المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. تلك ايات يقول تعالى معظما لكتابه مادحا له تلك ايات الكتاب اي الايات الدالة على احسن المعاني وافضل المطالب وقرآن مبين للحقائق باحسن لفظ واوضحه. وادله على المقصود. وهذا مما يوجب على الخلق الانقياد كاد له والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول والفرح والسرور. فاما من قبل هذه النعمة العظيمة بردها والكفر بها فانه ومن المكذبين الضالين الذين سيأتي عليهم وقت يتمنون انهم مسلمون. اي منقادون لاحكامه. وذلك حين ينكشف الغطاء وتظهر اوائل الاخرة ومقدمات الموت. فانهم في احوال الاخرة كلها يتمنون انهم مسلمون. وقد فات وقت الامكان ولكنهم في هذه الدنيا مغترون. ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون ذرهم يأكلوا ويتمتعوا بلذاتهم ويلهيهم الامل. اي يؤملون البقاء في الدنيا فيلهيهم عن الاخرة ان ما هم عليه باطل. وان اعمالهم ذهبت خسرانا عليهم. ولا يغتروا بامهال الله تعالى. فان هذه سنة في الامم. وما اهلكنا من قرية كانت مستحقة للعذاب. مقدر لاهلاكها اجلها وما يستأخرون. والا فالذنوب لا بد من وقوع اثرها. وان تأخر. وقالوا يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون. اي وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم استهزاء وسخرية. يا ايها الذي نزل عليه الذكر على زعمك لمجنون. اذ تظن انا سنتبعك ونترك ما وجدنا عليه اباءنا بمجرد قولك ما ننزل الملائكة الا بالحق وما كانوا اذا لو ما تأتينا بالملائكة يشهدون لك بصحة ما جئت به فلما لم تأتي بالملائكة فلست بصادق. وهذا من اعظم الظلم والجهل. اما الظلم فظاهر. فان هذا تجرأ على الله وتعنت بتعيين الايات التي لم يخترها. وحصل المقصود والبرهان بدونها من الايات الكثيرة. الدالة على صحة ما جاء به. واما الجهل فانهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم. فليس في انزال الملائكة خير لهم بل لا ينزل الله الملائكة الا بالحق. الذي لا امهال كان على من لم يتبعه وينقد له. وما كانوا اذا اي حين تنزل الملائكة الا لم يؤمنوا ولن يؤمنوا بمنظرين. اي بممهلين. فصار طلبهم لانزال الملائكة تعجيلا لانفسهم بالهلاك والدمار. فان ان الايمان ليس في ايديهم وانما هو بيد الله. ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى. وحشرنا عليهم كل شيء قبلا اما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون. ويكفيهم من الايات ان كانوا صادقين. هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون انا نحن نزلنا الذكر اي القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة. وفيه يتذكر من اراد التذكر اي في حال انزاله وبعد انزاله. ففي حال انزاله حافظون له من استراق لكل شيطان رجيم. وبعد انزاله اودعه الله في قلب رسوله. واستودعه فيها ثم في قلوب امته. وحفظ الله الفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ومعانيه من التبديل. فلا يحرف محرف معنى من معانيه. الا وقيض الله له من يبين الحق المبين هذا من اعظم ايات الله ونعمه على عباده المؤمنين. ومن حفظه ان الله يحفظ اهله من اعدائهم ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين اي فرقهم وجماعتهم رسلا فيه من رسول الا كانوا به يستهزئون. وما يأتيه من رسول يدعوهم الى الحق والهدى كذلك نسلكه في قلوب المجرمين. كذلك نسلكه اي ندخل التكذيب اي الذين وصفهم الظلم والبهت عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب تشابهت معاملتهم لانبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الايمان. ولهذا قال لا يؤمنون به وقد خلت اي عادة الله فيهم باهلاك من لم يؤمن بايات الله انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم اي ولو جاءتهم كل اية عظيمة لم يؤمنوا وكابروا ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فصاروا يعرجون فيه ويشاهدونه عيانا بانفسهم لقالوا من ظلمهم وعنادهم منكرين لهذه الاية انما سكرت ابصارنا. اي اصابها سكر وغشاوة حتى رأينا ما لم نرى. اي ليس هذا بحقيقة بل هذا سحر وقوم وصلت بهم الحال الى هذا الانكار. فانه لا مطمع فيهم ولا رجاء. ثم ذكر الايات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحق فقال يقول تعالى مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه. ولقد جعلنا في السماء بروجا. اي نجوما كالابراج والاعلام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. فانه لولا النجوم لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة العجيبة. وهذا مما يدعو الناظرين الى التأمل فيها. والنظر في معانيها والاستدلال بها لا باريها وحفظناها من كل شيطان رجيم. اذا استرق السمع اتبعته الشهب الثواقب. فبقي في السماء ظاهرها مجملا بالنجوم النيرات وباطنها محروسا ممنوعا من الافات الا من استرق السمع اي في بعض الاوقات قد يسترق بعض الشياطين السمع بخفية واختلاس فاتبعه شهاب مبين. اي بين منير يقتله او يخبله. فربما ادركه الشهاب قبل ان يوصلها الشيطان الى وليه. فينقطع خبر السماء عن الارض. وربما القاها الى وليه قبل ان يدركه الشهاب. فيضمها ويكذب معها مئة كذبة ويستدل بتلك الكلمة التي سمعت من السماء. والارض مددناها والقينا فيها رواسي والارض مددناها اي وسعناها سعة يتمكن الاب ادميون والحيوانات كلها على الامتداد بارجائها. والتناول من ارزاقها والسكون في نواحيها. والقينا فيها رواسي اي جبالا عظاما تحفظ الارض باذن الله ان تميد. وتثبتها ان تزول لشيء موزون. اي نافع متقوم يضطر اليه العباد والبلاد. ما بين نخيل واعناب واصناف اشجار وانواع النبات. وجعلنا لكم فيها معايش. ومن لستم له برازقين وجعلنا لكم فيها معايش من الحرث ومن الماشية ومن انواع المكاسب والحرف اي انعمنا عليكم بعبيد واماء وانعام. لنفعكم ومصالحكم. وليس عليكم رزقها. بل خولكم الله اياها تكفل بارزاقها اي جميع الارزاق واصناف الاقدار لا يملكها احد الا الله. فخزائنها بيده يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بحسب حكمته ورحمته الواسعة. وما ننزله اي المقدر من كل شيء من مطر وغيره فلا يزيد على ما قدره الله ولا ينقص منه فاسقيناكم اي وسخرنا الرياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذكر الانثى فينشأ عن ذلك الماء باذن الله فيسقيه الله العباد ومواشيهم وارضهم. ويبقى في الارض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم. ما هو اقتضى قدرته ورحمته. اي لا قدرة لكم على خزنه وادخاره. ولكن الله يخزنه لكم ويسلكه ينابيع في الارض. رحمة بكم واحسانا اليكم. وانا لنحن نحيي ونميت اي هو وحده لا شريك له الذي يحيي الخلق من العدم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا. ويميتهم لاجالهم التي قدرها كقوله انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون. وليس ذلك بعزيز ولا ممتنع على الله. فانه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم ويعلم ما تنقص الارض منهم وما تفرق من اجزائهم. وهو الذي قدرته لا يعجزها معجز. فيعيد عباده خلقا جديدا ويحشرهم اليه. انه حكيم عليم. انه حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. ويجازي كل عامل بعمله. ان خيرا فخير وان شرا فشر. ولقد يذكر تعالى نعمته واحسانه على ابيه ادم عليه السلام وما جرى من عدوه ابليس. وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته. فقال تعالى ولقد خلقنا اي ادم عليه السلام اي من طين قد يبس بعدما خمر حتى صار له صلصلة وصوت كصوت الفخار والحمأ المسنون الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه والان خلقناه من قبل من نار السماء. والجان وهو ابو الجن اي ابليس خلقناه من قبل خلق ادم من نار السموم. اي من النار الشديدة الحرارة. فلما اراد الله خلقه وادم قال للملائكة اني خالق بشر فاذا سويته جسدا تاما ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فامتثلوا امر ربهم فسجد الملائكة كلهم اجمعون. تأكيد بعد تأكيد ليدل على انه لم يتخلف منهم احد وذلك تعظيما لامر الله واكراما لادم حيث علم ما لم يعلموا. الا ابليس وهذه اول عداوته لادم وذريته قال الله قال لم اكن لاسجد لبشر خلقتهم صلصال من حمأ مسنون. فاستكبر على امر الله وابدى العداوة لادم وذريته. واعجب بعنصره وقال انا خير من ادم. قال الله معاقبا له على كفره واستكباره اي مطرود مبعد من كل خير. وان عليك لعنة اي الذم والعيب والبعد عن رحمة الله. ففيها وما اشبهها دليل على انه يستمر على كفره وبعده من الخير. قال ربي انظرني اي امهلني الى يوم يبعثون وليس اجابة الله لدعائه كرامة في حقه. وانما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد. ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك. ولذلك حذرنا منه غاية التحذير. وشرح لنا ما يريده منا اي ازين لهم الدنيا وادعوهم الى اثارها على الاخرة حتى يكونوا منقدين لكل معصية اي اصدهم كلهم عن الصراط المستقيم. الا عبادك منهم المخلصين. اي الذين اخلصتهم بيتهم لاخلاصهم وايمانهم وتوكلهم. قال الله تعالى اي معتدل موصل الي والى دار كرامتي ان عبادي ليس لك عليهم سلطان تميلهم به الى ما تشاء من انواع الضلالات. بسبب لربهم وانقيادهم لاوامره. اعانهم الله وعصمهم من الشيطان. الا من اتبعك فرضي بولايتك وطاعتك بدلا من طاعة الرحمن من الغاويين والغاوي ضد الراشد. فهو الذي عرف الحق وتركه. والضال الذي تركه ومن غير علم منه به اي ابليس وجنوده لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم لها سبعة ابواب. كل باب اسفل من الاخر. لكل باب منهم اي من اتباع ابليس. جزء مقصود بحسب اعمالهم قال الله تعالى فكبكبوا فيها هم الغاوون وجنود ابليس اجمعون. ولما ذكر تعالى ما اعد لاعدائه اتباع ابليس من النكال والعذاب الشديد. ذكر ما اعد لاوليائه من الفضل العظيم. والنعيم المقيم. فقال ان المتقين في وعيون يقول تعالى ان متقين الذين اتقوا طاعة الشيطان وما يدعوهم اليه من جميع الذنوب والعصيان قد احتوت على جميع الاشجار واينعت فيها جميع الثمار اللذيذة في جميع الاوقات. ويقال لهم حال ولها ادخلوا بسلام امنين امنين من الموت والنوم والنصب واللغو انقطاع شيء من النعيم الذي هم فيه او نقصانه. ومن المرظ والحزن والهم وسائر المكدرات. ونزعنا ما في صدورهم اخوانا على سرر متقابلين ونزعنا ما في صدورهم من غل. فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل وحسد. متصافية متحابة. اخوانا على سرور متقابلين. دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن ادبهم فيما بينهم. في كون كل منهم مقابلا للاخر لا مستدبرا له. متكئين على تلك السرور المزينة بالفرش واللؤلؤ وانواع الجواهر منها بمخرجين. لا يمسهم فيها نصب لا ظاهر ولا باطن. وذلك لان الله ينشئهم نشأة وحياة كاملة. لا تقبل شيئا من الافات على سائر الاوقات. ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة من مفعولات الله من الجنة والنار. ذكر ما توجب ذلك من اوصافه تعالى فقال انا الغفور الرحيم نبئ عبادي اي اخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالادلة فانهم اذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته. سعوا في الاسباب الموصلة لهم الى رحمته. واقلعوا عن الذنوب وتابوا منها لينالوا مغفرته. ومع هذا فلا ينبغي ان يتمادى بهم الرجاء الى حال الامن والاذلال. فنبئهم ان عذابي هو العذاب. وان عذابي هو العذاب الاليم اي لا عذاب في الحقيقة الا عذاب الله. الذي لا يقادر قدره. ولا يبلغ كنهه. نعوذ به من عذابه. فانهم اذا عرفوا انه لا يعذب عذابه احد. ولا يوثق وثاقه احد. حذروا وابعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب. فالعبد ينبغي ان يكون قلبه دائما بين الخوف والرجاء. والرغبة والرهبة. فاذا نظر الى رحمة ربه ومغفرته وجوده واحسانه. احدث له ذلك الرجاء والرغبة واذا نظر الى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه احدث له الخوف والرغبة والاقلاع عنها يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اي عن تلك القصة العجيبة فان في قصك عليهم انباء الرسل وما ترى لهم مما يوجب لهم العبرة والاقتداء بهم. خصوصا ابراهيم الخليل الذي امرنا الله ان نتبع ملته. وضيفه هم الملائكة اكرمه الله بان جعلهم اضيافة اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما اي سلموا عليه فرد عليهم قال اي خائفون لانه لما دخلوا عليه وحسبهم ضيوفا ذهب مسرعا الى بيته فاحضر لهم ضيافتهم عجلا حميدا فقدمه اليهم. فلما رأى ايديهم لا تصل اليه. خاف منهم ان يكونوا لصوصا او نحوهم. فقالوا انا نبشرك بغلام عليم. وهو اسحاق عليه الصلاة والسلام. تضمنت هذه بانه ذكر لا انثى عليم. اي كثير العلم وفي الاية الاخرى وبشرناه باسحاق نبي من الصالحين. قال ابشرتموني على ان مسني الكبر فبم تبشرون؟ فقال لهم متعجبا من هذه البشارة ابشرتموه بالولد على ان مسني الكبر. وصار نوع اياس منه. فبما تبشرون؟ اي على اي وجه تبشرون وقد عدمت الاسباب قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين. قالوا بشرناك بالحق الذي لا شك فيه. لان الله الله على كل شيء قدير وانتم بالخصوص يا اهل هذا البيت رحمة الله وبركاته عليكم. فلا يستغرب فضل الله واحسانه اليكم الذين يستبعدون وجود الخير بل لا تزل راجيا لفضل الله واحسانه وبره فاجابهم ابراهيم بقوله الذين لا علم لهم بربهم وكمال اقتداره. واما من انعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم فلا سبيل الى القنوط اليه. لانه يعرف من كثرة الاسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئا كثيرا. ثم لما بشروه بهذه البشارة عرف انهم مرسلون لامر مهم. اي قال الخليل عليه السلام الملائكة اي ما شأنكم؟ ولاي شيء ارسلتم انا اوصلنا الى قوم مجرمين. اي كثر فسادهم وعظم شرهم. لنعذبهم ونعاقبهم الا ال لوط انا لنجوهم اجمعين. الا ال لوط اي الا لوطا واهله. الا امرأته قدرنا انها لمن الغابرين. اي الباقين بالعذاب. واما لوط فسنخرجنه واهله ولننجينهم منها فجعل ابراهيم يجادل الرسل في اهلاكهم ويراجعهم. فقيل له يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود. فذهبوا منه قال لهم لوط انكم قوم منكرون اي لا اعرفكم ولا ادري من انتم. اي جئناك بعذابهم الذي كانوا يشكون فيه ويكذبونك حين تعدهم به واتيناك بالحق الذي ليس بالهزل. وانا لصادقون فيما قلنا لك وامضوا حيث تؤمرون. فاسري باهلك بقطع من الليل اي في اثنائه حين تنام العيون. ولا يدري احد عن مسراك ولا يلتفت منكم احد. اي بل بادروا واسرعوا وامضوا حيث تؤمرون. كان معهم دليلا يدلهم الى اين يتوجهون وقضينا اليه ذلك اي اخبرناه خبرا لا مثنوية فيه. اي سيصبحهم العشر الذي يجتاحهم ويستأصلهم وجاء اهل المدينة يستبشرون وجاء اهل المدينة اي المدينة التي فيها لوط يستبشرون. اي يبشر بعضهم بعضا باضياف لوط وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم. وذلك قصدهم فعل الفاحشة فيهم فجاءوا حتى وصلوا الى بيت لوط فجعلوا يعالجون لوطا على اضيافه ولوط يستعيذ منهم ويقول ضيفي ايراقبوا الله اول ذلك. وان كان ليس فيكم خوف من الله فلا تفضحوني في اضيافي. وتنتهكوا منهم الامر الشنيع لم ننهك عن العالمين فقالوا له جوابا عن قوله ولا تخزوني فقط او لم ننهك عن العالمين ان كيف هم فنحن قد انذرناك؟ ومن انذر فقد اعذر قال هؤلاء بناتي ان كنتم ان كنتم فاعلين. فقط قال لهم لوط من شدة الامر الذي اصابه فلم يبالوا بقوله. ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم انه وهذه السكرة هي سكرة محبة الفاحشة التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم فلما بينت له الرسل حالهم زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب. فامتثل امر ربه وسرى باهله ليلا فنجوا. واما اهل القرية اي وقت شروق الشمس حين كانت العقوبة عليهم اشد سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل. فجعلنا عاليها سافلها. اي عليهم مدينتهم وامطرنا عليهم حجارة تتبع فيها من شذ من البلد من منهم ان في ذلك لايات للمتوسمين اي المتأملين المتفكرين الذين لهم فكر مروية وفراسة يفهمون بها ما اريد بذلك. من ان من تجرأ على معاصي الله خصوصا هذه الفاحشة العظيمة. وان الله سيعاقبهم باشنع العقوبات كما تجرأوا على اشنع السيئات وانها اي مدينة قوم لوط لبسبيل مقيم للسالكين. يعرفه كل من تردد في تلك الديار وفي هذه القصة من العبر عنايته تعالى بخليله ابراهيم فان لوطا عليه السلام من اتباعه. وممن امن به فكأنه تلميذ له. فحين اراد الله اهلاك قوم لوط حين استحقوا ذلك له ان يمروا على ابراهيم عليه السلام كي يبشروه بالولد ويخبروه بما بعثوا له. حتى انه جادلهم عليه السلام في اهلاكهم حتى اقنعوه فطابت نفسه. وكذلك لوط عليه السلام لما كانوا اهل وطنه. فربما اخذته الرقة عليهم الرأفة بهم قدر الله من الاسباب ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم. حتى استبطأ اهلاكهم لما قيل له ان موعدهم الصبح. اليس الصبح ومنها ان الله تعالى اذا اراد ان يهلك قرية ازداد شرهم وطغيانهم. فاذا انتهى اوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه وان كان اصحاب الايكة لظالمين. وهؤلاء هم قوم شعيب نعتهم الله واضافهم وهو البستان كثير الاشجار. ليذكر نعمته عليهم وانهم ما قاموا بها. بل جاءهم نبيهم شعيب. فدعاهم الى التوحيد وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين. وعالجهم على ذلك اشد المعالجة. فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق. وفي حق الخلق ولهذا وصفهم هنا بالظلم. انتقل منهم فاخذهم عذاب يوم الظلة. انه كان عذاب يوم عظيم. وانهما اي ديار قوم لوط واصحاب الايكة اي لبطريق واضح يمر بهم المسافرون كل وقت. فيبين من اثارهم ما هو مشاهد بالابصار فيعتبر بذلك اولو الالباب. يخبر تعالى عن اهل الحجر وهم قوم صالح الذين يسكنون الحجر المعروف في ارض الحجاز. انهم كذبوا المرسلين. اي كذبوا صالحا. ومن كذب رسولا قد كذب سائر الرسل لاتفاق دعوتهم وليس تكذيب بعضهم لشخصه. بل لما جاء به من الحق الذي اشترك جميع الرسل بالاتيان به اتيناهم اياتنا فكانوا عنها معرضين. واتيناهم اياتنا الدالة على صحة ما جاءهم به في صالح من الحق التي من جملتها تلك الناقة التي هي من ايات الله العظيمة كبرا وتجبرا على الله. وكانوا من كثرة انعام عليهم ينحتون من الجبال بيوتا امنين من المخاوف. مطمئنين في ديارهم فلو شكروا النعمة وصدقوا نبيهم صالحا عليه السلام لادر الله عليهم الارزاق. ولاكرمهم بانواع من الثواب العاجل والاجل. ولكنهم لما كذبوا وعقروا الناقة عن امر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين فتقطعت قلوبهم في اجوافهم. واصبحوا في دارهم جاثمين هلكا. مع ما يتبع ذلك من الخزي واللعنة المستمرة لان امر الله اذا جاء لا يرده كثرة جنود ولا قوة انصار ولا غزارة اموال ان الساعة لاتية اي ما خلقناهما عبثا وباطلا كما يظن ذلك اعداء الله بل ما خلقناهما الا بالحق الذي منه ان يكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما واقتداره وسعة رحمته وعلمه المحيط وانه الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده لا شريك له. وان الساعة لاتية لا ريب فيها لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. وهو الصفح الذي لا اذية فيه بل قابل اساءة بالاحسان وذنبه بالغفران. لتنال من ربك جزيل الاجر والثواب. فان كل ما هو ات فهو قريب. وقد ظهر لي معنى احسن من ما ذكرت هنا وهو ان المأمور به هو الصفح الجميل. اي الحسن الذي قد سلم من الحقد والاذية القولية والفعلية. دون الصفح الذي ليس بجميل وهو الصفح في غير محله. فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة. كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم الا العقوبة وهذا هو المعنى. ان ربك هو الخلاق لكل مخلوق العليم بكل شيء. فلا يعجزه احد من جميع ما احاط به علمه. وجرى عليه خلقه. وذلك سائر الموجودات ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم يقول تعالى ممتنا على ولقد اتيناك سبعا من المثاني وهن على الصحيح. السور السبع الطوال، البقرة وال عمران، والنساء والمائدة والانعام والاعراف والانفال مع التوبة. او انها فاتحة الكتاب لانها سبع ايات. فيكون عطف القرآن العظيم على ذلك من باب عطف العام على الخاص لكثرة ما في المثاني من التوحيد وعلوم الغيب والاحكام الجليلة. وتثنيتها فيها. وعلى القول بانها الفاتحة هي السبع المثاني معناه انها سبع ايات تثنى في كل ركعة. واذا كان الله قد اعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني. كان قد اعطاه افضل ما يتنافس فيه المتنافسون واعظم ما فرح به المؤمنون. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ولذلك قال بعده لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم. ولا تحزن عليهم لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم. اي لا تعجب اعجابا يحملك على اشغال فكرك بشهوات الدنيا. التي تمتع بها المترفون. واغتر بها الجاهلون. واستغني بما اتاك الله من المثاني والقرآن العظيم ولا تحزن عليهم فانهم لا خير فيهم يرجى. ولا نفع يرتقب. فلك في المؤمنين عنهم احسن البدل وافضل العوظ. اي الن لهم جانبك وحسن لهم خلقت محبة واكراما وتوددا. اي قم ما عليك من النذارة واداء الرسالة والتبليغ للقريب والبعيد. والعدو والصديق. فانك اذا فعلت ذلك فليس عليك من حسابهم من شيء اي وما من حسابك عليهم من شيء وقوله اي كما انزل ان العقوبة على المقتسمين على بطلان ما جئت به. الساعين لصد الناس عن سبيل الله اي اصنافا واعضاء واجزاء. يصرفونه بحسب ما يهوونه. فمنهم من يقول سحر ومنهم من يقول كهانة منهم من يقول مفترى الى غير ذلك من اقوال الكفرة المكذبين به. الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا الناس عن الهدى اي جميع من قدح فيه وعابه وحرفه وبدله وفي هذا اعظم ترهيب وزجر لهم عن الاقامة على ما كانوا عليه. ثم امر الله رسوله الا الي بهم ولا بغيرهم وان يصدع بما امر الله ويعلن بذلك لكل احد وليعوقنه عن امره عائق ولا تصده اقوال متهوقين. اي لا تبالي بهم واترك مشاتمتهم ومسابتهم. مقبلا على فشأنك انا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله الها انا كفيناك المستهزئين بك وبما جئت به. وهذا وعد من الله لرسوله الا يضره المستهزئون. وان يكفيه الله واياهم بما شاء من انواع العقوبة. وقد فعل تعالى فانهما تظاهر احد بالاستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم. وبما جاء به الا اهلكه الله وقتله شر قتلة. ثم ذكر وصفهم وانهم كما يؤذونك يا رسول الله. فانهم ايضا يؤذون الله ويجعلون معه الها اخر وهو ربهم وخالقهم ومدبرهم. فسوف يعلمون فسوف يعلمون غب افعالهم اذا وردوا القيامة. بما يقولون لك من التكذيب والاستهزاء فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب. والتعجيل لهم بما يستحقون. ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم فانت يا محمد اي اكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة. فان ذلك يوسع الصدر ويشرحه. ويعينك على امورك اي الموت اي استمر في جميع الاوقات على التقرب الى الله بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى مقربا لما وعد به محققا لوقوعه اتى امر الله فلا تستعجلوه فانه ات وما وات فانه قريب. سبحانه وتعالى عما يشركون من نسبة الشريك والولد والصاحبة. والكفء وغير ذلك مما نسبه اليه المشركون مما لا يليق بجلاله او ينافي كماله. ولما نزه نفسه عما وصفه به اعداؤه. ذكر الوحي الذي ينزله على انبيائه ما يجب اتباعه في ذكر ما ينسب لله من صفات الكمال. فقال ينزل الملائكة بالروح من امره. اي بالوحي الذي به حياة الارواح. على من يشاء من عباده ممن يعلمه صالحا لتحمل رسالته وزبدة دعوة المرسلين كلهم ومدارها على قوله ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون. اي على معرفة الله تعالى وتوحده في صفات العظمة التي هي صفات الالوهية وعبادته وحده لا شريك له. فهي التي انزل الله بها كتبه وارسل رسله. وجعل الشرائع اكن لها تدعو اليها وتحث وتجاهد من حاربها وقام بضدها. ثم ذكر الادلة والبراهين على ذلك فقال هذه السورة تسمى سورة النعم فان الله ذكر في اولها اصولا النعم وقواعدها وفي اخرها متمماتها ومكملاتها. فاخبر انه خلق السماوات والارض بالحق ليستدل بها العباد على عظمة خالقهما وما له من نعوت الكمال. ويعلم انه خلقهما مسكنا لعباده الذين يعبدونه. بما يأمرهم به من الشرائع التي انزلها على السنة رسله ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال تعالى عما يشركون. اي تنزه وتعاظم عن شركهم فانه الاله حقا الذي لا تنبغي العبادة والحب والذل الاله تعالى. ولما ذكر خلق السماوات والارض ذكر خلق ما فيهما. وبدأ باشرف ذلك وهو الانسان فقال خلق الانسان من نطفة لم يزل يدبرها ويرقيها وينميها. حتى صارت بشرا تاما. كامل الاعضاء الظاهرة والباطنة قد غمره بنعمه الغزيرة. حتى اذا استتم فخر بنفسه واعجب بها. فاذا هو خصيم مبين. يحتمل ان المراد فاذا هو خصيم ربه يكفر به ويجادل رسله ويكذب باياته. ونسي خلقه الاول. وما انعم الله عليه به من النعم. فاستعان بها على معاصيه ويحتمل ان المعنى ان الله انشأ الادمي من نطفه ثم لم يزل ينقله من طور الى طور حتى صار عاقلا متكلما ذا ذهن رأي يخاصم ويجادل فليشكر العبد ربه الذي اوصله الى هذه الحال. التي ليس في امكانه القدرة على شيء منها والانعام خلقها لكم اي لاجلكم ولاجل منافعكم ومصالحكم من جملة منافعها العظيمة ان لكم فيها دفء مما تتخذون من اصوافها واوبارها واشعارها وجلودها من الثياب والفرش والبيوت. ولكم فيها منافع غير ذلك. ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال اي في وقت راحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحها. وذلك ان جمالها لا يعود اليها ما منه شيء فانكم انتم الذين تتجملون بها كما تتجملون بثيابكم واولادكم واموالكم. وتعجبون بذلك ان ربكم لرؤوف رحيم وتحمل اثقالكم من الاحمال الثقيلة. بل وتحملكم انتم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس لكن الله ذللها لكم. فمنها ما تركبونه ومنها ما تحملون عليه ما تشاؤون من الاثقال الى البلدان البعيدة والاقطار الشاسعة. ان ربكم لرؤوف رحيم اذ سخر لكم ما تضطرون اليه وتحتاجونه. فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وسعة جوده وبره والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. ويخلق ما لا تعلمون. والخيل والبغال والحمير سخرناها لكم لتركبوها وزينة اي تارة تستعملونها للضرورة في الركوب وتارة لاجل الجمال والزينة ولم يذكر الاكل لان البغال والحمر محرم اكلها. والخيل لا تستعمل في الغالب للاكل. بل ينهى عن ذبحها لاجل الاكل. خوفا من انقطاعها فقد ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن في لحوم الخيل. ويخلق ما لا تعلمون مما يكون بعد نزول القرآن من الاشياء. التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو. ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم. فانه لم يذكرها باعيانها. لان الله تعالى لا يذكر في كتابه الا ما يعرفه العباد او يعرفون نظيره. واما ما ليس له نظير فانه لو ذكر لم يعرفوه. ولم يفهموا المراد منه. فيذكر اصلا جامعا يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون. كما ذكر نعيم الجنة وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره. كالنخل والاعناب والرمان. واجمل ما لا نعرف له تحذيرا في قوله فيهما من كل فاكهة زوجان. فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب كالخيل والبغال والحمير والابل والسفن واجمل الباقي في قوله ويخلق ما لا تعلمون. ولما ذكر تعالى الطريق الحسي وان الله قد جعل للعباد ما يقطعونه به من الابل وغيرها ذكر الطريق المعنوي الموصل اليه فقال ولو شاء لهداكم اجمعين. وعلى الله قصد السبيل اي الصراط المستقيم. الذي هو اقرب الطرق واخسرها موصل الى الله. واما الطريق الجائر في عقائده واعماله. وهو كل ما خالف الصراط المستقيم فهو قاطع عن الله. موصل الى دار الشقاء فسلك المهتدون الصراط المستقيم باذن ربهم. وضل الغاوون عنه وسلكوا الطرق الجائرة. ولو شاء لهداكم اجمعين ولكنه هدى بعضا كرما وفضلا. ولم يهد اخرين حكمة منه وعدلا لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيبون. ينبت لكم ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون بذلك على كمال قدرة الله الذي انزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف ورحمته حيث جعل فيه ماء غزيرا منه يشربون وتشرب مواشيهم ويسقون منه حروفهم فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة اي سخر لكم هذه الاشياء لمنافعكم وانواع مصالحكم بحيث لا تستغنون عنها ابدا. فبالليل تسكنون وتنامون وتستريحون. وبالنهار تنتشرون في معايشكم ومنافع دينكم ودنياكم وبالشمس والقمر من الضياء والنور والاشراق واصلاح الاشجار والثمار والنبات وتجفيف الرطوبات وازالة البرودة الضارة للارض والابدان وغير ذلك من الضروريات والحاجيات التابعة لوجود الشمس والقمر وفيهما وفي النجوم من الزينة للسماء والهداية في ظلمات البر والبحر ومعرفة الاوقات وحساب الازمنة. ما تتنوع دلالاتها وتتصرف اياتها. ولهذا جمعها في قوله ان في ذلك لايات لقوم يعقلون. اي لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر. فيما هي مهيئة له مستعدة. تعقل ما هو تسمعه لكن نظر الغافلين الذين حظهم من النظر حظ البهائم التي لا عقل لها اي في ماذا رأى الله ونشرا للعباد من كل ما على وجه الارض من حيوان واشجان ونبات وغير ذلك. مما تختلف الوانه وتختلف منافعه. اية على كمال قدرة الله احسانه وسعة بره وانه الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا شريك له. لقوم يذكرون ان يستحضرون في ذاكرتهم ما ينفعهم من العلم النافع ويتأملون ما دعاهم الله الى التأمل فيه. حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه وترى اي هو وحده لا شريك له الذي سخر البحر وهيأ لمنافعكم المتنوعة لتأكلوا منه لحما طريا. وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه. وتستخرج منه حلية تلبسونها تزيدكم جمالا وحسنا الى حسنكم. وترى الفلك اي السفن والمراكب مواخر فيه. اي تنخر البحر العجاج الهائل بمقدمها. حتى تسلك فيه من قطر الى اخر. تحمل المسافرين وارزاقهم وامتعتهم وتجاراتهم. التي يطلبون بها الارزاق وفضل الله عليهم لعلكم تشكرون الذي يسر لكم هذه الاشياء وهيأها. وتثنون على الله الذي من بها. فلله تعالى الحمد والشكر والثناء. حيث اعطى العباد مما صالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون. واعلى مما يتمنون واتاهم من كل ما سألوه. لا نحصي ثناء عليه. بل هو كما اثنى على نفسي والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون اي والقى الله تعالى لاجل عباده في الارض رواسي. وهي الجبال العظام لا تميد بهم وتضطرب بالخلق. فيتمكنون من حرث الارض والبناء والسير عليها. ومن رحمته تعالى ان جعل فيها انهارا. يسوقها من ارض بعيدة الى ارض مضطرة اليها. لسقيهم وسقي مواشيهم وحروفهم. انهارا على وجه الارض وانهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها حتى يصلوا اليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والالات ونحوها. ومن رحمته ان جعل في الارض سبلا. اي طرقا توصل الى الديار المتناهية لعلكم تهتدون السبيل اليها. حتى انك تجد ارضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها. وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة وما انعم به من النعم العميمة. ذكر انه لا يشبهه احد ولا كفؤ له ولا ند له. فقال افمن يخلق جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد كمن لا يخلق شيئا لا قليلا ولا كثيرا. افلا تذكرون فتعرفون ان المنفرد بالخلق احق بالعبادة كلها فكما انه واحد في خلقه وتدبيره فانه واحد في الهيته وتوحيده وعبادته. وكما انه ليس له مشارك اذ انشأكم وانشأ غيركم فلا تجعلوا له اندادا في عبادته. بل اخلصوا له الدين ان الله لغفور رحيم. وان تعدوا نعمة الله عددا مجردا عن الشكر لا تحصوها فضلا عن كونكم تشكرونها. فان نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الانفاس واللحظات. من جميع اصناف النعم مما يعرف العباد ومما لا يعرفون. وما يدفع عنهم من النقم فاكثر من ان تحصى. ان الله لغفور رحيم. يرضى منكم باليسير من الشكر مع انعامه الكثير لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. وكما ان رحمته واسعة وجوده عميم. ومغفرته شاملة للعباد فعلمه محيط بهم ويعلم ما تسرون وما تعلنون. بخلاف من عبد من دونه فانهم لا يخلقون شيئا قليلا ولا كثيرا. وهم يخلقون فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في ايجادهم الى الله تعالى؟ ومع هذا ليس فيهم من اوصاف الكمال شيء لا علم ولا غيره اموات غير احياء وما يشعرون ايام يبعثون. الهكم اله اموات غير احياء فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا. افتتخذ هذه الهة من دون رب العالمين فتبا لعقول المشركين ما اضلها وافسدها حيث ضلت في اظهر الاشياء فسادا وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا اوصاف كمال ولا شيء من الافعال وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له كل الصفة كمال وله من تلك الصفة اكملها واعظمها فله العلم المحيط بكل في الاشياء والقدرة العامة والرحمة الواسعة التي ملأت جميع العوالم. والحمد والمجد والكبرياء والعظمة التي لا يقدر احد من الخلق ان يحيط بعض اوصافه ولهذا قال الهكم اله واحد وهو الله الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فاهل الايمان والعقول اجلته قلوبهم وعظمته واحبته حبا عظيما وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية واعمال القلوب واعمال الجوارح. وافنوا عليه باسمائه الحسنى وصفاته وافعاله المقدسة فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم لهذا الامر العظيم الذي لا ينكره الا اعظم الخلق جهلا وعنادا. وهو توحيد الله وهم مستكبرون عن عبادته. لا لا جرم اي حقا لابد ان الله يعلم ما يسرنا وما يعلنون من الاعمال القبيحة. انه لا يحب المستكبرين بل يبغضهم اشد البغض فيجازيهم من جنس عملهم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين يقول تعالى مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بايات الله اذا قيل لهم ماذا انزل ربكم؟ اي اذا سئلوا عن القرآن والوحي الذي هو اكبر نعمة انعم الله بها على العباد. فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها ام تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم اقبح جواب واسمجة. فيقولون عنه انه اساطير الاولين اي كذب اختلقه محمد على الله. وما هو الا قصص الاولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل. منها الصدق ومنها الكذب. فقالوا هذه المقالة ودعوا اتباعهم اليها الذين يضلونهم بغير علم. وحملوا وزرهم ووزر من قاد لهم الى يوم القيامة وقوله ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم اي من اوزار المقلدين الذين لا علم عندهم الا اما دعوهم اليه فيحملون اثم ما دعوهم اليه. واما الذين يعلمون فكل مستقل بجرمه لانه عرف ما عرفوا. الا ساء اي بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم من وزرهم ووزر من اضلوه الله بنيانهم من القواعد فخروا عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من قد مكر الذين من قبلهم برسلهم واحتالوا بانواع الحيل على رد ما جاءوهم به وبنوا من مكرهم صورا هائلة فاتى الله بنيانهم من القواعد. اي جاءها الامر من اساسها وقاعدتها. فخر عليهم السقف من فوقهم. فصار ما بنوه عذابا عذبوا به واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. وذلك انهم ظنوا ان هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب. فصار عذابهم فيما بنوه واصلوه. وهذا من احسن الامثلة في ابطال الله مكر اعدائه. فانهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم. وجعلوا لهم اصولا وقواعد من الباطل يرجعون اليها. ويردون بها ما جاءت به الرسل. واحتالوا ايضا على ايقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم. فصار مكرهم اهلا عليهم فصار تدبيرهم فيه تدميرهم. وذلك لان مكرهم سيء ولا يحق المكر السيء الا باهله. هذا في الدنيا ولعذاب في الاخرة اخزى. ولهذا قال الذين كنتم ثم يوم القيامة يخزيهم اي يفضحهم على رؤوس الخلائق. ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله تقول اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم؟ اي تحاربون وتعادون الله وحزبه لاجلهم. وتزعمون انهم شركاء لله. فاذا لهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب الا الاقرار بضلالهم. والاعتراف بعنادهم. فيقولون ضلوا عنا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. قال الذين اوتوا العلم اي العلماء الربانيون ان الخزي اليوم اي يوم القيامة والسوء اي العذاب على الكافرين وفي هذا فضيلة اهل العلم وانهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. وان لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه. ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقالون بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون. الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم اي تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيهم. وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام. من انواع العذاب والخزي والاهانة. فالقوا السلم اي استسلموا وانكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا ما كنا نعمل من سوء. فيقال لهم بلى كنتم تعملون السوء فان الله عليم بما كنتم تعملون. فلا يفيدكم الجحود شيئا. وهذا في بعض مواقف القيامة ينكر هنا ما كانوا عليه في الدنيا ظنا انه ينفعهم. فاذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه اقروا واعترفوا. ولهذا لا يدخلون النار سيعترف بذنوبهم فادخلوا ابواب جهنم كل اهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم فلبئس مثوى المتكبرين. نار جهنم فانها مثوى الحسرة والندم. ومنزل الشقاء الدائم ومحل الهموم والغموم وموضع السخط من الحي القيوم. لا يفتر عنه من عذابها ولا يرفع عنهم يوما من اليم عقابها. قد اعرض عنهم الرب واذاقهم العذاب العظيم. وقيل للذين اتقوا ما انزل ربكم قالوا خيرا لما ذكر الله قيل المكذبين بما انزل الله ذكر ما قاله المتقون وانهم اعترفوا واقروا بان ما انزله الله نعمة عظيمة. وخير عظيم امتن الله به على العباد. فقبلوا تلك النعمة وتلقوها بالقبول والانقياد وشكروا الله عليها. فعلموها وعملوا لها للذين احسنوا في عبادة الله تعالى واحسنوا الى عباد الله فلهم هذه الدنيا حسنة رزق واسع وعيشة هنية وطمأنينة قلب وامن وسرور. ولدار الاخرة خير من هذه الدار. وما في من انواع اللذات والمشتهيات فان هذه نعيمها قليل. محشوب بالافات منقطع. بخلاف نعيم الاخرة. ولهذا قال ولنعم دار المتقين لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين كذلك يجزي الله المتقين. جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار. لهم فيها ما يشاؤون اي مهما تمنته انفسهم وتعلقت به ارادتهم حصل لهم على اكمل الوجوه واتمها. فلا يمكن ان يطلبوا نوعا من انواع النعيم الذي فيه لذة القلوب وسرور الارواح الا وهو حاضر لديهم. ولهذا يعطي الله اهل الجنة كلما تمنوه عليه. حتى انه يذكرهم اشياء من نعيمي لم تخطر على قلوبهم فتبارك الذي لا نهاية لكرمه ولا حد لجوده. الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته وصفات افعاله اثار تلك النعوت وعظمة الملك والملكوت. كذلك يجزي الله المتقين لسخط الله وعذابه باداء ما اوجبه عليه من الفروض والواجبات المتعلقة بالقلب والبدن واللسان من حقه وحق عباده وترك ما نهاهم الله عنه يقولون سلام عليكم. يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة. يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون تتوفاهم الملائكة مستمرين على تقواهم طيبين اي طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق اليهم ويخل في فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته والسنتهم بذكره والثناء عليه وجوارحهم بطاعته والاقبال عليه. يقولون سلام عليكم اي التحية الكاملة حاصلة لكم والسلامة من كل افة. وقد سلمتم من كل ما تكرهون. ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون من الايمان بالله والانقياد لامره. فان العمل هو السبب والمادة والاصل في دخول الجنة والنجاة من النار. وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم لا بحولهم وقوتهم هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة او يأتي امر ربك؟ كذلك فعل الذين من يقول تعالى هل ينتظر هؤلاء الذين جاءتهم الايات فلم يؤمنوا وذكروا فلم يتذكروا الا ان تأتيهم الملائكة لقبض ارواحهم او يأتي امر ربك بالعذاب الذي سيحل بهم فانهم قد استحقوا لوقوعه فيهم. كذلك فعل الذين من قبلهم كذبوا وكفروا ثم لم يؤمنوا حتى نزل بهم العذاب وما ظلمهم الله اذ عذبهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فانها مخلوقة لعبادة الله ليكون مآلها الى كرامة الله فظلموها وتركوا ما خلقت له وعرضوها للاهانة الدائمة والشقاء الملازم فاصابهم سيئات ما عملوا اي عقوبات اعمالهم واثارها وحاق بهم اي نزل ما كانوا به يستهزئون. فانهم كانوا اذا اخبرتهم رسلهم بالعذاب استهزأوا به. وسخروا ممن اخبر به بهم ذلك الامر الذي سخروا منه كذلك اي احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله وان الله لو شاء ما اشركوا ولا حرموا شيئا من الانعام التي احلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه. وهذه حجة باطلة فانها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث اشركوا به فعاقبهم اشد العقاب فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم ليس قصدهم بذلك الا رد الحق الذي جاءت به الرسل. والا فعندهم علم انه لا حجة لهم على الله. فان الله امرهم ونهاهم ومكنهم من القيام بما كلفهم وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها افعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من ابطال الباطل. هذا وكل احد يعلم بالحس قدرة الانسان على كل فعل يريده من غير ان ينازعه منازع. فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله وتكذيب الامور العقلية والحسية فهل على الرسل الا البلاغ المبين؟ اي البين الظاهر الذي يصل الى القلوب ولا يبقى لاحد على الله حجة. فاذا بلغتهم الرسل امر ربهم ام ناهية واحتجوا عليهم بالقدر فليس للرسل من الامر شيء. وانما حسابهم على الله عز وجل فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين يخبر وتعالى ان حجته قامت على جميع الامم. وانه ما من امة متقدمة او متأخرة الا وبعث الله فيها رسولا. وكلهم متفقون على دعوة خطوة واحدة ودين واحد. وهو عبادة الله وحده لا شريك له. ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. فانقسمت الامم بحسب استجابتها دعوة الرسل وعدمها قسمين. فمنهم من هدى الله فاتبعوا المرسلين علما وعملا. ومنهم من حقت عليه الضلالة فاتبع سبيل الغي. فسيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. فانكم سترون من ذلك العجائب. فلا تجدون مكذبا الا كان عاقبكم الهلاك ان تحرص على هداهم فان الله لا يهدي من يضل وما لهم من ان تحرص على هداهم وتبذل جهدك في ذلك. فان الله لا يهدي من يضل. ولو فعل كل سبب لم الا الله وما لهم من ناصرين ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله انهم اقسموا بالله جهد ايمانهم. اي حلفوا ايمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله. وان الله لا يبعث الاموات ولا يقدر على احيائهم بعد ان كانوا ترابا. قال تعالى مكذبا لهم. بلى سيبعثهم ويجمعهم ليوم لا ريب فيه. وعدا عليه حقا. لا يخلفه ولا يغيره ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ومن جهلهم العظيم انكارهم للبعث والجزاء. ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث. فقال انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون ليبين لهم الذي يختلفون فيه من المسائل الكبار والصغار. فيبين حقائقها ويوضحها. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين حين يرون اعمالهم حسرات عليهم. وما نفعتهم الهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء امر ربك. وحين يرون ما يعبدون حقه لجهنم وتكور الشمس والقمر وتتناثر النجوم ويتضح لمن يعبدها انها عبيد مسخرات وانهن مفتقرات الى الله في جميع الحالات وليس ذلك على الله بصعب ولا شديد. فانه اذا اراد شيئا قال له كن فيكون. من غير منازعة ولا امتناع. بل يكون على ما اراده وشاءه والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوءنهم في الدنيا حسنة يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين الذين هاجروا في الله اي في سبيله وابتغاء مرضاته. من بعد ما ظلموا بالاذية والمحنة من قومهم. الذين يفتنونهم ليردوهم الى الكفر والشرك. فتركوا الاوطان والخلان وانتقلوا عنها لاجل طاعة الرحمن. فذكر لهم ثوابين ثوابا عاجلا في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء. الذي رأوه عيانا بعدما هاجروا وانتصروا على اعدائهم وافتتحوا البلدان وغنموا منها الغنائم العظيمة. فتمولوا واتاهم الله في الدنيا حسنة. ولاجر الاخرة الذي وعدهم الله على لسان رسوله اكبر من اجر الدنيا. كما قال الله تعالى الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان. وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا. ان الله عنده اجر عظيم. وقوله لو كانوا يعلمون. اي لو كان لهم علم ويقين بما عند الله والله من الاجر والثواب لمن امن به وهاجر في سبيله لم يتخلف عن ذلك احد. ثم ذكر وصف اوليائه فقال الذين صبروا على اوامر الله وعن نواهيه وعلى اقدار الله وعلى الاذية فيه والمحن. وعلى ربهم يتوكلون. ان يعتمدون عليه في تنفيذ محابه. لا على انفسهم. وبذلك تنجح وامورهم وتستقيم احوالهم. فان الصبر والتوكل ملاك الامور كلها. فما فات احدا شيء من الخير الا لعدم صبره. وبذل جهد فيما اريد منه او لعدم توكله واعتماده على الله اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر. وانزلنا اليك الذكر يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وما ارسلنا من قبلك الا رجالا. اي لست ببدع من الرسل. فلم نرسل قبلك ملائكة. بل رجالا كاملين يا نساء نوحي اليه من الشرائع والاحكام ما هو من فضله واحسانه على العبيد. من غير ان يأتوا بشيء من قبل انفسهم. فاسألوا اهل الذكر اي الكتب السابقة ان كنتم لا تعلمون نبأ الاولين وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا اهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم قوى البينات فعلموها وفهموها فانهم كلهم قد تقرر عندهم ان الله ما بعث الا رجالا يوحي اليهم من اهل القرى. وعموم هذه الاية فيها مدح اهل العلم. وان اعلى انواعه العلم بكتاب الله المنزل. فان الله امر من لا يعلم بالرجوع اليهم في جميع الحوادث وفي ضمنه تعديل لاهل العلم وتزكية لهم. حيث امر بسؤالهم وان بذلك يخرج الجاهل من التبعة. فدل على ان الله ائتمنهم على وحيه تنزيله وانهم مأمورون بتزكية انفسهم والاتصاف بصفات الكمال. وافضل اهل الذكر اهل هذا القرآن العظيم. فانهم اهل الذكر على الحقيقة ثقة واولى من غيرهم بهذا الاسم. ولهذا قال الله تعالى وانزلنا اليك الذكر. اي القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج اليه العباد من امور دين دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة. لتبين للناس ما نزل اليهم. وهذا شامل لتبيين الفاظه وتبيين معانيه. ولعلهم يتفكرون فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم واقبالهم عليه هذا تخويف من الله تعالى لاهل الكفر والتكذيب وانواع المعاصي. من ان يأخذهم بالعذاب على غرة وهم لا يشعرون. اما ان يأخذهم العذاب من فوقهم او من اسفل منهم بالخسف وغيره. واما في حال تقلبهم وشغلهم. وعدم خطور العذاب ببالهم. واما في حال تخوفهم من العذاب فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الاحوال. بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده. ولكنه رؤوف رحيم لا يعادل اصينا بالعقوبة بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم. وهم يؤذونه ويؤذون اولياءه. ومع هذا يفتح لهم ابواب التوبة. ويدعوهم الى الاقلاع من السيئات التي تضرهم. ويعدهم بذلك افضل الكرامات. ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب. فليستحي المجرم من ربه ان تكون نعم الله عليه في نازلة في جميع اللحظات. ومعاصيه صاعدة الى ربه في كل الاوقات. وليعلم ان الله يمهل ولا يهمل. وانه اذا اخذ العاصي اخذه اخذ عزيز مقتدر فليتب اليه وليرجع في جميع اموره اليه. فانه رؤوف رحيم. فالبدار البدار الى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة الى فضل الرب الرحيم. الا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمال يقول تعالى اولم اي الشكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله الى ما خلق الله من شيء اي الى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ اظلتها عن وعن الشمائل سجدا لله. اي كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله. وهم داخرون. اي ذليلون تحت التسخير والتدبير والقهر ما منهم احد الا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده والملائكة والملائكة وهم لا يستكبرون. ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة. من الحيوانات الناطقة والصامتة الكرام خصهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم. ولهذا قال وهم لا يستكبرون. اي عن عبادته على كثرة وعظمة اخلاقهم وقوتهم. كما قال الله تعالى لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون يخافون ربهم من فوقهم لما مدحهم بكثرة الطاعة والخضوع لله مدحهم بالخوف من الله الذي هو فوقهم بالذات والقهر. وكمال الاوصاف فهم اذلاء تدبيره ويفعلون ما يؤمرون اي مهما امرهم الله تعالى امتثلوا لامره طوعا واختيارا وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان سجود اضطرار ودلالة على ما له من صفات الكمال. وهذا عام لكل مخلوق. من مؤمن وكافر وبر وفاجر. وحيوان ناطق وسجود اختيار يختص باوليائه وعباده المؤمنين. من الملائكة وغيرهم من المخلوقات وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له. ويستدل على ذلك بانفراده بالنعم والوحدانية. فقال لا تتخذوا الهين اثنين اي تجعلون له شريكا في الهيته وهو انما هو اله واحد متوحد في الاوصاف العظيمة متفرد بالافعال كلها فكما انه الواحد في ذاته واسمائه ونعوته وافعاله. فلتوحدوه في عبادته. ولهذا قال فاياي فارهبون. اي خافوني وامتثلوا امري اجتنبوا نهي من غير ان تشركوا بي شيئا من المخلوقات. فانها كلها لله تعالى مملوكة الارض وله الدين واصبا افغير الله تتقون. وله ما في السماوات والارض وله الدين واصبا. اي الدين والعبادة والذل في جميع الاوقات لله وحده على الخلق ان يخلصوه لله وينصدغوا بعبوديته. افغير الله تتقون من اهل الارض او اهل اهل السماوات فانهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا. والله المتفرد بالعطاء والاحسان فمن الله ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون. وما بكم من نعمة ظاهرة وباطنة. فمن من الله لا احد يشركه فيها ثم اذا مسكم الضر من فقر ومرض وشدة فاليه تجأرون اي تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم انه لا يدفع الضر والشدة الا هو. فالذي انفرد باعطائكم ما تحبون. وصرف ما تكرهون هو الذي لا تنبغي العبادة الا له واحدة ولكن كثيرا من الناس يظلمون انفسهم ويجحدون نعمة الله عليهم اذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء اشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة ولهذا قال ليكفروا بما اتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ليكفروا بما اتيناهم اي اعطيناهم حيث نجيناهم من الشدة وخلصناهم من المشقة فتمتعوا في دنياكم قليلا فسوف تعلمون عاقبة كفركم ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفعلون يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم على الله الكذب. وانهم يجعلون لاصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر نصيبا مما رزقهم الله وانعم به عليهم. فاستعانوا برزقه على الشرك به. وتقربوا به الى اصنام منحوتة. كما قال قال تعالى واجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا. فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا. فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله. لتسألن عما كنتم تفترون. ويقال االله اذن لكم ام على الله تفترون؟ وما ظنوا الذين يحترون على الله الكذب يوم القيامة. فيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة يتوارى من القوم من سوء امام الشر به ايمسكه على هون ام يلسه في التراب ويجعلون لله البنات حيث قالوا عن ملائكة العباد المقربين انهم بنات الله. ولهم ما يشتهون اي لانفسهم الذكور. حتى انهم يكرهون البنات كراهة شديدة. فكان قال احدهم اذا بشر بالانثى ظل وجهه مسودا من الغم الذي اصابه. وهو كظيم اي كاظم على الحزن والاسف اذا بشر بانثى وحتى انه يتضح عند ابناء جنسه. ويتوارى منهم من سوء ما بشر به. ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد فيما يصنع بتلك البنت التي بشر بها ايمسكه على هون؟ اي يتركها من غير قتل على اهانة وذل؟ ام يدسه في التراب اي يدفنها وهي حية وهو الوأد الذي سمى الله به المشركين الا ساء ما يحكمون. اذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله من نسبة الولد اليه. ثم لم يكفهم هذا حتى نسبوا له اردأ القسمين وهو الاناث اللاتي يأنفون بانفسهم عنها ويكرهونها. فكيف ينسبونها لله تعالى؟ فبئس الحكم حكم ولما كان هذا من امثال السوء التي نسبها اليه اعداؤه المشركون. قال الله تعالى للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء اي المثل الناقص والعيب التام ولله المثل الاعلى. وهو كل الصفة كمال. وكل كمال في الوجود. فالله احق به من غير ان لزم ذلك نقصا بوجه وله المثل الاعلى في قلوب اوليائه. وهو التعظيم والاجلال والمحبة والانابة والمعرفة. وهو العزيز الذي قهر جميع وانقادت له المخلوقات باسرها الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فلا يأمر ولا يفعل الا ما يحمد عليه ويثنى على كماله فيه ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهن ما ترك عليها من دار ولا فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه ذكر كمال حلمه وسبه فقال ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم من غير زيادة ولا نقص. ما ترك عليها من دابة. قيل اهلك المباشرين للمعصية وغيرهم من انواع الدواب والحيوانات فان شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل. ولكن يؤخرهم عن تعجيل العقوبة عليهم الى اجل مسمى. وهو يوم القيامة. فاذا آآ اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فليحذروا ما داموا في وقت الامهال قبل ان يجيء الوقت الذي لا امهال فيه فلله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرقون. يخبر تعالى ان المشركين يجعلون لله ما يكرهون من البنات ومن الاوصاف القبيحة وهو الشرك بصرف شيء من العبادات الى بعض المخلوقات التي هي عبيد لله. فكما انهم يكرهون ولا يرضون ان يكون عبيدهم وهم مخلوقون من جنسهم شركاء لهم فيما رزقهم الله. فكيف يجعلون له شركاء من عبيده؟ وهم مع هذه الاساءة العظيمة تصف السنتهم الكذبة ان لهم الحسنى. اي ان لهم الحالة الحسنة في الدنيا والاخرة. رد عليهم بقوله لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون مقدمون عليها ماكثون فيها غير خارجين منها ابدا. بين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم انه ليس هو اول رسول كذب. فقال تعالى بين لهم الشيطان فزين لهم الشيطان اعمالهم فهو وليهم اليوم اليوم ولهم عذاب اليم. تالله لقد ارسلنا الى امم من قبلك رسلا يدعونهم الى فزين لهم الشيطان اعمالهم فكذبوا الرسل. وزعموا ان ما هم عليه هو الحق المنجي من كل مكروه. وان ما دعت اليه الرسل فهو بخلاف ذلك فلما زين لهم الشيطان اعمالهم صار وليهم في الدنيا فاطاعوه واتبعوه وتولوه. افتتخذونه وذريته اولياء امن دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ولهم عذاب اليم في الاخرة. حيث تولوا عن ولاية الرحمن ورضوا بولاية الشيطان فاستحقوا لذلك عذاب الهوان والله انزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها ان في ذلك لاية لقوم يسمعون ان في ذلك لاية لقوم يسمعون عن الله مواعظه وتذكيره. فيستدلون بذلك على انه وحده المعبود. الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده. لانه المنعم بانزال المطر وانبات جميع اصناف النبات. وعلى انه على كل شيء قدير. وان الذي احيا الارض بعد موتها قادر على احياء الاموات. وان الذي نشر هذا الاحسان لذو رحمة واسعة وجود عظيم. وان لكم في الانعام اللبنا خالصا سائغا للشاربين. اي ان لكم في الانعام التي سخرها الله لمنافعكم لعبرة تستدلون بها على كمال قدرة الله وسعة احسانه. حيث اسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم. فاخرج من بين ذلك لبنا خالصا من كدر سائغا للشاربين للذته. ولانه يسقي ويغذي. فهل هذه الا قدرة الهية؟ لا امور طبيعية. فاي شيء في يقلب العلف الذي تأكله البهيمة. والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح. لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرة النخيل والاعمال لقوم يعقلون. وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والاعناب بمنافع للعباد ومصالح. من انواع الرزق الحسن الذي يأكله العباد طريا ونضيجا. وحاضرا ومدخرا وطعاما وشرابا. يتخذ من عصيرها ونبيذها. من السكر الذي كان حلالا قبل ذلك ثم ان الله نسخ حل المسكرات واعاض عنها بالطيبات من الانبذة وانواع الاشربة اللذيذة المباحة. ان في ذلك اية لقوم يعقلون عن الله كمال اقتداره. حيث اخرجها من اشجار شبيهة بالحطب. فصارت ثمرة لذيذة وفاكهة طيبة. وعلى شمول حيث عم بها عباده ويسرها لهم. وانه الاله المعبود وحده. حيث انه المنفرد بذلك واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم فاسلكي سبل ربك ذللا. يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس. ان في ذلك لاية لقوم في خلق هذه النحلة الصغيرة التي هداها الله هذه الهداية العجيبة ويسر لها المراعي. ثم الرجوع الى بيوتها التي اصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها. ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ. مختلف الالوان بحسب اختلاف ارضها ومراعيها فيه شفاء للناس من امراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لطفه بعباده. وانه الذي لا ينبغي ان يحب غيره وهو يدعى سواه. والله خلقكم ثم يتوفاكم يخبر تعالى انه الذي خلق العباد ونقلهم في الخلقة طورا بعد طور. ثم بعد ان يستكملوا اجالهم. يتوفاهم ومنهم من يعمره حتى يرد الى ارض للعمر اي اخسه الذي يبلغ به الانسان الى ضعف القوى الظاهرة والباطنة. حتى العقل الذي هو جوهر الانسان يزيد ضعفه حتى انه ينسى مكانه يعلمه ويصير عقله كعقل الصبي. ولهذا قال لكي لا يعلم بعد علم شيئا. ان الله عليم قدير. اي قد احاط علمه وقدرته بجميع الاشياء. ومن ذلك ما ينقل به الادمي من اطوار خلقه وخلقا بعد خلق. كما قال تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة. يخلق ما يشاء وهو العليم القدير والله فضل بعضكم على بعض برزقهم على ما ملكت ايمانهم فهم فيه سواء. افبنعمة الله يجحدون وهذا من ادلة توحيده وقبح الشرك به. يقول تعالى كما انكم مشتركون بانكم مخلوقون مرزوقون. الا انه الافضل بعضكم على بعض في الرزق. فجعل منكم احرارا لهم مال وثروة. ومنكم ارقاء لهم لا يملكون شيئا من الدنيا. فكما ان هم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق. ليسوا برادي رزقهم على ما ملكت ايمانهم فهم فيه سواء. ويرون هذا من الامور الممتنعة. فكذلك كمن اشركتم بها مع الله فانها عبيد ليس لها من الملك مثقال ذرة. فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى؟ هل هذا الا من اعظم اعظم الظلم والجحود لنعم الله. ولهذا قال افبنعمة الله يجحدون. فلو اقروا بالنعمة ونسبوها الى من اولاها لما به احد والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده. حيث جعل لهم ازواجا ليسكنوا اليها. وجعل لهم من ازواجهم اولادا تقربهم ويخدمونهم ويقضون حوائجهم وينتفعون بهم من وجوه كثيرة. ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب. والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد ان يحصوها. افبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون. اي اي يؤمنون بالباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا ثم اوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم. فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الامر شيئا. وهذا عام لكل ما عبد من دون الله فانها باطلة. فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟ وبنعمة الله هم يكفرون. يجحدونها ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به هل هذا الا من اظلم الظلم وافجر الفجور؟ واسفه السفه يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم انهم يعبدون من دون تنهي الهة اتخذوها شركاء لله. والحال انهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والارض. فلا ينزلون مطرا ولا رزقا ولا ينبتون من نبات ارضي شيئا ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا يستطيعون لو ارادوا فان غير المالك للشيء. ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به. وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون. فهذه صفة الهتهم كيف اجعلوها مع الله وشبهوها بمالك الارض والسماوات الذي له الملك كله والحمد كله والقوة كلها. ولهذا قال فلا تضربوا ان الله يعلم وانتم لا تعلمون. فلا تضربوا لله الامثال المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه ان الله يعلم وانتم لا تعلمون. فعلينا الا نقول عليه بلا علم. وان نسمع ما ضربه العليم من الامثال. فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا. هل يستوون بل اكثرهم لا يعلمون. احدهما عبد مملوك اي رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا. والثاني حر غني قد رزقه الله منه رزقا حسنا. من جميع اصناف المال وهو كريم محب للاحسان فهو ينفق منه سرا وجهرا. هل يستوي هذا وذاك؟ لا يستويان مع انهما مخلوقان. غير محال استوائهما. فاذا كان الا يستويان فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء. ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بانواعه. فقال الحمد لله فكأنه قيل اذا كان الامر كذلك فلما سوى المشركون الهتهم بالله قال بل اكثرهم لا يعلمون. فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرأوا على الشرك العظيم والمثل الثاني احدهما كما يوجهه لا يأتي بخير. هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مثل رجلين احدهما ابكم لا يسمع ولا ينطق ولا يقدر على شيء لا قليل ولا لا كثير وهو كل على مولاه اي يخدمه مولاه ولا يستطيعه ان يخدم نفسه. فهو ناقص من كل وجه فهل يستوي هذا ومن كان يأمر عدل وهو على صراط مستقيم. فاقواله عدل وافعاله مستقيمة. فكما انهما لا يستويان فلا يستوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه. فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئا منها. لا يكون كفوا وندا لمن لا يقول الا الحق. ولا يفعل الا ما يحمد عليه ولله غيب السماوات والارض وما امر الساعة الا كلمت البصر او هو اقرب ان الله على كل شيء قدير. اي هو تعالى المنفرد بغيب السماوات والارض. فلا يعلم الخفايا والبواطن والاسرار ومن ذلك علم الساعة فلا يدري احد متى تأتي الا الله. فاذا جاءت وتجلت لم تكن الا كلمح البصر او هو اقرب من ذلك فيقوم الناس من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم. وتفوت الفرص لمن يريد الامهال. ان الله على كل شيء قدير. فلا استغربوا على قدرته الشاملة احياؤه للموتى والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا. وجعل لكم السمع والابصار اي هو المنفرد بهذه النعم. حيث اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا ولا تقدرون على شيء. ثم انه جعل لكم السمع والابصار والافئدة. خص هذه الاعضاء الثلاثة لشرفها وفضلها. ولانها مفتاح لعلم فلا وصل للعبد علم الا من احد هذه الابواب الثلاثة. والا فسائر الاعضاء والقوى الظاهرة والباطنة. هو الذي اعطاهم اياها. وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا الى ان يصل كل احد الى الحالة اللائقة به. وذلك لاجل ان يشكروا الله باستعمال ما اعطاهم من هذه الجوارح في الله. فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه. وقابل النعمة باقبح المقابلة ما يمسكهن الا الله ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون. اي لانهم المنتفعون بايات الله المتفكرون فيما جعلت اية عليه. واما غيرهم فان نظرهم نظر لهو وغفلة. ووجه الاية فيها ان الله تعالى خلق بخلقة تصلح للطيران. ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف. ثم اودع فيها من قوة الحركة وما قدرت به على ذلك. وذلك دليل على كما لحكمته وعلمه الواسع وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره. تبارك الله رب العالمين يوم ضعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اساسا ومتاعا يذكر تعالى عباده نعمه ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها. فقال والله جعل لكم من من بيوتكم سكنا في الدور والقصور ونحوها. تكنكم من الحر والبرد وتستركم. انتم واولادكم وامتعتكم وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لانواع منافعكم ومصالحكم وفيها حفظ لاموالكم وحرمكم وغير ذلك من الفوائد المشاهدة وجعل لكم من الانعام اما من الجلد نفسه او مما نبت عليه من صوف وشعر ووبر. بيوتا تستخفونها اي خفيفة المحمل. تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها. فتقيكم من الحر والبرد والمطر. وتقي متاعكم من المطر. وجعل لكم من اصوافها الانعام واوبارها واشعارها اثاثا. وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الانية والاوعية والفرش والالبسة والاجلة لذلك ومتاعا الى حين اي تتمتعون بذلك في هذه الدنيا وتنتفعون بها. فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله والله جعل لكم مما خلق ضلالا وجعل لكم من الجبال اكنانا. وجعل كذلك والله جعل لكم مما خلق اي من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها ظلالا وذلك كاظلة الاشجار والجبال والاكام ونحوها. وجعل لكم من الجبال اكنانا. اي مغارات تكنكم من الحر والبرد والامطار والاعداء وجعل لكم سرابيل اي البسة وثيابا تقيكم الحر. ولم يذكر الله البرد لانه قد تقدم ان هذه السورة اولها في اصول النعم واخرها في مكملاتها ومتمماتها. ووقاية البرد من اصول النعم. فانه من الضرورة. وقد ذكره في اولها ففي قوله لكم فيها دفء ومنافع وتقيكم بأسكم اي وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب من السلاح وذلك كالدروع والزرد ونحوها كذلك يتم نعمته عليكم. حيث اسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر. لعلكم اذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه. تسلمون لعظمته وتنقادون لامره. وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها. فكثرة النعم من الاسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر والثناء بها على الله تعالى ولكن ابى الظالمون الا تمردا وعنادا. ولهذا قال الله عنهم فان تولوا عن الله وعن طاعته بعدما بنعمه واياته. فانما عليك البلاغ المبين. اي ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء. بل انت مطالب بالوعظ والتذكير والانذار فاذا اديت ما عليك فحسابهم على الله اكثرهم الكافرون. فانهم يرون الاحسان ويعرفون نعمة الله. ولكنهم ينكرونها ويجحدونها. واكثرهم الكافرون لا خير فيهم وما ينفعهم توالي الايات لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد كفور كل النعم متمرد على الله وعلى رسله ويوم نبعث من كل امة شهيدا. ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا فهم يستعتمون. واذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون يخبر تعالى عن حال الذين كفروا في يوم القيامة وانه لا يقبل لهم عذر ولا يرفع عنهم العقاب وان شركائهم تتبرأ منهم ويقرون على انفسهم بالكفر والافتراء على الله فقال ويوم نبعث من كل امة شهيدا يشهد عليها باعمالهم وماذا اجابوا به الداعي الى الهدى وذلك الشهيد الذي يبعثه الله ازكى الشهداء واعدلهم. وهم الرسل الذين اذا شهدوا تم عليهم الحكم. فلا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار لان اعتذارهم بعدما علم يقينا بطلان ما هم عليه. اعتذار كاذب لا يفيدهم شيئا. وان طلبوا ايضا الرجوع الى الدنيا تدركوا لم يجابوا ولم يعتبوا. بل يبادرهم العذاب الشديد الذي لا يخفف عنهم. من غير انذار ولا امهال. من حين يرونه. لان لا حساب عليهم لانهم لا حسنات لهم. وانما تعد اعمالهم وتحصى ويوقفون عليها. ويقررون بها ويفتضحون واذا رأى الذين اشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء قالوا ربنا هؤلاء شركاءنا الذين كنا ندعو من دونك فالقوا اليها واذا رأى الذين اشركوا شركاءهم يوم القيامة وعلموا بطلانها لم يمكنهم الانكار قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك ليس عندها نفع ولا شفع فنوهوا بانفسهم ببطلانها وكفروا بها وبدت البغضاء والعداوة بينهم وبينها. فالقوا اليهم القول اي ردت عليهم شركاؤهم قولهم. فقالت لهم انكم لكاذبون. حيث جعلتمونا شركاء لله وعبدتمونا معه. فلم نأمركم بذلك. ولا زعمنا ان فينا استحقاقا للالوهية عليكم فحينئذ استسلموا لله وخضعوا لحكمه وعلموا انهم مستحقون للعذاب. وضل عنهم ما كانوا يفترون. فدخلوا النار وقد امتلأ قلوبهم من مقت انفسهم ومن حمد ربهم وانه لم يعاقبهم الا بما كسبوا سبيل الله زدناهم عذابا زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون قل الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون حيث كفروا بانفسهم وكذبوا بايات الله وحاربوا رسله. وصدوا الناس عن سبيل الله وصاروا دعاة الى الضلال. فاستحقوا مضاعفة العذاب كما تضاعف جرمهم وكما افسدوا في ارض الله وجئنا بك شهيدا على ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وهدى لما ذكر فيما تقدم انه يبعث في كل كل امة شهيدة ذكر ذلك ايضا هنا وخص منهم هذا الرسول الكريم فقال وجئنا بك شهيدا على هؤلاء اي على امتك عليهم بالخير والشر. وهذا من كمال عدل الله تعالى. ان كل رسول يشهد على امته لانه اعظم اطلاع من غيره على اعمال امته اعدلوا واشفقوا من ان يشهد عليهم الا بما يستحقون. وهذا كقوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. وقال تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض. وقوله ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء. في اصول الدين وفروعه وفي احكام الدارين وكل ما يحتاج اليه العباد فهو مبين فيه اتم تبيين بالفاظ واضحة ومعان جلية حتى انه تعالى يثني فيه امور الكبار التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت. واعادتها في كل ساعة ويعيدها ويبديها بالفاظ مختلفة وادلة متنوعة لتستقر في القلوب فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب. وحتى انه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة يكون اللفظ لها كالقاعدة والاساس. واعتبر هذا بالاية التي بعد هذه الاية. وما فيها من انواع الاوامر والنواهي التي لا تحصى. فلما كان هذا القرآن تبيانا لكل شيء صار حجة الله على العباد كلهم فانقطعت به حجة الظالمين وانتفع به المسلمون. فصار هدى لهم يهتدون الى امر دينهم ودنياهم. ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والاخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع وعمل صالح. والرحمة ما رتب على ذلك من ثواب الدنيا والاخرة كصلاح القلب وبره وطمأنينته. وتمام العقل الذي لا يتم الا بتربيته على معانيه. التي هي اجل معاني واعلاها والاعمال الكريمة والاخلاق الفاضلة والرزق الواسع والنصر على الاعداء بالقول والفعل ونيل رضا الله تعالى العظيمة التي لا يعلم ما فيها من النعيم المقيم الا الرب الرحيم ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء يعظكم لعلكم تذكرون. فالعدل الذي امر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده. فالعدل في ذلك اداء الحقوق كاملة موفرة بان يؤدي العبد ما اوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده. ويعامل الخلق بالعدل التام. فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية امامة الكبرى وولاية القضاء ونواب الخليفة ونواب القاضي. والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله. وامرهم بسلوكه ومن العدل في المعاملات ان تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائل المعاوضات بايفاء جميع ما عليك. فلا تبخسوا لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم فالعدل واجب والاحسان فضيلة مستحب. وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم وغير ذلك من من انواع النفع حتى انه يدخل فيه الاحسان الى الحيوان البهيم المأكول وغيره. وخص الله ايتاء ذي القربى وان كان داخلا في العموم. لتأكد حقهم وتعين صلتهم وبرهم والحرص على ذلك. ويدخل في ذلك جميع الاقارب قريبهم وبعيدهم. لكن كل ما كان اقرب كان احق بالبر وقوله وينهى عن الفحشاء وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر كالشرك بالله والقتل بغير حق والزنا والسرقة والعجب والكبر واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش. ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى تعالى وبالبغي كل عدوان على الخلق في الدماء والاموال والاعراض. فصارت هذه الاية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات. لم يبق شيء لا دخل فيها فهذه قاعدة ترجع اليها سائر الجزئيات. فكل مسألة مشتملة على عدل او احسان او ايتاء ذي القربى. فهي مما امر الله به وكل مسألة مشتملة على فحشاء او منكر او بغي. فهي مما نهى الله عنه. وبها يعلم حسن ما امر الله به وقبح ما نهى عنه وبها يعتبر ما عند الناس من الاقوال. وترد اليها سائر الاحوال. فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور. والفرقان بين جميع اشياء ولهذا قال يعظكم به اي بما بينه لكم في كتابه يأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عما فيه مضرته لعلكم تذكرون ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه فانكم اذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم عادة لا شقاوة معها. فلما امر بما هو واجب في اصل الشرع. امر بوفاء ما اوجبه العبد على نفسه فقال واوفوا في عهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم وقد جعلتم الله وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات الصدور والايمان التي عقدها. اذا كان الوفاء بها برا ويشمل ايضا ما تعاقد عليه هو وغيره. كالعهود بين المتعاقدين وكالوعد الذي يسعده العبد لغيره ويؤكده على نفسه فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة. ولهذا نهى الله عن نقضها فقال ولا اقضوا الايمان بعد توكيدها بعقدها على اسم الله تعالى. وقد جعلتم الله عليكم ايها المتعاقدان كفيلا. فلا يحل لكم الا تحكموا وما جعلتم الله عليه كفيلا. فيكون ذلك ترك تعظيم لله واستهانة به. وقد رضي الاخر منك باليمين والتوكيد الذي جعلت الله فيه كفيلا فكما ائتمنك واحسن ظنه فيك فالتفله بما قلت واكدته ان الله يعلم ما تفعلون يجازي كل عامل بعمله على حسب في نيته ومقصده. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انما يدلكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولا تكونوا في نقضكم للعهود باسوأ الامثال واقبحها وادلها على سفه متعاطيها. وذلك كالتي تغزل غزلا قويا. فاذا كما تم ما اريد منه نقضته فجعلته انكاثا. فتعبت على الغزل ثم على النقب. ولم تستفد سوى الخيبة والعناء. وسفاهة العقل نقص الرأي فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه. ناقص الدين والمروءة. وقوله تتخذون ايمانكم قلم بينكم ان تكون امة هي اربى من امة. اي لا تنبغي هذه الحالة منكم تعقدون الايمان المؤكدة وتنتظرون فيها الفرص. فاذا كان العاقد لها ضعيفا غير قادر على الاخر. اتمها لا لتعظيم العقد واليمين بل لعجزه. وان كان قويا يرى مصلحته الدنيوية في نقضه نقضها غير مبال بعهد الله ويمينه. كل ذلك دوران مع اهوية النفس. وتقديما لها على مراد الله منكم. وعلى المروءة الانسانية والاخلاق المرضية لاجل ان تكون امة اكثر عددا وقوة من الاخرى. وهذا ابتلاء من الله وامتحان يبتليكم الله به. حيث قيد ومن اسباب المحن الذي يمتحن به الصادق الوفي من الفاجر الشقي. وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون. فيجازي كلا بما عمل ويخزي الغادر ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضلوا من يشاء آآ اي لو شاء الله لجمع الناس على الهدى وجعلهم امة واحدة. ولكنه تعالى المنفرد بالهداية والاضلال. وهدايته اظلاله من افعاله التابعة لعلمه وحكمته. يعطي الهداية من يستحقها فضلا ويمنعها من لا يستحقها عدلا. ولتسألن عما كنتم تعملون ولا تسألون عما كنتم تعملون من خير وشر. فيجازيكم عليها اتم الجزاء واعدله. ولا تتخذوا ايمانكم ايوا لا تتخذوا ايمانكم وعهودكم ومواثيقكم تبعا لاهوائكم. متى شئتم وفيتم بها ومتى شئتم نقضتموها فانكم اذا فعلتم ذلك تزل اقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم وتذوق السوء اي العذاب ما الذي يسوؤكم ويحزنكم بما صددتم عن سبيل الله؟ حيث ظللتم واضللتم غيركم. ولكم عذاب عظيم مضاعف. ولا انما عند الله هو خير لكم ان كنتم تعلمون يحذر تعالى عباده من نقض العهود والايمان. لاجل متاع الدنيا وحطامها. فقال ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا تنالونه بالنقد وعدم الوفاء. انما عند الله من الثواب العاجل والاجل لمن اثر رضاه. واوفى بما عاهد عليه الله هو خير خير لكم من حطام الدنيا الزائلة. ان كنتم تعلمون فاثروا ما يبقى على ما يفنى. ما عندكم ينفذ ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فان الذي عندكم ولو كثر جدا لابد ان ينفد ويفنى وما عند الله باق ببقائه. لا يفنى ولا يزول ليس بعاقل من اثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس. وهذا كقوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى وما عند الله خير للابرار. وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا. خصوصا الزهد المتعين وهو الزهد فيما يكون ضررا على ويوجب له الاشتغال عما اوجب الله عليه. وتقديمه على حق الله فان هذا الزهد واجب. ومن الدواعي للزهد ان يقابل العبد لذات دنيا وشهواتها بخيرات الاخرة. فانه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه الى ايثار اعلى الامرين. وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القادمة كالصلاة والصيام والذكر ونحوها. بل لا يكون العبد زاهدا زهدا صحيحا. حتى يقوم بما يقدر عليه من الاوامر الشرعية الظاهرة والباطنة ومن الدعوة الى الله والى دينه بالقول والفعل. فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا. والرغبة والسعي في كل ما ينفع ولنجزين الذين صبروا على طاعة الله وعن معصيته. وفطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية المضرة بدينهم. اجرهم باحسن ما كانوا يعملون الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. فان الله لا يضيع اجر من احسن عملا. ولهذا وجزاء العاملين في الدنيا والاخرة. فقال ولنجزينهم اجرهم ما كانوا يعملون. من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن. فان الايمان شرط في صحة الاعمال الصالحة قبولها بل لا تسمى اعمالا صالحة الا بالايمان. والايمان مقتض لها فانه التصديق الجازم المثمر لاعمال الجوارح. من والمستحبات. فمن جمع بين الايمان والعمل الصالح. فلنحيينه حياة طيبة. وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه. وعدم لما يشوش عليه قلبه ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب. ولنجزينهم في الاخرة اجرهم باحسن ما كانوا يعملون من اصناف اللذات مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين امنوا على ربهم يتوكلون. اي فاذا اردت القراءة لكتاب الله الذي هو اشرف الكتب واجلها وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة. فان الشيطان احرص ما يكون على العبد عند شروعه في الامور الفاضلة. فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها فالطريق الى السلامة من شره. الالتجاء الى الله والاستعاذة به من شره. فيقول القارئ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم متدبرا لمعناها معتمدا بقلبه على الله في صرفه عنه. مجتهدا في دفع وساوسه وافكاره الرديئة. مجتهدا على السبب الاقوى في دفعه وهو التحلي بحلية الايمان والتوكل. فان الشيطان ليس له سلطان اي تسلط على الذين امنوا وعلى ربهم وحده لا شريك له يتوكلون فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان. ولا يبقى له عليهم سبيل. انما سلطانه وعلى الذين يتولونه والذين هم به مشركون. انما سلطانه اي تسلطه على الذين يتولون ان يجعلونه لهم وليا. وذلك بتخليهم عن ولاية الله ودخولهم في طاعة الشيطان وانضمامهم لحزبه وهم الذين جعلوا له ولاية على انفسهم فازهم الى المعاصي ازا وقادهم الى النار قودا يذكر تعالى ان المكذبين بهذا القرآن يتتبعون ما يرونه حجة لهم. وهو ان الله تعالى هو الحاكم حكيم حكيم الذي يشرع الاحكام ويبدل حكما مكان اخر لحكمته ورحمته. فاذا رأوه كذلك قدحوا في الرسول وبما جاء به وقالوا انما انت مفتر. قال الله تعالى بل اكثرهم لا يعلمون. فهم جهال لا علم لهم بربهم ولا بشرعه. ومن المعلوم ان قدح بلا علم لا عبرة به. فان القدح في الشيء فرع عن العلم به. وما يشتمل عليه مما يوجب المدح او القدح. ولهذا ذكر الله تعالى حكمته في ذلك فقال قل نزله روح القدس وهو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة بالحق اي نزوله بالحق. وهو مشتمل على الحق في اخباره واوامره ونواهيه. فلا سبيل لاحد ان يقدح فيه قدحا صحيحا لانه اذا علم انه الحق علم ان ما عارضه وناقضه باطل. ليثبت الذين امنوا عند نزول اياته وتوارده عليهم وقتا بعد وقت فلا يزال الحق يصل الى قلوبهم شيئا فشيئا. حتى يكون ايمانهم اثبت من الجبال الرواسي. وايضا فانهم يعلمون انه الحق واذا شرع حكما من الاحكام ثم نسخه. علموا انه ابدله بما هو مثله. او خير منه لهم. وان نسخه هو المناسب للحكمة الربانية والمناسبة العقلية وهدى وبشرى للمسلمين ان يهديهم الى حقائق الاشياء ويبين لهم الحق من الباطل والهدى من الضلال ويبشرهم ان لهم اجرا حسنا ماكثين فيه ابدا. وايضا فانه كلما نزل شيئا فشيئا كان اعظم هداية وبشارة لهم مما لو لهم جملة واحدة. وتفرق الفكر فيه. بل ينزل الله حكما وبشارة اكثر. فاذا فهموه وعقلوه وعرفوا المراد منه. وترووا منه انزل نظيره وهكذا. ولذلك بلغ الصحابة رضي الله عنهم به مبلغا عظيما. وتغيرت اخلاقهم وطبائعهم. وانتقلوا الى وعوائد واعمال فاقوا بها الاولين والاخرين. وكان اعلى واولى لمن بعدهم ان يتربوا بعلومه ويتخلقوا باخلاقه. ويستضيئوا وبنوره في ظلمات الغي والجهالات. ويجعلوه امامهم في جميع الحالات. فبذلك تستقيم امورهم الدينية والدنيوية ولنعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر. لسان الذي يلحدون اليه اعجمي يخبر تعالى عن قيل المشركين المكذبين لرسوله انهم يقولون انما يعلمه هذا الكتاب الذي جاء به بشر. وذلك البشر الذي يشيرون اليه اعجمي اللسان وهذا القرآن عربي مبين. هل هذا القول ممكن؟ او له حظ من الاحتمال؟ ولكن الكاذب يكذب ولا يفكر فيما يؤول اليه كذبه في قوله من التناقض والفساد ما يوجب رده بمجرد تصوره ان الذين لا يؤمنون بايات الله الدالة دلالة صريحة على الحق الحق المبين فيردونها ولا يقبلونها لا يهديهم الله. حيث جاءهم الهدى فردوه. فعوقبوا بحرمانه وخذلان الله لهم ولهم في الاخرة عذاب اليم. انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واولئك هم الكاذبون. انما يفتري الكذب اي انما يصدر افتراء الكذب من الذين لا يؤمنون بايات الله كالمعاندين لرسوله من بعد ما جاءتهم البينات. واولئك هم الكاذبون. اي الكذب منحصر فيهم وعليهم اولى بان يطلق من غيرهم. واما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بايات الله الخاضع لربه. فمحال ان يكذب على الله ويتقول عليه ما لم يقل فاعداؤه رموه بالكذب الذي هو وصفهم فاظهر الله خزيهم وبين فضائحهم. فله تعالى الحمد عليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بانهم استحبوا الحياة الدنيا اولئك الذين طبع الله واولئك هم الغافلون يخبر تعالى عن شناعة حال من كفر بالله من بعد ايمانه. فعمي بعد ما ابصر. ورجع الى الضلال بعد ما اهتدى. وشرح صدره بالكفر راضيا به مطمئنا ان لهم الغضب الشديد من الرب الرحيم. الذي اذا غضب لم يقم لغضبه شيء. وغضب عليهم كل شيء ولهم عذاب عظيم اي في غاية الشدة. مع انه دائم ابدا. وذلك بانه مستحب الحياة الدنيا على الاخرة. حيث ارتدوا على ادبارهم طمعا في شيء من حطام الدنيا ورغبة فيه وزهدا في خير الاخرة. فلما اختاروا الكفر على الايمان منعهم الله الهداية فلم يهدهم لان الكفر وصفهم فطبع على قلوبهم فلا يدخلها خير وعلى سمعهم وعلى ابصارهم فلا ينفذ منها ما ينفعهم ويصل الى قلوبهم فشملتهم الغفلة واحاط بهم الخذلان. وحرموا رحمة الله التي وسعت كل شيء. وذلك انها اتتهم فردوها. وعرضت عليهم لم يقبلوها. لا جرم انهم في الاخرة هم الخاسرون الذين خسروا انفسهم واموالهم واهليهم يوم القيامة. وفاتهم النعيم المقيم. وحصلوا على العذاب الاليم. وهذا بخلاف من اكره على الكفر واجبر عليه وقلبه مطمئن بالايمان راغب فيه. فانه لا حرج عليه ولا اثم. ويجوز له النطق بكلمة الكفر عند الاكراه عليها ودل ذلك على ان كلام المكره على الطلاق او العتاق او البيع او الشراء او سائر العقود انه لا عبرة به ولا يترتب عليه فيه حكم شرعي لانه اذا لم يعاقب على كلمة الكفر اذا اكره عليها فغيرها من باب اولى واحرى الذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها ان ربك من بعدها لغفور رحيم. اي ثمان ربك الذي ربى عباده المخلصين بلطفه واحسانه لغفور رحيم لمن هاجر في سبيله وخلى دياره وامواله طلبا لمرضاة الله وفتن على دينه ليرجع الى الكفر فثبت على الايمان. وتخلص ما معه من اليقين. ثم جاهد اعداء الله ليدخلهم في دين الله. بلسانه ويده على هذه العبادات الشاقة على اكثر الناس. فهذه اكبر الاسباب التي تنال بها اعظم العطايا. وافضل المواهب وهي مغفرة الله للذنوب صغارها وكبارها. المتضمن ذلك زوال كل امر مكروه. ورحمته العظيمة التي بها صلحت احوالهم واستقامت امور دينهم ودنياهم لهم الرحمة من الله في يوم القيامة. حين تأتي كل نفس تجادل عن نفسها تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس كل يقول نفسي نفسي لا سوى نفسه ففي ذلك اليوم يفتقر العبد الى حصول مثقال ذرة من الخير. وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر وهم لا ايظلمون فلا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم. فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون يأتيها رزقها رغدا كالجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوا فاخذهم العذاب وهم ظالمون. وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت امنة مطمئنة ان لا يهاج فيها احد وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى ان احدهم يجد قاتل ابيه واخيه فلا يهيجه مع شدة الحمية فيه النعرة العربية فحصل لها من الامن التام ما لم يحصل لسواها. وكذلك الرزق الواسع. كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر. ولا ان يسر الله له الرزق يأتيها من كل مكان. فجاءهم رسول منهم يعرفون امانته وصدقه. يدعوهم الى اكمل الامور وينهاهم عن الامور السيئة فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم. فاذاقهم الله ضد ما كانوا فيه. والبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد. والخوف الذي هو ضد الامن وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم. وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون ما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله واشكروا نعمة يأمر تعالى عباده باكل ما رزقهم الله من الحيوانات والحبوب الثمار وغيرها حلالا طيبا اي حالة كونها متصفة بهذين الوصفين. بحيث لا يكون مما حرم الله او اثرا عن غصب ونحوه فتمتعوا بما خلق الله لكم من غير اسراف ولا تعد واشكروا نعمة الله بالاعتراف بها بالقلب والثناء على الله بها وصرفها في بطاعة الله ان كنتم اياه تعبدون. اي ان كنتم مخلصين له العبادة فلا تشكروا الا اياه. ولا تنسوا المنعم. انما فمن اضطر انما حرم عليكم الاشياء مضرة تنزيها لكم وذلك كالميتة. ويدخل في ذلك كل ما كان موته على غير زكاة مشروعة. ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك والدم المسفوح. واما ما يبقى في العروق واللحم فلا يضر. ولحم الخنزير لقذارته وخبثه. وذلك شامل للحمه وشحمه وجميع اجزائه وما اهل لغير الله به. كالذي يذبح للاصنام والقبور ونحوها. لانه مقصود به الشرك. فمن اضطر الى شيء من المحرمات بان حملته الضرورة وخاف ان لم يأكل ان يهلك فلا جناح عليه اذا لم يكن باغيا او عاديا. اي اذا لم يرد اكل المحرم وهو غير مضطر ولا متعد الحلال الى الحرام. او متجاوز لما زاد على قدر الضرورة فهذا الذي حرمه الله من المباحات ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. اي لا تحرموا وتحللوا من تلك انفسكم كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه. لتفتروا على الله الكذب. ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون افي الدنيا ولا في الاخرة. ولابد ان يظهر الله خزيهم وان تمتعوا في الدنيا فانه متاع قليل ومصيرهم الى النار ولهم عذاب اليم. فالله تعالى ما حرم علينا الا الخبيثات تفضلا منه وصيانة عن كل مستقذر. واما الذين هادوا وعلى الذين هادوا حرمنا فحرم الله عليهم طيبات احلت لهم بسبب ظلمهم عقوبة لهم. كما قصه في سورة الانعام في قوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط وبعضم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون وهذا حظ منه لعباده على التوبة ودعوة لهم الى الانابة ان من عمل سوءا بجهالة بعاقبة ما تجني عليه ولو كان متعمدا للذنب فانه لا بد ان ينقص ما في قلبه من العلم وقت مقارفة الذنب فاذا تاب واصلح بان ترك الذنب وندم عليه واصلح اعماله. فان الله يغفر له ويرحمه ويتقبل توبته ويعيده الى حالته الاولى اولى او اعلى منها يخبر تعالى عما فضل به خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام وخصه به من طائل العالية والمناقب الكاملة فقال ان ابراهيم كان امة اي اماما جامعا لخصال الخير هاديا مهتديا قانتا اي مديما لطاعة ربه مخلصا له الدين حنيفا. مقبلا على الله بالمحبة والانابة والعبودية. معرضا عمن سواه لم يكن من المشركين في قوله وعمله وجميع احواله. لانه امام الموحدين الحنفاء شاكرا لانعمه اي اتاه الله في الدنيا حسنة انعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة فقام بشكرها. فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة ان اجتباه ربه. واختصه بخلته وجعله في صفوة خلقه وخيار عباده المقربين. وهداه الى صراط مستقيم في علمه وعمله. فعلم بالحق واثره على غيره اتيناه في الدنيا حسنة لمن واتيناه في الدنيا حسنة رزقا واسعا وزوجة حسناء وذرية صالحين واخلاقا مرضية. وانه في الاخرة من الصالحين الذين لهم المنازل العالية والقرب العظيم من الله تعالى ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ومن اعظم فضائله ان الله اوحى سيد الخلق واكملهم ان يتبع ملة ابراهيم ويقتدي به هو وامته وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا يقول تعالى انما جعل السبت اي فرضا على الذين اختلفوا فيه حين ضلوا عن يوم جمعة وهم اليهود فصار اختلافهم سببا لان يجب عليهم في السبت احترامه وتعظيمه. والا فالفضيلة الحقيقية ليوم الجمعة الذي الله هذه الامة اليه. وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. فيبين لهم المحق من المبطل مستحقا للثواب ممن استحق العقاب ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهن بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين اي ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم الى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح بالحكمة. اي كل احد على حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده. ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالاهم فالاهم وبالاقرب الى الاذهان وبما يكون قبوله اتم وبالرفق واللين. فان انقاد بالحكمة والا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة. وهو الامر والنهي مقرون بالترغيب والترهيب. اما بما تشتمل عليه الاوامر من المصالح وتعدادها. والنواهي من المضار وتعدادها. واما بذكر اكرام من قام بدين الله واهانة من لم يقم به. واما بذكر ما اعد الله للطائعين من الثواب العاجل والاجل. وما اعد للعاصين من العقاب العاجل والاجل فان كان المدعو يرى ان ما هو عليه حق او كان داعية الى الباطل. فيجادل بالتي هي احسن وهي الطرق التي تكون ادعى لاستجابته في عقلا ونقلا ومن ذلك الاحتجاج عليه بالادلة التي كان يعتقدها فانه اقرب الى حصول المقصود. والا تؤدي المجادلة الى خصام او مشاركة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها. بل يكون القصد منها هداية الخلق الى الحق. لا المغالبة ونحوها. وقوله ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله. علم السبب الذي اداه الى الضلال. وعلم اعماله المترتبة على ضلالته. وسيجازيه عليها وهو اعلم بالمهتدين. علم انهم يصلحون للهداية فهداهم. ثم من عليهم فاجتباهم. وان عاقبتم فعاقبتم ولئن صبرتم لهو خير للصابرين يقول تعالى مبيحا للعدل ونادبا للفضل والاحسان. وان عاقبتم من اساء اليكم بالقول فعل فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به من غير زيادة منكم على ما اجراه معكم. ولئن صبرتم عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم لهو خير للصابرين من الاستيفاء. وما عند الله خير لكم واحسن عاقبة. كما قال الله تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله ثم امر رسوله بالصبر على دعوة الخلق الى الله والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال على النفس. فقال واصبر وما صبرك الا الله ولا تحزن عليهم. واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكفي ضيق مما يمكرون. ان الله مع الذين اتقوا اول الذين هم محسنون واصبر وما صبرك الا بالله هو الذي يعينك عليه ثبتك ولا تحزن عليهم اذا دعوتهم فلم ترى منهم قبولا لدعوتك. فان الحزن لا يجدي عليك شيئا. ولا تكن في ضيق اي شدة لا حرج مما يمكرون فان مكرهم عائد اليهم وانت من المتقين المحسنين. والله مع المتقين المحسنين بعونه وتوفيقه وتسديدة وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي واحسنوا في عبادة الله بان عبدوا الله كأنهم يرونه. فان لم يكونوا يرونه فانه يراهم والاحسان الى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه. نسأل الله ان يجعلنا من المتقين المحسنين