المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير يقول تعالى واعلموا ان ما غنمتم من شيء اي اخذتم من مال الكفار قهرا بحق قليلا كان او كثيرا فان لله موسى اي وباقيه لكم ايها الغانمون. لانه اضاف الغنيمة اليهم. واخرج منها خموسها. فدل على ان الباقي لهم على ما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للراجل سهم. وللفارس سهمان لفرسه وسهم له. واما هذا الخمس في قسم خمسة اسهم سهم لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين العامة من غير تعيين لمصلحة. لان الله جعله له لرسوله والله ورسوله غنيان عنه. فعلم انه لعباد الله فاذا لم يعين الله له مصرفا دل على ان مصرفه للمصالح العامة. والخمس الثاني لذي القربى وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب. واضافه الله الى القرابة دليلا على ان العلة فيه مجرد القرابة. فيستوي فيه غنيهم وفقير خيرهم ذكرهم وانثاهم. والخمس الثالث لليتامى وهم الذين فقدوا اباءهم وهم صغار. جعل الله لهم خمس الخمس رحمة بهم حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم. وقد فقد من يقوم بمصالحهم. والخمس الرابع للمساكين المحتاجين الفقراء من صغار وكبار ذكور واناث والخمس الخامس لابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. وبعض المفسرين يقول ان خمس الغنيمة لا يخرج عنها هذه الاصناف ولا يلزم ان يكونوا فيه على السواء بل ذلك تبع للمصلحة. وهذا هو الاولى. وجعل الله اداء الخمس على وجهه شرطا الايمان فقال ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان وهو يوم بدر الذي فرق الله به بين الحق والباطل واظهر الحق وابطل الباطل. يوم التقى الجمعان جمع المسلمين وجمع الكافرين. اي ان كان ايمانكم بالله وبالحق الذي انزله الله على رسوله يوم الفرقان الذي حصل فيه من الايات والبراهين ما دل على ان ما جاء به هو الحق على كل شيء قدير. لا يغالبه احد الا غلبه ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي اذ انتم بالعدوة الدنيا اي بعدوة الوادي القريبة من المدينة وهم بعدوته اي جانبه البعيدة من المدينة. فقد جمعكم واد واحد. والركب الذي خرجتم لطلبه واراد الله خير اسفل منكم مما يلي ساحل البحر. ولو تواعدتم انتم واياهم على هذا الوصف. وبهذه الحال لاختلفتم في الميعاد اي لابد من تقدم او تأخر او اختيار منزل او غير ذلك مما يعرض لكم او لهم يصدفكم عن ميعادكم ولكن الله معكم على هذه الحال ليقضي الله امرا كان مفعولا اي مقدرا في الازل لابد من وقوعه ليهلك من هلك عن بينة اي ليكون حجة وبينة للمعاند. فيختار الكفر على بصيرة وجزم ببطلانه. فلا يبقى له عذر عند الله. ويحيا من حي عن بينة اي يزداد المؤمن بصيرة ويقينا بما ارى الله الطائفتين من ادلة الحق وبراهينه. ما هو تذكرة لاولي الالباب ان الله لسميع عليم. سميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. عليم بالظواهر الضمائر والسرائر والغيب والشهادة اذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر ولكن الله سلم انه عليم بذات الصدور. وان يريكم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا وكان الله قد ارى رسوله المشركين في الرؤيا عددا قليلا. فبشر بذلك اصحابه. فاطمأنت قلوبهم وتثبتت افئدتهم. ولو اراكهم الله اياهم كثيرا. فاخبرت بذلك اصحابك لفشلتم ولتنازعتم في الامر. فمنكم من يرى الاقدام على قتالهم ومنكم من لا يرى ذلك فوقع من الاختلاف والتنازع ما يوجب الفشل. ولكن الله سلم فلطف بكم انه عليم بذات الصدور. اي بما فيها من ثبات وجزع وصدق وكذب. فعلم الله من قلوبكم صار سببا للطفه واحسانه بكم. وصدق الله رؤيا رسوله. فارى الله المؤمنين عدوهم. قليلا في