المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم هذا تعجب من حالة الناس. وانه لا ينجح فيهم تذكير ولا يرعوون الى نذير. وانهم قد قرب حسابهم مجازاتهم على اعمالهم الصالحة والطالحة. والحال انهم في غفلة معرضون. اي غفلة عما خلقوا له. واعراض عما زجروا به كأنهم للدنيا خلقوا وللتمتع بها ولدوا. وان الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ. ولا يزالون في غفلتهم عرضهم ولهذا قال ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه. وما يضرهم ويرهبهم منه الا استمعوه سماعا تقوم عليهم به الحجة وهم يلعبون لاهية قلوبهم اي قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية. وابدانهم لاعبة قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل الباطل والاقوال الردية مع ان الذي ينبغي لهم ان يكونوا بغير هذه الصفة. تقبل قلوبهم على امر الله ونهيه. وتستمعه استماعا المراد منه وتسعى جوارحهم في عبادة ربهم التي خلقوا لاجلها ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال فبذلك يتم لهم امرهم. وتستقيم احوالهم وتزكو اعمالهم. وفي معنى قوله اقترب للناس حسابهم قولان احدهما ان هذه الامة هي اخر الامم. ورسولها اخر الرسل. وعلى امته تقوم الساعة. قد قرب الحساب منها لما قبلها من الامم لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت انا والساعة كهاتين وقرن بين اصبعيه السبابة والتي تليها والقول الثاني ان المراد بقرب الحساب الموت وان من مات قامت قيامته ودخل في دار الجزاء على الاعمال وان هذا تعجب من كل غافل معرض لا يدري متى يفجأه الموت صباحا او مساء فهذه حالة الناس كلهم الا من ادركته عناية ربانية فاستعد للموت وما بعده. ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد. ومقابلة الحق بالباطل انهم تناجوا وتواطؤوا فيما بينهم ان يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم انه بشر مثلكم. فما الذي فضله عليكم وخصه من بينكم فلو ادعى احد منكم مثل دعواه لكان قوله من جنس قوله ولكنه يريد ان يتفضل عليكم ويرأس فيكم فلا تطيعوه ولا تصدقوه. وانه ساحر وما جاء به من القرآن سحر. فانفروا عنه ونفروا الناس. وقولوا هذا وهم يعلمون انه رسول الله حقا. بما شاهدوا من الايات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد. والله تعالى قد احاط علما بما تناجوا به. وسيجازيهم عليه. ولهذا هذا قال ربي يعلم القول اي الخفي والجلي في السماء والارض اي في جميع ما احتوت عليه اقطارهما. وهو السميع العليم ولسائر الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. العليم بما في الضمائر واكنته السرائر يذكر تعالى المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم. وبما جاء به من القرآن العظيم. وانهم سفهوه وقالوا فيه الاقاويل باطلة مختلفة فتارة يقولون اضعاف احلام بمنزلة كلام النائم الهادي الذي لا يحس بما يقول وتارة يقول افتراه واختلقه وتقوله من عند نفسه. وتارة يقولون انه شاعر وما جاء به شعر. وكل من له ادنى معرفة بالواقع من حالة الرسول ونظر في هذا الذي جاء به جزم جزما لا يقبل الشك انه اجل الكلام واعلاه وانه من عند لله وان احدا من البشر لا يقدر على الاتيان بمثل بعضه. كما تحدى الله اعداءه بذلك. ليعارضوا مع توفر دواعيهم معارضته وعداوته فلم يقدروا على شيء من معارضته. وهم يعلمون ذلك. والا فما الذي اقامهم واقعدهم واقض مضاجعهم؟ وبل فلسنتهم الا الحق الذي لا يقوم له شيء. وانما يقولون هذه الاقوال فيه. حيث لم يؤمنوا به تنفيرا عنه لمن لم يعرفه وهو اكبر الايات المستمرة الدالة على الصحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه. وهو كاف شاف فمن طلب دليل غيرة او اقترح اية من الايات سواه فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء المعاندين الذين كذبوه وطلبوا من ايات الاقتراح ما هو واضر شيء عليهم وليس لهم فيها مصلحة لانهم ان كان قصدهم معرفة الحق اذا تبين دليله فقد تبين دليله بدونها ان كان قصدهم التعجيز واقامة العذر لانفسهم. وان لم يأتي بما طلبوا فانهم بهذه الحالة على فرض اتيان ما طلبوا من الايات. لا يؤمنون انقطع فلو جاءتهم كل اية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم. ولهذا قال الله عنهم اي كناقة صالح وعصا موسى ونحو ذلك. قال الله ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها اي بهذه الايات المقترحة وانما سنته تقتضي ان من طلبها ثم حصلت له فلم يؤمن ان يعاجله بالعقوبة. فالاولون ما امنوا بها. افيؤمن وهؤلاء بها ما الذي فضلهم على اولئك؟ وما الخير الذي فيهم يقتضي الايمان عند وجودها؟ وهذا الاستفهام بمعنى النفي اي لا يكون ذلك منهم ابدا وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين. ثم ان صدقناهم الوعد فانجيناهم ومن نشاء واهلكنا المسرفين هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين هل لكان ملكا لا يحتاج الى طعام وشراب وتصرف في الاسواق؟ وهلا كان خالدا فاذا لم يكن كذلك دل على انه ليس برسول. وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل. تشابهوا في الكفر فتشابهت اقوالهم فاجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول المقرين باثبات الرسل قبله ولو لم يكن الا عليه السلام الذي قد اقر بنبوته جميع الطوائف. والمشركون يزعمون انهم على دينه وملته. بان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كلهم من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق. وتطرأ عليهم العوارض البشرية من الموت وغيره. وان الله الله ارسلهم الى قومهم واممهم فصدقهم من صدقهم وكذبهم من كذبهم. وان الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة والسعادة لهم ثم لاتباعهم واهلك المسرفين المكذبين لهم. فما بال محمد صلى الله عليه وسلم تقام الشبه الباطلة على انكار رسالته وهي موجودة في اخوانه المرسلين. الذين يقر بهم المكذبون لمحمد. فهذا الزام لهم في غاية الوضوح. وانهم ان اقروا برسول من البشر ولن يقروا برسول من غير البشر. ان شبههم باطلة قد ابطلوها هم باقرارهم بفسادها. وتناقضهم بها. فلو انتقالهم من هذا الى انكار نبوة البشر رأسا. وانه لا يكون نبي ان لم يكن ملكا مخلدا. لا يأكل الطعام. فقد اجاب الله تعالى الا عن هذه الشبهة بقوله وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا انه رجلا ولا لبسنا عليهم ما يلبسون. وان البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة. قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئن لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا. فان حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين. فاسألوا اهل الذكر من الكتب السالفة كاهل التوراة والانجيل يخبرونكم بما عندهم من العلم وانهم كلهم بشر من جنس المرسل اليهم وهذه الاية وان كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لاهل الذكر. وهم اهل العلم فانها عامة في كل مسألة من مسائل الدين اصوله وفروعه. اذا لم يكن عند الانسان علم منها ان يسأل من يعلمها ففيه الامر بالتعلم والسؤال لاهل العلم ولم يؤمر بسؤالهم الا لانه يجب عليهم التعليم والاجابة عما علموه. وفي تخصيص السؤال باهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم ونهي له ان يتصدى لذلك. وفي هذه الاية دليل على ان النساء ليس منهن نبية. لا مريم ولا غيرها لقوله الا رجالا. لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم اعقلوا لقد انزلنا اليكم ايها المرسل اليهم محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب كتابا جليلا قرآنا مبينا. فيه ذكركم اي شرفكم وفخركم وارتفاعكم. ان تذكرتم به ما فيه من الاخبار الصادقة فاعتقدتموها وامتثلتم ما فيه من الاوامر واجتنبتم ما فيه من النواهي. ارتفع قدركم وعظم امركم. افلا تعقلون افلا تعقلون ما ينفعكم وما يضركم؟ كيف لا ترضون ولا تعملون على ما فيه ذكركم وشرفكم في الدنيا والاخرة؟ فلو كان لكم عقل لسلكتم هذا السبيل. فلما لم تسلكوه وسلكتم غيره من الطرق. التي فيها ضاعتكم وخستكم في الدنيا والاخرة شقاوتكم فيهما علم انه ليس لكم معقول صحيح ولا رأي رجيح. وهذه الاية مصداقها ما وقع. فان المؤمنين الرسول الذين تذكروا بالقرآن من الصحابة فمن بعدهم حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر والصيت العظيم والشرف على الملوك ما هو امر معلوم لكل احد؟ كما انه معلوم ما حصل لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا. ولم يهتد به ويتزكى به. من المقت والضعف والتدسية والشقاوة فلا سبيل الى سعادة الدنيا والاخرة الا بالتذكر بهذا الكتاب ان كانت ظالمة وانشأنا بعدها قوما اخرين. يقول تعالى محذرا لهؤلاء الظالمين المكذبين رسول بما فعل بالامم المكذبة لغيره من الرسل. وكم قصمنا اي اهلكنا بعذاب مستأصل من قرية تلفت عن اخر فيها وانشأنا بعدها قوما اخرين. وان هؤلاء المهلكين لما احسوا بعذاب الله وعقابه وبشرهم نزوله لم يمكن لهم الرجوع ولا طريق لهم الى النزوع وانما ضربوا الارض وبارجلهم ندما وقلقا وتحسرا على ما فعلوا وهروبا من وقوعه. فقيل لهم على وجه التهكم بهم. لا تركضوا ارجعوا الى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون. اي لا يفيدكم الركض والندم. ولكن ان كان لكم جدار فارجعوا الى ما اترفتم فيه من اللذات والمشتهيات ومساكنكم المزخرفات ودنياكم التي غرتكم والهتكم حتى جاءكم امر الله فكونوا فيها متمكنين. وللذاتها جانين وفي منازلكم مطمئنين معظمين. لعلكم ان تكونوا مقصودين في بكم كما كنتم سابقا. مسؤولين من مطالب الدنيا كحالتكم الاولى. وهيهات اين الوصول الى هذا؟ وقد فات الوقت حل بهم العقاب والمقت. وذهب عنهم عزهم وشرفهم ودنياهم. وحضرهم ندمهم وتحسرهم. ولهذا فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين فما زالت تلك دعواهم اي الدعاء بالويل والثبور والندم. والاقرار على انفسهم بالظلم. وان الله عادل فيما احل بهم حتى جعلناهم حصيدا صامدين. اي بمنزلة النبات الذي قد حصد وانيم. قد خمدت منهم الحركات وسكنت منهم الاصوات فاحذروا ايها المخاطبون ان تستمروا على تكذيب اشرف الرسل في حل بكم كما حل باولئك. وما خلقنا والارض وما بينهما لاعبين. يخبر تعالى انه ما خلق السماوات والارض ولا لعبا من غير فائدة. بل خلقها بالحق وللحق. ليستدل بها العباد على انه الخالق العظيم. المدبر الحكيم. الرحمن الرحيم الذي له الكمال كله والحمد كله. والعزة كلها الصادق في قيله. الصادقة رسله فيما تخبر عنه. وان قدر على خلقهما مع سعتهما وعظمهما. قادر على اعادة الاجساد بعد موتها. ليجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته لو اردنا ان نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ان كنا فاعلين لو اردنا ان نتخذ لهوا على الفرض والتقدير والمحال لاتخذناه من لدنا اي من عندنا ان كنا فاعلين ولم نطلعكم على ما فيه عبث ولهو لان ذلك نقص ومثل سوء. لا نحب ان نريه اياكم. فالسموات والارض اللذان بمرأى منكم على الدوام. لا يمكن وان يكون القصد منهما العبث واللهو. كل هذا تنزل مع العقول الصغيرة. واقناعها بجميع الوجوه المقنعة. فسبحان الحليم الرحيم الحكيم في تنزيله الاشياء منازلها يخبر تعالى انه تكفل باحقاق الحق وابطال الباطل. وان كل باطل قيل وجود فان الله ينزل من الحق والعلم والبيان ما يدمغه فيضمحل ويتبين لكل احد بطلانه. فاذا هو زاهق اي مضمح كل فان وهذا عام في جميع المسائل الدينية. لا يورد مبطن شبهة عقلية ولا نقلية. في احقاق باطل او رد حق وفي ادلة الله من القواطع العقلية والنقلية. ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه. فاذا هو متبين بطلانه لكل احد هذا يتبين باستقراء المسائل مسألة مسألة فانك تجدها كذلك. ثم قال ولكم ايها الواصفون الله بما لا يليق به من اتخاذ الولد والصاحبة ومن الانداد والشركاء. حظكم من ذلك ونصيبكم الذي تدركون الويل والندامة والخسران. ليس لكم مما قلتم فائدة ولا يرجع عليكم بعائدة تؤمنونها وتعملون لاجلها وتسعون في الوصول اليها الا عكس مقصودكم وهو الخيبة والحرمان ثم اخبر انه له ملك السماوات والارض وما بينهما. فالكل عبيده ومماليكه فليس لاحد منهم ملك ولا قسط من الملك ولا معاونة عليه ولا يشفع الا باذن الله. فكيف يتخذ من هؤلاء الهة؟ وكيف يجعل لله منها ولد الا وتقدس المالك العظيم الذي خضعت له الرقاب وذلت له الصعاب وخشعت له الملائكة المقربون واذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة اجمعون. ولهذا قال ومن عنده اي من الملائكة اي لا يملون ولا يسأمونها بشدة رغبتهم وكمال محبتهم وقوة ابدانهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون. اي مستغرقين في العبادة والتسبيح في جميع اوقاتهم ليس في اوقاتهم وقت فارغ منها ولا خال منها. وهم على كثرتهم بهذه الصفة. وفي هذا من بيان عظمته وجلالة سلطانه. وكماله علمه وحكمته ما يوجب الا يعبد الا هو. ولا تصرف العبادة لغيره لما بين تعالى كمال اقتداره وعظمته وخضوع كل شيء له انكر على المشركين الذين اتخذوا من دون الله الهة من الارض في غاية العجز وعدم القدرة هم ينشرون استفهام بمعنى النفي اي لا يقدرون على نشرهم وحشرهم يفسرها قوله تعالى واتخذوا من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. ولا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون الهة فسبحان الله فالمشرك يعبد المخلوق الذي لا ينفع ولا يضر. ويدع الاخلاص لله الذي له الكمال كله وبيده الامر والنفع والضر وهذا من عدم توفيقه وسوء حظه وتوفر جهله وشدة ظلمه فانه لا يصلح الوجود الا على اله واحد كما انه لم يوجد الا برب واحد. ولهذا قال لو كان فيهما اي في السماوات والارض الهة الا الله لفسدتا في ذاتهما وفسد من فيهما من المخلوقات وبيان ذلك ان العالم العلوي والسفلي على ما يرى في اكمل ما يكون من الصلاح والانتظام الذي ما فيه خلل ولا عيب ولا ممانعة ولا معارضة فدل ذلك على ان مدبره واحد وربه واحد والهه واحد. فلو كان له مدبران وربان او اكثر من ذلك لاختل نظامه وتقوضت اركانه فانهما يتمانعان ويتعارضان. واذا اراد احدهما تدبير شيء واراد الاخر فانه محال وجود مرادهما معا ووجود مراد احدهما دون الاخر. يدل على عجز الاخر وعدم اقتداره. واتفاقهما على مراد واحد في جميع الامور غير ممكن. فاذا يتعين ان القاهر الذي يوجد مراده وحده من غير ممانع ولا مدافع هو الله الواحد القهار. ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. اذا لذهب كل اله بما قلق ولعل بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون. ومنه على احد التأويلين قوله تعالى قل لو كان معه الهة كما يقولون اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. ولهذا قال هنا اي تنزه وتقدس عن كل نقص لكماله وحده رب العرش الذي هو سقف المخلوقات واوسعها واعظمها. فربوبية ما دونه من باب اولى عما يصفون اي الجاحدون الكافرون من اتخاذ الولد والصاحبة؟ وان يكون له شريك بوجه من الوجوه لا يسأل عما يفعل بعظمته وعزته وكمال قدرته لا يقدر احد ان يمانعه او يعارضه لا ولا بفعل ولكمال حكمته ووضعه الاشياء مواضعها واتقانها احسن شيء يقدره العقل. فلا يتوجه اليه السؤال لان خلقه ليس فيه خلل ولا اخلال. وهم اي المخلوقون كلهم يسألون عن افعالهم واقوالهم. لعجزهم ولكونهم عبيدا قد استحقت افعالهم وحركاتهم. فليس لهم من التصرف والتدبير في انفسهم. ولا في غيره مثقال ذرة ثم رجع الى تهجين حال المشركين وانهم اتخذوا من دونه الهة فقل لهم موبخا ومقرعا الهة قلها برهانكم. اي حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم اليه. ولن يجدوا لذلك سبيلا. بل قد قامت الادلة القطعية على بطلانه. ولهذا قال هذا ذكر من معي وذكر من قبلي. اي قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم من ابطال الشرك فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء بادلته العقلية والنقلية وهذه الكتب السابقة كلها برهان وادلة لما قلت ولما علم انهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا اليه. علم انه لا برهان لهم. لان البرهان قاطع يجزم انه لا معارض له والا لم يكن قطعيا. وان وجد معارضات فانها شبه لا تغني من الحق شيئا. وقوله بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون بل اكثرهم لا يعلمون الحق. اي وانما اقاموا على ما هم عليه تقليدا لاسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى. وليس عدم علمهم الحق لخفائه وغموضه. وانما ذلك لاعراضهم عنه والا فلو التفتوا اليه ادنى التفات تبين لهم الحق من الباطل تبينا واضحا جليا. ولهذا قال ولما حول تعالى على ذكر المتقدمين وامر بالرجوع اليها في بيان هذه المسألة بينها اتم تبيين في قوله وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم زبدة رسالتهم واصلها الامر بعبادة الله وحده لا شريك له. وبيان انه الاله الحق المعبود. وان عبادة ما سواه باطلة وقالوا اتخذ الرحمن ولدا بل عباد مكرمون. يخبر تعالى عن تاهت المشركين المكذبين للرسول وانهم زعموا قبحهم الله ان الله اتخذ ولدا فقالوا الملائكة بنات الله عال الله عن قولهم واخبر عن وصف الملائكة بانهم عبيد مربوبون مدبرون ليس لهم من الامر شيء وانما هم مكرمون عند الله قد اكرمهم الله وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته. وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل. وانهم في غاية مع الله والامتثال لاوامره. فلا يسبقونه بالقول اي لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة. حتى يقول الله لكمال ادبهم وعلمهم بكمال حكمته وعلمه وهم بامره يعملون. اي مهما امرهم امتثلوا لامره. ومهما دبرهم عليه فعلوه. فلا يعصونه طرفة عين. ولا يكون لهم عمل باهواء انفسهم من دون امر الله. يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لما ومع هذا فالله قد احاط بهم علمه فعلم ما بين ايديهم وما خلفهم اي امورهم الماضية والمستقبلة. فلا خروج لهم عن علمه كما لا خروج لهم عن امره وتدبيره. ومن وصفهم بانهم لا يسبقونه بالقول انهم لا يشفعون لاحد بدون اذنه ورضاه. فاذا اذن لهم وارتضى من يشفعون فيه شفعوا فيه ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل الا ما كان خالصا لوجهه. متبعا فيه الرسول. وهذه الاية من ادلة اثبات الشفاعة وان الملائكة يشفعون. اي خائفون وجلون. قد خضعوا لجلاله كانت وجوههم لعزه وجماله انما كذلك نجزي الظالمين. فلما بين انه لا حق لهم في الالوهية ولا يستحقون شيئا من العبودية بما به من الصفات المقتضية لذلك. ذكر ايضا انه لا حظ لهم ولا بمجرد الدعوة. وان من قال منهم اني اله من دونه على سبيل الفرض والتنزل. واي ظلم اعظم من من ادعاء المخلوق الناقص الفقير الى الله من جميع الوجوه. مشاركة الله في خصائص الالوهية والربوبية كل شيء حي فلا يؤمنون. اي اولم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم وجحدوا الاخلاص له في العبودية ما يدلهم دلالة مشاهدة على انه الرب المحمود الكريم المعبود فيشاهدون السماء والارض فيجدونهما رتقا. هذه ليس فيها سحاب ولا مطر. وهذه هامدة ميتة لا نبات فيها. ففتقناهما السماء بالمطر والارض بالنبات. اليس الذي اوجد في السماء السحاب بعد ان كان الجو صافيا لا قزعة فيه. واودع فيه الماء الغزير ثم ساقه الى بلد ميت قد اغبرت ارجاءه وقحط عنه ماؤه فامطره فيها فاهتزت وتحركت وربت وانبتت من كل زوج بهيج مختلف الانواع متعدد المنافع. اليس ذلك دليلا على انه الحق؟ وما سواه باطل وانه محي الموتى وانه الرحمن الرحيم ولهذا قال افلا يؤمنون اي ايمانا صحيحا ما فيه شك ولا شرك. ثم عدد تعالى الادلة الافقية فقال اي ومن الادلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته انه ولما كانت الارض لا تستقر الا بالجبال ارساها بها واوتدها لان لا تميل بالعباد اي لالا تضطرب فلا يتمكن العباد من السكون فيها ولا حرثها ولا الاستقرار بها فارساها بالجبال. فحصل بسبب ذلك من المصالح والمنافع ما حصل. ولما كانت جبال متصل بعضها ببعض قد تتصل اتصالا كثيرا جدا فلو بقيت بحالها جبالا شامخات وقللا باذخات لتعطل الاتصال قالوا بين كثير من البلدان فمن حكمة الله ورحمته ان جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا اي طرقا سهلة لا حزن لعلهم يهتدون الى الوصول الى مطالبهم من البلدان. ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان وجعلنا السماء سقفا محفوظا. وجعلنا السماء سقفا للارض التي انتم عليها محفوظا من السقوط. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. محفوظا ايضا من استراق الشياطين للسمع وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر. كل وهم عن اياتها معرضون. اي غافلون لاهون. وهذا عام في جميع ايات السماء من علوها وسعتها وعظمتها ولونها الحسن واتقانها العجيب وغير ذلك من المشاهد فيها من الكواكب الثوابت سيارات وشمسها وقمرها النيرات المتولد عنهما الليل والنهار. كونهما دائما في فلكهما سابحين. وكذلك النجوم فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد. والفصول ويعرفون حساب عباداتهم ومعاملاتهم. ويستريحون في ليلهم اهدأون ويسكنون وينتشرون في نهارهم ويسعون في معايشهم. كل هذه الامور اذا تدبرها اللبيب وامعن فيها النظر جزم عجز من لا شك فيه ان الله جعلها مؤقتة في وقت معلوم الى اجل محتوم. يقضي العباد منها مآربهم وتقوم بها منافعهم وليستمتعوا وينتفعوا ثم بعد هذا ستزول وتضمحل ويفنيها الذي اوجدها ويسكنها الذي حركها وينتقل الى دار غير هذه الدار يجدون فيها جزاء اعمالهم كاملا موفرا. ويعلم ان المقصود من هذه الدار ان تكون مزرعة لدار القرار وانها منزل سفر لا محل اقامة لما كان اعداء الرسول يقولون تربصوا به ريب المنون. قال الله تعالى هذا طريق مسلوك ومعبد منهوك. فلم نجعل لبشر من قبلك يا محمد الخلد في الدنيا. فاذا مت فسبيل امثالك كمن الرسل والانبياء والاولياء وغيرهم. اي فهل اذا مت خلدوا بعدك فليهنهم الخلود اذا ان كان وليس الامر كذلك. بل كل من عليها فان. ولهذا قال الينا ترجعون كل نفس ذائقة الموت. وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق. وان هذا كأس لابد من شربه وان طال بالعبد المدى وعمر سنين. ولكن الله تعالى اوجد عباده في الدنيا وامرهم ونهاهم وابتلاهم بالخير الشر بالغنى والفقر والعز والذل والحياة والموت. فتنة منه تعالى ليبلوغهم ايهم احسن عملا. ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو. فنجازيكم باعمالكم ان خيرا فخير. وان شرا فالشر وما ربك بظلام للعبيد. وهذه الاية تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر. وانه مخلد في الدنيا فهو قول لا دليل عليه ومناقض للادلة الشرعية الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون. وهذا من شدة كفرهم فان المشركين اذا رأوا الله صلى الله عليه وسلم استهزأوا به وقالوا اهذا الذي يذكر الهتكم؟ اي اهذا المحتقر بزعمهم الذي يسب الهة لكم ويذمها ويقع فيها اي فلا تبالوا به ولا تحتفلوا به. هذا استهزاؤهم واحتقارهم له بما هو من كماله. فانه الاكمل الافضل الذي من فضائله ومكارمه اخلاص العبادة لله. وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه. وذكر محله ومكانته. ولكن لكن محل الازدراء والاستهزاء هؤلاء الكفار الذين جمعوا كل خلق ذميم ولو لم يكن الا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله فصاروا بذلك من اخص الخلق وارذلهم. ومع هذا فذكرهم للرحمن الذي هو اعلى حالاتهم كافرون بها. لانه لا يذكرونه ولا فيؤمنون به الا وهم مشركون. فذكرهم كفر وشرك. فكيف باحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال وفي ذكر اسمه الرحمن هنا بيان لقباحة حالهم. وانهم كيف قابلوا الرحمن مسد النعم كلها ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع السوء الا اياه بالكفر والشرك خلق الانسان من عجل اي خلق عجولا يبادر الاشياء ويستعجل بوقوعها. فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين. ويتباطؤونها والكافرون يتولون ويستعجلون بالعذاب تكذيبا وعنادا ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين؟ والله تعالى يمهل ولا يهمل ويحلم ويجعل لهم مؤقتا اذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. ولهذا قال ساريكم اياتي اي في انتقامي ممن كفر بي وعصاني. فلا تستعجلون ذلك. وكذلك الذين كفروا يقولون ويقولون متى هذا الوعد قالوا هذا القول اغترارا. ولما يحق فيهم العقاب وينزل بهم العذاب عن ظهورهم ولا هم ينصرون. فلو يعلم الذين كفروا حالهم الشنيعة حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم اذ قد احاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان ولا هم ينصرون. اي لا ينصرهم غيرهم فلا نصروا ولا انتصروا بل تأتيهن بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون. بل تأتي النار بغتة فتبهتهم من الانزعاج والذعر والخوف العظيم. فلا يستطيعون ردها. اذ هم اذلوا واضعف من ذلك اي يمهلون فيؤخر عنهم العذاب. فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة لما استعجلوا بالعذاب خافوه اشد الخوف. ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم قالوا ما قالوا. ولما ذكر استهزائهم برسوله بقولهم اهذا الذي الهتكم سلاه بان هذا دأب الامم السالفة مع رسولهم. فقال فحاق بالذين سخروا منهم اي نزل بهم ما كانوا به يستهزئون اي نزل بهم العذاب وتقطعت عنهم الاسباب. فليحذر هؤلاء ان يصيبهم ما اصاب اولئك المكذبين يقول تعالى ذاكرا عجز هؤلاء الذين اتخذوا من دونه الهة. وانهم محتاجون مضطرون الى ربهم الرحمن. الذي رحمته شملت البر والفاجر في ليلهم ونهارهم. فقال قل من يكلأكم اي يحرسكم ويحفظكم بالليل. اذ كنتم على فروشكم وذهبت حواسكم وبالنهار وقت انتشاركم وغفلتكم من الرحمن اي بدله غيره اي هل يحفظكم احد غيره. لا حافظ الا هو. فلهذا اشركوا به. والا فلو على ذكر ربهم وتلقون صائحة لهدوا لرشدهم ووفقوا في امرهم من دوننا اي اذا اردناهم بسوء هل من الهتهم من يقدر على منعهم من ذلك السوء؟ والشر النازل بهم اي لا يعانون على امورهم من جهتنا واذا هم يعانوا من الله فهم مخذولون في امورهم. لا يستطيعون جلب منفعة ولا دفع مضرة. والذي اوجب لهم استمرارهم على كفرهم وشركهم قوله بل متعنا هؤلاء حتى طال عليهم العمر اي امددناهم بالاموال والبنين واطلنا اعمارهم فاشتغلوا بالتمتع بها ولهوا بها عما له خلق وطال عليهم الامد فقست قلوبهم وعسى طغيانهم وتغلظ كفرانهم فلو الفتوا انظارهم الى من عن يمينهم وعن عن يسارهم من الارض. لم يجدوا الا هالكا ولم يسمعوا الا صوت ناعية. ولم يحسوا الا بقرون متتابعة على الهلاك. وقد نصب في كل طريق لاقتناص النفوس الاشراك. ولهذا قال افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها؟ اي بموت اهلها وفنائهم شيئا فشيئا حتى يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين. فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه افهم الغالبون الذين بوسعهم الخروج عن قدر الله وبطاقتهم الامتناع عن الموت. فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء؟ ام اذا جاءهم رسول ربهم لقبض ارواحهم اذعنوا وذلوا؟ ولم يظهر منهم ادنى ممانعة ما انذركم بالوحي ولا يسمع الصماء اذا ما ينذر اي قل يا محمد للناس كلهم انما انذركم بالوحي اي انما انا رسول لا اتيكم بشيء من عندي ولا عندي خزائن اه ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك. وانما انذركم بما اوحاه الله لي. فان استجبتم فقد استجبتم لله. وسيثيبكم على ذلك وان اعرظتم وعارظتم فليس بيدي من الامر شيء وانما الامر لله والتقدير كله لله اذا ما ينذر. ولا يسمع الصم الدعاء اي الاصم لا يسمع صوتا لان سمعه قد فسد وتعطل. وشرط السماع مع الصوت ان يوجد محل قابل لذلك. كذلك الوحي سبب لحياة القلوب والارواح وللفقه عن الله ولكن اذا كان القلب غير قابل لسماع الهدى كان بالنسبة للهدى والايمان بمنزلة الاصم بالنسبة الى الاصوات فهؤلاء المشركون صم عن الهدى فلا يستغرب عدم اهتدائهم خصوصا في هذه الحالة التي لم يأتهم العذاب ولا مسهم الم ولئن نستفهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا ليقولن فلو مسهم نفحة من عذاب ربك اي ولو جزء يسير ولا من عذابه. اي لم يكن قولهم الا الدعاء والثبور والندم والاعتراف بظلمهم وكفرهم واستحقاقهم للعذاب. ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل احد اتينا بها وكفى بنا حاسبين. يخبر تعالى عن حكمه العدل وقضاء القسط بين عباده اذا جمعهم في يوم القيامة. وانه يضع لهم الموازين العادلة. التي يبين فيها مثاقيل الذر التي توزن بها الحسنات والسيئات. فلا تظلم نفس شيئا. فلا تظلم نفس مسلمة او كافرة شيئا لن تنقص من حسناتها او يزاد في سيئاتها. وان كان مثقال حبة من خردل التي اصر الاشياء واحقرها من خير او شر اتينا بها واحضرناها ليجازى بها صاحبها كقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا وكفى بنا حاسبين يعني بذلك نفسه الكريمة فكفى به حاسبا اي عالم من باعمال العباد حافظا لها مثبتا لها في الكتاب. عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها للعمال جزاءها كثيرا ما يجمع تعالى بين هذين الكتابين الجليلين. الذين لم يطرق العالم افضل منهما. ولا اعظم ذكرا ولا ولا اعظم هدى وبيانا. وهما التوراة والقرآن. فاخبر انه اتى موسى اصلا وهارون تبعا الفرقان. وهو التوراة الفارقة بين الحق والباطل والهدى والضلال. وانها ضياء اي نور يهتدي به المهتدون. ويأتم به السالكون وتعرف به الاحكام ويميز به بين الحلال والحرام. وينير في ظلمة الجهل والبدع والغواية. وذكرا للمتقين. يتذكرون به ما ينفعهم وما يضرهم ويتذكر به الخير والشر. وخص المتقين بالذكر لانهم المنتفعون بذلك علما وعملا. ثم فسر المتقين فقال الذين يخشون ربهم الغيب ان يخشونه في حال غيبتهم وعدم مشاهدة الناس لهم. فمع المشاهدة اولى. فيتورعون عما حرم. ويقومون بما الزم اي خائفون وجلون. لكمال معرفتهم بربهم. فجمعوا بين الاحسان ايها الخوف والعطف هنا من باب عطف الصفات المتغيرات الواردة على شيء واحد وموصوف واحد مبارك وهذا اي القرآن ذكر مبارك انزلناه فوصفه بوصفين جليلين كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب من معرفة الله باسمائهم في وصفاته وافعاله ومن صفات الرسل والاولياء واحوالهم. ومن احكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها. ومن احكام الجزاء والجنة والنار فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية وسماه ذكرى لانه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر من التصديق بالاخبار الصادقة والامر بالحسن عقلا والنهي عن القبيح عقلا. وكونه مباركا يقتضي كثرة خيراته. ونمات وزيادتها ولا شيء اعظم بركة من هذا القرآن. فان كل خير ونعمة. وزيادة دينية او دنيوية او اخروية فانها بسببه واثر عن العمل به. فاذا كان ذكرا مباركا وجب تلقيه بالقبول والانقياد والتسليم. وشكر الله على هذه المنحة الجليلة والقيام بها واستخراج بركته بتعلم الفاظه ومعانيه. واما مقابلته بضد هذه الحالة من الاعراض عنه والاضراب عنه صفحا. وانكاره وعدم الايمان به. فهذا من اعظم الكفر واشد الجهل والظلم. ولهذا فانكر تعالى على من انكره فقال لما ذكر تعالى موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وكتابيهما قال ولقد اتينا ابراهيم رشده من قبل. اي من قبل ارسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما. فاراه الله ملكوت السماوات والارض واعطاه من الرشد الذي كمل به نفسه ودعا الناس اليه. ما لم يؤته احدا من العالمين غير محمد. واضاف الرشد اليه لكونه رشدا بحسب حاله وعلو مرتبته. والا فكل مؤمن له من الرشد بحسب ما معه من الايمان اي اعطيناه رشدا. واختصصناه بالرسالة والخلة واصطفيناه في الدنيا والاخرة. لعلمنا انه اهل لذلك وكفؤ له بزكائه وذكائه. ولهذا ذكر محاجته لقومه ونهيهم عن الشرك. وتكسير الاصنام والزامهم بالحجة. فقال اذ قال لابيه وقومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون. اذ قال لابيه وقومه هذه التماثيل التي مثلتموها. نحتموها بايديكم على صور بعض المخلوقات التي انتم لها عاكفون. مقيمون على عبادتها ملازمون لذلك فما هي؟ واي فضيلة تثبت لها واين عقولكم التي ذهبت حتى افنيتم اوقاتكم بعبادتها والحال انكم مثلتموها ونحتموها بايديكم فهذا من اكبر العجائب. تعبدون ما تنحتون. فاجابوا بغير حجة الثواب العاجز الذي ليس بيده ادنى شبهة. فقالوا وجدنا اباءنا كذلك يفعلون. سلكنا سبيلهم وتبعناهم على عبادتها. ومن المعلوم ان فعل احد من الخلق سوى الرسل ليس حجة ولا تجوز به القدوة خصوصا في اصل الدين وتوحيد رب العالمين. ولهذا قال لهم ابراهيم مضللا للجميع في ضلال مبين. اي ضلال بين واضح. واي ضلال ابلغ من ضلالهم في الشرك وترك التوحيد. اي فليس ما قلتم يصلح للتمسك به. وقد اشتركتم واياهم في الضلال الواضح. البين لكل لاحد قالوا على وجه الاستغراب لقوله والاستعراض ما قال وكيف بادئهم بتسفيههم وتسفيه ابائهم؟ اجئتنا بالحق ام انت من اللاعبين؟ اي هذا القول الذي قلته الذي جئتنا به هل هو حق وجد؟ ام كلامك لنا؟ كلام لاعب مستهزئ؟ لا يدري ما يقول. وهذا الذي ارادوا وانما رددوا بين الامرين لانهم نزلوه منزلة المتقرر المعلوم عند كل احد. ان الكلام الذي جاء به ابراهيم كلام سفيه لا يعقل ما يقول فرد عليهم ابراهيم ردا بين به وجه سفههم وقلة عقولهم. فقال الذي فطره وانا على ذلكم من الشاهدين فجمع لهم بين الدليل العقلي والدليل السمعي اما الدليل العقلي فانه قد علم كل احد حتى هؤلاء الذين جادلهم ابراهيم ان الله وحده الخالق لجميع المخلوقات بني ادم والملائكة والجن والبهائم والسماوات والارض. المدبر لهن بجميع انواع التدبير. فيكون كل مخلوق مفطورا مدبر متصرفا فيه ودخل في ذلك جميع ما عبد من دون الله. افيليق عند من له ادنى مسكة من عقل وتمييز ان يعبد مخلوقا متصرف فيه لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر. واما الدليل السمعي فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام فانما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق ومن انواع هذا القسم سادة احد من الرسل على ذلك. فلهذا قال ابراهيم وانا على ذلكم اي ان الله وحده المعبود وان عبادة ما سواه باطل من الشاهدين. واي شهادة بعد شهادة الله اعلى من شهادة الرسل خصوصا اولي العزم منهم خصوصا خليل الرحمن. ولما بين ان اصنامهم ليس لها من التدبير شيء. اراد ان يريهم بالفعل عجزها وعدم من انتصارها وليكيد كيدا يحصل به اقرارهم بذلك. فلهذا قال وتالله لاكيدن اصنامكم اي اكسروها على وجه الكيد بعد ان تولوا مدبرين عنها الى عيد من اعيادهم. فلما تولوا مدبرين ذهب اليها بخفية لهم اليه يرجعون. فجعلهم جذاذا اي كسرا وقطعا. وكانت مجموعة في بيت واحد. فكسرها كلها ان كبيرا لهم اي الا صنمهم الكبير فانه تركه لقصد سيبينه. وتأمل هذا الاحتراز العجيب فان كل ممقوت الله لا يطلق عليه الفاظ التعظيم الا على وجه اضافته لصاحبه. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا كتب الى ملوك الارض يقول الى عظيم الفرس الى عظيم الروم ونحو ذلك. ولم يقل الى العظيم. وهنا قال تعالى الا لهم ولم يقل كبيرا من اصنامهم فهذا ينبغي التنبيه له. والاحتراز من تعظيم ما حقمه الله. الا اذا اضيف الى من عظمه وقوله لعلهم اليه يرجعون. اي ترك ابراهيم تكسير صنمهم هذا لاجل ان يرجعوا اليه. ويستملوا ويلتفت اليها ولا يعرض عنها. ولهذا قال في اخرها. فرجعوا الى انفسهم. فحين رأوا ما حل باصنامهم من الاهانة والخزي. فرموا ابراهيم بالظلم الذي هم اولى به حيث كسرها. ولم يدروا ان تكسيره لها من افضل مناقبه. ومن عدله وتوحيده. وانما الظالم من اتخذها ادم وقد رأى ما يفعل بها قالوا سمعنا فتى يذكرهم اي يعيبهم ويذمهم. ومن هذا شأنه لابد ان يكون هو الذي كسرها. او ان بعضهم سمعه يذكر انه يقال له ابراهيم فلما تحققوا انه ابراهيم قالوا فاتوا به اي بابراهيم على اعين الناس. اي بمرأى منهم ومسمع ان يحضرون ما يصنع بمن كسر الهتهم. وهذا الذي اراد ابراهيم وقصد ان يكون بيان الحق بمشهد من الناس. ليشاهدوا حق وتقوم عليهم الحجة كما قال موسى حين واعد فرعون موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى. فحين حضر الناس واحضر ابراهيم قالوا له اانت فعلت هذا؟ اي التكسير بالهتنا يا ابراهيم؟ وهذا استفهام تقرير. اي فما الذي جرأك؟ وما الذي اوجب لك على هذا الامر فقال ابراهيم والناس شاهدون. اي كسرها غضبا عليه فلما عبدت معه واراد ان تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده. وهذا الكلام من ابراهيم القصد منه الزام الخصم اقامة الحجة عليه. ولهذا قال واراد الاصنام المكسرة ترى اسألوها لما كسرت والصنم الذي لم يكسر. اسألوه لاي شيء كسرها. ان كان عندهم نطق فسيجيبونكم الى ذلك وانا وانتم وكل احد يدري انها لا تنطق ولا تتكلم. ولا تنفع ولا تضر. بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها باذى فرجعوا الى انفسهم اي ثابت عليهم عقولهم ورجعت اليهم احلامهم وعلموا انهم ضالون في عبادتها واقروا على انفسهم بالظلم والشرك فحصل بذلك المقصود ولزمتهم الحجة باقرارهم ان ما هم عليه باطل. وان فعلهم كفر ظلم ولكن لم يستمروا على هذه الحالة ولكن نكسوا على رؤوسهم اي انقلب الامر عليهم وانتكست عقولهم وضلت احلامهم قالوا لابراهيم فكيف تهكم بنا وتستهزئ وتأمرنا ان نسألها وانت تعلم انها لا تنطق وقال ابراهيم موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رؤوس الاشهاد. ومبينا عدم استحقاق الهتهم للعبادة من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. فلا نفع ولا دفع. اف لكم ولم اي ما اضلكم واخسر صفقتكم وما اخسكم انتم وما عبدت من دون الله ان كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال. فلما عدمتم العقل وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة. صارت البهائم احسن حالا منكم. فحينئذ لما افحمهم ولم يبينوا حجة. استعملوا قوتهم في معاقبته اي اقتلوه اشنع القتلات بالاحراق غضبا لالهتكم ونصرة لها فتعسى لهم تعسى. حيث عبدوا من اقروا انه يحتاج الى نصرهم. واتخذوه الها. فانتصر الله لخليله لما في النار وقال لها بردا وسلاما على ابراهيم. فكانت عليه بردا وسلاما لم ينله فيها اذى. ولا احس بمكروه. وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين. وارادوا به كيدا. حيث عزموا على احراقه. فجعلناهم الاخسرين اي في الدنيا والاخرة كما جعل الله خليله واتباعه هم الرابحين المفلحين ونجيناه ولوطا. وذلك انه لم يؤمن به من قومه الا لوط عليه السلام. قيل انه ابن اخيه فنجاه الله الله وهاجر. الى الارض التي باركنا فيها للعالمين. اي الشام فغادر قومه في بابل من ارض عراق وقال اني مهاجر الى ربي انه هو العزيز الحكيم. ومن بركة الشام ان كثيرا من الانبياء كانوا فيها وان الله اختارها مهاجرا لخليله. وفيها احد بيوته الثلاثة المقدسة وهو بيت المقدس نافلة وكلا جعلنا صالحين. ووهبنا له حين اعتزل قومه اسحاق ويعقوب ابن اسحاق نافلة بعدما كبر وكانت زوجته عاقرا. فبشرته الملائكة باسحاق. ومن وراء اسحاق يعقوب يعقوب هو اسرائيل الذي كانت منه الامة العظيمة. واسماعيل ابن ابراهيم الذي كانت منه الامة الفاضلة العربية. ومن ذريته سيد الاولين والاخرين. وكلا من ابراهيم واسحاق ويعقوب جعلنا صالحين اي قائمين بحقوقه وحقوق عباده ومن صلاحهم. انه جعل الهم ائمة يهدون بامره. وهذا من اكبر نعم الله على عبده. ان يكون اماما يهتدي به المهتدون. ويمشي خلفه السالكون. وذلك لما صبروا وكانوا بايات الله يوقنون. وقوله اي يهدون الناس بديننا لا يأمرون باهواء انفسهم بل بامر الله ودينه واتباع مرضاته. ولا يكون العبد اماما حتى يدعو الى امر الله واوحينا اليهم فعل الخيرات. يفعلونها ويدعون الناس اليها. وهذا شامل لجميع الخيرات. من حقوق الله وحقوق للعباد واقام الصلاة وايتاء الزكاة. هذا من باب عطف الخاص على العام. لشرف هاتين العبادتين وفضلهما. ولان من ملهما كما امر كان قائما بدينه. ومن ضيعهما كان لما سواهما اضيع. ولان الصلاة افضل الاعمال التي فيها حقه والزكاة افضل الاعمال التي فيها الاحسان لخلقه. وكانوا لنا اي لا خيرنا عابدين اي مديمين على العبادات القلبية والقولية والبدنية في اكثر اوقاتهم. فاستحقوا ان تكون العبادة وصفهم فاتصفوا بما امر الله به الخلق وخلقهم لاجله. ولوطا اتيناه حكما وعلما ونجيناه من من القضية التي كانت تعمل انهم كانوا قوم سوء فاسقين هذا ثناء من الله على رسوله لوط عليه السلام بالعلم الشرعي والحكم بين الناس بالصواب والسداد. وان الله ما ارسله الى قومه يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عما هم عليه من الفواحش. فلبث يدعوهم فلم يستجيبوا له. فقلب الله اليهم ديارهم وعذبهم عن اخرهم. انهم كانوا قوم سوء فاسقين. لانهم قوم سوء فاسق كذبوا الداعي وتوعدوه بالاخراج. ونجى الله لوطا واهله. فامره ان يسري بهم ليلا. ليبعدوا عن القرية. فسروا ونجوا من فضل الله عليهم ومنته. وادخلناهم وفي رحمتنا التي من دخلها كان من الامنين من جميع المخاوف. النائلين كل خير وسعادة وبر وسرور وثناء. وذلك لانه من الصالحين الذين صلحت اعمالهم وزكت احوالهم واصلح الله فاسدهم. والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله. كما الفساد سبب لحرمانه الرحمة والخير. واعظم الناس صلاحنا الانبياء عليهم السلام. ولهذا يصفهم بالصلاح. وقال سليمان عليه سلام وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ونصرناه من القوم الذين كذبوا باياتنا كانوا قوم سوء فاغرقناهم اجمعين. اي واذكر عبدنا ورسولنا نوحا عليه السلام. مثنيا مادحا حين ارسله الله الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما. يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عن الشرك به. ويبدي فيهم ثم يعيد ويدعوهم سرا وجهارا وليلا ونهارا. فلما رآهم لا ينجح فيهم الوعظ ولا يفيد لديهم الزجر. نادى ربه وقال قال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. انك ان تذرهم يضلوا عبادك. ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. فاستجاب الله فاغرقهم ولم يبق منهم احدا. ونجى الله نوحا واهله ومن معه من المؤمنين. في الفلك المشحون وجعل ذريته هم الباقين ونصره الله على قومه المستهزئين. وداوود وسليمان اذ يحكمان في الحرف اذ نفشت فيه اي واذكر هذين النبيين الكريمين داوود وسليمان مثنيا اذ اتاهم الله العلم الواسع والحكم بين العباد بدليل قوله اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم اي اذ تحاكم اليهما صاحب حرف نفشت فيه غنم القوم الاخرين. اي رعت ليلى فاكلت ما في اشجاره. ورعت زرعه. فقضى فيه داود عليه السلام بان الغنم تكون لصاحب الحرث نظرا الى تفريط اصحابها فعاقبهم بهذه العقوبة وحكم فيها الايمان بحكم موافق للصواب. لان اصحاب الغنم يدفعون غنمهم الى صاحب الحرف. فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرم حتى يعود الى حاله الاولى. فاذا عاد الى حاله تراد ورجع كل منهما بماله. وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه عليه السلام ولهذا قال اتينا حكما وعلما. ففهمناها سليمان اي فهمناه هذه القضية. ولا يدل ذلك ان داوود لم يفهمه الله او في غيرها ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله وكلا من داوود وسليمان اتينا حكما وعلما. وهذا دليل على ان الحاكم قد يصيب الحق والصواب. وقد يخطئ ذلك وليس بملوم اذا اخطأ مع بذل اجتهاده. ثم ذكر ما خص به كلا منهم فقال وذلك انه وكان من اعبد الناس واكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا. وكان قد اعطاه الله من حسن الصوت ورقته ورخامته. ما لم يؤته احدا من فكان اذا سبح واثنى على الله جاوبته الجبال الصم والطيور البهم. وهذا فضل الله عليه واحسانه. فلهذا قال وعلمناه صنعة لبوس لكم. اي علم الله داوود عليه السلام صنعة الدروع. فهو اول من صنع عهى وعلمها وسارت صناعته الى من بعده. فالان الله له الحديد وعلمه كيف يسردها. والفائدة فيها كبيرة لتحصنه معكم من بأسكم اي هي وقاية لكم وحفظ عند الحرب واشتداد البأس. فهل انتم نعمة الله عليكم حيث اجراها على يد عبده داوود. كما قال تعالى وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر والسرابيل تقيكم بئسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. يحتمل ان تعليم الله لداوود صنعة الدروع. والانتها امر خارق للعادة ان يكون كما قاله المفسرون ان الله الان له الحديد حتى كان يعمله كالعجين والطين من دون اذابة له على النار ويحتمل ان تعليم الله له على جار العادة. وان الانة الحديد له بما علمه الله من الاسباب المعروفة الان. لاذابتها وهذا هو الظاهر لان الله امتن بذلك على العباد وامرهم بشكرها. ولولا ان صنعته من الامور التي جعلها الله مقدورة للعباد. لم يمتن الله عليهم لذلك ويذكر فائدتها لان الدروع التي صنع داوود عليه السلام متعذر ان يكون المراد اعيانها وانما المنة بالجنس والاحتمال الذي ذكره المفسرون لا دليل عليه الا قوله والنا له الحديد. وليس فيه ان الامانة من دون سبب. والله اعلم لذلك ولسليمان الريح عاصفة تجري بامره الى الارض التي باركنا فيها ولسليمان الريح اي سخرناها عاصفة اي سريعة في مرورها تجري بامره حيث دبرت امتثلت امره. غدوها شهر ورواحها شهر. الى الارض التي باركنا فيها وهي ارض الشام. حيث كان مقره فيذهب على الريح شرقا وغربا ويكون مأواها ورجوعها الى الارض المباركة قد احاط علمنا بجميع الاشياء. وعلمنا من داوود وسليمان ما اوصلناهما به الى ما ذكرنا له ويعملون عملا دون ذلك. وهذا ايضا من خصائص سليمان عليه السلام ان الله هل سخر له الشياطين والعفاريت وسلطه على تسخيرهم في الاعمال التي لا يقدر على كثير منها غيرهم؟ فكان منهم من يغوص له في البحر تستخرج الدر واللؤلؤ وغير ذلك. ومنهم من يعمل له محاريب وتماثيل وجفان كالجواب. وقدور راسيات. وسخر طائفة منهم بناء بيت المقدس ومات وهم على عمله. وبقوا بعده سنة حتى علموا موته كما سيأتي ان شاء الله تعالى اي لا يقدرون على الامتناع منه وعصيانه. بل حفظهم الله بقوته وعزته وسلطانه اخواني اي واذكر عبدنا ورسوله لنا ايوب مثنيا معظما له رافعا لقدره. حين ابتلاه الله ببلاء شديد. فوجده صابرا راضيا عنه. وذلك ان الشيطان على جسده ابتلاء من الله وامتحانا. فنفخ في جسده فتقرح قروحا عظيمة. ومكث مدة طويلة واشتد به البلاء ومات اهله وذهب ماله. فنادى ربه فتوسل الى الله بالاخبار عن حال نفسه وانه بلغ الصبر منه كل مبلغ. وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له وقال له اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض برجله فخرجت من عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب. فاذهب الله ما به من الاذى واتيناه اهله اي رددنا عليه اهله وماله مثلهم معهم بان منحه الله مع العافية من الاهل والمال شيئا كثيرا. رحمة من عندنا به حيث صبر ورضي فاثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الاخرة. اي جعلناه عبرة للعابدين. الذين ينتفعون بالعبر فاذا رأوا ما اصابه من البلاء ثم ما اثابه الله بعد زواله ونظروا السبب ووجدوا الصبر. ولهذا اثنى الله عليه به في قوله انا وجدناه صابرا. نعم العبد انه اواب. فجعلوه اسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر اي واذكر عبادنا المصطفين وانبياءنا المرسلين باحسن الذكر اثني عليهم ابلغ الثناء. اسماعيل ابن ابراهيم وادريس وذا الكفل. نبيين من انبياء بني اسرائيل كل من هؤلاء المذكورين من الصابرين والصبر وحبس النفس ومنعها مما تميل بطبعها اليه هذا يشمل انواع الصبر الثلاثة. الصبر على طاعة الله. والصبر عن معصية الله. والصبر على اقدار الله المؤلمة. فلا يستحق العبد اسم الصبر التام حتى يوفي هذه الثلاثة حقها فهؤلاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام قد وصفهم الله بالصبر. فدل انهم وفوها وقاموا بها كما ينبغي. ووصفهم ايضا بالصلاح وهو يشمل صلاح القلوب بمعرفة الله ومحبته والانابة اليه كل وقت وصلاح اللسان بان يكون رطبا من ذكر الله وصلاح الجوارح باشتغالها بطاعة الله وكفها عن المعاصي. فبصبرهم وصلاحهم ادخلهم الله برحمته. وجعلهم مع اخوانهم المرسلين واثابهم الثواب العاجل والاجل. ولو لم يكن من ثوابهم الا ان الله تعالى نوه بذكرهم في العالمين. وجعل لهم لسان صدق في الاخرين لكفى بذلك شرفا وفضلا فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت فن هذا في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين اي اذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو يونس اي صاحب النون وهي الحوت بالذكر الجميل والثناء الحسن فان الله تعالى ارسله الى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بامد سماه لهم. فجاءهم العذاب ورأوه عيان فعجوا الى الله وضجوا وتابوا. فرفع الله عنهم العذاب. كما قال تعالى فلولا كانت قرية امنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما امنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين. وقال وارسلناه الى مائة الف او يزيدون فامنوا فمتعناهم الى حين. وهذه الامة العظيمة الذين امنوا بدعوة يونس من اكبر فضائله. ولكن عليه الصلاة والسلام ذهب مغاضبا. وابق عن ربه لذنب من الذنوب التي لم يذكرها الله لنا في كتابه. ولا حاجة لنا الى تعيينها لقوله اذ ابق الى الفلك لقوله وهو مليم اي فاعل ما يلام عليه. والظاهر انه عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين اظهرهم قبل ان يأمره الله بذلك. وظن ان الله لا يقدر عليه ان يضيق عليه في بطن الحوت. او ظن انه سيفوت الله تعالى ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق. على وجه لا يستقر ولا يستمر عليه. فركب في السفينة مع اناس فاقترعوا من يلقون منهم في البحر لما خافوا الغرق ان بقوا كلهم فاصابت القرعة يونس فالتقمه الحوت وذهب به ظلمات البحار فنادى في تلك الظلمات. فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت فاقر لله تعالى بكمال الالوهية ونزهه عن كل نقص عيب وافة واعترف بظلم نفسه وجنايته. قال الله تعالى فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون ولهذا قال هنا فاستجبنا له ونجيناه من الغم. اي الشدة التي وقع فيها. وكذلك ننجي وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم ان الله تعالى سينجيه منها ويكشف عنه ويخفف كما فعل بيونس عليه السلام اي واذكر عبدنا ورسولنا زكريا بذكره ناشرا لمناقبه وفضائله. التي من جملتها هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه للخلق ورحمة الله اياه انه نادى ربه رب لا تذرني فردا. اي قال ربياني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم اكن بدعائك ربي شقيا اني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا. فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من ال يعقوب. واجعله ربي رضيا من هذه الايات علمنا ان قوله رب لا تذرني فردا انه لما تقارب اجله خاف الا يقوم احد بعده مقامه في الدعوة الى الله والنصح لعباد الله وان يكون في وقته فردا. ولا يخلف من يشفعه ويعينه على ما قام به خير الوارثين. اي خير الباقين وخير من خلفني بخير. وانت ارحم بعبادك مني. ولكني اريد ما يطمئن به قلبك وتسكن له نفسي ويجري في موازيني ثوابه له زوجة فاستجبنا له ووهبنا له يحيى النبي الكريم الذي لم يجعل الله له من قبل سميا. واصلحنا له زوجه بعدما كانت عاقرا لا يصلح رحمها للولادة فاصلح الله رحمها للحمل لاجل نبيه زكريا. وهذا من فوائد الجليس الصالح انه مبارك على قرينه. فصار يحيى مشتركا بين الوالدين. ولما ذكر هؤلاء الانبياء والمرسلين كلا على انفراد اثنى عليهم عموما فقال اي قادرون اليها ويفعلونها في اوقاتها الفاضلة. ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي. ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها الا انتهزوا الفرصة فيه انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين. ويدعوننا رغبا ورهبا ان يسألوننا الامور المرغوب فيها من مصالح الدنيا والاخرة ويتعوذون بنا من الامور المرهوب منها من مضار الدارين. وهم راغبون راهبون لا غافلون لاهون ولا مدلون كانوا لنا خاشعين. اي خاضعين متذللين متضرعين. وهذا لكمال معرفتهم بربهم وجعلناها وابنها اية للعالمين ايوة اذكر مريم عليها السلام مثنيا عليها مبينا لقدرها شاهرا لشرفها. فقال والتي احصنت فرجها اي حفظته من الحرام وقربانه. بل ومن الحلال فلم تتزوج لاشتغالها بالعبادة واستغراق وقتها بالخدمة لربها. وحين جاءها جبريل في صورة بشر سوي تام الخلق والحسن. قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا. فجازاها الله من جنس عملها ورزقها ولدا من غير اب بل نفخ فيها جبريل عليه السلام فحملت باذن الله حيث حملت به ووضعته من دون مسيس احد. وحيث تكلم في المهد وبرأها مما ظن بها المتهمون واخبر عن نفسه في تلك الحالة واجرى الله على يديه من الخوارق والمعجزات ما هو معلوم. فكانت وابنها اية للعالمين بها جيلا بعد جيل ويعتبر بها المعتبرون. ولما ذكر الانبياء عليهم السلام قال مخاطبا للناس وان ان هذه امتكم امة واحدة. اي هؤلاء الرسل المذكورون هم امتكم وائمتكم الذين بهم تأتمون وبهديهم تقتدون كلهم على دين واحد وصراط واحد. والرب ايضا واحد. ولهذا قال وانا ربكم الذي خلقتكم وربيتكم بنعمتي في الدين والدنيا. فاذا كان الرب واحدا والنبي واحدة والدين واحدة وهو عبادة الله وحده لا شريك له بجميع انواع العبادة. كان وظيفتكم والواجب عليكم القيام بها. ولهذا قال قال فرتب العبادة على ما سبق بالفاء. ترتيب المسبب على سببه. وكان اللائق الاجتماع على هذا الامر وعدم التفرق فيه. ولكن البغي والاعتداء ابيا الا الافتراق والتقطع. ولهذا قال وتقطعوا امرهم بينهم اي تفرق الاحزاب المنتسبون لاتباع الانبياء فرقا وتشتتوا. كل يدعي ان الحق معه. والباطل مع الفريق الاخر. وكل حزب بما لديهم فرحون وقد علم ان المصيبة منهم من كان سالكا للدين القويم والصراط المستقيم مؤتما بالانبياء وسيظهر هذا اذا انكشف الغطاء وبرح خفى وحشر الله الناس لفصل القضاء. فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب. ولهذا قال كل من الفرق المتفرقة وغيرهم الينا راجعون. اي فنجازيهم اتم الجزاء. ثم فصل جزاءه فيهم منطوقا ومفهوما فقال انا له كاتبون. فمن يعمل من الصالحات اي الاعمال التي شرعتها الرسل. وحثت عليها الكتب وهو مؤمن بالله وبرسله وما جاءوا به فلا كفران لسعيه. اي لا نضيع سعيه ولا نبطله. بل نضاعفه له اضعافا كثيرة انا له كاتبون اي مثبتون له في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي مع الحفظة اي ومن لم اعمل من الصالحات او عملها وهو ليس بمؤمن فانه محروم خاسر في دينه ودنياه ان يمتنعوا على القرى المهلكة المعذبة. الرجوع الى الدنيا ليستدركوا ما فرطوا فيه السبيل الى الرجوع لمن اهلك وعذب. فليحذر المخاطبون ان يستمروا على ما يوجب الاهلاك فيقع بهم. فلا يمكن رفعه. وليقلعوا الامكان والادراك هذا تحذير من الله للناس ان يقيموا على الكفر والمعاصي. وانه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج. وهما قبيلتان عظيمتان من بني ادم وقد سد عليهم ذو القرنين لما شكي اليه افسادهم في الارض وفي اخر الزمان ينفتح السد عنهم فيخرجون الى الناس في هذه في الحالة والوصف الذي ذكره الله من كل مكان مرتفع وهو الحدب. ينسلون اي يسرعون. وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة في الارض اما بذواتهم واما بما خلق الله لهم من الاسباب التي تقرب لهم البعيد. وتسهل عليهم الصعب وانهم يقهرون الناس ويعلون عليهم في الدنيا وانه لا يداني لاحد بقتالهم. واقترب الوعد الحق فاذا هي شاخصة ابصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة. يا ويلنا قد كنا في غفلة واقترب الوعد الحق اي يوم القيامة الذي وعد الله باتيانه ووعد حق وصدق. ففي ذلك اليوم ترى ابصار الكفار شاخصة من شدة الافزاع والاهوال المزعجة. والقلاقل المفظعة وما كانوا يعرفون هنا من جناياتهم وذنوبهم وانهم يدعون بالويل والثبور والندم والحسرة على ما فات. ويقولون قد كنا في غفلة من هذا اليوم العظيم فلم نزل فيها مستغرقين وفي لهو الدنيا متمتعين حتى اتانا اليقين. ووردنا القيامة فلو كان يموت احد من الندم والحسرة لماتوا. اعترفوا بظلمهم وعدل الله فيهم. فحينئذ يؤمر بهم الى هم وما كانوا يعبدون. ولهذا قال انتم لها واردون اي انكم ايها العابدون مع الله الهة غيرة حصب جهنم اي وقودها وحطبها. واصنامكم والحكمة في دخول الاصنام النار وهي جماد لا تعقل وليس عليها ذنب. بيان كذب من اتخذها الهة. وليزداد عذابهم. فلهذا قال لو كان هؤلاء الهة ما وردوها وكل فيها خالدون لو كان هؤلاء الهة ما وردوها. وهذا كقوله تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين وكل من العابدين والمعبودين فيها خالدون. لا يخرجون منها ولا ينتقلون عنها لهم فيها زفير من شدة العذاب وهم فيها لا يسمعون. صم من بكم عمي او لا يسمعون من الاصوات غير صوتها لشدة غليانها واشتداد زفيرها وتغيظها عنها مبعدون لا يسمعون ودخول الهة المشركين النار انما هو الاصنام او من عبد وهو راض بعبادته. واما المسيح وعزير والملائكة ونحوهم ممن عبد من الاولياء. فانهم لا يعذبون فيها ويدخلون في قوله ان الذين سبقت لهم منا الحسنى. اي سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله. وفي اللوح المحفوظ وفي في سيرهم في الدنيا لليسرى والاعمال الصالحة. اولئك عنها اي عن النار مبعدون فلا يدخلونها ولا يكونون قريبا منها بل يبعدون عنها غاية البعد حتى لا يسمعوا حسيسا ولا يروا شخصها. وهم فيما اشتهت انفسهم خالدون من والمشارب والمناكح والمناظر. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت. ولا خطر على قلب بشر. مستمر لهم ذلك يزداد حسنه على الاحقاب لا يحزنهم الفزع الاكبر. اي لا يقلقهم اذا فزع الناس اكبر فزع. وذلك يوم القيامة حين تقرب النار تتغير على الكافرين والعاصين. فيفزع الناس لذلك الامر وهؤلاء لا يحزنهم لعلمهم بما يقدمون عليه. وان الله قد امنهم مما لا يخافون وتتلقاهم الملائكة اذا بعثوا من قبورهم واتوا على النجائب وفدا لنشورهم مهنئين لهم قائلين هذا يومكم الذي كنتم توعدون. فليهنكم ما وعدكم الله وليعظم استبشاركم بما امامكم من الكرامة. وليكثر وسروركم بما امنكم الله من المخاوف والمكاره. كطيس سجل الكتب. يخبر تعالى انه يوم القيامة يطوي السماء على عظمها واتساعها. كما يطوي الكاتب للسجل. اي الورقة المكتوبة فيها فتنتثر نجومها ويكور شمسها وقمرها وتزول عن اماكنها اي اعادتنا للخلق مثل ابتدائنا لخلقهم. فكما ابتدأنا خلقهم ولم يكونوا شيئا. كذلك عيدهم بعد موتهم. ننفذ ما وعدنا لكمال قدرته وانه لا تمتنع منه الاشياء ولقد كتبنا في الزبور وهو الكتاب المزبور والمراد الكتب المنزلة كالتوراة ونحوها من بعد الذكر اي كتبناه في الكتب المنزلة بعدما كتبنا في الكتاب السابق الذي هو اللوح المحفوظ وام الكتاب الذي توافقه التقادير المتأخرة عنه. والمكتوب في ذلك ان الارض اي والجنة يرثها عبادي الصالحون. الذين قاموا بالمأمورات واجتنبوا المنهيات. فهم الذين يورثهم الله الجنات. كقول اهل في الجنة الحمدلله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء. ويحتمل ان المراد الاستخلاف في الارض وان الصالحين يمكن الله لهم في الارض ويوليهم عليها كقوله تعالى وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليست انهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم. يثني الله تعالى على العزيز القرآن ويبين كفايته التامة عن كل شيء. وانه لا يستغنى عنه. فقال لقوم عابدين ايتبلغون به في الوصول الى ربهم؟ والى دار كرامته؟ فيوصلهم الى اجل المطالب وافضل الرغائب وليس للعابدين الذين هم اشرف الخلق وراءه غاية. لانه الكفيل بمعرفة ربهم باسمائه وصفاته وافعاله وبالاخبار بالغيوب الصادقة وبالدعوة لحقائق الايمان وشواهد الايقان. المبين للمأمورات كلها والمنهيات جميعها المعرف بعيوب النفس والعمل والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله. والتحذير من طرق الشيطان وبيان مداخله على الانسان فمن لم يغنيه القرآن فلا اغناه الله. ومن لا يكفيه فلا كفاه الله. ثم اثنى على رسوله الذي جاء بالقرآن. فقال وما ارسلناك الا رحمة للعالمين فهو رحمته المهداة لعباده. فالمؤمنون به قبلوا هذه الرحمة شكروها وقاموا بها وغيرهم كفرها. وبدلوا نعمة الله كفرا واذوا رحمة الله ونعمته قل يا محمد انما يوحى الي انما الهكم اله واحد. الذي لا يستحق العبادة الا هو. ولهذا قال اي منقادون لعبوديته مستسلمون لالوهيته فان فعلوا فليحمدوا ربهم على ما من عليهم بهذه النعمة التي فاقت المنن وان ادري اقريب ام بعيد فان تولوا عن الانقياد لعبودية ربهم فحذرهم حلولا مثلا ونزول العقوبة. فقل اذنتكم اي اعلمتكم بالعقوبة على سواء اي علمي علمكم بذلك مستو فلا تقولوا اذا نزل بكم العذاب ما جاءنا من بشير ولا نذير. بل الان استوى علمي وعلمكم لما وحذرتكم واعلمتكم بمآل الكفر. ولم اكتم عنكم شيئا. وان ادري اقريب ام بعيد اي من العذاب لان علمه عند الله وهو بيده ليس لي من الامر شيء لكم ومتاع الى حين. اي لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه شر لكم. وان تتمتعوا في الدنيا الى حين ثم يكون اعظم لعقوبتكم على ما تصفون قال ربي احكم بالحق اي بيننا وبين القوم الكافرين. فاستجاب الله هذا الدعاء وحكم بينهم في الدنيا قبل الاخرة. بما عاقب الله وبه الكافرين من وقعة بدر وغيرها اي نسأل ربنا الرحمن ونستعين به على ما تصفون. من قولكم سنظهر عليكم وسيضمحل دينكم. فنحن في هذا لا نعجب بانفسنا ولا نتكل على حولنا وقوتنا وانما نستعين بالرحمن الذي ناصية كل مخلوق بيده ان يتم ما استعناه به من رحمته. وقد فعل ولله الحمد بسم الله الرحمن الرحيم يخاطب الله الناس كافة. بان يتقوا ربهم الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة. فحقيق بهم ان يتقوه بترك الشرك والفلوس والعصيان ويمتثل اوامره مهما استطاعوا. ثم ذكر ما يعينهم على التقوى ويحذرهم من تركها. وهو الاخبار باهوال يوم القيامة فقال لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه. ذلك بانه ما اذا وقعت الساعة رجفت الارض وارتجت وزلزلت زلزالها وتصدعت الجبال واندكت وكانت كثيبا مهيلا ثم كانت هباء المنبث ثم انقسم الناس ثلاثة ازواج. فهناك تنفطر السماء وتكور الشمس والقمر. وتنتثر النجوم. ويكون من القلاقل والبلابل ما تنصدع له القلوب وتجل منه الافئدة وتشيب منه الولدان وتذوب له الصم الصلاب. ولهذا قال لا تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت مع انها مجبولة على شدة محبتها لولدها. خصوصا في هذه الحال التي لا يعيش الا بها. وتضع كل ذات حمل حملها ما من شدة الفزع والهول اي تحسبهم ايها الرائي لهم سكارى من الخمر وليسوا سكارى فلذلك اذهب عقولهم وفرغ قلوبهم وملأها من الفزع. وبلغت القلوب الحناجر وشخصت الابصار. وفي ذلك يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. ويومئذ يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وهناك يعض الظالم على يديه. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه. وتنصب الموازين التي يوزن بها مثاقيل الذر من الخير والشر. وتنشر صحائف الاعمال وما فيها من جميع الاعمال والاقوال والنيات. من صغير وكبير. وينصب الصراط على متن جهنم. وتزلف الجنة للمتقين ميزت الجحيم للغاوين. اذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيما وزفيرا. واذا القوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ويقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدة وادعوا ثبورا كثيرا. واذا نادوا ربهم ليخرجهم منها قال اخسئوا فيها لا تكلمون قد غضب عليهم الرب الرحيم. وحضرهم العذاب الاليم. وايسوا من كل خير. ووجدوا اعمالهم كلها. لم يفقدوا منها نقيرا ولا قطميرا. هذا والمتقون في روضات الجنات يحضرون. وفي انواع اللذات يتفكهون. وفيما اشتهت انفسهم خالدون. فحقيق بالعاقل من الذي يعرف ان كل هذا امامه ان يعد له عدته والا يلهيه الامل في ترك العمل وان تكون تقوى الله شعاره وخوفه دثارة ومحبة الله وذكره رح اعماله كتب عليه انه من تولاه فانه يضله اي ومن الناس طائفة وفرقة سلكوا طريق الضلال وجعلوا يجادلون بالباطل الحق يريدون احقاق الباطل وابطال الحق. والحال انهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء. وغاية ما عندهم تقليد ائمة الضلال من كل شيطان مريد متمرد على الله وعلى رسله. معاند لهم قد شاق الله ورسوله. وصار من الائمة الذين يدعون الى النار. كتب عليه اي قدر على هذا الشيطان المريد انه من تولاه اي اتبعه فانه يضله عن الحق. ويجنبه الصراط المستقيم ويهديه الى عذاب السعير. وهذا نائب ابليس حقا. فان الله قال عنه انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير فهذا الذي يجادل في الله قد جمع بين ضلاله بنفسه وتصديه الى اضلال الناس. وهو متبع ومقلد لكل شيطان مريد. ظلمات بعضها فوق بعض ويدخل في هذا جمهور اهل الكفر والبدع. فان اكثرهم مقلدة يجادلون بغير علم يقول تعالى يا ايها الناس ان كنتم في من البعث اي شك واشتباه وعدم علم بوقوعه. مع ان الواجب عليكم ان تصدقوا ربكم. وتصدقوا رسله في ذلك. ولكن اذا ابيتم الا الريب فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما. كل واحد منهما يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه. ويزيل عن قلوبكم الريب احدهما الاستدلال بابتداء خلق الانسان. وان الذي ابتدأه سيعيده. فقال فيه فانا خلقناكم من تراب وذلك بخلق ابي البشر ادم عليه السلام ثم من نطفة ايمني وهذا ابتداء اول التخليق ثم من علقة اي تنقلب تلك النطفة باذن الله دما احمر. ثم من مضغة اينتقل الدم مضغة اي قطعة لحم بقدر ما يمضغ وتلك المضغة ستارة تكون مخلقة اي مصور منها خلق الادمي وغير مخلقة تارة. بان تقذفها الارحام قبل تخليقها. لنبين لكم اصل نشأتكم مع قدرته تعالى على تكميل خلقه في لحظة واحدة. ولكن ليبين لنا كمال حكمته وعظيم قدرته وسعة ايها نقر اي نبقي في ارحامي من الحمل الذي لم تقذفه الارحام. ما نشأ ابقاءه الى اجل مسمى. وهو مدة الحمل ثم نخرجكم من بطون امهاتكم طفلا لا تعلمون شيئا. وليس لكم قدرة وسخرنا لكم امهات واجرينا لكم في ثديه الرزق ثم تنتقلون طورا بعد طور حتى تبلغوا اشدكم وهو كمال القوة والعقل ومنكم من يتوفى من لان يبلغ سن الاشد. ومنكم من يتجاوزه فيرد الى ارض للعمر. اي اخسه وارذله. وهو سن الهرم والتخريب. الذي به يزول العقل ويضمحل كما زالت باقي القوى وضعفت. اي لاجل الا يعلم هذا المعمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك. وذلك لضعف عقله. فقوة الادمي محفوفة بضعفين. ضعف الطفولية ونقصها وضعف الهرم ونقصه. كما قال الله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير والدليل الثاني احياء الارض بعد موتها. فقال الله فيه اهتزت وربت. وترى الارض هامدة اي خاشعة مغبرة لا نبات فيها ولا خضر. فاذا فانزلنا عليها الماء اهتزت اي تحركت بالنبات وربت. اي ارتفعت بعد خشوعها. وذلك لزيادة نباتها ارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج وانبتت من كل زوج اي صنف من اصناف النبات بهيج اي يبهج الناظرين ويسر المتأملين فهذان الدليلان القاطعان يدلان على هذه المطالب الخمسة وهي هذه يحيي الموتى وانه على كل شيء قدير. ذلك الذي انشأ الادمي مما وصف لكم واحيا الارض بعد موتها بان الله هو الحق. اي الرب المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله. وعبادته هي الحق. وعبادة غيره باطلة. وانه يحيي موتى كما ابتدأ الخلق وكما احيا الارض بعد موتها. كما اشهدكم من بديع قدرته وعظيم صنعته ما اشهدكم وان الساعة اتية لا ريب فيها فلا وجه لاستبعادها. وان الله يبعث من في القبور فيجازيكم باعمالكم حسنها وسيئها. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم المجادلة المتقدمة للمقلد. وهذه المجادلة للشيطان المريد الداعي الى البدع. فاخبر انه اجادل في الله اي يجادل رسل الله واتباعهم بالباطل ليدحض به الحق. بغير علم صحيح ولا هدى اي غير متبع في جداله هذا من يهديه لا عقل مرشد ولا متبوع مهتد ولا كتاب منير. اي واضح بين فلا له حجة عقلية ولا نقلية. ان هي الا شبهات يوحيها اليه الشيطان وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم. ومع هذا سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق. ثاني عطفه اي لاوي جانبه وعنقه. وهذا كناية عن كبره عن الحق. واحتقاره للخلق. فقد فرح بما معه من العلم غير النافع. واحتقر اهل الحق وما معه من الحق. ليضل الناس اي ليكون من دعاة الضلال. ويدخل تحت هذا جميع ائمة الكفر والضلال. ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والاخروية فقال له دنيا خزي ان يفتضح هذا في الدنيا قبل الاخرة. وهذا من ايات الله العجيبة. فانك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال. الا وله من المقت العالمين واللعنة والبغض والذم ما هو حقيق به. وكل بحسب حاله اي نذيقه حرها الشديد. وسعيرها البليغ وذلك بما قدمت يداه. ذلك بما قدمت يداك اي ومن الناس من هو ضعيف الايمان لم يدخل الايمان قلبه ولم تخالطهم بشاشته بل دخل فيه اما خوفا واما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. فان اصابه خير اطمأن به اي ان استمر رزقه رغدا ولم يحصل له من المكاره شيء اطمأن بذلك الخير لا بايمانه. فهذا ربما ان الله يعافيه ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه. وان اصابته فتنة من حصول مكروه او زوال محبوب انقلب على وجهه اي ارتد عن دينه خسر الدنيا والاخرة. اما في الدنيا فانه لا يحصل له بالردة ما امله الذي جعل الردة رأسا لماله. وعوضا عما يظن ادراكه فخاب سعيه. ولم يحصل له الا ما قسم له. واما الاخرة فظاهر حرم الجنة التي عرضها السماوات والارض. واستحق النار. اي الواضح البين يدعو هذا الراجع على وجهه من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه. وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله. فانه لا يملك نفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا. ذلك هو الضلال البعيد الذي قد بلغ في البعد الى حد النهاية حيث اعرض عن عبادة نافع الضار الغني المغني. واقبل على عبادة مخلوق مثله او دونه. ليس بيده من الامر شيء بل هو حصول ضد مقصوده اقرب. ولهذا قال فان ضرره في العقل والبدن والدنيا والاخرة معلوم. لبئس المولى اي هذا المعبود ولبئس العشير اي القرينة الملازمة على صحبته. فان المقصود من المولى والعشير حصول النفع ودفع الضرر. فاذا لم يحصل شيء من هذا فان انه مذموم ملوم لما ذكر تعالى المجادلة باطل وانه على قسمين مقلد وداع ذكر ان المتسمي بالايمان ايضا على قسمين. قسم لم يدخل الايمان قلبه كما تقدم القسم الثاني المؤمن حقيقة. صدق ما معه من الايمان بالاعمال الصالحة. فاخبر تعالى انه يدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار. وسميت الجنة جنة اشتمالها على المنازل والقصور. والاشجار والنوابت التي تجن من فيها. ويستتر بها من كثرتها فما اراده تعالى فعله من غير ممانع ولا معارض. ومن ذلك ايصال اهل الجنة اليها جعلنا الله منهم بمنه وكرمه اي من كان يظن ان الله لا ينصر رسوله وان دينه فان النصر من الله ينزل من السماء. فليمدد ذلك الظان بسبب اي حبل الى السماء وليرقى اليها. ثم ليقطع النصر النازل عليه من السماء فلينظر هل يذهبن كيده اي ما يكيد به الرسول ويعمله من محاربته والحرص على ابطال دينه ما يغيظه من ظهور دينه وهذا استفهام بمعنى النفي. وانه لا يقدر على شفاء غيظه بما يعمله من الاسباب. ومعنى هذه الاية الكريمة يا ايها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم الساعي في اطفاء دينه الذي يظن بجهله ان سعيه سيفيده شيئا. اعلم انك مهما فعلت من الاسباب وسعيت في الرسول فان ذلك لا يذهب غيظك ولا يشفي كمدك. فليس لك قدرة في ذلك. ولكن سنشير عليك برأي تتمكن به من شفاء غيظك من قطع النصر عن الرسول ان كان ممكنا ائت الامر مع بابه وارتقي اليه باسبابه. اعمد الى حبل من ليف او غيره ثم علقه في السماء ثم اصعد به حتى تصل الى الابواب التي ينزل منها النصر. فسدها واغلقها واقطعها. فبهذه الحال تشفي غيظك. فهذا هو الرأي والمكيدة. واما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك انك تشفي بها غيظك. ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الاية الكريمة فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى. ومن تأييس الكافرين الذين يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم. والله متم نوره لو كره الكافرون اي وسعوا مهما امكنهم اي وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما فصلنا جعلناه ايات بينات واضحات. دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة. ولكن الهداية بيد الله. فمن اراد الله هدايته اهتدى بهذا القرآن وجعله اماما له وقدوة واستضاء بنوره. ومن لم يرد الله هدايته فلو جاءته كل اية ما امن. ولم ينفعه القرآن شيئا. بل تكون حجة عليه والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة. ان الله على كل الم تر ان الله يسجد له من في السماوات والنجوم والجبال والشجر والدواب. والدواء وكثير من الناس. وكثير من الناس وكثير الحق عليه العذاب. ومن يهن الله فما له من مكرم ان الله يفعل ما يشاء يخبر تعالى عن طوائف اهل الارض من الذين اوصوا الكتاب من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين. ومن المجوس ومن المشركين ان الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة. ويفصل بينهم العدل ويجازيهم باعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها. ولهذا قال ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله هذا خصمان اختصموا في ربهم كل يدعي انه المحق فالذين كفروا يشمل كل كافر من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والمشركين قطعت لهم ثياب من نار ان يجعلوا لهم ثياب من قطران وتشعل فيها النار ليعمهم العذاب من جميع جوانبهم رؤوسهم الحميد الماء الحار جدا يسهر بهما في بطونهم من اللحم والشحم والامعاء. من شدة حره وعظيم امره ولهم مقامع من حديد بيد الملائكة الغلاظ الشداد تضربهم فيها وتقمعهم منها من غم اعيدوا فيها اعيدوا فلا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينظرون. ويقال لهم توبيخا ذوقوا باب الحريق اي المحرقة للقلوب والابدان جنات تجري من تحتها الانهار ومعلوم ان هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين. الذين امنوا بجميع الكتب وجميع الرسل يحلون فيها من اساور من ذهب اي يسورون في ايديهم رجالهم ونسائهم اساور الذهب. فتم نعيمهم بذكر انواع المأكولات اللذيذات المشتمل عليها لفظ الجنات. وذكر الانهار السارحات. انهار الماء واللبن والعسل والخمر. وانواع اللباس الفاخر وذلك بسبب انهم هدوا الى الطيب من القول الذي افظله واطيبه كلمة الاخلاص. ثم سائر الاقوال الطيبة التي فيها ذكر الله. او الى عباد الله وهدوا الى صراط حميد. اي الصراط المحمود. وذلك لان جميع الشرع كله محتوي على الحكمة والحمد. وحسن المأمور به وقبح منهي عنه وهو الدين الذي لا افراط فيه ولا تفريط. المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح. او وهدوء الى صراط الله الحميد. لان الله كثيرا ما الصراط اليه لانه يوصل صاحبه الى الله. وفي ذكر الحميد هنا ليبين انهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم. ولهذا يقولون في الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله واعترض تعالى بين هذه الايات بذكر سجود المخلوقات له جميع من في السماوات والارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب. الذي يشمل الحيوانات كلها وكثير من الناس وهم المؤمنون وكثير الحق عليه العذاب. اي وجب وكتب لكفره وعدم ايمانه. فلم يوفقه الله للايمان لان الله اهانه. ومن يهن الله فما له من مكرم ولا راد لما اراد ولا معارض لمشيئته. فاذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته. مستكينة لعزته لسلطانه دل على انه وحده الرب المعبود والملك المحمود. وان من عدل عنه الى عبادة سواه فقد ضل ضلالا بعيدا. وخسر خسرانا مبينا. ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم وانهم جمعوا بين الكفر بالله ورسوله وبين الصد عن سبيل الله ومنع الناس من الايمان والصد ايضا عن المسجد الحرام. الذي ليس ملكا لهم ولا لابائهم. بل الناس فيه سواء المقيم فيه والطارئ اليه. بل صدوا من هو افضل الخلق محمدا واصحابه؟ والحال ان هذا المسجد الحرام من حرمته واحترامه وعظمته ان من يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب ابن اليم فمجرد ارادة الظلم والالحاد في الحرم موجب للعذاب. وان كان غيره لا يعاقب العبد عليه الا بعمل الظلم. فكيف بمن اتى فيه اعظم الظلم من الكفر والشرك والصد عن سبيله ومنع من يريده بزيارة فما ظنكم ان يفعل الله بهم؟ وفي هذه الاية الكريمة وجوب احترام الحرم وشدة تعظيمه والتحذير من ارادة المعاصي فيه وفعلها لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي قائمين يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه وهو خليل الرحمن فقال واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت اي هيأناه له وانزلناه اياه. وجعل قسما من ذريته من سكانه. وامره الله ببنيانه فبناه على تقوى الله واسسه على طاعة الله. وبناه هو وابنه اسماعيل. وامره الا يشرك به شيئا بان يخلص لله اعماله. ويبنيه على اسم الله وطهر وطهر بيتي اي من الشرك والمعاصي. ومن الانجاس والادناس. واضافه الرحمن الى نفسه لشرفه وفضله. ولتعظم محبته في القلوب وتصب اليه الافئدة من كل جانب. وليكون اعظم لتطهيره وتعظيمه. لكونه بيت الرب للطائفين به والعاكفين عنده. المقيمين عبادة من العبادات من ذكر وقراءة وتعلم علم وتعليمه. وغير ذلك من انواع القرب. اي المصلين اي طهره لهؤلاء الفضلاء الذين همهم طاعة مولاهم وخدمته. والتقرب اليه عند بيته. فهؤلاء لهم الحق ولهم الاكرام تطهير البيت لاجلهم. ويدخل في تطهيره. تطهيره من الاصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش على المتعبدين. للصلاة والطواف الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد واذن في الناس بالحج اي اعلمهم به وادعوهم اليه وبلغ دانيهم وقاصيهم فارضه وفضيلته فانك اذا دعوتهم اتوك حجاجا وعمارا رجالا مشاة على ارجلهم من الشوق وعلى كل ضامر اي ناقة ضامر تقطع المهام والمفاوز وتواصل السير حتى تأتي الى اشرف الاماكن اي من كل بلد بعيد. وقد فعل الخليل عليه السلام ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم دعي الناس الى حج هذا البيت وابدي في ذلك واعاد وقد حصل ما وعده الله به اتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الارض ومغاربها ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام مرغبا فيه فقال ليشهدوا منافع لهم اي لينالوا ببيت الله نافعة دينية من العبادات الفاضلة والعبادات التي لا تكون الا فيه. ومنافع دنيوية من التكسب وحصول الارباح الدنيوية. وكل هذا امر مشاهد كل يعرفه ويذكر اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام. وهذا من المنافع الدينية والدنيوية. اي ليذكر اسم الله عند ذبح الهدايا شكرا لله على ما رزقهم منها ويسرها لهم. فاذا ذبحتموها اي شديد الفقر ثم ليقضوا تفثهم اي يقضوا نسكهم ويزيلوا الوسخ والاذى الذي لحقهم في حال الاحرام واليوفون بذورهم التي اوجبوها على انفسهم من الحج والعمرة والهدايا. اي القديم افضل المساجد على الاطلاق المعتق من تسلط الجبابرة عليه. وهذا امر بالطواف خصوصا بعد الامر بالمناسك عموما. بفضله وشرفه ولكونه المقصود وما قبله وسائل اليه. ولعله والله اعلم ايضا لفائدة اخرى. وهي ان الطواف مشروع كل وقت. وسواء كان تابعا لنسك ام مستقلا بنفسه فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور ذلك الذي ذكرنا لكم من تلكم الاحكام. وما فيها من تعظيم حرمات الله واجلالها وتكريمها. لان تعظيم حرمات الله من الامور المحبوبة لله المقربة اليه التي من عظمها واجلها اثابه الله ثوابا جزيلا. وكانت خيرا له في دينه. ودنياه واخراه عند ربه. وحرمات اه كل ما له حرمة وامر باحترامه بعبادة او غيرها كالمناسك كلها وكالحرم والاحرام وكالهدايا وكالعبادات التي الله العباد بالقيام بها. فتعظيمها اجلالها بالقلب. ومحبتها وتكميل العبودية فيها. غير متهاون ولا متكاسل ولا متثاقل ثم ذكر منته واحسانه بما احله لعباده. من بهيمة الانعام من ابل وبقر وغنم. وشرعها من جملة المناسك التي تقرب بها اليه فعظمت منته فيها من الوجهين. الا ما يتلى عليكم في القرآن تحريمه من قوله حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. ولكن الذي من رحمته بعباده ان حرمه عليهم. ومنعهم منه تزكية لهم وتطهيرا من الشرك به وقول الزور ولهذا قال فاجتنبوا قول الزور فاجتنبوا الرجز اي الخبث القذر من الاوثان اي الانداد التي جعلتموها الهة مع الله. فانها اكبر انواع الرجس. والظاهر ان من هنا ليست لبيان الجنس. كما قال له كثير من المفسرين وانما هي للتبعير وان الرجس عام في جميع المنهيات المحرمات فيكون منهيا عنها عموما وعن الاوثان التي هي بعضها خصوصا اي جميع الاقوال المحرمات فانها من قول الزور الذي هو الكذب. ومن ذلك شهادة الزور حنفاء لله غير مشركين به. فلما نهاهم عن الشرك والرجس وقول الزور امرهم ان يكونوا حنفاء لله اي مقبلين عليه وعلى عبادته معرضين عما سواه غير مشركين به فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق. وما من يشرك بالله فمثله فكأنما خر من السماء. اي سقط منها فتخطفه الطير بسرعة اي بعيد. كذلك المشرك فالايمان بمنزلة السماء محفوظة مرفوعة. ومن ترك الايمان بمنزلة الساقط من السماء عرضة للافات والبليات. فاما ان تخطفه الطير فتقطعه اعضاء. كذلك المشرك اذا ترك الاعتصام بالايمان. تخطفته الشياطين من كل جانب ومزقوه واذهبوا عليه دينه ودنياه. ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من اي ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماته وشعائره. والمراد بالشعائر اعلام الدين الظاهرة ومنها المناسك كلها كما قال تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله. ومنها الهدايا والقرآن للبيت. وتقدم ان معنى تعظيمها اجلالها والقيام بها وتكميلها على اكمل ما يقدر عليه العبد. ومنها الهدايا. فتعظيمها باستحسانها واستسمانها. وان تكون مكملة من كل وجه. فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة ايمانه. لان تعظيمها تابع لتعظيم الله واجلاله لكم فيها اي في الهدايا منافع الى اجل مسمى. هذا في الهدايا المسوقة من البدن ونحوها. ينتفع بها اربابها بالركوب والحلب ونحو ذلك. مما لا يضرها الى اجل مسمى مقدر موقت. وهو ذبحها اذا وصلت محلها وهو البيت العتيق. اي الحرم كله منى وغيرها. فاذا لذبحت اكلوا منها واهدوا واطعموا البائس الفقير اي ولكل امة من الامم السالفة جعلنا من سكن. اي فاستبقوا الى الخيرات وتسارعوا اليها ولننظر ايكم احسن عملا. والحكمة في جعل الله لكل امة منسكا. لاقامة ذكره والالتفات لشكره. ولهذا قال لي اذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فالهكم اله واحد. وان اختلفت اجناس الشرائع فكلها متفقة على هذا الاصل وهو الوهية الله وافراده بالعبودية وترك الشرك به. ولهذا قال فله اسلموا اي انقادوا واستسلموا له لا لغيره فان الاسلام له طريق الى الوصول الى دار السلام. بخير الدنيا والاخرة والمخبت الخاضع لربه المستسلم لامره المتواضع لعباده. ثم ذكر صفات المخبتين فقالت الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خوفا وتعظيما فتركوا لذلك المحرمات بخوفهم وو من الله وحده والصابرين على ما اصابهم من البأساء والضراء وانواع الاذى. فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك. بل صبروا ابتغاء وجه ربهم محتسبين ثوابه مرتقبين اجره والمقيمي الصلاة اي الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة بان ادوا اللازم فيها والمستحب وعبوديتها الظاهرة والباطنة ومما رزقناهم ينفقون. وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة كالزكاة والكفارة. والنفقة على الزوجات والمماليك والاقارب والنفقات المستحبة كالصدقات بجميع وجوهها. واتى بمن المفيدة للتبعيض. ليعلم سهولة ما امر الله به ورغب فيه وانه جزء يسير مما رزق الله. وليس للعبد في تحصيله قدرة. لولا تيسير الله له رزقه اياه. فيا ايها المرزوق من فضل الله انفق مما رزقك الله ينفق الله عليك ويزدك من فضله هذا دليل على ان الشعائر عام في جميع اعلام الدين الظاهرة. وتقدم ان الله اخبر ان من عظم شعائره فان ذلك من تقوى القلوب. وهنا اخبر ان من جملة شعائره بدن اي الابل والبقر على احد القولين فتعظم وتستسمن وتستحسن لكم فيها خير اي المهدي وغيره من الاكل والصدقة الدفاع والثواب والاجر اطعموا القانع والمعتر. فاذكروا اسم الله عليها اي عند ذبحها. قولوا بسم الله واذبحوها. صواف اي قائمات بان تقام على قوائمها الاربع ثم تعقل يدها اليسرى ثم تنحر. فاذا وجبت جنوبها اي سقطت في الارض جنوبها حين تسلخ ثم يسقط الجزار جنوبها على الارض. فحينئذ قد استعدت لان يؤكل منها. فكلوا منها. وهذا خطاب للمهدي. فيجوز له الاكل من هديه اطعموا القانع والمعتر. اي الفقير الذي لا يسأل تقنعا وتعففا. والفقير الذي يسأل فكل منهما له حق فيهما كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون. كذلك سخرناها لكم اي البدن لعلكم تشكرون الله على تسخير فانه لولا تسخيره لها لم يكن لكم بها طاقة. ولكنه ذللها لكم وسخرها رحمة بكم واحسانا اليكم. فاحمدوه قوله لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم لن ينال الله لحومها ولا دماؤها. اي ليس المقصود منها ذبحها فقط. ولا ينال الله من لحومها ولا دمائها شيء. لكونه الغني الحميد وانما يناله الاخلاص فيها. والاحتساب والنية الصالحة. ولهذا قال ولكن يناله التقوى منكم. ففي هذا حث وترغيب على الاخلاص النحر وان يكون القصد وجه الله وحده لا فخرا ولا رياء ولا سمعة ولا مجرد عادة وهكذا سائر العبادات ان لم يقترن بها الاخلاص وتقوى الله كانت كالقشور الذي لا لب فيه والجسد الذي لا روح فيه كذلك سخرها لكم لتكبروا الله اي تعظموه وتجلوه على ما هداكم اي مقابلة لهدايته اياكم. فانه يستحق اكمل الثناء واجل الحمد. واعلى التعظيم وبشر المحسنين بعبادة الله بان يعبدوا الله كأنهم يرونه. فان لم يصلوا الى هذه الدرجة فليعبدوهم معتقدين وقت عبادتهم اطلاعه عليه اليهم ورؤيته اياهم والمحسنين لعباد الله بجميع وجوه الاحسان من نفع مال او علم او جاه او نصح او امر بمعروف او نهي عن منكر او كلمة طيبة ونحو ذلك. فالمحسنون لهم البشارة من الله بسعادة الدنيا والاخرة. وسيحسن الله اليهم كما احسنوا في عبادته ولعباده هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ للذين احسنوا الحسنى وزيادة. ان الله يدافع عن الذين هذا اخبار ووعد وبشارة من الله للذين امنوا ان الله يدافع عنهم كل مكروه ويدفع عنهم كل شر بسبب ايمانهم من شر الكفار وشر وسوسة الشيطان وشرور انفسهم سيئات اعمالهم ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحملون. فيخفف عنهم غاية التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب فمستقل ومستكثر. ان الله لا يحب كل خوان اي خائن في امانته التي حمله الله اياها فيبخس حقوق الله عليه ويخونها ويخون الخلق. كفول لنعم الله يوالي عليه الاحسان ويتوالى منه الكفر والعصيان فهذا لا يحبه الله بل يبغضه ويمقته. وسيجازيه على كفره وخيانته. ومفهوم الاية ان الله يحب وكل امين قائم بامانته شكور لمولاه كان المسلمون في اول الاسلام ممنوعين من قتال الكفار ومأمورين بالصبر عليهم بحكمة الهية اما هاجروا الى المدينة واوذوا وحصل لهم منعة وقوة اذن لهم بالقتال. قال الله تعالى اذن للذين يقاتلون. يفهم منه انه ان كانوا قبل ممنوعين فاذن الله لهم بقتال الذين يقاتلون وانما اذن لهم لانهم ظلموا بمنعهم من دينهم واذيتهم عليه واخراجهم من ديارهم. فليستنصروه وليستعينوا به. ثم ذكر صفة ظلمهم فقال الذين اخرجوا من ديارهم اي الجئوا الى الخروج بالاذية والفتنة. بغير حق الا ان ذنبهم الذي نقم منهم اعدائهم ان يقولوا ربنا الله اي الا انهم وحدوا الله وعبدوه مخلصين له الدين. فان كان هذا ذنبا فهو ذنبهم كقوله تعالى ما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وهذا يدل على حكمة الجهاد وان المقصود منه اقامة دين الله. وذب الكفار المؤذين للمؤمنين البادئين لهم بالاعتداء عن ظلمهم واعتدائهم. والتمكن من عبادة الله واقامة الشرائع الظاهرة. ولهذا قال ويذكر فيها اسم الله كثيرا. ولينصرن الله من ينصره ان الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض فيدفع الله بالمجاهدين في سبيله ضرر الكافرين. له قدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد. اي لهدمت هذه المعابد الكبار لطوائف اهل الكتاب. معابد اليهود والنصارى والمساجد للمسلمين يذكر فيها اي في هذه المعابد اسم الله كثيرا تقام فيها الصلوات وتتلى فيها كتب الله ويذكر فيها اسم الله بانواع الذكر. فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لاستولى الكفار على المسلمين. فخربوا معابدهم وفتنوهم عن دينهم دل هذا ان الجهاد مشروع لاجل دفع الصائل والمؤذي. ومقصود لغيره. ودل ذلك على ان البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله وعمرت مساجدها واقيمت فيها شعائر الدين كلها من فضائل المجاهدين وببركتهم دفع الله عنها الكافرين. قال الله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض. ولكن الله ذو فضل على العالمين. فان قلت نرى الان مساجد المسلمين عامرة لم تخرب مع ان كثير منها امارة صغيرة وحكومة غير منظمة. مع انهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الافرنج. بل نرى المساجد التي تحت ولاية وسيطرتهم عامرة واهلها امنون مطمئنون. مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها. والله اخبر انه لولا دفع الله الناس بعضهم بعض لهدمت هذه المعابد. ونحن لا نشاهد دفعا. اجيب بان هذا السؤال والاستشكال داخل في عموم هذه الاية. وفرد من من افرادها فان من عرف احوال الدول الان ونظامها وانها تعتبر كل امة وجنس تحت ولايتها وداخل في حكمها تعتبر عضوا من اعضاء المملكة وجزء من اجزاء الحكومة. سواء كانت تلك الامة مقتدرة بعددها او عددها. او مالها او عملها او وخدمتها فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب الدينية والدنيوية وتخشى ان لم تفعل ذلك ان يختل نظامها وتفقد بعض اركانها فيقوم من امر الدين بهذا السبب ما يقوم. خصوصا المساجد فانها ولله الحمد في غاية الانتظام حتى في عواصم الدول وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين. مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى الذي اخبر الله انه لا يزال الى يوم القيامة. فتبقى الحكومة المسلمة التي لا تقدر تدافع عن نفسها. سالمة من كثيري ضررهم لقيام الحسد عندهم فلا يقدر احدهم ان يمد يده عليها خوفا من احتمائها بالاخر. مع ان الله تعالى لا بد ان يري عباده من نصر الاسلام والمسلمين ما قد وعد به في كتابه وقد ظهرت ولله الحمد اسبابه بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم الى دينهم والشعور مبدأ العمل. فنحمده ونسأله ان يتم نعمته. ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع ان الله من ينصره ان الله لقوي عزيز. ولينصرن الله من ينصره ان يقوموا بنصر دينه مخلصا له في ذلك. يقاتل في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا اي كامل القوة. عزيز لا يرام. قد قهر الخلائق واخذ بنواصيهم. فابشروا يا معشر المسلمين. فانكم وان ضعف عددكم وعددكم قم وقوي عدد عدوكم وعدتهم فان ركنكم القوي العزيز. ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون. فاعملوا بالاسباب المأمور بها ثم اطلبوا منه نصركم فلابد ان ينصركم. يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم. وقوموا ايها المسلمون حق الايمان والعمل الصالح. فقد وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات. ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم. وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا. ثم ذكر علامة من ينصره وبها يعرف ان من انه ينصر الله وينصر دينه. ولم يتصف بهذا الوصف فهو كاذب. فقال اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر الذين ان مكناهم في الارض اي ملكناهم اياها وجعلناهم المتسلطين عليها من غير منازع ينازعهم ولا معاذ اقاموا الصلاة في اوقاتها وحدودها واركانها وشروطها في الجمعة والجماعات. واتوا الزكاة التي عليهم خصوصا وعلى رعيتهم عموما اتوها اهلها الذين هم اهلها. وامروا بالمعروف وهذا سيشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا من حقوق الله وحقوق الادميين. ونهوا عن المنكر كل منكر شرعا وعقلا. معروف قبحه الامر بالشيء والنهي عنه يدخل فيه ما لا يتم الا به. فاذا كان المعروف والمنكر يتوقف على تعلم وتعليم. اجبروا الناس على التعلم والتعليم واذا كان يتوقف على تأديب مقدر شرعا او غير مقدر كانواع التعزير قاموا بذلك واذا كان يتوقف على جعل اناس متصدين له لزم ذلك ونحو ذلك مما لا يتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا به. اي جميع الامور ترجع الى الله. وقد اخبر ان العاقبة للتقوى فمن سلطه الله على العباد من الملوك. وقام بامر الله كانت له العاقبة الحميدة والحالة الرشيدة ومن تسلط عليهم بالجبروت واقام فيهم هوى نفسه فانه وان حصل له ملك موقت فان عاقبته غير حميدة وولايته مشؤومة وعاقبته مذمومة وقوم ابراهيم وقوم لوط. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وان هؤلاء المشركون فلست باول رسول كذب. وليسوا باول امة كذبت رسولها. فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعادوا وثمود قوم ابراهيم وقوم لوط فكيف كان نكير واصحاب مدين اي قوم شعيب وكذب موسى فامليت للكافرين المكذبين فلم اعادلهم بالعقوبة بل امهلتهم حتى استمروا في طغيانهم يعمهون. وفي كفرهم وشرهم يزدادون ثم اخذتهم بالعذاب اخذ عزيز مقتدر. فكيف كان نكير؟ اي انكاري عليهم كفرهم وتكذيبهم. كيف حاله؟ كان اشد العقوبة وافظع المثلات. فمنهم من اغرقه ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من اهلك بالريح العقيم. ومنهم من خسف به الارظ ومنهم من ارسل عليه عذابا يوم الظلة فليعتبر بهم هؤلاء المكذبون ان يصيبهم ما اصابهم. فانهم ليسوا خيرا منهم. ولكتب الله لهم براءة في الكتب المنزلة من الله وكم من المعذبين المهلكين امثال هؤلاء كثير. ولهذا قال وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وبئر معطلة فكأين من قرية اي وكم من قرية اهلكناها بالعذاب الشديد والخزي الدنيوي هي ظالمة بكفرها بالله وتكذيبها لرسله. لم يكن عقوبتنا لها ظلما منا فهي خاوية على عروشها. فديارهم متهدمة قصورها وجدرانها قد سقطت عروشها فاصبحت خرابا بعد ان كانت عامرة. وموحشة بعد ان كانت اهلة باهلها انسة اي وكم من بئر قد كان يزدحم عليه الخلق لشربهم وشرب مواشيهم ففقد اهله وعدم منه الوالد والصادر. وكم من قصر تعب عليه اهله فشيدوه ورفعوه وحصنوه وزخرفوه. فحين جاءهم امر الله لم يغني عنهم شيئا واصبح خاليا من اهله. قد صاروا عبرة لمن اعتبر ومثالا لما فكر ونظر. ولهذا دعا الله عباده الى السير في الارض لينظروا ويعتبروا فقالون افلم يسيروا في الارض بابدانهم وقلوبهم؟ فتكون لهم قلوب يعقلون بها ايات الله ويتأملون بها مواقع عبره. او اذان يسمعون بها اخبار الامم الماضيين. واما القرون المعذبين. والا فمجرد نظر العين وسماع الاذن وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار. غير مفيد ولا موصل الى المطلوب ولهذا قال تعمى القلوب التي في اي هذا عن الضار في الدين عمى القلب عن الحق حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الاعمى المرئيات. واما عمى البصر فغايتهم بلغة ومنفعة دنيا ان يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب لجهلهم وظلمهم وعنادهم. وتعجيزا لله وتكذيبا لرسله ان يخلف الله وعده فما وعدهم به من العذاب لا بد من وقوعه ولا يمنعهم منه مانع. واما عجلته والمبادرة فيه فليس ذلك اليك يا محمد ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم ايانا. فان امامهم يوم القيامة الذي يجمع فيه اولهم واخرهم. ويجازون باعمالهم ويقع بهم العذاب الدائم الاليم. ولهذا قال من طوله وشدته وهوله. فسواء اصابهم عذاب في الدنيا ام تأخر عنهم العذاب فان هذا اليوم لابد ان يدركهم يحتمل ان المراد ان الله حليم. ولو استعجلوا العذاب فان يوما عنده كالف سنة مما تعدون. فالمدة وان تطاولتموها واستبطأتم فيها نزولا العذاب فان الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل. حتى اذا اخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم وكاين من قرية امليت لها اي امهلتها مدة طويلة وهي ظالمة اي مع ظلمهم. فلم يكن مبادرتهم بالظلم موجبا لمبادرتنا بالعقوبة ثم اخذتها بالعذاب والي المصير. اي مع عذابها في الدنيا سترجع الى الله فيعذبها بذنوبها. فليحذر وهؤلاء الظالمون من حلول عقاب الله ولا يغتروا بالامهال يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ان يخاطب الناس جميعا. لانه رسول الله حقا. مبشرا للمؤمنين بثواب منذرا للكافرين والظالمين من عقابه. وقوله مبين اي بين الانذار وهو التخويف مع الاعلام بالمخوف. وذلك لانه اقام البراهين الساطعة على صدق ما انذرهم به. ثم ذكر تفصيل النذارة والبشارة فقال مغفرة ورزق كريم. فالذين امنوا بقلوبهم ايمانا صحيحا صادقا. وعملوا الصالحات بجوارحهم في جنات النعيم اي الجنات التي تنعم بها بانواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح والصور والاصوات. والتنعم برؤية الرب الكريم وسماع كلامه. والذين كفروا اي جحدوا نعمة ربهم وكذبوا رسله واياته. فاولئك اصحاب الجحيم اي الملازمون لها. المصاحبون لها في كل اوقاتهم فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من عقابها فينسخ الله ما يلقي الشيطان يحكم الله اياته والله عليم حكيم. يخبر تعالى بحكمته البالغة واختباره لعباده. وان الله ما ارسل قبل محمد من رسول ولا نبي الا اذا تمنى اي قرأ قراءته التي يذكر بها الناس ويأمرهم وينهاهم. القى الشيطان في نيته اي في قراءته من طرقه ومكايده ما هو مناقض لتلك القراءة مع ان الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله وحيه ان يشتبه او يختلط بغيره. ولكن هذا الالقاء من الشيطان غير مستقر ولا مستمر. وانما هو عارض يعرض ثم يزول. وللعوام فرض احكام ولهذا قال فينسخ الله ما يلقي الشيطان ان يزيله ويذهبه ويبطله ويبين انه ليس من اياته ويحكم الله اياته اي يتقنها ويحررها ويحفظها فتبقى خالصة من مخالطة القاء الشيطان. والله عزيز اي كامل القوة والاقتدار كما لقوته يحفظ وحيه. ويزيل ما تلقيه الشياطين. حكيم يضع الاشياء مواضعها. فمن كمال حكمته. مكن الشياطين من الالقاء المذكور ليحصل ما ذكره بقوله ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة لطائفتين من الناس. لا يبالي الله بهم وهم الذين في قلوبهم مرض. اي ضعف وعدم ايمان تام وتصديق جازم فيؤثر في قلوبهم ادنى شبهة تطرأ عليها. فاذا سمعوا ما القاه الشيطان داخلهم الريب والشك فتنة لهم والقاسية قلوبهم اي الغليظة التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها فاذا اسمعوا ما القاه الشيطان جعلوه حجة لهم على باطلهم. وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله. ولهذا قال اي مشاقة لله ومعاندة للحق. ومخالفة له. بعيد من الصواب. فما يلقيه الشيطان. يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين في ظهر بهما في قلوبهم من الخبث الكامن فيها. واما الطائفة الثالثة فانه يكون رحمة في حقها وهم المذكورون بقوله وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك. لان الله منحهم من العلم ما به يعرفون الحق من الباطل. والرشد من الغيب فيميزون بين الامرين. الحق المستقر الذي الله والباطل العارض الذي ينسخه الله. بما على كل منهما من الشواهد. وليعلموا ان الله حكيم يقيض بعض انواع الابتلاء امر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة. فيؤمنوا به بسبب ذلك ويزداد ايمانهم عند دفع المعارض والشبه اي تخشع وتخضع وتسلم لحكمته وهذا من هدايته اياهم امنوا الى صراط مستقيم. وان الله لهادي الذين امنوا بسبب ايمانهم الى صراط مستقيم من بالحق وعمل بمقتضاه. فيثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة. وهذا نوع من تثبيت الله لعبده وهذه الايات فيها بيان ان للرسول صلى الله عليه وسلم اسوة باخوانه المرسلين. لما وقع منه عند قراءته صلى الله عليه وسلم والنجم. فلما افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى القى الشيطان في قراءته تلك الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى فحصل بذلك للرسول صلى الله عليه وسلم حزن وللناس فتنة. كما ذكر الله فانزل الله هذه الايات. ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة. يخبر تعالى عن حالة الكفار وانهم لا يزالون في شك مما جئتهم به يا محمد لعنادهم واعراضهم وانهم لا يبرحون مستمرين على هذه الحال يوم عذاب يوم عقيم الملك يومئذ حتى تأتيهم الساعة بغتة اي مفاجأة او يأتيهم عذاب يوم عقيم. اي لا خير فيه. وهو يوم القيامة. فاذا جاءتهم الساعة او اتاهم ذلك اليوم. علم الذين كفروا انهم كانوا وندموا حيث لا ينفعهم الندم. وابلسوا وايسوا من كل خير. وودوا لو امنوا بالرسول واتخذوا معه سبيلا. ففي هذا تحذيرهم من اقامة على مريتهم وفيريتهم. الملك يومئذ اي يوم القيامة الله تعالى لا لغيره يحكم بينهم بحكمه العدل وقضائه الفصل فالذين امنوا بالله ورسله وما جاءوا به وعملوا الصالحات ليصدقوا في ذلك ايمانهم في جنات النعيم. نعيم القلب والروح والبدن مما لا يصفه الواصفون. ولا تدركه العقول. والذين كفروا كذبوا باياتنا فاولئك لهم عذاب مهين. والذين كفروا بالله ورسله وكذبوا باياته الهادية للحق والصواب فاعرضوا عنها او عاندوها. فاولئك لهم لهم عذاب مهين لهم من شدته والمه وبلوغه للافئدة. كما استهانوا برسله واياته. اهانهم الله بالعذاب حين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ان الله له خير الرازقين. ليدخلنهم مدخلين يرضون هذه بشارة كبرى لمن هاجر في سبيل الله فخرج من داره واولاده وماله. ابتغاء وجه الله ونصرة لدين الله. فهذا قد وجب اجره على الله. سواء مات على فراشه او قتل مجاهدا في سبيل الله في البرزخ وفي يوم القيامة بدخول الجنة الجامعة للروح والريحان والحسن والاحسان ونعيم القلب والبدن ويحتمل ان المعنى ان المهاجر في سبيل الله قد تكفل برزقه في الدنيا رزقا واسعا حسنا سواء علم الله منه انه يموت على فراشه او يقتل شهيدا فكلهم مضمون له الرزق. فلا يتوهم انه اذا خرج من دياره وامواله سيفتقر ويحتاج فان رازقه اهو هو خير الرازقين. وقد وقع كما اخبر فان المهاجرين السابقين تركوا ديارهم وابنائهم واموالهم نصرة لدين الله. فلم يلبثوا الا فيسير حتى فتح الله عليهم البلاد ومكنهم من العباد فاجتبهوا من اموالها ما كانوا به من اغنى الناس. ويكون على هذا القول قوله مدخلا يرضونه اما ما يفتحه الله عليه من البلدان خصوصا فتح مكة المشرفة فانهم دخلوها في حالة الرضا والسرور واما المراد فيه رزق الاخرة وان ذلك دخول الجنة. فتكون الاية جمعت بين الرزقين. رزق الدنيا ورزق الاخرة. واللفظ صالح لذلك كله. والمعنى صحيح فلا مانع من ارادة الجميع. وان الله لعليم بالامور ظاهرها وباطنها متقدمها ومتأخرها حليم يعصيه الخلائق ويبارزونه بالعظائم. وهو لا يعادلهم بالعقوبة مع كمال اقتداره. بل يواصل لهم رزقه ويسدي اليهم فضله لينصرنه الله ان الله ذلك بان من جني عليه وظلم فانه يجوز له مقابلة الجاني بمثل جنايته. فان فعل ذلك فليس عليه سبيل وليس بملوم فان بغي عليه بعد هذا فان الله ينصره. لانه مظلوم. فلا يجوز ان يبغى عليه. بسبب انه حقه. واذا كان المجازي غيره باساءته اذا ظلم بعد ذلك نصره الله. فالذي بالاصل لم يعاقب احدا اذا ظلم وجني عليه. فالنصر اليه فيه اقرب. ان الله لعفو غفور. ان يعفو عن المذنبين فلا يعادلهم بالعقوبة ويغفر ذنوبهم فيزيلها ويزيل اثارها عنهم. فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي. ومعاملته لعباده في جميع الاوقات بالعفو المغفرة فينبغي لكم ايها المظلومون المجني عليهم ان تعفوا وتصفحوا وتغفروا ليعاملكم الله كما تعاملون عباده فمن عفا واصلح اصلح فاجره على الله ذلك الذي شرع لكم تلك الأحكام الحسنة العادلة وحسن التصرف في تقديره وتدبيره الذي يولج الليل في النهار اي يدخل هذا على هذا وهذا على هذا فيأتي بالليل بعد النهار وبالنهار بعد الليل. ويزيد في احدهما ما ينقصه في الاخر. ثم بالعكس فيترتب على ذلك قيام الفصول ومصالح الليل النهار والشمس والقمر التي هي من اجل نعمه على العباد. وهي من الضروريات لهم وان الله سميع يسمع الضجيج الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. بصير يرى دبيب النملة سوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. سواء منكم من اسر القول ومن جهر به. ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار هو الباطل ذلك صاحب الحكم والاحكام بان الله هو الحق. اي الثابت الذي لا يزال ولا يزول. الاول الذي ليس قبله شيء. والاخر الذي ليس بعده شيء كامل الاسماء والصفات صادق الوعد الذي وعده حق ولقاؤه حق ودينه حق وعبادته هي الحق النافعة الباقية على الدوام. وان ما يدعون من دونه من الاصنام انداد من الحيوانات والجمادات هو الباطل الذي هو باطل في نفسه. وعبادته باطلة لانها متعلقة بمحل فان فتبطل تبعا لغايتها ومقصودها. وان الله اهو العلي الكبير العلي في ذاته فهو عال على جميع المخلوقات وفي قدره فهو كامل الصفات وفي قهره لجميع المخلوقات الكبير في ذاته وفي اسمائه وفي صفاته. الذي من عظمته وكبريائه ان الارض قبضته يوم القيامة. والسماوات مطويات بيمينه. ومن كبريائه ان كرسيه وسع السماوات والارض. ومن عظمته وكبريائه ان نواصي العباد بيده فلا يتصرفون الا بمشيئته. ولا يتحركون ويسكنون الا بارادته. وحقيقة الكبرياء التي لا يعلمها الا هو. لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. انها كل صفة في كمال وجلال وكبرياء وعظمة. فهي ثابتة له. وله من تلك الصفة اجلها واكملها. ومن كبريائه ان العبادات كلها الصادرة من اهل السماوات والارض كلها المقصود منها تكبيره وتعظيمه واجلاله واكرامه. ولهذا كان التكبير شعارا للعبادات الكبار كالصلاة وغيرها فتصبح الارض مخضرة هذا حث منه تعالى وترغيب في النظر باياته الدلات على وحدانيته وكماله. فقال الم تر اي الم تشاهد ببصرك وبصيرتك ان الله انزل من السماء ماء وهو المطر فينزل على ارض خاشعة مجدبة قد اغبرت ارجائها ويبس ما فيها من شجر ونبات. فتصبح مخضرة قد اكتست من كل زوج كريم. وصار لها بذلك منظر بهيج. ان الذي احياها بعد موتها وهمودها لمحيي الموتى بعد ان كانوا رميما اللطيف الذي يدرك بواطن الاشياء وخفياتها وسرائرها. الذي يسوق الى عبده الخير ويدفع عنه الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد. ومن لطفه انه يري عبده عزته في انتقامه وكمال اقتداره. ثم يظهر لطفه بعد ان اشرف العبد على الهلاك ومن لطفه انه يعلم مواقع القطر من الارض وبذور الارض في باطنها. فيسوق ذلك الماء الى ذلك البذر. الذي خفي على الخلائق فينبت منه انواع النبات خبير بالسرائر الامور وخبايا الصدور وخفايا الامور له ما في السماوات وما في الارض خلقا وعبيدا يتصرفه اوصيهم بملكه وحكمته وكمال اقتداره. ليس لاحد غيره من الامر شيء ان الله لهو الغني بذاته الذي له الغنى المطلق التام. من جميع الوجوه ومن غناه انه لا يحتاج الى احد من خلقه. ولا يواليهم من ذلة ولا كفروا بهم من قلة ومن غناه انه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ومن غناه انه صمد لا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج الى ما يحتاج اليه الخلق بوجه من الوجوه فهو يطعم ولا يطعم. ومن غناه ان الخلق كلهم مفتقرون اليه في ايجادهم واعدادهم وامدادهم. وفي دينهم ومن غناه انه لو اجتمع من في السماوات ومن في الارض الاحياء منهم والاموات في صعيد واحد فسأل كل منهم ما بلغت امنيته فاعطاهم فوق امانيهم ما نقص ذلك من ملكه شيء. ومن غناه ان يده سحاء بالخير والبركات الليل والنهار. لم يزل افضاله على ومن غناه وكرمه ما اودعه في دار كرامته مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الحميد اي في ذاته وفي اسمائه لكونها حسنى. وفي صفاته لكونها كلها صفات كمال. وفي افعاله. لكونها دائرة بين العدل والاحسان والحكمة وفي شرعه لكونه لا يأمر الا بما فيه مصلحة خالصة او راجحة. ولا ينهى الا عن ما فيه مفسدة خالصة او راجحة. الذي ابو الحمد الذي يملأ ما في السماوات والارض وما بينهما وما شاء بعدها. الذي لا يحصي العباد ثناء على حمده. بل هو كما اثنى على نفسه. وفوق ما يثني عليه عباده وهو المحمود على توفيق من يوفقه وخذلان من يخذله. وهو الغني في حمده الحميد في غناه ويمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه اي الم تشاهد ببصرك وقلبك نعمة ربك السابغة واياديه الواسعة وان الله سخر لكم في الارض من حيوانات ونباتات وجمادات. فجميع ما في الارض مسخر لبني ادم. حيواناتها لركوبه وحمله واعماله واكله وانواع واشجارها وثمارها يقتاتها. وقد سلط على غرسها واستغلالها ومعادنها يستخرجها وينتفع بها. والفلك وسخر لكم الفلك وهي السفن تجري في البحر بامره تحملكم وتحمل تجاراتكم وتوصلكم من محل الى محل وتستخرجون من البحر حلية يلبسونها ومن رحمته بكم انه يمسك السماء ان تقع على الارض فلولا رحمته وقدرته لسقطت السماء على الارض فتلف ما عليها وهلك من فيها. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزول. ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا. ارحم بهم من والديهم ومن انفسهم. ولهذا يريد لهم الخير ويريدون لها الشر والضر. ومن رحمته ان سخر لهم ما سخر من هذه الاشياء وهو الذي يحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ان وهو الذي احياكم اوجدكم من العدم. ثم يميتكم بعد ان احياكم ثم يحييكم بعد موتكم. ليجازي المحسنة باحسانه والمسيء باساءته. ان الانسان اي جنسه الا من عصمه الله لكفور لنعم الله. كفور بالله لا يعترف باحسانه. بل ربما كفر بالبعث وقدرة ربه يخبر تعالى انه جعل لكل امة من سكن اي معبدا وعبادة قد تختلف في بعض الامور مع اتفاقها على العدل والحكمة. كما قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة. ولكن ليبلوكم فيما اتاكم هم ناسخون اي عاملون عليه بحسب احوالهم. فلا اعتراض على شريعة من الشرائع. خصوصا من الاميين اهل الشرك والجهل المبين. فان واذا ثبتت رسالة الرسول بادلتها وجب ان يتلقى جميع ما جاء به بالقبول والتسليم وترك الاعتراض. ولهذا قال فلا ينازعنك في الامر اي لا ينازعك المكذبون لك ويعترضون على بعض ما جئتهم به بعقول بهم الفاسدة مثل منازعتهم في حل الميتة بقياسهم الفاسد. يقولون تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله وكقولهم انما البيع مثل الربا ونحو ذلك من اعتراضاتهم التي لا يلزم الجواب عن اعيانها وهم منكرون لاصل الرسالة وليس فيها مجادلة ومحاجة بانفرادها بل لكل مقام مقال فصاحب هذا الاعتراض المنكر لرسالة الرسول اذا زعم انه يجادل ليسترشد يقال له معك في اثبات الرسالة وعدمها. والا في الاقتصار على هذه دليل ان مقصوده التعنت والتعجيز. ولهذا امر الله رسوله ان يدعو الى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. ويمضي على ذلك سواء اعترض المعترضون ام لا. وانه لا ينبغي ان يثنيك عن الدعوة شيء. لانك على هدى مستقيم اي معتدل موصل للمقصود. متضمن علم الحق والعمل به. فانت على ثقة من امرك ويقين من دينك. فيوجب ذلك لك الصلابة والمضي لما امرك به ربك. ولست على امر مشكوك فيه او حديث مفترى. فتقف مع الناس ومع اهوائهم وارائهم ويوقفك اعتراضهم ونظير هذا قوله تعالى فتوكل على الله انك على الحق المبين مع ان في انك لعلى هدى مستقيم. ارشاد لاجوبة المعترضين على جزئيات الشرع. بالعقل الصحيح. فان الهدى وصف لكل ما جاء به الرسول. والهدى ما تحصل به الهداية من مسائل الاصول والفروع. وهي المسائل التي يعرف حسنها وعدلها وحكمتها بالعقل والفترة السليمة. وهذا يعرف لتفاصيل المأمورات والمنهيات. ولهذا امره الله بالعدول عن جدالهم في هذه الحالة. فقال الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون وان جادلوك فقل الله اعلم بما تعملون. اي هو عالم بمقاصدكم ونياتكم. فمجازيكم عليها في يوم القيامة الذي يحكم الله انكم فيما كنتم فيه تختلفون. فمن وافق الصراط المستقيم فهو من اهل النعيم. ومن زاغ عنه فهو من اهل الجحيم. ومن تمام حكمه ان ان يكون حكما بعلم. فلذلك ذكر احاطة علمه واحاطة كتابه فقال الم اعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض. لا يخفى عليه منها خافية من ظواهر الامور وبواطنها. وخفيها وجليها متقدمها ومتأخرها ان ذلك العلم المحيط بما في السماء والارض قد اثبته الله في كتاب وهو اللوح المحفوظ حين خلق الله القلم قال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة. وان كان تصوره عندكم لا يحاط به. فالله تعالى يسير عليه ان يحيط علما بجميع الاشياء وان يكتب ذلك في كتاب مطابق للواقع يذكر تعالى حالة المشركين به العادلين به غيره. وان حالهم اقبح الحالات. وانه لا مستند لهم على ما فعلوه. فليس لهم به علم. وانما هو تقليد تلقوه عن ابائهم الضالين. وقد يكون الانسان لا علم عنده بما فعله. وهو في نفس الامر له حجة ما علمها. فاخبر هنا ان الله لم ينزل في ذلك سلطانا اي حجة تدل عليه وتجوزه. بل قد انزل البراهين القاطعة على فساده وبطلانه. ثم توعد الظالمين منهم المعاندين للحق فقال وما للظالمين من نصير ينصرهم من عذاب الله اذا نزل بهم وهل هؤلاء الذين لا علم لهم بما هم عليه؟ قصد في اتباع الايات والهدى اذا جاءهم؟ ام هم راضون بما هم عليه من الباطل؟ ذكر ذلك بقوله يكادون يسقون بالذين يتلون عليهم اياتنا. واذا تتلى عليهم اياته التي هي ايات الله الجليلة المستلزمة لبيان الحق من الباطل. لم يلتفتوا اليها ولم يرفعوا بها رأسا. بل في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون. تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر من بغضها وكراهتها. ترى وجوههم معبسة وابشارهم مكفهرة اي يكادون يوقعون بهم القتلى والضرب البليغ من شدة بغضهم وبغض الحق وعداوته. فهذه الحالة من الكفار بئس الحالة وشرها بئس الشر ولكن ثم ما هو شر منها حالتهم التي يؤولون اليها. فلهذا قال النار وعدها الله الذين كفروا فهذه شرها طويل عريض. ومكروهها والامها تزداد على الدوام ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستوون انقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره هذا مثل ضربه الله لقمح عبادة الاوثان وبيان نقصان عقول من عبدها وضعف الجميع فقال يا ايها الناس هذا خطاب للمؤمنين والكفار. المؤمنون يزدادون علما وبصيرا. والكافرون تقوم عليهم الحجة. ضرب مثل استمعوا له اي القوا اليه اسماعكم وتفهموا ما احتوى عليه. ولا يصادف منكم قلوبا لاهية واسماعا معرضة. بل القوا اليه القلوب والاسماع وهو هذا بتقول ايه؟ ان الذين تدعون من دون الله شمل كل ما يدعى من دون الله لن يخلقوا ذبابا. الذي هو من احقر المخلوقات واخسها. فليس في اخوتهم خلق هذا المخلوق الضعيف فما فوقهم من باب اولى. بل ابلغ من ذلك شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. لو يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذه منه وهذا غاية ما يصير من العجز. ضعف الطالب الذي هو المعبود من دون الله والمطلوب الذي هو الذباب. فكل منهما ضعيف واضعف منهما. من يتعلق بهذا الضعيف. وينزله منزلة رب العالمين هذا ما قدر الله حق قدره. حيث سوى الفقير العاجز من جميع الوجوه. بالغني القوي من جميع الوجوه. سوى من لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بمن هو النافع الضار المعطي المانع. مالك الملك والمتصرف فيه بجميع انواع التصريف ان الله لقوي عزيز. اي كامل القوة كامل العزة من كمال قوته وعزته. ان نواصي الخلق بيديه وانه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن الا بارادته ومشيئته. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ومن كمال قوته انه يمسك السماوات والارض ان تزول. ومن كمال قوته انه يبعث الخلق كلهم اولهم واخرهم. بصيحة واحدة ومن كمال قوته انه اهلك الجبابرة والامم العاتية بشيء يسير وسوط من عذابه ان الله سميع بصير. يعلم ما لما بين تعالى كماله وضعف الاصنام وانه المعبود حقا بين حالة الرسل وتميزهم عن الخلق بما تميزوا به من الفضائل. فقال الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ان اختاروا يجتبي من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا. يكونون ازكى ذلك النوع واجمعه لصفات المجد. واحقه بالاصطفاء. فالرسل لا يكون هنا الا صفوة الخلق على الاطلاق. والذي اختاره ما اصطفاهم ليس جاهلا بحقائق الاشياء. او يعلم شيئا دون شيء. وانما المصطفي لهم السميع البصير الذي قد احاط علمه وسمعه وبصره بجميع الاشياء. فاختياره اياهم عن علم منه انهم اهل لذلك. وان الوحي يصلح فيهم كما قال الله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته والى الله ترجع الامور. اي هو يرسل الرسل. يدعون الناس الى الله فمنهم المجيب. ومنهم مراد لدعوتهم ومنهم العامل ومنهم الناكل. فهذا وظيفة الرسل. واما الجزاء على تلك الاعمال فمصيرها الى الله. فلا تعدم منه وفضلا او عدلا يأمر تعالى عباده المؤمنين بالصلاة. وخص منها الركوع والسجود لفضلهما وركنيتهما وعبادته التي هي قرة العيون. وسلوة القلب المحزون. وان ربوبيته واحسانه على العباد. يقتضي منهم ان يخلصوا له العبادة ويأمرهم بفعل الخير عموما. وعلق تعالى الفلاح على هذه الامور. فقال اي تفوزون بالمطلوب المرغوب وتنجون من المكروه المرهوب. فلا طريق للفلاحس والاخلاص في عبادة الخالق. والسعي في نفع عبيده. فمن لذلك فله قدح معلى من السعادة والفلاح والنجاح وجاهدوا في الله حق جهاده. والجهاد بذل الوسع في حصول الغرض المطلوب. فالجهاد في الله حق جهاد هو القيام التام بامر الله. ودعوة الخلق الى سبيله بكل طريق موصل الى ذلك. من نصيحة وتعليم وقتال وادب وزجر ووعظ. وغير لذلك هو اجتباكم اي اختاركم يا معشر المسلمين من بين الناس. واختار لكم الدين ورضيه لكم واختار لكم افضل الكتب وافضل الرسل مقابل هذه المنحة العظيمة بالقيام بالجهاد فيه حق القيام. ولما كان قوله وجاهدوا في الله حق جهاده. ربما توهم متوهم ان هذا من باب تكليف ما لا يطاق او تكليف ما يشق. احترز منه بقوله وما جعل عليكم في الدين من حرج. اي مشقة وعسر بل يسره غاية تيسير وسهله بغاية السهولة. فاولا ما امر والزم الا بما هو سهل على النفوس. لا يثقلها ولا يؤودها. ثم اذا عرض بعض الاسباب الموجبة للتخفيف خفف ما امر به اما باسقاطه او اسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الاية قاعدة شرعية وهي ان المشقة تجلب التيسير والضرورات تبيح المحظورات. فيدخل في ذلك من الاحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب الاحكام ملة ابيكم ابراهيم اي هذه الملة المذكورة والاوامر المذبورة ملة ابيكم ابراهيم التي ما زال عليها فالزموها واستمسكوا بها. هو سماكم المسلمين من قبل. اي في الكتب السابقة مذكورون ومشهورون وفي هذا اي هذا الكتاب وهذا الشرع اي ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا. ليكون الرسول شهيدا عليكم باعمالكم خيرها شرها وتكون شهداء على الناس. لكونكم خير امة اخرجت للناس. امة وسطا عدلا خيارا. تشهدون للرسل انهم بلغوا اممهم تشهدون على الامم ان رسلهم بلغتهم بما اخبركم الله به في كتابه فاقيموا الصلاة باركانها وشروطها وحدودها وجميع لوازمها. واتوا الزكاة المفروضة لمستحقيها. شكرا لله على ما اولاكم. واعتصموا بالله ايمتنعوا به وتوكلوا عليه في ذلك. ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم. واعتصموا فنعم المولى ونعم النصير. هو مولاكم الذي يتولى اموركم ادبركم بحسن تدبيره ويصرفكم على احسن تقديره. اين نعم المولى لمن تولاه. فحصل له مطلوبه ونعم النصير لمن استنصره. فدفع عنه المكروه