المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللفظ هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم وبأي شيء وصلوا الى ذلك وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم والترغيب فيها فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الايات يعرف ما معه وما مع غيره من الايمان. زيادة ونقصا كثرة وقلة. فقوله اي قد فازوا وسعدوا ونجحوا وادركوا كل ما يرام. المؤمنون الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين. الذين من صفات الكاملة. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والخشوع في الصلاة هو حضور القلب بين يدي الله تعالى تحضيرا لقربه فيسكن لذلك قلبه. وتطمئن نفسه وتسكن حركاته. ويقل التفاته. متأدبا بين يدي ربه مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته. من اول صلاته الى اخرها فتنتفي بذلك الوساوس والافكار الردية. وهذا روحك الصلاة والمقصود منها وهو الذي يكتب للعبد. فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب. وان كانت مجزئة مثابا عليها ان الثواب على حسب ما يعقل القلب منها. والذين هم عن اللغو وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة معرضون. رغبة عنه وتنزيها لانفسهم وترفعا عنه. واذا مروا باللغو مروا كراما واذا كانوا معرضين عن اللغو فاعراضهم عن المحرم من باب اولى واحرى. واذا ملك العبد لسانه وخزنه الا في الخير. كان مالكا لامره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين وصاه بوصايا قال الا اخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله. فاخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا. فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة كف السنتهم عن اللغو والمحرمات. اي مؤدون لزكاة اموالهم على اختلاف اجناس اموال مزكين لانفسهم من ادناس الاخلاق ومساوئ الاعمال. التي تزكوا النفس بتركها وتجنبها. فاحسنوا في عبادة الخالق الخشوع في الصلاة واحسنوا الى خلقه باداء الزكاة. والذين هم لفروجهم حافظون عن الزنا. ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو الى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم من كل لاحد الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين. الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم من الاماء المملوكات. فانهم غير ملومين بقربهما. لان الله تعالى احلهما ذلك فاولئك هم العادون. فمن ابتغى وراء ذلك غير الزوجة والسرية. الذين تعدوا ما احل الله الى ما حرمه المتجرؤون على محارم الله وعموم هذه الاية يدل على تحريم نكاح المتعة فانها ليست زوجة حقيقية مقصودا بقاؤها ولا مملوكة وتحريم نكاح المحلل لذلك. ويدل قوله او ما ملكت ايمانهم انه يشترط في حل المملوكة ان تكون كلها في ملكه. فلو كان له بعضها لم تحل. لانها ليست مما ملكت يمينه. بل هي ملك له ولغيره. فكما انه لا يجوز ان يشترك في المرأة الحرة زوجان فلا يجوز ان يشترك في الامة المملوكة سيدان اي مراعون لها ضابطون حافظون حريصون على القيام بها وتنفيذها هذا عام في جميع الامانات التي هي حق لله. والتي هي حق للعباد. قال تعالى انا عرضنا الامانة على السماوات والارض جبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان. فجميع ما اوجبه الله على عبده امانة. على العبد حفظها بالقيام التام بها وكذلك يدخل في ذلك امانات الادميين. كامانات الاموال والاسرار ونحوهما. فعلى العبد مراعاة الامرين الامانتين ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. وكذلك العهد يشمل العهد الذي بينهم وبين ربهم. والذي الذي بينهم وبين العباد وهي الالتزامات والعقود التي يعقدها العبد. فعليه مراعاتها والوفاء بها. ويحرم عليه التفريط فيها واهمالها والذين هم على صلواتهن يحافظون. اي يداومون عليها في اوقاتها وحدودها واشراطها اركانها فمدحهم بالخشوع بالصلاة وبالمحافظة عليها. لانه لا يتم امرهم الا بالامرين. فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع او على الخشوع من دون محافظة عليها فانه مذموم ناقص. هم الوارثون اولئك الموصوفون بتلك الصفات هم الوارثون خالدون الذين يرثون الفردوس الذي هو اعلى الجنة. ووسطها وافضلها لانهم من صفات الخير اعلاها وذروتها. او المراد بذلك جميع الجنة ليدخل بذلك عموم المؤمنين. على درجاتهم ومراتبهم. كل كن بحسب حاله هم فيها خالدون لا يطعنون عنها ولا يبغون عنها حولا لاشتمالها على اكمل النعيم وافضله واتمه من غير مكدر ولا منغص ذكر الله في هذه الايات اطوار الادمي وتنقلاته. من ابتداء خلقه الى اخر ما يصير اليه. فذكر ابتداء خلق ابي النوع البشري ادم عليه السلام وانه من سلالة من طين. اي قد سلت واخذ من جميع الارض. ولذلك جاء بنوه على قدر الارض. منهم الطيب والخبيث. وبين ذلك. والسهل والحزن وبين ذلك ثم جعلناه اي جنس الادميين نطفة تخرج من بين الصلب فتستقر في قرار مكين وهو الرحم محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك فخلقنا العرق مضغة فخلقنا المضغة عظاما. ثم خلقنا النطفة التي قد استقرت قبل قبل علقة اي دما احمر. بعد مضي اربعين يوما من النطفة. ثم خلقنا العلقة بعد اربعين يوما. مضغة اي قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ من صغرها. فخلقنا المضغة اللينة عظاما صلبة. قد تخللت اللحم بحسب فبحاجة البدن اليها الله فتبارك الله احسن الخالقين. فكسونا العظام لحما اي جعلنا اللحم كسوة العظام كما جعلنا العظام عمادا للحم. وذلك في الاربعين الثالثة. ثم انشأناه خلقا اخر نفخ فيه الروح فانتقل من كونه جمادا الى انصار حيوانا. فتبارك الله تعالى وتعاظم وكثر خيره. احسن الخالقين الذي احسن كل شيء خلقه. وبدأ خلق الانسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه. وجعل لكم السمع والابصار والافئدة. قليلا ما تشكرون خلقه كله حسن. والانسان من احسن مخلوقاته. بل هو احسنها على الاطلاق. كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ولهذا كان خواصه افضل المخلوقات واكملها ثم انكم بعد ذلك الخلق ونفخ الروح لميتون. في احد اطواركم وتنقلاتكم ثم انكم يوم القيامة تبعثون فتجازون حسنها وسيئها. قال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى؟ الم يك نطفة من مني يمنى؟ ثم انا علاقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر والانثى. اليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين لما ذكر تعالى خلق الادمي ذكر سكنه وتوفر النعم عليه من كل وجه. فقال ولقد خلقنا فوقكم سقفا للبلاد ومصلحة للعباد سبع طرائق اي سبع سماوات طباقا كل طبقة فوق الاخرى قد زينت بالنجوم والشمس والقمر واودع فيها من مصالح الخلق فيما اودع. فكما ان خلقنا عام لكل مخلوق. فعلمنا ايضا محيط بما خلقنا فلا نغفل مخلوقا ولا ننساه ولا نخلق خلقا فنضيعه ولا نغفل عن السماء فتقع على الارض ولا ننسى ذرة في لجج البحار جوانب الفلوات ولا دابة الا سقنا اليها رزقها. وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها استودعها وكثيرا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ بلى وهو الخلاق العليم لان خلق المخلوقات من اقوى الادلة العقلية على علم خالقها وحكمته على ذهاب وانزلنا من السماء ماء يكون رزقا لكم ولانعامكم بقدر ما يكفيكم. فلا ينقص بحيث لا يكفي الارض والاشجار فلا يحصل منه المقصود ولا يزيده زيادة لا تحتمل بحيث يتلف المساكن ولا تعيش معه النبات والاشجار بل انزلهم وقت الحاجة لنزوله. ثم صرفه عند التضرر من دوامه. اي انزل عليها فسكن واستقر. واخرج بقدرة منزله. جميع الازواج النباتية. واسكنه ايضا معدا في خزائن الارض. بحيث يذهب نازلا حتى لا يوصل اليه ولا يبلغ قعره قيل قادرون. اما بالا ننزله او ننزله فيذهب نازلا لا يوصل اليه. او لا يوجد منه المقصود منه. وهذا تنبيه منه لعباده ان يشكروه على نعمته. ويقدر عدمها. ماذا يحصل به من الضرر؟ كقوله تعالى قل ارأيتم ان اصبح فمن يأتيكم بماء معين لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون. فانشأنا لكم به اي بذلك الماء جنات اي بساتين من نخيل واعناب خص تعالى هذين النوعين مع انه ينشئ منه غيرهما من الاشجار لفضلهم ومنافعهما التي فاقت بها الاشجار. ولهذا ذكر العامة في قوله لكم فيها اي في تلك الجنات فواكه كثيرة ومنها تأكلون من طين واترج ورمان وتفاح وغيرها نسينا تنبت وصبغ للاكلين. وشجرة تخرج من طور سيناء هي شجرة الزيتون اي جنسها خصت بالذكر. لان مكانها خاص في ارض الشام. ولمنافعها التي ذكر بعضها في قوله تنبت بالدهن وصبغ للاكلين. اي فيها الزيت الذي هو دهن يكثر استعماله من الاستصباح به واصطباغ الاكلين ان يجعلوا اداما للاكلين وغير ذلك من المنافع نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون اي من نعمه عليكم ان سخر لكم الانعام الابل والبقر والغنم فيها عبرة للمعتبرين ومنافع للمنتفعين اسقيكم مما في بطونها من لبن يخرج من بين فرث ودم. خالص سائغ للشاربين. ولكم فيها منافع كثيرة من فيها وابارها واشعارها وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم لا تأكلون ومنها تأكلون افضل المآكل من لحم وشحم. وعليها وعلى الفلك تحمل اي جعلنا سفنا لكم في البر تحملون عليها اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس. كما جعل لكم السفن في البحر تحملكم وتحمل متاعكم قليلا كان او كثيرا. فالذي انعم بهذه النعم وصنف انواع الاحسان وادر علينا من خيره المدرار هو الذي يستحق كمال الشكر وكمال الثناء والاجتهاد في عبوديته والا يستعان بنعمه على معاصيه فاتقون. يذكر تعالى رسالة عبده ورسوله نوح عليه السلام. اول رسول ارسله لاهل الارض. فارسله الى قومه هم يعبدون الاصنام. فامرهم بعبادة الله وحده. فقال يا قومي اعبدوا الله اي اخلصوا له العبادة. لان العبادة لا تصح الا باخلاصها ما لكم من اله غيره فيه ابطال الوهية غير الله. واثبات الالهية لله تعالى. لانه الخالق الرازق الذي له المال كله وغيره بخلاف ذلك. افلا تتقون. افلا تتقون ما انتم عليه من عبادة الاوثان والاصنام التي صورت على صور قوم صالحين فعبدوها مع الله فاستمر على ذلك يدعوهم سرا وجهارا وليلا ونهارا الف سنة الا خمسين عاما وهم لا يزدادون الا عتوا ونفورا. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا لا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم. فقال الملأ من قومه الاشراف والسادة المتبوعون على وجه معارضتي لنبيهم نوح والتحذير من اتباعه اي ما هذا الا بشر مثلكم؟ قصده حين ادعى النبوة ان يزيد عليكم فضيلة ليكون متبوعا. والا فما الذي يفضله عليكم وهو من جنسكم. وهذه المعارضة ما زالت موجودة في مكذبي الرسل. وقد اجاب الله عنها بجواب شاف على السنة رسله كما في قوله قالوا اي لرسلهم ان انتم الا بشر مثلنا تريدون ان تصدونا عما كان يعبد اباؤنا. فاتونا سلطان مبين. قالت لهم رسلهم ان نحن الا بشر مثلكم. ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. فاخبروا ان هذا فضل الله ومنته فليس لكم ان تحجروا على الله وتمنعوه من ايصال فضله علينا. وقالوا هنا ملائكة ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين ولو شاء الله لانزل ملائكة. وهذه ايضا معارضة بالمشيئة باطلة. فانه وان كان لو شاء لانزل ملائكة فانه حكيم الرحيم حكمته ورحمته تقتضي ان يكون الرسول من جنس الادميين. لان الملك لا قدرة لهم على مخاطبته. ولا يمكن ان يكون الا صورة رجل ثم يعود اللبس عليهم كما كان. وقولهم ما سمعنا بهذا اي بارسال رسول في ابائنا الاولين. واي حجة في عدم سماعهم ارسال رسول في الاولين لانهم لم يحيطوا علما بما تقدم. فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم. وعلى تقدير انه لم يرسل فيهم رسولا اما ان يكونوا على الهدى فلا حاجة لارسال الرسول اذ ذاك. واما ان يكونوا على غيره. فليحمدوا ربهم ويشكروه ان خصهم بنعمة لم تأت ابائهم ولشعروا بها ولا يجعلوا عدم الاحسان على غيرهم سببا لكفرهم للاحسان اليهم فتربصوا به حتى حين. ان هو الا رجل به جنة اي مجنون فتربصوا به اي انتظروا به حتى حين الى ان يأتيه الموت. وهذه الشبه التي اوردوها معارضة لنبوة نبيهم. دالة على كفرهم وعنادهم وعلى انهم في غاية الجهل والضلال. فانها لا تصلح للمعارضة بوجه من الوجوه. كما ذكرنا بل هي في نفسها متناقضة متعارضة فقوله ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم. اثبتوا ان له عقلا يكيدهم به ليعلوهم ويسودهم ويحتاج مع هذا ان يحذر منه لان لا يغتر به. فكيف يلتئم مع قولهم ان هو الا رجل به جنة هل هذا الا من مشبه ضال منقلب عليه الامر؟ قصده الدفع باي طريق اتفق له غير عالم بما يقول. ويأبى الله ان يظهر خزي من عاداه وعادى رسله. فلما رأى نوح انه لا يفيدهم دعاؤه الا فرارا انصرني بما كلبون. فاستنصر ربه عليهم غضبا لله. حيث ضيعوا امره وكذب ابو رسوله وقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا قال تعالى ولقد نادنا نوح فلنعم المجيبون فاوحينا اليه عند استجابتنا له سببا ووسيلة للنجاة قبل وقوع اسبابه. ان اصنع الفلك اي السفينة باعيننا ووحينا اي بامرنا لك ومعونتنا وانت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك اثنين واهلك فاذا جاء امرنا بارسال الطوفان الذي عذبوا به. وفاردت النور اي فارت الارض. وتفجرت عيونا حتى محل النار الذي لم تجري العادة الا ببعده عن الماء. اي ادخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات ذكرا وانثى تبقى مادة النسل لسائر الحيوانات التي اقتضت الحكمة الربانية ايجادها في الارض واهلك اي ادخلهم انهم مغرقون. الا من سبق عليه القول كابنه. ولا تخاطبني في الذين ظلموا. اي لا تدعني في ان انجيهم فان القضاء والقدر قد حتم انهم مغرقون فقل الحمدلله الذي نجانا من القوم الظالمين. فاذا استويت فانت ومن معك على الفلك اي علوتم عليها واستقلت بكم في تيار الامواج ولجج اليم فاحمدوا الله على النجاة والسلامة فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وهذا تعليم منه له ولمن معه. ان يقولوا هذا شكرا له وحمدا على نجاتهم. من القوم قالمين في عملهم وعذابهم اي وبقيت عليكم نعمة اخرى فادعوا الله فيها. وهي ان ييسر الله لكم منزلا مباركا. فاستجاب الله دعاءه. قال الله وقضي الامر واستوت على الجودي. وقيل بعدا للقوم الظالمين. الى ان قال قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك ان في ذلك اي في هذه القصة لا ايات تدل على ان الله وحده المعبود. وعلى ان رسوله نوحا صادق. وان قومه كاذبون. وعلى رحمة الله بعباده. حيث حملهم في صلب ابيهم نور في الفلك لما غرق اهل الارض والفلك ايضا من ايات الله قال تعالى ولقد تركناها اية فهل من مدكر؟ ولهذا معها هنا لانها تدل على عدة ايات ومطالب ثم انشأنا من بعدهم قرنا اخرين. لما ذكر نوحا وقومه وكيف اهلكهم؟ قال قرنا اخرين. الظاهر انهم ثمود. قوم صالح عليه السلام. لان هذه القصة فتشبه قصتهم فارسلنا فيهم رسولا منهم من جنسهم يعرفون نسبه وحسبه وصدقه. ليكون ذلك اسرع لانقيادهم اذا كان منهم وابعد عن اشمئزازهم فدعا الى ما دعت اليه الرسل اممهم. ان اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. فكلهم متفق وعلى هذه الدعوة وهي اول دعوة يدعون بها اممهم. الامر بعبادة الله والاخبار انه المستحق لذلك. والنهي عن عبادة ما سواه والاخمار ببطلان ذلك وفساده. ولهذا قال افلا تتقون. افلا تتقون ربكم فتجتنبوا هذه الاوثاق والاصنام الدنيا ما هذا الا نشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون اي قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة واطغاهم ترفهم في الحياة الدنيا معارضة لنبيهم وتكذيبا وتحذيرا من ما هذا الا بشر مثلكم. اي من جنسكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون. فما الذي يفضله عليكم فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب اي ان تبعتموه وجعلتموه لكم رئيسا. وهو مثلكم انكم لمسلوب العقل. نادمون على ما فعلتم وهذا من العجب فان الخسارة والندامة حقيقة لمن لم يتابعه ولم ينقد له. والجهل والسفه العظيم لمن تكبر عن الانقياد لبشر خصه الله بوحيه وفضله برسالته وابتلي بعبادة الشجر والحجر وهذا نظير قولهم قالوا ابشرا منا واحدا نتبع انا اذا لفي ضلال وسعر. االقي الذكر عليه من بيننا؟ بل هو كذاب اشر. فلما انكروا رسالته وردوها اه انكروا ما جاء به من البعث بعد الموت. والمجازاة على الاعمال فقالوا ترابا وعظاما انكم مخرجون. هيهات هيهات لما توعدون. اي بعيد ما يعدكم به من البعث. بعد ان تمزقتم وكنتم ترابا وعظاما. فنظروا نظرا قصرا ورأوا هذا بالنسبة الى قدرهم غير ممكن فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم تعالى الله فانكروا قدرته على احياء الموتى وعجزوه غاية التعجيز ونسوا خلقهم اول مرة وان الذي انشأهم من العدم فاعادته لهم بعد البلاء اهون عليه. وكلاهما هين لديه. فلما لا ينكرون اول خلقهم ويكابرون محسوسات ويقولون اننا لم نزل موجودين حتى يسلم لهم انكارهم للبعث. وينتقل معهم الى الاحتجاج على اثبات وجود الخالق العظيم وهنا دليل اخر وهو ان الذي احيا الارض بعد موتها ان ذلك لمحيي الموتى. انه على كل شيء قدير. وثم دليل اخر وهو ما اجاب به المنكرين للبعث في قوله بل عجبوا ان جاءهم منذر منهم. فقال الكافرون هذا شيء عجيب. ائذا متنا وكن تراب ذلك رجع بعيد. فقال في جوابهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم. اي في البلاء وعندنا كتاب حفيظ اني الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين. ان هو الا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين. ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا. اي يموت اناس ويحيى اناس وما نحن بمبعوثين. ان هو الا رجل به جنة. فلهذا اتى بما اتى به من توحيد الله. واثبات عاد فتربصوا به حتى حين. اي ارفعوا عنه العقوبة بالقتل وغيره احتراما له. ولانه مجنون غير مؤاخذ بما يتكلم به اي فلم يبق بزعمهم الباطل مجادلة معه. لصحة ما جاء به فانهم قد عرفوا بطلانه. وانما بقي الكلام هل يوقعون به به ام لا؟ فبزعمهم ان عقولهم الرزينة اقتضت الابقاء عليه. وترك الايقاع به مع قيام الموجب. فهل فوق هذا العناد والكفر غاية. ولهذا لما اشتد كفرهم ولم ينفع فيهم الانذار. دعا عليهم نبيهم فقال ما كذبون. رب انصرني بما كذبون. اي باهلاكهم وخزيهم الدنيوي قبل الاخرة. قال الله مجيبا اخوتي فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين فاخذتهم الصيحة بالحق لا بالظلم والجور بل بالعدل وظلمهم. اخذتهم الصيحة فاهلكتهم عن اخرهم اي هشيما يابسا بمنزلة غثاء السيل الملقى في جنبات الوادي. وقال في الاية الاخرى انا ارسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر. اي اتبعوا مع عذابهم البعد واللعنة والذم من العالمين. فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين من بعدهم قرونا اخرين. ما تسبق من امة اجلها وما يستأخرون رسولها كذبوه. اي ثم انشأنا من بعد هؤلاء المكذبين اندين قرونا اخرين. كل امة في وقت مسمى واجل محدود. لا تتقدم عنه ولا تتأخر. وارسلنا اليهم رسولا متتابعة لعلهم يؤمنون وينيبون. فلم يزل الكفر والتكذيب دأب الامم العصاة. والكفرة البغاة مع ان كل رسول يأتي من الايات ما يؤمن على مثله البشر. بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم. يدل على حقيقة ما جاءوا به فاتبعنا بعضهم بعضا بالهلاك. فلم يبق منهم باقية. وتعطلت مساكنهم من بعدهم. وجعلناهم احاديث يتحدث بهم من بعدهم ويكونون عبرة للمتقين ونكالا للمكذبين وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم لقوم لا يؤمنون. ما اشقاهم وتعسا لهم ما اخسر صفقتهم مر علي منذ زمان طويل كلام لبعض العلماء لا يحضرون اسمه وهو انه بعد بعث موسى ونزول التوراة رفع الله العذاب عن الامم اي عذاب الاستئصال وشرع للمكذبين المعاندين ولم ادري من اين اخذه. فلما تدبرت هذه الايات مع الايات التي في سورة القصص تبين لي وجهه. اما هذه الايات لان الله ذكر الامم المهلكة المتتابعة على الهلاك. ثم اخبر انه ارسل موسى بعدهم. وانزل عليه التوراة فيها الهداية للناس. ولا ترد على هذا اهلاك فرعون فانه قبل نزول التوراة. واما الايات التي في سورة القصص فهي صريحة جدا. فانه لما ذكر فرعون قال ولقد اتينا موسى الكتاب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون فهذا صريح انه اتاه الكتاب بعد هلاك الامم الباغية. واخبر انه انزله بصائر للناس وهدى ورحمة. ولعل من هذا ما ذكر الله في سورة يونس من قوله ثم بعثنا من بعده اي من بعد نوح رسلا الى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا لي يؤمن بما كذبوا به من قبل. كذلك نطبع على قلوب المعتدين. ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون. والله اعلم. فقوله ثم ارسلنا موسى ابن عمران كليم الرحمن واخاه هارون. حين سأل ربه ان يشركه في امره. فاجاب سؤله باياتنا الدالة على صدقهما او صحة ما جاء به وسلطان مبين. اي حجة بينة من قوتها ان تقهر القلوب. وتتسلط عليها لقوتها فتنقاد لها قلوب المؤمنين. وتقوم الحجة البينة على المعاندين. وهذا كقوله ولقد اتينا موسى تسع ايات بينات لهذا رئيس المعاندين عرف الحق وعاند فاسأل بني اسرائيل اذ جاءهم اي بتلك الايات البينات. فقال له فرعون اني لاظنك يا موسى مسحورا. فقال موسى لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر. واني لاظنك فرعون مثبورا. وقال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال هنا ثم ارسلنا موسى اخاه هارون باياتنا وسلطان مبين. الى فرعون وملأه كهامان وغيره من رؤسائهم. فاستكبروا اي تكبروا عن الايمان بالله. واستكبروا على انبيائه. وكانوا اي وصفهم العلو والقهر والفساد في الارض. فلهذا صدر منهم الاستكبار ذلك غير مستكثر منهم فقالوا انؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون. فقالوا كبرا وتيها وتحذيرا لضعفاء عقول وتمويه انؤمن لبشرين مثلنا؟ كما قاله من قبلهم سواء بالسواء تشابهت قلوبهم في الكفر انتهت اقوالهم وافعالهم وجحدوا منة الله عليهما بالرسالة. وقومهما لنا عابدون. وقومهما اي بنو اسرائيل لنا عابدون اي معبدون بالاعمال والاشغال الشاقة. كما قال تعالى واذ نجيناكم من ال فرعون يسمونكم سوءا العذاب يذبحون ابناءكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم. فكيف نكون تابعين بعد ان كنا متبوعين وكيف يكون هؤلاء رؤساء علينا؟ ونظير قولهم قول قوم نوح انؤمن لك واتبعك الارذلون؟ وما نراك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي. من المعلوم ان هذا لا يصلح لدفع الحق. وانه تكذيب ومعاندة. ولهذا قال فكانوا من المهلكين. في الغرق في البحر. وبنو اسرائيل ينظرون لعلهم يهتدون. ولقد اتينا موسى بعدما اهلك الله فرعون. وخلص الشعب الاسرائيلي جمع موسى وتمكن حينئذ من اقامة امر الله فيهم. واظهار شعائره. وعده الله ان ينزل عليه التوراة اربعين ليلة ذهب لميقات ربه. قال الله تعالى وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء. ولهذا قال هنا لا اي بمعرفة تفاصيل الامر والنهي والثواب والعقاب ويعرفون ربهم باسمائه وصفاته واجعل اللبن مريم وامه اية واويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين اي وامتننا على عيسى ابن مريم. وجعلناه وامه من ايات الله العجيبة. حيث حملته وولدته من غير اب. وتكلم في المهدي واجرى الله على يديه من الايات ما اجرى واويناهما الى ربوة اي مكان مرتفع. وهذا والله اعلم وقت وضعها ذات قرار اي مستقر وراحة ومعين اي ماء جار بدليل قوله قد جعل ربك تحتك اي تحت المكان الذي انت في لارتفاعه سريا اي نهرا وهو المعين. وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا كلي واشربي وقري عينا. يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم. هذا امر منه تعالى لرسوله باكل الطيبات التي هي الرزق طيب الحلال وشكر الله بالعمل الصالح. الذي به يصلح القلب والبدن والدنيا والاخرة. ويخبرهم انه بما يعملون عليم كل عمل عملوه وكل سعي اكتسبوه. فان الله يعلمه وسيجازيهم عليه اتم الجزاء وافضله. فدل هذا على ان الرسل كلهم متفقون على اباحة الطيبات من المآكل وتحريم الخبائث منها وانهم متفقون على كل عمل صالح. وان تنوعت بعض اجناس المأمورات واختلفت بها الشرائع فانها كلها عمل صالح. ولكن تتفاوت بتفاوت الازمنة. ولهذا الاعمال الصالحة التي هي صلاح في جميع الازمنة قد اتفقت عليها الانبياء والشرائع كالامر بتوحيد الله واخلاص الدين له ومحبته وخوفه ورجائه والبر والوفاء بالعهد وصلة الارحام وبر الوالدين. والاحسان الى الضعفاء والمساكين واليتامى والحنو والاحسان الى الخلق ونحو ذلك من الاعمال الصالحة. ولهذا كان اهل العلم والكتب السابقة والعقل. حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. يستدلون على نبوته باجناس ما يأمر به وينهى عنه. كما جرى له رقل وغيره فانه اذا امر بما امر به الانبياء الذين من قبله. ونهى عن ما نهوا عنه. دل على انه من جنسهم بخلاف الكذاب فلابد ان يأمر بالشر. وينهى عن الخير. ولهذا قال تعالى للرسل وان هذه امتكم امة اي جماعتكم يا معشر الرسل جماعة واحدة. متفقة على دين واحد. وربكم واحد فاتقوني بامتثال اوامري واجتناب زواجري. وقد امر الله المؤمنين بما امر به المرسلين. لانهم بهم يقتدون فهم يسلكون. فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم. واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. فالواجب من كل منتسبين الى الانبياء وغيرهم ان يمتثلوا هذا ويعملوا به. ولكن ابى الظالمون المفترقون الا عصيانا. ولهذا قال فتقطعوا امرهم بينهم زهرا كل حزب بما لديهم فرحون. فتقطعوا امرهم اين هم زبرا؟ اي تقطع المنتسبون الى اتباع الانبياء. امرهم اي دينهم بينهم زبرا. اي قطعا كل حزب بما لديهم اي بما عندهم من العلم والدين. فرحون يزعمون انهم المحق وغيرهم على غير الحق. مع ان المحق منهم من كان على طريق الرسل من اكل الطيبات والعمل الصالح. وما عداهم فانهم فذرهم في غمرتهم اي في وسط جهلهم بالحق ودعواهم انهم هم حتى حين اي الى ان ينزل العذاب بهم فانهم لا ينفع فيهم وعظ ولا يفيدهم زجر وكيف يفيد من يزعم انه وعلى الحق ويطمع في دعوة غيره الى ما هو عليه. ايحسبون ان ما نمدهم به من مال نسارع لهم في الخيرات ايحسبون ان ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات اي ايظنون ان زيادتنا اياهم بالاموال والاولاد. دليل على انه من اهل الخير والسعادة. وان لهم خير الدنيا والاخرة. وهذا مقدم لهم ليس الامر ذلك من لا يشعرون. بل لا يشعرون انما نملي لهم ونمهلهم. ونمدهم بالنعم. ليزدادوا اثما. وليت وفر عقابهم في الاخرة وليغتبطوا بما اوتوا حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة لما ذكر تعالى الذين جمعوا بين الاساءة والامن الذين يزعمون ان لقاء الله اياهم في الدنيا دليل على خيرهم وفضلهم. ذكر الذين جمعوا بين الاحسان والخوف. فقال من خشية ربهم مشفقون. اي وجلون مشفقة قلوبهم. كل ذلك من خشية ربهم. خوفا ان يضع عليهم عدله فلا يبقى لهم حسنة. وسوء ظن بانفسهم الا يكونوا قد قاموا بحق الله تعالى وخوفا على ايمانهم من الزوال ومعرفة منهم بربهم. وما يستحقه من الاجلال والاكرام. وخوفهم واشفاقهم يوجب لهم الكف عما يوجب الامر المخوف من الذنوب والتقصير في الواجبات. والذين هم بايات ربهم يؤمنون. اي اذا تليت عليهم اياته زادت ايمانا ويتفكرون ايضا في الايات القرآنية ويتدبرونها. فيبين لهم من معاني القرآن وجلالته واتفاقه. وعدم اختلاف تافه وتناقضه وما يدعو اليه من معرفة الله وخوفه ورجائه. واحوال الجزاء فيحدث لهم بذلك من تفاصيل الايمان. ما لا يعبر عنه اللسان ويتفكرون ايضا في الايات الافقية كما في قوله ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار حياة لاولي الالباب. والذين هم بربهم لا يشركون. اي لا شركا جليا كاتخاذ غير الله معبود يدعوه ويرجوه ولا شركا خفيا كالرياء ونحوه. بل هم مخلصون لله في اقوالهم واعمالهم وسائر احوالهم والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راضون والذين يؤتون ما اتوا اي يعطون من انفسهم مما امروا به. ما اتوا من كل ما يقدرون عليه من صلاة وزكاة وحج وصدقة وغير ذلك. ومع هذا قلوبهم وجلة اي خائفة الى ربهم راجعون. اي خائفة عند عرض اعمالها عليه. والوقوف بين يديه ان تكون اعمال انهم غير منجية من عذاب الله لعلمهم بربهم. وما يستحقه من اصناف العبادات وهم لها سابقون. اولئك يسارعون في الخيرات اي في ميدان التسارع في افعال الخير. همهم ما يقربهم الى الله وارادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه. فكل خير سمعوا به او سنحت لهم الفرصة اليه انتهزوه وبادروه. قد نظروا الى اولياء الله واصفيائه. امامهم ويمنة ويسرة. يسارع في كل خير وينافسون في الزلفى عند ربهم فنافسوهم. ولما كان المسابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره وقد لا يسبق لتقصيره اخبر تعالى ان هؤلاء من القسم السابقين فقال لها اي للخيرات سابقون قد بلغوا ذروتها وتباروهم والرعيل الاول. ومع هذا قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة انهم سابقون. ولما ذكر مسارعتهم الى الخيرات اليها. ربما وهم واهم ان المطلوب منهم ومن غيرهم امر غير ومقدور او متعسر اخبر تعالى انه لا يكلف نفسا الا وسعها. اي بقدر ما تسعه ويفضل من قوتها عنه. ليس مما يستوعب قوتها رحمة منه وحكمة. بتيسير طريق الوصول اليه. ولتعمر السالكين في كل وقت اليه فيظلمون ولدينا كتاب ينطق بالحق وهو الكتاب الاول الذي فيه كل شيء. وهو طابقوا كل واقع يكون فلذلك كان حقا وهم لا يظلمون بنقص من احسانهم او يزداد في عقوبتهم وعصيانهم بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون. يخبر تعالى ان قلوب المكذبين في غمرة من هذا اي وسط غمرة من الجهل والظلم والغفلة والاعراض تمنعهم من الوصول الى هذا القرآن فلا يهتدون به ولا يصلوا الى قلوبهم منه شيء. واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا. فلما كانت قلوبهم في غمرة منه عملوا بحسب هذا الحال من الاعمال الكفرية والمعاندة للشرع ما هو موجب لعقابهم. ولكن لهم اعمال من دون هذه الاعمال هم لها عاملون. اي فلا يستغرب عدم وقوع العذاب فيهم. فان الله يمهلهم ليعملوا هذه الاعمال. التي بقيت عليهم مما كتب عليهم. فاذا عملوها واستوفوا انتقلوا بشر حالة الى غضب الله وعقابه حتى اذا اخذنا مترفيهم اي متنعميهم الذين ما اعتادوا الا الترف والرفاهية والنعيم. ولم تحصل لهم المكاره فاذا اخذناهم بالعذاب ووجدوا مسة. اذا هم يجأرون يصرخون ويتوجعون. لانه اصابهم امر خالف ما هم عليه ويستغيثون فيقال لهم واذا لم تأتيهم النصرة من الله وانقطع عنهم الغوث من جانبه. لم يستطيعوا نصر انفسهم ولم ينصرهم احد. فكأنه قيل ما السبب الذي وصلهم الى هذه الحال قال قد كانت اياتي تتلى عليكم لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها فلم تفعلوا ذلك. بل كنتم على اعقابكم تنكصون اي راجعين القهقرة الى الخلف. وذلك لان باتباعهم القرآن يتقدمون. وبالاعراض عنه يستأخرون وينزلون الى اسفل سافلين مستكبرين به سامرا تهجرون قال المفسرون معناه مستكبرين به الضمير يعود الى البيت. المعهود عند المخاطبين او الحرم. اي متكبرين على الناس بسببه. تقولون نحن اهل الحرم فنحن افضل من غيرنا واعلى سامرا. اي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت. تهجرون اي تقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في هذا القرآن. فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن. الاعراض عنه. ويوصي بعضهم بعضا بذلك. وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه لعلكم تغلبون. وقال الله عنهم افمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا وانتم سامدون؟ ام يقولون تقولا؟ فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل لا جرم حقت عليهم العقوبة ما وقعوا فيها لم يكن لهم ناصر ينصرهم ولا مغيث ينقذهم ويوبخون عند ذلك بهذه الاعمال الساقطة اي افلا يتفكرون في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه. اي فانهم لو تدبروه لاوجب لهم الايمان. ولمنعهم من الكفر. ولكن المصيبة التي اصابتهم بسبب لاعراضهم عنه ودل هذا على ان تدبر القرآن يدعوهم الى كل خير ويعصم من كل شر والذي منعه من تدبره ان على قلوبهم اقفالها اي او منعهم من الايمان انه جاءهم رسول وكتاب ما جاء اباءهم الاولين. فرضوا بسلوك طريق ابائهم الضالين. وعارضوا كل ما خالف ذلك ولهذا قالوا هم ومن اشبههم من الكفار ما اخبر الله عنهم وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا ابائنا على امة وانا على اثارهم مقتدون. فاجابهم بقوله قال او لو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه ابائكم فهل تتبعون ان كان قصدكم الحق؟ فاجابوا بحقيقة امرهم. قالوا انا بما ارسلتم به كافرون. وقوله ام لم يعرفوا رسولهم فهم لهم منكرون. اي او منعهم من اتباع الحق ان رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم غير معروف عندهم فهم منكرون له. يقولون لا نعرفه ولا نعرف صدقه. دعونا حتى ننظر حاله ونسأل عنه من له به خبرة اي لم يكن الامر كذلك. فانهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة تامة. صغيرهم وكبيرهم يعرفون منه كل خلق من جميل ويعرفون صدقه وامانته. حتى كانوا يسمونه قبل البعثة الامين. فلما لا يصدقونه؟ حين جاءهم بالحق العظيم والصدق المبين ام يقولون به جنة؟ اي جنون؟ فلهذا قال ما قال. والمجنون غير مسموع منه. ولا عبرة بكلامه لانه يهذي بالباطل والكلام السخيف. قال الله في الرد عليهم في هذه المقالة اكثرهم للحق كارهون. بل جاءهم بالحق اي بالامر الثابت الذي هو صدق وعدل. لا اختلاف فيه ولا تناقض فكيف يكون من جاء به به جنة؟ وهل لا يكون الا في اعلى درج الكمال؟ من العلم والعقل ومكارم الاخلاق وايضا فان في هذا الانتقال مما تقدم. اي بل الحقيقة التي منعتهم من الايمان انه جاءهم بالحق. واكثرهم للحق كارهون ومن حق الذي جاءهم به اخلاص العبادة لله وحده. وترك ما يعبد من دون الله. وقد علم كراهتهم لهذا الامر. وتعجبهم منه كون الرسول اتى بالحق وكونهم كارهين للحق بالاصل. هو الذي اوجب لهم التكذيب بالحق. لا شكا ولا تكذيبا للرسول. كما قال الله تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. فان قيل لما لم يكن الحق موافقا لاهوائهم لاجل ان يؤمنوا ويسرعوا الانقياد. اجاب تعالى بقوله ولو اتبع الحق اهواه لفسدت في السماوات والارض ومن فيهن. ووجه ذلك ان اهواءهم متعلقة بالظلم والكفر والفساد من الاخلاق والاعمال فلو تبع الحق اهواءهم لفسدت السماوات والارض. لفساد التصرف والتدبير المبني على الظلم وعدم العدل. فالسماوات والارض ما استقامتا الا بالحق والعدل بل اتيناهم بذكرهم اي بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير. الذي به فخرهم وشرفهم حين يقومون به يكونون به سادة الناس. شقاوة منهم وعدم توفيق. نسوا طه فنسيهم. نسوا الله فانساهم انفسهم. فالقرآن ومن جاء به اعظم نعمة ساقها الله اليهم. فلم يقابلوها الا الرد والاعراض فهل بعد هذا الحرمان حرمان؟ وهل يكون وراءه الا نهاية الخسران اي او منعهم من اتباعك يا محمد انك تسألهم على الاجابة اجرى فهم من مغرم مثقلون. يتكلفون من اتباعك بسبب ما تأخذ منه من الاجر والخراج. ليس الامر كذلك بك خير وهو خير الرازقين. وهذا كما قال الانبياء لاممهم. يا قومي لا اسألكم عليه اجرا ان اجري الا على الله. اي ليسوا يدعون الخلق طمعا فيما يصيبهم منهم من الاموال. وانما يدعون نصحا لهم وتحصيلا لمصالحهم بل كان الرسل انصح للخلق من انفسهم. فجزاهم الله عن اممهم خير الجزاء. ورزقنا الاقتداء بهم في جميع الاحوال وان الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط تناكمون. ذكر الله تعالى في هذه الايات الكريمات كل سبب موجب للايمان. وذكر الموانع وبين فسادها. واحد اذا بعد واحد فذكر من الموانع ان قلوبهم في غمرة وانهم لم يتدبروا القول وانهم اقتدوا بابائهم وانهم قالوا برسولهم كما تقدم الكلام عليها وذكر من الامور الموجبة لايمانهم تدبر القرآن وتلقي نعمة الله بالقبول ومعرفة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكمال صدقه وامانته. وانه لا يسألهم عليه اجرا. وانما سعيه لنفعهم ومصلحتهم ان الذي يدعوهم اليه صراط مستقيم سهل على العاملين لاستقامته موصل الى المقصود من قرب حنيفية سمحة حنيفية في التوحيد سمحة في العمل. فدعوتك اياهم الى الصراط المستقيم. موجب لمن يريد الحق ان يتبعك. لانه مما تشهد العقول والفطر بحسن وموافقته للمصالح. فاين يذهبون ان لم يتابعوك؟ فانهم ليس عندهم ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك. لانهم متجنبون منحرفون عن الطريق الموصل الى الله والى دار كرامته ليس في ايديهم الا الات وجهالات وهكذا كل من خالف الحق لابد ان يكون منحرفا في جميع اموره. قال الله تعالى فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله انظر للج في طغيانهم يعمهون. هذا بيان لشدة تمردهم وعنادهم. وانهم اذا اصابهم دعوا الله ان يكشف عنهم ليؤمنوا او ابتلاهم بذلك ليرجعوا اليه. ان الله اذا كشف الضر عنهم لجوا اي استمروا في طغيانهم انهم يعمهون. اي يجولون في كفرهم حائرين مترددين. كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك. وانهم يدعونه مخلصين له الدين وينسون ما يشركون به. فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بالشرك وغيره كيفما استكانوا لربهم وما يتضرعون. ولقد اخذناهم بالعذاب. قال المفسرون المراد بذلك الجوع الذي اصابهم سبع سنين. وان الله ابتلاهم بذلك. ليرجعوا اليه بالذل والاستسلام. فلم ينجح فيهم ولا نجح منهم احد كما استكانوا لربهم وما يتضرعون. فما استكانوا لربهم اي خضعوا وذلوا. وما يتضرعون اليه ويفتقرون بل مر عليهم ذلك ثم زال كأنه لم يصبهم. لم يزالوا في غيهم وكفرهم. ولكن ورائهم العذاب الذي لا يرد وهو قوله حتى اذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد. كالقتل يوم بدر وغيره ايسون من كل خير قد حضرهم الشر واسبابه. فليحذروا قبل نزول عذاب الله الشديد الذي لا يرد بخلاف مجرد العذاب فانه ربما اقلع عنهم كالعقوبات الدنيوية التي يؤدب الله بها عباده. قال الله تعالى فيها ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. وهو والذي انشأ لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون. يخبرك على عباده الداعية لهم الى شكره والقيام بحقه. فقال وهو الذي انشأ لكم السمع لتدركوا به المسموعات فتنتفعوا في دينكم ودنياكم والابصار لتدركوا بها المبصرات فتنتفعوا بها في مصالحكم والافئدة اي العقول التي تدركون بها الاشياء وتتميزون بها عن البهائم. فلو عدمتم السمع والابصار والعقول لان كنتم صما عميا بكما ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟ افلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم؟ فتقومون بتوحيده وطاعته ولكنكم قليل شكركم مع توالي النعم عليكم وهو تعالى الذي ذرعكم في الارض. اي بثكم في اقطارها وجهاتها. وسلطكم على استخراج مصالحها ومنافعها وجعلها كافية لمعايشكم ومساكنكم. واليه تحشرون بعد موتكم. فيجازيكم بما عملتم في الارض من خير وشر. وتحدث الارض التي كنتم فيها باخبارها وهو تعالى وحده الذي يحيي ويميت. اي المتصرف في الحياة والموت هو الله وحده افلا تعقلون وله اختلاف الليل والنهار اي تعاقبهما وتناوبهما فلو شاء ان يجعل النهار سرمدا من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه. ولو شاء ان يجعل الليل سرمدا من غير الله يأتيكم بضياء. افلا تبصرون؟ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه. ولتبتغوا من فضله. ولعل تشكرون ولهذا قال هنا فتعرفون ان الذي وهب لكم من النعم السمع والابصار والافئدة والذي نشركم في الارض وحده والذي يحيي ويميت وحده والذي يتصرف بالليل والنهار وحده ان ذلك موجب لكم ان تخلصوا له العبادة وحده لا شريك له. وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر. ولا يتصرف بشيء بل هو عاجز من كل وجه فلو كان لكم عقل لم تفعلوا ذلك. بل قالوا مثلما قال الاولون. اي بل سلك هؤلاء المكذبون مسلك الاولين من المكذبين بالبعث. واستبعدوه غاية الاستبعاد وقالوا اي هذا لا يتصور ولا يدخل عقل بزعمهم وابىؤنا هذا من قبل ان هذا الا اساطير الاولين لقد وعدنا نحن واباؤنا هذا من قبل. اي ما زلنا نوعد بان البعث كائن. نحن واباؤنا ولم نرى. ولم يأت بعد ان هذا الا اساطير الاولين. اي قصصهم واسمارهم التي يتحدث بها وتلهى. والا فليس لها حقيقة. وكذبوا قبحهم الله فان الله اراهم من اياته اكبر من البعث. ومثله لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل افلا تذكروا اي قل لهؤلاء المكذبين بالبعث العادلين بالله غيرة. محتجا عليهم بما اثبتوه واقروا به من توحيد الربوبية وانفراد الله بها على ما انكروه من توحيد الالهية والعبادة. وبما اثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة. على ما انكروه من اعادة الموتى الذي هو اسهل من ذلك. لمن الارض ومن فيها؟ اي من هو الخالق للارض ومن عليها من حيوان ونبات وجماد وبحار وانهار وجبال. المالك لذلك المدبر له. فانك اذا سألتهم عن ذلك لابد ان يقولوا لله وحده فقل لهم اذا اقروا بذلك. اي افلا ترجعون الى ما ذكركم الله به؟ مما هو معلوم عندكم مستقر في فطركم. قد يغيبه الاعراض في بعض الاوقات. والحقيقة انكم ان رجعتم الى ذاكرتكم بمجرد التأمل علمتم ان ما لك ذلك هو المعبود وحده. وان الهية من هو مملوك. ابطلوا الباطل ثم انتقل الى ما هو اعظم من ذلك. فقال قل من رب السماوات السبع ورب العرش قل من رب السماوات السبع وما فيها من النيران والكواكب السيارات والثوابت. ورب العرش العظيم. الذي هو اعلى المخلوقات. واوسعها واعظمها. فمن الذي خلق ذلك ودبره وصرفه بانواع التدبير. اي سيقرون بان الله رب ذلك كله. قل لهم حين يقرون بذلك. قل افلا تتقون. افلا تتقون عبادة المخلوق الطرقات العاجزة وتتقون الرب العظيم كامل القدرة عظيم السلطان. وفي هذا من لطف الخطاب من قوله افلا تذكرون افلا تتقون والوعظ باداة العرظ الجاذبة للقلوب؟ ما لا يخفى. ثم انتقل الى اقرارهم بما هو اعم من ذلك كله. فقال كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنا قل من بيده ملكوت كل شيء اي ملك كل شيء من العالم العلوي والعالم السفلي ما نبصره وما لا نبصره. والملكوت صيغة مبالغة بمعنى الملك. وهو يجير عباده من الشر ويدفع عنهم المكاره ويحفظهم مما يضرهم ولا يجار عليه. اي لا يقدر احد ان يجير على الله. ولا يدفع الشر الذي قدره الله. بل ولا يشفع احد عنده الا باذنه سيقولون لله اي سيقرون ان الله المالك لكل شيء المجير الذي لا يجار عليه تسحروا. قل لهم حين يقرون بذلك ملزما لهم. فانى تسحرون. اي فاين تذهب عقولكم حيث عبدتم من علمتم انهم لا ملك لهم. ولا قسط من الملك وانهم عاجزون من جميع الوجوه. وتركتم الاخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الامور. فالعقول التي دلتكم على هذا لا تكونوا الا مسحورة. وهي بلا شك قد سحرها الشيطان ما زين لهم وحسن لهم وقلب الحقائق لهم فسحر عقولهم كما سحرت السحرة اعين الناس يقول تعالى بل اتينا هؤلاء المكذبين بالحق المتضمن للصدق في الاخبار العدل في الامر والنهي فما بالهم لا يعترفون به وهو احق ان يتبع وليس عندهم ما يعوضهم عنه الا الكذب والظلم ولهذا قال اله وانهم لكاذبون. ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. كذب يعرف بخبر الله وخبر ويعرف بالعقل الصحيح. ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي على امتناع الهين فقال بما خلق ولا على بعضهم على بعض سبحان الله سبحان اذا اي لو كان معه الهة كما يقولون لذهب كل اله بما خلق. اي اذا انفرد كل واحد من الالهين بمخلوقاته واستقل بها ولحرص على ممانعة الاخر ومغالبته. ولعل بعضهم على بعض. فالغالب ويكون هو الاله والا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم. ولا يتصور ان ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول. واعتبر ذلك بالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيارة. فانها منذ خلقت وهي تجري على نظام واحد وترتيب واحد. كلها مسخرة قدرة مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم. ليست مقصورة على مصلحة احد دون احد. ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا ولا معارضة في ادنى تصرف. فهل يتصور ان يكون ذلك تقدير الهين ربين قد نطقت بلسان حالها وافهمت ببديع اشكالها ان المدبر لها اله واحد كامل الاسماء والصفات قد افتقرت اليه جميع المخلوقات في ربوبيته لها وفي الهيته لها. فكما لا وجود لها ولا دوام الا بربوبيته ذلك لا صلاح لها ولا قوام الا بعبادته وافراده بالطاعة. ولهذا نبه على عظمة صفاته بانموذج من ذلك. وهو علمه محيط فقال عالم الغيب والشهادة فتعالى عن ما يشركون عالم الغيب اي الذي غاب عن ابصارنا وعلمنا من الواجبات والمستحيلات والممكنات والشهادة وهو ما نشاهد من ذلك اي ارتفع وعظم عما يشركون به من لا علم عنده الا ما علمه الله اني ما يوعدون. لما اقام تعالى على المكذبين ادلته العظيمة. فلم يلتفتوا لها ولم يذعنوا لها حق عليهم العذاب ووعدوا بنزوله. وارشد الله رسوله ان يقول اي اي وقت اريتني عذابهم واحضرتني ذلك اي اعصمني واحمني. مما ابتليتهم به من الذنوب الموجبة للنقم. واحمني ايضا من العذاب الذي ينزل بهم. لان العقوبة العامة تعم عند نزولها العاصي وغيره. قال الله في تقريب عذابهم لقادرون ولكن ان اخرناه فلحكمة والا فقدرتنا صالحة لايقاعه فيهم هذا من مكارم الاخلاق التي امر الله رسوله بها فقال ادفع بالتي هي احسن اي اذا اساء اليك اعداؤك بالقول والفعل فلا تقابلهم بالاساءة مع انه يجوز معاقبة المسيء بمثل اساءته. ولكن ادفع اساءتهم اليك بالاحسان منك اليهم. فان ذلك فضل منك على المسيء. ومن مصالح لذلك انه تخف الاساءة عنك. في الحال وفي المستقبل وانه ادعى لجلب المسيء الى الحق. واقرب الى ندمه واسفه بالتوبة عما فعل. وليتصف العافي بصفة الاحسان. ويقهر بذلك عدوه الشيطان. وليستوجب الثواب من الرب. قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله. وقال الله تعالى ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها اي ما يوفق لهذا الخلق الجميل الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم فقوله اي بما يقولون من الاقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق قد احق اطع المنى بذلك وقد حلمنا عنهم. وامهلناهم وصبرنا عليهم. والحق لنا وتكذيبهم لنا. فانت يا محمد ينبغي لك ان تصبر على ما يقولون. وتقابلهم بالاحسان. هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر. واما المسيء من فانه لا يفيد فيه الاحسان ولا يدعو حزبه الا ليكونوا من اصحاب السعير. فالوظيفة في مقابلته ان يسترشد ما ارشد الله اليه اليه رسوله فقال. وقل ربي اعوذ بك اي اعتصم بحولك وقوتك متبرئا من حولي وقوتي من همزات الشياطين اي اعوذ بك من الشر الذي يصيبني بسبب مباشرته وهمزهم السهم ومن الشر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم. وهذه استعاذة من مادة الشر كله واصله. ويدخل فيها الاستعاذة من جميع نزغات الشياطين ومن مسه ووسوسته. فاذا اعاذ الله عبده من هذا الشر واجاب دعاءه سلم من كل شر ووفق لكل خير برزخ الى يوم يبعثون يخبر تعالى عن حال من حضره الموت من المفرطين الظالمين انه يندم في تلك الحال اذا رأى مآله وشاهد قبح اعماله الرجعة الى الدنيا لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها. وانما ذلك يقول لعلي اعمل صالحا فيما تركت من العمل وفرطت في جنب الله. كلا لا رجعة له ولا امهال. قد قضى الله انهم اليها لا يرجعون. انها اي مقالته التي تمنى فيها الرجوع الى الدنيا. كلمة هو قائلها اي مجرد قول باللسان لا يفيد صاحبه الا الحسرة والندم. وهو ايضا غير صادق في ذلك. فانه لو رد لعاد لما نهي عنه برزخ الى يوم يبعثون اي من امامهم وبين ايديهم برزخ. وهو الحاجز بين الشيئين. فهو هنا الحاجز بين الدنيا والاخرة. وفي هذا البرزخ يتنعم المطيع ويعذب العاصون من موتهم الى يوم يبعثون. اي فليعدوا له عدته وليأخذوا له اهبته فاذا نفخ بالصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون يتساءلون يخبر تعالى عن هول يوم القيامة. وما في ذلك اليوم من المزعجات والمقلقات. وانه اذا نفخ في الصور نفخة البعث وحشر الناس اجمعون لميقات يوم معلوم. انه يصيبهم من الهول ما ينسيهم انسابهم. التي هي اقوى الاسباب. فغير الانساب من فبأولى وانه لا يسأل احد احدا عن حاله لاشتغاله بنفسه. فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ او يشقى شقاوة سعادة بعدها قال الله تعالى يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ من هم يومئذ شأن يغنيه. وفي القيامة مواضع يشتد كربها. ويعظم وقعها كالميزان الذي يميز به اعمال العبد وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه. وتبين فيه مثاقيل الذر من الخير والشر هم المفلحون. فمن ثقلت موازينه بان رجحت حسناته على سيئاته فاولئك هم المفلحون. لنجاتهم من النار واستحقاقهم الجنة. وفوزهم بالثناء الجميل موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون ومن خفت موازينه بان رجحت سيئاته على حسناته. واحاطت به خطيئاته. فاولئك الذين خسروا انفسهم كل خسارة غير هذه الخسارة فانها بالنسبة اليها سهلة. ولكن هذه خسارة صعبة لا يجبر مصابها ولا يستدرك خسارة ابدية وشقاوة سرمدية قد خسر نفسه الشريفة التي يتمكن بها من السعادة الابدية ففوتها هذا النعيم المقيم في جوار الرب الكريم. لا يخرجون منها ابد الابدين هذا الوعيد انما هو كما ذكرنا لمن احاطت خطيئاته بحسناته. ولا يكون ذلك الا كافرا. فعلى هذا لا يحاسب منتوزن حسناته وسيئاته. فانهم ليس لهم حسنات. ولكن تعد اعمالهم وتحصى. فيوقفون عليها ويقررون بها ويخزون بها واما من معه اصل الايمان. ولكن عظمت سيئاته فرجحت على حسناته. فانه وان دخل النار لا يخلو فيها كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. ثم ذكر تعالى سوء مصير الكافرين فقال وهم فيها كالحون تلفح وجوههم النار اي تغشاهم من جميع جوانبهم حتى تصيب اعضائهم الشريفة. ويتقطع لهبها عن وجوههم قد عبست وجوههم وقلصت شفاههم من شدة ما هم فيه وعظيم ما يلقونه. فيقال لهم توبيخا ولو الم تكن اياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون الم تكن اياتي تتلى عليكم؟ تدعون بها لتؤمنوا وتعرض عليكم لتنظروا فكنتم بها تكذبون ظلما منكم عنادا وهي ايات بينات دالات على الحق والباطل. مبينات للمحق والمبطل. فحينئذ اقروا بظلمهم حيث لا ينفع الاقرار قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا اي غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والاعراض عن الحق والاقبال على ما يضر وترك ما ينفع وكنا قوما ضالين في عملهم. وان كانوا يدرون انهم ظالمون اي فعلنا في الدنيا. فعل التائه الضال السفيه كما قالوا في الاية الاخرى وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير انا منا فان عدنا فانا ظالمون. وهم كاذبون في وعدهم هذا فانهم كما قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. ولم يبق الله لهم حجة بل قطع اعذارهم وعمرهم في الدنيا ما يتذكر فيه لمن تذكر ويرتدع فيه المجرم. فقال الله جوابا لسؤالهم اخسئوا فيها ولا تكلمون. وهذا القول نسأله تعالى العافية. اعظم قول على الاطلاق يسمعه المجيب في التخييب والتوبيخ والذل والخسار. والتأييس من كل خير والبشرى بكل شر. وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم شد عليهم وابلغوا في نكايتهم من عذاب الجحيم. ثم ذكر الحالة التي اوصلتهم الى العذاب وقطعت عنهم الرحمة. فقال انه كان فريق من عباده يقولون ربنا امنا. يقولون ربنا امنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين فجمعوا بين الايمان المقتضي لاعماله الصالحة والدعاء لربهم بالمغفرة والرحمة والتوسل اليه بربوبيته ومنته عليه بالايمان والاخبار بسعة رحمته وعموم احسانه. وفي ضمنه ما يدل على خضوعهم وخشوعهم. وانكسارهم لربهم وفيهم ورجائهم فهؤلاء سادات الناس وفضلاؤهم فاتخذتموهم ايها الكفرة الانذال ناقص العقول والاحلام سخريا تهزؤون بهم وتحتقرونهم حتى اشتغلتم بذلك السفه حتى انسوكم ذكري وهذا الذي اوجب لهم نسيان الذكر اشتغالهم بالاستهزاء بهم كما ان نسيانهم للذكر يحثهم على الاستهزاء. فكل من الامرين يمد الاخر. فهل فوق هذه الجراءة جراءة اني جزيتهم اليوم بما صبروا على طاعتي. وعلى اذاكم حتى وصلوا الي انهم هم الفائزون بالنعيم المقيم. والنج يأتي من الجحيم كما قال في الاية الاخرى فاليوم الذين امنوا من الكفار يضحكون قال لهم على وجه اللوم وانهم سفهاء الاحلام. حيث اكتسبوا في هذه المدة اليسيرة كل شر اوصلهم الى غضبه وعقوبته ولم يكتسبوا ما اكتسبه المؤمنون من الخير الذي يوصلهم الى السعادة الدائمة ورضوان ربهم. كم لبثتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم. كلامهم هذا مبني على استقصارهم جدا لمدة مكثهم في الدنيا افاد ذلك لكنه لا يفيد مقداره ولا يعينه. فلهذا قال اي الضابطين لعدده. واما هم ففي شغل شاغل وعذاب مذهل عن معرفة عدده. فقال لهم ان لبثتم الا قليلا سواء عينتم عدده ام لا لو انكم كنتم تعلمون وانكم الينا لا ترجعون فتعالى الله اي افحسبتم ايها الخلق انما خلقناكم عبثا اي سدى وباطلا. تأكلون وتشربون وتمرحون. وتتمتعون بلذات الدنيا ونترككم لا نأمركم ولا ننهاكم ولا نثيبكم ولا نعاقبكم. ولهذا قال وانكم الينا لا ترجعون لا يخطر هذا ببالكم. فتعالى الله اي تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل. الذي يرجع الى القدح في حكمته الله الملك الحق لا اله الا هو لا اله الا هو رب العرش الكريم. فكونه ملكا للخلق كلهم حقا. في صدقه ووعده ووعيده مألوها معبودا لما له من الكمال. رب العرش العظيم فما دونه من باب اولى يمنع ان يخلقكم عبثا ايوه من دعا مع الله الهة غيره بلا من امره ولا برهان يدل على ما ذهب اليه. وهذا قيد ملازم. فكل من دعا غير الله فليس له برهان على ذلك. بل دلت البراهين على بطلان ما ذهب اليه. فاعرض عنها ظلما وعنادا. فهذا سيقدم على ربه فيجازيه باعماله. ولا ينيله من الفلاح شيئا لانه كافر. فكفرهم منعهم من الفلاح وقل رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين. وقل داعين ان لربك مخلصا له الدين. رب اغفر لنا حتى تنجينا من المكروه. وارحمنا لتوصلنا برحمتك الى كل خير. وانت خير ارحم الراحمين فكل راحم للعبد فالله خير له منه. ارحم بعبده من الوالدة بولدها. وارحم به من نفسه بسم الله الرحمن الرحيم. سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينات اي هذه سورة عظيمة القدر انزلناها رحمة منا بالعباد وحفظناها من كل شيطان وفرضناها اي قدرنا فيها ما قدرنا من الحدود والشهادات وغيرها. وانزلنا فيها ايات بينات اي احكاما جليلة وحكما عظيمة. حين نبين لكم ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ثم شرع في بيان تلك الاحكام المشار اليها فقال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة هذا الحكم في الزاني والزانية فكرين انهما يجلد كل منهما مئة جلدة. واما الثيب فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ان حده الرجم. ونهانا تعالى ان تأخذنا رأفة بهما في دين الله. تمنعنا من اقامة الحد عليهم. سواء رأفة طبيعية او لاجل قرابة او صداقة او غير ذلك وان الايمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من اقامة امر الله. فرحمته حقيقة باقامة حد الله عليه. فنحن وان لجريان القدر عليه. فلا نرحمه من هذا الجانب. وامر تعالى ان يحضر عذاب الزانيين طائفة. اي جماعة من المؤمنين سهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع. وليشاهدوا الحد فعلا فان مشاهدة احكام الشرع بالفعل مما يقوى بها العلم ويستقر بها الفهم ويكون اقرب لاصابة الصواب فلا يزاد فيه ولا ينقص. والله اعلم الزاني لا ينكح الا زانية هذا بيان لرذيلة الزنا. وانه يدنس عرض صاحبه. وعرض من قارنه ومازجه. ما لا يفعله بقية الذنوب اخبر ان الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء الا انثى زانية. تناسب حاله حالها. او مشركة بالله. لا تؤمن ببعث ولا ولا تلتزم امر الله. والزانية كذلك لا ينكحها الا زان او مشرك اي فر ما عليهم ان ينكحوا زانيا او ينكحوا زانية. ومعنى الاية ان من اتصف بالزنا من رجل او امرأة ولم يتب من ذلك ان المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو اما ان لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله. فذاك لا يكون الا مشركا. واما ان يكون ملتزم لحكم الله ورسوله فاقدم على نكاحه مع علمه بزناه. فان هذا النكاح زنا. والناكح زان مسافح. فلو كان مؤمنا لله حقا لم يقدم على ذلك. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب. وكذلك انكاح الزاني حتى يتوب. فان مقارنة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها اشد الاقترانات والازدواجات. وقد قال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم اي قرناء فحرم الله ذلك لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة والحاق الاولاد الذين ليسوا من الزوج. وكون الزاني لا يعفها بسبب لاشتغاله بغيرها مما بعضه كاف للتحريم. وفي هذا دليل ان الزاني ليس مؤمنا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني حين يزني وهو مؤمن فهو وان لم يكن مشركا فلا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الايمان المطلق المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة. ولا تقبلوا لهم لما عظم تعالى امر الزاني بوجوب جلده وكذا ردمه ان كان محصنا. وانه لا تجوز مقارنته ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر. بين تعالى تعظيم على الاعراض بالرمي بالزنا فقال والذين يرمون المحصنات اي النساء الاحرار العفائف. وكذلك الرجال لا فرق بين الامرين والمراد بالرمي الرمي بالزنا بدليل السياق. ثم لم يأتوا على ما رموا به باربعة شهداء. اي رجال عدول يشهدون بذلك صريحا فاجلدوهم ثمانين جلدة. بصوت متوسط يؤلم فيه ولا يبالغ بذلك حتى يترفه. لان القصد تأديب للاتلاف وفي هذا تقدير حد القذف. ولكن بشرط ان يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. واما حذف غير محصن فانه يوجب التعزير ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا. اي لهم عقوبة اخرى. وهي ان شهادة القاذف غير مقبولة. ولو حد على القذف حتى يتوب كما يأتي اي الخارجون عن طاعة الله الذين قد كثر شرهم وذاك الانتهاك ما حرم الله. وانتهاك عرض اخيه وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به. وازالة الاخوة التي الله بين اهل الايمان. ومحبة ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا. وهذا دليل على ان القذف من كبائر الذنوب. وقوله الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم. فالتوبة في هذا الموضع ان يكذب القاذف نفسه ويقر انه كاذب فيما قال وهو واجب عليه ان يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه حيث لم باربعة شهداء فاذا تاب القاذف واصلح عمله بدل اساءته احسانا زال عنه الفسق. وكذلك تقبل شهادته على الصحيح فان الله غفور رحيم. فان الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا. لمن تاب واناب. وانما القاذف اذا لم يأتي باربعة شهداء اذا لم يكن زوجا فاذا كان زوجا فقد ذكر بقوله ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله وانما كانت شهادات الزوج على زوجته دارئة عنه الحد. لان الغالب ان الزوج لا يقدم وعلى رمي زوجته التي يدنسه ما يدنسها الا اذا كان صادقا. ولان له في ذلك حقا. وخوفا من الحاق اولاد ليسوا منه ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره. فقال فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الذين يرمون ازواجهم اي الحرائر للمملوكات ولم يكن لهم على رميهم بذلك شهداء الا انفسهم بان لم يقيموا شهداء على ما رموهم به. سماها انها شهادة لانها نائبة مناب الشهود بان يقول اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميتها به. والخامسة لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. اي يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة. مؤكدا تلك الشهادات من يدعو على نفسه باللعنة ان كان كاذبا. فاذا تم لعانه سقط عنه حد القذف ظاهر الايات. ولو سمى الرجل الذي رماها به فانه يسقط وحقه تبعا لها وهل يقام عليها الحد؟ بمجرد لعان الرجل ونقولها ام تحبس؟ فيه قولان للعلماء الذي يدل عليه الدليل انه يقام عليها الحد بدليل قوله ويدرأ عنها العذاب ان تشهد فلولا ان العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه لم يكن لعانها والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين ويدرأ عنها اي يدفع عنها العذاب اذا قابلت شهادات الزوج بشهادات من جنسها وتزيد في الخامسة مؤكدة لذلك ان تدعو على نفسها بالغضب. فاذا تم اللعان بينهما فرق بينهما الى ابد وانتفى الولد الملاعن عليه وظاهر الايات. يدل على اشتراط هذه الالفاظ عند اللعان. منه ومنها واشتراط الترتيب فيها ولا ينقص منها شيء. ولا يبدل شيء بشيء. وان اللعان مختص بالزوج اذا رمى امرأته. لا بالعكس. وان الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به كما لا يعتبر مع الفراش. وانما يعتبر الشبه حيث لا مرجح الا هو وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام اي لاحل باحد المتلاعنين الكاذب منهما ما دعا به على نفسه. ومن رحمته وفضله ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين شدة الحاجة اليه وان بين لكم شدة الزنا وفظاعته وفظاعة القذف به وان شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم. بل هو خير لكم لما ذكر فيما تقدم تعظيم الرمي بالزنا عموما صار ذلك كانه مقدمة لهذه القصة التي وقعت على اشرف النساء ام المؤمنين رضي الله عنها وهذه الايات نزلت في قصة الافك المشهورة الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها فلم يفقدوها ثم استقل الجيش راحلا وجاءت مكانهم وعلمت انهم اذا فقدوها رجعوا الى اليها فاستمروا في مسيرهم وكان صفوان بن المعطل السلمي من افاضل الصحابة رضي الله عنه. قد عرس في اخريات القوم ونام فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها فاناخ راح راحلته فركبتها من دون ان يكلمها او تكلمه. ثم جاء يقود بها بعدما نزل الجيش في الظهيرة. فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر. مجيء صفوان بها في هذه الحال اشاع ما اشاع ووشى الحديث. وتلقفته الالسن حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين. وصاروا يتناقلون هذا الكلام من حبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة فحزنت حزنا شديدا. فانزل الله تعالى براءتها في هذه الايات. ووعظ الله المؤمنين واعظم ذلك. ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى ان الذين بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم. بل هو خير ان الذين جاءوا بالافك اي الكذب الشنيع وهو رمي ام المؤمنين عصبة منكم اي جماعة منتسبون اليكم يا معشر والمؤمنين منهم المؤمن الصادق في ايمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين ومنهم المنافق. لا تحسبوه شر لما تضمن ذلك تبرئة ام المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها حتى تناول عموم سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولما تضمن من بيان الايات المضطر اليها العباد التي ما زال العمل بها الى يوم القيامة. فكل هذا خير عظيم لولا مقالة اهل الافك لم يحصل ذلك. واذا اراد الله امرا جعل له سببا. ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم واخبر ان قدح بعضهم ببعض كقدح في انفسهم. ففيه ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم. واجتماعهم على مصالحهم كالجسد الواحد والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. فكما انه يكره ان يقدح احد في عرضه. فليكره من كل احد ان يقدح في اخيه المؤمن الذي بمنزلة نفسه وما لم يصل العبد الى هذه الحالة فانه من نقص ايمانه وعدم نصحه كل امرء منهم ما اكتسب من الاثم. وهذا وعيد للذين جاءوا بالافك. وانهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك. وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. والذي تولى كبره اي معظم الافكار والمنافق الخبيث عبدالله بن ابي بن سلول لعنه الله له عذاب عظيم. الا وهو الخلود في الدرك الاسفل من النار. ثم ارشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام. فقال انفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين. ايظا المؤمنون بعضهم ببعض خيرا وهو السلامة مما رموا وان ما معهم من الايمان المعلوم يدفع ما قيل فيه من الافك الباطل. وقالوا بسبب ذلك الظن سبحانك. اي تنزيها لك عن كل سوء. وعن ان تبتلي اصفيائك بالامور الشنيعة. هذا افك مبين. اي كذب كن وبهت من اعظم الاشياء وابينها فهذا من الظن الواجب حين سماع المؤمن عن اخيه المؤمن مثل هذا الكلام وان يبرئه بلسانه ويكذب القائل لذلك اي هلا جاء الرامون على ما رموا به باربعة شهداء اي عدول مرضيين عند الله هم الكاذبون. وان كانوا في انفسهم قد تيقنوا ذلك فانهم كاذبون في حكم الله لان الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون اربعة شهود. ولهذا قال الله هم الكاذبون. ولم يقل فاولئك هم الكاذبون. وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم. بحيث لا يجوز الاقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة بحيث شملكم احسانه فيهما في امر دينكم ودنياكم لمسكم فيما افضتم اي خضتم فيه من شأن الافك عذاب عظيم ذلك بما قلتم. ولكن من فضل الله عليكم ورحمته ان شرع لكم التوبة وجعل العقوبة مطهرة للذنوب كونه بالسنتكم وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم. وتحسبونه هينا اذ تلقونه بالسنتكم اي تلقفونه ويلقيه بعضكم الى بعض وتستوشون حديثه وهو قول باطل. وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم. والامران محظوران. التكلم بالبصر والقول بلا علم. وتحسبونه هينة فلذلك اقدم عليه من اقدم من المؤمنين الذين تابوا منه وتطهروا بعد ذلك وهذا فيه الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها. فان العبد لا يفيده حسبانه شيئا ولا يخفف منه عقوبة الذنب بل يضاعف الذنب ويسهل عليه مواقعته مرة اخرى لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. ولولا اذ سمعتموه اي وهلا اذ ايها المؤمنون كلام اهل الافك. قلتم منكرين لذلك. معظمين لامره. ما يكون لنا ان نتكلم بهذا. اي ما ينبغي لنا وما يليق بنا الكلام بهذا الافك المبين. لان المؤمن يمنعه ايمانه من ارتكاب القبائح هذا بهتان اي كذب عظيم. يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا ان كنتم يعظكم الله ان تعودوا لمثله. اي لنظيره من رمي المؤمنين بالفجور. فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك ونعم المواعظ والنصائح من ربنا فيجب علينا مقابلتها بالقبول والاذعان والتسليم والشكر لله على ما بين لنا ان الله نعم ما يعظكم به. ان كنتم مؤمنين. دل ذلك على ان الايمان الصادق يمنع صاحبه من الاقدام على المحرمات. ويبين الله لكم ايات المشتملة على بيان الاحكام والوعظ والزجر. والترغيب والترهيب يوضحها لكم توضيحا جليا. والله عليم حكيم اي كامل العلم عام الحكمة. فمن علمه وحكمته ان علمكم من علمه. وان كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون. ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة. اي الامور شنيعة مستقبحة مستعظمة فيحبون ان تشتهر الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم اي موجع للقلب والبدن. وذلك لغشه لاخوانه المسلمين ومحبة الشر لهم وجراءته على اعراضهم. فاذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة ان تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب فكيف بما هو اعظم من ذلك؟ من اظهاره ونقله. وسواء كانت الفاحشة صادرة او غير صادرة وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين. وصيانة اعراضهم كما صان دماءهم واموالهم. وامرهم بما يقتضي المصافاة. وان احدهم لاخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه فلذلك علمكم وبين لكم ما تجهلونه ولولا فضل الله عليكم قد احاط بكم من كل جانب ورحمته عليكم ان الله رؤوف رحيم. لما بين لكم هذه الاحكام والمواعظ والحكم الجليلة ولما امهل من خالف امره. ولكن فضله ورحمته وان ذلك وصفه اللازم اثر لكم من الخير الدنيوي والاخروي ما لم تحصوه او تعدوه. ولما نهى عن هذا الذنب نهى عن الذنوب عموما فقال فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا. ولكن الله يزكي والله سميع عليم. يا ايها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان اي طرقه ووساوسه وخطوات الشيطان. يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى ان ما الحكم وهو النهي عن اتباع خطوات الشيطان؟ والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه من الشر المقتضي والداعي لتركه. فقال فان انه اي الشيطان يأمر بالفحشاء اي ما تستفحشه العقول والشرائع من الذنوب العظيمة مع ميل بعض النفوس اليه والمنكر هو من تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان لا تخرج عن ذلك. فنهي الله عنها للعباد نعمة منه عليهم ان يشكروا ويذكروه لان ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح. فمن احسانه عليهم ان نهاهم عنها كما نهاهم عن اكل السموم ومن قاتلة ونحوها اي ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان. لان الشيطان يسعه جنده في الدعوة اليها وتحسينها. والنفس ميالة الى السوء. اما به والنقص مستول على العبد من جميع جهاته. والايمان غير قوي. فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى احد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات. فان الزكاة يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته اوجب ان يتزكى منكم من تزكى وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. ولهذا قال ولكن الله يزكي من يشاء. من يعلم منه انه يزكى بالتزكية. ولهذا قال الا تحبون ان يغفر الله لكم ولا يأتل اي لا يحلف اولو الفضل منكم والسعة. كان من جملة الخائضين في الافك مسطح ابن اثاثة وهو قريب لابي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله. فحلف ابو بكر الا ينفق عليه لقوله الذي قال فنزلت هذه الاية ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه ويحثه على العفو والصفح بمغفرة الله ان غفر له فقال الا تحبون ان يغفر الله لكم اذا عاملتم عبيده بالعفو والصفح عاملكم بذلك. فقال ابو بكر لما سمع هذه الاية بلى والله اني ان يغفر الله لي فرجع النفقة الى مسطح. وفي هذه الاية دليل على النفقة على القريب. وانه لا تترك النفقة والاحسان بمعصية الانسان والحث على العفو والصفح. ولو جرى عليه ما جرى من اهل الجرائم. ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة. لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم. ان الذين يرمون المحصنات اي العفائف عن الفجور. الغافلات التي لم يخطر ذلك بقلوبهن المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة. واللعنة لا تكون الا على ذنب كبير. واكد اللعنة بان انها متواصلة عليهم في الدارين. وهذا زيادة على اللعنة. ابعدهم عن رحمته واحل بهم شدة نقمته. وذلك العذاب يوم القيامة فكل جارحة تشهد عليهم بما عملت ينطقها الذي انطق كل شيء فلا يمكنه الانكار ولقد عدل في العباد من جعل شهودهم من انفسهم يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق اي جزاءهم على اعمالهم الجزاء الحق الذي بالعدل والقسط يجدون جزاءها موفرا لم يفقدوا منها شيئا. ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب الى يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا. ويعلمون في ذلك الموقف العظيم ان الله هو الحق المبين. فيعلمون انحسار الحق المبين في الله تعالى. فاوصافه العظيمة حق وافعاله هي الحق هي الحق ولقاؤه حق. ووعده ووعيده وحكمه الديني والجزائي حق. ورسله حق فلا ثم حق. الا افي الله وما من الله اولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات اي كل خبيث من الرجال والنساء والكلمات والافعال مناسب للخبيث وموافق له ومقترن به ومشاكل له. وكل طيب من الرجال النساء والكلمات والافعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به ومشاكل له. فهذه كلمة عامة وحصر لا يخرج منه شيء من اعظم مفرداته ان الانبياء خصوصا اولي العزم منهم خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو افضل الطيبين من الخلق على الاطلاق. لا يناسبهم الا كل طيب من النساء. فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الامر قد في النبي صلى الله عليه وسلم وهو المقصود بهذا الافك من قصد المنافقين ومجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يعلم انها لا تكون الا طيبة طاهرة من هذا الامر القبيح. فكيف وهي هي صديقة النساء؟ وافضلهن واعلمهن واطيبهن حبيبة رسول رب العالمين التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ثم صرح بذلك بحيث لا يبقي مبطل مقال ولا لشك وشبهة مجالا فقال اولئك مبرءون من ما والاشارة الى عائشة رضي الله عنها اصلا وللمؤمنات المحسنات قناة الغافلات تبع لهم مغفرة تستغرق الذنوب ورزق كريم في الجنة. صادر من الرب الكريم بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها. ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. يرشد الباري عباده المؤمنين الا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان. فان ان في ذلك عدة مفاسد منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال انما جعل الاستئذان من اجل البصر فبسبب يقع البصر على العورات التي داخل البيوت. فان البيت للانسان في ستر عورة ما وراءه بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده ومنها ان ذلك يوجب الريبة من الداخل ويتهم بالشر سرقة او غيرها. لان الدخول خفية يدل على الشر. ومنع الله من دخول غير بيوتهم حتى يستأنسوا. اي يستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا. لانه به يحصل الاستئناس. وبعدمه تحصل وحشة وتسلم على اهلها وصفة ذلك ما جاء في الحديث السلام عليكم اادخل ذلكم خير لكم ذلكم اي الاستئذان المذكور خير لكم لعلكم تذكرون. لاشتماله على عدة مصالح وهو من مكارم الاخلاق الواجبة. فان اذن دخل المستأذن. فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وان قيل لكم ارجعوا فارجعوه وازكى لكم والله بما تعملون عليم اي فلا تمتنعوا من الرجوع ولا تغضبوا منه فان صاحب المنزل لم يمنعكم حقا واجبا لكم وانما هو متبرع فان شاء اذن او منع فانتم لا يأخذ احدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال. هو ازكى لكم اي اشد لتطهيركم من السيئات. وتنميتكم بالحسنات. فيجازي كل عامل بعمله من كثرة وقلة وحسن وعزم هذا الحكم في البيوت المسكونة سواء كان فيها متاع للانسان ام لا. وفي البيوت غير المسكونة التي لا متاع فيها للانسان واما البيوت التي ليس فيها اهلها وفيها متاع الانسان المحتاج للدخول اليه. وليس فيها احد يتمكن من استئذانه. وذلك كبيوت وغيرها فقد ذكرها بقوله فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون. ليس عليكم جناح اي حرج واثم على ان الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة انه محرم. وفيه حرج ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم وهذا من احترازات القرآن العجيبة. فان قوله لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم. لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للانسان اخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه. وفيها متاعه وليس فيها ساكن. فاسقط الحرج في الدخول اليها احوالكم الظاهرة والخفية وعلم مصالحكم. فلذلك شرع لكم ما تحتاجون اليه اليه وتضطرون من الاحكام الشرعية بك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون اي ارشد المؤمنين وقل لهم الذين معهم ايمان يمنعهم من وقوع ما يخل بالايمان يغضوا من ابصارهم عن النظر الى العورات والى النساء الاجنبيات والى المردان الذين يخافوا اليهم الفتنة والى زينة الدنيا التي تفتن وتوقع في المحظور. ويحفظوا فروجهم عن الوطء الحرام. في قبل او دبر او ما دون ذلك وعن التمكين من مسها والنظر اليها ذلك الحفظ للابصار والفروج ازكى لهم اطهر واطيب وانى لاعمالهم. فان من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبث الذي يتدنس به اهل الفواحش. وزكت اعماله بسبب ترك المحرم الذي تطمع اليه النفس وتدعو اليه. فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومن غض بصره عن المحرم انار الله بصيرته. ولان العبد اذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدمه مع داعي الشهوة كان حفظه لغيره ابلغ. ولهذا سماه الله حفظا. فالشيء المحفوظ ان لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه وعمل الاسباب الموجبة لحفظه لم ينحفظ. كذلك البصر والفرج ان لم يجتهد العبد في حفظهما اوقعاه في بلايا ومحن وتأمل كيف امر بحفظ الفرج مطلقا؟ لانه لا يباح في حالة من الاحوال. واما البصر فقال يغضوا من ابصارهم اتى باداة من الدالة على التبعيض. فانه يجوز النظر في بعض الاحوال لحاجة. كنظر الشاهد والعامل والخاطب. ونحو ذلك ثم ذكرهم بعلمه باعمالهم ليجتهدوا في حفظ انفسهم من المحرمات. لما امر المؤمنين بغض الابصار وحفظ الفروج امر بذلك فقال وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن عن النظر الى العورات والرجال بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع. ويحفظن فروجهن من التمكين من جماعها او مسها او نظر المحرم اليها فيبدين زينتهن كالثياب الجميلة والحلي. وجميع البدن كله من الزينة. ولما كانت الثياب الظاهرة لابد لها منها قال الا ما ظهر منها. اي الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها اذا لم يكن في ذلك ما يدعو الى الفتنة بها وليضربن بخمورهن على جيوبهن وهذا لكمال الاستتار. ويدل ذلك على ان الزينة التي يحرم ابداؤها يدخل فيها جميع البدن كما ذكرنا ثم كرر النهي عن ابداء زينتهن ليستثني منه قوله الا لبعولتهن اي ازواجهن او ابائهن او اباء بعولتهن يشمل الاب بنفسه والجد وان علا او ابنائهن او ابناء بعولتهن. ويدخل فيه الابناء وابناء بعولة مهما نزلوا او اخوانهن او بني اخوانهن اشقاء او لاب او لام او نسائهن او ما ملكت ايمانهن او بني اخواتهن او نسائهن اي يجوز للنساء ان ينظر بعضهن الى بعض مطلقا. ويحتمل ان الاظافة تقتضي الجنسية. اي النساء المسلمات اللاتي من جنسكم. ففيه دليل لمن قال ان المسلمة لا يجوز ان تنظر اليها الذمية. او ما ملكت ايمانهن. او ما ملكت ايمانهن. فيجوز المملوك اذا كان كله للانثى ان ينظر لسيدته ما دامت مالكة له كله. فانزال الملك او بعضه لم يجز النظر آآ او التابعين غير اولي الاربدة من الرجال اي او الذين يتبعونكم ويتعلقون بكم من الرجال الذين لا اربة لهم في هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك. وكالعنين الذي لم يبقى له شهوة لا في فرجه ولا في قلبه. فان هذا لا محظور من نظره الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء. اي الاطفال الذين دون التمييز فانه يجوز نظرهم للنساء الاجانب. وعلل تعالى ذلك بانهم لم يظهروا على عورات النساء. اي ليس لهم علم بذلك ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا ان المميز تستتر منه المرأة لانه يظهر على عورات النساء فما يخفين من زينتهن اي لا يضربن الارض بارجلهن ليصوت ما عليهن من حلي كخلاخل وغيرها فتعلم زينتها بسببه فيكون وسيلة الى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه قاعدة سد الذرائع. وان الامر اذا كان مباحا لكنه يفضي الى محرم او يخاف من وقوعه فانه يمنع منه. فالضرب بالرجل في الارض. الاصل انه مباح ولكن لما كان وسيلة لعلم منع منه ولما امر تعالى بهذه الاوامر الحسنة ووصى بالوصايا المستحسنة وكان لابد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك امر الله تعالى بالتوبة فقال وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون لان المؤمن يدعوه ايمانه الى التوبة. ثم علق على ذلك الفلاح فقال فلا سبيل الى الفلاح الا بالتوبة. وهي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا. الى ما يحبه ظاهرا وباطنا. ودل هذا ان كل مؤمن محتاج الى التوبة. لان الله خاطب المؤمنين جميعا. وفيه الحث على الاخلاص بالتوبة في قوله. وتوبوا الى الله اي لا لمقصد غير وجهه من سلامة من افات الدنيا او رياء وسمعة او نحو ذلك من المقاصد الفاسدة والله واسع عليم. يأمر تعالى الاولياء والاسياد في انكاح من تحت ولايتهم من الايامى وهم من لا ازواج لهم من رجال ونساء ثيب وابكار. فيجب على القريب وولي اليتيم ان يزوج من يحتاج للزواج ممن تجب نفقته عليه. واذا كانوا مأمورين بانكاح من تحت ايديهم كان امرهم بالنكاح بانفسهم من باب اولى يحتمل ان المراد بالصالحين صلاح الدين. وان الصالح من العبيد والايمان وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا. مأمور سيده بانكاحه جزاء له على صلاحه وترغيبا له فيه. ولان الفاسد بالزنا منهي عن تزوجه. فيكون مؤيدا للمذكور في اول السورة. ان يا حزاني والزانية محرم حتى يتوب. ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والاماء دون الاحرار. لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة ان المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون اليه من العبيد والاماء. يؤيد هذا المعنى ان السيد غير مأمور بتزويد مملوكة قبل حاجته الى الزواج. ولا يبعد ارادة المعنيين كليهما. والله اعلم. وقوله يغنهم الله من فضله. ان يكونوا فقراء اي الازواج والمتزوجين. يغنيهم اللهم من فضله فلا يمنعكم ما تتوهمون من انه اذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه. وفيه حث على التزوج ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. والله واسع عليم. والله واسع كثير الخير عظيم الفضل. عليم بمن يستحق الديني والدنيوي او احدهما ممن لا يستحق فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه هذا حكم العاجز عن النكاح. امره الله ان يستعفف ان يكف عن محرم ويفعل الاسباب التي تكفه عنه. من صرف دواعي قلبه بالافكار التي تخطر بايقاعه فيه. ويفعل ايضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء وقوله الذين لا يجدون نكاحا اي لا يقدرون نكاحا. اما لفقرهم او فقر اوليائهم واسيادهم. او امتناعهم من تزويجهم وليس لهم من قدرة على اجبارهم على ذلك. وهذا التقدير احسن من تقدير من قدر. لا يجدون مهر نكاح. وجعلوا مضاف اليه نائبا مناب المضاف. فان في ذلك محذورين احدهما الحذف في الكلام والاصل عدم الحذف. والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان. حالة غنى بماله وحالة عدم. فيخرج العبيد والاماء من انكاحه على وليه كما ذكرنا وعد للمستعفف ان الله سيغنيه وييسر له امره وامر له الفرج لان لا يشق عليه ما هو فيه. وقوله اي من ابتغى وطلب منكم الكتابة وان يشتري نفسه من عبيد واماء فاجب الى ما طلب وكاتبوه ان علمتم فيهم اي في الطالبين للكتابة خيرا. اي قدرة على التكسب وصلاحا في ولان في الكتابة تحصيل المصلحتين مصلحة العتق والحرية ومصلحة العوظ الذي يبذله في فداء نفسه. وربما جد واجتهد وادرك لسيده في مدة الكتابة من المال ما لا يحصل في رقه فلا يكون ضرر على السيد في كتابته مع حصول عظيم المنفعة يلعب فلذلك امر الله بالكتابة على هذا الوجه امر ايجاب كما هو الظاهر او امر استحباب على القول الاخر وامر بمعاونة على كتابتهم لكونهم محتاجين لذلك بسبب انهم لا مال لهم. فقال واتوهم من مال الله الذي اتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردنا تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا واتوهم من مال الله الذي اتاكم يدخل في ذلك امر سيده الذي كتبه ان يعطيه من كتابته او يسقطه عنه منها وامر الناس بمعونتهم. ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة ورغب في اعطائه بقوله من مال الله الذي اتاكم اي فكما ان المال مال الله وانما الذي بايديكم عطية من الله لكم ومحض منة فاحسنوا لعباد الله كما احسن الله اليكم ومفهوم الاية الكريمة ان العبد اذا لم يطلب الكتابة لا يؤمر سيده ان يبتدأ بكتابته وانه اذا لم يعلم منه خيرا كأن علم منه عكسه اما انه يعلم انه لا كسب له فيكون بسبب ذلك كلا على الناس ضائعا. واما ان يخاف اذا عتق وصار في حرية نفسه ان يتمكن من الفساد فهذا لا يؤمر بكتابته. بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور. ثم قال تعالى اكرهوا فتياتكم على البراء ان اردنا تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا. ولا تكرم فتياتكم اي امائكم على البغاء اي ان تكون زانية. ان اردن تحصنا لانه لا يتصور اكراهها الا بهذه الحال واما اذا لم ترد تحصنا فانها تكون بغيا. يجب على سيدها منعها من ذلك. وانما هذا نهي لما كانوا يستعملونه في الجاهلية من كون السيد يجبر امته على البغاء ليأخذ منها اجرة ذلك. ولهذا قال فلا يليق بكم ان تكون اماؤكم خيرا منكم واعف عن الزنا. وانتم تفعلون بهن ذلك لاجل عرض الحياة. متاع قليل يعرض ثم يزول فكسبكم النزاهة والنظافة والمروءة بقطع النظر عن ثواب الاخرة وعقابها افضل من كسبكم العرض قليل الذي يكسبكم الرذالة والخسة. ثم دعا من جرى منه الاكراه الى التوبة. فقال ومن يكرههن فان ان الله من بعد اكراههن غفور رحيم. فليتب الى الله وليقلع عما صدر منه مما فاذا فعل ذلك غفر الله ذنوبه ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من العذاب. وكما رحم امته بعدم اكراهها على ما يضرها هذا تعظيم وتفخيم لهذه الايات التي تلاها على عباده ليعرفوا قدرها ويقوموا بحقها. فقال ولقد انزلنا اليكم ايات مبينات اي واضحات الدلالة على كل في امر تحتاجون اليه من الاصول والفروع بحيث لا يبقى فيها اشكال ولا شبهة. وانزلنا اليكم ايضا مثلا من الذين خلوا من قبلكم من اخبار الاولين الصالح منهم والطالح وصفة اعمالهم وما جرى لهم وما جرى عليهم. تعتبرونه مثالا ومعتبر لمن فعل مثل افعالهم ان يجازى مثل ما جوز وموعظة للمتقين. اي وانزلنا اليكم موعظة للمتقين. من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب. يتعظ بها المتقون فينكفون عما يكرهه الله الى ما يحبه الله السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة يوقد من شجرة مباركة زيتونة اللا شرقية ولا غربية ولا غربية يكاد زيتها يضيء نور على نور نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. نور على نور يهدي الله بنوره من يشاء. ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم الله نور السماوات والارض الحسي والمعنوي وذلك انه تعالى بذاته نور وحجابه الذي لولا لطفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه نور وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر والنور وبه استنوا الجنة وكذلك النور المعنوي يرجع الى الله. فكتابه نور وشرعه نور. والايمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات. ولهذا كل محل يفقد نوره. فثم الظلمة والحصر مصباح. مثل نوره الذي يهدي اليه وهو نور الايمان والقرآن في قلوب المؤمنين كمشكاة اي قوة فيها مسباح. لان القوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك المصباح في زجاجة الزجاجة من صفائها وبهائها كانها كوكب دري. اي مضيء اضاءة الدر. يوقد ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الذرية ولا غربية. من شجرة مباركة زيتونة. اي يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من انور ما يكون. لا شرقية فقط فلا تصيبها الشمس اخرا النهار ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس اول النهار. واذا انتفى عنها الامران كانت متوسطة من الارض. كزيتون الشام تصيبها الشمس اول النهار واخرها. فتحزن وتطيب ويكون اصفال زيتها. ولهذا قال يكاد زيتها من صفائه يضيء ولو لم تمسسه نار فاذا مسته النار اضاء اضاءة بليغة. اي نور النار ونور الزيت ووجه هذا للذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن ونور الله في قلبه ان فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصافي ففطرته صافية مستعدة للتعاليم الالهية والعمل المشروع. فاذا وصل اليه العلم والايمان اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة اشتعال النار فيه فتيلة ذلك المصباح وهو صافي القلب من سوء القصد وسوء الفهم عن الله. اذا وصل اليه الايمان اضاء اضاءة عظيمة لصفائه من وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية فيجتمع له نور الفطرة ونور الايمان ونور العلم. وصفاء المعرفة نور على نور ولما كان هذا من نور الله تعالى وليس كل احد يصلح له ذلك. قال يشاء ممن يعلم زكاءه وطهارته. وانه يزكو معه وينمو. ويضرب الله الامثال الناس والله بكل شيء عليم. ويضرب الله الامثال للناس ليعقلوا عنه ويفهموا لطفا منه بهم احسانا اليهم وليتضح الحق من الباطل. فان الامثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة. فيعلمها العباد علما واضحا الله بكل شيء عليم. فعلمه محيط بجميع الاشياء. فلتعلموا ان ضربه الامثال ضرب من يعلم حقائق الاشياء وتفاصيلها وانها مصلحة للعباد. فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها لا بالاعتراض عليها ولا بمعارضتها فانه يعلم وانتم لا تعلمون. ولما كان نور الايمان والقرآن اكثر وقوع اسبابه في المساجد. ذكرها منوها بها فقط قال في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه. يسبح له فيها بالغدو ان يتعبدوا لله في بيوت عظيمة فاضلة هي احب البقاع اليه وهي المساجد. اذن الله اي امر ووصى ان ترفع ويذكر فيها اسمه. هذان مجموع احكام المساجد. فيدخل في رفعها بناؤها وتنظيفها من النجاسة والاذى. وصونها عن المجانين والصبيان. الذين لا يتحرزون عن النجاسة وعن الكافر. وان تصان عن يغوي فيها ورفع الاصوات بغير ذكر الله. يدخل في ذلك الصلاة كلها فرضها ونفلها وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل وغيره من انواع الذكر. وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والاعتكاف. وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد. ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين. عمارة بنيان وصيانة لها. وعمارة بذكر اسم الله من الصلاة وغيرها. وهذا اشرف القسمين. ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد. وجوبا عند اكثر العلماء او استحبابا عند اخرين ثم مدح تعالى عمارها بالعبادة فقال رجال يسبح له اخلاصا بالغدو اول النهار والاصال اخره رجال خص هذين الوقتين فيهما ولتيسر السير فيهما الى الله وسهولته. ويدخل في ذلك التسبيح في الصلاة وغيرها. ولهذا شرعت اذكار الصباح والمساء واورادهما عند الصباح والمساء. اي يسبح فيها لله رجال واي رجال ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا ذات لذات ولا تجارة ومكاسب مشغلة عنه. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر لله واقام الصلاة واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار تلهيهم تجارة وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوظ. فيكون قوله ولا بيع من باب عطف الخاص على العام. لكثرة الاشتغال على غيره فهؤلاء الرجال وان اتجروا وباعوا واشتروا فان ذلك لمحذور فيه لكنه لا تلهيهم تلك بان يقدموها على ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة. بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم. ونهاية مقصدهم. فما حال بينهم ثم بينها رفضوه. ولما كان ترك الدنيا شديدا على اكثر النفوس. وحب المكاسب بانواع التجارات محبوبا لها. ويشق عليها تركه في الغالب وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك. ذكر ما يدعوها الى ذلك ترغيبا وترهيبا. فقال من شدة هوله وازعاجه للقلوب والابدان فلذلك خافوا ذلك اليوم فسهل عليهم العمل وترك ما يشغل عنه تزيدهم من فضله. والله يرزق من يشاء ليجزيهم الله احسن ما عملوا. والمراد باحسن ما عملوا. اعمالهم الحسنة الصالحة لانها احسن ما عملوا. لانهم يعملون المباحات وغيرها. فالثواب لا يكون الا على العمل الحسن. كقوله تعالى ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. ويزيدهم من فضله زيادة كثيرة عن الجزاء المقابل لاعمالهم والله يرزق من يشاء بغير حساب بل يعطيه من الاجر ما لا يبلغه عمله. بل ولا تبلغه امنيته. ويعطيه من الاجر بلا عد ولا كيل. وهذا كناية عن كثرته جدا والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن حتى اذا والله سريع الحساب او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور هذان مثلا ضربهم الله لاعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى. وتحسر عامليها منها. فقال والذي كفروا بربهم وكذبوا رسله. اعمالهم كسراب بقيعة اي بقاع لا شجر فيه ولا نبت. يحسبه الظمآن ماء العطش الذي يتوهم ما لا يتوهم غيره بسبب ما معه من العطش وهذا حسبان باطل فيقصده ليزيل ظمأه ووجد الله عنده فوفاه حسابه. حتى اذا جاءه لم يجده شيئا فندم ندما شديدا وازداد ما به من الظمأ. بسبب انقطاع رجاءه. كذلك اعمال الكفار منزلة السراب ترى ويظنها الجاهل الذي لا يدري الامور اعمالا نافعة فيغره صورتها ويخلبه خيالها ويحسبها هو ايضا اعمالا نافعة لهواه. وهو ايضا محتاج اليها بل مضطر اليها. كاحتياج الظمآن للماء. حتى اذا قدم على اعماله اله يوم الجزاء وجدها ضائعة ولم يجدها شيئا. والحال انه لم يذهب لا له ولا عليه. بل وجد الله عنده فوفى حسابه. لم يخفى عليه من عمله نقير ولا قطمير. ولن يعدم منه قليلا ولا كثيرا. فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد فانه لا بد من اتيانه. ومثل الله بالسراب الذي بقيعه اي لا شجر فيه ولا نبات. وهذا مثال لقلوبهم لا خير فيها ولا بر. فتزكو فيها الاعمال السبب المانع وهو الكفر. والمثل الثاني لبطلان اعمال الكفار. او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها. ومن لم يجعل الله له نورا ما له من نور. كظلمات في بحر لجي بعيد قعره. طويل مداه. يغشاه موج من فوقه موت من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض. ظلمة البحر اللجي. ثم فوقه ظلمة الامواج المتراكمة. ثم فوق ذلك ظلمة السحب المدلهمة ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم فاشتدت الظلمة جدا بحيث ان الكائن في تلك الحال اذا اخرج يده لم يكد يراها. اذا اخرج يده لم يكد يراها. مع قربها اليه فكيف بغيرها؟ كذلك تراكمت على قلوبهم الظلمات. ظلمة الطبيعة التي لا خير فيها. وفوقها ظلمة الكفر وفوق ذلك ظلمة الجهل فوق ذلك ظلمة الاعمال الصادرة عما ذكر. فبقوا في الظلمة متحيرين وفي غمرتهم يعمهون. وعن الصراط المستقيم مدبرين وفي طرق الغي والضلال يترددون. وهذا لان الله تعالى خذلهم فلم يعطهم من نوره لان نفسه ظالمة جاهلة فليس فيها من الخير والنور الا ما اعطاه مولاها ومنحها ربها احتمل ان هذين المثالين لاعمال جميع الكفار كل منهما منطبق عليها وعددهم لتعدد الاوصاف يحتمل ان كل مثال لطائفة وفرقة. فالاول للمتبوعين والثاني للتابعين. والله اعلم اوفات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ينبه تعالى عباده على عظمته. وكمال سلطانه وافتقار جميع المخلوقات له في ربوبيتها وعبادتها فقال الم ترى ان الله يسبح له من في السماوات والارض من حيوان وجماد. والطير صافات اي صافات اجنحتها في جو السماء تسبح ربها كل من هذه المخلوقات قد علم صلاته وتسبيحه. اي كل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به. وقد الهمه الله تلك الصلاة والتسبيح. اما بواسطة الرسل كالجن والانس والملائكة واما بالهام منه تعالى. كسائر المخلوقات غير ذلك وهذا الاحتمال ارجح بدليل قوله. اي علم جميع افعالها فلم يخفى عليه منها شيء سيجازيهم بذلك. فيكون على هذا قد جمع بين علمه باعمالها. وذلك بتعليمه. وبين علمه باعمالهم المتضمن للجزاء. ويحتمل ان الضمير في قوله قد علم صلاته وتسبيحه يعود الى الله. وان الله تعالى قد عباداتهم وان لم تعلموا ايها العباد منها الا ما اطلعكم الله عليه. وهذه الاية كقوله تعالى تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا. فلما بين عبوديتهم وافتقارهم اليه من جهة العبادة والتوحيد بين افتقارهم من جهة الملك والتربية والتدبير. فقال ملك السماوات والارض والى الله المصير. ولله ملك السماوات والارض خالقهما ورازقهما والمتصرف فيهما في حكمه الشرعي والقدري في هذه الدار وفي حكمه الجزائي بدار القرار بدليل قوله الى الله المصير. اي مرجع الخلق ومآلهم ليجازيهم باعمالهم الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد يكاد اي الم تشاهد ببصرك عظيم قدرة الله وكيف يزجي اي يسوق سحابك قطعا متفرقة ثم يؤلف بين تلك القطع فيجعله سحابا متراكما مثل الجبال. فترى الودق اي الوابل والمطر يخرج من خلال السحاب نقطا متفرقة ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر. فتمتلئ بذلك الغدران وتتدفق الخلجان وتسهيل الاودية وتنبت الارض من كل زوج كريم. وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه. فيصيب به بحسب ما اقتضاه حكمه القدري وحكمته التي يحمد عليها يكاد سنا برقه اي يكاد ضوء برق ذلك السحاب من شدته يذهب بالابصار. اليس الذي وساقها لعباده المفتقرين. وانزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر. كامل القدرة نافذ المشيئة. واسع الرحمان يقلب الله الليل والنهار. ان في ذلك لعبرة لاولي الادب يقلب الله الليل والنهار من حر الى برد ومن برد الى حر من ليل الى نهار ونهار الى ويزيل الايام بين عباده. اي والبصائر والعقول النافذة للامور المطلوبة منها. كما تنفذ الابصار الى الامور المشاهدة الحسية. فالبصير ينظر الى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما اريد بها ومنها. والمعرض الجاهل نظره اليها نظر غفلة. بمنزلة نظر البهائم والله خلق كل فمنهم من يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شيء قدير ينبه عباده على ما يشاهدونه انه خلق جميع الدوابل التي على وجه الارض من ماء اي مادتها كلها الماء كما قال تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي. فالحيوانات التي تتوالد مادتها ماء نطفة. حين يلقح الذكر الانثى. والحيوانات التي تتولد من الارض لا تتولد الا من الرطوبات المائية كالحشرات لا يوجد منها شيء يتولد من غير ماء ابدا. فالمادة واحدة ان الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة فمنهم من يمشي على بطنه كالحية ونحوها ومنهم من يمشي على رجليه كالادميين وكثير من الطيور. ومنهم من يمشي على اربع كبهيمة الانعام ونحوها. فاختلافها مع ان الاصل واحد يدل على نفوذ مشيئة الله وعموم قدرته. ولهذا قال اي من من المخلوقات على ما يشاؤه من الصفات. كما انزل المطر على الارض وهو لقاح واحد والام واحدة وهي الارض. والاولاد مختلف الاصناف والاوصاف. وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان. يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل. ان في ذلك لاية لقوم يعقلون اي لقد رحمنا عبادنا وانزلنا اليهم ايات بينات اي واضحات الدلالة على جميع المقاصد الشرعية والاداب المحمودة والمعارف الرشيدة. فاتضحت بذلك السبل. وتبين الرشد من الغي والهدى من الضلال فلم يبق ادنى شبهة لمبطل يتعلق بها ولا ادنى اشكال لمريدي الصواب لانها تنزيل من كمل علمه وكملت رحمته وكمل بيانه فليس بعد بيانه بيان ليهلك بعد ذلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. والله يهدي من يشاء ممن سبقت لهم السابقة الحسنى وقدم الصدق. اي طريق واضح مختصر. موصل اليه والى دار كرامته متضمن العلم بالحق وايثاره والعمل به. عمم البيان التام لجميع الخلق وخصص بالهداية من يشاء. فهذا فضله احسانه وما فضل الكريم بممنون وذاك عدله وقطع الحجة للمحتج. والله اعلم حيث يجعل مواقع احسانه يخبر تعالى عن حالة الظالمين ممن في قلبه مرض وضعف ايمان او نفاق ريب وضعف علم انهم يقولون بالسنتهم ويلتزمون الايمان بالله والطاعة. ثم لا يقومون بما قالوا. ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما بدليل قوله وهم معرضون. فان المتولي قد يكون له نية عود ورجوع الى ما تولى عنه هذا المتولي معرض لا التفات له ولا نظر لما تولى عنه. وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الايمان والطاعة لله وهو ضعيف الايمان. تجده لا يقوم بكثير من العبادات. خصوصا العبادات التي تشق على كثير من النفوس. كالزكوات والنفقات الواجبة والمستحبة والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك واذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم اي اذا صار بينهم وبين الحكومة وادعوا الى حكم الله ورسوله. يريدون احكام الجاهلية يفضلون احكام القوانين غير الشرعية على الاحكام الشرعية. لعلمهم ان الحق عليهم وان الشرع لا يحكم الا بما يطابق الواقع وان يكن لهم الحق يأتوا اليه اي الى حكم الشرع مذعنين وليس ذلك لاجل انه حكم شرعي. وانما ذلك لاجل موافقته اهواءهم. فليسوا ممدوحين في هذه الحال. ولو اتوا اليه مذعنين لان العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحب ويكره وفيما يسره ويحزنه. واما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه وينبذه عند مخالفته ويقدم الهوى على الشرع فليس بعبد على الحقيقة. قال الله في لومهم على الاعراض عن الحكم الشرعي افي قلوبهم مرض اي علة اخرجت القلب عن صحته وازالت حاسته فصار بمنزلة المريض الذي يعرض عما ينفعه ويقبل على ما يضره. ام ارتابوا اي شكوا وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله. واتهموا انه لا يحكم بالحق ام يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله ان يحكم عليهم حكما ظالما جائرا وانما هذا وصفهم واما حكم الله ورسوله ففي غاية العدالة والقسط وموافقة الحكمة ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وفي هذه الايات دليل على ان الايمان ليس هو مجرد القول. حتى يقترن في العمل ولهذا نفى الايمان عمن تولى عن الطاعة ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال. وان من ينقد له دل على مرض في قلبه وريب في ايمانه وانه يحرم اساءة الظن باحكام الشريعة. وان يظن بها خلاف العدل والحكمة. ولما ذكر حالة المعرضين عن الشرعي ذكر حالة المؤمنين الممدوحين فقال انما كان قول المؤمنين اذا رسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك اي انما كان قول المؤمنين حقيقة الذين صدقوا ايمانهم باعمالهم حين يدعون الى الله ورسوله ليحكم بينهم. سواء وافق اهواءهم او خالفها ان يقولوا سمعنا واطعنا. اي سمعنا حكم الله ورسوله واجبنا من دعانا اليه واطعنا طاعة تامة سالمة من الحرج واولئك هم المفلحون. حصر الفلاح فيهم لان الفلاح الفوز بالمطلوب والنجاح اتى من المكروه ولا يفلح الا من حكم الله ورسوله. واطاع الله ورسوله. ولما ذكر فضل الطاعة في الحكم خصوصا ذكر فضلها اعموم في جميع الاحوال فقال ومن يطع الله ورسوله فيصدق خبرهما يمتثل امرهما ويخشى الله اي يخافه خوفا مقرونا بمعرفة فيترك ما نهى عنه ويكف نفسه عما تهوى ولهذا قال ويتقه بترك المحظور. لان التقوى عند الاطلاق يدخل فيها فعل المأمور وترك المنهي عنه. وعند اقترانها البر او الطاعة كما في هذا الموضع تفسر بتوقي عذاب الله وترك معاصيه فاولئك الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله وخشية الله وتقواه هم الفائزون بنجاتهم من العذاب. لتركهم اسبابه ووصولهم الى الثواب لفعلهم اسبابه. فالفوز محصور فيهم. واما من لم يتصف بوصفهم فانه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الاوصاف الحميدة. واشتملت هذه الاية على الحق المشترك بين الله وبين رسوله وهو الطاعة المستلزمة للايمان والحق المختص بالله وهو الخشية والتقوى. وبقي الحق الثالث المختص بالرسول وهو التعزير والتوقير كما جمع بين الحقوق الثلاثة في سورة الفتح في قوله لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتسبحوه بكرة واصيلا واقسموا بالله جهد ايمانهم لان امرتهم ليخرجن الا تقسموا طاعة معروفة ان الله خبير بما تعملون يخبر تعالى عن حالة المتخلفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد من المنافقين. ومن في قلوبهم مرض وضعف ايمان. انهم يقسمون بالله ان امرتهم فيما يستقبل او لان نصصت عليهم حين خرجت ليخرجن. والمعنى الاول اولى. قال الله ردا عليهم تقسموا طاعة معروفة. قل لا تقسموا اي لا نحتاج الى اقسامكم ولا الى اعذاركم. فان الله قد نبأنا من وطاعتكم معروفة لا تخفى علينا. قد كنا نعرف منكم التثاقل والكسل من غير عذر. فلا وجه لعذركم وقسمكم انما يحتاج الى ذلك من كان امره محتملا وحاله مشتبهة. فهذا ربما يفيده العذر براءة. واما انتم فكلا ولما وانما ينتظر بكم ويخاف عليكم حلول بأس الله ونقمته. ولهذا توعدهم بقوله خبير فيجازيكم عليها اتم الجزاء. هذه حالهم في نفس الامر. واما الرسول صلى الله الله عليه وسلم فوظيفته ان يأمركم وينهاكم. ولهذا قال قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول فان امتثلتم كان حظكم وسعادتكم وان تولوا فانما عليهما حمل من الرسالة وقد اداها. وعليكم ما حملتم من الطاعة وقد بانت حالكم وظهرت. فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب وان تطيعوه تهتدوا الى الصراط المستقيم. قولا وعملا فلا سبيل لكم الى الهداية الا بطاعته وبدون ذلك لا يمكن بل هو محال. اي البين الذي لا يبقي لاحد شكا ولا شبهة. وقد فعل صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين. وانما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى. فالرسول ليس له من الامر شيء. وقد قام بوظيفته وليمكنن ان لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنين هذا من وعوده الصادقة التي شوهد تأويلها ومخبرها فانه وعد من قام بالايمان والعمل الصالح من هذه ثم ان يستخلفهم في الارض يكونون هم الخلفاء فيها. المتصرفين في تدبيرها. وانه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم. وهو دين الاسلام الذي فاق الاديان كلها ارتضاه لهذه الامة. لفضلها وشرفها ونعمته عليها. بان يتمكنوا من اقامته واقامة شرائعهم الظاهرة والباطنة في انفسهم وفي غيرهم. لكون غيرهم من اهل الاديان وسائر الكفار. مغلوبين ذليلين. وانه يبدلهم من بعد خوف الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من اظهار دينه. وما هو عليه الا باذى كثير من الكفار وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة الى غيرهم وقد رماهم اهل الارض عن قوس واحدة وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الامور وقت نزول الاية وهي ان تشاهد الاستخلاف في الارض والتمكين فيها. والتمكين من اقامة الدين الاسلامي والامن التام. بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا. ولا يخافون احدا الا الله. فقام صدر هذه الامة من الايمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم. فمكنهم من البلاد والعباد وفتحت مشرق الارض ومغاربها وحصل الامن التام والتمكين التام. فهذا من ايات الله العجيبة الباهرة. ولا يزال الامر الى قيام الساعة مهما قاموا الايمان والعمل الصالح فلا بد ان يوجد ما وعدهم الله وانما يسلط عليهم الكفار والمنافقين ويديلهم في بعض الاحيان بسبب اخلال للمسلمين بالايمان والعمل الصالح. هم الفاسقون ومن كفر بعد ذلك التمكين والسلطنة التامة لكم يا معشر المسلمين. هم الفاسقون الذين خرجوا عن طاعة الله وفسدوا فلم يصلحوا لصالح ولم يكن فيهم اهلية للخير. لان الذي يترك الايمان في حال عزه وقهره وعدم وجود الاسباب المانعة منه. يدل على فساد نيته وخبث طويته. لانه لا داعي له لترك الدين الا ذلك ودلت هذه الاية ان الله قد مكن من قبلنا واستخلفهم في الارض كما قال موسى لقومه ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون وقال تعالى ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض يأمر تعالى اقامت الصلاة باركانها وشروطها وادابها ظاهرا وباطنا. وبايتاء الزكاة من الاموال التي استخلف الله عليها العباد. واعطاهم اياه بان يؤتوها الفقراء وغيرهم ممن ذكرهم الله لمصرف الزكاة. فهذان اكبر الطاعات واجلهما. جامعتان لحقه وحق خلقه للاخلاص للمعبود وللاحسان الى العبيد. ثم عطف عليهما الامر العام. فقال واطيعوا الرسول. وذلك بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. من يطع الرسول فقد اطاع الله. لعلكم حين بذلك ترحمون. فمن اراد الرحمة فهذا طريقها. ومن رجاها من دون اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الرسول فهو متمن كاذب وقد منته نفسه الاماني الكاذبة لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الارض فلا يغرك ما متعوا بهم في الحياة الدنيا فان الله وان امهلهم فانه لا يهملهم. نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ. ولهذا قاله اي بئس المآل مآل الكافرين مآل والحسرة والعقوبة الابدية ثم الذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض امر ان يستأذنهم مماليكهم والذين لم يبلغوا الحلم منهم. قد ذكر الله حكمته وانه ثلاث عورات للمستأذن عليهم. واقتنوا بالليل بعد العشاء وعند انتباههم قبل صلاة الفجر فهذا في الغالب ان النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد. واما نوم النهار فلما كان في الغالب قليلا قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة. قيده بقوله وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة اي للقائلة وسط النهار. ففي ثلاثة هذه الاحوال يكون المماليك والاولاد الصغار كغيرهم. لا يمكنون من الدخول الا باذنه واما ما عدا هذه الاحوال الثلاثة فقال ليسوا كغيرهم فانهم يحتاج اليهم دائما في شق الاستئذان منهم في كل وقت. ولهذا قال اي يترددون عليكم في قضاء اشغالكم وحوائجكم. كذلك يبين الله لكم الايات كذلك يبين الله لكم الايات بيانا مقرونا بحكمته ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته. ولهذا قال له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات. والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه. فاعطى كل مخلوق خلقه اللائق به. واعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به ومنه هذه الاحكام التي بينها وبين مآخذها وحسنها كذلك يبين الله لكم اياته والله واذا بلغ الاطفال منكم الحلم وهو انزال المني يقظة او مناما فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم اي في سائر الاوقات والذين من قبلهم هم الذين ذكرهم الله بقوله يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنس كذلك يبين الله لكم ويوضحها ويفصل احكامها. وفي هاتين الايتين فوائد منها ان السيد وولي الصغير مخاطبان بتعليم عبيدهم. ومن تحت ولايتهم من الاولاد العلم والاداب الشرعية. لان الله وجه الخطاب اليهم بقوله يا ايها الذين امنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ولا يمكن ذلك الا التعليم والتأديب ولقوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن. ومنها الامر بحفظ العورات والاحتياط لذلك من كل وجه وان المحل والمكان الذي مظنة لرؤية عورة الانسان فيه انه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء ونحو ذلك. ومنها جواز كشف العورة لحاجة. كالحاجة عند النوم وعند البول والغائط. ونحو ذلك. ومنها ان المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط كما اعتادوا نوم الليل لان الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة. ومنها ان الصغير الذي دون البلوغ لا يجوز ان يمكن من رؤية العورة ولا يجوز ان ترى عورته. لان الله لم يأمر باستئذانهم الا عن امر ما يجوز. ومنها ان المملوك ايضا لا يجوز ان يرى عورة سيده كما ان سيده لا يجوز ان يرى عورته كما ذكرنا في الصغير. ومنها انه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم من يتكلم في مسائل العلم الشرعي ان يقرن بالحكم بيان مأخذه ووجهه ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل. لان الله لما بين الحكم المذكور علله بقوله ثلاث عورات لكم. ومنها ان الصغير والعبد مخاطبان كما ان وليهما مخاطب قوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن. ومنها ان ريق الصبي طاهر ولو كان بعد نجاسة كالقيء. لقوله تعالى طوافون عليكم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهرة انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم ومنها جواز استخدام الانسان من تحت يده. من الاطفال على وجه معتاد لا يشق على الطفل لقوله طوافون عليكم ومنها ان الحكم المذكور المفصل انما هو لما دون البلوغ. فاما ما بعد البلوغ فليس الا الاستئذان. ومنها ان البلوغ يحصل بالانزال. فكل حكم شرعي رتب على البلوغ حصل بالانزال. وهذا مجمع عليه. وانما الخلاف هل يحصل البلوغ بالسن او الانبات للعانة والله اعلم وان يستعففن خير لهن ان والله سميع عليم. والقواعد من النساء اي اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة. اللاتي لا يرجون نكاحا. اي ليطمعن في النكاح ولا يطمع فيهن. وذلك لكونها عجوزا لا تشتهى او دميمة الخلقة لا تشتهي ولا تشتهى ان جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة. فليس عليهن جناح اي حرج واثم ان يضعن ثيابهن اي الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه. الذي قال الله فيه للنساء وليضربن بخمورهن على جيوبهن فهؤلاء يجوز لهن ان يكشفن وجوههن لامن المحظور منها وعليها. ولما كان نفي الحرج عنهن في وضع الثياب. ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء. دفع هذا الاحتراز بقوله غير متبرجات بزينة اي غير مظهرات للناس زينة. من تجمل بثياب من ظاهرة وتستر وجهها ومن ضرب الارض برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها. لان مجرد الزينة على الانثى ولو مع تسترها ولو كانت لا تشتهى يفتن فيها ويوقع الناظر اليها في الحرج. وان يستعففن خير لهن الله سميع عليم. وان يستعففن خير لهن والاستعفاف. طلب العفة بفعل الاسباب المقتضية لذلك. من تزوج وترك لما يخشى منه الفتنة. والله سميع لجميع الاصوات. عليم بالنيات والمقاصد. فليحذر احذرنا من كل قول وقصد فاسد. ويعلمن ان الله يجازي على ذلك يخبر تعالى عن منته على عباده وانه لم يجعل عليهم في الدين من حرج. بل يسره غاية التيسير. فقال ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج. ولا على المريض حرج اي ليس على هؤلاء جناح في ترك الامور الواجبة التي تتوقف على واحد منها. وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على بصر للاعمى او سلامة للاعرج او صحة للمريض. ولهذا المعنى العامي الذي ذكرناه اطلق الكلام في ذلك. ولم يقيد كما قوله ولا على انفسكم اي حرج او بيوت امهاتكم او بيوت اخوانكم او بيوت اخواتكم ان تأكلوا من بيوتكم اي بيوت اولادكم. وهذا موافق للحديث الثابت انت ومالك امك لابيك والحديث الاخر ان اطيب ما اكلتم من كسبكم وان اولادكم من كسبكم وليس المراد من قوله من بيوتكم بيت الانسان نفسه فان هذا من باب تحصيل الحاصل الذي ينزه عنه كلام الله ولانه نفى الحق خرج عما يظن او يتوهم فيه الاثم من هؤلاء المذكورين. واما بيت الانسان نفسه فليس فيه ادنى توهم من بيوتكم او بيوت ابائكم او بيوت امهاتكم او بيوت اخوانكم او في اخواتكم او بيوت اعمامكم او بيوت اعمالكم او بيوتكم او بيوت اخوانكم او بيوت خالاتكم. وهؤلاء معروفون او ما ملكتم مفاتحه. اي البيوت التي انتم متصرفون فيها بوكالة او ولاية ونحو ذلك. واما تفسيرها بالمملوك فليس لوجهين احدهما ان المملوك لا يقال فيه ملكت مفاتحه بل يقال ما ملكتموه او ما ملكت ايمانكم لانهم مالكون له جملة لا لمفاتحه فقط. والثاني ان بيوت المماليك غير خارجة عن بيت الانسان نفسه. لان المملوك وما ملكه لسيده فلا وجه لنفي الحرج عنه. وهذا الحرج المنفي عن الاكل من هذه البيوت كل ذلك اذا كان بدون اذن والحكمة فيه معلومة من السياق فان هؤلاء المسمين قد جرت العادة والعرف بالمسامحة في الاكل منها لاجل القرابة القريبة او التصرف التام او الصداقة. فلو قدر في احد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الاكل المذكور. لم يجز الاكل ولم يرتفع الحرج نظرا للحكمة والمعنى. وقوله جميعا ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او اشتاتا. فكل ذلك جائز. اكل اهل البيت الواحد جميعا او اكل كل واحد منهم وهذا نفي للحرج. لا نفي للفضيلة. والا فالافضل الاجتماع على الطعام فاذا دخلتم بيوتا نكرة في سياق الشرط يشمل بيت الانسان وبيت غيره سواء كان في البيت ساكن ام لا. فاذا دخلها الانسان فسلموا على انفسكم. اي فليسلم بعضكم على بعض. لان المسلمين كانهم واحد من تواجدهم وتراحمهم وتعاطفهم. فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت من غير فرق بين بيت وبيت. والاستئذان تقدم ان فيه تفصيلا في احكامه ثم مدح هذا السلام فقال اي سلامكم بقولكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. او السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اذ تدخلون البيوت تحية من عند الله. اي قد شرعها لكم وجعلها تحيتكم مباركة لاشتمالها على السلامة من النقص وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة. طيبة لانها من الكلم الطيب المحبوب عند الله. الذي فيه طيب نفس للمحيا ومحبة وجلب مودة. لما بين لنا هذه الاحكام الجليلة قال كذلك يبين الله لكم الايات الدالات على احكامه الشرعية وحكمها. لعلكم تعقلون فتفهمونها وتعقلونها بقلوبكم ولتكونوا من اهل العقول والالباب الرزينة. فان معرفة احكامه الشرعية على وجهها به العقل وينمو به اللب لكون معانيها اجل المعاني وادى بها اجل الاداب. ولان الجزاء من جنس العمل. فكما استعمل عقله العقل عن ربه وللتفكر في اياته التي دعاه اليها زاده من ذلك. وفي هذه الايات دليل على قاعدة عامة كلية. وهي ان العرف والعادة مخصص للألفاظ كتخصيص اللفظ لللفظ فان الاصل ان الانسان ممنوع من تناول طعام غيره مع ان الله اباح الاكل من بيوت هؤلاء للعرف والعادة. فكل مسألة تتوقف على الاذن من ما لك الشيء. اذا علم اذنه بالقول او العرف جاز الاقدام عليه وفيها دليل على ان الاب يجوز له ان يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره. لان الله سمى بيته بيتا للانسان. وفيها دليل على ان المتصرف في بيت الانسان كزوجته واخته ونحوهما يجوز لهما الاكل عادة واطعام السائل المعتاد. وفيها دليل على جواز المشاركة في الطعام سواء اكلوا مجتمعين او متفرقين ولو افضى ذلك الى ان يأكل بعضهم اكثر من بعض انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهب هذا ارشاد من الله لعباده المؤمنين. انهم اذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على امر جامع. اي من ضرورته او من مصلحته ان يكونوا فيه جميعا كالجهاد والمشاورة ونحو ذلك من الامور التي يشترك فيها المؤمنون فان المصلحة اقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم. فالمؤمن بالله ورسوله حقا. لا يذهب لامر من الامور. لا يرجع لاهله. ولا يذهب في بعض الحوائج التي يشذ بها عنهم الا باذن من الرسول او نائبه من بعده. فجعل موجب الايمان عدم الذهاب الا باذنه مدحهم على فعلهم هذا وادبهم مع رسوله وولي الامر منهم. فقال الذين يؤمنون بالله ورسوله. ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله. ولكن هل يأذن لهم ام لا؟ ذكر لاذنه لهم شرطين. احدهما ان يكون لشأن من شؤونهم. وشغل من اشغالهم. فاما من يستأذن من في عذر فلا يؤذن له. والثاني ان يشاء الاذن له فتقتضيه المصلحة. من دون مضرة بالاذن. قال فاذا استأذنوك شأنهم فاذن لمن شئت منهم. فاذا كان له عذر واستأذن. فاذا كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة. برأيه او شجاعته ونحو ذلك لم يأذن له. ومع هذا اذا استأذن واذن له بشرطيه. امر الله رسوله ان يستغفر له. لما عسى ان يكون مقصرا في الاستئذان ولهذا قال يغفر لهم الذنوب ويرحمهم بان جوز لهم الاستئذان مع العذر اي لا تجعلوا دعاء الرسول اياكم ودعائكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا اذا دعاكم فاجيبوه وجوبا. حتى انه تجب اجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة. وليس احد اذا قال قولا يجب على الامة قبول قوله والعمل به الا الرسول لعصمته. وكوننا مخاطبين باتباعه. قال تعالى يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم. وكذلك لا تجعلوا دعائكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا. فلا تقولوا يا محمد عند ندائكم. او يا محمد بن عبدالله كما يقول ذلك بعضكم لبعض بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره ان يقال يا رسول الله يا نبي الله لما مدح المؤمنين الله ورسوله الذين اذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. توعد من لم يفعل ذلك وذهب من غير استئذان. فهو وان خفي عليكم بذهابه على وجه خفي. وهو المراد بقوله يتسللون منكم لوذا. اي يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم بشيء يحدث عن العيون فالله يعلمهم وسيجازيهم على ذلك اتم الجزاء. ولهذا توعدهم بقوله عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم. فليحذر الذين يخالفون عن امره ان يذهبون الى بعض شؤونهم عن امر الله ورسوله. فكيف بمن لم يذهب الى شأن من شؤونه؟ وانما ترك امر الله من دون شغل الله ان تصيبهم فتنة اي شرك وشر او يصيبهم عذاب اليم. الا ان لله ما في السماوات والارض فينبئهم بما عملوا. والله بكل الا ان لله ما في السماوات والارض ملكا وعبيدا يتصرف فيهم بحكمهم قدري وحكمه الشرعي بما عملوا قد يعلم ما انتم عليه. اي قد احاط علمه بما انتم عليه من خير وشر. وعلم جميع اعمالكم احصاها فعلمه وجرى بها قلمه وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون. ويوم يرجعون اليه فينبئهم بما عملوا ويوم يرجعون اليه في يوم القيامة فينبئهم بما عملوا. يخبرهم بجميع اعمالهم وجليلها اخبارا مطابقا لما وقع منهم. ويستشهد عليهم اعضائهم فلا يعدمون منه فضلا او عدلا. ولما قيد علمه باعمالهم ذكر العموم بعد الخصوص فقال بسم الله الرحمن الرحيم هذا بيان لعظمته الكاملة وتفرده بالوحدانية من كل وجه. وكثرة خيراته واحسانه. فقال تبارك اي تعاظم وكملت اوصافه وكثرت خيراته. الذي من اعظم خيراته ونعمه. ان نزل هذا القرآن الفارق بين الحلال والحرام والهدى والضلال واهل السعادة من اهل الشقاوة على عبده محمد صلى الله عليه وسلم. الذي كمل مراتب العبودية وفاق جميع المرسلين. ليكون ذلك الانزال للفرقان على عبده للعالمين نذيرا ينذرهم بأس الله ونقمه ويبين لهم مواقع رضى الله من سخطه. حتى ان من قبل نذارته وعمل بها كان من الناجين في الدنيا والاخرة. الذين حصلت لهم السعادة الابدية والملك السرمدي. فهل فوق هذه النعمة وهذا الفضل والاحسان شيء؟ فتبارك الذي هذا من بعض احسانه وبركاته الذي له ملك السماوات والارض. اي له التصرف فيها وحده. وجميع من فيها مماليك وعبيد له. مذعنون لعظمته. خاضعون لربوبيته فقراء الى رحمته. الذي لم يتخذ ولدا كل شيء فقدره تقديرا. ولم يكن له شريك في الملك. وكيف يكون له ولد او شريك؟ وهو المالك مملوك وهو القاهر وغيره مقهور. وهو الغني بذاته من جميع الوجوه. والمخلوقون مفتقرون اليه فقرا ذاتيا من جميع الوجوه وكيف يكون له شريك في الملك ونواصي العباد كلهم بيديه فلا يتحركون او يسكنون ولا يتصرفون الا باذنه فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فلم يقدره حق قدره من قال فيه ذلك. ولهذا قال وخلق كل شيء شمل العالم العلوي والعالم السفلي من حيواناته ونباتاته وجماداته اي اعطى كل مخلوق منها ما يليق به ويناسبه من الخلق. وما تقتضيه حكمته من ذلك بحيث وصار كل مخلوق لا يتصور العقل الصحيح ان يكون بخلاف شكله وصورته المشاهدة. بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد لا يناسبه غير محله الذي هو فيه. قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى. وقال تعالى ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ولما بين كماله وعظمته وكثرة احسانه كان ذلك مقتضيا لان يكون وحده حبوب المألوه المعظم المفرد بالاخلاص وحده لا شريك له ناسب ان يذكر بطلان عبادة ما سواه فقال اي من اعجب العجائب للدليل على سفههم ونقص عقولهم بل ادل على ظلمهم وجرائتهم على ربهم ان اتخذوا الهة بهذه الصفة في كمال العجز انها لا تقدر على خلق شيء بل هم مخلوقون بل بعضهم مما عملته ايديهم ولا حياة ولا نشورا. ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا اي لا قليلا ولا كثيرا. لانه نكرة في سياق النفي اي بعثا بعد الموت فاعظم احكام العقل بطلان الهيتها وفسادها وفساد فساد عقل من اتخذها الهة وشركاء للخالق لسائر المخلوقات من غير مشارك له في ذلك. الذي بيده النفع والضر والعطاء المنع الذي يحيي ويميت ويبعث من في القبور ويجمعهم ليوم النشور. وقد جعل لهم دارين دار الشقاء والخزي والنكال لمن اتخذ معه الهة اخرى ودار الفوز والسعادة والنعيم المقيم. لمن اتخذه وحده معبودا. ولما قرر بالدليل القاطع واضح صحة التوحيد وبطلان ضده قرر صحة الرسالة وبطلان قول من عارضها واعترضها فقال واعانه عليه قوم ظلما وزورا. اي وقال الكافرون الذي اوجب لهم كفرهم ان قالوا في القرآن والرسول ان هذا القرآن كذب كذبه محمد وافك افتراه على الله واعانه انه على ذلك قوم اخرون. فرد الله عليهم ذلك بان هذا مكابرة منهم. واقدام على الظلم والزور. الذي لا يمكن ان يدخل عقله احد وهم اشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال صدقه. وامانته وبره التام. وانه لا يمكنه لا هو ولا سائر الخلق ان يأتوا بهذا القرآن الذي هو اجل الكلام واعلاه. وانه لم يجتمع باحد يعينه على ذلك. فقد جاءوا بهذا القول ظلما ومن جملة اقاويلهم فيه ان قالوا هذا الذي جاء به محمد. وقالوا اساطير الاولين اكتتبوا اساطير الاولين اكتتبها اي هذا قصص الاولين واساطيرهم التي تتلقاها الافواه وينقلها كل احد استنسخها محمد واصيلا. وهذا القول منهم فيه عدة عظائم. منها رميهم الرسول الذي هو ابر الناس واصدقهم بالكذب. والجرأة العظيمة ومنها اخبارهم عن هذا القرآن الذي هو اصدق الكلام واعظمه واجله بانه كذب وافتراء. ومنها ان في ضمن ذلك انهم قادرون على ان يأتوا بمثله وان يضاهي المخلوق الناقص من كل وجه للخالق الكامل من كل وجه بصفة من صفاته وهي الكلام منها ان الرسول قد علمت حالته وهم اشد الناس علما بها انه لا يكتب ولا يجتمع بمن يكتب له وهم قد زعموا ذلك. فلذلك رد عليهم ذلك بقوله قل انزله الذي يا غفورا رحيما. اي انزله من احاط علمه بما في السماوات وما في الارض. من الغيب والشهادة والجهر والسر. كقوله وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. ووجه اقامة الحجة عليهم ان الذي انزله هو المحيط علمه بكل شيء. فيستحيل ويمتنع ان يقول مخلوق ويتقول عليه هذا القرآن. ويقول هو من عند الله وما هو من عندك ويستحل دماء من خالفه واموالهم. ويزعم ان الله قال له ذلك. والله يعلم كل شيء. ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على اعدائه. ويمكنه من رقابهم وبلادهم. فلا يمكن احدا ان ينكر هذا القرآن. الا بعد انكار علم وهذا لا تقول به طائفة من بني ادم سوى الفلاسفة الدهرية وايضا فان ذكر علمه تعالى العام ينبهه على تدبر القرآن وانهم لو تدبروا لرأوا فيه من علمه واحكامه ما يدل دلالة قاطعة على انه لا يكون الا ما من عالم الغيب والشهادة. ومع انكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم. انهم لم يدعهم وظلمهم. بل دعاهم الى التوبة والانابة اليه ووعدهم بالمغفرة والرحمة انهم تابوا ورجعوا فقال آآ اي وصفه المغفرة لاهل الجرائم والذنوب اذا فعلوا اسباب المغفرة. وهي الرجوع عن معاصيه والتوبة منها رحيما بهم. حيث لم يعاجلهم بالعقوبة وقد فعلوا مقتضاها وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي وحيث محى ما سلف من سيئاتهم وحيث قبل حسناتهم حيث اعاد الراجع اليه بعد شروده. والمقبل عليه بعد اعراضه الى حالة المطيعين المنيبين اليه هذا من مقالة المكذبين للرسول التي قدحوا بها في رسالته وهو انه معترض بانه هل لكان ملكا او ملكا او يساعده ملك؟ فقالوا ما لهذا الرسول؟ اي ما لهذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكما من منهم واستهزاء يأكل الطعام وهذا من خصائص البشر. فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يحتاج الى ما يحتاج اليه البشر ويمشي في الاسواق للبيع والشراء. وهذا بزعمهم لا يليق بمن يكون رسولا. مع ان الله قال وما ارسلنا قبلك من المرسلين الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق لولا انزل اليه ملك اي هلا انزل معه ملك يساعده ويعاونه وبزعمهم انه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها كنز او تكون له جنته يأكل منها. او يلقى اليه كنز اي مال مجموع من تعب او تكون له جنة يأكل منها فيستغني بذلك عن مشيه في الاسواق لطلب الرزق وقال الظالمون حملهم على القول ظلمهم لاشتباه منهم هذا وقد علموا كمال عقله وحسن حديثه وسلامته من جميع المطاعم. ولما كانت هذه الاقوال منهم عجيبة جدا. قال تعالى كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا. انظر كيف ضربوا لك الامثال وهي انه هلا كان ملكا وزالت عنه خصائص البشر او معه ملك لانه غير قادر على ما قال او انزل عليه كنز او جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الاسواق. او انه كان مسحورا قالوا اقوالا متناقضة كلها جهل وضلال وسفه. ليس في شيء منها هداية بل ولا في شيء منها ادنى شبهة تقدح في الرسالة فبمجرد النظر اليها وتصورها يجزم العاقل ببطلانها. ويكفيه عن ردها. ولهذا امر تعالى بالنظر اليها والنظر هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق؟ ولهذا اخبر انه قادر على ان يعطيك خيرا كثيرا في الدنيا فقال تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من دارك تجري من تحتها الانهار جعل لك خيرا من ذلك اي خيرا مما قالوا ثم فسره بقوله مرتفعة مزخرفة فقدرته ومشيئته لا تقصروا عن ذلك. ولكنه تعالى لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة اعطى منها اولياءه ورسله. ما اقتضت حكمته منها واقتراح اعدائهم بانهم هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا ظلم وجراءة. ولما كانت تلك الاقوال التي قالوها معلومة الفساد اخبر تعالى انها لم تصدر منهم لطلب الحق ولا لاتباع البرهان وانما صدرت منهم تعنتا وظلما وتكذيبا بالحق فقالوا ما بقلوبهم من ذلك. ولهذا قال بل كذبوا بالساعة والمكذب المتعنت الذي ليس له قصد في اتباع الحق لا سبيل اله بدايته ولا حيلة في مجادلته. وانما له حيلة واحدة. وهي نزول العذاب به. فلهذا قال اي نارا عظيمة قد اشتد سعيرها وتغيظت على اهلها واشتد كثيرها تغيضا اذا رأتهم من مكان بعيد اي قبل وصولهم ووصولها اليهم وزفيرا. سمعوا لها تغيظا عليهم. وزفيرا تقلق منه الافئدة. وتتصدع القلوب. ويكاد الواحد يموت خوفا منها وذعرا. قد غضبت عليهم لغضب خالقها. وقد زاد لهبها لزيادة كفرهم وشرهم اي عذابهم وهم في وسطها جمع في مكان بين ضيق المكان وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والاغلال. فاذا وصلوا ولذلك المكان النحس وحبسوا في اشرحبس دعوا على انفسهم بالثبور والخزي والفضيحة وعلموا انهم ظالمون معتدون. قد عدل فيهم الخالق حيث انزلهم باعمالهم هذا المنزل. وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم ولا مغنية من عذاب الله. بل يقال لهم اي لو زاد ما قلتم اضعاف اضعافه. ما افادكم الا الهم والغم والحزن. ولم ما بين جزاء الظالمين ناسب ان يذكر جزاء المتقين فقال التي وعد المتقون كانت لهم جزاء. كان ونصيرا. اي قل لهم مبينا لسفاهة رأيهم اختيارهم الضار على النافع. ذلك الذي وصفت لكم من العذاب المتقون كانت لهم جزاء. التي زادها تقوى الله. فمن قام بالتقوى فالله قد وعده اياها كانت لهم جزاء على تقواهم ومصيرا وموئلا يرجعون اليها. ويستقرون فيها ويخلدون دائما ابدا لهم فيها ما يشاؤون خالدين لهم فيها ما يشاؤون اي يطلبون وتتعلق بهم امانيهم ومشيئتهم من المطاعم والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والنساء الجميلات والقصور العاليات والجنات والحدائق المرجحنة والفواكه التي تسر ناظريها واكليها. من حسنها وتنوعها وكثرة اصنافها الانهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها. حيث شاؤوا يصرفونها ويفجرونها انهارا من ماء غير اس. وانهارا من لبن لم يتغير طعمه وانهارا من خمر لذة للشاربين. وانهارا من عسل مصفى. وروائح طيبة ومساكين مزخرفة واصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب ومزاورة الاخوان. والتمتع بلقاء الاحباب واعلى من ذلك كله. التمتع بالنظر الى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه والحظوة بقربه. والسعادة برضاه والامن من سخطه. واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الاوقات وتعاقب الانات. كان دخولها والوصول اليها يسأله اياها عباده المتقون بلسان حالهم ولسان مقالهم. فاي الدارين المذكورة اخوتين خير واولى بالايثار. واي العاملين عمال دار الشقاء او عمال دار السعادة. اولى بالفضل والعقل والفخر. يا اولي الالباب الباب لقد وضح الحق واستنار السبيل. فلم يبق للمفرط عذر في تركه الدليل. فنرجوك يا من قضيت على اقوام بالشقاء واقوام بالسعادة ان تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة. ونستغيث بك اللهم من حالة الاشقياء. ونسألك المعافاة منها يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة وتبريهم منهم وبطلان سعيهم. فقال ويوم يحشرهم اي المكذبين المشركين. وما يعبدون من دون الله. فيقول الله مخاطبا للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم هل امرتموهم بعبادتكم وزينتم لهم ذلك؟ ام ذلك من تلقاء انفسهم كما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء. ولكن قالوا سبحانك عزه الله عن شرك المشركين به وبرؤوا انفسهم من ذلك. ما كان ينبغي لنا اي لا يليق بنا ولا يحسن منا ان نتخذ من دونك من اولياء نتولاهم ونعبدهم وندعوهم. فاذا كنا محتاجين ومفتقرين الى عبادتك. متبرئين من عبادة غيرك. فكيف يأمر احدا بعبادتنا هذا لا يكون او سبحانك عن ان نتخذ من دونك من اولياء. وهذا كقول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله. قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك. انك انت علام الغيوب. ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم. وقال تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء اه اه وكانوا بعبادتهم كافرين. فلما نزهوا انفسهم ان يدعوا لعبادة غير الله. او يكونوا اضلوهم ذكروا السبب الموجب لاضلال المشركين فقالوا ولكن متعتهم واباءهم في لذات الدنيا وشهواتها ومطالبها النفسية حتى نسوا الذكر في لذات الدنيا وانكبابا على شهواتها فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم اي بائعين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح. لا يصلحون الا للهلاك والبوار. فذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى وعدم المقتضي للهدى. وهو انهم لا خير فيهم. فاذا عدم المقتضي وجد المانع فلا تشاء من شر وهلاك الا وجدته فيهم. فلما تبرأوا منهم قال الله توبيخا وتقريعا للعابدين فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا. ومن يضمن فقد كذبوكم بما تقولون انهم امروكم بعبادتهم رضوا فعلكم وانهم شفعاء لكم عند ربكم. كذبوكم في ذلك الزعم وصاروا من اكبر اعدائكم. فحق عليكم العذاب فما تستطيعون صرفا للعذاب عنكم بفعلكم او بفداء او غير ذلك ولا نصرا لعجزكم وعدم ناصركم. هذا حكم الضالين المقلدين الجاهلين. كما رأيت اسوأ حكم واشر مصير. واما المعاند منهم الذي عرف الحق وصدف عنه. فقال في حقه ومن يظلم منكم بترك في الحق ظلما وعنادا. لا يقادر قدره ولا يبلغ امره. ثم قال تعالى جوابا لقول المكذبين ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق. فما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما جعلناهم ملائكة فلك فيهم اسوة. واما الغنى والفقر فهو فتنة وحكمة من الله تعالى. كما قال بعضكم لبعض فتنة اتصبرون. وجعلنا بعضكم لبعض فتنة. الرسول فتنة للمرسل اليه واختبار للمطيعين من العاصين. والرسل فتناهم بدعوة الخلق. والغني فتنة للفقير. والفقير فتنة للغني هكذا سائر اصناف الخلق في هذه الدار دار الفتن والابتلاء والاختبار. والقصد من تلك الفتنة. فتقول يقومون بما هو وظيفتكم اللازمة الراتبة فيثيبكم مولاكم ام لا تصبرون فتستحقون المعاقبة يعلم احوالكم ويصطفي من يعلمه يصلح لرسالته. ويختصه بتفضيله. ويعلم اعمالكم فيجازيكم عليها ان خيرا فخير وان شرا فشر