اعينهم. ويقللهم يا معشر المؤمنين في اعينهم فكل من الطائفتين ترى الاخرى قليلة لتقدم كل منهما على الاخرى. ليقضي الله امرا كان مفعولا من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين وقتل قادتهم ورؤساء الضلال منهم. ولم يبقى منهم احد له اسم يذكر تيسروا بعد ذلك انقيادهم اذا دعوا الى الاسلام. فصار ايضا لطفا بالباقين الذين من الله عليهم بالاسلام اي جميع امور الخلائق ترجع الى الله. فيميز الخبيث من الطيب ويحكم في الخلائق بحكمه العادل الذي لا جور فيه ولا ظلم يقول تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة اي طائفة من الكفار تقاتلكم فاثبتوا لقتالها. واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة. التي عاقبتها العز والنصر واستعينوا على ذلك بالاكثار من ذكر الله. اي تدركون ما تطلبون من الانتصار على اعدائكم. فالصبر هو الثبات والاكثار من ذكر الله. من اكبر الاسباب للنصر. واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب واطيعوا الله ورسوله في استعمال ما امر به. والمشي خلف ذلك في جميع الاحوال ولا تنازعوا تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها فتفشل اي تجبن وتذهب ريحكم اي تنحل عزائمكم وتفرقوا قوتكم ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الله ورسوله. واصبروا نفوسكم على طاعة الله ان الله مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد واخشعوا لربكم واخضعوا له الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئيا الناس ويصدون عن سبيل والله بما يعملون محيطا. اي هذا مقصدهم الذي خرجوا اليه. وهذا الذي ابرزهم من ديارهم لقصد الاشر والبطر في الارض. ولا يراهم الناس ويفخروا لديهم. والمقصود الاعظم انهم خرجوا ليصدوا عن سبيل الله الهي من اراد سلوكه. فلذلك اخبركم بمقاصدهم وحذركم ان تشبهوا به فانه سيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة. فليكن قصدكم في خروجكم وجه الله تعالى. واعلاء دين الله والصد عن الطرق الموصلة الى سخط الله وعقابه. وجذب الناس الى سبيل الله القويم. الموصل لجنات النعيم واذ بين لهم الشيطان اعمالهم. حسنها في قلوبهم وخدعهم. وقال لا غالب لكم اليوم من الناس. فانكم في عدد وعدد وهيئة سيقاومكم فيها محمد ومن معه. واني جار لكم من ان يأتيكم احد ممن تخشون غائلته. لان ابليس قد تبدى لقريش في صورة سراقة ابن مالك ابن جعش من مدلجي وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم. فقال لهم الشيطان انا جار لكم فاطمئنت نفوسهم واتوا على حرب قادرين. فلما تراءت الفئتان المسلمون والكافرون رأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا ونكس على عقبيه اي ولى مدبرا وقال لمن خدعهما وغرهم اني بريء منكم اني ارى ما لا ترون. اي ارى الملائكة الذين لا يدان لاحد بقتالهم. اني اخاف الله اي اخاف ان يعادلني بالعقوبة في الدنيا. ومن المحتمل ان يكون الشيطان قد سول له ووسوس في صدورهم انه لا غالب لهم اليوم من الناس. وانه جار لهم. فلما اوردهم مواردهم نقص عنهم وتبرأ منهم كما قال تعالى كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر. فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم. اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض اي شك وشبهة من ضعفاء الايمان للمؤمنين حين اقدموا مع قلتهم على قتال المشركين مع كثرتهم غر هؤلاء دينهم اي اوردهم الدين الذي هم عليه هذه الموارد التي لا يدان لهم بها ولا استطاعة لهم بها يقولون افتقارا لهم واستخفافا لعقولهم. وهم والله الاخفاء عقولا. الضعفاء احلاما. فان الايمان يوجب لصاحبه الاقدام عليه الامور الهائلة التي لا يقدم عليها الجيوش