يدخل في ذكر الله عنده ايقاع الفرائض والنوافل فيه. الثالث ان الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف بعرفة. كما تدل عليه الفاء والترتيب الرابع والخامس ان عرفات ومزدلفة كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها واظهارها. السادس ان مزدلفة في الحرم كما قيده بالحرام. السابع ان عرفة في الحل كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة. واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين. ايذكروا الله تعالى كما من عليكم بالهداية بعد الضلال. وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فهذا هذه من اكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم في القلب واللسان واستغفروا الله ان الله غفور رحيم ثم افيضوا من حيث افاض الناس. اي ثم افيضوا من مزدلفة من حيث افاض الناس. من لدن ابراهيم عليه السلام الى الان. والمقصود من هذه الافاضة كان معروفا عندهم وهو رمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي والمبيت بمنى ليالي التشريق وتكميل باقي مناسك ولما كانت هذه الافاضة يقصد بها ما ذكر. والمذكورات اخر المناسك. امر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والاكثار من ذكره استغفار للخلل الواقع من العبد في اداء عبادته وتقصيره فيها. وذكر الله شكر الله على انعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة. وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ان يستغفر الله عن التقصير. ويشكره على التوفيق. لا كمن انه قد اكمل العبادة ومن بها على ربه. وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة. فهذا حقيق بالمقت ورد العمل. كما ان الاول بالقبول والتوفيق لاعمال اخر ربنا اتنا في الدنيا وماله في الاخرة من خلق آآ وقنا عذاب النار. اولئك لهم نصيب مما كسبوا. والله سريع الحساب ثم اخبر تعالى عن احوال الخلق وان الجميع يسألونه مطالبهم ويستدفعونه ما يضرهم ولكن لهم تختلف فمنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا ان يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته وليس له في الاخرة من نصيب لرغبته عنها وقصر همته على الدنيا. ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين. ويفتقر اليه في مهمات دينه ودنياه. وكل من هؤلاء وهؤلاء لهم نصيب من كسبهم وعملهم. وسيجازيهم تعالى على حسب اعمالهم وهماتهم ونياتهم. جزاء دائرا بين العدل والفضل. يحمد عليه اكمل حمد واتمه. وفي هذه الاية دليل على ان الله يجيب دعوة كل داع مسلما او كافرا او فاسقا. ولكن ليست اجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته له وقربه منه. الا في مطالب الاخرة ومهمات الدين. والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما وقعه عند العبد من رزق هنيء واسع حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين وراحة وعلم نافع وعمل صالح ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة. وحسنة الاخرة هي السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار. وحصول رضا الله الفوز بالنعيم المقيم. والقرب من الرب الرحيم. فصار هذا الدعاء اجمع دعاء واكمله. واولاه بالايثار. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به ويحث عليه. واذكروا الله في ايام معدودات يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى. واتقوا الله واعلموا انكم اليه يأمر تعالى بذكره في الايام المعدودات. وهي ايام التشريق الثلاثة بعد العيد. لمزيتها وشرفها وكون بقية احكام المناسك تفعل بها. ولكون الناس اضيافا لله فيها. ولهذا حرم صيامها. فلذكر فيها مزية ليست لغيرها لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ايام التشريق ايام اكل وشرب وذكر لله ويدخل في ذكر الله فيها ذكره عند رمي الج وعند الذبح والذكر المقيد عقب الفرائض. بل قال بعض العلماء انه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر. وليس ببعيد فمن تعجل في يومين اي خرج من منى ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني فلا اثم عليه. ومن تأخر بان بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد فلا اثم عليه. وهذا تخفيف من الله تعالى على عباده في اباحة كلا الامرين. ولكن من المعلوم انه اذا ابيح كلا الامرين فالتأخر افضل لانه اكثر عبادة. ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره. والحاصل ان الحرج من في عن المتقدم والمتأخر فقط ايده بقوله لمن اتقى اي اتقى الله في جميع اموره واحوال الحج فمن اتقى الله في كل شيء حصل له نفي الحرج في كل شيء. ومن اتقاه في شيء دون شيء كان الجزاء من جنس العمل. واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب معاصيه واعلموا انكم اليه تحشرون. فمجازيكم باعمالكم. فمن اتقاه وجد جزاء التقوى عنده. ومن لم يتقه عاقبه اشد العقوبة فالعلم بالجزاء من اعظم الدواعي لتقوى الله. فلهذا حث تعالى على العلم بذلك. ومن الناس من يعجبك قوله في في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام. لما امر تعالى بالاكثار من ذكره وخصوصا في الاوقات الفاضلة الذي هو خير ومصلحة وبر. اخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه ويخالف فعله قوله. فالكلام اما ان يرفع الانسان او يخفضه. فقال ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا. اي اذا تكلم راق كلامه السامع واذا نطق ظننته اتكلم بكلام نافع ويؤكد ما يقول بانه يشهد الله على ما في قلبه بان يخبر ان الله يعلم ان ما في قلبه موافق لما نطق به وهو كاذب في ذلك لانه يخالف قوله فعله. فلو كان صادقا لتوافق القول والفعل كحال المؤمن غير المنافق. فلهذا قال وهو الد الخصام. اي اذا خاصمته وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب. وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات. ليس كاخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم والانقياد للحق وظيفتهم والسماحة سجيتهم. واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. واذا تولى هذا الذي يعجبك قوله اذا اذا حضر عندك سعى في الارض ليفسد فيها ان يجتهد على اعمال المعاصي التي هي افساد في الارض ويهلك بسبب ذلك الحرث النسل فالزروع والثمار والمواشي تتلف وتنقص وتقل بركتها بسبب العمل في المعاصي. والله لا يحب الفساد اذا كان لا يحب الفساد فهو يبغض العبد المفسد في الارض غاية البغض. وان قال بلسانه قولا حسنا. ففي هذه الاية دليل على ان الاقوال قال التي تصدر من الاشخاص ليست دليلا على صدق ولا كذب ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها المزكي لها وانه وينبغي اختبار احوال الشهود والمحق والمبطل من الناس بسبر اعمالهم والنظر لقرائن احوالهم. والا يغتر بتمويههم وتزكيتهم انفسهم ثم ذكر ان هذا المفسد في الارض بمعاصي الله اذا امر بتقوى الله تكبر وانف واخذته العزة بالاثم قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المياد يجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين فحسبه جهنم التي هي دار العاصين والمتكبرين ولبئس المهاد اي هو المسكن عذاب دائم وهم لا ينقطع. ويأس مستمر لا يخفف عنهم العذاب ولا يرجون الثواب. جزاء لجناياتهم مقابلة لاعمالهم فعياذا بالله من احوالهم ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. والله رؤوف ومن الناس من يشري نفسه ابتراء مرضاة الله هؤلاء هم الذين باعوا انفسهم وارخصوها وبذلوها طلبا لمرضاة الله ورجاء لثوابه. فهم بذلوا الثمن للمليء الوفي الرؤوف بالعباد من رأفته ورحمته ان وفقهم لذلك وقد وعد الوفاء بذلك. فقال ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة وفي هذه الاية اخبر انهم اشتروا انفسهم وبذلوها. واخبر برأفته الموجبة لتحصين ما طلبوا. وبذل ما به رغبوا. فلا تسألوا هل بعد هذا عن ما يحصل لهم من الكريم؟ وما ينالهم من الفوز والتكريم ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين. هذا امر من الله تعالى للمؤمنين ان يدخلوا في السلم كافة. اي في جميع شرائع الدين. ولا يتركوا منها شيئا. والا يكونوا ممن اتخذ الهه هوى وان وافق الامر المشروع هواه فعله وان خالفه تركه. بل الواجب ان يكون الهوى تبعا للدين. وان يفعل كل ما يقدر عليه من افعال خير وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته. ولما كان الدخول في السلم كافة لا يمكن ولا يتصور الا مخالفة طرق الشيطان قال ولا تتبعوا خطوات الشيطان اي في العمل بمعاصي الله. انه لكم عدو مبين. والعدو المبين لا الا بالسوء والفحشاء وما به الضرر عليكم. ولما كان العبد لا بد ان يقع منه خلل وزلل. قال تعالى البينات فاعلموا ان الله عزيز حكيم فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات. اي على علم ويقين فاعلموا ان الله عزيز حكيم. وفيه من الوعيد الشديد والتخويف ما يوجب ترك الزلل فان العزيز القاهر الحكيم اذا عصاه العاصي قهره بقوته وعذبه بمقتضى حكمته فان من تعذيب العصاة والجناة وقضي وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب. يقول تعالى هل ينتظر الساعون في الفساد في الارض؟ المتبعون لخطوات الشيطان النابذون لامر الله الا يوم الجزاء بالاعمال. الذي قد حشي من الاهوال والشدائد والفظائع. ما يقلقل قلوب الظالمين ويحق به الجزاء السيء على المفسدين. وذلك ان الله تعالى يطوي السماوات والارض. وتنثر الكواكب وتكور الشمس والقمر تنزل الملائكة الكرام فتحيط بالخلائق. وينزل الباري تبارك وتعالى في ظلل من الغمام. ليفصل بين عباده بالقضاء العدل. فتوضع الموازين وتنشر الدواوين وتبيض وجوه اهل السعادة وتسود وجوه اهل الشقاوة ويتميز اهل الخير من اهل الشر. وكل يجازى فهنالك يعض الظالم على يديه اذا علم حقيقة ما هو عليه. وهذه الاية ما اشبهها دليل لمذهب اهل السنة والجماعة المثبتين للصفات الاختيارية كالاستواء والنزول والمجيء. ونحو ذلك من الصفات التي اخبر بها تعالى عن نفسه. او اخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه عليه وسلم فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تشبيه ولا تحريف خلافا للمعطلة على اختلاف انواعهم من الجهمية والمعتزلة والاشعرية ونحوهم ممن ينفي هذه الصفات ويتأول لاجلها الايات بتأويلات ما انزل الله عليها من سلطان بل حقيقة القدح في بيان الله وبيان رسوله. والزعم بان كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب. فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي بل ولا دين عقلي ام النقلي فقد اعترفوا ان النصوص الواردة في الكتاب والسنة ظاهرها بل صريحها دال على مذهب اهل السنة والجماعة وانها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل ان تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص. وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة اخوة من ايمان. واما العقل فليس في العقل ما يدل على نفي هذه الصفات. بل العقل دل على ان الفاعل اكمل من الذي لا يقدر على الفعل. وان فعله تعالى المتعلق بنفسه والمتعلق بخلقه هو كمال. فان زعموا ان اثباتها يدل على التشبيه بخلقه. قيل لهم الكلام على الصفات يتبع الكلام على الذات. فكما ان لله ذات لا تشبهها الذوات. فلله صفات لا تشبهها الصفات. فصفاته تبع لذاته. وصفات خلقه تبع لذواتهم. فليس في اثباتها ما يقتضي التشبيه بوجه. ويقال ايضا لمن اثبت بعض الصفات ونفى بعضها. او اثبت الاسماء دون الصفات اما ان تثبت الجميع كما اثبته الله لنفسه واثبته رسوله. واما ان تنفي الجميع وتكون منكرا لرب العالمين. واما اثباتك بعد ذلك ونفيك لبعضه فهذا تناقض. ففرق بينما اثبتته وما نفيته. ولن تجد الى الفرق سبيلا. فان قلت ما اثبته لا يقتصر قضية شبيهة قال لك اهل السنة والاثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيها. فان قلت لا اعقل من الذي نفيته الا التشبيه. قال لك النفاة ونحن لا نعقل من الذي اثبته الا التشبيه. فما اجبت به النفاة اجابك به اهل السنة لما نفيته. والحاصل ان من نفى شيئا واثبت شيئا مما دل الكتاب والسنة على اثباته. فهو متناقض. لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي. بل قد خالف المعقول والمنقول قل سل بني اسرائيل كم اتيناهم من اية بينة ومن يبدل نعمة الله الله شديد العقاب. يقول تعالى سل بني اسرائيل كم اتيناهم من اية بينة تدل على الحق وعلى صدق الرسل. فتيقنوها وعرفوها فلم يقوموا بشكر هذه النعمة. التي تقتضي القيام بها بل كفروا بها وبدلوا نعمة الله كفرا. فلهذا استحقوا ان ينزل الله عليهم عقابه ويحرمهم من ثوابه. وسمى الله تعالى كفرا النعمة تبديلا لها لان من انعم الله عليه بنعمة دينية او دنيوية فلم يشكرها ولم يقم بواجبها اضمحلت عنه وذهبت وتبدلت بالكفر والمعاصي فصار الكفر بدل النعمة. واما من شكر الله تعالى وقام بحقها. فانها تثبت وتستمر. ويزيده الله منها زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين امنوا. زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين امنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يخبر تعالى ان الذين كفروا بالله وباياته ورسله ولم ينقادوا لشرعه انهم زينت لهم الحياة الدنيا فزينت في اعينهم وقلوبهم فرضوا بها واطمأنوا بها وصارت اهواءهم واراداتهم واعمالهم لها فاقبلوا عليها واكبوا على تحصيلها وعظموها وعظموا من شاركهم في صنيعهم واحتقروا المؤمنين واستهزءوا بهم وقالوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ وهذا من ضعف عقولهم ونظرهم القاصر. فان الدنيا دار ابتلاء وامتحان. وسيحصل الشقاء فيها لاهل الايمان والكفران بل المؤمن في الدنيا وانا له مكروه فانه يصبر ويحتسب. فيخفف الله عنه بايمانه وصبره ما لا يكون لغيره وانما الشأن كل الشأن والتفضيل الحقيقي في الدار الباقية. فلهذا قال تعالى والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة. فيكون المتقون في اعلى الدرجات متمتعين بانواع النعيم والسرور والبهجة والحبور. والكفار تحتهم في اسفل الضركات معذبين بانواع العذاب والاهانة شقاء السرمدي الذي لا منتهى له. ففي هذه الاية تسلية للمؤمنين ونعي على الكافرين. ولما كانت الارزاق الدنيوية والاخروية لا تحصل الا بتقدير الله. ولن تنال الا بمشيئة الله. قال تعالى والله يرزق من يشاء بغير حساب. فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر واما رزق القلوب من العلم والايمان ومحبة الله وخشيته ورجائه ونحو ذلك فلا يعطيها الا من يحب كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءت البينات بغيا بينهم. فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. اي كانوا مجتمعين على الهدى وذلك عشرة قرون. بعد نوح عليه السلام. فلما اختلفوا في الدين فكفر فريق منهم وبقي الفريق الاخر على الدين. وحصل النزاع وبعث الله الرسل ليفصلوا بين الخلائق ويقيموا الحجة عليهم. وقيل كانوا مجتمعين على الكفر والضلال والشقاء. ليس لهم نور ولا ايمان. فرحمهم الله تعالى بارسال الرسل اليهم. مبشرين من اطاع الله بثمرات الطاعات من الرزق والقوة في البدن والقلب والحياة الطيبة. واعلى ذلك الفوز برضوان الله والجنة. ومنذرين من عصى الله بثمرات معصية من حرمان الرزق والضعف والاهانة والحياة الضيقة واشد ذلك سخط الله والنار. وانزل معهم الكتاب بالحق وهو الاخبارات الصادقة والاوامر العادلة فكل ما اشتملت عليه الكتب فهو حق يفصل بين المختلفين في الاصول والفروع. وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع. ان رد الاختلاف الى الله والى رسوله. ولولا ان في كتابه وسنة رسوله فصل النزاع. لما امر بالرد اليهما. ولما ذكر نعمته العظيمة انزال الكتب على اهل الكتاب. وكان هذا يقتضي اتفاقهم عليها واجتماعهم. فاخبر تعالى انه ان بغى بعضهم على بعض. وحصل النزاع والخصام كثرة الاختلاف اختلفوا في الكتاب الذي ينبغي ان يكونوا اولى الناس بالاجتماع عليه. وذلك من بعد ما علموه وتيقنوه بالايات البينات والادلة القاطعات فظلوا بذلك ضلالا بعيدا. فهدى الله الذين امنوا من هذه الامة لما اختلفوا فيه من الحق. فكل ما اختلف فيه اهل الكتاب واخطأوا فيه الحق والصواب. هدى الله للحق فيه هذه الامة. باذنه تعالى وتيسيره لهم ورحمته. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فعم الخلق تعالى بالدعوة الى الصراط المستقيم عدلا منه تعالى واقامة حجة على الخلق لئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وهدى بفضله ورحمته واعانته ولطفه. من شاء من عباده فهذا فضله واحسانه. وذاك عدله وحكمته مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول قل هو الذين امنوا معه متى نصر الله؟ الا ان نصر الله قريب يخبر تعالى انه لابد ان يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة. كما فعل بمن قبلهم فهي سنته الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل ان من قام بدينه وشرعه لا بد ان يبتليه. فان صبر على امر الله ولم يبالي بالمكاره الواقفة في سبيله. فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كما لها ومن السيادة التها. ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله بان صدته المكاره عما هو بصدده. وثنته المحن عن مقصده. فهو الكاذب في دعوى الايمان فانه ليس الايمان بالتحلي والتمني ومجرد الدعاوى حتى تصدقه الاعمال او تكذبه. فقدر على الامم الاقدمين ما ذكر الله عنهم مستهم البأس اي الفقر والضراء اي الامراض في ابدانهم وزلزلوا بانواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي واخذ الاموال وقتل الاحبة وانواع المضار حتى وصلت بهم الحال وال بهم الزلزال الى ان استبطأوا نصر الله مع يقينهم به ولكن لشدة الامر وضيقه. قال الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله؟ فلما كان الفرج عند الشدة وكلما ضاق الامر التاسع قال تعالى الا ان نصر الله قريب. فهكذا كل من قام بالحق فانه يمتحن. فكلما اشتدت عليه وصعبت اذا صبر وثابر على ما هو عليه. انقلبت المحنة في حقه منحة. والمشقات راحات. واعقبه ذلك الانتصار على الاعداء. وشفاء ما في به من الداء وهذه الاية نظير قوله تعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وقوله تعالى الف لام ميم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. فعند الامتحان يكرم المرء او يهان قل ما انفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وبني السبيل وما تفعلوا من خير فان الله به عليم. اي يسألونك عن النفقة وهذا يعم السؤال عن المنفق والمنفق عليه فاجابهم عنهما. فقال قل ما انفقتم من خير اي مال قليل او كثير. فاولى الناس به واحقهم بالتقديم اعظمهم حقا عليك وهم الوالدان الواجب برهما والمحرم عقوقهما ومن اعظم العقوق ترك الانفاق عليهما ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة. على الولد الموسر. ومن بعد الوالدين الاقربون على اختلاف طبقاتهم. الاقرب فالاقرب على حسب القرب والحاجة فالانفاق عليهم صدقة وصلة. واليتامى وهم الصغار الذين لا كاسب لهم. فهم في مظنة الحاجة لعدم لقيامهم بمصالح انفسهم وفقد الكاسب. فوصى الله بهم العباد رحمة منه بهم ولطفا. والمساكين وهم اهل الحاجات وارباب الضرورة الذين اسكنتهم الحاجة فينفق عليهم لدفع حاجاتهم واغنائهم. وابن السبيل اي الغريب المنقطع به في غير بلده فيعان على سفره بالنفقة التي توصله الى مقصده. ولما خصص الله تعالى هؤلاء الاصناف لشدة الحاجة عمم تعالى فقال وما تفعلوا من خير اي من صدقة على هؤلاء وغيرهم. بل ومن جميع انواع الطاعات والقربات. لانها تدخل في اسم الخير. فان الله به عليم. فيجازيكم عليه ويحفظه لكم. كل على حسب نيته واخلاصه. وكثرة نفقته وقلتها. وشدة الحاجة اليها وعظم وقعها ونفعها ختم عليكم القتال وهو كره لكم ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وعسى ان تحب شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون هذه الاية فيها فرض القتال في سبيل الله. بعدما كان المؤمنون مأمورين بتركه. بضعفهم وعدم احتمالهم لذلك. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة وكثر المسلمون وقو امرهم الله تعالى بالقتال واخبر انه مكروه للنفوس لما فيه من التعب المشقة وحصول انواع المخاوف والتعرض للمتالف. ومع هذا فهو خير محض. لما فيه من الثواب العظيم والتحرز من العقاب الاليم والنصر على الاعداء والظفر بالغنائم. وغير ذلك مما هو مرب على ما فيه من الكراهة. وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة فانه شر. لانه يعقب الخذلان وتسلط الاعداء على الاسلام واهله. وحصولا الذل والهوان وفوات الاجر العظيم وحصول العقاب. وهذه الايات عامة مطردة في ان افعال الخير التي تكرهها النفوس. لما من المشقة انها خير بلا شك. وان افعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة. فهي شر بلا شيء واما احوال الدنيا فليس الامر مطردا. ولكن الغالب على العبد المؤمن انه اذا احب امرا من الامور قيض الله له من الاسباب ما يصرفه عنه انه خير له. فالاوفق له في ذلك ان يشكر الله. ويجعل الخير في الواقع. لانه يعلم ان الله تعالى ارحم بالعبد من نفسه واقدر على مصلحة عبده منه واعلم بمصلحته منه. كما قال تعالى والله يعلم وانتم لا تعلمون. فاللائق بكم ان تمشوا مع اقداره سواء سرتكم او ساءتكم. ولما كان الامر بالقتال لو لم يقيد لشمل الاشهر الحرم وغيرها. استثنى تعال القتال في الاشهر الحرم فقال والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل. ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك الجمهور على ان تحريم القتال في الاشهر الحرم منسوخ بالامر بقتال المشركين حيثما وجدوا. وقال بعض المفسرين انه لم ينسخ لان المطلق محمول على المقيد. وهذه الاية مقيدة لعموم الامر بالقتال مطلقا. ولان من جملة مزية الاشهر بل اكبر مزاياها تحريم القتال فيها. وهذا انما هو في قتال الابتداء. واما قتال الدفع فانه يجوز في الاشهر الحرم كما يجوز في البلد الحرام. ولما كانت هذه الاية نازلة بسبب ما حصل لسرية عبدالله بن جحش. وقتلهم عمرو بن الحضرمي واخذهم اموالهم وكان ذلك على ما قيل في شهر رجب عيرهم المشركون بالقتال بالاشهر الحرم. وكانوا في تعييرهم ظالمين. اذ فيهم من القبائح ما بعضه اعظم مما عيروا به المسلمين. قال تعالى في بيان ما فيهم وصد عن سبيل الله اي صد المشركين من يريد الايمان الله وبرسوله وفتنته من امن به وسعيهم في ردهم عن دينهم وكفرهم الحاصل في الشهر الحرام والبلد الحرام الذي هو بمجرده كاف في الشر فكيف وقد كان في شهر حرام وبلد حرام؟ واخراج اهله اي اهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لانهم احق به من المشركين. وهم عماره على الحقيقة. فاخرجوهم منه ولم يمكنوهم من الوصول اليه. مع ان هذا البيت سواء العاكف فيه والباب. فهذه الامور كل واحد منها اكبر من القتل في الشهر الحرام. فكيف وقد اجتمعت فيهم علم انهم فسقة ظلمة في تعيرهم المؤمنين. ثم اخبر تعالى انهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين. وليس غرضهم في اموالهم وقتلهم انما غرضهم ان يرجعوهم عن دينهم ويكونوا كفارا بعد ايمانهم حتى يكونوا من اصحاب السعير. فهم باذلون قدرتهم في ذلك بما امكنهم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وهذا الوصف عام لكل الكفار لا يزالون يقاتلون غيرهم حتى يردوهم عن دينهم وخصوصا اهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين بذلوا الجمعيات ونشروا الدعاة وبثوا الاطباء وبنوا لجذب الامم الى دينهم. وتدخيلهم عليهم كل ما يمكنهم من الشبه التي تشككهم في دينهم. ولكن المرجو من الله تعالى الذي من على المؤمنين بالاسلام واختار لهم دينه القيم واكمل لهم دينه. ان يتم عليهم نعمته بالقيام به اتم القيام. وان يخذل كل من اراد ان يطفئ نوره ويجعل كيدهم في نحورهم وينصر دينه ويعلي كلمته. وتكون هذه الاية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار كما صدقت على من قبلهم ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون. ثم اخبر تعالى ان من ارتد عن الاسلام بان اختار عليه الكفر. واستمر على ذلك حتى مات كافرا. فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. لعدم وجود شرطها وهو الاسلام. واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ودلت الاية بمفهومها ان من ارتد ثم عاد الى الاسلام انه يرجع اليه عمله الذي قبل ردته. وكذلك من تاب من المعاصي فانها تعود اليه اعماله المتقدمة في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله. اولئك هذه الاعمال الثلاثة هي عنوان السعادة والقطب رحى العبودية. وبها يعرف ما مع الانسان من الربح والخسران. فاما الايمان فلا تسأل عن فضيلته. وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين ان اهل السعادة واهل الشقاوة واهل الجنة من اهل النار. وهو الذي اذا كان مع العبد قبلت اعمال الخير منه. واذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل ولا فرض ولا نفل. واما الهجرة فهي مفارقة المحبوب المألوف لرضى الله تعالى. فيترك المهاجر وطنه وامواله واهله وخلانه. تقربا الى الله ونصرة لدينه. واما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة الاعداء. والسعي التام في نصرة دينه بسم الله وقمع دين الشيطان. وهو ذروة الاعمال الصالحة. وجزاؤه افضل الجزاء. وهو السبب الاكبر لتوسيع دائرة الاسلام. وخذلان عباد للاصنام وامن المسلمين على انفسهم واموالهم واولادهم. فمن قام بهذه الاعمال الثلاثة على لأوائها ومشقتها. كان لغيرها اشد قياما به وتكميلا. فحقيق بهؤلاء ان يكونوا هم الراجون رحمة الله. لانهم اتوا بالسبب الموجب للرحمة. وفي هذا دليل على ان الرجاء لا يكون الا بعد القيام باسباب السعادة. واما الرجاء المقارن للكسل وعدم القيام بالاسباب. فهذا عجز وتمن وغرور وهو دال على ضعف همة صاحبه ونقص عقله. بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح. ووجود الغلة بلا بذر وسقي. ونحو ذلك وفي قوله اولئك يرجون رحمة الله. اشارة الى ان العبد ولو اتى من الاعمال بما اتى به لا ينبغي له ان يعتمد عليها ويعول عليها بل يرجو رحمة ربه. ويرجو قبول اعماله ومغفرة ذنوبه. وستر عيوبه. ولهذا قال والله غفور. اي لمن تاب توبة النصوح رحيم وسعت رحمته كل شيء. وعن مجوده واحسانه كل حي. وفي هذه الاية دليل على ان من قام بهذه الاعمال المذكورة حصل له مغفرة الله اذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله. واذا حصلت له المغفرة اندفعت عنه عقوبات الدنيا والاخرة التي هي اثار الذنوب التي قد غفرت واضمحلت اثارها. واذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا والاخرة بل اعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم. فلولا توفيقه اياهم لم يريدوها. ولولا اقدارهم عليها لم يقدروا عليها. ولولا احسانه لم يتمها ويقبلها منهم. فله الفضل اولا واخرا. وهو الذي من بالسبب والمسبب. ثم قال تعالى فيهما ان يسألك يا ايها الرسول المؤمنون عن احكام الخمر والميسر؟ وقد كانا مستعملين في الجاهلية واول الاسلام. فكأنه وقع في فيما اشكال؟ فلهذا سألوا عن حكمهما فامر الله تعالى نبيه ان يبين لهم منافعها ومضارهما ليكون ذلك مقدمة لتحريمها تركهما فاخبر ان اثمهما ومضارهما. وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال. والصد عن ذكر الله وعن الصلاة والعداوة والبغضاء اكبر مما يظنونه من نفعهما. من كسب المال بالتجارة بالخمر وتحصيله بالقمار. والطرب للنفوس عند تعاطيهما. وكان هذا البيان كان زاجرا للنفوس عنهما. لان العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته. ويجتنب ما ترجحت مضرته. ولكن لما كانوا قد الفوهما وصعبت التحكيم بتركهما اول وهلة. قدم هذه الاية مقدمة للتحريم. الذي ذكره في قوله يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان. الى قوله منتهون. وهذا من لطفه ورحمته وحكمته. ولهذا لما نزلت قال عمر رضي الله ان انتهينا انتهينا. فاما الخمر فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه من اي نوع كان. واما الميسر فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين من النرد والشطرنج. وكل مغالبة قولية او فعلية بعوض. سوى مسابقة الخيل والابل والسهام فانها مباحة لكونها معينة على الجهاد. فلهذا رخص فيها الشارع. ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو وكذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة. وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من اموالهم فيسر الله لهم الامر وامرهم ان ينفقوا العفو. وهو المتيسر من اموالهم الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم وهذا يرجع الى كل احد بحسبه. من غني وفقير ومتوسط. كل له قدرة على انفاق ما عفا من ما له. ولو شق تمرة. ولهذا امر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ان يأخذ العفو من اخلاق الناس وصدقاتهم. ولا يكلفهم ما يشق عليهم. ذلك بان الله تعالى لم يأمرنا فبما امرنا به حاجة منه لنا او تكليفا لنا بما يشق. بل امرنا بما فيه سعادتنا وما يسهل علينا وما به النفع لنا ولاخواننا فيستحق على ذلك اتم الحمد. ولما بين تعالى هذا البيان الشافي واطلع العباد على اسرار شرعه. قال كذلك يبين الله لكم الايات اي الدالات على الحق المحصلات للعلم النافع والفرقان لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة اي لكي تستعملوا في اسرار شرعه وتعرف ان اوامره فيها مصالح الدنيا والاخرة. وايضا لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها فترفضوه وفي الاخرة وبقائها. وانها دار الجزاء فتعمروها ان الله عزيز حكيم. لما نزل قوله تعالى قال ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما. انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا. شق ذلك على المسلمين ازلوا طعامهم عن طعام اليتامى خوفا على انفسهم من تناولها. ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها. وسألوا النبي صلى الله عليه عن ذلك فاخبرهم تعالى ان المقصود اصلاح اموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها. وان خلطتهم اياهم في طعام او غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى. لانهم اخوانكم ومن شأن الاخ مخالطة اخيه. والمرجع في ذلك الى النية والعمل. فمن علم الله مني انه مصلح لليتيم. وليس له طمع في ما له. فلو دخل عليه شيء من غير قصد. لم يكن عليه بأس. ومن علم الله من نيته ان قصده وبالمخالطة التوصل الى اكلها وتناولها. فذلك الذي حرج واثم. والوسائل لها احكام المقاصد. وفي هذه الاية دليل على جواز انواع المخالطات في المآكل والمشارب والعقود وغيرها وهذه الرخصة لطف من الله تعالى واحسان وتوسعة على المؤمنين والا فلو شاء الله لاعنتكم اي شق عليكم بعدم الرخصة بذلك فحرجتم. وشق عليكم واثمتم ان الله عزيز. اي له القوة الكاملة والقهر لكل شيء. ولكنه مع ذلك حكيم. لا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته الكاملة وعنايته التامة. فعزته لك في حكمته فلا يقال انه ما شاء فعل. وافق الحكمة او خالفها. بل يقال ان افعاله وكذلك احكامه. تابعة لحكمته فلا يخلق شيئا عبثا بل لابد له من حكمة عرفناها ام لم نعرفها. وكذلك لم يشرع لعباده شيئا مجردا عن الحكمة فلا يأمر الا بما فيه مصلحة خالصة او راجحة. ولا ينهى الا عن ما فيه مفسدة خالصة او راجحة. لتمام حكمته ورحمته. ولا حتى ولو اعجبكم اولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة ويبين اياته للناس لعلهم يتذكرون ايوة لا تنكحوا النساء المشركات ما دمنا على شركهن لان المؤمنة ولو بلغت من الدمامة ما بلغت خير من المشركة ولو بلغت من بلغت وهذه عامة في جميع النساء المشركات. وخصصتها اية المائدة في اباحة نساء اهل الكتاب. كما قال تعالى والمحصنة من الذين اوتوا الكتاب ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا. وهذا عام لا تخصيص فيه. ثم ذكر تعالى الحكمة في تحريم نكاح المسلم او المسلمة لمن خالفهما في الدين فقال اولئك يدعون الى النار اي في اقوالهم او افعالهم واحوالهم فمخالطتهم على خطر منهم الخطر ليس من الاخطار الدنيوية انما هو الشقاء الابدي. ويستفاد من تعليل الاية. النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع. لانه اذا لم يجوز التزوج مع ان فيه مصالح كثيرة. فالخلطة المجردة من باب اولى. وخصوصا الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم خدمة ونحوها وفي قوله ولا تنكحوا المشركين. دليل على اعتبار الولي في النكاح. والله يدعو الى الجنة والمغفرة. اي يدعو عباده تحصيل الجنة والمغفرة التي من اثارها دفع العقوبات. وذلك بالدعوة الى اسبابهما من الاعمال الصالحة. والتوبة النصوح والعلم النافع والعمل الصالح صالح ويبين اياته اي احكامه وحكمها للناس لعلهم يتذكرون. فيوجب لهم ذلك التذكر لما نسوه. وعلم ما والامتثال لما ضيعوه. ثم قال تعالى حتى يطهرن فاذا تطهرن فاتوهن ان من حيث امركم الله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض. وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض كما كانت قبل ذلك؟ ام تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود فاخبر تعالى ان الحيض اذى. واذا كان اذى فمن الحكمة ان يمنع الله تعالى عباده عن الاذى وحده. فلهذا قال فاعتزلوا النساء في المحيض اي مكان الحيض وهو الوطء في الفرج خاصة. فهذا المحرم اجماعا. وتخصيص الاعتزال في المحيض يدل على ان مباشرة الحائض وملامستها في بغير الوطء في الفرد جائز. لكن قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن. يدل على ان المباشرة فيما قرب من الفرج. وذلك فيما بين السرة عقبة ينبغي تركه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اراد ان يباشر امرأته وهي حائض امرها ان تعتذر فيباشرها هذا الاعتزال وعدم القربان للحيض حتى يطهرن. اي ينقطع دمهن فاذا انقطع الدم زال المنع الموجود وقت جريانه. الذي كان اللي هي شرطان انقطاع الدم والاغتسال منه. فلما انقطع الدم زال الشرط الاول وبقي الثاني. فلهذا قال فاذا تطهرن اي اغتسلن فاتوهن من حيث امركم الله. اي في القبل لا في الدبر. لانه محل الحرث. وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض وان انقطاع الدم شرط لصحته. ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده. وصيانة عن الاذى. قال تعالى ان الله يحب اي من ذنوبهم على الدوام. ويحب المتطهرين. اي المتنزهين عن الاثام. وهذا يشمل التطهر الحسي من الانجاس والاحداث ففيه مشروعية الطهارة مطلقا. لان الله يحب المتصف بها. ولهذا كانت الطهارة مطلقا. شرطا لصحة الصلاة والطواف. وجواز مس المصحف ويشمل التطهر المعنوي عن الاخلاق الرذيلة والصفات القبيحة والافعال الخسيسة او اعلموا انكم ملاقون واتقوا الله واعلموا واعلموا انكم ملاقوا المؤمنين نسائكم حرث لكم فاتوا حرثكم ان شئتم مقبلة ومدبرة. غير انه لا يكون الا في القلوب لكونه موضع الحرث. وهو الموضع الذي يكون منه الولد. وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر. لان الله لم يبح اتيان المرأة الا في الموضع الذي منه الحرث وقد تكاثرت الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك ولعن فاعله. وقدموا لانفسكم اي من التقرب الى والله بفعل الخيرات. ومن ذلك ان يباشر الرجل امرأته ويجامعها على وجه القربة والاحتساب. وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم واتقوا الله اي في جميع احوالكم كونوا ملازمين لتقوى الله. مستعينين بذلك لعلمكم انكم ملاقوه ومجازيكم على اعمال الصالحة وغيرها. ثم قال وبشر المؤمنين لم يذكر المبشر به ليدل على العموم. وان لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة وكل خير واندفاع كل ضير رتب على الايمان فهو داخل في هذه البشارة وفيها محبة الله للمؤمنين ومحبة ما يسرهم واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما اعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والاخروي المقصود من اليمين والقسم تعظيم اقسم به وتأكيد المقسم عليه. وكان الله تعالى قد امر بحفظ الايمان. وكان مقتضى ذلك حفظها في كل شيء. ولكن الله تعالى من ذلك اذا كان البر باليمين يتضمن ترك ما هو احب اليه. فنهى عباده ان يجعلوا ايمانهم عرضة. اي مانعة وحائلة عن ان يبروا ان يفعلوا خيرا او يتقوا شرا او يصلحوا بين الناس. فمن حلف على ترك واجب وجب حنثه وحرم اقامته على يمينه. ومن حلف على ترك في مستحب مستحب له الحنف ومن حلف على فعل محرم وجب الحنف او على فعل مكروه استحب الحنف. واما المباح فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنف. ويستدل بهذه الاية على القاعدة المشهورة. انه اذا تزاحمت المصالح قدم اهمها. فهنا تتميم مصلحة وامتثال اوامر الله في هذه الاشياء مصلحة اكبر من ذلك. فقدمت لذلك ثم ختم الاية بهذين الاسمين الكريمين. فقال والله سميع. اي لجميع الاصوات عليم بالمقاصد والنيات. ومنه سماعه لاقوال الحالفين. وعلمه بمقاصدهم. هل هي خير ام شر وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته. وان اعمالكم ونياتكم قد استقر علمها عنده. ثم قال تعالى لا يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم. ولكن اي لا يؤاخذكم بما يجري على السنتكم من الايمان اللاغية التي يتكلم بها العبد من غير قصد منه ولا كسب قلب. ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه لا والله وبلى والله وكحلفه على امر ماض يظن صدق نفسه. وانما المؤاخذة على ما قصده بالقلب. وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الاقوال كما هي معتبرة في الافعال. والله غفور لمن تاب اليه. حليم بمن عصاه. حيث لم يعاجله بالعقوبة. ما الحالم عنه وستر مع قدرته عليه وكونه بين يديه فان الله غفور رحيم. وهذا من الايمان الخاصة بالزوجة في امر خاص. وهو الزوج على ترك وطأ زوجته مطلقا او مقيدا باقل من اربعة اشهر او اكثر. فمن ال من زوجته خاصة فان كان لدون اربعة فهذا مثل سائر الايمان ان حنف كفر. وان اتم يمينه فلا شيء عليه. وليس لزوجته عليه سبيل. لان ملكه اربعة اشهر وان كان ابدا او مدة تزيد على اربعة اشهر. ضربت له مدة اربعة اشهر من يمينه اذا طلبت زوجته ذلك. لانه حق لها اذا تمت امر بالفئة وهو الوطء فان وطأ فلا شيء عليه الا كفارة اليمين. وان امتنع اجبر على الطلاق. فان امتنع طلق عليه الحاكم ولكن الفئة والرجوع الى زوجته احب الى الله تعالى. ولهذا قال فان فائوا اي رجعوا الى ما حلفوا على تركه وهو الوطء فان الله غفور يغفر له ما حصل منه من الحلف بسبب رجوعهم. رحيم حيث جعل لايمانهم كفارة وتحل. ولم يجعل انها لازمة لهم غير قابلة للانفكاك. ورحيم بهم ايضا حيث فائوا الى زوجاتهم. وحنوا عليهن ورحموهن. وان وان عزموا الطلاق اي امتنعوا من الفئة فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن وعدم ارادتهم لازواجهم. وهذا لا يكون الا عزما على الطلاق. فان حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة. والا اجبره الحاكم عليه اوقاما فان الله سميع عليم. فيه وعيد وتهديد لمن يحلف هذا الحلف. ويقصد بذلك المضارة والمشاقة. ويستدل بهذه الاية على ان خاص بالزوجة لقوله من نسائهم وعلى وجوب الوطء في كل اربعة اشهر مرة لانه بعد الاربعة يجبر اما على الوطء او على الطلاق ولا يكون ذلك الا لتركه واجبا. والمطلقات يتربصن ثلاثة قرون ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن انكن وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة اي النساء اللاتي طلقهن ازواجهن يتربصن بانفسهن اي ينتظرن ويعتددن مدة ثلاثة تقول اي حيض او اطهار على اختلاف العلماء في المراد بذلك. مع ان الصحيح ان القرآن الحيض ولهذه العدة عدة حكم منها العلم ببراءة الرحم. اذا تكررت عليها ثلاثة الاقراع علم انه ليس في رحمها حمل. فلا يفضي الى اختلاط الانساب. ولهذا اوجبت تعال عليهن الاخبار عما خلق الله في ارحامهن. وحرم عليهن كتمان ذلك من حمل او حيض. لان كتمان ذلك يفضي الى مفاسد كثيرة. فكتمان الحمل موجب ان تلحقه بغير من هو له. رغبة فيه واستعجالا لانقضاء العدة. فاذا الحقته بغير ابيه حصل من قطع الرحم والارث واحتجاب محارمه واقاربه عن وربما تزوج ذوات محارمه. وحصل في مقابلة ذلك الحاقه بغير ابيه. وثبوت توابع ذلك من الارث منه وله ومن جعل اقارب الملحق به اقارب له. وفي ذلك من الشر والفساد ما لا يعلمه الا رب العباد. ولو لم يكن في ذلك الا اقامتها مع من نكاحه ما باطل في حقه وفيه الاصرار على الكبيرة العظيمة وهي الزنا لكفى بذلك شراء. واما كتمان الحيض فان استعجلت واخبرت به هي كاذبة ففيه من انقطاع حق الزوج عنها واباحتها لغيره. وما يتفرع عن ذلك من الشر كما ذكرنا. وان كذبت واخبرت بعدم وجود الحيض لتطول العدة فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه. بل هي سحت عليها محرمة من جهتين. من كونها لا تستحقه. ومن كونها نسبته الى حكم الشرع وهي كاذبة. وربما راجعها بعد انقضاء عدة. فيكون ذلك سفاحا لكونها اجنبية عنه. فلهذا قال تعالى ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كن يؤمنن بالله واليوم الاخر. فصدور الكتمان منهن دليل على عدم ايمانهن بالله واليوم الاخر اخر والا فلو امنا بالله واليوم الاخر وعرفنا انهن مجزيات عن اعمالهن لم يصدر منهن شيء من ذلك. وفي ذلك دليل على قبول للمرأة عما تخبر به عن نفسها من الامر الذي لا يطلع عليه غيرها كالحيض والحمل ونحوه. ثم قال تعالى وبعولتهن احق برد ان في ذلك اي لازواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة ان يردوهن الى نكاحهن. ان ارادوا اصلاحا اي رغبة والفة ومودة ومفهوم الاية انهم ان لم يريدوا الاصلاح فليسوا باحق بردهن. فلا يحل لهم ان يراجعوهن لقصد المضارة لها. وتطويل العدة وهل يملك ذلك مع هذا القصد؟ فيه قولان الجمهور على انه يملك ذلك مع التحريم. والصحيح انه اذا لم يرد الاصلاح لا يملك كما هو ظاهر الاية الكريمة. وهذه حكمة اخرى في هذا التربص. وهي انه ربما ان زوجها ندم على فراقه لها. فجعلت له هذه المدة ليتروى بها ويقطع نظره. وهذا يدل على محبته تعالى للالفة بين الزوجين. وكراهته للفراق. كما قال النبي صلى الله عليه ابغض الحلال الى الله الطلاق. وهذا خاص في الطلاق الرجعي. واما الطلاق البائن فليس البعل باحق برجعتها. بل ان تراضيا على راجع فلابد من عقد جديد مجتمع الشروط. ثم قال تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. اي وللنساء على بعولتهن من الحقوق وازم مثل الذي عليهن لازواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع الى المعروف. وهو العادة الجارية في البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله. ويختلف ذلك باختلاف الازمنة والامكنة والاحوال والاشخاص والعوائد. وفي هذا دليل على ان النفقة الكسوة والمعاشرة والمسكن. وكذلك الوطء الكل يرجع الى المعروف. فهذا موجب العقد المطلق. واما مع الشرط فعلى شرطهما لا شرطا احل حراما او حرم حلالا. وللرجال عليهن درجة اي رفعة ورياسة. وزيادة حق عليها. كما قال تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض. وبما انفقوا من اموالهم ومنصب النبوة والقضاء والامامة الصغرى والكبرى. وسائر ولايات مختص بالرجال. وله ضعف ما لها في كثير من الامور. كالميراث ونحوه. والله عزيز حكيم. اي له العزة القاهرة والسلطان عظيم الذي دانت له جميع الاشياء. ولكنه مع عزته حكيم في تصرفاته. ويخرج من عموم هذه الاية الحوامل. فعدتهن وضع واللاتي لم يدخل بهن فليس لهن عدة والاماء فعدتهن حيضتان كما هو قول الصحابة رضي الله عنهم وسياق الايات يدل على ان المراد بها الحرة ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. تلك حدود الله فلا تعتدوها. ومن يتعدى حدود الله كان الطلاق في الجاهلية واستمر اول الاسلام. يطلق الرجل زوجته بلا نهاية فكان اذا اراد مضارتها طلقها. فاذا شارفت انقضاء عدتها راجعها. ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك ابدا. فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم. فاخبر تعالى ان الطلاق اي الذي تحصل به الرجعة مرتان ليتمكن الزوج ان لم يرد المضارة من ارتجاعها راجع رأيه في هذه المدة واما ما فوقها فليس محلا لذلك. لان من زاد على الثنتين فاما متجرأون على المحرم اوليس له رغبة في امساكها بل قصده المضارة. فلهذا امر تعالى الزوجة ان يمسك زوجته بمعروف. اي عشرة حسنة. ويجري مجرى امثاله مع زوجاتهم. وهذا هو الارجح والا يسرحها ويفارقها باحسان. ومن الاحسان الا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها. لانه ظلم واخذ للمال في غير مقابلة بشيء فلهذا قال ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا. الا ان يخاف الا يقيم حدود الله. وهي المخالعة بالمعروف بان كرهت الزوجة زوجها لخلقه او خلقه او نقص دينه وخافت الا تطيع الله فيه. فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لانه عوض لتحصين مقصودها من الفرقة. وفي هذا مشروعية الخلع اذا وجدت هذه الحكمة تلك اي ما تقدم من الاحكام الشرعية الشرعية حدود الله اي احكامه التي شرعها لكم وامر بالوقوف معها. ومن يتعدى حدود الله فاولئك هم الظالمون. واي ظلم اخر اعظم ممن اقتحم الحلال وتعدى منه الى الحرام فلم يسعهما احل الله. والظلم ثلاثة اقسام ظلم العبد فيما بينه وبين الله ظلم العبد الاكبر الذي هو الشرك. وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق. فالشرك لا يغفره الله الا بالتوبة. وحقوق العباد لا يترك الله منها شيء والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك تحت المشيئة والحكمة ان يتراجع ان ظن ان يقيم حدود وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون يقول تعالى فان طلقها اي الطلقة الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. اي نكاحا صحيحا ويطأها. لان النكاح الشرعي لا يكون الا صحيح ويدخل فيه العقد والوطء وهذا بالاتفاق. ويشترط ان يكون نكاح الثاني نكاح رغبة. فان قصد به تحليلها للاول فليس بنك ولا يفيد التحليل ولا يفيد وطأ السيد لانه ليس بزوج. فاذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها ثم فارقها وانقضت عدتها فلا جناح عليهما اي على الزوج الاول والزوجة ان يتراجعا ان يجددا عقدا جديدا بينهما لاضافته التراجع اليهما. فدل على باعتبار التراضي ولكن يشترط في التراجع ان يظن ان يقيم حدود الله. بان يقوم كل منهما بحق صاحبه. وذلك اذا ندم على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق وعزم ان يبدلاها بعشرة حسنة. فهذا لا جناح عليهما في التراجع. ومفهوم الاية الكريمة انهما ان لم يظن ان حدود الله بان غلب على ظنهما ان الحالة السابقة باقية. والعشرة السيئة غير زائلة ان عليهما في ذلك جناحا. لان جميع الامور لم يقم فيها امر الله ويسلك بها طاعته لم يحل الاقدام عليها. وفي هذا دلالة على انه ينبغي للانسان اذا اراد ان يدخل في امر من الامور خصوصا الولايات الصغار والكبار نظر في نفسه فان رأى من نفسه قوة على ذلك ووثق بها اقدم والا احجم. ولما بين الله تعالى على هذه الاحكام العظيمة قال وتلك حدود الله اي شرائعه التي حددها وبينها ووضحها يبينها لقوم يعلمون لانهم المنتفعون بها النافعون لغيرهم. وفي هذا من فضيلة اهل العلم ما لا يخفى. لان الله تعالى جعل تبينه لحدوده خاصا بهم. وانه والمقصودون بذلك وفيه ان الله تعالى يحب من عباده معرفة حدود ما انزل على رسوله والتفقه بها. ثم قال تعالى اذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سلحوهن ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا ايات الله هزوا. واذكروا نعمة الله عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم بي واتقوا الله واعلموا ان الله بكل شيء عليم واذا طلقتم النساء اي طلاق الرجعيا بواحدة او اثنتين فبلغن اجلهن اي قاربن انقضاء عدتهن فامسكوا بمعروف او سرحوهن بمعروف. اي اما ان تراجعوهن ونيتكم القيام بحقوقهن. او تتركوهن بلا رجعة ولا اضرار. ولهذا فقال ولا تمسكوهن ضرارا اي مضارة بهن. لتعتدوا في فعلكم هذا الحلال الى الحرام. فالحلال الامساك بمعروف الحرام المضارة. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه. ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد الى من اراد الضرار. ولا تتخذوا ايات الله هزوا. لما بين تعالى حدوده غاية التبيين. وكان المقصود العلم بها والعمل. والوقوف معها وعدم مجاوزتها. لانه تعالى ينزلها عبثا بل انزلها بالحق والصدق والجد. نهى عن اتخاذها هزوا اي لعبا بها. وهو التجرؤ عليها وعدم الامتثال لواجبها مثل استعمال المضارة في الامساك او الفراق. او كثرة الطلاق او جمع الثلاث. والله من رحمته جعل له واحدة بعد واحدة. رفقا به في مصلحته واذكروا نعمة الله عليكم عموما باللسان ثناء وحمدا وبالقلب اعترافا واقرارا وبالاركان يصرفها في طاعة الله وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة. اي السنة الذين بين لكم بهما طريق الخير ورغبكم فيها. وطرق الشر وحذركم اياها عرفكم نفسه ووقائعه في اوليائه واعدائه. وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. وقيل المراد بالحكمة اسرار الشريعة فالكتاب فيه والحكمة فيها بيان حكمة الله في اوامره ونواهيه. وكلا المعنيين صحيح. ولهذا قال يعظكم به. اي بما انزل عليكم وهذا مما يقوي ان المراد بالحكمة اسرار الشريعة. لان الموعظة ببيان الحكم والحكمة والترغيب او الترهيب. فالحكم به يزول الجهل والحكمة مع الترغيب يوجب الرغبة والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة. واتقوا الله في جميع اموركم. واعلموا ان الله بكل شيء عليم فلهذا بين لكم هذه الاحكام بغاية الاتقان والاحكام. التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان. فلله الحمد والمنة واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجا ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاخر. ذلكم ازكى لكم واطهر والله يعلم هذا خطاب لاولياء المرأة المطلقة دون الثلاث. اذا خرجت من عدة واراد زوجها ان ينكحها ورضيت بذلك. فلا يجوز لوليها من اب وغيره ان يعضلها. ان يمنعها من التزوج به حنقا عليه وغضبا واشمئزازا لما فعل من الطلاق الاول. وذكر انه من كان يؤمن بالله واليوم الاخر. فايمانه يمنعه من العضل. فان ذلك ازكى لكم واطهر مما يظن الولي ان عدم تزويجه هو الرأي واللائق. وانه يقابل بطلاقه الاول بعدم التزويج له. كما هو عادة المترفعين المتكبرين فان كان يظن ان المصلحة في عدم تزويجه فالله يعلم وانتم لا تعلمون. فامتثلوا امر من هو عالم بمصالحكم. مريد لها قادر عليها ميسر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره. وفي هذه الاية دليل على انه لابد من الولي في النكاح. لانه نهى الاولياء عن العظم لا ينهاهم الا عن امر هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق. ثم قال تعالى حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسر اخوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها. لا بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك وتشاور فلا جناح عليهما. وان اردتم ان تسترضعوا واولادكم فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما اتيتم بالمعروف واتقوا الله هذا خبر بمعنى الامر تنزيلا له منزلة المتقرر الذي الذي لا يحتاج الى امر بان يرضعن اولادهن حولين ولما كان الحول يطلق على الكامل وعلى معظم الحول قال كاملين لمن اراد ان يتم وضاع فاذا تم للرضيع حولان فقد تم رضاعه. وصار اللبن بعد ذلك بمنزلة سائر الاغذية. فلهذا كان الرضاع بعد الحولين غير احذر لا يحرم ويؤخذ من هذا النص ومن قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ان اقل مدة الحمل ستة اشهر وانه ويمكن وجود الولد بها وعلى المولود له اي الاب رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وهذا شامل لما اذا كانت في حباله او مطلقة ان على الاب رزقها اي نفقتها وكسوتها وهي الاجرة للرضاع. ودل هذا على انها اذا كانت في حباله لا يجب لها اجرة غير النفقة كسوة وكل بحسب حاله. فلهذا قال لا تكلف نفس الا وسعها. فلا يكلف الفقير ان ينفق نفقة الغني. ولا من لم يجد شيئا النفقة حتى يجد لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده. اي لا يحل ان تضار الوالدة بسبب ولدها. اما ان تمنع من طاعة او لا تعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة او الاجرة. ولا مولود له بولده بان تمتنع من ارضاعه على وجه المضارة له. او تطلب زيادة عن الواجب ونحو ذلك من الضرر. ودل قوله مولود له ان الولد لابيه لانه موهوب له ولانه من كسبه. فلذلك جاز له الاخذ من ما له رضي او لم يرضى بخلاف الام. وقوله وعلى الوارث مثل ذلك. اي على وارث الطفل اذا عدم الاب. وكان الطفل ليس ليس له مال مثل ما على الاب من النفقة للمرضع والكسوة. فدل على وجوب نفقة الاقارب المعسرين على القريب الوارث الموسر. فان اراد اي فصال اي فطام الصبي قبل الحولين عن تراض منهما بان يكونا راضيين وتشاور فيما بينهما هل هو مصلحة صبية ام لا؟ فان كان مصلحة ورضي فلا جناح عليهما في فطامه قبل الحولين. فدلت الاية بمفهومها على انه ان رضي احدهما دون الاخر او لم يكن مصلحة للطفل انه لا يجوز فطامه وقوله وان اردتم ان تسترضعوا اولادكم اي تطلبوا لهم المراضع غير امهاتكم على غير وجه مضارة فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما اتيتم بالمعروف اي للمرضعات. والله بما تعملون بصير. فمجازيكم فذلك بالخير والشر والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر والله بما تعملون خبير. اي اذا توفي الزوج مكثت زوجته متربصة اربعة اشهر وعشرة ايام وجوبا. والحكمة في ذلك ليتبين الحمل في مدة الاربعة. ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس. وهذا العام مخصوص بالحوامل فان عدتهن بوضع الحمل. وكذلك الامة عدتها على النصف من عدة الحرة. شهران وخمسة ايام. وقوله فاذا ابلغن اجلهن اي انقضت عدتهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهن اي من مراجعتها للزينة والطيب بالمعروف اي على غير محرم ولا مكروه. وفي هذا وجوب الاحداد مدة العدة على المتوفى عنها زوجها. دون غيرها من المطلقات والمفارقات. وهو مجمع عليه بين العلماء. والله بما تعملون خبير. اي عالم باعمالكم ظاهرها وباطنها. جليها وخفيها. فمجازيكم عليها وفي خطابه للاولياء بقوله فلا جناح عليكم فيما فعلنا في انفسهن. دليل على ان الولي ينظر على المرأة ويمنعها مما لا يجوز فعله ويدبرها على ما يجب وانه مخاطب بذلك واجب عليه علم الله انكم ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله واعلموا ان الله غفور حليم هذا حكم المعتدة من وفاة او المبانة في الحياة. فيحرم على غير مبينها ان يصرح لها في الخطبة. وهو المراد بقوله لكن لا تواعدهن سرا. واما التعريض فقد اسقط تعالى فيه الجناح. والفرق بينهما ان التصريح لا يحتمل غير النكاح. فلهذا حرم فمن استعجالها وكذبها في انقضاء عدتها رغبة في النكاح. ففيه دلالة على منع وسائل المحرم. وقضاء لحق زوجها الاول بعدم كعادتها لغيره مدة عدتها. واما التعريض وهو الذي يحتمل النكاح وغيره. فهو جائز للبائن. كأن يقول لها اني اريد التزوج واني احب ان تشاوريني عند القضاء عدتك. ونحو ذلك فهذا جائز لانه ليس بمنزلة الصريح. وفي النفوس داع قوي اليه. وكذلك الانسان في نفسه ان يتزوج من هي في اذا انقضت. ولهذا قال او اكننتم في انفسكم. علم الله انكم ستذكرونهن هذا التفصيل كله في مقدمات العقد. واما عقد النكاح فلا يحل حتى يبلغ الكتاب اجله. اي تنقضي العدة. واعلموا ان الله يعلم وما في انفسكم اي فانووا الخير ولا تنووا الشر خوفا من عقابه ورجاء لثوابه. واعلموا ان الله غفور لمن صدرت منه الذنوب تاب منها ورجع الى ربه حليم حيث لم يعادي للعاصين على معاصيهم مع قدرته عليهم اي ليس عليكم يا معشر الازواج جناح واثم بتطليق النساء قبل المسيس وفرض المهر. وان كان في ذلك كسر لها فانه ينجبر بالمتعة فعليكم ان تمتعوهن بان تعطوهن شيئا من المال. جبرا لخواطرهن. على الموسع قدره وعلى المقتر. اي المعسر قدر وهذا يرجع الى العرف. وانه يختلف باختلاف الاحوال. ولهذا قال متاعا بالمعروف فهذا حق واجب. على المحسنين ليس لهم ان يبخسوهن. فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن وتعلق قلوبهن. ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه فعليهم في مقابلة ذلك كالمتعة فلله ما احسن هذا الحكم الالهي. وادله على حكمة شارعه ورحمته. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. فهذا حكم المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر. ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال اي اذا طلقتم النساء قبل المسيس وبعد فرض المهر فللمطلقات من المهر المفروض نصفه قم نصف هذا هو الواجب ما لم يدخله عفوا ومسامحة بان تعفو عن نصفها لزوجها اذا كان يصح عفوها او يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج على الصحيح لانه الذي بيده حل عقدته. ولان الولي لا يصح ان يعفو عما وجب للمرأة لكونه غير مالك ولا وكيل ثم رغب في العفو وان من عفا كان اقرب لتقواه. لكونه احسانا موجبا لشرح الصدر. ولكون الانسان لا ينبغي ان يهمل نفسه من الاحسان والمعروف وينسى الفضل الذي هو اعلى درجات المعاملة. لان معاملة الناس فيما بينهم على درجتين. اما عدل وانصاف واجب وهو اخذ الواجب واعطاء الواجب واما فضل واحسان وهو اعطاء ما ليس بواجب. والتسامح في الحقوق والغض مما في النفس. فلا ينبغي للانسان ان ينسى هذه الدرجة. ولو في في بعض الاوقات وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة او مخالطة. فان الله مجازي المحسنين بالفضل والكرم. ولهذا قال ان الله بما تعملون بصير ثم قال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين بالمحافظة على الصلوات عموما وعلى الصلاة الوسطى. وهي العصر خصوصا والمحافظة عليها اداؤها بوقتها وشروطها واركانها وخشوعها جميع ما لها من واجب ومستحب. وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات. وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصا اذا اكملها كما امر بقوله وقوموا لله قانتين. اي ذليلين خاشعين. ففيه الامر بالقيام والقنوط والنهي عن الكلام. والامر بالخشوع هذا مع الامن والطمأنينة فان خفتم لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كل كافر وظالم وسبع وغير ذلك من انواع المخاوف اي ان خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها رجالا اي على اقدامكم او ركبانا على الخيل والابل وغيره ويلزم على ذلك ان يكون مستقبل القبلة وغير مستقبليها. وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها. حيث امر بذلك ولو مع كثير من الاركان والشروط. وانه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة. فصلاتها على تلك الصورة احسن وافضل. بل اوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت. فاذا امنتم اي زال الخوف عنكم فاذكروا الله. وهذا يشمل جميع انواع الذكر. ومنه الصلاة على كمالها كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فانها نعمة عظيمة ومنة جسيمة. تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر. ليبقي نعمته ويزيدكم عليها. ثم قال تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية فان خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلنا اي الازواج الذين يموتون ويتركون خلفهم هم ازواج فعليهم ان يوصوا وصية لازواجهم متاعا الى الحول غير اخراج. اي يوصون ان يلزمن بيوتهم مدة سنة. لا يخرجن من فان خرجنا من انفسهن فلا جناح عليكم ايها الاولياء. فيما فعلن في انفسهن من معروف. والله عزيز حكيم. اي من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك. واكثر المفسرين ان هذه الاية منسوخة بما قبلها. وهي قوله والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا. وقيل لم تنسخها بل الاية الاولى دلت على ان اربعة اشهر وعشر واجبة. وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج ومراعاة للزوجة. والدليل على ان ذلك مستحب انه هنا نفى الجناح عن الاولياء خرجنا قبل تكميل الحول فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينفي الحرج عنهم حقا على المتقين اي لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على كل متقي. جبرا لخاطرها واداء لبعض حقوقها. وهذه المتعة واجبة على من طلقت قبل المسيس والفرض سنة في حق غيرها كما تقدم. هذا احسن ما قيل فيها. وقيل ان المتعة واجبة على كل مطلقة. احتجاجا بعموم هذه الاية ولكن القاعدة ان المطلق محمول على المقيد. وتقدم ان الله فرض المتعة للمطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة. ولما بين تعالى هذه الاحكام العظيمة المشتملة على الحكمة والرحمة. امتن بها على عباده فقال كذلك يبين الله لكم اياته. اي حدوده وحلاله وحرامه والاحكام النافعة لكم لعلكم تعقلونها فتعرفونها وتعرفون المقصود منها فان من عرف ذلك اوجب له العمل بها ثم قال تعالى الناس لا يشكون. يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم. بان الذي لهم منها حذر الموت من وباء او غيره. يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت. ولكن لا يغني حذر عن قدر. فقال لهم الله موتوا فماتوا ثمان الله تعالى احياهم اما بدعوة نبي او بغير ذلك رحمة بهم ولطفا وحلما وبيانا لاياته لخلقه باحياء الموت ولهذا قال ان الله لذو فضل اي عظيم على الناس ولكن اكثرهم لا يشكرون. فلا تزيدهم النعمة شكرا بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه. وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم. وقاتلوا في سبيل من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط واليه تراب ثم امر تعالى بالقتال في سبيله. وهو قتال الاعداء الكفار لاعلاء كلمة الله ونصر دينه فقال وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم. اي فاحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله. واعلموا انه لا يفيدكم القعود وعن القتال شيئا ولو ظننتم ان في القعود حياتكم وبقاءكم فليس الامر كذلك. ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الامر. فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم. بل اتاهم ما حذروا من غير ان يحتسبوا. فاعلموا انكم كذلك. ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم الا بالنفقة وبذل الاموال في ذلك. امر تعالى بالانفاق في سبيله ورغب فيه. وسماه قرضا فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فينفق ما تيسر من امواله في طرق الخيرات. خصوصا في الجهاد والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى. فيضاعفه له كثيرة الحسنة بعشرة امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. بحسب حالة المنفق ونيته ونفع نفقته. والحاجات اليها ولما كان الانسان ربما توهم انه اذا انفق افتقر دفعت عالة هذا الوهم بقوله والله يقبض ويبسط اي يوسع الرزق من يشاء ويقبضه عمن يشاء. فالتصرف كله بيديه ومدار الامور راجع اليه. فالامساك لا يبسط الرزق والانفاق لا يقبضه. ومع ذلك الانفاق غير ضائع على اهله. بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا. فلهذا قال واليه ترجعون فيجازيكم باعمالكم ففي هذه الايات دليل على ان الاسباب لا تنفع مع القضاء والقدر. وخصوصا الاسباب التي تترك بها اوامر الله. وفيها الاية العظيمة باحياء الموتى اعيانا في هذه الدار. وفيها الامر بالقتال والنفقة في سبيل الله. وذكر الاسباب الداعية لذلك. الحاثة عليه من تسميته قرضا ومضاعفته. وان الله يقبض ويبسط واليه ترجعون. الم تر الى الملأ من بني اسرائيل قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله فقد اخرجنا من ديارنا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من دياره فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤتى سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله واسع عليم. يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني اسرائيل وهم الاشراف والرؤساء وخص الملأ بالذكر. لانهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم. ليتفقوا فيتبعوهم غيرهم على ما يرون وذلك انهم اتوا الى نبي لهم بعد موسى عليه السلام. فقالوا له ابعث لنا ملكا اي عين لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. ليجتمع المتفرقون ويقاوم بنا عدونا ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم كما جرت عادة القبائل اصحاب البيوت كل بيت لا ان يكون من البيت الاخر رئيس. فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين. ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم. وكانت انبياء بني اسرائيل نصوصهم كلما مات نبي خلفه نبي اخر. فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة قال لهم نبيهم هل عسيتم ان كتب عليكم القتال لا تقاتلوا اي لعلكم تطلبون شيئا. وهو اذا كتب عليكم لا تقومون به. فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها. واعتمدوا على عزمهم ونيتهم فقالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا. اي شيء يمنعنا من القتال وقد الجئنا اليه لان اخرجنا من اوطاننا وسبي الذرارينا فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا فكيف مع انه فرض علينا وقد حصل ما حصل ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقل توكلهم على ربهم فلما كتب عليهم القتال تولوا فجبنوا عن قتال الاعداء وضعفوا وعن المصادمة وزال ما كانوا عزموا عليه. واستولى على اكثرهم الخبر والجبن. الا قليلا منهم. فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم امر الله ووطنوا انفسهم على مقارعة اعدائه. فحازوا شرف الدنيا والاخرة. واما اكثرهم فظلموا انفسهم وتركوا امر الله. فلهذا قال والله عليم بالظالمين. وقال لهم نبيهم مجيبا لطلبتهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا. فكان هذا تعيين من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض. ولكن ابوا الا ان يعترضوا فقالوا انا يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت ساعة من المال اي كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب. ونحن احق بالملك منه. ومع هذا فهو فقير ليس له ما يقوم به الملك من الاموال. وهذا بناء منهم على ظن فاسد. وهو ان الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال لم يعلموا ان الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها. فلهذا قال لهم نبيهم ان الله اصطفاه عليكم فلزمكم الانقياد لذلك وزاده الله بسطة في العلم والجسم. اي فضله عليكم بالعلم والجسم. اي بقوة الرأي والجسم. الذين بهما تتم امور الملك لانه اذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب حصل بذلك الكمال ومتى فاته واحد من الامرين اختل عليه الامر فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع. قوة على غير حكمة. ولو كان عالما بالامور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا. والله واسع الفضل. كثير الكرم لا يخص برحمته وبره العام احدا عن احد ولا شريفا عن وضيع. ولكنه مع ذلك عليم بمن يستحق الفضل فيضعه فيه. فازال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة لتبيينه ان اسباب الملك متوفرة فيه. وان فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده. ليس له راد ولا لاحسانه صاد قال لهم نبيهم ان اية امرته ان وبقية الملائكة ان في ثم ذكر لهم نبيهم ايضا اية حسية يشاهدونها وهي التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا. وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم وتطمئن لها خواطرهم. وفيه بقية مما ترك ال موسى وال هارون فاتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا قال ان الله مبتليكم بنهر. فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه فشربوا منه الا قليلا منهم جاوزه هو والذين امنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. قال الذين والله مع الصابرين. ولما برزوا رجال اي لما تملك طالوت بني اسرائيل واستقر له الملك. تجهزوا لقتال عدوهم. فلما فصلت طالوت بجنود بني اسرائيل. وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا امتحنهم بامر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك. فقال ان الله مبتليكم بنهر فمن منه فليس مني فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته. ومن لم يطعم اي لم يشرب منه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده فلا جناح عليه في ذلك. ولعل الله ان يجعل فيه بركة فتكفيه. وفي هذا الابتلاء ما يدل على ان الماء قد قل عليهم تحقق الامتحان فعصى اكثرهم وشربوا من النهر شربا المنهي عنه ورجعوا على اعقابهم ونكسوا عن قتال عدوهم وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة. اكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول. وتحصل فيه المشقة الكبيرة. وكان في رجوعهم عن باقي عسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله وتضرعا واستكانة وتبرأ من حولهم وقوتهم وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم فلهذا قال تعالى فلما جاوزه اي النهر هو اي طالوت والذين امنوا معه وهم الذين اطاعوا امر الله ولم يشربوا من اهل الشوربة المنهي عنه. فرأوا قلتهم وكثرة اعدائهم. قالوا اي قال كثير منهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. لكثرتهم عددهم وعددهم قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله اي يستيقنون ذلك وهم اهل الايمان الثابت واليقين الراسخ مثبتين لباقيهم مطمئنين لخواطرهم وامرين لهم بالصبر. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله. اي بارادته ومشيئته. فالامر الله تعالى والعزيز من اعزه الله والذليل من اذله الله. فلا تغني الكثرة مع خذلانه. ولا تضر القلة مع نصره. والله مع الصابرين بالنصر والمعونة والتوفيق. فاعظم جانب لمعونة الله. صبر العبد لله. فوقعت موعظته في قلوبهم. واثرت معهم. ولهذا لما رجالك وجنودك قالوا جميعهم ربنا افرغ علينا صبرا اي قوي قلوبنا واوزعنا الصبر وثبت اقدامنا عن التزلزل والفرار انصرنا على القوم الكافرين. منها هنا نعلم ان جالوت وجنوده كانوا كفارا. فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لاتيانهم بالاسباب الموجبة لذلك ونصرهم عليهم فهزموهم باذن الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدتهم فهزموهم باذن الله. وقتل داوود عليه السلام. وكان مع جنود طالوت جالوت اي باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره. واتاه الله اي اتى الله داود الملك اي من عليه بتملكه على بني اسرائيل مع الحكمة. وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم. ولهذا قال وعلمه مما يشاء من العلوم الشرعية والعلوم السياسية. فجمع الله له الملك والنبوة وقد كان من قبله من الانبياء يكون الملك لغيرهم ما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله امنين مطمئنين. لخذلان اعدائهم وتمكينهم من الارض. وهذا كله من اثار الجهاد في سبيل فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الارض اي لولا انه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الارض باستيلاء الكفار عليها واقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى الا واظهار دينه ولكن الله ذو فضل على العالمين. حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الارض باسباب تعلمونها واسباب لا يعلمونها. ثم قال تعالى تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق من المرسلين. تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق. اي بالصدق الذي لا ريب فيه. المتضمن للاعتبار والاستبصار بيان حقائق الامور وانك لمن المرسلين. فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته. التي من جملة ادلتها ما قصه الله علينا من اخبار الاخرى السابقين والانبياء واتباعهم واعدائهم. التي لولا خبر الله اياه لما كان عنده علم بذلك. بل لم يكن في قومه من عنده شيء من هذه الامور فدل انه رسول الله حقا ونبيه صدقا. الذي بعثه بالحق ودين الحق ليظهره على الدين كله. ولو كره المشركون وفي هذه القصة من الايات والعبر ما يتذكر به اولو الالباب فمنها ان اجتماع اهل الكلمة والحل والعقد وبحثهم في الطريق الذي به امورهم وفهمه. ثم العمل به اكبر سبب لارتقائهم وحصول مقصودهم. كما وقع لهؤلاء الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم ويلم متفرقهم. وتحصل له الطاعة منهم. ومنها ان الحق كلما عرض واوردت عليه شبه ازداد روحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك اجيبوا باجوبة حصل بها الاقناع وزوال الشهور والريب ومنها ان العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات. وبفقدهما او فقد احدهما نقصانها وضررها ومنها ان الاتكال على النفس سبب للفشل والخذلان. والاستعانة بالله والصبر والالتجاء اليه سبب النصر. فالاول كما في قولهم لنبيهم وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا. فكأنه نتيجة ذلك انه لما كتب عليهم القتال تولوا. والثاني في قوله ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم باذن الله ومنها ان من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب. والصادق من الكاذب والصابر من الجبان. وانه لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز. ومنها ان من رحمته وسنته الجارية ان يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين. وانه لولا ذلك لفسدت الارض باستيلاء الكفر وشعائره عليها