المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لان له الافعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها انه اسرى بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ليلا من المسجد الحرام الذي هو اجل على الاطلاق الى المسجد الاقصى الذي هو من المساجد الفاضلة. وهو محل الانبياء. فاسري به في ليلة واحدة الى مسافة بعيدة جدا ورجع في ليلته. واراه الله من اياته ما ازداد به هدى وبصيرة. وثباتا وفرقانا وهذا من اعتنائه تعالى به ولطفه. حيث يسره لليسرى في جميع اموره. وخوله نعما فاق بها الاولين والاخرين وظاهر الاية ان الاسراء كان في اول الليل وانه من نفس المسجد الحرام. لكن ثبت في الصحيح انه اسري به من بيت امي هانئ فعلى هذا تكون الفضيلة في المسجد الحرام لسائر الحرم. فكله تضاعف فيه العبادة كتضاعفها في نفس مسجد وان الاسراء بروحه وجسده معا. والا لم يكن في ذلك اية كبرى. ومنقبة عظيمة. وقد تكاثرت الاحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاسراء. وذكر تفاصيل ما رأى انه اسري به الى بيت المقدس. ثم عرج به من هناك الى السماوات حتى وصل الى ما فوق السماوات العلا ورأى الجنة والنار والانبياء على مراتبهم وفرض الله عليه الصلوات خمسين. ثم ما زال يراجع ربه باشارة موسى الكليم. حتى صارت خمسا في الفعل وخمسين في الاجر والثواب وحاز من المفاخر تلك الليلة هو وامته ما لا يعلم مقداره الا الله عز وجل. وذكره هنا وفي الانزال للقرآن ومقام التحدي بصفة العبودية. لانه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبودية ربه وقوله الذي باركنا حوله اي بكثرة الاشجار والانهار والخصب الدائم. ومن بركته تفضيله على غير من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة. وانه يطلب شد الرحل اليه للعبادة والصلاة فيه. وان الله اختصه محله لكثير من انبيائه واصفيائه كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتيهما لان كتابيهما افضل الكتب وشريعتيهما ما اكمل الشرائع ونبوتيهما اعلى النبوات واتباعهما اكثر المؤمنين. ولهذا قال هنا فاتينا موسى الكتاب الذي هو التوراة وجعلناه هدا لبني اسرائيل يهتدون به في ظلمات الجهل الى العلم بالحق اي وقلنا لهم ذلك وانزلنا اليهم الكتاب لذلك ليعبدوا الله وحده وينيبوا اليه ويتخذوه وحده وكيلا ومدبرا لهم في امر دينهم ودنياهم. ولا يتعلق بغيره من المخلوقين. الذين لا يملكون شيئا ولا ينفعونهم بشيء ايا ذرية من من عليهم وحملناهم مع نوح. ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك. والحث لذريته ان يقتدوا به في شكره يتابعوه عليه وان يتذاكروا نعمة الله عليهم. اذ ابقاهم واستخلفهم في الارض واغرق غيرهم وقضينا الى بني اسرائيل اي تقدمنا وعهدنا اليهم واخبرناهم في كتابهم انهم لابد ان يقع منهم افساد ساد في الارض مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله والعلو في الارض والتكبر فيها وانه اذا وقع واحدة منهما الله عليهم الاعداء وانتقم منهم وهذا تحذير لهم وانذار. لعلهم يرجعون فيتذكرون آآ فاذا جاء وعد اولاهما اي اولى المرتين اللتين يفسدون فيهما اي اذا وقع منهم ذلك الفساد بعثنا عليكم بعثا قدريا وسلطنا عليكم تسليطا كونيا جزائيا عبادا لنا اولي بأس شديد. اي ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم فقتلوه وسبوا اولادكم ونهبوا اموالكم. فجاسوا خلال الديار وهتكوا الدور ودخلوا المسجد الحرام وافسدوه. وكان وعدا لابد من وقوعه لوجود سببه منهم. واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين. الا انهم اتفقوا على انهم قوم كفار اما من اهل العراق او الجزيرة او غيرها. سلطهم الله على بني اسرائيل. لما كثرت فيهم المعاصي وتركوا كثيرا من شريعتهم وطغوا في الارض ثم رددنا لكم الكرة عليهم اي على هؤلاء الذين سلطوا عليكم فاجليتموهم من دياركم وامددناكم باموال وبنين. اي اكثرنا ارزاقكم وكثرناكم وقويناكم عليهم. وجعلناكم اكثرنا كثيرا منهم وذلك بسبب احسانكم وخضوعكم لله وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوا ان احسنتم احسنتم لانفسكم لان ان النفع عائد اليكم حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على اعدائكم. وان اسأتم فلها اي فلانفسكم يعود الضرر كما اراكم الله من تسليط الاعداء. فاذا جاء وعد الاخرة اي المرة الاخرة التي تفسدون فيها في الارض. سلطنا عليكم الاعداء ليسوءوا وجوهكم بانتصارهم عليكم وسبيكم. وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة. والمراد بالمسجد مسجد بيت المقدس وليتبروا اي يخربوا ويدمروا ما علوا عليه تتبيرا. فيخربوا بيوتكم ومساجدكم انما للكافرين حصيرا. عسى ربكم ان يرحمكم فيديل لكم الكرة عليهم. فرحمهم جعل لهم الدولة وتوعدهم على المعاصي فقال وان عدتم الى الافساد في الارض عدنا الى عقوبتكم فعادوا لذلك سلط الله عليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. فانتقم الله به منهم فهذا جزاء الدنيا. وما عند الله من النكال اعظم واشنع ولهذا قال يصلونها ويلازمونها لا يخرجون منها ابدا. وفي هذه الايات التحذير لهذه الامة من العمل بالمعاصي الا يصيبهم ما اصاب بني اسرائيل. فسنة الله واحدة لا تبدل ولا تغير. ومن نظر الى تسليط الكفرة والظلمة على المسلمين عرف ان ذلك من اجل ذنوبهم عقوبة لهم وانهم اذا اقاموا كتاب الله وسنة رسوله مكن الله لهم في الارض نصرهم على اعدائهم يخبر تعالى عن شر وفي القرآن وجلالته وانه يهدي للتي هي اقوم. اي اعدل واعلى من العقائد والاعمال والاخلاق. فمن اهتدى بما يدعو اليه القرآن كان اكمل الناس واقومهم واهداهم في جميع الامور. ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات من الواجبات والسنن اعده الله لهم في دار كرامته لا يعلم وصفه الا هو فالقرآن مشتمل على البشارة والنذارة. وذكر الاسباب التي تنال بها البشارة. وهو الايمان والعمل الصالح. والتي تستحق بها وهو ضد ذلك وهذا من جهل الانسان وعجلته حيث يدعو على نفسه واولاده بالشر عند غضب ويبادر بذلك الدعاء. كما يبادر بالدعاء في الخير. ولكن الله بلطفه يستجيب له في الخير ولا يستجيب له في الشر ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم يقول تعالى وجعلنا الليل والنهار ايتين اي دالتين على كمال قدرة الله وسعة رحمته. وانه الذي لا تنبغي العبادة الاله. فمحونا اية الليل اي جعلناه مظلما للسكون فيه والراحة. وجعلنا اية النهار مبصرة. اي مضيئة لتبتغوا فضلا من ربكم في معايشكم وصنائعكم وتجاراتكم واسفاركم. ولتعلموا بتوالي الليل والنهار واختلاف القمر. عدد السنين والحساب فتبنون عليها ما تشاؤون من مصالحكم اي بينا الايات وصرفناها لتتميز الاشياء ويتبين الحق من الباطل. كما قال تعالى ما في الكتاب من شيء اقرأ كتابك وهذا اخبار عن كمال عدله. ان كل انسان يلزمه طائره في عنقه. اي ما عمل من خير وشر. يجعله الله ملازما له لا يتعداه الى غيره فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله فيه عمله من الخير والشر حاضرا صغيره قوة كبيرة ويقال له وهذا من اعظم العدل والانصاف. ان يقال للعبد حاسب نفسك ليعرف ما عليه من الحق الموجب للعقاب ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبعد اي هداية كل احد وضلاله لنفسه. ولا يحمل احد ذنب احد ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشرق والله تعالى اعدل العادلين. لا يعذب احدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة. ثم يعاند الحجة. واما من من قاد للحجة او لم تبلغه حجة الله تعالى فان الله تعالى لا يعذبه. استدل بهذه الاية على ان اهل الفترات واطفال للمشركين لا يعذبهم الله حتى يبعث اليهم رسولا لانه منزه عن الظلم واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها. امرنا مترفين يخبر تعالى انه اذا اراد ان يهلك قرية من القرى الظالمة ويستأصلها بالعذاب امر مترفيها امرا قدريا ففسقوا فيها واشتد طغيانهم. فحق عليها القول اي كلمة العذاب التي لا مرد لها تدميرا. وكم اهلكنا من القرون من بعد وهؤلاء امم كثيرة فادهم الله بالعذاب من بعد قوم نوح كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم من عاقبهم الله لما كثر بغيهم واشتد كفرهم انزل الله بهم عقابه العظيم اه فلا يخافون منه ظلما وانه يعاقبهم على ما عملوه وفيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يخبر تعالى ان من كان يريد العاجلة اي الدنيا المنقضية الزائلة فعمل خلالها وسعى ونسي المبدأ والمنتهى ان الله يعجل له من حطامها ومتاعها ما يشاؤه ويريده مما كتب له في المحفوظ ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له. ثم يجعل له في الاخرة جهنم يصلاها. اي يباشر عذابها اي في حالة الخزي والفظيحة والذم من الله ومن خلقه. والبعد عن الله فيجمع له العذاب والفضيحة ومن اراد الاخرة فرضيها واثرها على الدنيا وسعى لها سعيها الذي دعت اليه الكتب السماوية والاثار النبوية فعمل بذلك على قدر امكانه. وهو مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر اي مقبولا منمى مدخرا لهم اجرهم وثوابهم عند ربهم ومع هذا فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا. فكلا يمده الله منها لانه عطاؤه واحسانه اي ممنوعا من احد بل جميع الخلق راكعون بفضله واحسانه انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الدنيا. بسعة الارزاق وقلتها واليسر والعسر والعلم والجهل والعقل والسفه وغير ذلك من الامور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها الى الاخرة بوجه من الوجوه. فكم بين من وفي الغرف العاليات واللذات المتنوعات والسرور والخيرات والافراح. ممن هو يتقلب في الجحيم ويعذب بالعذاب الاليم. وقد قد حل عليه سخط الرب الرحيم. وكل من الدارين بين اهلها من التفاوت. ما لا يمكن احدا عده الله الها اخر فتقعد مذهوما مخدولا. اي لا تعتقد ان احدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة. ولا تشرك بالله احدا منهم فان ذلك داع للذم والخذلان. فالله وملائكته ورسله قد نهوا عن الشرك وذموا من عمله اشد الذم ورتبوا عليه من الاسماء المذمومة والاوصاف المقبوحة ما كان به متعاطيه اشنع الخلق وصفا واقبحهم نعتا وله من الخذلان في امر دينه ودنياه بحسب ما تركه من التعلق بربه فمن تعلق بغيره فهو مخذول قد وكل الى من تعلق به ولا احد من الخلق ينفع احدا الا باذن الله. كما ان من جعل الله الها اخر له الذم والخذلان. فمن وحده واخلص دينه لله وتعلق به دون غيره. فانه محمود معان في جميع احواله وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا وقل لهما قولا كريما. لما نهى تعالى عن الشرك به امر بالتوحيد فقال وقضى ربك قضاء دينيا وامرا شرعيا الا تعبدوا احدا من اهل الارض والسماوات الاحياء والاموات الا اياه لانه الواحد الاحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال وله من كل صفة اعظمها على وجه لا يشبهه احد من خلقه. وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة. الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. فهو المتفرد بذلك كله. وغيره ليس له من ذلك شيء. ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالد فقال اي احسنوا اليهما بجميع وجوه الاحسان. القول والفعل لانهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والاحسان اليه والقرب. ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر. اما يبلغن ان عندك الكبر احدهما او كلاهما اي اذا وصل الى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والاحسان ما هو معروف فلا تقل لهما اف. وهذا ادنى مراتب الاذى نبه به على ما سواه. والمعنى لا تؤذهما ادنى اذية لا تنهرهما اي تزجرهما وتتكلم كلاما خشنا. وقل لهما قولا كريما. بلفظ يحب وتأدب وتلطف معهما بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما وذلك يختلف باختلاف الاحوال والعوائد والازمان اي تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للاجر. لا لاجل الخوف منهما. او الرجاء لما لهما. ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد وقل ربي ارحمهما اي ادعوا لهما بالرحمة. احياء وامواتا جزاء على تربيتهما اياك صغيرا. وفهم من هذا انه كلما ازدادت التربية ازداد الحق. وكذلك من تولى تربية الانسان في دينه ودنياه. تربية صالحة غير الابوين. فان له على من رباه حق التربية غفورا. اي ربكم تعالى مطلع على ما اكنته سرائركم من خير وشر. وهو لا ينظر الى اعمالكم وابدانكم. وانما ينظر الى قلوبكم وما فيها من الخير والشر. ان تكونوا صالحين بان تكون ارادتكم ومقاصدكم دائرة على مرضات الله. ورغبتكم فيما يقربكم اليه. وليس في قلوبكم ارادات قرة لغير الله فانه كان للاوابين غفورا. اي الرجاعين اليه في جميع الاوقات غفورا. فمن اطلع الله على وعلم انه ليس فيه الا الانابة اليه ومحبته ومحبة ما يقرب اليه فانه وان جرى منه في بعض الاوقات ما هو مقتصد الطبائع البشرية فان الله يعفو عنه ويغفر له الامور العارضة غير المستقرة يقول تعالى واتي ذا القربى حقه من البر والاكرام والمسنون وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الاحوال والاقارب والحاجة وعدمها والازمنة والمسكين. اته من الزكاة ومن غيرها لتزول مسكنته. وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به عن بلده. ولا تبذر تبذيرا. يعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق. فان ذلك تبذير وقد نهى الله عنه واخبر ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ولا تجعل يدك الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. لان الشيطان لا يدعو الا الى كل خصلة نميمة فيدعو الانسان الى البخل والامساك. فاذا عصاه دعاه الى الاسراف والتبذير. والله تعالى انما يأمر باعدل الامور ويمدح عليه كما في قوله عن عباد الرحمن الابرار والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان حين ذلك قواما. وقال هنا ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك. كناية عن شدة الامساك والبخل. ولا تبسطها كل البسط فتنفق فيما لا ينبغي وزيادة على ما ينبغي. فتقعد ان فعلت ذلك ملوما اي تلام على ما فعلت. محسود اي حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء. وهذا الامر بايتاء ذي القربى مع القدرة والغنى فاما مع العدم او تعسر النفقة الحاضرة فامر تعالى ان يردوا ردا جميلا فقال واما تعرضن ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. اي