المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. فقال له الخضر معاتبا ومذكرا فقال له موسى ترى ان سألت بعد هذه المرة فلا تصاحبني اي فانت معذور بذلك وبترك صحبتي قد بلغت من لدني عذرا اي اعذرت مني ولم تقصر فوجد فيها جدارا يريد ان ينقض فاقامه. قال لو شئت لاتخذت عليه اجرا فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها اي استضافاهم فلم يضيفوهما. فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض. اي قد واستهدم فاقامه الخضر. اي بناه واعاده جديدا. فقال له موسى اي اهل هذه القرية لم يضيفون مع وجوب ذلك عليهم. وانت تبنيه من دون اجرة. وانت تقدر عليها. فحينئذ لم يفي موسى عليه السلام بما قال واستعذر الخضر منه فقال له هذا فراق بيني وبينك فانك شردت ذلك على نفسك فلم يبقى الان عذر ولا موضع للصحبة سأنبئك بتأويل ما لم عليه صبرا. اي ساخبرك بما انكرت علي وانبئك بمالي في ذلك من المآرب. وما يؤول اليه الامر اما السفينة التي خرقتها فكانت لمساكين يعملون في البحر. يقتضي ذلك الرقة عليهم والرأفة بهم. فاردت ان اعيب وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا. اي كان مرورهم على ذلك الملك الظالم. فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصب واخذها ظلما. فاردت ان اخرقها ليكون فيها عيب. فتسلم من ذلك الظالم فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا. واما الغلام الذي قتلته فكان ابواه مؤمنين فخشينا ان ترهقهما طغيانا وكفرا. وكان ذلك الغلام قد قدر عليه انه لو بلغ لارهق ابويه طغيانا وكفرا. اي لحملهما على الطغيان والكفر. اما من اجل محبتهما اياه. او للحاجة اليه. او يحدهما على ذلك. اي فقتلته لاطلاع على ذلك. سلامة لدين ابويه المؤمنين. واي فائدة ان اعظم من هذه الفائدة الجليلة. وهو ان كان فيه اساءة اليهما وقطع لذريتهما. فان الله تعالى سيعطيها من الذرية ما هو خير منه هذا قال اي ولدا صالح صالحا زكيا واصلا لرحمه. فان الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما اشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن امري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. واما الجدار الذي اقمته فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا. اي حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما. لكونهما صغيرين عدما اباهما. وحفظهما الله ايضا صلاح والدهما فاراد ربك ان يبلغ اشدهما ويستخرجا كنزهما. اي فلهذا هدمت الجدار واستخرجت ما تحته من كنزهما واعدته مجانا رحمة من ربك اي هذا الذي فعلته رحمة من الله اتاها الله عبده الخضير. وما فعلته عن امري اي اتيت شيئا من قبل نفسي ومجرد ارادتي وانما ذلك من رحمة الله وامره. ذلك الذي اذ فسرته لك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. وفي هذه القصة العجيبة الجليلة من الفوائد والاحكام والقواعد شيء كثير. ننبه وعلى بعضه بعون الله. فمنها فضيلة العلم والرحلة في طلبه. وانه اهم الامور. فان موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة. ولقي النصب في طلبه وترك القعود عند بني اسرائيل لتعليمهم وارشادهم. واختار السفر لزيادة العلم على ذلك. ومنها البداءة بالاهم فالاهم فان زيادة العلم وعلم الانسان اهم من ترك ذلك. والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم. والجمع بين الامرين اكمل. ومنها جواز اخذ خادمي في الحضر والسفر لكفاية المؤنة وطلب الراحة كما فعل موسى. ومنها ان المسافر لطلب علم او جهاد او نحوه. اذا اقتضت المصلحة الاخبار بمطلبه واين يريده؟ فانه اكمل من كتمه فان في اظهاره فوائد من الاستعداد له عدته. واتيان الامر على بصيرة واظهارا شرف هذه العبادة الجليلة كما قال موسى لا امرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. وكما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه حين اغزى تبوك بوجهه مع ان عادته التورية وذلك تبع للمصلحة. ومنها اضافة الشر واسبابه الى الشيطان. على وجه التسويل والتزيين وان كان الكل بقضاء الله وقدره. لقول فتى موسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره. ومنها جواز اخبار الانسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس من نصب او جوع او عطش اذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا لقول موسى لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ومنها استحباب كون خادم الانسان ذكيا فطنا كيسا. ليتم له امره الذي يريده. ومنها استحباب اطعام الانسان خادمه من مأكله بهما جميعا لان ظاهر قوله اتنا غدائنا اضافة الى الجميع انه اكل هو وهو جميعا. ومنها ان المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به. وان الموافق لامر الله يعان ما لا يعان غيره. لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. والاشارة الى السفير المجاور لمجمع البحرين. واما الاول فلم يشتكي منه التعب مع طوله لانه هو السفر على الحقيقة. واما الاخير فالظاهر انه بعض يوم لانهم فقدوا الحوت حين او الى الصخرة. فالظاهر انهم باتوا عندها. ثم ساروا من الغد. حتى اذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه غداءنا فحينئذ تذكر انه نسيه في الموضع الذي اليه منتهى قصده. ومنها ان ذلك العبد الذي لقيه ليس نبيا بل عبدا صالحا لانه وصفهم بالعبودية وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم. ولم يذكر رسالته ولا نبوته ولو كان نبيا لذكر ذلك كما ذكر واما قوله في اخر القصة وما فعلته عن امري فانه لا يدل على انه نبي وانما يدل على الالهام والتحديث كما يكون لغير الانبياء كما قال الله تعالى واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا. ومنها ان العلم الذي يعلمه الله الله لعباده نوعان علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده. ونوع علم لدني يهبه الله لمن يمن عليه من عباده. بقوله علمناه من لدنا علما. ومنها التأدب مع المعلم وخطاب المتعلم اياه الطف خطاب. لقول موسى عليه السلام هل اتبعك على ان مما علمت رشدا. فاخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة. وانك هل تأذن لي في ذلك ام لا؟ واقراره بانه يتعلم منه. بخلاف ما عليه اهل الجفاء او الكبر. الذي لا يظهر للمعلم افتقاره الى علمه. بل يدعي انه يتعاون هو واياه. بل ربما ظن انه يعلم معلمه. وهو جدا فالذل للمعلم واظهار الحاجة الى تعليمه من انفع شيء للمتعلم. ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه فان موسى بلا شك افضل من الخضر ومنها تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه ممن مهر فيه وان كان دونه في العلم درجات كثيرة فان موسى عليه السلام من اولي العزم من المرسلين الذين منحهم الله واعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم. ولكن في هذا العلم خاص كان عند الخضر ما ليس عنده. فلهذا حرص على التعلم منه. فعلى هذا لا ينبغي للفقيه المحدث اذا كان قاصرا في علم النحو او الصرف او نحوه من العلوم الا يتعلمه ممن مهر فيه. وان لم يكن محدثا ولا فقيها. ومنها اضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى. والاقرار وبذلك اشكر الله عليها لقوله تعلمني مما علمت. اي مما علمك الله تعالى. ومنها ان العلم النافع هو العلم المرشد الى الخير فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير. وتحذير عن طريق الشر. او وسيلة لذلك فانه من العلم النافع. وما سوى ذلك فاما ان كن ضارا اوليس فيه فائدة لقوله ان تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم وحسن الثبات على ذلك انه يفوته بحسب عدم صدره كثير من العلم. ومن استعمل الصبر ولازمه ادرك به كل امر سعى فيه. لقول الخضر يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى من الاخذ عنه انه لا يصبر معه. ومنها ان السبب الكبير لحصول الصبر احاطة الانسان علما وخبرة ذلك الامر الذي امر بالصبر عليه. والا فالذي لا يدريه او لا يدري غايته ولا نتيجته. ولا فائدته وثمرته. ليس عنده سبب الصبر لقوله وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟ فجعل الموجب لعدم صبره. عدم احاطته خبرا بالامر. ومنها الامر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة الى الحكم على الشيء. حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود. ومنها تعليق الامور المستقبلة التي من افعال العباد بالمشيئة ليقول الانسان للشيء اني فاعل ذلك في المستقبل الا ان يقول ان شاء الله. ومنها ان العزم على فعل الشيء ليس بمنزلة فعله. فان قال ستجدني ان شاء الله صابرا. فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل. ومنها ان المعلم اذا رأى المصلحة في ازاعه للمتعلم ليترك الابتداء في السؤال عن بعض الاشياء. حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها. فان المصلحة تتبع كما اذا كان فهمه قاصرا. او نهاه عن للدقيق في سؤال الاشياء التي غيرها اهم منها. او لا يدركها ذهنه او يسأل سؤالا لا يتعلق في موضوع البحث. ومنها جواز ركوب البحر في غير الحالة التي يخاف منها ومنها ان الناس غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله ولا في حقوق العباد لقوله لا تؤاخذني بما انسيت ومنها انه ينبغي للانسان ان يأخذ من اخلاق الناس ومعاملاتهم. العفو منها وما سمحت به انفسهم. ولا ينبغي له ان يكلفهم ما لا يطيقون او يشق عليهم ويرهقهم. فان هذا مدعاة الى النفور منه والسآمة. بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الامر. ومنها ان الامور تجري احكامها على ظاهرها وتعلق بها الاحكام الدنيوية في الاموال والدماء وغيرها. فان موسى عليه السلام انكر على الخضر خرقه السفينة قتل الغلام وان هذه الامور ظاهرها انها من المنكر. وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها. في غير هذه الحالة التي صحب عليها الخضير عليه السلام وبادر الى الحكم في حالتها العامة. ولم يلتفت الى هذا العارض الذي يوجب عليه الصبر. وعدم المبادرة الى الانكار. ومنها الكبيرة الجليلة وهو انه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير. ويراعي اكبر المصلحتين بتفويت ادناهما. فان قتل الغلام شر. ولكن بقاءه حتى يفتن ابويه عن دينهما اعظم شرا منه. وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته. وان كان يظن انه خير. فالخير ببقاء دين ابويه وايمانهما خير من ذلك. فلذلك قتله الخضر وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد ما لا يدخل تحت الحصر. فتزاحم المصالح والمفاسد كلها داخل في هذا ومنها القاعدة الكبيرة ايضا وهي ان عمل الانسان في مال غيره اذا كان على وجه المصلحة وازالة المفسدة انه يجوز ولو بلا اذن حتى ولو ترتب على عمله اتلاف بعض مال الغير. كما خلق الخضر السفينة لتعيب. فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق او غرق او نحوهما في دار انسان او ما له وكان اتلاف بعض المال او هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي جاز للانسان بل شرع له ذلك حفظا لما للغير. وكذلك لو اراد ظالم اخذ مال الغير ودفع اليه انسان بعض المال افتداء للباقي جاز. ولو من غير اذن ومنها ان العمل يجوز في البحر كما يجوز في البر لقوله يعملون في البحر. ولم ينكر عليهم عملهم. ومنها ان المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته. ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة. لان الله اخبر ان هؤلاء المساكين لهم سفينة. ومنها ان القتل من اكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام. لقد جئت شيئا نكرا. ومنها ان القتل قصاصا غير منكر. لقوله بغير نفس ومنها ان العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي ذريته. ومنها ان خدمة الصالحين او من يتعلق بهم افضل من غيرها. لان معلل استخراج كنزهما واقامة جدارهما ان اباهما صالح. ومنها استعمال الادب مع الله تعالى في الالفاظ. فان الخضر اضاف طيب السفينة الى نفسه بقوله فاردت ان اعيبها واما الخير فاضافه الى الله تعالى لقوله فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ليستخرجا كنزهما رحمة من ربك. كما قال ابراهيم عليه السلام واذا مرضت فهو يشفين. وقالت الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا. مع ان كل بقضاء الله وقدره. ومنها انه ينبغي للصاحب الا يفارق صاحبه في حالة من الاحوال ويترك صحبته حتى يعتبه ويعذر منه. كما فعل الخضر مع موسى. ومنها ان موافقة الصاحب لصاحبه في غير الامور المحظورة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها. كما ان عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة. ومنها ان هذه القضايا التي اجراها الخضر هي قدر محض اجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح. ليستدل العباد بذلك على الطافه في اقضيته. وانه يقدر على العبد امورا يكرهها جدا وهي صلاح دينه كما في قضية الغلام او وهي صلاح دنيا كما في قضية السفينة. فاراهم نموذجا من لطفه وكرمه ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا باقداره المكروهة كان اهل الكتاب او المشركون سألوا رسول الله صلى الله الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين فامره الله ان يقول ساتلو عليكم منه ذكرا فيه نبأ مفيد وخطاب عجيب اي ساتلوا عليكم من احوالهم ما يتذكر فيه ويكون عبرة واما ما سوى ذلك من احواله فلم يتله عليهم انا مكنا له في الارض اي ملكه الله تعالى ومكنه من النفوذ في اقطار الارض وانقيادهم له. واتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا. اي اعطاه الله من الاسباب الموصلة له لما وصل اليه ما به يستعين على قهر البلدان وسهولة الوصول الى اقاصي العمران. وعمل بتلك الاسباب التي اعطاه الله اياها. اي استعملها على وجهها فليس كل كل من عنده شيء من الاسباب يسلكه. ولا كل احد يكون قادرا على السبب. فاذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به حصل المقصود. وان عدم او احدهما لم يحصل. وهذه الاسباب التي اعطاه الله اياها لم يخبرنا الله ولا رسوله بها. ولم تتناقلها الاخبار على وجه يفيد العلم فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها. وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للاسرائيليات ونحوها. ولكننا نعلم بالجملة انها اسباب قوية كثيرة داخلية وخارجية بها صار له جند عظيم ذو عدد وعدد ونظام. وبه تمكن من قهر الاعداء ومن تسهيل الوصول الى مشارق الارض ومغاربها انحائها. فاعطاه الله ما بلغ به مغرب الشمس حتى رأى الشمس في مرأى العين كانها تغرب في عين حمأة اي سوداء وهذا المعتاد لمن كان بينه وبين افق الشمس الغربي ماء رآها تغرب في نفس الماء وان كانت في غاية الارتفاع اما ان تتخذ فيهم حسنا. ووجد عندها اي عند مغربها قوما. قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان اتخذ فيهم حسنا اي اما ان تعذبهم بقتل او ضرب او اسر ونحوه. واما ان تحسن اليهم فخير بين الامرين. لان الظاهر انهم اما كفار او فساد او فيهم شيء من ذلك لانهم لو كانوا مؤمنين غير الفساق لم يرخص له في تعذيبهم. فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح ثناء لتوفيق الله له لذلك فقال ساجعلهم قسمين اما من ظلم بالكفر فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا. اي تحصل له العقوبتان. عقوبة الدنيا وعقوبة الاخرة الحسنى. وسنقول له من امرنا يسرا واما من امن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى. اي فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء ان يوم القيامة وسنقول له من امرنا يسرا. اي وسنحسن اليه ونلطف له بالقول ونيسر له المعاملة. وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين والاولياء العادلين العالمين. حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل احد بما يليق بحاله اي لما وصل الى مغرب الشمس كر راجعا قاصدا مطلعها متبعا للاسباب التي اعطاه الله فوصل الى مطلع الشمس اي وجدها تطلع على اناس ليس لهم ستر من الشمس اما لعدم استعدادهم في المساكن وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم وعدم واما لكون الشمس دائمة عندهم. لا تغرب عنهم غروبا يذكر. كما يوجد ذلك في شرقي افريقيا الجنوبي. فوصل الى موضع انقطع عنه علم اهل الارض. فضلا عن وصولهم اياه بابدانهم. ومع هذا فكل هذا بتقدير الله له. وعلمه به. ولهذا قال اي احطنا بما عنده من الخير والاسباب عظيمة وعلمنا معه حيث توجه وسار ثم اتبع سببا فقوما لا يكادون يفقهون قولا حتى اذا بلغ بين السدين قال المفسرون ذهب متوجها من المشرق قاصدا للشرق فوصل الى ما بين السدين وهما سدان كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس وجد من دون السدين قوما لا يكادون يفقهون قولا. لعجمة السنتهم واستعجام اذهانهم وقلوبهم. وقد اعطى الله ذي القرنين من الاسباب العلمية ما فقه به السنة اولئك القوم. وفقههم وراجعهم وراجعوه. فاشتكوا اليه الضرر يأجوج ومأجوج. وهما امتان عظيمتان من ادم فقالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض بالقتل واخذ الاموال وغير ذلك. فهل نجعل لك خرجا اي جعلا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا؟ ودل ذلك على عدم اقتداره بانفسهم على بنيان السد. وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه. فبذلوا له اجرة ليفعل ذلك. وذكر له السبب الداعي وهو افسادهم في الارض. فلم يكن ذو القرنين اذا طمع ولا رغبة في الدنيا ولا تاركا لاصلاح احوال الرعية بل كان قصده الاصلاح. فلذلك اجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة. ولم يأخذ منهم اجرة وشكر ربه على تمكينه واقتداره. فقال لهم عينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم رجما. ما مكني فيه ربي خير اي مما تبذلون لي وتعطوني انما اطلب منكم ان تعينوني بقوة منكم بايديكم اجعل بينكم وبينهم ردما. اي مانعا من عبورهم عليكم حتى اذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا اتوني زبر الحديد اي قطع الحديد فاعطوه ذلك حتى اذا ساوى بين الصدفين الجبلين الذين بنى بينهما السد قال انفخوا النار اي اوقدوها ايقاظا عظيما واستعملوا لها المنافيخ لتشتد فتذيب النحاس. فلما ابا النحاس الذي يريد ان يلصقه بين زبر الحديد. اي نحاسا مذابا افرغ عليه القطر فاستحكم السد استحكاما هائلا وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج يظهر وما استطاعوا له نقبا. اي فما لهم من استطاعة ولا قدرة على الصعود عليه الارتفاعه. ولا على نقبه لاحكامه وقوته. فلما فعل هذا الفعل الجميل والاثر الجليل اضاف النعمة الى موليها وقال هذا رحمة من ربي فاذا جاء وعد ربي جعله دكا وكان وعد ربي حقا هذا رحمة من ربي. اي من فضله واحسانه علي. وهذه حال الخلفاء الصالحين. اذا من الله عليهم بالنعم الجليلة ازداد شكرهم واقرارهم واعترافهم بنعمة الله. كما قال سليمان عليه السلام لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم. قال هذا من فضل ربي ليبلوني اشكر ان اكفر بخلاف اهل التجبر والتكبر والعلو في الارض. فان نعم الكبار تزيدهم اشرا وبطرا. كما قال قارون لما اتاه الله من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة. قال انما اوتيته على علم عندي. وقوله فاذا جاء وعد ربي اي خروج يأجوج ومأجوج جعل اي ذلك السد المحكم المتقن دكا اي دكه فانهدم واستوى هو والارض وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموت في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وترك ان بعضهم يومئذ يموج في بعض. يحتمل ان الضمير يعود الى يأجوج ومأجوج. وانهم اذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للارض كلها. يموج بعض ببعض كما قال تعالى حتى اذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. ويحتمل ان الضمير يعود الى الخلائق يوم القيامة. وانه هم يجتمعون فيه فيكفرون ويموج بعضهم ببعض من الاهوال والزلازل العظام. بدليل قوله ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. وعرضنا جهنم اما يومئذ للكافرين عرضا. الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري. وكانوا لا يستطيعون سمعا اي اذا نفخ اسرافيل في الصور اعاد الله الارواح الى الاجساد. ثم حشرهم وجمعهم لموقف القيامة. الاولين منهم والاخرين والكافرين والمؤمنين ليسألوا ويحاسبوا ويجزون باعمالهم. فاما الكافرون على اختلافهم فان جهنم جزاؤهم خالدين فيها ابدا ولهذا قال كما قال تعالى وبرزت الجحيم وللغاوين اي عرضت لهم لتكون مأواهم ومنزلهم. وليتمتعوا باغلالها وسعيرها وحميمها وزمهريرها. وليذوقوا من العقاب تبكم له القلوب وتصم الاذان؟ وهذا اثار اعمالهم وجزاء افعالهم فانهم في الدنيا كانت اعينهم في غطاء عن ذكري اي معرضين عن الذكر الحكيم والقرآن الكريم. وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه. وفي اعينهم اغطية تمنعهم من رؤية ايات الله النافعة كما قال الله تعالى وعلى ابصارهم غشاوة. وكانوا لا يستطيعون سمعا اي لا يقدرون على سمع ايات الله الموصلة الى الايمان. لبغضهم القرآن والرسول فان المبغض لا يستطيع ان يلقي سمعه الى كلام من ابغضه. فاذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير. فليس لهم سمع ولا بصر ولا عقل نافع فقد كفروا بالله وجحدوا اياته وكذبوا رسله. فاستحقوا جهنم وساءت مصيرا انا اعتدينا جهنم للكافرين نزلا وهذا برهان وبيان لبطلان دعوة المشركين الكافرين. الذين اتخذوا بعض الانبياء والاولياء شركاء لله يعبدونهم. ويزعمون انهم يكونون لهم اولياء ينجونهم من عذاب الله وينيلونهم ثوابه وهم قد كفروا بالله وبرسله. يقول الله لهم على وجه الاستفهام الانكاري تقرر بطلانه في العقول. افحسب الذين كفروا ان يتخذوا عبادي من دون اولياء. اي لا يكون ذلك ولا يوالي ولي الله معاديا لله فان الاولياء موافقون لله في محبته ورضاه وسخطه وبغضه. فيكون على هذا المعنى مشابها لقوله تعالى ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون؟ قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. فمن زعم انه يتخذ ولي الله وليا له وهو معاذ لله فهو كاذب. ويحتمل وهو الظاهر ان المعنى افحسب الكفار بالله المنابذون لرسله؟ ان يتخذوا من دون الله اولياء ينصرونهم وينفعونهم من دون الله ويدفعون عنهم الاذى. هذا حسبان باطل وظن فاسد. فان جميع المخلوقين ليس بيدهم من النفع والضر شيء ويكون هذا كقوله تعالى وليدعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ونحو ذلك من الايات التي يذكر الله فيها ان المتخذ من دونه ولي ينصره ويواليه. ضال خائب الرجاء غير نائل لبعض مقصوده انا اعتدينا جهنم للكافرين نزلا. اي ضيافة وقراء فبئس النزل نزلهم. وبئس ان مضيفتهم اي قل يا محمد للناس على وجه التحذير والانذار هل اخبركم باخسر الناس اعمالا على الاطلاق هم يحسنون صنعا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا. اي بطل واضمحل كل ما عملوه من عمل. يحسبون انهم محسنون في صنعه كيف باعمالهم التي يعلمون انها باطلة؟ وانها محادة لله ورسله ومعاداه. فمن هم هؤلاء الذين خسرت اعمالهم؟ فخسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة الا ذلك هو الخسران المبين. الذين كفروا بايات ربهم ثم لقائه فحبطت اعمالهم فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة اولئك الذين كفروا بايات ربهم ولقائه. اي جحدوا الايات القرآنية والايات العيانية. الدالة على وجوب الايمان به بملائكته ورسله وكتبه واليوم الاخر. فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. لان الوزن فائدته مقابلة الحسنات بالسيئات والنظر في الراجح منها والمرجوح. وهؤلاء لا حسنات لهم لعدم شرطها وهو الايمان. كما قال الله تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما. لكن تعد اعمالهم وتحصى ويقررون بها ويخزون بها على رؤوس الاشهاد. ثم يعذبون عليها ولهذا قال ذلك جزاؤهم اي حبوط اعمالهم وانهم لا يقام لهم يوم القيامة وزنا لحقارتهم و بكفرهم بايات الله واتخاذهم اياته ورسله هزوا يستهزئون بها ويسخرون منها. مع ان الواجب في ايات الله ورسله الايمان التام بها والتعظيم لها والقيام بها اتم القيام. وهؤلاء عكسوا القضية فانعكس امرهم وتعسوا وانتكسوا في العذاب. ولم ما بين مآل الكافرين واعمالهم بين اعمال المؤمنين ومآلهم فقالوا اعتكات لهم جنات الفردوس نزلا. اي ان الذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم شمل هذا الوصف جميع الدين عقائده واعماله اصوله وفروعه الظاهرة والباطنة. فهؤلاء على اختلاف طبقاتهم من الايمان والعمل الصالح لهم جنات الفردوس يحتمل ان المراد بجنات الفردوس اعلى الجنة واوسطها وافضلها وان هذا الثواب لمن كمل الايمان والعمل صالح وهم الانبياء والمقربون. ويحتمل ان يراد بها جميع منازل الجنان. فيشمل هذا الثواب جميع طبقات اهل الايمان. من المقربين والمقتصدين كل بحسب حاله. وهذا اولى المعنيين لعمومه. ولذكر الجنة بلفظ الجمع المضاف الى الفردوس. ولان الفردوس يطلق على المحتوي على كرم او الاشجار الملتفة وهذا صادق على جميع الجنة. فجنة الفردوس نزل وضيافة لاهل الايمان والعمل الصالح في ضيافة اجل واكبر واعظم من هذه الضيافة. المحتوية على كل نعيم للقلوب والارواح والابدان. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من المنازل الانيقة والرياض الناضرة والاشجار المثمرة والطيور المغردة المشجية والمآكل اللذيذة والمشارب الشهية والنساء الحسان والخدم والانهار السارحة والمناظر الرائقة. والجمال الحسي والمعنوي والنعمة الدائمة. واعلى ذلك وافضله واجله. التنعم القرب من الرحمن ونيل رضاه. الذي هو اكبر نعيم الجنان. والتمتع برؤية وجهه الكريم. وسماع كلام الرؤوف الرحيم. فلله تلك الضيافة ما اجلها واجملها وادومها واكملها. وهي اعظم من ان يحيط بها وصف احد من الخلائق. او تخطر على القلوب. فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علما حقيقيا يصل الى قلوبهم. لطارت اليها قلوبهم بالاشواق. ولتقطعت ارواحهم من الم الفراق. ولساروا اليها زرافات وحدانا ولم يؤثروا عليها دنيا فانية. ولذات منغصة متلاشية. ولم يفوتوا اوقاتا تذهب ضائعة خاسرة. يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب الاف مؤلفة. ولكن الغفلة شملت والايمان ضعف والعلم قل والارادة نفذت. فكان ما كان حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. وقوله خالدين فيها لا يبغون عنا حولا. خالدين فيها هذا هو تمام النعيم. ان فيها النعيم الكامل. ومن تمامه انه لا ينقطع. لا يبغون عنها حولا. اي تحولا ولا انتقالا. لانهم لا يرون الا اما يعجبهم ويبهجهم ويسرهم ويفرحهم ولا يرون نعيما فوق ما هم فيه كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا قل لهم مخبرا عن عظمة الباري وسعة صفاته. وانها لا يحيط العباد بشيء منها. لو كان البحر اي هذه الابحر الموجودة في العالم مدادا كلمات ربي اي اشجار الدنيا من اولها الى اخرها من اشجار البلدان والبراي والبحار اقلام لنفد البحر وتكسرت الاقلام قبل ان تنفد كلمات ربي وهذا شيء عظيم لا يحيط به احد. وفي الاية الاخرى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمدها من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم. وهذا من باب تقريب المعنى الى الاذهان لان هذه الاشياء مخلوقة وجميع المخلوقات منقضية منتهية. واما كلام الله فانه من جملة صفاته. وصفاته غير مخلوقة ولا لها حد ولا منتهى. فاي سعة عظمة تصورتها القلوب فالله فوق ذلك. وهكذا سائر صفات الله تعالى كعلمه وحكمته وقدرته ورحمته. فلو جمع علم الخلائق من الاولين والاخرين اهل السماوات واهل الارض. لكان بالنسبة الى علم عظيم اقل من نسبة عصفور وقع على حافة البحر. فاخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته ذلك بان له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة وان الى ربك المنتهى احشروا مثلكم يوحى الي انما الهكم اله واحد. اي قل يا محمد للكفر وغيرهم انما انا بشر مثلكم. اي لست باله ولا لشركة في الملك. ولا علم بالغيب ولا عندي خزائن الله. وانما انا بشر مثلكم عبد من عبيد ربي يوحى الي انما الهكم اله واحد. اي فضلت عليكم بالوحي الذي يوحيه الله الي. الذي اجله الاخبار لكم انما الهكم اله واحد. اي لا شريك له. ولا احد يستحق من العبادة مثقال ذرة غيره. وادعوكم الى العمل الذي يقربكم منه ينيلكم ثوابه ويدفع عنكم عقابه. ولهذا قال فمن كان يرجو لقاء رب وهو الموافق لشرع الله من واجب ومستحب شريك بعبادة ربه احدا. اي لا يرائي بعمله بل يعمله خالصا لوجه الله تعالى. فهذا الذي مع بين الاخلاص والمتابعة هو الذي ينال ما يرجو ويطلب. واما من عدا ذلك فانه خاسر في دنياه واخراه. وقد فاته القرب من مولاه ها هو نيل رضاه بسم الله الرحمن الرحيم ذكر رحمة ربك عبده زكريا. اي هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا عليك ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا. واثاره الصالحة. ومناقبه الجميلة. فان في قصها عبرة المعتبرين واسوة للمقتدين. ولان في تفصيل رحمته لاوليائه. وباي سبب حصلت لهم مما يدعو الى محبة الله تعالى والاكثار من ذكره ومعرفته. والسبب الموصل اليه. وذلك ان الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته. وخصه بوحيه وقام بذلك قيام امثاله من المرسلين. ودعا العباد الى ربه وعلمهم ما علمه الله. ونصح لهم في حياته وبعد مماته. كاخوة اخوانهم من المرسلين ومن اتبعهم. فلما رأى من نفسه ضعف وخاف ان يموت ولم يكن احد ينوب منابه في دعوة الخلق الى ربهم والنصح لهم. شكى الى ربه ضعفه الظاهر والباطن ناداه نداء خفيا ليكون اكمل وافضل واتم اخلاصا. فقال ربي اني وهن العظم مني اي وها وضعف واذا ضعف العظم الذي هو عماد البدن ضعف غيره واشتعل الرأس شيبا. لان الشيب دليل الضعف والكبر. ورسول الموت ورائده ونذيره. فتوسل الى الله تعالى بضعفه وعجزه. وهذا من من احب الوسائل الى الله لانه يدل على التبري من الحول والقوة وتعلق القلب بحول الله وقوته ولم اكن بدعائك ربي شقيا. اي لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الاجابة لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا. ولم تزل الطافك تتوالى علي واحسانك واصلا الي. وهذا توسل الى الله بانعامه عليك واجابة دعواته السابقة. فسأل الذي احسن سابقا ان يتمم احسانه لاحقا. واني خفت الموالي من فهب لي من لدنك وليا. واني الموالي من ورائي واني خفت من يتولى على بني اسرائيل من بعد موتي الا يقوموا بدينك حق القيام. ولا يدعو عبادك اليك وظاهر هذا انه لم ير فيهم احدا فيه لياقة للامامة في الدين. وهذا فيه شفقة زكريا عليه السلام ونصحه. وان طلب للولد ليس كطلب غيره. قصده مجرد المصلحة الدنيوية. وانما قصده مصلحة الدين. والخوف من ضياعه. ورأى غيره غير صالح لذلك وكان بيته من البيوت المشهورة في الدين. ومعدن الرسالة ومظنة للخير. فدعا الله ان يرزقه ولدا يقوم من بعده واشتكى ان امرأته عاقر اي ليست تلد اصلا وانه قد بلغ من الكبر عتيا اي عمرا يندر معه وجود الشهوة والولد وهذه الولاية ولاية الدين وميراث النبوة والعلم والعمل. ولهذا قال يرثني ويرث من ال يعقوب واجعله ربي رضيا. يرثني ويرث من ال يعقوب واجعله ربي رضيا. اي عبدا صالحا ترضاه وتحببه الى عبادك. والحاصل انه سأل الله ولدا ذكرا صالحا. يبقى بعد موته ويكون وليا من بعده. ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه. وهذا افضل ما يكون من الاولاد. ومن رحمة الله بعبده ان يرزقه ولدا صالح صالحا جامعا لمكارم الاخلاق ومحامد الشيم. رحمه ربه واستجاب دعوته فقال يا زكريا ابشرك بغلام اسمه يحيى. اي بشره الله تعالى على يد الملائكة كاتب يحيى وسماه الله له يحيى وكان اسما موافقا لمسماه. يحيى حياة حسية فتتم به المنة ويحيى حياة معنوية وهي حياة القلب والروح بالوحي والعلم والدين. اي لم يسمي هذا الاسم قبله احد ويحتمل ان المعنى لم نجعل له من قبل مثيلا ومساميا. فيكون ذلك بشارة بكماله واتصافه بالصفات الحميدة. وانه فاق من قبله ولكن على هذا الاحتمال هذا العموم ولابد ان يكون مخصوصا بابراهيم وموسى ونوح عليهم السلام ونحوهم ممن هو افضل من يحيى قطعا فحينئذ لما جاءته البشارة بهذا المولود الذي طلبه استغرب وتعجب وقال في غلام وكانت امرأتي عاقرا. وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا اه ربي انا يكون لي غلام؟ والحال ان المانع من وجود الولد موجود بي وبزوجتي وكأنه وقت دعائه لم يستحضر هذا المانع لقوة الوارد في قلبه وشدة الحرص العظيم على الولد وفي هذه الحال حين قبلت دعوته تعجب من ذلك فاجابه الله بقوله وعلي هين اي الامر مستغرب في العادة وفي سنة الله في الخليقة. ولكن قدرة الله تعالى صالحة لايجاد الاشياء بدون اسبابها كذلك هين عليه ليس باصعب من ايجاده قبل ولم يكن شيئا الا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. قال ربي اجعل لي اية ان يطمئن بها قلبي وليس هذا في خبر الله وانما هو كما قال الخليل عليه السلام رب ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبك قلبي فطلب زيادة العلم والوصول الى عين اليقين بعد علم اليقين. فاجابه الله الى طلبته رحمة به. فقال قال ايتك الا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. وفي الاية الاخرى الا تكلم الناس ثلاث ستة ايام الا رمزا. والمعنى واحد لانه تارة يعبر بالليالي. وتارة بالايام ومؤداها واحد. وهذا من الايات العجيبة فان منعه من الكلام مدة ثلاثة ايام. وعجزه عنه من غير خرس ولا افة. بل كان سويا لا نقص فيه. من الادلة على قدرة الله الخارقة للعوائد. ومع هذا ممنوع من الكلام الذي يتعلق بالادميين وخطابهم. واما التسبيح والتهليل والذكر ونحوه فغير ممنوع منه. ولهذا قال في الاية الاخرى واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار. فاطمئن قلبه واستبشر بهذه البشارة العظيمة وامتثل لامر الله له بالشكر بعبادته وذكره. فعكف في محرابه وخرج على قومه منه فاوحى اليهم اي بالاشارة والرمز ان سبحوا بكرة وعشيا. لان البشارة بيحيى في حق الجميع مصلحة دينية كتاب بقوة واتيناه الحكم صبيا. دل الكلام السابق على ولادة يحيى وشبابه وتربيته ما وصل الى حالة يفهم فيها الخطاب امره الله ان يأخذ الكتاب بقوة اي بجد واجتهاد وذلك بالاجتهاد في حفظ الفاظه وفهم والعمل باوامره ونواهيه. هذا تمام اخذ الكتاب بقوة. فامتثل امر ربه واقبل على الكتاب. فحفظه وفهمه على الله فيه من الذكاء والفطنة ما لا يوجد في غيره. ولهذا قال واتيناه الحكم صبيا. اي معرفة احكام الله اهي والحكم بها وهو في حال صغره وصباه اتيناه ايضا حنانا من لدنا اي رحمة ورأفة تيسرت بها اموره وصلحت بها احواله واستقامت بها افعاله زكاة اي طهارة من الافات والذنوب. فطهر قلبه وتزكى عقله. وذلك يتضمن زوال الاوصاف المذمومة. والاخلاق الرديئة. وزيادة الاخلاق الحسنة والاوصاف المحمودة. ولهذا قال اي فاعلا للمأمور تاركا للمحظور من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا. وكان من اهل الجنة التي اعدت للمتقين. وحصل له من الثواب الدنيوي والاخروي. ما كتبه الله على التقوى. وكان ايضا بوالديه اي لم يكن عاقا ولا مسيئا الى ابويه بل كان محسنا اليهما بالقول والفعل. ولم يكن جبارا عصيا اي لم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله. ولا مترفعا على عباد الله ولا على والديه. بل كان متواضعا متذللا مطيعا مقاما لله على الدوام. فجمع بين القيام بحق الله وحق خلقه. ولهذا حصلت له السلامة من الله في جميع احواله. مبادئها وعواقبها فلهذا قال سلامته من الشيطان والشر والعقاب في هذه الاحوال الثلاثة وما بينها. وانه سالم من النار والاهوال. ومن اهل دار السلام فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر المرسلين. وجعلنا الله من اتباعهم انه جواد كريم لما ذكر قصة زكريا ويحيى وكانت من الايات العجيبة انتقل منها الى ما هو اعجب منها تدريجا من الادنى الى الاعلى فقال واذكر واذكر في الكتاب الكريم مريم عليها السلام. وهذا من اعظم فضائلها ان تذكر في الكتاب العظيم. الذي يتلوه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها فيه باحسن الذكر وافضل الثناء. جزاء لعملها الفاضل وسعيها الكامل. اي واذكر في الكتاب مريم في حالها الحسنة. حين اي تباعدت عن اهلها مكانا شرقيا اي مما يلي الشرق عنهم فاتخذت من دونهم حجابا اي سترا ومانعا وهذا التباعد منها واتخاذ الحجاب لتعتزل وتنفرد بعبادة ربها وتقنط له في حالة الاخلاص والخضوع والذل لله تعالى وذلك امتثال منها لقوله تعالى واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. وقوله فارسلنا اليها روحنا وهو جبريل عليه السلام تمثل لها بشرا سويا. اي كاملا من الرجال بصورة جميلة وهيئة حسنة. لا عيب فيه ولا نقص لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه. فلما رأته في هذه الحال وهي معتزلة عن اهلها منفردة عن الناس. قد اتخذت عن اعز الناس عليها وهم اهلها خافت ان يكون رجل قد تعرض لها بسوء وطمع فيها فاعتصمت بربها منه فقالت له اعوذ بالرحمن منك اي التجأ به واعتصم برحمته ان تنالني بسوء ان كنت تقيا اي ان كنت تخاف الله اعملوا بتقواه اترك التعرض لي. فجمعت بين الاعتصام بربها وبين تخويفه وترهيبه. وامره بلزوم التقوى. وهي في تلك الحالة الخالية والشباب والبعد عن الناس. وهو في ذلك الجمال الباهر والبشرية الكاملة السوية. ولم ينطق لها بسوء او يتعرض لها وانما ذلك خوف منها. وهذا ابلغ ما يكون من العفة. والبعد عن الشر واسبابه. وهذه العفة خصوصا مع اجتماع عند واعي وعدم المانع من افضل الاعمال. ولذلك اثنى الله عليها فقال ومريم ابنة عمران التي احصنت فرجها فيه من روحنا. وقال تعالى والتي احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا. وجعلناها وابنها اية للعالمين اعاده الله بعفتها ولدا من ايات الله ورسولا من رسله. فلما رأى جبريل منها الروعة والخيفة قال ها انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا. انما انا رسول ربك اي انما وظيفتي وشغلي. تنفي رسالة ربي فيك. وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه. فان الذكاء الزم تطهيره من الخصال الذميمة. واتصافه بالخصال الحميدة. فتعجبت من وجود الولد من غير اب فقالت لا يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم اك بغيا. والولد لا يوجد الا بذلك قال كذلك قال انا وكان امرا مقضيا. قال كذلك قال ربك هو علي هين. ولنجعله اية للناس. تدل على كمال قدرة الله تعالى. وعلى ان الاسباب جميعها لا تستقل بالتأثير. وانما تأثيرها بتقدير الله. فيري عباده خرق العوائل في بعض الاسباب العادية لان لا يقفوا مع الاسباب. ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها. ورحمة منا اي ولنجعله رحمة من به وبوالدته وبالناس. اما رحمة الله به فلما خصه الله بوحيه ومن عليه بما من به على اولي العزم واما رحمته بوالدته فلما حصل لها من الفخر والثناء الحسن والمنافع العظيمة. واما رحمته بالناس فان اكبر نعمه عليه ان بعث فيهم رسولا يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. فيؤمنون به ويطيعونه. وتحصل فهم سعادة الدنيا والاخرة. وكان اي وجود عيسى عليه السلام على هذه الحالة مقضيا قضاء سابقا فلا بد من نفوذ هذا التقدير والقضاء. فنفخ جبريل عليه السلام في جيبها اي لما حملت بعيسى عليه السلام خافت من الفضيحة فتباعدت عن الناس مكانا قصيا مت قبل هذا قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسي فلما قرب اولادها الجأها المخاض الى جذع نخلة. فلما المها وجع الولادة ووجع الانفراد عن الطعام والشراب ووجع قلبها من قالت الناس وخافت عدم صبرها تمنت انها ماتت قبل هذا الحادث. وكانت نسيا منسيا فلا تذكر وهذا التمني بناء على ذلك المزعج. وليس في هذه الامنية خير لها ولا مصلحة. وانما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل فحينئذ سكن ملكوا روعها وثبت جأشها وناداها من تحتها. لعله في مكان انزل من مكانها. وقال لها لا تحزني اي اتجزعي ولا تهتمي؟ قد جعل ربك تحتك سريا. اي نهرا تشربين منه النخلة تساقط عليك رطبا جليا. اي طريا لذيذا نافعا فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلمه فكلي من التمر واشربي من النهر وقري عينا بعيسى فهذا قنينتها من جهة السلامة من الم الولادة وحصول المأكل والمشرب الهني. واما من جهة قالت الناس فامرها انها اذا رأت احد من البشر ان تقول على وجه الاشارة اكلم اليوم اني نذرت للرحمن صوما اي سكوتا فلن اليوم انسيا. اي لا تخاطبيهم بكلام لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عندهم ان السكوت من العبادات المشروعة. وان انما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها. لان الناس لا يصدقونها ولا فيه فائدة. وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد اعظم شاهد على برائتها فان اتيان المرأة بولد من دون زوج ودعواها انه من غير احد من اكبر الدعاوى التي لو اقيم عدة من الشهود لم تصدق بذلك. فجعلت بينة هذا الخارق للعادة امرا من جنسه. وهو كلام عيسى في حال صغره جدا ولهذا قال تعالى فاتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا. اي فلما ما تعلت مريم من نفاسها اتت بعيسى قومها تحمله وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها فاتت غير مبالية ولا مكترثة فقالوا لقد جئت شيئا فريا اي عظيما وخيما. وارادوا بذلك البغاء. حاشاها من ذلك هنا ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. يا اخت هارون الظاهر انه اخ لها حقيقي نسبوها اليه وكانوا يسمون باسماء الانبياء. وليس هو هارون ابن عمران اخا موسى. لان بينهما قرونا كثيرة. ما كان كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. اي لم يكن ابواك الا صالحين سالمين من الشر. وخصوصا هذا الشر الذي يشيرون اليه وقصدهم فكيف كنت على غير وصفهما واتيت بما لم يأتي به. وذلك ان الذرية في الغالب بعضها من بعض صلاح وضده فتعجبوا بحسب ما قام بقلوبهم. كيف وقع منها؟ فاشارت اليه. قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. فاشارت لهم اليه اي كلموه وانما اشارت لذلك. لانها امرت عند مخاطبة الناس لها ان تقول اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا. فلما اشارت اليهم بتكليمه تعجبوا من ذلك وقالوا قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. لان ذلك لم تجري به عادة. ولا حصل من احد في ذلك السن حينئذ قال عيسى عليه السلام وهو في المهد صبي الكتاب وجعلني نبيا فخاطبهم بوصفه بالعبودية. وانه ليس فيه صفة يستحق بها ان يكون الها. او ابنا للاله. تعالى الله عن قول النصارى مخالفين لعيسى في قوله اني عبد الله ومدعون موافقته اتاني الكتاب ايقظا ان يؤتيني الكتاب وجعلني فاخبرهم بانه عبدالله وان الله علمه الكتاب وجعله من جملة انبيائه. فهذا من كماله لنفسه. ثم ذكر تكميم قيله لغيره فقال وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وجعلني مباركا اينما كنت. اي في اي مكان واي زمان. فالبركة جعلها الله في من تعليم الخير والدعوة اليه. والنهي عن الشر والدعوة الى الله في اقواله وافعاله. وكل من جالسه او اجتمع به نالته بركته. سعد به مصاحبه اوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. اي واوصاني بالقيام بحقوقه التي من اعظمها الصلاة وحقوق عباده التي اجلها الزكاة مدة حياتي. اي فانا ممتثل لوصية ربي. عامل عليها منفذ لها ووصاني ايضا ان ابر والدتي فاحسن اليها غاية الاحسان واقوم بما ينبغي لها لشرفها وفضلها. ولكونها والدة لها حق الولادة وتوابعها اي متكبرا على الله مترفعا على عباده شقيا في دنياي او اخراي فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذللا. متواضعا لعباد الله سعيدا في الدنيا والاخرة. انا ومن اتبعني فلما تم له والكمال ومحامد الخصال قال اي من فضل ربي وكرمه حصلت لي السلامة يوم ولادتي. ويوم موتي ويوم بعثي من الشر والشيطان والعقوبة. وذلك يقتضي سلامته من الاهوال ودار الفجار وانه من اهل دار السلام. فهذه معجزة عظيمة وبرهان باهر. على انه ورسول الله وعبد الله حقا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه ينترون. اي ذلك الموصوف بتلك الصفات. عيسى ابن مريم من غير شك ولا مرية. بل قول الحق وكلام الله الذي لا اصدق منه قيلا ولا احسن منه حديثا. فهذا الخبر اليقيني عن عيسى عليه السلام السلام وما قيل فيه مما يخالف هذا فانه مقطوع ببطلانه. وغايته ان يكون شكا من قائله لا علم له به. ولهذا قال الذي فيه يمترون اي يشكون فيمارون بشكهم ويجادلون بخرصهم. فمن قائل عنه انه الله او ابن الله او ثالث ثلاثة تعالى الله عن افكهم وتقولهم علوا كبيرا. ما كان لله ان يتخذ من ولده ما كان لله ان يتخذ ده من ولد اي ما ينبغي ولا يليق لان ذلك من الامور المستحيلة. لانه الغني الحميد المالك لجميع الممالك. فكيف يتخذ من عباده ومماليكه ولدا سبحانه اي تنزه وتقدس عن الولد والنقص اذا قضى امرا اي من الامور الصغار والكبار لم يمتنع عليه ولم يستصعب يقول له كن فيكون. فاذا كان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي. فكيف يكون له ولد واذا كان اذا اراد شيئا قال له كن فيكون فكيف يستبعد ايجاده عيسى من غير اب؟ ولهذا اخبر عيسى انه عبد مربوب كغيره فقال وان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ان الله ربي وربكم الذي خلقنا وصورنا ونفذ فينا تدبيره وصرفنا تقديره فاعبدوه اي اخلصوا له العبادة واجتهدوا في الانابة. وفي هذا الاقرار بتوحيد الربوبية وتوحيد الالوهية. والاستدلال بالاول على الثاني. ولهذا قال هذا صراط مستقيم. اي طريق معتدل موصل الى الله. لكونه طريق الرسل واتباعهم. وما عدا هذا انه من طرق الغي والضلال لما بين تعالى حال عيسى ابن مريم الذي لا يشك فيه ولا يمترى. اخبر ان الاحزاب اي فرق الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم على اختلاف طبقاتهم اختلفوا في عيسى عليه السلام. فمن غال فيه وجاف فمنهم من قال انه الله ومنهم من قال انه ابن الله ومنهم من قال انه ثالث ثلاثة ومنهم من لم يجعله رسولا بل رماه انه ولد بغي كاليهود. وكل هؤلاء اقوالهم باطلة. واراؤهم فاسدة. مبنية على الشك والعناد. والادلة الفاسدة شبه الكاسدة وكل هؤلاء مستحقون للوعيد الشديد. ولهذا قال وويل للذين كفروا بالله ورسله وكتبه ويدخل فيهم اليهود والنصارى. القائلون بعيسى قول الكفر من مشهد يوم عظيم اي مشهد يوم القيامة الذي يشهده الاولون والاخرون. اهل السماوات واهل الارض الخالق والمخلوق الممتلئ بالزلازل والاهوال. المشتمل على الجزاء بالاعمال. فحينئذ يتبين ما كانوا يخفون ويبدون. وما كانوا يكتمون اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا. اي ما اسمعهم وما ابصرهم في ذلك اليوم. فيقرون بكفرهم وشركهم واقوالهم ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون. ففي القيامة يستيقظون حقيقة ما هم عليه لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين. وليس لهم عذر في هذا الضلال. لانهم بين معاند ضال على بصيرة. عارف بالحق صادف عنه وبين ضال عن طريق الحق. متمكن من معرفة الحق والصواب. ولكنه راض بضلاله. وما هو عليه من سوء اعماله. غير في معرفة الحق من الباطل. وتأمل كيف قال فويل للذين كفروا بعد قوله فاختلف الاحزاب من بينهم. ولم يقل وويل لهم ليعود الضمير الى الاحزاب. لان من الاحزاب المختلفين طائفة اصابت الصواب ووافقت الحق. فقالت في عيسى انه عبد الله ورسوله فامنوا به واتبعوه. فهؤلاء مؤمنون. غير داخلين في هذا الوعيد. فلهذا خص الله بالوعيد الكافرين وانذرهم يوم الحسرة ان قضي الامر وهم في غفلة انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون الانذار هو الاعلام بالمخوف على وجه الترهيب والاخبار بصفاته واحق ما ينذر به ويخوف به العباد. يوم الحسرة حين يقضى الامر فيجمع الاولون والاخرون في موقف واحد. ويسألون عن اعمالهم. فمن امن بالله واتبع رسله. سعد سعادة له سيشقى بعدها ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة بعدها وخسر نفسه واهله فحينئذ يتحسر ويندم ندامة تتقطع منها القلوب وتنصدع منها الافئدة. واي حسرة اعظم من فوات رضا الله وجنته. واستحقاق سخطه نار على وجه لا يتمكن من الرجوع ليستأنف العمل. ولا سبيل له الى تغيير حاله بالعود الى الدنيا. فهذا قدامهم والحال انهم في الدنيا في غفلة عن هذا الامر العظيم. لا يخطر بقلوبهم ولو خطرت على سبيل الغفلة. قد عمتهم الغفلة وشملتهم سكرة فهم لا يؤمنون بالله ولا يتبعون رسله. قد الهتهم دنياهم وحالت بينهم وبين الايمان شهواتهم المنقضية الفانية فالدنيا وما فيها من اولها الى اخرها ستذهب عن اهلها ويذهبون عنها. وسيرث الله الارض ومن عليها ويرجعهم فيجازيهم بما عملوا فيها وما خسروا فيها او ربحوا. فمن فعل خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا اجل الكتب وافضلها واعلاها هذا الكتاب مبين والذكر الحكيم فان ذكر فيه الاخبار كانت اصدق الاخبار واحقها. وان ذكر فيه الامر والنهي كانت اجل الاوامر والنوافل الله واعدلها وابسطها. وان ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد. كان اصدق الانباء واحقها وادلها على الحكمة والعدل والفضل وان ذكر فيه الانبياء والمرسلون كان المذكور فيه اكمل من غيره وافضل. ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الانبياء. الذي حين فضلهم على غيرهم ورفع قدرهم واعلى امرهم بسبب ما قاموا به من عبادة الله ومحبته والانابة اليه والقيام بحقوقه وحقوق العباد. ودعوة الخلق الى الله والصبر على ذلك. والمقامات الفاخرة والمنازل العالية. فذكر الله في هذه السورة جملة من الانبياء يأمر الله رسوله ان يذكرهم. لان في ذكرهم اظهار الثناء على الله وعليهم. وبيان فضله واحسانه اليهم وفيه الحث على الايمان بهم ومحبتهم والاقتداء بهم. فقال جمع الله له بين الصديقية والنبوة. فالصديق كثير الصدق فهو الصادق في اقواله وافعاله واحواله المصدق بكل ما امر بالتصديق به. وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل الى القلب. المؤثر فيه الموجب لليقين والعمل الصالح الكامل وابراهيم عليه السلام هو افضل الانبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الاب الثالث للطوائف الفاضلة وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب. وهو الذي دعا الخلق الى الله وصبر على ما ناله من العذاب العظيم ودع القريب والبعيد واجتهد في دعوة ابيه مهما امكنه. وذكر الله مراجعته اياه. فقال تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. اذ قال لابيه مهجنا له عبادة الاوثان يا ابتي لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. اي لم تعبد اصناما ناقصة في ذاتها وفي افعالها فلا تسمع ولا تبصر. ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا. بل لا تملك لانفسها شيئا من النفع. ولا تقدر على شيء من الدفع فهذا برهان جلي دال على ان عبادة الناقص في ذاته وافعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه واشارته ان الذي يجب يحسن عبادة من له الكمال. الذي لا ينال العباد نعمة الا منه. ولا يدفع عنهم نقمة الا هو. وهو وهو الله تعالى يا ابتي اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني اهدك صراطا يا ابتي اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك. اي يا ابتي لا تحقرني وتقول اني ابنك وان عندك ما ليس بل قد اعطاني الله من العلم ما لم يعطك. والمقصود من هذا قوله. اي مستقيما معتدلا وهو عبادة الله وحده لا شريك له وطاعته في جميع الاحوال. وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ما لا يخفى فانه لم يقل يا ابتي انا عالم وانت جاهل اوليس عندك من العلم شيء؟ وانما اتى بصيغة تقتضي ان عندي وعندك علما وان الذي وصل الي لم يصل اليك ولم يأتك فينبغي لك ان تتبع الحجة وتنقاد لها ان الشيطان كان للرحمن عصيا. يا ابتي لا تعبدي الشيطان لان من عبد غير الله فقد عبد الشيطان كما قال تعالى الم اعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين فمن اتبع خطواته فقد اتخذه وليا وكان عاصيا لله بمنزلة الشيطان. وفي اضافة العصيان الى اسم الرحمن. اشارة الى ان المعاصي تمنع العبد من رحمة الله. وتغلق عليه ابوابها. كما ان الطاعة اكبر الاسباب لنيل رحمته ولهذا قال يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن. اي بسبب اصرارك على الكفر وتماديك في الطغيان فتكون للشيطان وليا. اي في الدنيا والاخرة. فتنزل بمنازله الذميمة وترتع في مراتعه الوخيمة. فتذكر فرج الخليل عليه السلام بدعوة ابيه بالاسهل فالاسهل فاخبره بعلمه وان ذلك موجب لاتباعك اياي وانك ان اطعتني اهتديت الى صراط مستقيم. ثم نهاه عن عبادة الشيطان. واخبره بما فيها من المضار. ثم حذره عقاب الله ونقمة متى ان اقام على حاله وانه يكون وليا للشيطان فلم ينجح هذا الدعاء بذلك الشقي؟ واجاب بجواب جاهل قال اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم؟ فتبجح بالهته هي من الحجر والاصنام ولام ابراهيم عن رغبته عنها. وهذا من الجهل المفرط. والكفر الوخيم. يتمدح بعبادة الاوثان ويدعو اليها ان لم تنتهي اي عن شتم الهتي ودعوتي الى عبادة الله لارجمنك اي قتلا بالحجارة واهجرني مليا اي لا اني زمانا طويلا فاجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين. ولم يشتمه بل صبر ولم يقابل اباه بما يكره وقال سلام عليك اي ستسلم من خطابي اياك بالشتم والسب وبما تكره. ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. اي لا ازال ادعو الله لك بالهداية والمغفرة بان يهديك للاسلام الذي تحصل به المغفرة انه كان بي حفيا. اي رحيما رؤوفا بحالي فلم يزل يستغفر الله له رجاء ان يهديه الله. فلما تبين له انه عدو الله وانه لا يفيد فيه شيئا. ترك استغفار له وتبرأ منه. وقد امرنا الله باتباع ملة ابراهيم. فمن اتباع ملته سلوك طريقه في الدعوة الى الله. بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة. والانتقال من مرتبة الى مرتبة. والصبر على ذلك. وعدم السآمة منه. والصبر على ما ينال الداعي من هذا الخلق بالقول والفعل. ومقابلة ذلك بالصفح والعفو. بل بالاحسان القولي والفعلي. فلما ايس من قومه وابيه قال واعتزلكم وما تدعون من دون الله. اي انتم واصنامكم وادعو ربي وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة عسى ان لا اكون بدعاء ربي شقيا. اي عسى الله ان يسعدني باجابة دعائي. وقبول اعمالي وهذه وظيفة من ايس ممن دعاهم واتبعوا اهواءهم فلم تنجح فيهم المواعظ فاصروا في طغيانهم يعمهون ان يشتغل اصلاح نفسه ويرجو القبول من ربه ويعتزل الشر واهله. ولما كان مفارقة الانسان لوطنه ومألفه واهله وقومه من اشقاء بشيء على النفس بامور كثيرة معروفة ومنها انفراده عن من يتعزز بهم ويتكثر. وكان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه واعتزل ابراهيم قومه قال الله في حقه بسم الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا من اسحاق يعقوب جعلنا نبيا حصل له هبة هؤلاء الصالحين المرسلين الى الناس الذين خصهم الله بوحيه واختارهم برسالته واصطفاهم من العالمين ووهبنا لهم اي لابراهيم وابنيه من رحمتنا. وهذا يشمل جميع ما وهب الله لهم من الرحمة. من العلوم النافعة والاعمال الصالحة والذرية الكثيرة المنتشرة الذين قد كثر فيهم الانبياء والصالحون. وجعلنا لهم لسان صدق علي وهذا ايضا من الرحمة التي وهبها لهم. لان الله وعد كل محسن ان ينشر له ثناء صادقا بحسب احسانه. وهؤلاء من ائمة المحسنين فنشر الله الثناء الحسن الصادق غير الكاذب العالية غير الخفي. فذكرهم ملأ الخافقين. والثناء عليهم محبتهم امتلأت بها القلوب وفاضت بها الالسنة فصاروا قدوة للمقتدين وائمة للمهتدين ولا تزال اذكارهم في سائر في العصور متجددة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم انه كان مخلصا وكان رسولا اي واذكر في هذا القرآن العظيم موسى ابن عمران على وجه التبجير والتعظيم والتعريف بمقامه الكريم. واخلاقه الكاملة. انه كان مخلصا. قرئ بفتح اللام على معنى ان الله تعالى فاختاره واستخلصه واصطفاه على العالمين. وقرأ بكسرها. على معنى انه مخلص لله تعالى. في جميع اعماله واقواله ونياته فوصفه الاخلاص في جميع احواله. والمعنيان متلازمان. فان الله اخلصه لاخلاصه. واخلاصه موجب لاستخلاص واجل حالة يوصف بها العبد الاخلاص منه والاستخلاص من ربه. اي جمع الله له بين الرسالة والنبوة. الرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل. وتبليغ جميع ما جاء به من الشرع. دقه وجله والنبوة تقتضي ايحاء الله اليه وتخصيصه بانزال الوحي اليه. فالنبوة بينه وبين ربه. والرسالة بينه وبين الخلق. بل خصه الله من انواع الوحي باجل انواعه وافضلها وهو تكريمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى. وبهذا اختص من بين الانبياء بانه كليم الرحمن ولهذا قال وناديناه من جانب الطور الايمن اي الايمن من موسى في وقت مسيره او الايمن اي الابرك من اليمن والبركة ويدل على هذا المعنى قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها. والفرق بين النداء والنداء ان النداء هو الصوت الرفيع والنداء ما دون ذلك. وفي هذه اثبات الكلام لله تعالى وانواعه من النداء والنجاح كما هو مذهب اهل السنة والجماعة خلافا لمن انكر ذلك من الجهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم وقوله وهبنا له من رحمة اخاه هارون نبيا. ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا هذا من اكبر فضائل موسى واحسانه. ونصحه لاخيه هارون انه سأل ربه ان يشركه في امره. وان يجعله رسولا مثله الله له ذلك ووهب له من رحمته اخاه هارون نبيا. فنبوة هارون تابعة لنبوة موسى عليهما السلام. فساعد له على امره واعانه عليه اي واذكر في القرآن الكريم هذا النبي العظيم الذي خرج منه الشعب العربي افضل الشعوب واجلها الذي منهم سيد ولد ادم انه كان صادق الوعد اي لا يعد وعدا الا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله والله او مع العباد. ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح ابيه له. وقال ستجدني ان شاء الله من الصابرين. وفى بذلك ومكن اباه من الذبح الذي هو اكبر مصيبة تصيب الانسان. ثم وصفه بالرسالة والنبوة التي هي اكبر منن الله على عبده واهلها من الطبقة العليا من الخلق مرضيا. وكان يأمر اهله بالصلاة والزكاة. اي كان مقيما لامر الله على اهله. فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للاخلاص للمعبود وبالزكاة المتضمنة للاحسان الى العبيد. وكمل نفسه وكمل غيره وخصوصا اخص الناس عنده وهم اهله لانهم احق بدعوته من غيرهم. وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه ارتضاه الله وجعله من خواص عباده واوليائه المقربين. رضي الله عنه ورضي هو عن ربه اي يذكر في الكتب على وجه التعظيم والاجلال والوصف بصفات الكمال ادريس جمع الله له بين الصديقية الجامعة للتصديق التام والعلم الكامل واليقين الثابت والعمل الصالح. وبين اصطفائه لوحيه واختياره لرسالته. اي رفع الله ذكره في امين ومنزلة بين المقربين. فكان عالي الذكر عالي المنزلة الله عليهم من النبيين من النبيين من ذرية ادم ومن ابراهيم قيل وممن هدينا واجتبينا وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى لما ذكر هؤلاء الانبياء المكرمين وخواص المرسلين. وذكر فضائلهم ومراتبهم. قال اولئك الذين انعم الله عليهم من اي انعم الله عليهم نعمة لا تلحق ومنة لا تسبق. من النبوة والرسالة وهم الذين امرنا ان ندعو الله ان يهدينا صراط الذين انعمت عليهم وان من اطاع الله كان مع الذين انعم الله عليهم من النبيين وان بعضهم من النبيين من ادم ومن من حملنا مع نوح. من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح اي من ذريته قيل وممن هدينا واجتبينا. ومن ذرية ابراهيم واسرائيل. فهذه خير بيوت العالم الله واختارهم واجتباهم وكان حالهم عند تلاوة ايات الرحمن عليهم المتضمنة للاخبار بالغيوب صفات علام الغيوب والاخبار باليوم الاخر والوعد والوعيد. خروا سجدا وبكيا اي خضعوا لايات الله وخشعوا لها واثرت في قلوبهم من الايمان والرغبة والرهبة ما اوجب لهم البكاء والانابة والسجود لربهم ولم يكونوا من الذين اذا سمعوا ايات الله خروا عليها صما وعميان. وفي اضافة الايات الى اسمه الرحمن. دلالة على ان اياته من رحمته بعباده واحسانه اليه اليهم حيث هداهم بها الى الحق وبصرهم من العمى وانقذهم من الضلالة وعلمهم من الجهالة لما ذكر تعالى هؤلاء الانبياء المخلصون المتبعون لمراضي ربهم المنيبون اليه. ذكر من اتى بعدهم وبدلوا ما امروا به. وانه خلف من بعدهم خلف رجعوا الى الخلف والوراء فاضاعوا الصلاة التي امروا بالمحافظة عليها واقامتها. فتهاونوا بها وضيعوها واذا ضيعوا الصلاة التي هي هي عماد الدين وميزان الايمان والاخلاص لرب العالمين. التي هي اكد الاعمال وافضل الخصال كانوا لما سواها من دينهم اضيع وله ارفض والسبب الداعي لذلك انهم متبعوا شهوات انفسهم واراداتها وصارت همم منصرفة اليها مقدمة لها على حقوق الله فنشأ من ذلك التضييع لحقوقه والاقبال على شهوات انفسهم مهما لاحت لهم حصلوها وعلى اي وجه اتفق تناولوها. اي عذابا مضاعفا شديدا. ثم استثنى تعالى فقال فاولئك الا من تاب عن الشرك والبدع والمعاصي فاقلع عنها وندم عليها. وعزم عزما جازما الا يعاودها. وامن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وعمل صالحا وهو العمل الذي شرعه الله على السنة رسله اذا قصد به وجهه يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. فاولئك الذين جمعوا بين التوبة والايمان والعمل الصالح يدخلون الجنة المشتملة على النعيم المقيم. والعيش السليم وجوار الرب الكريم. ولا يظلمون شيئا من اعمالهم فليجدونها كاملة موفرة اجورها مضاعفا عددها. ثم ذكر ان الجنة التي وعدهم بدخولها ليست كسائر الجنات وانما هي جنات عدن جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا. وانما هي جنات عدن اي جنات اقامة. لا معنا فيها ولا حول ولا زوال وذلك لسعتها وكثرة ما فيها من الخيرات والسرور والبهجة والحبور التي وعد الرحمن عباده بالغيب اي التي وعدها الرحمن. اضافها الى اسمه الرحمن لانها فيها من الرحمة والاحسان. ما لا عين رأت ولا لا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وسماها تعالى رحمته. فقال واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون وايضا ففي اضافتها الى رحمته. ما يدل على استمرار سرورها وانها باقية ببقاء رحمته. التي هي اثرها وموجبها والعباد في هذه الاية المراد عباد الهيته. الذين عبدوه والتزموا شرائعه. فصارت العبودية وصفا لهم كقوله وعباد الرحمن ونحوه. بخلاف عباده المماليك فقط الذين لم يعبدوه. فهؤلاء وان كانوا عبيدا لانه خلقهم ورزقهم ودبرهم. فليسوا داخلين في عبيد الهيته. العبودية الاختيارية. التي يمدح صاحبها وانما عبوديتهم عبودية اضطرار لا مدح لهم فيها. وقوله بالغيب يحتمل ان تكون متعلقة بوعد الرحمن فيكون المعنى على هذا ان الله وعدهم اياها وعدا غائبا. لم يشاهدوه ولم يروه فامنوا بها وصدقوا غيبها وسعوا لها سعيها مع انهم لم يروها. فكيف لو رأوها؟ لكانوا اشد لها طلبا. واعظم فيها رغبة واكثر لها سعيا ويكون في هذا مدح لهم بايمانهم بالغيب. الذي هو الايمان النافع. ويحتمل ان تكون متعلقة بعباده. اي الذين عبدوه وفي حال غيبهم وعدم رؤيتهم اياه. فهذه عبادتهم ولم يروه. فلو رأوه لكانوا اشد له عبادة. واعظم انابة واكثر حبا واجل شوقا. ويحتمل ايضا ان المعنى هذه الجنات التي وعدها الرحمن عبادة من الامور التي لا تدركها الاوصاف ولا يعلمها احد الا الله. ففيه من التشويق لها والوصف المجمل. ما يهيج النفوس ويزعج الساكن الى طلبها. فيكون وهذا مثل قوله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. جزاء بما كانوا يعملون. والمعاني كلها صحيحة ثابتة لكن الاحتمال الاول اولى بدليل قوله لابد من وقوع اوعي فانه لا يخلف الميعاد وهو اصدق القائلين ولهم رزقهم فيها بكرة وعشية. لا يسمعون فيها لغوا. اي كلاما لاغيا لا فائدة فيه ولا ما يؤثم فلا يسمعون فيها شتما ولا عيبا ولا قولا فيه معصية لله او قولا مكدرا الا سلاما اي ان الاقوال السالمة من كل عيب. من ذكر الله وتحية وكلام سرور. وبشارة ومطارحة الاحاديث الحسنة بين الاخوان وسماع خطاب الرحمن والاصوات الشجية من الحور والملائكة والولدان. والنغمات المطربة والالفاظ الرخيمة. لان الدار دار السلام فليس فيها الا السلام التام من جميع الوجوه اي ارزاقهم من المآكل والمشارب وانواع اللذات. مستمرة حيثما طلبوا. وفي اي وقت رغبوا. ومن تمامها ولذتها او حسنها ان تكون في اوقات معلومة بكرة وعشية ليعظم وقعها ويتم نفعها التي نورث من عبادنا من كان تقيا. فتلك الجنة التي وصفناها ما ذكر التي نورث من عبادنا من كان تقيا. اي نورثها المتقين ونجعلها منزلهم الدائم الذي لا يطعنون عنا ولا يبغون عنه حولا. كما قال الله تعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض. اعدت المتقين استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله اليه فقال له لو تأتينا اكثر مما تأتينا تشوقا اليه وتوحشا لفراقه وليطمئن قلبه بنزوله فانزل الله تعالى على لسان جبريل وما نتنزل الا بامر ربك. اي ليس لنا من الامر شيء. ان امرنا ابتدرنا امره ولم نعصي له امرا. كما قال عنهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. فنحن عبيد مأمورون ما بين ايدينا وما خلفنا وما بين ذلك. اي له الامور الماضية والمستقبلة والحاضرة في الزمان والمكان فاذا تبين ان الامر كله لله واننا عبيد مدبرون فيبقى الامر دائرا بين هل تقتضيه الحكمة فهية فينفذه؟ ام لا تقتضيه فيؤخره؟ ولهذا قال اي لم يكن الله لينساك ويهملك. كما قال تعالى ما ودعك ربك وما قلى. بل لم يزل معتنيا بامورك مجريا لك على احسن عوائده وتدابيره الجميلة. اي فاذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد فلا يحزنك ذلك ولا يهمك. واعلم ان الله هو الذي اراد ذلك لما له من الحكمة فيه. ثم علل احاطة علمه وعدم نسيانه بانه رب السماوات والارض ربوبيته للسموات والارض. وكونهما على احسن نظام واكمله. ليس فيه غفلة ولا اهمال ولا سدى ولا باطل برهان قاطع على علمه الشامل. فلا تشغل نفسك بذلك. بل اشغلها بما ينفعك ويعود عليك طائله. وهو عبادته وحده لا شريك له. اي اصبر نفسك عليها وجاهدها وقم عليها اتم القيام واكملها بحسب قدرتك وفي الاشتغال بعبادة الله. تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشتهيات. كما قال تعالى ولا تمدن عينيك فالى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. الى ان قال وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها. هل اي هل تعلم لله مساميا ومشابها ومماثلا من المخلوقين؟ وهذا استفهام بمعنى النفي. المعلوم بالعقل اي لا تعلم له مساميا ولا مشابها. لانه الرب وغيره مربوب. الخالق وغيره مخلوق الغني من جميع الوجوه. وغيره فقير بالذات من كل وجه. الكامل الذي له كمال المطلق من جميع الوجوه. وغير ناقص ليس فيه من الكمال الا ما اعطاه الله تعالى. فهذا برهان قاطع على ان الله هو المستحق لافراده بالعبودية. وان عبادته حق وعبادة ما سواه باطل. فلهذا امر بعبادته وحده والاصطبار لها. وعلل ذلك بكماله وانفراده والاسماء الحسنى. المراد بالانسان هذا هنا كل منكر للبعث مستبعد لوقوعه. فيقول مستفهما على وجه النفي والعناد والكفر. فاذا ما مت لسوف اخرج حي اي كيف يعيدني الله حيا بعد الموت؟ وبعد ما كنت رميما هذا لا يكون ولا يتصور. وهذا بحسب عقله الفاسد ومقصده السيء وعناده لرسول الله وكتبه. فلو نظر ادنى نظر وتأمل ادنى تأمل. لرأى استبعاده للبعث في غاية السخافة ولهذا ذكر تعالى برهانا قاطعا ودليلا واضحا يعرفه كل احد على امكان البعث فقال اي اولا يلفت نظره ويستذكر حالته الاولى وان الله خلقه اول مرة ولم يكن شيئا. فمن قدر على خلقه من العدم. ولم يكن شيئا مذكورا. اليس بقادر على انشائه بعد ما تمزق وجمعه بعدما تفرق. وهذا كقوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه. وفي قوله اولا يذكر الانسان دعوة للنظر بالدليل العقلي بالطف خطاب. وان انكار من انكر ذلك مبني على غفلة من عن حاله الاولى والا فلو تذكرها واحضرها في ذهنه لم ينكر ذلك اقسم الله تعالى وهو اصدق القائلين بربوبيته ليحشرن هؤلاء المنكرين للبعث هم وشياطينهم فيجمعهم لميقات يوم معلوم اي جاثين على ركبهم من شدة الاهوال وكثرة الزلزال وفظاعة الاحوال منتظرين لحكم الكبير المتعال. ولهذا ذكر حكمه فيهم فقال اشد على الرحمن عتيا اي ثم لننزعن من كل طائفة وفرقة من الظالمين المشتركين في الظلم والكفر والعتو اشدهم عتوا واعظمهم واكبرهم كفرا فيقدمهم الى العذاب ثم هكذا يقدم الى العذاب الاغلظ اثما فالاغلظ. وهم في تلك الحال يلعن بعضهم بعضا. ويقول اخراهم لاولاهم. ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار. قال لكل من ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت اولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل. وكل هذا تابع لعدله وحكمته وعلمه واسع ولهذا قال اي علم انا محيط بمن هو اولى صينيا بالنار. قد علمناهم وعلمنا اعمالهم واستحقاقها وقسطها من العذاب كان على حتما مضيا. وهذا خطاب لسائر الخلائق برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم انه ما منهم من احد الا سيرد النار حكما حتمه الله على نفسه واوعد به فلا بد من نفوذه ولا محيد عن وقوعه. واختلف في معنى الورود. فقيل ورودها حضورها للخلائق كلهم سيحصل الانزعاج من كل احد. ثم بعد ينجي الله المتقين. وقيل ورودها دخولها. فتكون على المؤمنين ردا وسلاما وقيل الورود هو المرور على الصراط. الذي هو على متن جهنم. فيمر الناس على قدر اعمالهم. فمنهم من يمر كلمح البصر وكالريح وكاجاويد الخيل وكاجاويد الركاب ومنهم من يسعى ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا منهم من يخطف فيلقى في النار كل بحسب تقواه. ولهذا قال ثم ننجي الذين اتقوا الله تعالى بفعل المأمور واجتناب المحظور ونظر الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي فيها جثيا. وهذا بسبب ظلمهم وكفرهم. وجب لهم الخلود وحق عليهم العذاب وتقطعت بهم الاسباب الذين امنوا اي الفريقين خير مقاما واحسن نديا. اي واذا تتلى على هؤلاء الكفار اياتنا بين اي واضحات الدلالة على وحدانية الله وصدق رسله. توجب لمن سمعها صدق الايمان وشدة الايقان. قابلوها بضد ما يجب لها واستهزءوا بها وبمن امن بها واستبدلوا بحسن حالهم في الدنيا. على انهم خير من المؤمنين. فقالوا معارضين للحق. اي اي نحن والمؤمنون خير مقاما اي في الدنيا من كثرة الاموال والاولاد وتوفر الشهوات واحسن ندي اي مجلسا اي فاستنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة انهم اكثر اموالا واولادا. وقد حصلت لهم اكثر مطالبهم من الدنيا ومجالسهم وانديتهم مزخرفة مزوقة. والمؤمنون بخلاف هذه الحال وهم خير من المؤمنين. وهذا دليل في غاية وهو من باب قلب الحقائق. والا فكثرة الاموال والاولاد وحسن المنظر كثيرا ما يكون سببا لهلاك صاحبه وشقائه وشره ولهذا قال تعالى احسن اثاث اي متاعا من اوان وفرش وبيوت وزخارف واحسن رؤيا اي احسن مرأ ومنظرا من غضارة العيش وسرور اللذات وحسن الصور. فاذا كان هؤلاء المهلكون احسن منهم اثاثا ورؤيا. ولم يمنعهم ذلك من حلول العقاب فكيف يكون هؤلاء وهم اقل منهم واذل معتصمين من العذاب؟ اكفاركم خير من اولئكم ام لكم براءة في الزبر وعلم من هذا ان الاستدلال على خير الاخرة بخير الدنيا من افسد الادلة وانه من طرق الكفار كل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مد. لما ذكر دليلهم الباطل الدال على شدة عناده وقوة ضلالهم. اخبر هنا ان من كان في الضلالة بان رضيها لنفسه وسعى فيها. فان الله يمده منها ويزيده فيها حب عقوبة له على اختيارها على الهدى. قال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ونقلب افئدتهم وابصارهم ما لم يؤمنوا به اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون. حتى اذا رأوا ما يوعدون ان العذاب وان ان الساعة حتى اذا رأوا اي القائلون اي الفريقين خير مقاما واحسن نديا ما يوعدون اما العذاب قتل او غيره واما الساعة التي هي باب الجزاء على الاعمال اي فحينئذ يتبين لهم بطلان دعواهم وانها دعوة مضمحلة ويتيقنون انهم اهل الشر واضعف جندا ولكن لا يفيدهم هذا العلم شيئا. لانه لا يمكنهم الرجوع الى الدنيا فيعملون غير اليهم الاول خير عند ربك ثوابا وخير مردا لما ذكر انه يمد للظالمين في ضلالهم. ذكر انه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته. والهدى يشمل العلم النافع العمل الصالح وكل من سلك طريقا في العلم والايمان والعمل الصالح. زاده الله منه وسهله عليه ويسره له. ووهب له امورا اخر لا تدخل تحت كسبه. وفي هذا دليل على زيادة الايمان ونقصه. كما قاله السلف الصالح. ويدل عليه قوله تعالى ليزداد الذين امنوا ايمانا وقوله تعالى واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا ويدل عليه ايضا الواقع فان الايمان القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح. والمؤمنون متفاوتون في هذه الامور. اعظم تفاوت. ثم قال الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير والباقيات الصالحات اي الاعمال الباقية. التي لا تنقطع اذا انقطع غيرها ولا تضمحل. هي الصالحات منها من صلاة وزكاة وصوم وحج وعمرة. وقراءة وتسبيح وتكبير وتحميد وتهليل. واحسان الى المخلوقين واعمال قلبية وبدنية فهذه الاعمال خير عند ربك ثوابا وخير اي خير عند الله. ثوابها واجرها. وكثير للعاملين نفعها ورمدها. وهذا من باب استعمال افعال التفضيل في غير بابه. فانه ما ثم غير الباقيات الصالحات عمل ينفع. ولا يبقى لصاحبه ثوابه ولا ينجح مناسبة ذكر الباقيات الصالحات والله اعلم انه لما ذكر ان الظالمين جعلوا احوال الدنيا من المال والولد وحسن المقام ونحو ذلك علامة لحسن حال صاحبها اخبر هنا ان الامر ليس كما زعموا بل العمل الذي هو عنوان السعادة ومنشور الفلاح هو العمل بما يحبه الله ويرضاه افرأيت الذي كفر باياتنا وقال لاوتين ما لم وولدا اي افلا تتعجب من حالة هذا الكافر انه جمع بين كفره بايات الله. ودعواه الكبيرة انه سيؤتى في الاخرة مالا وولدا. ان يكونوا من اهل الجنة. هذا من اعجب الامور فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوة لسهل الامر. وهذه الاية وان كانت نازلة في كافر معين فانها تشمل كل كافر زعم انه على الحق وانه من اهل الجنة. قال الله توبيخا له وتكذيبا اطلع الغيب اي احاط علمه بالغيب حتى علم ما يكون. وان من جملة ما يكون انه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا؟ ام اتخذ عند الرحمن عهدا انه نائل ما قاله؟ اي لم يكن شيء من ذلك فعلم انه متقول قائل ما لا علم له به. وهذا التقسيم والترديد لغاية ما يكون من الالزام واقامة الحجة. فان الذي يزعم انه محاصن له خير عند الله في الاخرة. لا يخلو اما ان يكون قوله صادرا عن علم بالغيوب المستقبلة. وقد علم ان هذا لله وحده فلا احد يعلم شيئا من المستقبلات الغيبية. الا ما اطلعه الله اليه من رسله. واما ان يكون متخذا عهدا عند الله. بالايمان به واتباع رسله الذي عهد الله لاهله واوزع انهم اهل الاخرة الناجون الفائزون. فاذا انتفى هذان الامران علم بذلك بطلان الدعوة. ولهذا قال تعالى ونرثه ما يقول ويأتينا فردا. كلا اي ليس الامر كما زعم. فليس للقائل اطلاع على الغيب لانه كافر ليس عنده من علم الرسل شيء. ولا اتخذ عند الرحمن عهدا بكفره وعدم ايمانه. ولكنه يستحق ضد ما تقوله وان قوله مكتوب محفوظ ليجازى عليه ويعاقب. ولهذا قال اي نزيده من انواع العقوبات كما ازداد من والضلال ونرثه ما يطول ويأتينا فردا. ونرثه ما يقول اي نرثه ما له وولده. فينتقل من الدنيا فردا بلا مال ولا اهل ولا انصار ولا اعوان. ويأتينا فردا فيرى من وخيم العذاب واليم العقاب ما هو جزاء امثاله من الظالمين واتخذوا من دون الله الهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون المتر انا ارسلنا الشياطين على الكافرين وهذا من عقوبة الكافرين انهم لما لم يعتصموا بالله ولم يتمسكوا بحبل الله بل اشركوا به ولو اعدائه من الشياطين سلطهم عليهم وقيدهم لهم فجعلت الشياطين تؤزهم الى المعاصي ازا وتزعجهم الى الكفر هذا فيوسوسون لهم ويوحون اليهم ويزينون لهم الباطل ويقبحون لهم الحق. فيدخل حب الباطل في قلوبهم ويتشرب فيسعى فيه سعي المحق في حقه. فينصره بجهده ويحارب عنه. ويجاهد اهل الحق في سبيل الباطل. وهذا كله جزاء على توليه من وليه وتوليه لعدوه جعل له عليه سلطان. والا فلو امن بالله وتوكل عليه لم يكن له عليه سلطان كما قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولون والذين هم به مشركون. فلا تعجل عليهم اي على هؤلاء الكفار المستعجلين بالعذاب. انما نعد لهم عدا. اي ان لهم اياما معدودة. لا يتقدمون عنها ولا يتأخرون نمهلهم ونحلم عنهم مدة ليراجعوا امر الله. فاذا لم ينجح فيهم ذلك اخذناهم اخذ عزيز مقتدر يخبر تعالى عن تفاوت الفريقين المتقين والمجرمين وان المتقين له باتقاء الشرك والبدع والمعاصي يحشرهم الى موقف القيامة مكرمين مبجلين معظمين وان مآلهم الرحمن وقصدهم المنان وفودا اليه. والوافد لا بد ان يكون في قلبه من الرجاء وحسن الظن بالوافد اليه. ما هو معلوم المتقون يفدون الى الرحمن راجين منه رحمته وعميم احسانه. والفوز بعطاياه في دار رضوانه. وذلك بسبب ما قدموه من عملي بتقواه واتباع مراضيه. وان الله عهد اليهم بذلك الثواب على السنة رسله. فتوجهوا الى ربهم مطمئنين به. واثقين واما المجرمون. فانهم يساقون الى جهنم وردا اي عطاشا وهذا ابشع ما يكون من الحالات. سوقهم على وجه الذل والصغار الى اعظم سجن وافظع عقوبة. وهو جهنم في حال ظمأهم ونصبهم يستغيثون فلا يغاثون ويدعون فلا يستجاب لهم ويستشفعون فلا يشفع لهم. ولهذا قال لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا. لا يملكون الشفاعة اي ليست الشفاعة ملكهم ولا لهم منها شيء. وانما هي لله تعالى قل لله الشفاعة جميعا. وقد اخبر انه لا تنفعهم شفاعة الشافعين لانهم لم يتخذوا عنده عهدا بالايمان به وبرسله. والا فمن اتخذ عنده عهدا فامن به وبرسله واتبعهم فانه ممن ارتضاه الله وتحصل له الشفاعة كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى. وسمى الله الايمان به واتباع رسله عهدا لانه عهد في كتبه وعلى السنة رسله بالجزاء الجميل لمن اتبعهم. وقالوا اتخذ الرحمن اثنان ولدا. وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين. الذين زعموا ان الرحمن اتخذ ولدا. كقول النصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله والمشركين الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا لقد جئتم شيئا ادا. اي عظيما وخيما من عظيم امره انه تكاد السماوات على عظمتها وصلابتها يتفطرن منه. اي من هذا القول وتنشق الارض منه. اي تتصدع وتنفطر وتخر الجبال هدا اي تندك الجبال ان دعوا اي من اجل هذه الدعوة القبيحة تكاد هذه المخلوقات ان يكون منها ما ذكر ان يتخذ ولدا. والحال انهما ينبغي اي لا يليق ولا يكون للرحمن ان يتخذ ولدا. وذلك لان اتخاذه الولد يدل على نقصه واحتياجه وهو الغني الحميد. والولد ايضا من جنس والده. والله تعالى لا شبيه له ولا مثل ولا سمي اي ذليلا منقاد غير متعاص ولا ممتنع. الملائكة والانس والجن وغيرهم الجميع مماليك متصرف فيهم ليس لهم من الملك شيء ولا من التدبير شيء. فكيف يكون له ولد وهذا شأنه وعظمة ملكه؟ لقد اي لقد احاط علمه بالخلائق كلهم اهل السماوات والارض واحصاه اللهم احصى اعمالهم فلا يضل ولا ينسى ولا تخفى عليه خافية اي لا اولاد ولا مال ولا انصار. ليس معه الا عمله فيجازيه الله ويوفيه حسابه. ان خيرا فخير وان شرا فشر. كما قال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا. هذا من نعمه على عباده الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح ان وعدهم ان يجعل لهم ودا اي محبة وودادا في قلوب اوليائه واهل السماء الارض واذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من امورهم. وحصل لهم من الخيرات والدعوات والارشاد والقبول والامامة ما حصل ولهذا ورد في الحديث الصحيح ان الله اذا احب عبدا نادى جبريل اني احب فلانا فاحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه. فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول في الارض. وانما جعل الله لهم ود لانهم ودوه فوددهم الى اوليائه واحبابه تبشر به المتقين لتبشر به المتقين وتنذر به قوما يخبر تعالى عن نعمته تعالى وان الله يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يسر الفاظه ومعانيه ليحصل المقصود منه والانتفاع به. لتبشر به المتقين بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والاجل وذكر الاسباب الموجبة للبشارة وتنذر به قوما لدا اي شديدين في باطلهم اقوياء في كفرهم فتنذرهم فتقوم عليهم الحجة وتتبين لهم المحجة. فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. ثم توعدهم باهلاك المكذبين قبلهم فقال وكم اهلكنا قبلهم من قرن من قوم نوح وعاد وثمود وفرعون. وغيرهم من المعاندين المكذبين. لما استمروا في طغيانهم اهلك الله فليس لهم من باقية آآ والركز الصوت الخفي اي لم يبق منهم عين ولا اثر. بل بقيت اخبارهم عبرة للمعتبرين. واسمارهم عظة للمتعظين بسم الله الرحمن الرحيم. طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى. طه من جملة الحروف المقطعة المفتتح بها كثير من السور وليست اسما للنبي صلى الله عليه وسلم اي ليس المقصود بالوحي وانزال القرآن عليك وشرع الشريعة لتشقى بذلك. ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين وتعجز عنه قوى العاملين. وانما الوحي والقرآن والشرع شرعه الرحيم الرحمن. وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز وسهله غاية التسهيل ويسر كل طرقه وابوابه وجعله غذاء للقلوب والارواح وراحة للابدان فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والاذعان. لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والاخرة. ولهذا قال الا ليتذكر به من يخشى الله تعالى ويتذكر ما فيه من الترغيب الى اجل للمطالب فيعمل بذلك. ومن الترهيب عن الشقاء والخسران. ويرهب منه. ويتذكر به الاحكام الحسنة الشرعية المفصلة. التي مستقرا في عقله حسنها مجملا فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله. ولهذا سماه الله تذكرة. والتذكرة لشيء كان موجودا الا ان صاحبه غافل عنه او غير مستحضر لتفصيله. وخص بالتذكرة من يخشى لان غيره لا ينتفع به. وكيف فينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار. ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة. هذا ما لا يكون. سيذكر من يخشى ويتجنب الاشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم وانه تنزيل خالق الارض والسماوات المدبر لجميع المخلوقات اي فاقبلوا تنزيلا بغاية الاذعان والمحبة والتسليم. وعظموه نهاية التعظيم. وكثيرا ما يقرن بين الخلق والامر. كما في هذه الاية. وكما ما في قوله الا له الخلق والامر. وفي قوله الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن. يتنزل الامر بينهن لكأنه الخالق الامر الناهي. فكما انه لا خالق سواه فليس على الخلق الزام ولا امر ولا نهي الا من خالقهم. وايضا فان خلقه للخلق فيه التدبير الكوني القدري. وامره فيه التدبير الشرعي الديني. وكما ان الخلق لا يخرج عن الحكمة. ولم يخلق شيئا عبث فكذلك لا يأمر ولا ينهى الا بما هو عدل وحكمة واحسان. فلما بين انه الخالق المدبر الامر الناهي عن عظمته وكبريائه فقال الرحمن الذي على العرش الذي هو ارفع المخلوقات اعظمها واوسعها استوى استواء يليق بجلاله ويناسب عظمته وجماله. فاستوى على العرش واحتوى على الملك له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى. وما بينهما من ملك انسي وجني وحيوان وجماد ونبات. اي في الارض. فالجميع ملك لله تعالى. عبيد مدبرون مسخرون تحت قضائه وتدبيره ليس لهم من الملك شيء ولا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا ولا نشورا. فانه يعلم السر الكلام الخفي واخفى من السر الذي في القلب ولم ينطق به او السر ما خطر على القلب واخفى ما لم يخطر يعلم تعالى انه يخطر في وقته وعلى صفته. والمعنى ان علمه تعالى محيط بجميع الاشياء. دقيقها وجليلها وخفيها وظاهرها فسواء جهرت بقولك او اسررته فالكل سواء بالنسبة لعلمه تعالى. فلما قرر كماله المطلق بعموم خلقه وعموم امره ونهيه. وعموم رحمته وسعة عظمته وعلوه على عرشه. وعموم ملكه وعموم علمه. نتج من ذلك انه المستحق للعبادة وان عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع والعقل والفطرة. وعبادة غيره باطلة. فقال الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى. الله لا اله الا هو اي لا معبود بحق ولا مألوه بالحب والذل والخوف والرجاء والمحبة والانابة والدعاء الا هو اي له الاسماء الكثيرة الكاملة الحسنى. من حسنها انها كلها اسماء دالة على المدح. فليس فيها اسم لا يدل على المدح ومن حسنها انها ليست اعلاما محضة. وانما هي اسماء واوصاف ومن حسنها انها دالة على الصفات الكاملة. وان له من كل صفة اكملها واعمها واجلها. ومن حسنها انه امر العباد ان يدعوه بها. لانها وسيلة مقربة اليه. يحبها يحب من يحبها ويحب من يحفظها. ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها. قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها. وهل اتاك حديث موسى اذ رأى نارا فقال لاهلهم كسوء اني لعلي اتيكم منها بقدس او اجد على النار هدى. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام التقريري والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها اذ رأى نارا فقال لاهلهم كسوء اني انست نارا. في حاله التي هي مبدأ سعادته ومنشأ نبوته انه رأى نارا من بعيد وكان قد ضل الطريق واصابه البرد ولم يكن عنده ما يتدفأ به في سفره فقال لاهله اني الست اي ابصرت نارا وكان ذلك في جانب الطور الايمن لعلي اتيكم منها بقبص تصطلون به. او اجد على النار هدى. اي من يهديني الطريق وكان مطلبه النور الحسي والهداية الحسية. فوجد ثم النور المعنوي نور الوحي. الذي تستنير به الارواح والقلوب. والهداية هداية الصراط المستقيم. الموصلة الى جنات النعيم. فحصل له امر لم يكن في حسابه. ولا خطر بباله فاتاها نودي يا موسى اني انا ربك فاقلع نعليك انك بالوادي المقدس فلما اتاها اي النار التي انسها من بعيد وكانت في الحقيقة نورا وهي نار تحرق وتشرق. ويدل على ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم حجابه النور او النار لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره. فلما وصل اليها ان اودي منها اي ناداه الله كما قال وناديناه من جانب الطور الايمن وقربناه نجيا اي اخبره انه ربه وامره ان يستعد هيأ لمناجاته ويهتم لذلك ويلقي نعليه. لانه بالوادي المقدس المطهر المعظم. ولو لم يكن من تقديسه الا ان الله اختاره لمناجاته كليمه موسى لكفى. وقد قال كثير من المفسرين ان الله امره ان يلقي نعليه. لانهما من جلد حمار الله اعلم بذلك انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري. وانا اخترتك اي تخيرتك واصطفيتك من الناس. وهذه اكبر نعمة ومنة انعم الله بها عليه. تقتضي من الشكر ما يليق بها. ولهذا قال فاستمع لما يوحى اي القي سمعك للذي اوحي اليه فانه حقيق بذلك لانه اصل الدين ومبدأه وعماد الدعوة الاسلامية ثم بين الذي يوحيه اليه بقوله انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني اي الله المستحق الالوهية المتصف بها. لانه الكامل في اسمائه وصفاته. المنفرد بافعاله الذي لا شريك له ولا مثيل ولا كفو ولا سمي. اعبدني واقم الصلاة لذكري. فاعبدني جميع انواع العبادة ظاهرها وباطنها اصولها وفروعها ثم خص الصلاة بالذكر وان كانت داخلة في العبادة بفضلها وشرفها فيها وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح. وقوله لذكري اللام للتعليم. اي اقم الصلاة لاجل ذكرك اياي لان ذكره تعالى اجل المقاصد وهو عبودية القلب وبه سعادته. فالقلب المعطل عن ذكر الله معطل عن كل خير. وقد خرب كل الخراب وشرع الله للعباد انواع العبادات التي المقصود منها اقامة ذكره خصوصا الصلاة. قال الله تعالى اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة. ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولذكر الله اكبر. اي ما فيها من ذكر الله اكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر. وهذا النوع يقال له توحيد الالوهية. وتوحيد العبادة. فالالوهية وصفه تعالى. والعبودية وصف عبده ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ان الساعة اتية اي لابد من وقوعها اكاد اخفيها اي عن نفسي كما في بعض القراءات كقوله تعالى الناس عن الساعة قل انما علمها عند الله. وقال وعنده علم الساعة. فعلمها قد اخفاه عن الخلائق كلهم. فلا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل والحكمة في اتيان الساعة. من الخير والشر فهي الباب لدار الجزاء ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى انك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فترضاه. اي فلا يصدك ويشغلك عن الايمان بالساعة والجزاء والعمل لذلك من كان كافرا بها غير معتقد لوقوعها يسعى في الشك فيها والتشكيك ويجادل فيها بالباطل اقيموا من الشبه ما يقدر عليه. متبعا في ذلك هواه. ليس قصده الوصول الى الحق. وانما قصاراه اتباع الهوى. فاياك ان تصغي الى من هذه حاله او تقبل شيئا من اقواله واعماله الصادة عن الايمان بها. والسعي لها سعيها. وانما حذر الله تعالى عمن هذه حاله لانه من اخوف ما يكون على المؤمن بوسوسته وتدجيله. وكون النفوس مجبولة على التشبه والاقتداء بابناء الجنس. وفي هذا تنبيه واشارة الى التحذير من كل داع الى باطل. يصد عن الايمان الواجب او عن كماله. او يوقع الشبهة في القلب. وعن النظر في الكتب مشتملة على ذلك وذكر في هذا الايمان به وعبادته والايمان باليوم الاخر لان هذه الامور الثلاثة اصول الايمان ركن الدين واذا تمت تم امر الدين ونقصه او فقده بنقصها او نقص شيء منها. وهذه نظير قوله تعالى في الاخبار عن ميزان سعادة الفرق. الذين اوتوا الكتاب وشقاوتهم. ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقوله فترضى اي تهلك وتشقى ان اتبعت طريق من يصد عنها وقوله تعالى لما بين الله لموسى اصل الايمان اراد ان يبين له ويريه من اياته ما يطمئن به قلبه وتقر به عينه ويقوى ايمانه بتأييد الله له وعلى عدوه فقال هذا مع علمه تعالى ولكن لزيادة الاهتمام في هذا هذا الموضع اخرج الكلام بطريق الاستفهام فقال موسى ذكر فيها هاتين المنفعتين منفعة لجنس الادمي وهو انه يعتمد عليها في قيامه ومشيه فيحصل فيها معونة ومنفعة للبهائم وهو انه كان يرعى الغنم. فاذا رعاها في شجر الخط ونحوه هش بها اي ضرب الشجر ليتساقط سقط ورقه فيرعاه الغنم. هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام. الذي من اثاره حسن رعاية الحيوان البهيم والاحسان اليه. دليل على عناية من الله له واصطفاء وتخصيص تقتضيه رحمة الله تعالى وحكمته ولي فيها مآرب اي مقاصد اخرى غير هذين الامرين. ومن ادب موسى عليه السلام ان الله لما سأل عما في يمينه وكان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها او منفعتها اجابه بعينها ومنفعتها. فقال الله له يا موسى فالقاها فالهي حية تسعى. انقلبت باذن الله ثعبانا عظيما. فولى موسى هاربا خائفا ولم يعقب. وفي وصفها بانها تسعى ازالة لوهم يمكن وجوده وهو ان يظن انها تخييل لا حقيقة وكونها تسعى يزيل هذا الوهم. فقال الله لموسى خذها ولا تخف. اي ليس عليك منها بأس. اي هيئتها وصفتها اذ كانت عصا فامتثل موسى امر الله ايمانا به وتسليما فاخذها فعادت عصاه التي كان يعرفها هذه اية ثم ذكر الاية الاخرى فقال واضمم يدك الى جناحك اي ادخل يدك في جيبك وضم عليك الذي هو جناح الانسان تخرج بيضاء من غير سوء اي بياضا ساطعا من غير عيب ولا برص قال الله فذلك برهانان من ربك الى فرعون وملأه انهم كانوا قوما فاسقين اياتنا الكبرى اي فعلنا ما ذكرنا من انقلاب العصا حية تسعى. ومن خروج اليد بيضاء للناظرين لاجل ان من اياتنا الكبرى الدالة على صحة رسالتك وحقيقة ما جئت به. فيطمئن قلبك ويزداد علمك. وتثق بوعد الله لك بالحفظ والنصرة ولتكون حجة وبرهانا لمن ارسلت اليهم. لما ما اوحى الله الى موسى ونبأه واراه الايات الباهرات ارسله الى فرعون ملك مصر. فقال اي تمرد وزاد على الحد في الكفر والفساد والعلو في الارض والقهر للضعفاء حتى انه ادعى الربوبية والالوهية قبحه الله اي وطغيانه سبب لهلاكه. ولكن من رحمة الله وحكمته وعدله انه لا يعذب احدا الا بعد قيام بالحجة بالرسل فحينئذ علم موسى عليه السلام انه تحمل حملا عظيما. حيث ارسل الى هذا الجبار العنيد الذي ليس له منازع في مصر من الخلق وموسى عليه السلام وحده وقد جرى منه ما جرى من القتل فامتثل امر ربه وتلقاه بالانشراح والقبول وسأله والمعونة وتيسير الاسباب التي هي من تمام الدعوة. فقال رب اشرح لي صدري اي وسعه وافسح لاتحمل الاذى القولي والفعلي ولا يتكدر قلبي بذلك ولا يضيق صدري فان الصدر اذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم اي سهل علي كل امر اسلكه وكل طريق اقصده في سبيلك. وهون علي ما امامي من الشدائد ومن تيسير الامر ان ييسر للداعي ان يأتي جميع الامور من ابوابها ويخاطب كل احد بما يناسب له ويدعوه باقرب الطرق الموصلة الى قبول قوله وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام. كما قاله المفسرون. كما قال الله عنه انه قال واخي هارون هو افصح مني فسأل الله ان يحل منه عقدة يفقه ما يقول فيحصل المقصود التام من المخاطبة والمراجعة والبيان عن المعاني واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشد به ازري. واجعل لي وزيرا من اهلي اي معينا يعاونني ويؤازرني ويساعدني على من ارسلت اليهم. وسأل الله ان يكون من اهله لانه من باب البر احق ببر الانسان قرابته ثم عينه بسؤاله فقال اي قوني به وشد به ظهري. قال الله سنشد عضدك باخيك ونجعل لك ما سلطانا واشركه في امري اي في النبوة بان تجعله نبيا رسولا كما جعلتني ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال علم عليه الصلاة والسلام ان مدار العبادات كلها والدين على ذكر الله. فسأل الله ان يجعل اخاه معه ويتعاونان على البر والتقوى. فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل. وغيره من انواع العبادات تعلم حالنا وضعفنا وعجزنا وافتقارنا اليك في كل الامور. وانت بنا من انفسنا وارحم فمن علينا بما سألناك واجب لنا فيما دعوناك. فقال الله لك يا موسى اي اعطيت جميع ما طلبت فسنشرح صدرك ونيسر امرك ونحل عقدة من لسانك يفقه قولك ونشد عضدك باخيك هارون ونجعل لك ما سلطانا فلا يصلون اليكما باياتنا انتما ومن اتبعكما طالبون وهذا السؤال من موسى عليه السلام يدل على كمال معرفته بالله. وكمال فطنته ومعرفته للامور. وكمال نصحه. وذلك كأن الداعية الى الله المرشد للخلق. خصوصا اذا كان المدعو من اهل العناد والتكبر والطغيان. يحتاج الى سعة صدر وحلم تام على ما يصيبه من الاذى ولسان فصيح يتمكن من التعبير به عما يريده ويقصده. بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام من الزم ما يكون لكثرة المراجعات والمراوضات. ولحاجته لتحسين الحق. وتزيينه بما يقدر عليه. يحببه الى النفوس والى تقبيح الباطل وتهجينه لينفر عنه. ويحتاج مع ذلك ايضا ان يتيسر له امره. فيأتي البيوت من ابوابها ويدعو الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. والمجادلة بالتي هي احسن. يعامل الناس كلا بحسب حاله. وتمام ذلك ان يكون لمن هذه هي صفته اعوان ووزراء يساعدونه على مطلوبه. لان الاصوات اذا كثرت لا بد ان تؤثر. فلذلك سأل عليه الصلاة والسلام هذه الامور فاعطيها. واذا نظرت الى حالة الانبياء المرسلين الى الخلق رأيتهم بهذه الحال بحسب احوالهم. خصوصا هم افضلهم محمد صلى الله عليه وسلم. فانه في الذروة العليا من كل صفة كمال. وله من شرح الصدر وتيسير الامر. وفصاحة اللسان وحسن التعبير والبيان والاعوان على الحق من الصحابة. فمن بعدهم ما ليس لغيره والقيت لما ذكر منته على عبده ورسوله موسى ابن عمران في الدين والوحي والرسالة واجابة سؤاله ذكر نعمته عليه وقت التربية والتنقلات في اطواره. فقال حيث الهمنا امك ان تقذفك في التابوت وقت الرضاع خوفا من فرعون. لانه امر بذبح ابناء بني اسرائيل. فاخفته وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت. ثم قذفته في اليم اي شطني لمصر. فامر الله اليم ان يلقيه في الساحل ان يأخذه اعدل الاعداء لله ولموسى. ويتربى في اولاده. ويكون قرة عين لمن رآه. ولهذا قال والقيت عليك محبة مني فكل من رآه احبه ولتصنع على عيني. اي ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي. واي نظر وكفالة اجل واكمل من ولاية الرحيم القادر على ايصال مصالح عبده ودفع المضار عنه. فلا ينتقل من حالة الى حالة الا والله تعالى هو الذي دبر ذلك ولمصلحة موسى ومن حسن تدبيره ان موسى لما وقع في يد عدوه قلقت امه قلقا شديدا واصبح فؤادها فارغا. وكادت تخبر به لولا ان الله ثبتها وربط على بها في هذه الحالة حرم الله على موسى المراضع فلا يقبل ثدي امرأة قط ليكون مآله الى امه فترضعه. ويكون عند مطمئنة ساكنة قريرة العين. فجعلوا يعرضون عليه المراضع. فلا يقبل ثديا. فجاءت اخت موسى فقالت لهم ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون وقتلت نفسا وهو القبطي لما دخل المدينة وقت غفلة من اهلها وجد رجلين يقتتلان واحد من شيعة موسى والاخر من عدوه استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ووكزه موسى فقضى عليه. فدعا الله وسأله المغفرة فغفر له. ثم فر هاربا لما سمع ان الملأ طلبوه يريدون قتله. فنجاه الله من الغم من عقوبة الذنب. ومن القتل اي اختبرناك وبلوناك ووجدناك مستقيما في احوالك او نقلناك في احوالك واطوارك حتى وصلت كما وصلت اليه سنين في اهل مدين حين فر هاربا من فرعون وملأه حين ارادوا قتله. فتوجه الى مدين ووصل اليها وتزوج هناك ومكث عشر سنين او ثمان سنين. اي جئت مجيئا قد مضى به القدر وعلمه الله واراده في هذا الوقت وهذا الزمان وهذا المكان. ليس مجيئك اتفاقا من غير قصد ولا تدبير منا. وهذا يدل على كمال الاعتناء الله بكليمه موسى عليه السلام. ولهذا قال اي اجريت عليك صنائعي ونعمي وحسن عوائدي وتربيتي لتكون لنفسي حبيبا مختصا وتبلغ في ذلك مبلغا لا يناله احد من الخلق. الا النادر منهم. واذا كان الحبيب اذا اراد اصطناع حبيبه من المخلوقين اراد ان يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ. يبذل غاية جهده ويسعى نهاية ما يمكنه في ايصاله لذلك. فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم هو ما تحسبه يفعل بمن اراده لنفسه واصطفاه من خلقه لما امتن الله على موسى بما امتن به من النعم الدينية والدنيوية قال له اذهب انت واخوك قارون باياتي اي الايات التي مني الدالة على الحق وحسنه وقبح الباطل كاليد والعصا ونحوها. في تسع ايات الى فرعون وملأه. اي لا تفترا ولا تكسلا عن مداومة ذكري بل استمرا عليه. والزمه كما وعدتما بذلك كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. فان ذكر الله فيه معونة على جميع الامور. يسهلها ويخفف لها اي جاوز الحد في كفره وطغيانه وظلمه وعدوانه فقولا له قولا لينا اي سهلا لطيفا ولين ادب في اللفظ من دون فحش ولا صلف. ولا غلظة في المقال او فظاظة في الافعال لعله بسبب القول اللين يتذكر ما ينفعه فيأتيه. او يخشى ما يضره فيتركه. فان القول اللين داع لذلك والقول الغليظ منفر عن صاحبه. وقد فسر القول اللين في قوله فقل هل لك الى ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى ان في هذا الكلام من لطف القول وسهولته وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل. فانه اتى بهل الدالة على العرض والمشاورة التي لا يشمئز منها احد ودعاه الى التزكي والتطهر من الادناس. التي اصلها التطهر عن الشرك. الذي يقبله كل عقل سليم ولم يقل ازكيك بل قال تزكى انت بنفسك. ثم دعاه الى سبيل ربه الذي رباه وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي مقابلتها بشكرها وذكرها فقال واهديك الى ربك فتخشى. فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب علم انه لا ينجح فيه تذكير فاخذه الله اخذ عزيز مقتدر قال ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا اي يبادرنا بالعقوبة والايقاع بنا قبل ان تبلغه رسالاتك ونقيم عليه الحجة. اي يتمرد عن الحق ويطغى بملكه سلطانه وجنده واعوانه. قال لا تخافا ان يفرق وعليكما اي انتما بحفظي ورعايتي اسمع اقوالكما وارى جميع احوالكما فلا تخافا منه. فزال الخوف عنهما واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما اي فاتياه بهذين الامرين امرين دعوته الى الاسلام وتخليص هذا الشعب الشريف بني اسرائيل من قيده وتعبيده لهم ليتحرروا ويملكوا امرهم يقيم فيهم موسى شرع الله ودينه. قد جئناك باية من ربك والسلام على من اتبع الهدى قد جئناك باية تدل على صدقنا. فالقى موسى عصاه فاذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين الى اخر ما ذكر الله عنهما. اي من اتبع الصراط المستقيم واهتدى بالشرع المبين حصلت له السلامة في الدنيا والاخرة انا قد اوحي الينا اي خبر من عند الله لا من عند انفسنا اي كذب باخبار الله واخبار رسله. وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم. وهذا فيه الترغيب لفرعون بالايمان والتصديق واتباعهما والترهيب من ضد ذلك. ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير. فانكر ربه وكفر. وجادل في ذلك فظلما وعنادا اي قال فرعون لموسى على وجه الانكار. قال فمن ربكما يا موسى كل شيء خلقه ثم هدى. فاجاب موسى بجواب شاف كاف واضح. فقال اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. اي ربنا الذي خلق جميع المخلوقات واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به الدال على حسن صنعه من خلقه. من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته. ثم هدى كل مخلوق الى ما خلقه له وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات. فكل مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع. وفي دفع المضار عنه. حتى ان الله تعالى اعطى الحيوان البهيم من العقل ما يتمكن به على ذلك. وهذا كقوله تعالى الذي احسن كل شيء خلقه الذي خلق المخلوقات واعطاها خلقها الحسن. الذي لا تقترح العقول فوق حسنه. وهداها لمصالحها. هو الرب على الحقيقة. فان داره انكار لاعظم الاشياء وجودا وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب. فلو قدر ان الانسان انكر من الامور المعلومة ما انكر. كان انكاره لرب العالمين اكبر من ذلك. ولهذا لما لم يمكن فرعون ان يعاند هذا الدليل القاطع. عدل الى المشاغبة. وحاد عن المقصود فقال لموسى اي ما شأنهم؟ وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال وقد سبقونا الى الانكار والكفر والظلم والعناد. ولنا فيهم اسوة. فقال موسى آآ لا يضل ربي ولا ينسى. اي قد احصى اعمالهم من خير وشر وكتبه في كتاب وهو اللوح المحفوظ واحاط به علما وخبرا فلا يضل عن شيء منها ولا ينسى ما علمه منها. ومضمون ذلك انهم قدموا والى ما قدموا ولاقوا اعمالهم وسيجازون عليها. فلا معنى لسؤالك واستفهامك يا فرعون عنهم. فتلك امة قد خلت لها ها ما كسبت ولكم ما كسبتم. فان كان الدليل الذي اوردناه عليك. والايات التي اريناكها قد تحققت صدقها ويقينها. وهو الواقع فانقد الى الحق ودع عنك الكفر والظلم. وكثرة الجدال بالباطل. وان كنت قد شككت فيها او رأيتها غير مستقيمة. الطريق مفتوح وباب البحث غير مغلق فرد الدليل بالدليل والبرهان بالبرهان. ولن تجد لذلك سبيلا. ما دام الملوان كيف وقد اخبر الله عنه انه جحدها مع استيقانها. كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال موسى لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر. فعلم انه ظالم في جداله قصده العلو في الارض. ثم استطرد في هذا الدليل القاطع بذكر كثير من نعمه واحسانه الضروري. فقال نباتي شتى. الذي جعل لكم الارض مهدا اي فراشا بحالة تتمكنون من السكون فيها والقرار والبناء والغرار واثارتها للازدراع وغيره وذللها لذلك. ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم. وسلك لكم فيها سبلا اي نفذ لكم الطرق الموصلة من ارض الى ارض ومن قطر الى قطر. حتى كان الادميون يتمكنون من الوصول الى جميع الارض باسهل ما يكون وينتفعون باسفارهم اكثر مما ينتفعون باقامتهم فاخرجنا به ازواجا من نبات شتى. اي انزل المطر فاحيا به الارض بعد موتها بذلك جميع اصناف النوابت على اختلاف انواعها. وتشتت اشكالها وتباين احوالها. فساقه وقدره ويسره. رزقا لنا ولانعامنا ولولا ذلك لهلك من عليها من ادمي وحيوان ولهذا قال كلوا وارعوا انعامكم وسياقها على وجه الامتنان ليدل ذلك على ان الاصل في جميع النوابت الاباحة فلا يحرم منهم الا ما كان مضرا كالسموم ونحوه اي لذوي العقول الرزينة والافكار المستقيمة على فضل الله واحسانه ورحمته وسعة جوده وتمام عن وعلى انه الرب المعبود المالك المحمود الذي لا يستحق العبادة سواه ولا الحمد والمدح والثناء الا من امتن بهذه النعم وعلى انه على كل شيء قدير. وكما احيا الارض بعد موتها ان ذلك لمحيي الموتى. وخص الله اولي النهى بذلك لانه منتفعون بها الناظرون اليها نظر اعتبار. واما من عاداهم فانهم بمنزلة البهائم السارحة والانعام السائمة. لا ينظرون فيها نظر اعتبار ولا تنفذ بصائرهم الى المقصود منها بل حظهم حظ البهائم يأكلون ويشربون وقلوبهم لاهية واجسامهم معرضة وكأي من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون. منها خلقناكم وفيها عيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى. ولما ذكر كرم الارض وحسن شكرها لما ينزله الله عليه من المطر وانها باذن ربها تخرج النبات المختلف الانواع. اخبر انه خلقنا منها وفيها يعيدنا اذا متنا فدفنا فيه ومنها يخرجنا تارة اخرى. فكما اوجدنا منها من العدم. وقد علمنا ذلك وتحققناه. فسيعيدنا بالبعث منها بعد موتنا ليجازينا باعمالنا التي عملناها عليها. وهذان دليلان على الاعادة عقليان واضحان. اخراج النبات من الارض بعد واخراج المكلفين منها في ايجادهم ولقد اريناه اياتنا كلها فكذب وابى. يخبر تعالى انه ارى فرعون من الايات والعبر والقواطع جميع انواعها العيانية والافقية والنفسية. فما استقام ولا ارعوى وانما كذب وتولى. كذب بالخبر وتولى عن والنهي وجعل الحق باطلا والباطل حقا. وجادل بالباطل ليضل الناس ارضنا بسحرك يا موسى. زعم ان هذه الايات التي اراها اياه موسى سحر وتمويه. المقصود منها اخراجهم من ارض والاستيلاء عليها ليكون كلامه مؤثرا في قلوب قومه. فان الطباع تميل الى اوطانها. ويصعب عليها الخروج منها ومفارقة فاخبرهم ان موسى هذا قصده ليبغضوه ويسعوا في محاربته فلا نأتينك بسحر مثل سحرك فامهلنا. واجعل لنا موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى. اي مستو علمنا وعلمك به او مكانا مستويا معتدلا ليتمكن من رؤية ما فيه. فقال موسى موعدكم يوم الزينة وهو عيدهم الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم اي يجمعون كلهم في وقت الضحى وانما سأل موسى ذلك لان يوم الزينة ووقت الضحى منه يحصل فيه من كثرة الاجتماع ورؤية الاشياء على حقائقها ما لا يحصل في غيره ما اتى اي جميع ما يقدر عليه. مما يكيد به موسى فارسل في مدائنه من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم. وكان السحر اذ متوفرا وعلمه علما مرغوبا فيه. فجمع خلقا كثيرا من السحرة. ثم اتى كل منهما للموعد. واجتمع الناس للموعد فكان الجمع حافلا حضره الرجال والنساء والملأ والاشراف والعوام والصغار والكبار وحضوا الناس على الاجتماع وقالوا الناس هل انتم مجتمعون؟ لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين. فحين اجتمعوا من جميع البلدان وعظهم موسى عليه السلام واقام عليهم الحجة وقال لهم اي لا تنصروا ما انتم عليه من الباطل بسحركم وتغالبون الحق وتفترون على الله الكذب. فيستأصلكم بعذاب من عنده ويخيب سعيكم وافتراؤكم. فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملأه ولا تسلمون من عذاب الله. وكلام الحق لابد ان يؤثر في القلوب لا جرى ما ارتفع الخصام والنزاع بين السحرة. لما سمعوا كلام موسى وارتبكوا ولعل من جملة نزاعهم الاشتباه في موسى هل هو على الحق ام لا ولكن هم الى الان ما تم امرهم ليقضي الله امرا كان مفعولا ليهلك من هلك بينة ويحيى من حي عن بينة. فحينئذ اسروا فيما بينهم النجوى وانهم يتفقون على مقالة واحدة. لينجحوا في مقالهم وفي وليتمسك الناس بدينهم والنجوى التي اسروها فسرها بقوله كما قالت فرعون السابقة فاما ان يكون ذلك توافقا من فرعون والسحرة على هذه المقالة من غير قصد. واما ان يكون تلقينا منه لهم مقالته. التي صمم عليها واظهرها للناس. وزادوا على قول فرعون ان قالوا ويذهبا بطريقتكم المثلى. اي طريقة السحر. حسدكم عليها واراد ان يظهر عليكم. ليكون كان له الفخر والصيت والشهرة ويكون هو المقصود بهذا العلم الذي اشغلتم زمانكم فيه ويذهب عنكم ما كنتم تأكلون بسببه وما ذلك من الرياسة وهذا حظ من بعضهم على بعض على الاجتهاد في مغالبته. ولهذا قالوا فاجمعوا كيدكم اي اظهروه دفعة واحدة متظاهرين متساعدين فيه متناصرين متفقا رأيكم وكلمتكم. ثم ائتوا صفا ليكون امكن لعملكم اهيب لكم في القلوب ولان لا يترك بعضكم بعض مقدوره عن العمل. واعلموا ان من افلح اليوم ونجح وغلب غيره فانه المفلح الفائز فهذا يوم له ما بعده من الايام. فلله درهم ما اصلبهم في باطلهم واشدهم فيه. حيث اتوا بكل سبب ووسيلة وممكن ومكيدة يكيدون بها الحق. ويأبى الله الا ان يتم نوره ويظهر الحق على الباطل. فلما تمت مكيدتهم وانحصر مقصدهم ولم يبق الا العمل قالوا يا موسى اما ان تلقي عصاك خيروه موهمين انهم على جزم من ظهورهم عليه باي حالة كانت. فقال لهم موسى فالقوا حبالهم وعصيهم يخيل اليه اي الى موسى من سحرهم البليغ انها تسعى. اي انها حية تسعى. فلما خيل الى موسى ذلك كما هو مقتضى الطبيعة البشرية والا فهو جازم بوعد الله ونصره قلنا له تثبيتا وتطمينا. ان انك انت الاعلى عليهم اي ستعلو عليهم وتقهرهم ويذلوا لك ويخضعوا انما صنعوا كيد ساحر. والق ما في يمينك اي عصاك ولا يفلح الساحر حيث اتاك. اي كيدهم ومكرهم ليس بمثمر لهم ولا ناجح. فانه من كيد السحرة. الذي حين يموهون على الناس ويلبسون الباطل ويخيلون انهم على الحق. فالقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا كله واكلته. والناس ينظرون لذلك الصنيع فعلم السحرة علما يقينا ان هذا ليس بسحر. وانه من الله فبادروا للايمان فالقي السحرة ساجدين قالوا امنا برب العالمين رب موسى وهارون ووقع الحق وظهر وسطع. وبطل السحر والمكر والكيد في ذلك المجمع العظيم. فصارت بينة ورحمة للمؤمنين وحجة على المعاندين ولا ان اينا اشد عذابا وابقى. قال فرعون للسحرة امنتم له قبل ان اذن لكم. اي كيف اقدمتم على الايمان من دون مراجعة مني ولا اذن. استغرب ذلك منهم بادبهم معه. وذلهم وانقيادهم له في كل امر من امورهم وجعل هذا من ذاك. ثم استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان. واستخف عقول قومه واظهر لهم ان هذه الغلبة من للسحرة ليس لان الذي معه الحق بل لانه تمالأ هو والسحرة ومكروا ودبروا ان يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم قبل قومه هذا المكر منه وظنوه صدقا فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين. مع ان هذه المقالة التي قالها لا تدخل عقل من له ادنى مسكة من عقل ومعرفة بالواقع. فان موسى اتى من مدين وحيدا وحين اتى لم يجتمع باحد من السحرة ولا غيرهم بل بادر الى دعوة فرعون وقومه واراهم الايات فاراد فرعون ان يعارض ما جاء به موسى فسعى ما امكنه وارسل في مدائنه من يجمع له كل ساحر عليم. فجاؤوا اليه ووعدهم الاجر والمنزلة عند الغلبة. وهم حرصوا غاية الحرص وكادوا اشد الكيد على غلبتهم لموسى وكان منهم ما كان. فهل يمكن ان يتصور مع هذا ان يكون دبروهم وموسى واتفقوا على ما هذا من امحل المحال. ثم توعد فرعون السحرة فقال كما يفعل بالمحارب الساعي في الفساد. يقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ولاصلبنكم في جذوع النخل اي من اجل ان تشتهروا وتختزوا. يعني بزعمه هو او الله وانه اشد عذابا من الله وابقى قلبا للحقائق وترهيبا لمن لا عقل له. ولهذا لما عرف السحرة الحق ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق اجابوه بقولهم امن البينات والذي فطرنا. اي لن نختارك وما وعدتنا به من الاجر والتقريب. على ما ارانا الله من الايات البينات اللاتي على ان الله هو الرب المعبود وحده. المعظم المبجل وان ما سواه باطل. ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا. هذا لا يكون فاقض ما انت قاض مما اوعدتنا به من القطع والصلب والعذاب اي انما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا ينقضي ويزول ولا يضرنا بخلاف عذاب الله لمن استمر على كفره فانه دائم عظيم. وهذا كأنه جواب منهم لقوله ولتعلمن اينا اشد عذابا وابقى. وفي هذا الكلام من السحرة دليل على انه ينبغي للعاقل ان يوازن بين لذات الدنيا ولذات الاخرة وبين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة اي كفرنا ومعاصينا فان الايمان مكفر للسيئات والتوبة تجب ما قبلها وما اكرهتنا عليه من السحر والله خير وابقى. وما اكرهتنا عليه من السحر الذي عارضنا به الحق. هذا دليل على انهم غير مختارين في عملهم المتقدم. وانما اكرههم فرعون اكراها. والظاهر والله اعلم ان موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب اثر معهم. ووقع منهم كبيرا ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة. ثمان فرعون الزمهم ذلك واكرههم على المكر الذي اجروه. ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل اتيانهم حيث قالوا ان هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من ارضكم بسحرهما فجروا على ما سنه لهم واكرههم عليه. ولعل هذه النكتة التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحق بالباطل. وفعلهم ما فعلوا على وجه الاغماء هي التي اثرت معهم ورحمهم الله بسببها ووفقهم للايمان والتوبة. والله وخير مما وعدتنا من الاجر والمنزلة والجاه. وابقى ثوابا واحسانا لا ما يقول فرعون. ولتعلمن اينا اشد عذابا وابقى يريد انه اشد عذابا وابقى. وجميع ما اتى من قصص موسى مع فرعون. يذكر الله فيه اذا اتى على قصة السحرة ان فرعون توعدهم بالقطع والصلب ولم يذكر انه فعل ذلك. ولم يأتي في ذلك حديث صحيح. والجزم بوقوعه او عدمه. يتوقف على الدليل والله اعلم بذلك وغيره. ولكن توعده اياهم بذلك مع اقتداره. دليل على وقوعه. ولانه لو لم يقع لذكره الله والاتفاق الناقلين على ذلك ايموت فيها ولا يحيا؟ يخبر تعالى ان من اتاه وقدم عليه مجرما اي وصفه الجرم من كل وجه وذلك تلزم الكفر واستمر على ذلك حتى مات. فان له نار جهنم. الشديد نكالها. العظيمة اغلالها. البعيد قعرها الاليم حرها وقرها التي فيها من العقاب ما يذيب الاكباد والقلوب. ومن شدة ذلك ان المعذب فيها لا يموت ولا يحيى لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة يتلذذ بها. وانما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن. الذي لا يقدر قدره ولا يفتر عنه ساعة يستغيث فلا يغاث ويدعو فلا يستجاب له. نعم اذا استغاث اغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه وان دعا اجيب باخسئوا فيها ولا تكلمون. ومن يأتيه مؤمنا قد عمل الصالحات اولئك لهم الدرجات العلى. جنة عدن تجري من جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ومن يأتي ربه مؤمنا به مصدقا لرسله متبعا لكتبه. قد عمل الصالحات الواجبة والمستحبة لهم الدرجات العلى. اي المنازل العاليات وفي الغرف المزخرفات واللذات المتواصلات والانهار السارحات والخلود الدائم والسرور العظيم. فما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وذلك الثواب جزاء من تزكى اي تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان. اما الا يفعلوها بالكلية او يتوبوا مما فعله منها. وزكى ايضا نفسه ونماها بالايمان والعمل الصالح فان التزكية معنيين التنقية وازالة الخبث والزيادة بحصول الخير. وسميت الزكاة زكاة لهذين الامرين لقد اوحينا الى موسى ان اسرب عبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا. لا تخاف دركا لا تخشى فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من غشيهم واضل في لما ظهر موسى بالبراهين على فرعون وقومه مكث في مصر يدعوهم الى الاسلام ويسعى في تخليص بني اسرائيل من فرعون وعذابه. وفرعون في عتو ونفور. وامره شديد على بني اسرائيل. ويريه الله من الايات والعبر. ما قصه الله في القرآن وبنو اسرائيل لا يقدرون ان يظهروا ايمانهم ويعلنوه. قد اتخذوا بيوتهم مساجد وصبروا على فرعون واذاه. فارادوا الله تعالى ان ينجيهم من عدوهم. ويمكن لهم في الارض ليعبدوه جهرا. ويقيموا امره. فاوحى الى نبيه موسى ان سر او سيروا اول الليل ليتمادوا في الارض. واخبره ان فرعون وقومه سيتبعونه. فخرجوا اول الليل جميع بني اسرائيل هم ونساؤهم هم ذريتهم. فلما اصبح اهل مصر اذا ليس فيها منهم داع ولا مجيب. فحنق عليهم عدوهم فرعون وارسل في المدائن من يجمع له الناس ويحضهم على الخروج في اثر بني اسرائيل ليوقع بهم وينفذ غيظه. والله غالب على امره. فتكاملت جنود فرعون فسار بهم. يتبع بني اسرائيل فاتبعوهم مشرقين. فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون وخافوا البحر امامهم وفرعون من ورائهم قد امتلأ عليهم غيظا وحنقا. وموسى مطمئن القلب ساكن البال قد وثق بوعد ربه فقال كلا ان معي ربي سيهدين. فاوحى الله اليه ان يضرب البحر بعصاه فضربه. فانفرقت اثني عشر طريقا وصار الماء كالجبال العالية. عن يمين الطرق ويسارها. وايبس الله طرقهم التي انفرق عنها الماء. وامرهم الله الا يخاف من ادراك فرعون. ولا يخشوا من الغرق في البحر. فسلكوا في تلك الطرق. فجاء فرعون وجنوده. فسلكوا وراءهم فاذا تكامل قوم موسى خارجين وقوم فرعون داخلين امر الله البحر فالتطم عليهم وغشيهم من اليم ما غشيهم وغرقوا كل ولم ينجح منهم احد وبنو اسرائيل ينظرون الى عدوهم قد اقر الله اعينهم بهلاكه. وهذا عاقبة الكفر والضلال عدم الاهتداء بهدي الله. ولهذا قال تعالى واضل فرعون قومه بما زين لهم من الكفر وتهجين ما اتى به موسى واستخفافه اياهم. وما هداهم في وقت من الاوقات. فاوردهم موارد الغي الضلال ثم اوردهم مورد العذاب والنكال ثم واعدناكم وواعدناكم جانب الطور الايمن ونزلنا عليكم المن والسلوى يذكر تعالى بني اسرائيل منته العظيمة عليهم باهلاك عدوهم ومواعدته لموسى عليه السلام بجانب الطور الايمن لينزل عليه في الكتاب الذي فيه الاحكام الجليلة والاخبار الجميلة. فتتم عليهم النعمة الدينية بعد النعمة الدنيوية. ويذكر منته ايضا عليهم في التيه بانزال المن والسلوى والرزق الرغد الهني الذي يحصل لهم بلا مشقة. وانه قال لهم قلوا من طيبات ما رزقناكم. اي واشكروه على ما اسدى اليكم من النعم. ولا تطغوا فيه اي في رزقه فتستعملونه في معاصيه وتبطرون النعمة فانكم ان فعلتم ذلك عل عليكم غضبي اي غضبت عليكم ثم عذبتكم اي ردى وهلك وخاب وخسر لانه عدم الرضا والاحسان وحل عليه الغضب والخسران ومع مع هذا التوبة معروضة ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي فلهذا قال واني لغفار اي كثير المغفرة والرحمة لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق وامن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وعمل صالحا من اعمال القلب والبدن واقوال اللسان اي سلك الصراط المستقيم وتابع الرسول الكريم واقتدى بالدين القويم. فهذا يغفر الله اوزاره ويعفو عما تقدم من ذنبه واصراره لانه اتى بالسبب الاكبر للمغفرة والرحمة. بل الاسباب كلها منحصرة في هذه الاشياء. فان التوبة تجب ما قبلها والايمان والاسلام يهدم ما قبله. والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات. وسلوك طرق الهداية بجميع انواعه من تعلم علم وتدبر اية او حديث. حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به. ودعوة الى دين الحق ورد بدعة او كفر او ضلالة وجهاد وهجرة وغير ذلك من جزئيات الهداية. كلها مكفرات للذنوب. محصلات لغاية المطلوب وما اعجلك عن قومك يا موسى كان الله تعالى قد وعد موسى ان يأتيه لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة اتمها بعشر. فلما تم الميقات بادر موسى عليه السلام الى الحضور للموعد شوقا لربه. وحرصا على موعوده. فقال الله له وما اعجلك عن قومك يا موسى اي ما الذي قدمك عليهم؟ ولم لم تصبر حتى تقدم انت وهم وعجلت اليك ربي لترضى. هم اولاء على اثري اي قريبا مني يصلون في اثري والذي عجلني اليك يا رب طلبا لقربك ومسارعة في رضاك وشوقا اليك فقال الله له فانا قد فتنا قومك من بعدك اي للعجل ابتليناهم واختبرناهم فلم يصبروا. كفروا واضلهم السامري. فاخرج لهم عجلا جسدا وصاغه فصار له خوار فقالوا لهم هذا الهكم واله موسى فنسي. فنسيه موسى. فافتتن به بنو اسرائيل. فعبث ونهاهم هارون فلم ينتهوا. فلما رجع موسى الى قومه وهو غضبان اي ممتلئ غيظا وحنقا وغما. قال لهم موبخا ومقبحا لفعلهم ثم وذلك بانزال التوراة افطال عليكم العهد اي المدة؟ فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة هذا قول كثير من المفسرين. ويحتمل ان معناه افطال عليكم عهد النبوة والرسالة؟ فلم يكن لكم بالنبوة علم ولا اثر غرست اثارها فلم تقفوا منها على خبر ثمحت اثارها لبعد العهد بها فعبدتم غير الله لغلبة الجهل وعدم العلم الرسالة اليس الامر كذلك؟ بل النبوة بين اظهركم والعلم قائم والعذر غير مقبول ام اردتم بفعلكم ان يحل عليكم غضب من ربكم كيف تعرضتم لاسبابه واقتحمتم موجب عذابه؟ وهذا هو الواقع. حين امرتكم بالاستقامة ووصيت بكم هارون فلم ترقبوا غائبا ولم تحترموا حاضرا اي قالوا له ما فعلنا الذي فعلنا عن تعمد منا وملك منا لانفسنا ولكن السبب الداعي لذلك اننا تأثمنا من زينة قومي التي عندنا وكانوا فيما يذكرون استعاروا حليا كثيرا من القبط وخرجوا وهو معهم والقوه وجمعوه حين ذهب موسى فيه اذا رجع. وكان السامري قد بصر يوم الغرق باثر الرسول. فسولت له نفسه ان يأخذ قبضة من اثره. وانه اذا على شيء حي فتنة وامتحانا. فالقاها على ذلك العجل الذي صاغه بصورة عجل. فتحرك العجل وصار له خوار وقالوا ان موسى ذهب يطلب ربه وهو ها هنا فنسيه. افلا يرون الا يرجع اليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا. وهذا من بلادتهم وسخافة عقولهم. حيث رأوا هذا الغريب الذي صار له خوار بعد ان كان جمادا وظنوه اله الارض والسماوات. افلا يرون ان العجل لا يرجع اليهم قولا؟ اي لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه. ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا. فالعادم للكمال والكلام والفعال. لا يستحق ان يعبد وهو من عابديه فانهم يتكلمون ويقدرون على بعض الاشياء من النفع والدفع باقدار الله لهم. ولقد قال لهم هارون وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيع اي ان اتخاذهم العجل ليسوا معذورين فيه. فانه وان كانت عرضت لهم الشبهة في اصل عبادته. فانها قد نهاهم عنه واخبرهم انه فتنة. وان ربهم الرحمن الذي منه النعم الظاهرة والباطنة. الدافع للنقم وانه امرهم ان يتبعهم ويعتزل العجل فابوا وقالوا فاقبل موسى على اخيه لائما له وقالوا الا تتبعن فتخبرني لابادر للرجوع اليهم افعصيت امري في قولي اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. فاخذ موسى برأس هارون ولحيته يجره من الغضب والعتب عليه. فقال هارون قال يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقد قولي يا ابن ام ترقيق له والا فهو شقيقك اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقد القول فانك امرتني ان اخلفك فيهم. فلو تبعتك لتركت ما امرتني بلزومه وخشيت لائمتك. ان تقول وقت بين بني اسرائيل حيث تركتهم وليس عندهم راع ولا خليفة. فان هذا يفرقهم ويشتت شملهم. فلا تجعلني مع القوم الظالمين ولا تشمت فينا الاعداء. فندم موسى على ما صنع باخيه وهو غير مستحق لذلك. فقال رب اغفر لي ولاخي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين. ثم اقبل على السامري. اي ما شأنك يا سامري؟ حيث فعلت كما فعلت فقال اه وكذلك سولت لي نفسي. فصرت بما لم يبصروا به. وهو جبريل عليه السلام على فرس رآه وقت خروجهم من البحر وغرق فرعون وجنوده على ما قاله المفسرون. فقبضت قبضة من اثر حافر فرسه فنبذتها على العجل ان اقبضها ثم انبذها فكان ما كان. فقال له موسى فاذهب واستأخر مني اي تعاقب في الحياة عقوبة لا يدنو منك احد ولا يمسك احد حتى ان من اراد القرب منك قلت له لا تمسني ولا تقرب مني عقوبة على ذلك حيث مس ما لم يمسه غيره واجرى ما لم يجره احد. وان لك موعدا لن تخلفه. فتجازى بعملك من خير وشر. وانظر الى يا الهي كالذي ظلت عليه عاكفا. اي العجل ففعل موسى ذلك فلو كان الها لامتنع ممن يريده باذى ويسعى له بالاتلاف على وجه تمكن اعادته بالاحراق والسحق وذريه في اليم ونسفه. ليزول ما في قلوبهم من حبه كما زال شخصه. ولان في ابقائه محنة لان في النفوس اقوى داع الى الباطل. فلما تبين لهم بطلانه اخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له. فقال انما الهكم الله الذي لا اله الا هو انما الهكم الله الذي لا لا اله الا هو وسع كل شيء علما. اي لا معبود الا وجهه الكريم. فلا يؤله ولا يحب ولا يرجى ولا يخاف ولا يدعى الا هو. لانه الكامل الذي له الاسماء الحسنى. والصفات العلى المحيط علمه بجميع الاشياء. الذي ما من نعمة عبادي الا منه ولا يدفع السوء الا هو. فلا اله الا هو ولا معبود سواه. كذلك نقص عليك من يمتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بما قصه عليه من انباء السابقين. واخبار السالفين كهذه القصة العظيمة. وما فيها من الاحكام وغيرها. التي لا ينكرها احد من اهل الكتاب فانت لم تدرس اخبار الاولين ولم تتعلم ممن دراها فاخبارك بالحق اليقين من اخبارهم دليل على انك رسول الله حقا ولهذا قال اي عطية نفيسة ومنحة جزيلة من ذكرى وهو هذا القرآن الكريم. ذكر للاخبار السابقة واللاحقة. وذكر يتذكر بهما لله تعالى من الاسماء والصفات كاملة وتذكر به احكام الامر والنهي واحكام الجزاء. وهذا مما يدل على ان القرآن مشتمل على احسن ما يكون من الاحكام الذي تشهد العقول والفطر بحسنها وكمالها. ويذكر هذا القرآن ما اودع الله فيها. واذا كان القرآن ذكرا للرسول وامته فيجب متلقيه بالقبول والتسليم والانقياد والتعظيم. وان يهتدى بنوره الى الصراط المستقيم. وان يقبلوا عليه بالتعلم والتعليم. واما قابلته بالاعراض او ما هو اعظم منه من الانكار فانه كفر لهذه النعمة. ومن فعل ذلك فهو مستحق للعقوبة. ولهذا فقال من اعرض عنه فلم يؤمن به او تهاون باوامره ونواهيه. او بتعلم معانيه الواجبة. وهو ذنبه الذي فبه اعرض عن القرآن واولاه الكفر والهجران خالدين فيه اي في وزرهم لان العذاب هو نفس الاعمال. تنقلب عذابا على اصحابها. بحسب في صغرها وكبرها. لهم يوم القيامة حملا. اي بئس الحمل الذي يحملونه عذاب الذي يعذبونه يوم القيامة. ثم استطرد فذكر احوال يوم القيامة واهواله فقال يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا. يتخافتون بينهم ان لبثتم اذ يقول ماء اي اذا نفخ في الصور وخرج الناس من قبورهم كل على حسب حاله. فالمتقون يحشرون الى الرحمن وفدا. والمجرمون يحشرون زرقا الوانهم من الخوف والقلق والعطش. يتناجون بينهم ويتخافتون في قصر مدة الدنيا وسرعة الاخرة. فيقول بعضهم ما لبثتم الا عشرة ايام. ويقول بعضهم غير ذلك. والله يعلم تخافتهم ويسمع ما يقولون. اذ يقول امثالهم طريقة اي اعدلهم واقربهم الى التقدير. والمقصود من هذا الندم العظيم كيف ضيعوا الاوقات قصيرة وقطعوها ساهين لاهين. معرضين عما ينفعهم. مقبلين على ما يضرهم. فها قد حضر الجزاء وحق الوعيد. ولم يبقى فان الندم والدعاء بالويل والثبور. كما قال تعالى قال كم لبثتم في الارض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فاسأل الدين قال ان لبثتم الا قليلا لو انكم كنتم تعلمون فقل ينسفها ربي نسفا. يخبر تعالى عن اهوال يوم القيامة وما فيها من الزلازل والقلاقل فقال ويسألونك عن الجبال اي ماذا يصنع بها يوم القيامة؟ وهل تبقى بحالها ام لا؟ فقل ينسفها ربك اي يزيلها ويقلعها من اماكنها فتكون كالعهن وكالرمل. ثم يدقها ويجعلها هباء منبثا اضمحل وتتلاشى ويسويها بالارض انت ويجعل الارض قاعا صفصفا مستويا. لا ترى فيه ايها الناظر عوجا هذا من تمام استوائها. اي اودية واماكن منخفضة او مرتفعة فتبرز الارض وتتسع الخلائق ويمدها الله مد الاديم. فيكونون في موقف واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. ولهذا قال وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا يومئذ يتبعون وذلك حين يبعثون من قبورهم ويقومون منها. يدعوهم الداعي الى الحضور والاجتماع للموقف. فيتبعونه مهضعين اليه يلتفتون عنه ولا يعرجون يمنة ولا يسرة وقوله اي لا عوج لدعوة الداعي بل تكون دعوته حقا وصدقا لجميع الخلق. يسمعهم جميعهم ويصيح بهم اجمعين فيحضرون لموقف القيامة خاشعة اصواتهم للرحمن. اي الا وطأ الاقدام او المخافة سرا بتحريك الشفتين فقط. يملكهم الخشوع والسكون والانصات. انتظارا لحكم الرحمن فيهم. وتعنوا وجوههم اي تذل وتخضع فترى في ذلك الموقف العظيم الاغنياء والفقراء والرجال والنساء والاحرار والارقاء والملوك ساكتين منصتين خاشعة ابصارهم خاضعة رقابهم جاثين على ركبهم عانية وجوههم لا تدرون ماذا ينفصل كل منهم به. ولا ماذا يفعل به قد اشتغل كل بنفسه وشأنه عن ابيه واخيه وصديقه وحبيبه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. فحينئذ يحكم فيهم الحاكم العدل الديان. ويجازي المحسن باحسانه. والمسيء بالحرمان والامل بالرب الكريم الرحمن الرحيم. ان يري الخلائق منه من الفضل والاحسان والعفو والصفح والغفران. ما لا تعبر عنه الالسنة ولا تتصوره الافكار ويتطلع لرحمته اذ ذاك جميع الخلق لما يشاهدونه. فيختص المؤمنون به ورسله بالرحمة. فان قيل من اين لكم هذا الامل؟ وان شئت قلت من اين لكم هذا العلم بما ذكر؟ قلنا لما نعلمه من غلبة رحمته لغضبه ومن جوده الذي عم جميع البرايا. ومما نشاهده في انفسنا وفي غيرنا. من النعم المتواترة في هذه الدار. وخصوصا في فصل القيام فان قوله الا من اذن له الرحمن مع قوله الملك يومئذ الحق للرحمن. مع قوله صلى الله عليه وسلم ان لله مئة رحمة انزل هذه رحمة بها يتراحمون ويتعاطفون. حتى ان البهيمة ترفع حافرها عن ولدها خشية ان تطأه. اي من الرحمة المودعة في بها فاذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة الى تسع وتسعين رحمة فرحم بها العباد. مع قوله صلى الله عليه وسلم الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها فقل ما شئت عن رحمته فانها فوق ما تقول. وتصور ما شئت فانها فوق ذلك فسبحان من رحم في عدله وعقوبته. كما رحم في فضله واحسانه ومثوبته. وتعالى من وسعت رحمته كل شيء وعم كرمه كل حي وجل من غني عن عباده رحيم بهم وهم مفتقرون اليه على الدوام في جميع احوالهم. فلا غنى لهم عنه طرفة عين وقوله اي لا يشفع احد عنده من الخلق الا اذا اذن في الشفاعة ولا يأذن الا لمن رضي قوله اي شفاعته من الانبياء المرسلين وعباده المقربين لمن ارتضى قوله وعمله وهو المؤمن المخلص. فاذا اختل واحد من هذه الامور فلا سبيل لاحد الى ساعة من احد به علما وعنت الوجوه للحي القيوم. وعنت الوجوه الحية ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن لا يخاف ظلما ولا هضما. وينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين ظالمين بكفرهم وشرهم. فهؤلاء لا ينالهم الا الخيبة والحرمان والعذاب الاليم في جهنم وسخط الديان. والقسم الثاني من امن الايمان المأمور به وعمل صالح هل من واجب ومسنون؟ فلا يخاف ظلما اي زيادة في سيئاته ولا اعظم اي نقصا من حسناته بل تغفر ذنوبه وتطهر عيوبه وتضاعف حسناته وان تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنها اجرا عظيما وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا. اي وكذلك انزلناه هذا الكتاب باللسان الفاضل العربي الذي تفهمونه وتفقهونه ولا يخفى عليكم لفظه ولا معناه وصرفنا فيه من الوعيد اين نوعناها انواعا كثيرة. تارة بذكر اسمائه الدالة على العدل والانتقام. وتارة بذكر المثلات التي احلها بالامم السابقة. وامر ان تعتبر بها الامم اللاحقة وتارة بذكر اثار الذنوب. وما تكسبه من العيوب وتارة بذكر اهوال القيامة. وما فيها من المزعجات مقلقات وتارة بذكر جهنم. وما فيها من انواع العقاب واصناف العذاب. كل هذا رحمة بالعباد. لعلهم يتقون الله فيتركون من الشر والمعاصي ما يضرهم. فيعملون من الطاعات والخير ما ينفعهم. فكونه عربيا وكونه مصرفا فيه من الوعيد. اكبر سبب واعظم داع للتقوى والعمل الصالح. ولو كان غير عربي او غير مصرف فيه لم يكن له هذا الاثر فيقضى اليك وحيه وقل رب زدني علما. لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده وحكمه الامري الديني الذي انزله في كتابه. وكان هذا من اثار ملكه. قال فتعالى الله اي جل وارتفع وتقدس فعن كل نقص وافة الملك الذي الملك وصفه والخلق كلهم مماليك له. واحكام الملك القدرية والشرعية نافذة فيهم الحق اي وجوده وملكه وكماله حق. فصفات الكمال لا تكون حقيقة الا لذي الجلال. ومن ذلك الملك فان من الخلق وان كان له ملك في بعض الاوقات على بعض الاشياء فانه ملك قاصر باطل يزول. واما الرب فلا يزال ولا تزول ملكا حيا قيوما جليلا اي لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل. واصبر حتى يفرغ منه. فاذا فرغ منه فاقرأه. فان الله قد ضمن سلك جمعه في صدرك وقراءتك اياه. كما قال تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به. ان علينا جمعه وقرآنه. فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثمان علينا بيانه. ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم على تلقف الوحي ومبادرته اليه. يدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه. امره الله تعالى ان يسأله زيادة العلم. فان العلم خير وكثرة الخير مطلوبة. وهي من الله والطريق اليها الاجتهاد والشوق للعلم. وسؤال الله والاستعانة به والافتقار اليه في كل وقت. ويؤخذ منها هذه الاية الكريمة الادب في تلقي العلم. وان المستمع للعلم ينبغي له ان يتأنى ويصبر. حتى يفرغ المملي والمعلم منك كلامه المتصل بعضه ببعض. فاذا فرغ منه سأل ان كان عنده سؤال ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم. فانه سبب للحرمان وكذلك المسؤول ينبغي له ان يستملي سؤال السائل ويعرف المقصود منه قبل الجواب فان ذلك سبب لاصابة الصواب. اي ولقد وصينا ادم وامرناه وعهدنا اليه عهدا ليقوم به فالتزمه واذعن له وانقاد وعزم على القيام به ومع ذلك نسي ما امر به وانتقضت عزيمته محكمة فجرى عليه ما جرى. وصار عبرة لذريته. وصارت طبائعهم مثل طبيعته. نسي ادم فنسيت ذريته. وخطأ خطأ ولم يثبت على العزم المؤكد وهم كذلك. وبادر بالتوبة من خطيئته واقر بها واعترف. فغفرت له ومن يشابه اباه فما ظلم. ثم ذكر تفصيل ما اجمله فقال اي لما اكمل خلق ادم بيده وعلمه الاسماء وفضله وكرمه. امر الملائكة بالسجود له اكراما وتعظيما واجلالا. فبادروا بالسجود ممتثلين. وكان بينهم ابليس. فاستكبر عن امر ربه وامتنع من السجود وقال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فتبينت حينئذ عداوته البليغة لادم وزوجه لما كان عدوا لله وظهر من حسده ما كان سبب العداوة. حذر الله ادم وزوجه منه. وقال فتشقى اذا خرجت منها فان لك فيها الرزق الهني والراحة التامة اما ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. اي تصيب الشمس بحرها وضمن له استمرار الطعام والشراب والكسوة والماء وعدم التعب والنصب. فلم يزل الشيطان يسول لهما ويزين اكل الشجرة ويقول فوسوس اليه الشيطان قال يا ادم هل ادلك على شجرة الخلق هل ادلك على شجرة الخلد؟ اي الشجرة التي من اكل منها خلد في الجنة آآ اي لا ينقطع ان اكلت منها فاتاه بصورة ناصح وتلطف له في الكلام اغتر به ادم واكل من الشجرة فسقط في ايديهما وسقطت كسوة واتضحت معصيتهما. وبدا لكل منهما سوءة الاخر بعد ان كانا مستورين. وجعلا يخصفان على انفسهما من وراء اشجار الجنة ليستتر بذلك. واصابهما من الخجل ما الله به عليم فبادرا الى التوبة والانابة وقال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اجتباه ربه واختاره ويسر له التوبة. فكان بعد التوبة احسن منه قبلها ورجع كيد العدو عليه وبطل مكره فتمت النعمة عليه وعلى ذريته ووجب عليهم القيام بها وان يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم ليلا ونهارا. يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. يخبر تعالى انه امر ادم وابليس ان يهبطا الى الارض. وان يتخذ ادم وبنوه الشيطان عدوا لهم. فيأخذوا الحذر منه. ويعدوا له عدته ويحذر اقتربوا وانه سينزل عليهم كتبا ويرسل اليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة اليه والى جنته. ويحذرونه من هذا العدو المبين وانهم اي وقت جاءهم ذلك الهدى الذي هو الكتب والرسل فان من اتبعه اتبع ما امر به واجتنب ما نهي عنه فانه لا يضل في الدنيا ولا في الاخرة ولا يشقى فيهما. بل قد هدي الى صراط مستقيم في الدنيا والاخرة. وله السعادة والامن وفي الاخرة وقد نفى عنه الخوف والحزن في اية اخرى لقوله فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. واتباع هدى بتصديق الخبر وعدم معارضته بالشبه. وامتثال الامر بالا يعارضه بشهوة ومن اعرض عن ذكر اي كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية. وان يتركه على وجه الاعراض عنه. او ما هو اعظم من ذلك. بان يكون على وجه والكفر به. اي فان جزاءه ان نجعل معيشته مشقة ولا يكون ذلك الا عذابا. وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر. وانه يضيق عليه قبره ويحصر فيه عذب جزاء لاعراضه عن ذكر ربه. وهذه احدى الايات الدالة على عذاب القبر. والثانية قوله تعالى ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم. والثالثة قوله ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر. والرابعة عن ال فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا. والذي اوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف وقصرها على كذلك والله اعلم اخر الاية. وان الله ذكر في اخرها عذاب يوم القيامة. وبعض المفسرين يرى ان المعيشة الضنك في دار الدنيا بما يصيب المعرض عن ذكر ربه من الهموم والغموم والالام. التي هي عذاب معجل وفي دار البرزخ وفي الدار الاخرة لاطلاق المعيشة الظنك وعدم تقييدها. ونحشره اي هذا عن ذكر ربه يوم القيامة اعمى. اعمى البصر على الصحيح كما قال تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم وبكما وصما. قال على وجه الذل والمراجعة والتألم والضجر من هذه الحالة وقد كنت في دار الدنيا بصيرا. فما الذي سيرني الى هذه الحالة الشنيعة اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. فنسيتها باعراضك عنها اي تترك في العذاب. فاجيب بان هذا هو عين عملك. والجزاء من جنس العمل. وكما عميت عن ذكر ربك وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه اعمى الله بصرك في الاخرة وحشرت الى النار اعمى اصم ابكم واعرض عنك ونسيك في وكذلك نجزي من اسرف ولم يؤمن بايات ربه ولعذاب الاخرة وكذلك اي هذا الجزاء نجزي من اسرف بان تعدى الحدود وارتكب المحارم وجاوز ما اذن له ولم يؤمن بايات ربه الدالة على جميع مطالب الايمان. دلالة واضحة صريحة. فالله لم يظلمه ولم يضع العقوبة في غير محله وانما السبب اسرافه وعدم ايمانه. والعذاب الاخرة اشد من عذاب الدنيا اضعافا مضاعفة. وابقى لكونه لا ينقطع. بخلاف عذاب الدنيا فانه منقطع. فالواجب الخوف والحذر من عذاب في الاخرة لايات لاولي النهى اي افلم يهدي هؤلاء المكذبين المعرضين ويدلهم على سلوك الطريق الرشاد وتجنب في طريق الغي والفساد ما احل الله بالمكذبين قبلهم من القرون الخالية والامم المتتابعة الذين يعرفون قصصهم ويتناقلون اسمارهم وينظرون باعينهم مساكنهم من بعدهم. كقوم هود وصالح ولوط وغيرهم. وانهم لما كذبوا رسلنا واعرضوا عن اصبناهم بالعذاب الاليم. فما الذي يؤمن هؤلاء ان يحل بهم ما حل باولئك؟ اكفاركم خير من اولئكم؟ ام لكم براءة في الزبر. ام يقولون نحن جميعا منتصر؟ لا شيء من هذا كله. فليس هؤلاء الكفار خيرا من اولئك. حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم بل هم شر منهم. لانهم كفروا باشرف الرسل وخير الكتب. وليس لهم براءة مزبوطة وعهد عند الله. وليس كما يقولون ان جمعهم ينفعهم ويدفع عنهم. بل هم اذل واحقر من ذلك. فاهلاك القرون الماضية بذنوبهم من اسباب الهداية لكونها من الايات الدالة على صحة رسالة الرسل الذين جاؤوهم وبطلان ما هم عليه. ولكن ما كل احد ينتفع بالايات انما ينتفع بها اولو النهى اي العقول السليمة والفطر المستقيمة والالباب التي تزجر اصحابها عما لا ينبغي كلمة سبقت من ربك لكان لزاما واجل مسمى. هذا تسلية للرسول وتصبير له عن المبادرة الى اهلاك المكذبين المعرضين. وان كفرهم وتكذيبهم سبب صالح لحلول العذاب بهم. ولزومه لهم. لان الله الله جعل العقوبات سببا وناشئا عن الذنوب ملازما لها. وهؤلاء قد اتوا بالسبب. ولكن الذي اخره عنهم كلمة ربك. المتضمنة لامهالهم وتأخيرهم وضرب الاجل المسمى. فالاجل المسمى ونفوذ كلمة الله هو الذي اخر عنهم العقوبة الى ابان وقتها ولعلهم يراجعون امر الله ويتوب عليهم ويرفع عنهم العقوبة. اذا لم تحقق عليهم الكلمة. ولهذا امر الله رسوله بالصبر على بالقولون اناء الليل ومن اناء الليل فسبح واطراف النهار لعل انك ترضى وامره ان يتعوض عن ذلك ويستعين عليه بالتسبيح بحمد ربه في هذه الاوقات الفاضلة. قبل طلوع الشمس وقبل غروبها بها وفي اطراف النهار اوله واخره. عموم بعد خصوص واوقات الليل وساعاته. لعلك ان فعلت ذلك. ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والاجل. وليطمئن قلبك وتقر عينك بعبادة ربك. وتتسلى بها عن اذيتهم. فيخف حينئذ عليك الصبر. ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة في الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى. اي لا تمد عينيك معجبا ولا لا تكرر النظر مستحسنا الى احوال الدنيا والممتعين بها. من المآكل والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة. والنساء المجملة فان ذلك كله زهرة الحياة الدنيا. تبتهج بها نفوس المغترين. وتأخذ اعجابا بابصار المعرضين. ويتمتع بها بقطع النظر عن الاخرة القوم الظالمون. ثم تذهب سريعا وتمضي جميعا وتقتل محبيها وعشاقها. فيندمون حيث لا الندامة ويعلمون ما هم عليه اذا قدموا في القيامة. وانما جعلها الله فتنة واختبارا. ليعلم من يقف عندها ويغتر بها. ومن هو واحسن عملا كما قال تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا وانا لجاعلون ما عليها عيدا جرزا. ورزق ربك العاجل من العلم والايمان وحقائق الاعمال الصالحة والاجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم. خير مما متعنا به ازواجا في ذاته وصفاته وابقى لكونه لا ينقطع اكلها دائم وظلها. كما قال تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى وفي هذه الاية اشارة الى ان العبد اذا رأى من نفسه طموحا الى زينة الدنيا واقبالا عليها ان يذكرها ما امامها من رزق ربه وان يوازن بين هذا وهذا اي حث اهلك على الصلاة وازعجهم اليها من فرض ونفل والامر بالشيء امر بجميع ما لا يتم الا به. فيكون امرا بتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها. واصطبر عليها اي على الصلاة باقامتها بحدودها واركانها وادابها وخشوعها. فان ذلك مشق على النفس. ولكن ينبغي اكراهها وجهادها على ذلك. والصبر معها فدائما فان العبد اذا اقام صلاته على الوجه المأمور به كان لما سواها من دينه احفظ واقوم. واذا ضيعها كان لما سواها اضيع ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق والا يشغله الاهتمام به عن اقامة دينه. فقال نحن نرزقك اي رزقك علينا قد تكفلنا به. كما تكفلنا بارزاق الخلائق كلهم. فكيف بمن قام بامرنا واشتغل بذكرنا ورزق الله عام للمتق وغيره. فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الابدية. وهو التقوى. ولهذا قال والعاقبة في الدنيا والاخرة للتقوى التي هي فعل المأمور وترك المنهي. فمن قام بها كان له العاقبة كما قال تعالى والعاقبة للمتقين اي قال المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم الا يأتينا باية من ربه؟ يعنون ايات الاقتراح قولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفتر لنا من الارض ينبوعا. او تكون لك جنة من نخيل وعنب. وتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا. او تأتي بالله والملائكة قبيلا. وهذا تعنت منهم وعناد وظلم. فانهم ام الرسول بشر عبيد لله. فلا يليق منهم الاقتراح بحسب اهوائهم. وانما الذي ينزلها ويختار منها ما يختار بحسب حكمته هو الله ولان قولهم لولا انزل عليه ايات من ربه يقتضي انه لم يأتهم باية على صدقه ولا بينة على حقه وهذا كذب وافتراء. فانه اتى من المعجزات الباهرات والايات القاهرات. ما يحصل ببعضه المقصود. ولهذا قال اولم تأتهم ان كانوا صادقين في قولهم وانهم يطلبون الحق بدليله ما في الصحف الاولى اي هذا القرآن العظيم المصدق لما في الصحف الاولى من التوراة والانجيل والكتب السابقة المطابق لها المخبر بما اخبرت به وتصديقه ايضا مذكور فيها ومبشر بالرسول بها. وهذا كقوله تعالى اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. فالايات تنفع المؤمنين ويزداد بها ايمانهم وايقانهم. واما المعرضون عنها المعارضون لها فلا يؤمنون بها ولا ينتفعون بها. ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون لو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم وانما الفائدة في سوقها اليهم ومخاطبتهم بها لتقوم عليهم حجة الله ولان لا يقولوا حين ينزل بهم العذاب. من قبل بان نذل ونخزى بالعقوبة. فها قد جاءكم رسولي ومعه اياتي وبراهيني. فان كنتم كما تقولون فصدقوه من اهتدى قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون. قل كل متربص تربصوا بي الموت وانا اتربص بكم العذاب. قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين؟ اي الظفر او الشهادة ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بايدينا فستعلمون من اصحاب الصراط السوي اي المستقيم ومن اهتدى بسلوكه انا ام انتم فان صاحبه هو الفائز الراشد الناجي المفلح. ومن حاد عنه خاسر خائب معذب. وقد علم ان الرسول هو الذي بهذه الحالة واعداؤه بخلافه والله اعلم