تعرضن عن اعطائهم الى وقت اخر. ترجو فيه من الله تيسير الامر اي لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة. واعتذار بعدم الامكان في الوقت الحاضر. لينقلبوا مطمئنة خواطرهم. كما قال تعالى قول معروف ومغفرة. خير من صدقة يتبعها اذى. وهذا ايضا من لطف الله تعالى بالعباد امرهم بانتظار الرحمة والرزق منه. لان انتظار ذلك عبادة. وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسير. عبادة حاضرة لان الهم بفعل الحسنة حسنة. ولهذا ينبغي للانسان ان يفعل ما يقدر عليه من الخير. وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له بسبب رجائه. ثم قال تعالى ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ومن عباده ويقدر ان يضيقه على من يشاء. فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم. ويدبرهم بلطفه وكرمه ولا تقتلوا اولادكم خشية ان لا وهذا من رحمته بعباده. حيث كان ارحم بهم من والديهم. فنهى الوالدين ان يقتلوا اولادهم. خوفا من الفقر والامانة وتكفل برزق الجميع. واخبر ان قتلهم كان خطأ كبيرا. اي من اعظم كبائر الذنوب. لزوال الرحمة من القلب حقوق العظيم والتجرؤ على قتل الاطفال الذين لم يجري منهم ذنب ولا معصية النهي عن قربان الزنا ابلغ من النهي عن مجرد فعله. لان ذلك يشتمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه. فان من حام حول الحمى يوشك ان يقع فيه. خصوصا هذا الامر الذي في كثير من النفوس اقوى داع اليه ووصف الله الزنا وقبحه بانه كان فاحشة. اي انما يستفحش في الشرع والعقل والفطر. لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق اهلها او زوجها وافساد الفراش واختلاط الانساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله اي بئس السبيل. سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم نفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها من صغير كبير وذكر وانثى وحر وعبد. ومسلم وكافر له عهد. الا بالحق كالنفس بالنفس والزاني المحصن. والتالي لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه. اذا لم يندفع الا بالقتل ومن قتل مظلوما اي بغير حق فقد جعلنا لوليه وهو اقرب عصباته وورثته اليه سلطانا. اي حجة ظاهرة على القصاص من القاتل. وجعلنا له ايضا تسلطا قدريا على ذلك. وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص. كتعمد العدوان والمكافأة فلا يسرف الولي في القتل انه كان منصورا. والاسراف مجاوزة الحد اما ان يمثل بالقاتل او يقتله بغير ما قتل به. او يقتل غير القاتل. وفي هذه الاية دليل على ان الحق في القتل للولي. فلا يقتص الا باذنه وان عفا سقط القصاص. وان ولي المقتول يعينه الله على القاتل. ومن اعانه حتى يتمكن من قتله لا تقربوا من اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده. واوفوا بالعهد ان العهد وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده وهو صغير غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها ان امر اولياءه بحفظه وحفظ ماله واصلاحه والا يقربوه الا بالتي هي احسن من التجارة فيه وعدم تعريضه للاخطار والحرص على تنميته. وذلك ممتد الى ان يبلغ اليتيم اشده. اي بلوغه وعقله له رشده. فاذا بلغ اشده زالت عنه الولاية. وصار ولي نفسه ودفع اليه ما له. كما قال تعالى فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم. واوفوا بالعهد الذي عاهدتم الله عليه. والذي عاهدتم الخلق عليه اي مسؤولون عن الوفاء به. فان وفيتم فلكم الثواب الجزيل. وان لم تفوا عليكم الاثم العظيم. واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وهذا امر بالعدل وايفاء المكاييل والموازين بالقسط من غير بخس ولا نقص ويؤخذ من المعنى النهي عن كل غش في ثمن او مثمن او معقود عليه. والامر بالنصح والصدق في المعاملة. ذلك خير من عدمه واحسن تأويل اي احسن عاقبة به يسلم العبد من التبعات وبه تنزل البرك ولا تتبع ما ليس لك به علم. بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله. فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك فحقيق بالعبد الذي يعرف انه مسؤول عما قاله وفعله. وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته. ان يعد للسؤال جوابا. وذلك لا يكون الا باستعمالها بعبودية الله واخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى يقول تعالى ولا تمش في الارض مرحا اي كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق. انك في فعلك ذلك بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا بوتين قد اكتسبت شر الاخلاق واكتسيت بارذلها من غير ادراك لبعض ما تروم كل ذلك المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله ولا تجعل مع الله الها اخر والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك مكروها. اي كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم والله تعالى يكرهه ويأباه ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. ذلك الذي بيناه ووضحناه من هذه الاحكام الجليلة. مما اوحى اليك ربك من الحكمة فان الحكمة الامر بمحاسن الاعمال ومكارم الاخلاق والنهي عن اراذل الاخلاق واسوء الاعمال وهذه الاعمال المذكورة في هذه الايات. من الحكمة العالية التي اوحاها رب العالمين لسيد المرسلين. في اشرف الكتب يأمر بها افضل الامم. فهي من الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا. ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله. كما افتتحها بذلك فقال فتلقى في جهنم اي خالدا مخلدا. فانه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة. ومأواه النار اي قد لحقتك اللائمة واللعنة والذم من الله وملائكته والناس اجمعين وهذا انكار شديد على من زعم ان الله اتخذ من خلقه بنات فقال اي اختار لكم الصفوة والقسم الكامل. واتخذ لنفسه من الملائكة اناثا. حيث زعموا ان الملائكة بنات الله انكم لتقولون قولا عظيما فيه اعظم الجرأة على الله حيث نسبتم له الولد المتضمن واستغناء بعض المخلوقات عنه. وحكمتم له باردأ القسمين وهو الاناث وهو الذي خلقكم واصطفاكم بالذكور فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا يخبر تعالى انه صرف لعباده في هذا القرآن اي نوع الاحكام ووضحها واكثر من الادلة ابراهيم على ما دعا اليه ووعظ وذكر لاجل ان يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه. وما يضرهم فيدعوه ولكن ابى اكثر الناس الا نفورا عن ايات الله. لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل. حتى تعصبوا لباطلهم ولم سيروا ايات الله لهم سمعا ولا القوا لها بالا. ومن اعظم ما صرف فيه الايات والادلة. التوحيد الذي هو اصل الاصول به ونهى عن ضده واقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا بحيث ان من اصغى الى بعضها لا تدع وفي قلبه شكا ولا ريب. ومن الادلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا. فقال قل للمشركين الذين يجعلون مع الله اله الاخر لو كان معه الهة كما يقولون. اي على موجب زعمهم وافترائهم اي لاتخذوا سبيلا الى الله بعبادته. والانابة اليه والتقرب وابتغاء الوسيلة. فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه الها مع الله. هل هذا الا من اظلم الظلم واسفه السفه؟ فعلى هذا المعنى تكون هذه الاية كقوله تعالى اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة. ايهم اقرب؟ وكقوله تعالى ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله. فيقول اانتم اضللتم عبادي هؤلاء؟ ام هم ضلوا السبيل؟ قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء. ويحتمل ان المعنى في قوله قل لو كان معه الهة كما يقولون الابتغوا الى ذي العرش سبيلا. اي لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى. فاما ان يعلو عليه فيكون من علا وقهر. هو حب الاله فاما وقد علموا انهم يقرون ان الهتهم التي يعبدون من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الامر شيء فلما اتخذوها وهي بهذه الحال؟ فيكون هذا كقوله تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق. ولعل بعضهم على بعض سبحانه وتعالى اي تقدس وتنزه وعلت اوصافه عما يقولون من الشرك به. واتخاذ معه علوا كبيرا. فعلى قدره وعظم وجلت كبرياؤه. التي لا تقدر ان يكون معه الهة. فقد ضل من قال كذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا. لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن والاراضون السبع ومن فيهن والارض جميعا قبضته يوم القيامة. والسماوات مطويات بيمينه وافتقر اليه العالم العلوي والسفلي فقرا ذاتيا لا ينفك عن احد منهم في وقت من الاوقات. هذا الفقر بجميع وجوهه فقر من جهة الخلق والرزق والتدبير وفقر من جهة الاضطرار. الى ان يكون معبوده ومحبوبه. الذي اليه يتقربون اليه في كل حال يفزعون. ولهذا قال وان من شيء من حيوان ناطق وغير ناطق ومن اشجار ونبات وجاند وميت الا يسبح بحمده بلسان الحال ولسان المقال. اي باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب. انه كان حليما غفورا حيث لم يعادل بالعقوبة من قال فيه قولا تكاد السماوات والارض تتفطر منه وتخر له الجبال ولكنه امهلهم وانعم عليهم وعافاهم ورزقهم ودعاهم الى بابه. ليتوبوا من هذا الذنب العظيم. ليعطيهم الثواب الجزيل ويغفر لهم ذنبهم. فلولا حلمه ومغفرته لسقطت السماوات على الارض. ولما ترك على ظهرها من دابة اقرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا يخبر تعالى لا عن عقوبته للمكذبين بالحق الذين ردوه واعرضوا عنه ان يحول بينهم وبين الايمان فقال واذا قرأت القرآن الذي فيه الوعظ والتذكير والهدى والايمان والخير والعلم الكثير يسترهم عن فهمه حقيقة وعن التحقق بحقائقه. والانقياد الى ما يدعو اليه من الخوف خير وجعلنا على قلوبهن وجعلنا على قلوبهم اكنة اي اغطية واغشا لا يفقهون معها القرآن. بل يسمعونه سماعا تقوم به عليهم الحجة. وفي اذانهم واقرأ اي صمما على سماعه واذا ذكرت ربك في القرآن وحده داعيا لتوحيده ناهيا عن الشرك به. ولوا على ادبارهم نفورا. من شدة بغضهم ومحبتهم لما هم عليه من الباطل. كما قال تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون نحن اعلم بما يستمعون اي انما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن. لاننا نعلم ان مقاصدهم سيئة. يريدون ان يعثروا على اقل شيء ليقدحوا به وليس استماعهم لاجل الاسترشاد وقبول الحق. وانما هم متعمدون على عدم اتباعه. ومن كان بهذه الحالة لم يفيده الاستماع شيئا. ولهذا قال اذ يستمعون اليك واذ هم نجوى اي متناجيين. اذ يقول الظالمون في مناجاتهم فاذا كانت هذه مناجاتهم الظالمة فيما بينهم وقد بنوها على انه مسحور فهم جازمون انهم غير معتبرين لما قال وانه يهذي لا يدري ما يقول قال تعالى انظر متعجبا كيف ضربوا لك الامثال التي هي اضل الامثال وابعدها عن الصواب. فضلوا في ذلك او صارت سببا لضلالهم. لانهم بنوا عليها امرهم. والمبني على مفاسد افسدوا منه. فلا يستطيعون سبيلا. اي لا يهتدون اي اهتداء. فيصيبهم الضلال المحض والظلم الصرف فسيقولون الذي فطركم اول مرة فسينقضون اليك رؤوسهم ويقولون متاه قل عسى ان يكون كون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون ان لبستم الا قليلا تعالى عن قول المنكرين للبعث وتكذيبهم به واستبعادهم بقولهم ائذا كنا عظاما ورفاتا اي اجسادا بالية فانا لمبعوثون خلقا جديدا. اي لا يكون ذلك وهو محال بزعمهم. فجهلوا اشد الجهل حيث كذبوا رسول الله وجحدوا ايات الله وقاسوا قدرة خالق السماوات والارض بقدرتهم الضعيفة العاجزة. فلما رأوا ان هذا ممتنع عليهم لا عليه جعلوا قدرة الله كذلك. فسبحان من جعل خلقا من خلقه يزعمون انهم اولو العقول والالباب مثالا في جهل في اظهر الاشياء واجلاها واوضحها براهين واعلاها. ليري عباده انه ما ثم الا توفيقه واعانته او الهلاك والضلال. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا. وهب لنا من لدنك رحمة. انك انت الوهاب. ولهذا امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يقول لهؤلاء المنكرين للبعث استبعادا او خلقا من ما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم او او خلقا مما يكبر في صدوركم اي يعظم في صدوركم لتسلموا بذلك على زعمكم من ان تنالكم الله او تنفد فيكم مشيئته. فانكم غير معجز الله في اي حالة تكونون. وعلى اي وصف تتحولون وليس في انفسكم تدبير في حالة الحياة وبعد الممات. فدعوا التدبير والتصريف لمن هو على كل شيء قدير. وبكل شيء محيط فسيقولون حين تقيم عليهم الحجة في البعث من يعيدنا قل الذي فطركم اول مرة فكما فطركم ولم تكونوا شيئا مذكورا فانه سيعيدكم خلقا جديدا. كما بدأنا اول خلق نعيده. فسينغضون اليك رؤوسهم ان يهزون انكارا وتعجبا مما قلت. ويقولون متى هو؟ اي متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك؟ ولا اقرار منهم لاصل بل ذلك سفه منهم وتعجيز. قل عسى ان يكون قريبا. فليس في تعيين وقته فائدة. وانما فائدة والمدار على تقريره والاقرار به واثباته. والا فكما هو ات فانه قريب. يوم يدعوك للبعث والنشور وينفخ في الصور. فتستجيبون بحمده اي تنقادون لامره. ولا تستعصون عليه. وقوله بحمده اي هو المحمود تعالى على فعله. ويجزي به العباد. اذا جمعهم ليوم التناد الا قليلا من سرعة وقوعه. وان الذي مر عليكم من النعيم كانه ما كان. فهذا الذي يقول عنه المنكرون ساهوا يندمون غاية الندم عند وروده. ويقال لهم هذا الذي كنتم به تكذبون. وقل لعبادي يقول وهذا من لطفه بعباده. حيث امرهم باحسن الاخلاق والاعمال والاقوال. الموجبة للسعادة في الدنيا والاخرة فقال وهذا امر بكل كلام يقرب الى الله من قراءة وذكر وعلم وامر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم وانه اذا دار الامر بين امرين حسنين فانه يأمر بايثار احسنهما. ان لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فان من ملك لسانه ملك جميع امره. وقوله لهم ان يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم. فدواء هذا الا يطيعوه في الاقوال غير الحسنة. التي يدعون اليها وان يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فانه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم ان يحاربوا فانه يدعوهم ليكونوا من اصحاب السعير. واما اخوانهم فانهم وان نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فان الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وان يقمعوا انفسهم الامارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها لكي يطيعون ربهم ويستقيموا امرهم ويهدون لرشدهم يشأ ربكم اعلم بكم من انفسكم فلذلك لا يريد لكم الا ما هو الخير ولا يأمركم الا بما فيه مصلحة لكم. وقد تريدون شيئا والخير في عكسه. ان يشأ يرحمكم او ان يشأ يعذبكم فيوفق من شاء لاسباب الرحمة ويخذل من شاء فيضل عنها فيستحق العذاب تدبر امرهم وتقوم بمجازاتهم. وانما الله هو الوكيل. وانت مبلغ هاد الى صراط مستقيم ولقد فضلنا بعضا اتينا داوود زبورا. وربك اعلم بمن في السماوات والارض من جميع اصناف الخلائق. فيعطي كلا منهم ما يستحقه تقتضيه حكمته. ويفضل بعضهم على بعض في جميع الخصال الحسية والمعنوية. كما فضل بعض النبيين المشتركين بوحيه على بعض بالفضائل والخصائص الراجعة الى ما من به عليهم من الاوصاف الممدوحة والاخلاق المرضية والاعمال الصالحة وكثرة الاتباع ونزول الكتب على بعضهم المشتملة على الاحكام الشرعية والعقائد المرضية كما انزل على داوود زبورا وهو الكتاب فاذا كان تعالى قد فضل بعضهم على بعض واتى بعضهم كتبا فلم ينكر المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم انزله الله عليه وما فضله به من النبوة والكتاب ولا يقول تعالى قل للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه اندادا يعبدونهم كما يعبدون الله ويدعونهم كما يدعونه ملزما لهم تصحيح ما زعموه واعتقدوه ان كانوا صادقين ادعوا الذين زعمتم الهة من دونه. فانظروا هل ينفعونكم او عنكم الضر فلا يملكون كشف الضر عنكم من مرض او فقر او شدة ونحو ذلك فلا يدفعونه بالكلية ولا يملكون ايضا تحويلا له من شخص الى اخر من شدة الى ما دونها. فاذا كانوا بهذه الصفة فلاي شيء تدعونهم من دون الله فانه لا كمال لهم ولا فعال نافعة. فاتخاذهم الهة نقص في الدين والعقل. وسفهم في الرأي. ومن العجب ان فها عند الاعتياد والممارسة وتلقيه عن الاباء الضالين بالقبول يراه صاحبه هو الرأي السديد. والعقل المفيد ويرى اخلاص الدين بسم الله الواحد الاحد المنعم بجميع النعم الظاهرة والباطنة هو السفه. والامر المتعجب منه. كما قال المشركون اجعل الهة الها واحدا. ان هذا لشيء عجاب. ثم اخبر ايضا ان الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار الى الله وابتغاء الوسيلة اليه فقال اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم اولئك الذين يدعون من الانبياء والصالحين والملائكة يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب. ايتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه. من الاعمال الصالحة المقربة الى الله تعالى. ويرجون رحمته ويخافون يلقون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل الى العذاب. اي هو الذي ينبغي شدة الحذر والتوقي من اسبابه. وهذه الامور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عندك هي الاصل والمادة في كل خير. فمن تمت له تمت له امور. واذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات. واحاطت الشرور وعلامة المحبة ما ذكره الله. ان يجتهد العبد في كل محل يقربه الى الله. وينافس في قربه باخلاص مالك كلها لله والنصح فيها وايقاعها في اكمل الوجوه المقدور عليها. فمن زعم انه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب اي ما من قرية من القرى المكذبة للرسل الا لابد ان يصيبهم هلاك قبل يوم القيامة او عذاب شديد. كتاب كتبه الله. وقضاء ابرمه. لابد من وقوعه. فليبادر المكذبون انابتي الى الله وتصديق رسله قبل ان تتم عليهم كلمة العذاب. ويحق عليهم القول يذكر تعالى رحمته بعدم انزال الايات التي اقترحها المكذبون وانه ما منعه ان يرسلها الا كراهة تكذيبهم لها. فاذا كذبوا بها عاجلهم العقاب وحل بهم من غير تأخير. كما فعل بالاولين الذين كذبوا بها. ومن اعظم الايات الاية التي ارسلها الله الى ثمود. وهي الناقة العظيمة الباهرة التي كانت تصدر عنها جميع القبيلة باجمعها. ومع ذلك كذبوا بها فاصابهم ما قص الله علينا في كتابه وهؤلاء كذلك ولو جاءتهم الايات الكبار لم يؤمنوا فانه ما منعهم من الايمان خفاء ما جاء به الرسول واشتباهه هل هو حق او باطل؟ فانه قد جاء ومعه من البراهين الكثيرة. بما دل على صحة ما جاء به. الموجب لهداية من الهداية فغيرها مثلها. فلا بد ان يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها. فترك انزالها والحالة هذه خير لهم وانفع وقوله اي لم يكن القصد بها ان تكون داعية وموجبة للايمان. الذي لا يحصل الا بها بل المقصود منها التخويف والترهيب. ليرتدعوا عما هم عليه واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا اذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس علما وقدرة فليس لهم ملجأ يلجأون اليه ولا ملاذ يلوذون به عنه. وهذا كاف لمن له هو عقل في الانكفاف عما يكرهه الله الذي احاط بالناس. وما جعلنا الرؤية التي اريناك الا فتنة اكثر المفسرين على انها ما ليلة الاسراء؟ والشجرة الملعونة التي ذكرت في القرآن وهي شجرة الزقوم التي تنبت في اصل الجحيم. والمعنى اذا كان هذان الامران قد صارا فتنة للناس حتى استلج الكفار بكفرهم. وازداد شرهم وبعض من كان ايمانه ضعيفا رجع عنه بسبب ان ما اخبرهم به من الامور التي كانت ليلة الاسراء. ومن الاسراء من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى. كان خارقا للعادة والاخبار بوجود شجرة تنبت في اصل الجحيم ايضا من الخوارق. فهذا الذي اوجب لهم التكذيب. فكيف لو الايات العظيمة والخوارق الجسيمة. اليس ذلك اولى ان يزداد بسببه شرهم؟ فلذلك رحمهم الله وصرفه عنهم ومن هنا تعلم ان عدم التصريح في الكتاب والسنة بذكر الامور العظيمة التي حدثت في الازمنة المتأخرة اولى واحسن. لان الامور التي لم يشاهد الناس لها نظيرا ربما لا تقبلها عقولهم. فيكون ذلك ريبا في قلوب بعض المؤمنين. ومانعا يمنع من لم يدخل الاسلام ومنفرا عنه. بل ذكر الله الفاظا عامة تتناول جميع ما يكون. والله اعلم. ونخوفهم بالايات فما يزيدهم التخويف. وهذا ابلغ ما يكون في التحلي بالشر ومحبته. وبغض الخير وعدم لهدم خلقت طينا. ينبه تعالى عباده على شدة عداوة الشيطان. وحرصه على اضلالهم. وانه لما خلق الله ادم استكبر عن السجود له وقال متكبرا. اي من طين وبزعمه انه خير منه لانه خلق من نار وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة اوجه. فلما تبين لابليس تفضيل الله لادم قال قاطبا لله لاحتنكن ذريته اي لاستأصلنهم بالاضلال ولاغوينهم الا قليلا عرف الخبيث انه لابد ان يكون منهم من يعاديه ويعصيه. فقال الله له اذهب فمن تبعك فمنهم واختارك على ربه ووليه الحق اي مدخرا لهم موفرا جزاء اعمالكم. ثم امره الله ان يفعل كل ما يقدر عليه من الهم فقال واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيرك ورجلك وشاركهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا. واستفزز من استطعت منهم بصوت ويدخل في هذا كل داع الى المعصية. واجلب عليهم بخيرك ورجلك. ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله. فهو من خير الشيطان ورجله. والمقصود ان الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين. الداعي لهم الى معصية الله باقواله وافعاله وشاركهم في الاموال والاولاد. وذلك شامل لكل معصية. تعلقت باموالهم واولادهم. من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة وعدم تأديب الاولاد تربيتهم على الخير وترك الشر واخذ الاموال بغير حقها او وضعها بغير حقها او استعمال الردية بل ذكر كثير من المفسرين انه يدخل في مشاركة الشيطان في الاموال والاولاد ترك التسمية عند الطعام والشراب جماع وانه اذا لم يسمي الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد في الحديث. وعدهم الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها ولهذا قال اي باطلا مضمحلا كان يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة ويعدهم عليها الاجر. لانهم يظنون انهم على الحق. وقال تعالى الشيطان يعدكم ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا. ولما اخبر عما يريد الشيطان ان يفعل بالعباد. وذكر كما يعتصم به من فتنته وهو عبودية الله والقيام بالايمان والتوكل قال وكفى بربك وكيلا. ليس لك عليهم سلطان اي تسلط واغواء بل الله يدفع عنهم بقيامهم بعبوديته كل شر. ويحفظهم من الشيطان الرجيم. ويقوموا بكفايتهم لمن توكل عليه وادى ما امر به يذكر تعالى نعمته على العباد بما سخر لهم من الفلك والسفن والمراكب والهمهم كيفية صنعتها وسخر لهم البحر الملتطم. يحملها على ظهره لينتفع العباد بها في الركوب والحمل للامتعة وهذا من رحمته بعباده. فانه لم يزل بهم رحيما رؤوفا. يؤتيهم من كل ما تعلقت به ارادتهم ومنافعهم ومن رحمته الدالة على انه وحده المعبود دون ما سواه انهم اذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الامواج. ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله. في حال الرخاء من الاحياء والاموات. فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الاوقات لعلمهم انهم ضعفاء. عاجزون عن كشف الضر وصرخوا بدعوة فاطر الارض والسماوات الذي يستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات. واخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال. فلما كشف الله عنهم الضر ونجاهم الى البر نسوا ما كانوا يدعون اليه من قبل. واشركوا به من لا ينفع ولا يضر. ولا يعطي ولا يمنع. واعرضوا عن الاخلاص لربهم ومليكهم. وهذا من جهل الانسان وكفره. فان الانسان كفور للنعم الا من هدى الله. فمن عليه بالعقل السليم واهتدى الى الصراط المستقيم. فانه يعلم ان الذي يكشف الشدائد وينجي من الاهوال هو الذي يستحق ان يفرد تخلص له سائر الاعمال في الشدة والرخاء واليسر والعسر. واما من خذل ووكل الى عقله الضعيف. فانه لم يلحظ وقت الشدة الا مصلحته الحاضرة وان جاءه في تلك الحال. فلما حصلت له النجاة وزالت عنه المشقة. ظن بجهله انه قد اعجز الله ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية. فضلا عن امور الاخرة. ولهذا ذكرهم الله بقوله عليكم اي فهو على كل شيء قدير. ان شاء انزل عليكم عذابا من اسفل منكم بالخسف او من فوقكم بالحاصب. وهو العذاب الذي يحصدهم فيصبحوا هالكين. فلا تظنوا ان الهلاك لا يكون الا في وان ظننتم ذلك فلستم امنين من ان يعيدكم فيه تارة اخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح اي ريحا شديدة جدا تقصف ما اتت عليه اي تبعة ومطالبة فان الله لم يظلمكم مثقال ذرة وهذا من كرمه عليهم واحسانه. الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني ادم بجميع وجوه الاكرام حرمهم بالعلم والعقل وارسال الرسل وانزال الكتب وجعل منهم الاولياء والاصفياء وانعم عليهم من نعم الظاهرة والباطنة وحملناهم في البر على الركاب من الابل والبغال والحمير والمراكب البرية والبحر في السفن والمراكب ورزقناهم من الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم الا وقد اكرمهم الله به لهم غاية التيسير بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من انواع المخلوقات. افلا يقومون بشكر من اولى النعم ودفع النقم ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم. بل ربما استعانوا بها على معاصيه ادعو كل اناس بامامهم فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك يقرؤون كتاب يخبر تعالى عن حال الخلق يوم القيامة وانه يدعو كل اناس معهم امامهم الى الرشد وهم الرسل ونوابهم فتعرض كل امة ويحضرها رسولهم الذي دعاهم وتعرض اعمالهم على الكتاب الذي يدعو اليه الرسول هل هي موافقة له ام لا؟ فينقسم بهذا قسمين؟ فمن اوتي كتابه بيمينه لكونه اتبع امامة الهادية الى صراط مستقيم. واهتدى بكتابه فكثرت حسناته وقلت سيئاته. فاولئك يقرؤون كتابهم قراءة سرور وبهجة على ما يرون فيها مما يفرحهم ويسرهم. ولا يظلمون فتيلا مما عملوه من الحسنات ومن كان في هذه الدنيا اما عن الحق فلم يقبله ولم ينقد له بل اتبع الضلال. فهو في الاخرة اعمى عن سلوك طريق الجنة. كما لم يسلكه في الدنيا واضل سبيلا فان الجزاء من جنس العمل. وكما تدين تدان. وفي هذه الاية دليل على ان كل امة الى دينها وكتابها. هل عملت به ام لا؟ وانهم لا يؤاخذون بشرع نبي لم يؤمروا باتباعه. وان الله لا يعذب احدا الا بعد قيام الحجة عليه ومخالفته لها. وان اهل الخير يعطون كتبهم بايمانهم ويحصل لهم من الفرح والسرور ولشيء عظيم وان اهل الشر بعكس ذلك وانهم لا يقدرون على قراءة كتبهم من شدة غمهم وحزنهم وثبورهم يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وحفظه له من اعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق فقال اي قد كادوا لك امرا لم يدركوه. وتحيلوا لك على ان تفتري على الله غير الذي انزلنا اليك. فتجيء بما يوافق اهواءهم وتدعو ما انزل الله اليك. واذا لو فعلت ما يهوون لاتخذوك خليلا. اي حبيبا صفيا. عز عليه من احبابهم لما جبلك الله عليه من مكارم الاخلاق ومحاسن الاداب المحببة للقريب والبعيد والصديق والعدو لكن لتعلم انهم لم يعادوك وينابذوك العداوة الا للحق الذي جئت به لا لذاتك. كما قال الله تعالى قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون. فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. ومع هذا لولا ان ثبتناك على الحق تننى عليك بعدم الاجابة لداعيهم. من كثرة المعالجة ومحبتك لهدايتهم اذا لو ركنت اليهم بما يهوون اي لاصبناك بعذاب مضاعف في الدنيا والاخرة وذلك لكمال في نعمة الله عليك وكمال معرفتك. ينقذك مما يحل بك من العذاب لكن الله تعالى عصمك من اسباب الشر ومن الشر. فثبتك وهداك الصراط المستقيم. ولم تركن اليهم بوجه من الوجوه. فله وعليك اتم نعمة وابلغ منحة لا يلبسون خلافك الا قليلا. سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا اي من بغضهم لمقامك بين اظهرهم. وقد كادوا ان يخرجوك من الارض ويجروك عنها ولو فعلوا ذلك لم يلبثوا بعدك الا قليلا. حتى تحل بهم العقوبة كما هي سنة الله التي لا تحول ولا تبدل في جميع الامم كل امة كذبت رسولها واخرجته عاجلها الله بالعقوبة. ولما مكر به الذين كفروا واخرجوه لم يلبثوا الا قليلا حتى اوقع الله بهم ببدر وقتل صناديدهم وفض بيضتهم فله الحمد. وفي هذه الايات دليل على شدة افتقار العبد الى تثبيت الله اياه. وانه لا يزال متملقا لربه. ان يثبته على الايمان. ساعيا في كل سبب موصل الى ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم وهو اكمل الخلق قال الله له ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا فكيف بغيره؟ وفيها تذكير الله لرسوله منته عليه وعصمته من الشر. فدل ذلك على ان الله يحب من عباده ان يتفطنوا لانعامه عليهم عند وجود اسباب الشر بالعصمة منه والثبات على الايمان. وفيها انه بحسب علو مرتبة العبد وتواتر النعم عليه من الله يعظم اثمه. ويتضاعف جرمه. اذا فعل ما يلام عليه. لان الله رسوله لو فعل وحاشاه من ذلك بقوله لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا وفيها ان الله اذا اراد اهلاك امة تضاعف جرمها وعظم وكبر في حق عليها القول من الله فيوقع بها العذاب كما هي سنته في الامم اذا اخرجوا رسولهم يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باقامة الصلاة عامة ظاهرا وباطنا في اوقاتها. لدلوك الشمس اي ميلانها الى الافق الغربي بعد الزوال. فيدخل في ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر الى غسق الليل اي ظلمته فدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء الفجر اي صلاة الفجر. وسميت قرآنا لمشروعية اطالة القراءة فيها. اطول من غيرها. ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله وملائكة الليل والنهار. ففي هذه الاية ذكر الاوقات الخمسة للصلوات المكتوبات. وان الصلوات الموقعة فيها فرائض لتخصيصها بالامر. ومنها ان الوقت شرط لصحة الصلاة. وانه سبب لوجوبها لان الله امر باقامتها لهذه الاوقات. وان الظهر والعصر يجمعان والمغرب والعشاء كذلك للعذر لان الله جمع وقتهما جميعا وفيه فضيلة صلاة الفجر وفضيلة اطالة القراءة فيها. وان القراءة فيها ركن. لان العبادة اذا سميت ببعض اجزائها دل على فرضية ذلك. وقوله ومن الليل فتهجد به اي صل به في سائر اوقاته نافلة لك اي لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر ورفع الدرجات بخلاف غيرك فانها تكون كفارة لسيئاته ثمن ان يكون المعنى ان الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين بخلاف صلاة الليل فانه فرض عليك بالخصوص على الله ان جعل وظيفتك اكثر من غيرك. وليكثر ثوابك. وتنال بذلك المقام المحمود. وهو المقام الذي يحمدك فيه الاولون والاخرون. مقام الشفاعة العظمى حين يتشفع الخلائق بادم. ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى وكلهم يعتذر ويتأخر عنها حتى يستشفعوا بسيد ولد ادم. ليرحمهم الله من هول الموقف وكربه فيشفع عند ربه فيشفعه ويقيمه مقاما يغبطه به الاولون والاخرون. وتكون له المنة على جميع الخلق. وقول وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك ايجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك وعلى مرضاتك. وذلك لتضمنها اخلاص وموافقتها الامر. اي حجة ظاهرة وبرهانا قاطعا على جميع مآتيه وما اذره. وهذا اعلى حالة ينزلها الله العبد ان تكون احواله كلها خيرا ومقربة له الى ربه وان يكون له على كل حال من احواله دليل ظاهر وذلك متضمن للعلم النافع والعمل الصالح للعلم بالمسائل والدلائل. وقوله والحق هو ما اوحاه الله الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فامره الله ان يقول ويعلن قد جاء الحق الذي الذي لا يقوم له شيء وزهق الباطل. اي اضمحل وتلاشى. ان الباطن كان زهوقا. اي هذا وصف الباطل ولكنه قد يكون له صولة ورواج اذا لم يقابله الحق. فعند مجيء الحق يضمحل الباطل فلا يبقى له حراك لهذا لا يروج الباطل الا في الازمان والامكنة الخالية من العلم بايات الله وبيناته. وقوله القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين. ولا يزيد الظالمين اي في القرآن مشتمل على الشفاء والرحمة. وليس ذلك لكل احد. وانما ذلك للمؤمنين به. المصدقين اياته العاملين بها. واما الظالمون بعدم التصديق به. او عدم العمل به. فلا تزيدهم اياته الا خسارا. اذ به تقوم عليهم الحجة. فالشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب من الشبه والجهالة. والاراء الفاسدة والانحراف السيء والقصود السيئة فانه مشتمل على العلم اليقين. الذي تزول به كل شبهة وجهالة. والوعظ والتذكير الذي يزول به كل شهوة تخالف امر الله ولشفاء الابدان من الامها واسقامها. واما الرحمة فان ما فيه من الاسباب والوسائل التي يحث عليها متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الابدية والثواب العاجل والاجل هذه طبيعة الانسان من حيث هو الا من هداه الله فان الانسان عند انعام الله عليه يفرح بالنعم ويبتر بها ويعرض وينأى بجانب عن ربه فلا يشكره ولا يذكره. واذا مسه الشر كالمرض ونحوه كان يؤوسا من الخير. قد قطع من ربه رجاءه وظن ان ما هو فيه دائم ابدا. واما من هداه الله فانه عند النعم يخضع لربه ويشكر نعمته وعند الضراء يتضرع ويرجو من الله عافيته. وازالة ما يقع فيه وبذلك يخف عليه البلاء اي قل كل من الناس يعمل على اي على ما يليق به من الاحوال. ان كانوا من الصفوة الابرار لم يشاكلهم الا عملهم لرب العالمين. ومن كانوا من غير من المخذولين لم يناسبهم الا العمل للمخلوقين. ولم يوافقهم الا ما وافق اغراضهم. فربكم اعلم بمن هو فيعلم من يصلح للهداية فيهديه ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه وهذا متضمن من يسأل المسائل التي يقصد بها التعنت والتعجيز ويدع السؤال عن المهم فيسألون عن الروح التي هي من الامور الخفية التي لا وصفها وكيفيتها كل احد. وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج اليه العباد. ولهذا امر الله رسوله ان يجيب سؤالهم بقوله قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا. اي من جملة مخلوقاته التي امرها ان تكون فكانت فليس في السؤال عنها كبير فائدة مع عدم علمكم بغيرها. وفي هذه الاية دليل على ان المسؤول فاذا سئل عن امر الاولى به ان يعرض عن اجابة السائل عما سأل عنه. ويدله على ما يحتاج اليه ويرشده الى ما ينفعه الا رحمة من ربك ان فضله كان عليك كبيرا. يخبر تعالى ان القرآن والوحي الذي اوحى الى رسوله رحمة منه عليه وعلى عباده. وهو اكبر النعم على الاطلاق على رسوله. فان فضل الله عليه كبير لا يقادر قدره فالذي تفضل به عليك قادر على ان يذهب به ثم لا تجد رادا يرده ولا وكيلا يتوجه عند الله فيه تغتبط به ولتقر به عينك. ولا يحزنك تكذيب المكذبين. ولا استهزاء الضالين. فانهم عرضت عليهم اجل النعم فردوها لهوانهم على الله وخذلانه لهم بمثل هذا القرآن. لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض وهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على صحة ما جاء به الرسول وصدقه. حيث تحدى الله والانس والجن ان يأتوا بمثله. واخبر انهم لا يأتون بمثله. ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه. ووقع كما اخبر الله فان دواعي اعدائه المكذبين به. متوفرة على رد ما جاء به. باي وجه كان. وهم اهل اللسان والفصاحة. فلو كان عندهم ادنى تمكن من ذلك لفعلوه. فعلم بذلك انهم اذعنوا غاية الاذعان. طوعا وكرها وعجزوا عن معارضته وكيف يقدر المخلوق من تراب؟ الناقص من جميع الوجوه الذي ليس له علم ولا قدرة ولا ارادة ولا مشيئة ولا كمال ولا كلام الا من ربه ان يعارض كلام رب الارض والسماوات. المطلع على سائر الخفيات الذي له الكمال المطلق الحمد المطلق والمجد العظيم. الذي لو ان البحر يمده من بعده سبعة ابحر مدادا. والاشجار كلها اقلام. لنفد وفنيت الاقلام ولم تنفد كلمات الله. فكما انه ليس احد من المخلوقين مماثلا لله في اوصافه. فكلام من اوصافه التي لا يماثله فيها احد. فليس كمثله شيء في ذاته واسمائه وصفاته. وافعاله تبارك وتعالى فتبا لمن اشتبه عليه كلام الخالق لكلام المخلوق. وزعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم افتراه على الله واختلقه من نفسه ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن الا كفورا. وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض انبوعا. او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار. فتفجر او تأتي بالله والملائكة طبيلا او يكون لك بيت ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل ولن نؤمن لرضيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه. قل سبحان ربي قل سبحان ربي يقول تعالى اي نوعنا فيه المواعظ والامثال. وثنينا فيه المعاني التي يضطر اليها العباد. لاجل ان يتذكروا ويتقوا. فلم يتذكر الا القليل منهم الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة. واعانهم الله بتوفيقه. واما اكثر الناس فابوا الا كفورا لهذه في النعمة التي هي اكبر من جميع النعم. وجعلوا يتعنتون عليه باقتراح ايات غير اياته. يخترعونها من تلقاء انفسهم كلمة الجاهلة فيقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان واية. وقال اي انهارا جارية او تكون لك من نخيل وعنب فتستغني بها عن المشي في الاسواق والذهاب والمجيء. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا اي قطعا من العذاب اي جميعا او مقابلة ومعاينة يشهدون لك بما جئت به. او يكون لك بيت من زخرف اي مزخرف بالذهب وغيره. او ترقى في السماء حسيا ومع هذا لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه. ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات وكلام اسفه الناس واظلمهم المتضمنة لرد الحق وسوء ادب مع الله. وان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بالايات امره الله ان ينزهه فقال قل سبحان ربي عما تقولون علوا كبيرا. وسبحانه ان تكون احكامه واياته تابعة لاهوائهم الفاسدة ارائهم الضالة هل كنت الا بشرا رسولا؟ ليس بيده شيء من الامر وهذا السبب الذي منع اكثر الناس من الايمان حيث كانت الرسل التي ترسل اليهم من جنسهم بشرا. وهذا من رحمته بهم ان ارسل اليهم بشرا منهم فانهم لا يطيقون التلقي من الملائكة اننا نزلنا عليهم لنزلنا عليهم من السماء ملك قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين. يثبتون على رؤية الملائكة والتلقي عنهم ليمكنهم التلقي عنه شهيدا بيني وبينكم انه كان بعباده خبيرا بصيرا. فمن شهادة لرسوله ما ايده به من المعجزات. وما انزله عليه من الايات. ونصره على من عاداه وناوأه. فلو تقول عليه بعض اقاويل لاخذ منه باليمين ثم لقطع منه الوتين فانه خبير بصير لا تخفى عليه من احوال العباد خافية مأواهم جهنم مأواهم جهنم كلما خلقوا سعيرا. يخبر تعالى انه المنفرد بالهداية والاضلال. فمن يهده فيسره لليسرى العسر فهو المهتدي على الحقيقة. ومن يضلله فيخذله. ويكله الى نفسه. فلا هادي له من دون الله. وليس له ولي ينصره من عذاب الله حين يحشرهم الله على وجوههم خزيا عميا وبكما لا يبصرون ولا ينطقون وصم من لا يسمعون مأواهم اي مقرهم ودارهم. جهنم التي جمعت كل هم وغم وعذاب. كلما خبت اي تهيأت للانطفاء اه زدناهم سعيرا. اي شعرناها بهم لا يفتر عنهم العذاب ولا يقضى عليهم فيموتوا. ولا يخفف عنهم من عذابها ولم يظلمهم الله تعالى. ذلك جزاؤهم بانهم كفروا باياتنا قالوا وقالوا ائذا كنا عظاما ورفعة بل جزاهم بما كفروا باياته وانكروا البعث الذي اخبرت به الرسل ونطقت به الكتب وعجزوا ربهم انكروا تمام قدرته خلقا جديدا. اي لا يكون هذا. لانه في غاية البعد عن عقولهم الفاسدة. اولم يروا ان الله طه الذي خلق السماوات والارض قادر على ان يخلق مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه فابى الظالمون الا كفورا. او لم يروا ان الله الذي خلق السماوات والارض وهي اكبر من خلق الناس قادر على ان يخلق مثلهم. بلى انه على ذلك قدير. ولكنه قد جعل لهم اجلا لا ريب فيه ولا شك والا فلو شاء لجاءهم به بغتة. ومع اقامته الحجج والادلة على البعث ظلما منهم وافتراء قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربي التي لا تنفد ولا تبيد. اذا لامسكتم خشية الانفاق اي خشية ان ينفذ اتنفقون منه مع انه من المحال ان تنفد خزائن الله. ولكن الانسان مطبوع على الشح والبخل اي لست ايها الرسول المؤيد بالايات اول رسول كذبه الناس فلقد ارسلنا قبلك موسى ابن عمران الكليم الى فرعون وقومه واتيناه تسع ايات بينات كل واحدة منها تكفي لمن قصده اتباع الحق كالحية والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم واليد وفلق البحر فان شككت في شيء من ذلك فاسأل بني اسرائيل اذ جاءهم فقال له فرعون مع هذه الايات قال لقد علمت ما انزل هؤلاء قال له موسى لقد علمت يا فرعون ما انزل هؤلاء الايات الا رب السماوات والارض بصائر منه عباده فليس قولك هذا بالحقيقة وانما قلت ذلك ترويجا على قومك واستخفافا لهم اي ممقوتا ملقى في العذاب لك الويل والذم واللعنة فاراد فرعون ان يستفزهم من الارض اي يجليهم ويخرجهم منها. واورثنا بني اسرائيل ارضهم وديارهم. ولهذا قال وقلنا من بعده لبني اسرائيل اسكنوا الارض. فاذا جاء وعد اي جميعا ليجازى كل عامل بعمله اي وبالحق انزلنا هذا القرآن الكريم لامر العباد ونهيهم وثوابهم وعقابهم. وبالحق نزل اي بالصدق والعدل والحفظ من كل شيطان رجيم ما ارسلناك الا مبشرا من اطاع الله بالثواب العاجل والاجل. ونذيرا لمن عصى الله بالعقاب العاجل والاجل. ويلزم من ذلك بيان ما يبشر به وينذر نزلناه تنزيلا. ايوة انزلنا هذا القرآن مفرقا. فارقا بين الهدى والضلال. والحق والباطل اي على مهل ليتدبروه فكروا في معانيه ويستخرجوا علومه. اي شيئا فشيئا مفرقا في ثلاث وعشرين سنة ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فاذا تبين انه الحق الذي لا شك فيه ولا ريب بوجه من قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى قل لمن كذب به واعرض عنه امنوا به او لا تؤمنوا. فليس لله حاجة فيكم ولستم بضاريه شيئا وانما ضرر ذلكم عليكم فان لله عبادا غيركم وهم الذين اتاهم الله العلم النافع ان يتأثرون به غاية التأثر ويخضعون له ويقولون سبحان ربنا عما لا يليق بجلاله مما نسبه اليه المشركون يكون ان كان وعد ربنا بالبعث والجزاء بالاعمال لمفعول اولى لا خلف فيه ولا شك ويخرون للاذقان اي على وجوههم يبكون ويزيدهم القرآن خشوعا هؤلاء كالذين من الله عليهم من مؤمني اهل الكتاب كعبد الله ابن سلام وغيره ممن امن في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وبتغيير يقول تعالى لعباده ادعوا الله او ادعوا الرحمن اي ايهما شئتم ايا ما تدعوا فله اسماء حسنى اي ليس له اسم غير حسن. حتى ينهى عن دعائه به. اي اسم دعوتموه به حصل به المقصود. والذي ينبغي ان في كل مطلوب مما يناسب ذلك الاسم. ولا تجهر بصلاتك اي قراءتك ولا تخافت بها. فان في كل من الامرين اما الجهر فان المشركين المكذبين به اذا سمعوه سبوه وسبوا من جاء به. واما المخافة فانه لا يحصل المقصود لمن اراد استماعه مع الاخفاء. وابتغي بين ذلك ان يتخذ بين الجهر والاخفاء سبيلا. اي تتوسط فيما بينهما وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك تكبيرا وقل الحمد لله الذي له الكمال والثناء والحمد والمجد من جميع الوجوه المنزه عن كل لافة ونقص الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك. بل الملك كله لله الواحد القهار. فالعالم العلوي والسفلي كلهم مملوكون لله. ليس لاحد من الملك شيء. ولم يكن له ولي من الذل. اي لا يتولى احدا من خلقه. ليتعزز به ويعاونه فانه الغني الحميد الذي لا يحتاج الى احد من المخلوقات في الارض ولا في السماوات ولكنه يتخذ احسانا منه اليهم ورحمة بهم. الله ولي الذين امنوا. يخرجهم من الظلمات الى النور. وكبره تكبيرا اي عظمه واجله بالاخبار باوصافه العظيمة وبالثناء عليه باسمائه الحسنى وبتحميده بافعاله المقدسة وبتعظيم واجلاله بعبادته وحده لا شريك له واخلاص الدين كله له بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا الحمد لله هو الثناء عليه بصفاته. التي هي كلها صفات كمال وبنعمه الظاهرة والباطنة. الدينية والدنيوية جل نعمه على الاطلاق انزاله الكتاب العظيم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فحمد نفسه وفي ضمنه ارشاد العباد احمدوه على ارسال الرسول اليهم وانزال الكتاب عليهم. ثم وصف هذا الكتاب بوصفين مشتملين على انه الكامل من جميع الوجوه. وهما للعوج عنه واثبات انه قيم مستقيم. فنفي العوج يقتضي انه ليس في اخباره كذب ولا في اوامره ونواهيه ظلم ولا عبث واثبات الاستقامة يقتضي انه لا يخبر ولا يأمر الا باجل الاخبارات. وهي الاخبار التي تملأ القلوب معرفة وايمانا وعقلا. كالاخبار باسماء الله وصفاته وافعاله. ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة. وان اوامره ونواهيه تزكي النفوس. وتطهرها وتنميها وتكملها لاشتمالها على كمال العدل والقسط والاخلاص. والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له. وحقيق بكتاب موصوف بما ذكر. ان يحمد الله نفسه على انزاله وان يتمدح الى عباده به. وقوله قيما لينذر بأسا شديدا وبأسا شديدا من لدنه اي لينذر بهذا القرآن الكريم عقابه الذي عنده. اي قدره وقضاه على من خالف امره. وهذا يشمل عقاب الدنيا وعقاب الاخرة وهذا ايضا من نعمه ان خوف عباده وانذرهم ما يضرهم ويهلكهم. كما قال تعالى لما ذكر في هذا القرآن وصف النار قال ذلك يخوف الله به عباده. يا عبادي فاتقون. فمن رحمته بعباده ان قيد العقوبات الغليظة على من خالف امره. وبينها لهم وبين لهم الاسباب الموصلة اليها. ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا حسنا. اي وانزل الله على عبده الكتاب يبشر المؤمنين به وبرسله وكتبه. الذين كمل ايمانهم فاوجب لهم عمل الصالحات. وهي الاعمال الصالحة من واجب ومستحب. التي جمعت الاخلاص والمتابعة ان لهم اجرا حسنا. وهو الثواب الذي رتبه الله على الايمان والعمل الصالح. واعظمه واجله. الفوز برضا الله ودخول الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي وصفه بالحسن دلالة على انه لا مكدر فيه ولا بوجه من الوجوه اذ لو وجد فيه شيء من ذلك لم يكن حسنه تاما. ومع ذلك فهذا الاجر الحسن لا يزول عنهم ولا يزولون عنه. بل نعيمهم في كل وقت متزايد. وفي ذكر التبشير ما يقتضي ذكر الاعمال الموجبة للمبشر به. وهو ان هذا القرآن قد اشتمل على كل عمل صالح. موصل لما تستبشر به النفوس وتفرح به الارواح كبرت كلمة ان تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا. وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا من اليهود والنصارى مشركين الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة. فانهم لم يقولوها عن علم ولا يقين. لا علم منهم ولا علم من ابائهم الذين قلدوهم واتبعوا بل ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس. اي عظمت شناعتها واشتدت واي شناعة اعظم من وصفه بالاتخاذ للولد الذي يقتضي نقصه ومشاركة غيره له في خصائص الربوبية والالهية والكذب عليه فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. ولهذا قال هنا اي كذبا محضن ما فيه من الصدق شيء وتأمل كيف ابطل هذا القول بالتدريج والانتقال من شيء الى ابطل منه فاخبر اولا انه ما لهم به من علم ولا لابائهم. والقول على الله بلا علم لا شك في منعه وبطلانه. ثم اخبر ثانيا انه قول قبيح شنيع فقال كبرت كلمة تخرج من افواههم ثم ذكر ثالثا مرتبته من القبح وهو الكذب المنافي للصدق ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق ساعيا في ذلك اعظم السعي فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسر بهداية المهتدين. ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين. شفقة منه صلى الله عليه وسلم عليهم ورحمة بهم الله الا يشغل نفسه بالاسف على هؤلاء. الذين لا يؤمنون بهذا القرآن. كما قال في الاية الاخرى لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين وقال فلا تذهب نفسك عليهم حسرات. وهنا قال فلعلك باخع نفسك. اي مهلكها غما واسفا عليهم. وذلك ان اجرك قد وجب على الله. وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم. ولكنه علم انهم لا يصلحون الا للنار. فلذلك خذلهم فلم يهتدوا اشغالك نفسك غما واسفا عليهم ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الاية ونحوها عبرة فان المأمور بدعاء الخلق الى الله عليه التبليغ السعي بكل سبب يوصل الى الهداية. وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه. مع التوكل على الله في ذلك. فان اهتدوا فبها ونعمت والا فلا يحزن ولا يأسف فان ذلك مضعف للنفس. هادم للقوى. ليس له فيه فائدة. بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه اليه. وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته. واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له انك لا تهدي من احببت. وموسى عليه السلام يقول ربي اني لا املك الا نفسي واخي فمن عاداهم من باب اولى واحرى. قال الله تعالى فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم نحسن عملا. وانا يخبر تعالى انه جعل جميع ما على وجه الارض من مآكل لذيذة ومساكن طيبة واشجار وانهار وزروع وثمار ومناظر بهيجة ورياض انيقة واصوات شجية وصور مليحة وذهب وفضة وخيل وابل ونحوها. الجميع جعله الله زينة لهذه الدار. فتنة واختبارا لنبلوهم ايهم احسن عملا. اي اخلصهم هو اسوان له. ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات فانية مضمحلة وزائلة منقضية. وستعود الارض صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها وانقطعت انهارها واندرست اثارها وزال نعيمها. هذه حقيقة الدنيا قد جلاها الله لنا كانها رأي عين. وحذرنا من الاغترار بها ورغبنا في دار يدوم نعيمها. ويسعد مقيمها. كل ذلك رحمة بنا. فاغتر بزخرف الدنيا وزينتها من نظر الى ظاهر الدنيا دون باطنها فصاحبوا الدنيا صحبة البهائم. وتمتعوا بها تمتع السوائم. لا ينظرون في حق ربهم. ولا يهتمون لمعرفته. بل همهم تناول الشهوات من اي وجه حصلت؟ وعلى اي حالة اتفقت فهؤلاء اذا حضر احدهم الموت قلق لخراب ذاته وفوات لذاته لا لما قدمت يداه من التفريط والسيئات. واما من نظر الى باطن الدنيا وعلم المقصود منها ومنه. فانه تناول منها ما يستعين به على ما خلق له وانتهز الفرصة في عمره الشريف فجعل الدنيا منزل عبور لا محل حبور وشقة سفر لا منزل اقامة فبذل جهده في معرفة ربه وتنفيذ اوامره واحسان العمل. فهذا باحسن المنازل عند الله. وهو حقيقة منهم بكل كرامة ونعيم وسرور وتكريم نظر الى باطن الدنيا حين نظر المغتر الى ظاهرها وعمل لاخرته حين عمل البطال لدنياه فشتان ما بين الفريقين وما ابعد فرق بين الطائفتين وهذا الاستفهام بمعنى النفي والنهي اي لا تظن ان قصة اصحاب الكهف وما جرى لهم غريبة على ايات الله وبديعة في حكمته. وانه لا نظير لها ولا مجانس لها. بل الله تعالى من الايات العجيبة الغريبة ما هو كثير. من جنس اياته في اصحاب الكهف واعظم منها. فلم يزل الله يري عباده من الايات في الافاق وفي ما يتبين به الحق من الباطل والهدى من الضلال. وليس المراد بهذا النفي عن ان تكون قصة اصحاب الكهف من العجائب. بل هي من ايات الله العجيبة وانما المراد ان جنسها كثير جدا. فالوقوف معها وحدها في مقام العجب والاستغراب. نقص في العلم والعقل. بل وظيفة المؤمن ان التفكر بجميع ايات الله التي دعا الله العباد الى التفكر فيها فانها مفتاح الايمان. وطريق العلم والايقان واضافهم الى الكهف الذي هو الغار في الجبل والرقيم اي الكتاب الذي قد رقمت فيه اسماؤهم وقصتهم لملازمتهم له دهرا طويلا. ثم ذكر قصتهم مجملة وفصلها بعد ذلك فقالوا ربنا اتنا من لدن اذ اوى الفتية اي الشباب الى الكهف يريدون بذلك التحصن تحرزا من فتنة قومهم لهم. فقالوا ربنا اتنا من لدنك رحمة. اي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر. وتوفقنا للخير. وهيئ انا من امرنا رشدا. ان يسر لنا كل سبب موصل الى الرشد. واصلح لنا امر ديننا ودنيانا. فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة الى محل يمكن الاستخفاء فيه وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير امورهم. وعدم اتكالهم على انفسهم وعلى الخلق. فلذلك استجاب الله دعاءهم وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم قال فمرمنا على اذانهم في الكهف اي انمناهم سنين عددا. وهي ثلاثمئة سنة وتسع سنين. وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف وحفظ لهم من قومهم وليكون اية بينة ثم بعثناهم اي من نومهم لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا. اي لنعلم ايهم احصى لمقدار مدتهم كما قال الله تعالى وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم. وفي العلم بمقدار لبسهم ضبط للحساب ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته. فلو استمروا على نومهم لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم عليك نبأهم بالحق انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى. هذا شروع في تفصيل قصتهم. وان الله يقصها على نبيه بالحق والصدق. الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه. انهم فتية امنوا وهذا من جموع القلة يدل ذلك على انهم دون العشرة. امنوا بالله وحده لا شريك له من دون قومهم. فشكر الله لهم ايمانهم فزادهم هدى اي بسبب اصل اهتدائهم الى الايمان. زادهم الله من الهدى الذي هو العلم النافع. والعمل الصالح. كما قال الله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى. وربطنا على قلوبهم اذ قاموا فقالوا ربنا لقد قلنا وربطنا على قلوبهم اي صبرناهم وثبتناهم. وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة. وهذا من لطفه تعالى بهم وبره ان وفقهم للايمان والهدى والصبر والثبات والطمأنينة. اذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض اي الذي خلقنا ورزقنا ودبرنا كان هو خالق السماوات والارض. المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة. لا تلك الاوثان والاصنام التي لا تخلق ولا ترزق. ولا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الالهية. ولهذا قالوا لن ندعو من دونه الها. اي المخلوقات. لقد قلنا اذا اي ان دعونا معه الهة بعدما علمنا انه الاله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة الاله شططا. اي ميلا عظيما عن الحق. وطريقا بعيدة عن الصواب. فجمعوا بين الاقرار بتوحيد الربوبية وتوحيد الالهية والتزام ذلك. وبيان انه الحق وما سواه باطل. وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم قيادة الهدى من الله لهم فمن اظلم ممن افترى على الله كذب لما ذكروا ما من الله به عليهم من الايمان والهدى. التفتوا الى ما كان عليه قومهم من اتخاذ الالهة من دون الله فمقتوهم وبينوا انهم ليسوا على يقين من امرهم بل هم في غاية الجهل والضلال فقالوا اي بحجة وبرهان على ما هم عليه من الباطل. ولا يستطيعون سبيلا الى ذلك. وانما ذلك افتراء منهم على الله وكذبه عليه وهذا اعظم الظلم. ولهذا قال الا الله من رحمته ويهيئ لكم من امركن مرفقا. اي قال بعضهم لبعض اذ حصل لكم اعتزال قومكم في اجسامكم واديانكم فلم يبق الا النجاة من شرهم والتسبب بالاسباب المفضية لذلك لانهم لا سبيل لهم الى قتالهم ولا بين اظهرهم وهم على غير دينهم. فاووا الى الكهف اي انضموا اليه واختفوا فيه ويهيئ لكم من امركم مرفقا. وفيما تقدم اخبر انهم دعوه بقولهم ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشدا. فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم والالتجاء الى الله في صلاح امرهم. ودعاء بذلك وبين الثقة بالله انه سيفعل ذلك. لا جرم ان الله نشر لهم من رحمته وهيأ لهم من امرهم مرفقا. حفظ اديانهم وابدانهم وجعلهم من اياته على خلقه ونشر لهم من الثناء الحسن ما هو من رحمته بهم ويسر لهم كل سبب حتى المحل الذي ناموا فيه كان على غاية ما يمكن من الصيانة. ولهذا قال ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. اي حفظهم الله من الشمس في سر لهم غارا اذا طلعت الشمس تميل عنه يمينا. وعند غروبه تميل عنه شمالا. فلا ينالهم حرها فتفسد ابدانهم بها وهم في فجوة منه اي من الكهف اي مكان متسع. وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم. ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق. خصوصا صنع طول المكث وذلك من ايات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم. واجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الامور. ولهذا قال اي لا سبيل الى نيل الهداية الا من الله. فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين اي لا تجد من يتولاه ويدبره على ما فيه صلاحه ولا الى الخير والفلاح. لان الله قد حكم عليه بالضلال. ولا راد لحكمه لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا تحسبهم ايقاظا وهم رقود اي تحسبهم ايها الناظر اليهم كانهم ايقاظ. والحال انهم نيام. قال المفسرون وذلك لان اعينهم لان لا تفسد فالناظر اليهم يحسبهم ايقاظا وهم رقود. ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وهذا ايضا من حفظه لابدانه لان الارض من طبيعتها اكل الاجسام المتصلة بها. فكان من قدر الله ان قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا بقدر ما لا تفسد الارض اجسامهم والله تعالى قادر على حفظهم من الارض من غير تقليب ولكنه تعالى حكيم اراد ان تجري سنته في الكون ويربط الاسباب فبمسبباتها اي الكلب الذي كان مع اصحاب الكهف اصابه ما اصابهم من النوم وقت حراسته. فكان باسطا لراعيه بالوصيد اي الباب او فنائه. هذا حفظهم من الارض. واما حفظهم من الادميين فاخبر انه حماهم بالرعب الذي نشره الله عليهم. فلو اطلع عليهم احد لامتلأ قلبه رعبا وولى منهم فرارا وهذا الذي اوجب ان يبقوا كل هذه المدة الطويلة وهم لم يعثر عليهم احد مع قربهم من المدينة جدة والدليل على قربهم انهم لما استيقظوا ارسلوا احدهم يشتري لهم طعاما من المدينة وبقوا في انتظاره. فدل ذلك على شدة قربهم منها قائل منهم كم لبثتم. قالوا فلينظر ايها ازكى طعاما فليأت ولا يشعرن بكم احدا او يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا اذا ابدا يقول تعالى وكذلك بعثناهم اي من نومهم الطويل ليتساءلوا بينهم اي ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبسهم قال قائل منهم كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوما او بعض يوم. وهذا مبني على ظن القائل. وكانهم وقع عندهم اشتباه في طول مدتهم فلهذا فرد العلم الى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلا لعل الله تعالى بعد ذلك اطلعهم على مدة لبسهم لانه بعثهم ليتساءلوا بينهم واخبر انهم تساءلوا وتكلموا بمبلغ ما عندهم وصار اخر امرهم الاشتباه فلابد ان يكون قد اخبرهم يقينا علمنا ذلك من حكمته في بعثهم. وانه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته من طلب علم الحقيقة في الامور المطلوب علمها. وسعى لذلك ما امكنه فان الله يوضح له ذلك. وبما ذكر فيما بعده من قوله. وكذلك عليهم ليعلموا ان وعد الله حق. وان الساعة لا ريب فيها. فلولا انه حصل العلم بحالهم لم يكونوا دليلا على ما ذكر. ثم انهم اما تساءل بينهم وجرى منهم ما اخبر الله به ارسلوا احدهم بورقهم اي بالدراهم التي كانت معهم ليشتري لهم طعاما يأكلونه من من المدينة التي خرجوا منها وامروه ان يتخير من الطعام ازكاه. اي اطيبه والذه. وان يتلطف في ذهابه وشرائه وايابه. وان يختفي في ذلك ويخفي حال اخوانه ولا يشعرن بهم احدا. وذكروا المحظور من اطلاع غيرهم عليهم. وظهورهم عليهم انهم بين امرين اما الرجم بالحجارة فيقتلونهم اشنع قتله لحنقهم عليهم وعلى دينهم واما ان يفتنوهم عن دينهم ويردوهم في ملتهم. وفي هذه الحال لا يفلحون ابدا. بل يخسرون في دينهم ودنياهم واخراهم. وقد دلت هاتان الايتان على عدة فوائد. منها الحث على العلم وعلى المباحثة فيه لكون الله بعثهم لاجل ذلك. ومنها الادب في من اشتبه عليه العلم ان يرده الى عالمه. وان يقف عند حده ومنها صحة الوكالة في البيع والشراء وصحة الشركة في ذلك. ومنها جواز اكل الطيبات والمطاعم اللذيذة. اذا لم تخرج الى حد الاسراف المنهي عنه لقوله فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه. وخصوصا اذا كان الانسان لا يلائمه الا ذلك. ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين القائلين بان هؤلاء اولاد ملوك. لكونهم امروهم بازكى الاطعمة التي جرت عادة الاغنياء الكبار بتناولها. ومنها الحث على التحرز والاستخفاء والبعد عن مواقع الفتن في الدين واستعمال الكتمان في ذلك على الانسان وعلى اخوانه في الدين. ومنها شدة هؤلاء الفتية في الدين وفرارهم من كل فتنة في دينهم. وتركهم اوطانهم في الله. ومنها ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه. وان هذه الطريقة هي طريقة المؤمنين والمتقدمين والمتأخرين. لقولهم ولن تفلحوا اذا ابدا وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا ريب قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم يخبر الله تعالى انه اطلع الناس على حال اهل الكهف وذلك والله اعلم بعدما استيقظوا وبعثوا احدهم يشتري لهم طعاما وامروهم بالاستخفاء والاخفاء. فاراد الله امرا فيه صلاح للناس وزيادة اجر لهم. وهو ان الناس رأوا منهم اية من من ايات الله المشاهدة بالعيان على ان وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد. بعدما كانوا يتنازعون بينهم امرهم. فمن مثبت للوعد جزاء ومن ناف لذلك. فجعل قصتهم زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين. وحجة على الجاحدين. وصار لهم اجر هذه القضية. وشهر الله امرهم ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا الله اعلم بحالهم ومآلهم. وقال من غلب على امرهم وهم الذين لهم الامر لنتخذن عليهم مسجدا. اي نعبد الله تعالى فيه. ونتذكر به من احوالهم وما جرى لهم. وهذه الحالة محظورة نهى عنها النبي صلى الله الله عليه وسلم وذم فاعليها ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها. فان السياق في شأن تعظيم اهل الكهف والثناء عليهم. وان هؤلاء وصلت بهم الى ان قالوا ابنوا عليهم مسجدا بعد خوف اهل الكهف الشديد من قومهم وحذرهم من الاطلاع عليهم. فوصلت الحال الى ما ترى. وفي هذه القصة دليل على ان من فر بدينه من الفتن سلمه الله منها وان من حرص على العافية عافاه الله ومن اوى الى الله اواه الله وجعله هداية لغيره. ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته. كان اخر امره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب. وما عند الله خير للابرار ويقولون سبعة والثامنهم كلبهم فلا تماري فيهم الا مرارا يخبر تعالى عن اختلاف اهل الكتاب في عدة اصحاب الكهف اختلافا صادرا عن رجمهم بالغيب وتقولهم بما لا يعلمون. وانهم فيهم على ثلاثة اقوال. منهم من يقول ثلاثة. رابعهم كلبهم. ومنهم من يقول خمسة سادسهم كلبهم وهذان القولان ذكر الله بعدهما ان هذا رجل منهم بالغيب فدل على بطلانهما ومنهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم. وهذا والله اعلم. الصواب. لان الله ابطل الاولين ولم يبطله. فدل على صحته. وهذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته ولا يحصل بمعرفة عدده مصلحة للناس. دينية ولا دنيوية. ولهذا قال تعالى وهم الذين اصابوا الصواب وعلموا اصابتهم. فلا تمالي اي تجادل وتحاج فيهم الا مراءا ظاهرا. اي مبنيا على العلم واليقين. ويكون ايضا فيه فائدة. واما المماراة المبنية على الجهل بالغيب او التي لا فائدة فيها. اما ان يكون الخصم معاندا او تكون المسألة لا اهمية فيها ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها كعدد اصحاب الكهف ونحو ذلك. فان في كثرة المناقشات فيها والبحوث المتسلسلة تضييعا للزمان وتأثيرا في مودة القلوب بغير فائدة ولا تستفتي فيهم اي في شأن اهل الكهف منهم اي من اهل الكتاب احدا. وذلك لان مبنى كلامهم فيهم على الرجم بالغيب والظن الذي لا يغني من الحق شيئا. ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى. اما لقصوره في الامر المستفتى فيه. او لكونه لا يبالي بما تكلم به وليس عنده ورع يحجزه. واذا نهي عن استفتاء هذا الجنس فنهيه هو عن الفتوى من باب اولى واحرى. وفي الاية ايضا على ان الشخص قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء دون اخر. فيستفتى فيما هو اهل له بخلاف غيره. لان الله لم ينهى عن استفتائهم مطلقا انما نهى عن استفتائهم في قصة اصحاب الكهف وما اشبهها الله واذكروا الله انك اذا نسيت وقل عسى ان يهديني ربي لاقرب من هذا رشدا. وقل هذا النهي كغيره وان كان لسبب خاص وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم فان الخطاب عام للمكلفين. فنهى الله ان يقول العبد في اموره المستقبلة اني فاعل ذلك من دون ان يقرنه الله وذلك لما فيه من المحذور. وهو الكلام على الغيب المستقبل الذي لا يدري هل يفعله ام لا؟ وهل يكون ام لا؟ وفيه رد الفعل الى مشيئة في العد استقلالا وذلك محظور محظور. لان المشيئة كلها لله وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين. ولما في ذكر مشيئة الله من تيسير الامن وتسهيله وحصول البركة فيه. والاستعانة من العبد لربه. ولما كان العبد بشرا لابد ان يسهو فيترك ذكرى المشيئة. امره الله ان استثني بعد ذلك اذا ذكر ليحصل المطلوب ويندفع المحظور ويؤخذ من عموم قوله واذكر ربك اذا نسيت الامر بذكر الله عند فانه يزيله ويذكر العبد ما سهى عنه. وكذلك يؤمر الساهي الناس لذكر الله ان يذكر ربه ولا يكونن من الغافلين. ولما كان العبد مفتقرا الى الله في توفيقه للاصابة وعدم الخطأ في اقواله وافعاله امره الله ان يقول فامره ان يدعو الله ويرجوه ويثق به ان يهديه لاقرب الطرق الموصلة الى وحري بعبد تكون هذه حاله. ثم يبذل جهده ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد. ان يوفق لذلك وان تأتيه المعونة من وان يسدده في جميع اموره ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه احدا لما نهاه الله عن استفتاء اهل الكتاب في شأن اهل الكهف لعدم علمهم بذلك وكان الله عالم الغيب والشهادة العالم بكل شيء اخبرهم وبمدة لبثهم وان علم ذلك عنده وحده فانه من غيب السماوات والارض وغيبها مختص به فما اخبر به عنها على السنة رسله فهو الحق حق اليقين الذي لا يشك فيه وما لا يطلع رسله عليه فان احدا من الخلق لا يعلمه. وقوله اوصل به واسمع تعجب من كمال سمعه وبصره. واحاطتهما بالمسموعات والمبصرات. بعدما اخبر باحاطة علمه بالمعلومات. ثم اخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون. الولي لعباده المؤمنين يخرجهم من الظلمات الى النور. وييسرهم لليسرى جنبهم العسر ولهذا قال ما لهم من دونه من ولي اي هو الذي تولى اصحاب الكهف بلطفه وكرمه ولم يكلهم الى احد من الخلق وهذا يشمل الحكم الكوني القدري والحكم الشرعي الديني. فانه الحاكم في خلقه قضاء وقدرا وخلقا وتدبيرا. والحاكم فيهم بامره ونهيه وثوابه وعقابه. ولما اخبر انه تعالى له غيب السماوات والارض فليس لمخلوق اليها طريق الا من الطريق التي يخبر بها عباده. وكان هذا القرآن قد اشتمل على كثير من الغيوب. امر تعالى بالاقبال عليه فقال التلاوة هي الاتباع اي اتبع ما اوحى الله اليه بمعرفة معانيه وفهمها وتصديق اخباره وامتثال اوامره ونواهيه. فانه الكتاب الجليل الذي لا مبدل لكلماته. اي لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها وبلوغها من الحسن فوق كل غاية. وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. فلتمامها استحال عليها التغيير والتبديل فلو كانت ناقصة لعرض لها ذلك او شيء منه. وفي هذا تعظيم للقرآن في ضمنه الترغيب على الاقبال عليه من دونه ملتحدا. اي لن تجد من دون ربك ملجأ تلجأ اليه. ولا معاذا تعوذ به. فاذا تعين انه وحده الملجأ في كل الامور تعين ان يكون هو المألوه المعبود المرغوب اليه. في السراء والضراء المفتقر اليه في جميع الاحوال. المسؤولة في جميع المطالب واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه فلا تعدوا عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. ولا تطع من اغفلنا يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وغيره اسوته في الاوامر والنواهي ان يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين. الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. اي في النهار واخره يريدون بذلك وجه الله. فوصفهم بالعبادة والاخلاص فيها. ففيها الامر بصحبة الاخيار ومجاهدة النفس على صحبتهم خالطتهم وان كانوا فقراء فان في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى الحياة الدنيا. ولا تعد عيناك عنهم اي لا تجاوزهم بصرك. وترفع عنهم نظرك. تريد زينة الحياة الدنيا. فان هذا ضار غير نافع قاطع عن المصالح الدينية. فان ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا. فتصير الافكار والهواجس فيها. وتزول من القلب الرغبة في الاخرة فان زينة الدنيا تروق للناظر وتسحر العقل. فيغفل القلب عن ذكر الله ويقبل على اللذات والشهوات. فيضيع وقته وينفرط امره سيخسر الخسارة الابدية والندامة السرمدية. ولهذا قال ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكر ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا. ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا. غفل عن الله بان اغفله عن ذكره. واتبع هواه اي صار تبعا لهواه. حيث ما اشتهت نفسه فعله. وسعى في ادراكه. ولو كان فيه هلاكه وخسرانه فهو قد اتخذ الهه هواه. كما قال الله تعالى افرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم وكان امره اي مصالح دينه ودنياه فرطا اي طائعة معطلة فهذا قد نهى الله عن طاعته. لان طاعته تدعو الى الاقتداء به. ولانه لا يدعو الا لما هو متصف به. ودلت الاية على ان الذي ينبغي ان يطاع. ويكون اماما للناس. من امتلأ قلبه بمحبة الله وفاض ذلك على لسانه. فلهج بذكر الله واتبع مراضي ربه. فقدمها على هواه. فحفظ بذلك ما حفظ من وقته. وصلح احواله واستقامت افعاله ودعا الناس الى ما من الله به عليه. فحققوا بذلك ان يتبع ويجعل اماما. والصبر المذكور في هذه الاية هو الصبر على طاعة الله الذي هو اعلى انواع الصبر. وبتمامه تتم باقي الاقسام. وفي الاية استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار لان الله مدحهم بفعله وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على ان الله يحبه. واذا كان يحبه فانه يأمر به ويرغب فيه وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن انا اعتدينا للظالمين نارا وان يستغيثوا يغاثوا بما كالمهل يشوي الوجوه وان يستغيثوا يغاسوا بما يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا. اي قل للناس يا محمد هذا الحق من ربكم. اي قد الهدى من الضلال والرشد من الغي. وصفات اهل السعادة وصفات اهل الشقاوة. وذلك بما بينه الله على لسان رسوله. فاذا بان واتضح ولم يبقى فيه شبهة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. اي لم يبقى الا سلوك احد الطريقين بحسب توفيق العبد وعدم توفيقه. وقد اعطاه الله مشيئة بها يقدر على الايمان والكفر والخير والشر. فمن امن فقد وفق للصواب ومن كفر فقد قامت عليه الحجة وليس بمكره على الايمان. كما قال تعالى لا اكراه في الدين. قد تبين الرشد من الغيب. وليس في قوله فمن شاء فليؤمن. ومن شاء فليكفر. الاذن في كلا الامرين. وانما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام. كما ليس فيها ترك قتال الكافرين. ثم ذكر تعالى ما الفريقين فقال انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها. انا اعتدنا للظالمين بالكفر والكفر الفسوق والعصيان نارا احاط بهم سرادقها. اي سورها المحيط بها. فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها. تصلاهم النار حامية وان يستغيثوا ان يطلبوا الشراب ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد. يغاثوا بماء المهل اي كالرصاص المذاب او كعكر الزيت من شدة حرارته. يشوي الوجوه اي فكيف بالامعاء والبطون. كما قال الله تعالى يصعب بهما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد. بئس الشراب الذي يراد ليطفئ العطش. ويدفع بعض العذاب فيكون زيادة في عذابهم وشدة عقابهم. وساءت النار مرتفقا. وهذا ذم لحالة النار. انها ساءت المحل. الذي يرتفق به. فانه ليس في ارتفاق وانما فيها العذاب العظيم الشاق الذي لا يفتر عنهم ساعة وهم فيه مبلسون. قد ايسوا من كل خير ونسيهم الرحيم في العذاب بك ما نسوء. ثم ذكر الفريق الثاني فقال انا لا نضيع اجر من احسن عملا. ان الذين امنوا وعملوا الصالحات. اي جمعوا بين الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات واحسان العمل ان يريد العبد العمل لوجه الله متبعا في ذلك شرع الله. فهذا العمل لا يضيعه الله ولا شيئا منه. بل يحفظه للعاملين ويوفيه من الاجر بحسب عملهم وفضله واحسانه. وذكر اجرهم بقوله اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار اساور من ذهب ويلبسون واستبرق متكئين فيها نعم الصواب وحسنت مرتفقا اي اولئك الموصفون بالايمان والعمل الصالح. لهم الجنات العاليات التي قد كثرت اشجارها. فاجنت من فيها وكثرت انهارها فصارت تجري من تحت تلك الاشجار الانيقة والمنازل الرفيعة. وحليتهم فيها الذهب ولباسهم فيها الحرير الاخضر من السندس وهو الغليظ من الديباج. والاستبرق وهو ما رق منه متكئين فيها على الارائك وهي السرر المزينة المجملة بالثياب الفاخرة فانها لا تسمى اريكة حتى تكون كذلك وفي اتكائهم على الارائك ما يدل على كمال الراحة وزوال النصب والتعب وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون. وتمام ذلك الخلود الدائم اقامة الابدية فهذه الدار الجليلة. نعم الثواب العاملين وحسنت مرتفقا يرتفقون بها ويتمتعون بما فيها مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من الحمرة والسرور والفرح دائم واللذات المتواترة والنعم المتوافرة. واي مرتفق احسن من دار ادنى اهلها يسير في ملكه ونعيمه وقصوره وبساتينه ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم قد اعطي جميع امانيه ومطالبه. وزيد من المطالب ما قصرت عنه الاماني. ومع ذلك فنعيمهم على الدوام متزايد في اوصافه وحسنه. فنسأل الله الكريم الا يحرمنا خير ما عنده من الاحسان. بشر ما عندنا من التقصير والعصيان ودلت الاية الكريمة وما اشبهها على ان الحلية عامة للذكور والاناث. كما ورد في الاحاديث الصحيحة لانه اطلقها في قوله اللون وكذلك الحرير ونحوه واضرب لهم مثل الرجلين وجعلنا بينهما زرعا. تلك الجنة اتت اكلها ولم تظلم منه شيئا يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اضرب للناس مثل هذين الرجلين الشاكر لنعمة الله والكافر لها. وما صدر من كل منهما من الاقوال والافعال. وما حصل بسبب ذلك من العقاب الاجل والعاجل والثواب. ليعتبر اخبروا بحالهما ويتعظوا بما حصل عليهما. وليس معرفة اعيان الرجلين. وفي اي زمان او مكانهما فيه فائدة او نتيجة. فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط والتعرض لما سوى ذلك من التكلف. فاحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة. جعل الله له جنتين. اي ثانين حسنين من اعناب وحففناهما بنخل اي في هاتين الجنتين من كل الثمرات وخصوصا اشرف الاشجار العنب والنخل في وسطها والنخل قد حف بذلك ودار به فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح التي تكمل بها الثمار تنضج وتتجوهر. ومع ذلك جعل بين تلك الاشجار زرعا. فلم يبقى عليهما الا ان يقال كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما فاخبر تعالى ان كلا من الجنتين اتت اكلها اي ثمرها وزرعها ضعفين اي متضاعفا. وانها لم تظلم منه شيئا. اي لم تنقص من اكلها ادنى شيء. ومع ذلك فالانهار في جوانبهما سارحة كثيرة غزيرة وكان له اي لذلك الرجل ثمر اي عظيم كما يفيده التنكير. اي قد استكملت جنتاه ثمارهما. وارجحنت اشجارهما ولم تعرض لهما افة او نقص. فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث. ولهذا اغتر هذا الرجل بهما وتبجح وافتخر ونسي اخرته صاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك ما لون واعز نفرا. ودخل جنته وهو اي فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن وهما يتحاوران اي يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة مفتخرا عليه. انا اكثر منك مالا واعز نفرا. فخر بكثرة ما له عزة انصاره من عبيد وخدم واقارب. وهذا جهل منه. والا فاي افتخار بامر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية ولا صفة معنوية فانما هو بمنزلة فخر الصبي بالاماني التي لا حقائق تحتها ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه حتى حكم بجهله وظلمه. وظن لما دخل فجنته فقال ما اظن ان تبيد اي تنقطع وتضمحل هذه ابدا فاطمئن الى هذه الدنيا ورضي بها وانكر البعث فقال وما اظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي على ضرب المثل لاجدن خيرا منها انقلب اي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين. وهذا لا يخلو من امرين. اما ان يكون عالما بحقيقة الحال فيكون كلامه هذا على وجه التهكم استهزاء فيكون زيادة كفر الى كفره. واما ان يكون هذا ظنه في الحقيقة فيكون من اجهل الناس وابخسهم حظا من العقل. فاي تلازم بين الدنيا وعطاء الاخرة حتى يظن بجهله ان من اعطي في الدنيا اعطي في الاخرة بل الغالب ان الله تعالى يزوي الدنيا عن اوليائه واصفيائه ويوسع على اعدائه الذين ليس لهم في الاخرة نصيب. والظاهر انه يعلم حقيقة الحال. ولكنه قال هذا الكلام على وجه التهكم والاستهزاء بدليل قوله ودخل جنته وهو ظالم لنفسه. فاثبات ان وصفه الظلم في حال دخوله الذي جرى منه من القول ما جرى. يدل على تمرده وعناده. قال له صاحبه وهو يحاوره اكثرت بالذي خلقك من تراب ثم اي قال له المؤمن ناصحا له ومذكرا له حاله الاولى. التي اوجده الله فيها في الدنيا من تراب. ثم من نطفة ثم سواك رجلا. فهو الذي انعم عليك بنعمة الايجاد والامداد. وواصل عليك النعم. ونقلك من طور الى طور. حتى سواك رجلا كامل الاعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة وبذلك يسر لك الاسباب. وهيأ لك ما هيأ من نعم الدنيا. فلم تحصل لك الدنيا بحولك وقوتك. بل بفضل الله تعالى عليك. فكيف يليق بك ان تكفر بسم الله الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وتجحد نعمتك. وتزعم انه لا يبعثك وان بعثك انه يعطيك خيرا من جنتك هذا مما لا ينبغي ولا يليق. ولهذا لما رأى صاحبه المؤمن حاله واستمراره على كفره وطغيانه. قال مخبرا عن نفسه على وجه الشكر لربه الاعلان بدينه عند ورود المجادلات والشبه لكنه والله ربي ولا اشرك بربي احدا. فاقر بربوبيته لربه وانفراده فيها والتزم طاعته وعبادته وانه لا يشرك به احدا من المخلوقين. ثم اخبر ان نعمة الله عليه بالايمان والاسلام. ويوم قلة ماله وولده انها هي النعمة الحقيقية وان ما عداها معرض للزوال والعقوبة عليه والنكال. فقال اي قال للكافر صاحبه المؤمن انت وان فخرت علي بكثرة مالك وولدك ليتني اقل منك مالا وولدا. فان ما عند الله خير وابقى. وما يرجى من خيره واحسانه. افضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون ويرسل عليها فتصبح صعيدا زلقا. فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها اي على جنتك التي طغيت بها وغرتك حسبانا من السماء اي عذاب بمطر عظيم او غيره فتصبح بسبب لذلك صعيدا زلق اي قد اقتلعت اشجارها وتلفت ثمارها وغرق زرعها وزال نفعها او يصبح ماؤها الذي مادتها منه غورا اي غائرة من في الارض فلن تستطيع له طلبا. اي غائرا لا يستطاع الوصول اليه بالمعاول ولا بغيرها. وانما دعا على جنته المؤمن غضبا لربه. لكونه غرته واطغته واطمأن اليها لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في امره. فاستجاب الله دعاءه فاحيط بثمره اي اصابه عذاب احاط به واستهلكه فلم يبق منه شيء والاحاطة بالثمر يستلزم تلف جميع اشجاره وثمارها وزرعه. فندم كل الندامة واشتد لذلك اسفه اي على كثرة نفقاته الدنيوية عليها حيث اضمحلت وتلاشت فلم قالها عوض وندم ايضا على شركه وشره. ولهذا قال المشرك ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا. قال الله تعالى اي لما نزل العذاب بجنته ذهب عنه ما كان يفتخر به من قوله صاحبه انا اكثر منك مالا واعز نفرا. فلم يدفعوا عنه من هذا العذاب شيئا. اشد ما كان اليهم حاجة. وما كان بنفسه منتصرا. وكيف ينتصر اي كيف يكون له انصار على قضاء الله وقدره الذي اذا امضاه وقدره لو اجتمع اهل السماء والارض على ازالة شيء منه لم ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه ان صاحب هذه الجنة التي احيط بها تحسنت حاله ورزقه الله الانابة اليه وراجع رشده ذهب تمرده وطغيانه بدليل انه اظهر الندم على شركه بربه. وان الله اذهب عنه ما يطغيه وعاقبه في الدنيا. واذا اراد الله بعبد خير عجل له العقوبة في الدنيا. وفضل الله لا تحيط به الاوهام والعقول. ولا ينكره الا ظالم جهول اي في تلك الحال التي اجرى الله فيها العقوبة على واثر الحياة الدنيا. والكرامة لمن امن وعمل صالحا وشكر الله. ودعا غيره لذلك. تبين وتوضح ان الولاية لله الحق من كان مؤمنا به تقيا كان له وليا فاكرمه بانواع الكرامات ودفع عنه الشرور والمثلات. ومن لم يؤمن بربه ويتولاه خسر دينه ودنياه فثوابه الدنيوي والاخروي خير ثواب يرجى ويؤمل. ففي هذه القصة العظيمة اعتبار بحال الذي انعم الله عليه نعم دنيوية فالهته عن اخرته واطرته وعصى الله فيها ان مآلها الانقطاع والاطمحلال. وانه وان تمتع بها قليلا فانه يحرمها طويلا وان العبد ينبغي له اذا اعجبه شيء من ماله او ولده ان يضيف النعمة الى موليها ومصديها وان يقول ما شاء الله لا قوة الا بالله ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه. لقوله ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله. وفيها الارشاد الى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير. لقوله ان ترني انا اقل منك مالا وولدا. فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك وفيها ان المال والولد لا ينفعان ان لم يعينا على طاعة الله. كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا. وفيه الدعاء بتلف مال من كان ما له سبب طغيانه وكفره وخسرانه. خصوصا ان فضل نفسه بسببه على المؤمن وفخر عليهم وفيها ان ولاية الله وعدمها انما تتضح نتيجتها اذا انجلى الغبار حق الجزاء. ووجد العاملون اجرهم. فهنا الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبى. اي عاقبة ومآلا كماء انزلناه من السماء اختلط به نبات الارض فاصبح اصبح هشيما تدروا الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا. يقول تعالى الا لنبيه صلى الله عليه وسلم اصلا. ولمن قام بوراثته بعده تبعا. اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور. ويعرف ظاهرها وباطنها. فيقيس بينها وبين الدار الباقية. ويؤثر ايهما اولى بالايثار. وان مثل هذه الحياة الدنيا كمثل المطر ينزل على الارض يختلط نباتها تنبت من كل زوج بهيج فبين زهرتها وزخرفها تسر الناظرين وتفرح المتفرجين وتأخذ بعيون الغافلين اذ اصبحت هشيما تذروه الرياح. فذهب ذلك النبات الناظر والزهر الزاهر. والمنظر البهي فاصبحت الارض غبراء ترابا. قد انحرف عنها النظر وصدف عنها البصر واوحشت القلب كذلك هذه الدنيا. بينما صاحبها قد اعجب بشبابه وفاق فيها على اقرانه واترابه. وحصل ودينارها واقتطف من لذته ازهارها. وخاض في الشهوات في جميع اوقاته. وظن انه لا يزال فيها سائر ايامه. اذ اصابه الموت او سلف لماله فذهب عنه سروره وزالت لذته وحضوره واستوحش قلبه من الالام وفارق شبابه وقوته وماله وانفرد بصالح او اعماله هنالك يعض الظالم على يديه حين يعلم حقيقة ما هو عليه ويتمنى العودة الى الدنيا لا ليستكمل الشهوات بل ليستدرك ما منه من الغفلات بالتوبة والاعمال الصالحات. فالعاقل الحازم الموفق يعرض على نفسه هذه الحالة. ويقول لنفسه قدري انك ولابد ان تموتي فاي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار والتمتع بها كتمتع الانعام السارحة ام العمل دار اكلها دائم وظلها. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه. وربحه من خسرانه المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير ولهذا اخبر تعالى ان المال والبنين زينة الحياة دنيا اليس وراء ذلك شيء؟ وان الذي يبقى للانسان وينفعه ويسره الباقيات الصالحات. وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده من صلاة وزكاة وصدقة وحج وعمرة وتسبيح وتحميد وتهليل وتكبير وقراءة وطلب علم نافع وامر بمعروف ونهي عن منكر. وصلة رحم وبر والدين. وقيام بحق الزوجات والمماليك والبهائم. وجميع وجوه الاحسان الى الخلق. كل هذا من الباقيات الصالحات الصالحات فهذه خير عند الله ثوابا وخير املا. فثوابها يبقى ويتضاعف على الاباد ويأمل اجرها وبرها ونفعها عند الحاجة فهذه التي ينبغي ان يتنافس بها المتنافسون. ويستبق اليها العاملون. ويجد في تحصيلها المجتهدون. وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحال ذكر ان الذي فيها نوعان نوع من زينتها يتمتع به قليلا ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون. ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام. وهي الباقيات الصالحات ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا وعلى ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة. بل زعمتم ان لن نجعل يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من الاهوال المقلقة والشدائد المزعجة فقال ويوم نسير الجبال اي يزيلها عن اماكنها يجعلها كثيبا ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى وتكون هباء منثورا وتبرز الارض فتصير قاعا صفصفا لا عوج فيه ولا امتى. ويحشر الله جميع الخلق على تلك الارض. فلا يغادر منهم احدا. بل يجمع الاولين والاخرين من بطون الفلوات وقعور البحار. ويجمعهم بعدما تفرقوا. ويعيدهم بعد ما تمزقوا خلقا جديدا. فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في اعمالهم ويحكم فيهم بحكمه العدل الذي لا جور فيه ولا ظلم. ويقول لهم اي بلا مال ولا اهل ولا عشيرة. ما معهم الا الاعمال التي عملوها. والمكاسب في الخير والشر التي كسبوها. كما قال الله الله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء. وقال هنا مخاطبا للمنكرين للبعث. وقد شاهدوه عيانا اي انكرتم الجزاء على الاعمال ووعد الله ووعيده. فها قد رأيتموه وذقتموه الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. فحينئذ تحظر كتب الاعمال التي كتبتها الكرام فتطير لها القلوب وتعظم من وقعها الكروب. وتكاد لها الصم الصلاب تذوب ويشفق منها المجرمون. فاذا رأوها مسطرة عليهم اعمالهم محصن عليهم اقوالهم وافعالهم قالوا ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب اي لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة الا وهي مكتوبة فيه. محفوظة لم ينسى منها عمل سر ولا علانية. ولا ليل ولا نهار. ووجدوا ووجدوا ما عملوا حاضرا لا يقدرون على انكاره ولا يظلم ربك احدا. فحينئذ يجازون بها ويقررون بها ويخزون. ويحق عليهم العذاب. ذلك بما قدمت ايديهم وان الله ليس بظلام للعبيد بل هم غير خارجين عن عدله وفضله بئس للظالمين بدلا يخبر تعالى عن عداوة ابليس لادم وذريته وان الله امر الملائكة بالسجود لادم اكراما وتعظيما وامتثالا لامر الله فامتثل ذلك الا ابليس كان من الجن. ففسق عن امر ربه. وقال ااسجد لمن خلقت طينا؟ وقال انا خير منه. فتبين بهذا عداوته لله ولابيكم ولكم. فكيف تتخذونه وذريته؟ اي الشياطين اولياء من دوني وهم لكم عدو اي بئس ما اختاروا لانفسهم من ولاية الشيطان. الذي لا يأمرهم الا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن. الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته وفي هذه الاية الحث على اتخاذ الشيطان عدوا. والاغراء بذلك وذكر السبب الموجب لذلك وانه لا يفعل ذلك الا ظالم. واي ظلم اعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا. وترك الولي الحميد. قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا ويخرجهم من الظلمات الى النور. والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت. يخرجونهم من النور الى الظلمات. وقال تعالى انهم اتخذوا الشياطين او رياء من دون الله يقول تعالى ما اشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين خلق السماوات والارض فخلق انفسهم اي ما احضرتهم ذلك ولا شاورتهم عليه. فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟ بل المنفرد بالخلق والتدبير والحكمة والتقدير هو الله خالق الاشياء كلها. المتصرف فيها بحكمته. فكيف يجعل له شركاء من الشياطين؟ يوالون ويطاعون كما يطاع الله وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا ولم يعاونوا الله تعالى. ولهذا قال وما كنت متخذا المضلين عضدا. اي معاونين مظاهرين الله على شأن من الشؤون. اي ما ينبغي ولا يليق بالله ان يجعل لهم قسطا من التدبير. لانهم ساعون في اضلال الخلق والعداوة لربهم. فاللائق ان ولا يدنيهم. ولما ذكر حال من اشرك به في الدنيا وابطل هذا الشرك غاية الابطال. وحكم بجهل صاحبه وسفهه. اخبر عن حاله مع ركائهم يوم القيامة فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا. وان الله يقول لهم نادوا شركائي بزعمكم اي على موجب زعمكم الفاسد. والا فبالحقيقة ليس لله شريك في الارض ولا في السماء. اي نادوهم لينفعوكم خلصوكم من الشدائد فدعوهم فلم يستجيبوا لهم. لان الحكم والملك يومئذ لله لا احد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره وجعلنا بينهم اي بين المشركين وشركائهم موبقا اي مهلكا يفرق بينهم وبينهم ويبعد بعضهم من بعض ويتبين حين اذا عداوة الشركاء لشركائهم وكفرهم بهم وتبريهم منهم. كما قال الله تعالى واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادة كافرين اي لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل. وتميز كل فريق من الخلق باعمالهم. وحق كلمة العذاب على المجرمين فرأوا جهنم قبل دخولها فانزعجوا واشتد قلقهم لظنهم انهم واقعوها. وهذا الظن قال المفسرون انه بمعنى اليقين. فايقنوا انهم داخلوها ولم يجدوا عنها مصرفا. اي معدلا يعدلون اليه ولا شافع لهم من دون اذنه. وفي هذا من التخويف والترهيب ما ترعد له الافئدة والقلوب وكان الانسان اكثر شيء جدلا. يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن وجلالته وعمومه. وانه صرف فيه من كل اي من كل طريق موصل الى العلوم النافعة والسعادة الابدية. وكل طريق يعصم من الشر والهلاك. ففيه امثال الحلال والحرام. وجزاء الاعمال والترغيب والترهيب والاخبار الصادقة النافعة للقلوب اعتقادا وطمأنينة ونورا. وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن. وتلقيهم بالانقياد والطاعة وعدم المنازعة له في امر من الامور. ومع ذلك كان كثير من الناس يجادلون في الحق بعدما تبين. ويجادلون بالباطل ليدحضوا به ولهذا قال اي مجادلة ومنازعة فيه مع ان ذلك غير لائق بهم ولا عدل منهم. والذي اوجب له ذلك وعدم الايمان بالله. انما هو الظلم والعناد. لا لقصور في بيانه وحجته وبرهانه. والا فلو جاءهم العذاب وجاءهم ما جاء قبلهم لم تكن هذه حالهم. ولهذا قال جاءهم الهدى اذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم الا ان تأتيهم سنة اي ما منع الناس من الايمان والحال ان الهدى الذي يحصل به الفرق بين الهدى والضلال والحق والباطل قد وصل اليهم وقامت عليهم حجة الله فلم يمنعهم عدم البيان. بل منعهم الظلم والعدوان عن الايمان. فلم يبق الا ان تأتيهم سنة الله وعادته في الاولين من انهم اذا لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب او يرون العذاب قد اقبل عليهم ورأوهم مقابلة ومعاينة اي فليخافوا من ذلك وليتوبوا من كفرهم قبل ان يكون العذاب الذي لا مرد له. وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا اياته وما انذروا هزوا اي لم نرسل الرسل عبثا ولا ليتخذهم الناس اربابا ولا ليدعوا الى انفسهم بل ارسلناهم يدعون الناس الى كل خير وينهون عن كل شر ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والاجل. وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب العاجل والاجل. فقامت بذلك حجة الله على العباد ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون الا المجادلة بالباطل. ليدحضوا به الحق. فسعوا في نصر الباطل مهما امكنهم. وفي دحض الحق وابطاله تهزأوا برسول الله واياته. وفرحوا بما عندهم من العلم. ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. ويظهر الحق على الباطل. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه. فاذا هو زاهق. ومن حكمة الله ورحمته ان تقييده المبطلين المجادلين الحق بالباطل من اعظم الاسباب الى وضوح الحق وتبين شواهده وادلته وتبين الباطل وفساده. فبضدها تتبين الاشياء ذكر بايات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه انا جعلنا على قلوبهم اكن يخبر تعالى انه لا اعظم ظلما ولا اكبر جرما من عبد ذكر بايات الله وبين له الحق من الباطل والهدى من الضلال. وخوف ورغب فاعرض عنها فلم يتذكر بما ذكر به. ولم يرجع عما كان عليه. ونسي ما قدمت يداه من الذنوب. ولم يراقب علام الغيوب. فهذا ما اعظم ظلما من المعرض الذي لم تأتيه ايات الله ولم يذكر بها. وان كان ظالما فانه اخف ظلما من هذا. لكون العاصي على بصيرة وعلم اللهم ممن ليس كذلك ولكن الله تعالى عاقبه بسبب اعراضه عن اياته ونسيانه لذنوبه ورضاه لنفسه حالة الشر مع علمه بها انسد عليه ابواب الهداية بان جعل على قلبه اكنة. اي اغطية محكمة تمنعه ان يفقه الايات وان سمعتها. فليس في امكانها الفقه الذي يصل الى القلب وفي اذانهم واقرأ اي صمم ان يمنعهم من وصول الايات. ومن سماعها على وجه الانتفاع. واذا كانوا بهذه الحالة فليس لهدايتهم سبيل لان الذي يرجى ان يجيب الداعي للهدى من ليس عالما. واما هؤلاء الذين ابصروا ثم عموا ورأوا طريق الحق حقا فتركوه. وطريق الضلال ضلالا فسلكوه. وعاقبهم الله باقفال القلوب والطبع عليها. فليس في هداية كم حيلة ولا طريق وفي هذه الاية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه ان يحال بينهم وبينه. ولا يتمكن منه بعد ذلك ما هو اعظم مرهب اجر عن ذلك ثم اخبر تعالى عن سعة مغفرته ورحمته وانه يغفر الذنوب ويتوب الله على من يتوب فيتغمدهم برحمته ويشمله باحسانه. وانه لو اخذ العباد على ما قدمت ايديه من الذنوب. لعجل لهم العذاب ولكنه تعالى احليم لا يعجل بالعقوبة؟ بل يمهل ولا يهمل؟ والذنوب لابد من وقوع اثارها. وان تأخر عنها مدة طويلة. ولهذا قال اي لهم موعد يجازون فيه باعمالهم ولابد لهم منه ولا من لوحة لهم عنه ولا ملجأ ولا محيد عنه وهذه سنته في الاولين والاخرين الا يعادلهم بالعقاب بل يستدعيهم الى التوبة والانابة. فان تابوا وانابوا غفر لهم ورحمهم وازال عنهم العقاب. والا فان استمروا على ظلمهم وعنادهم وجاء الوقت الذي جعله موعدا لهم انزل بهم بأسه. ولهذا قال وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا اي بظلمهم لا بظلم منا وجعلنا لمهلكهم موعدا. اي وقتا مقدرا لا يتقدمون عنه ولا يتأخرون. يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام وشدة رغبته في الخير وطلب العلم انه قال لفتاه اي خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره وهو يوشع ابن الذي نبأه الله بعد ذلك لا امرح حتى ابلغ مجمع البحرين اي لا ازال مسافرا وان طالت علي الشقة ولحقتني المشقة حتى اصل الى مجمع البحرين. وهو المكان الذي اوحي اليه انك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين. عنده من العلم ما ليس عندك. او امضي حقبا اي مسافة طويلة. المعنى ان الشوق والرغبة حمل موسى ان قال لفتاه هذه المقالة وهذا عزم منه جازم. فلذلك امضاه فلما بلغ مجمع بينهما نسي حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا. فلما بلغ اي هو فتاة مجمع البحرين نسي حوتهما. وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان. وقد وعد انه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي فاتخذ ذلك الحوت سبيلا اي طريقه في البحر سربا وهذا من الايات. قال المفسرون ان ذلك الحوت الذي كان يتزودان منه لما وصل الى ذلك المكان اصابهم بلل البحر فانسرب باذن الله في البحر وصار مع حيواناته حيا قال لفتاه اتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين. قال موسى لفتاه اتنا غدائنا. لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. اي لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط والا فالسفر الطويل الذي وصل به الى مجمع البحرين لم يجدا مس التعب فيه. وهذا من الايات والعلامات الدالة لموسى على وجود مطلبه. وايضا فان المتعلقة بالوصول الى ذلك المكان سهل لهما الطريق. فلما تجاوزا غايتهما وجدا مس التعب. فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة. قال ارأيت اذ اوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره قال له فتاة ارأيت اذ اوينا الى فاني نسيت الحوت. اي الم تعلم حين او ان الليل الى تلك الصخرة المعروفة بينهما؟ فاني نسيت الحوت. وما انسانيه الا الشيطان. لانه السبب في ذلك واتخذ سبيلهم في البحر عجبا. اي لما انصرم في البحر ودخل فيه كان ذلك من العجائب. قال المفسرون كان ذلك المسلك للحوت ولموسى وفتاه عجبا فلما قال له الفتى هذا القول وكان عند موسى وعد من الله انه اذا فقد الحوت وجد الخضر فقال موسى قال ذلك ما كنا نبغى. اي نطلب؟ اي رجع على اثارهما قصصا. اي رجعا يقصان اثرهما الى المكان الذي نسي فيه الحوت. فلما وصلا اليه اذن اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما. وجد عبدا من عبادنا هو الخضر وكان عبدا صالحا لا نبي على الصحيح. اتيناه رحمة من عندنا اي اعطاه الله رحمة خاصة. بها زاد علمه وحسن عمله وعلمناه من لدنا اي من عندنا علما. وكان قد اعطي من العلم ما لم يعطى موسى. وان كان موسى عليه السلام اعلم منه باكثر الاشياء خصوصا في العلوم الايمانية والاصولية. لانه من اولي العزم من المرسلين. الذين فضلهم الله على سائر الخلق بالعلم والعمل. وغير ذلك. فلما اجتمع موسى قال له على وجه الادب والمشاورة والاخبار عن مطلبه اي هل اتبعك على ان تعلمني مما علمك الله؟ ما به استرشد واهتدي واعرف به الحق في تلك القضايا. وكان الخضر قد اعطاه الله من الالهام والكرامة. ما به يحصل الاطلاع على بواطن كثير من الاشياء التي خفيت. حتى على موسى عليه السلام. فقال الخضر لموسى لا امتنع من ذلك ولكنك لن تستطيع معي صبرا. اي لا تقدر على اتباع وملازمتي. لانك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الامور التي قاهرها المنكر وباطنها غير ذلك. ولهذا قال اي كيف تصبر وعلى امر ما احط بباطنه وظاهره وعلمت المقصود منه ومآله. فقال موسى آآ الله صابرا ولا اعصي لك امرا. ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا وهذا عزم منه قبل ان يوجد الشيء الممتحن به. والعزم شيء ووجود الصبر شيء اخر. فلذلك ما صبر موسى عليه السلام حين وقع الامر فحين اذ قال له الخضر الا تبتدئني بسؤال منك وانكار حتى اكون انا الذي اخبرك بحاله. وفي الوقت الذي ينبغي اخبارك به فنهاه عن سؤالك ووعده ان يوقفه على حقيقة الامر لتغرق اهلها لقد جئت شيئا امرا. فانطلقا حتى اذا ركب في السفينة خرقها. اي اقتلع الخضر منها لوحا وكان له مقصود في ذلك سيبينه. فلم يصبر موسى عليه السلام لان ظاهره انه منكر. لانه عيب للسفينة. وسبب لغرق اهلها. ولهذا قال لقد جئت شيئا امرا اي عظيما شنيعا من عدم صبره عليه السلام فقال له الخضر. اي فوقع كما اخبرتك وكان هذا من موسى نسيانا فقال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا. اي لا تعسر يسر علي الامر واسمح لي فان ذلك وقع على وجه النسيان. فلا تؤاخذني في اول مرة فجمع بين الاقرار به والعذر منه. وانه ما ينبغي لك ايها الشدة على صاحبك فسمح عنه الخضير نفسى زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا. فانطلقا حتى اذا لقي غلاما اي صغيرا فقتله الخضر فاشتد بموسى الغضب واخذته الحمية الدينية حين قتل غلاما صغيرا لم يذنب لقد جئت شيئا نكرا. واي نكر مثل قتل الصغير الذي ليس عليه ذنب ولم يقتل احدا. وكانت الاولى من موسى نسيانا فهذه غير نسيان