العظام. فان المؤمن المتوكل على الله الذي يعلم انه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لاحد الا بالله تعالى. وان الخلق لو اجتمعوا كلهم على نفع شخص بمثقال ذرة لم ينفعوه. ولو اجتمعوا على ان يضروه لم يضروه الا بشيء قد كتبه الله عليه. وعلم انه على الحق وان الله تعالى حكيم رحيم في كل ما قدره وقضاه. فانه لا يبالي بما اقدم عليه من قوة وكثرة. وكان واثقا بربه مطمئن القلب. لا فزعا ولا جبانا. ولهذا قال فان الله عزيز لا يغالب قوته قوة حكيم كن فيما قضاه واجراه وجوههم وادبارهم يضربون وجوههم ادبارهم وذوقوا عذاب الحريم. يقول يقول تعالى ولو ترى الذين كفروا بايات الله حين توفاهم الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم. وقد اشتد بهم القلق عظم كربهم والملائكة يضربون وجوههم وادبارهم يقولون لهم اخرجوا انفسكم ونفوسهم ممتنعة مستعصية على خروج لعلمها ما امامها من العذاب الاليم. ولهذا قال اي العذاب الشديد المحرق ذلك العذاب حصل لكم غير ظلم ولا جور من ربكم. وانما هو بما قدمت ايديكم من المعاصي التي اثرت لكم ما اثرت. وهذه سنة الله في الاولين والاخرين فان دأب هؤلاء المكذبين اي سنتهم وما اجرى الله عليهم من الهلاك بذنوبهم فاخذهم الله بذنوبهم. ان الله قوي شديد كدأب ال فرعون والذين من قبلهم من الامم المكذبة كفروا بايات الله فاخذ الله بالعقاب بذنوبهم ان الله قوي شديد العقاب لا يعجزه احد يريد اخذه. ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها ان الله سميع عليم. ذلك العذاب الذي اوقعه الله بالامم المكذبين. وازال عنهم ما فيه من النعم والنعيم بسبب ذنوبهم وتغييرهما بانفسهم. فان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم من نعم الدين والدنيا بل يبقيها ويزيدهم منها ان ازدادوا له شكرا حتى يغيروا ما بانفسهم. من الطاعة الى المعصية فيكفروا نعمة الله يبدلها كفرا فيسلبهم اياها ويغيرها عليهم. كما غيروا ما بانفسهم. ولله الحكمة في ذلك والعدل والاحسان الى عباده حيث لم يعاقبهم الا بظلمهم وحيث جذب قلوب اوليائه اليه بما يذيق العباد من النكال اذا خالفوا امره ان الله سميع عليم. يسمع جميع ما نطق به الناطقون. سواء من اسر القول ومن ويعلم ما تنطوي عليه الظمائر وتخفيه السرائر. فيجري على عباده من الاقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته ما ال فرعون واغرقنا ال فرعون وكل كانوا ظالمين كدأب ال فرعون اي فرعون وقومه والذين من قبلهم كذبوا بايات ربهم حين جاءتهم فاهلكناهم بذنوبهم كل بحسب جرمه واغرقنا ال فرعون وكل من المهلكين لكانوا ظالمين لانفسهم ساعين في هلاكها لم يظلمهم الله ولا اخذهم بغير جرم اقترفوه فليحذر المخاطبون ان يشابهوهم في الظلم. فيحل الله بهم من عقابه ما احل باولئك الفاسقين عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون حين عاهدت منهم ثم انقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون. هؤلاء الذين جمعوا هذه اتصال الثلاث الكفر وعدم الايمان والخيانة. بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه. ولا قول قالوه هم شر الدواب عند الله شر من الحمير والكلاب وغيرها. لان الخير معدوم منهم والشر متوقع فيهم. فاذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين بان لا يسري داؤهم لغيرهم. ولهذا قال فاما تثقفنهم في الحرب اي تجدنهم في حال المحاربة بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق شرد بهم من خلفهم. اي نكل بهم غيرهم واوقع بهم من العقوبة ما يصيرون به عبرة لمن بعدهم. لعلهم اي من خلفهم يذكرون صنيعهم لان لا يصيبهم ما اصابهم. وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي. انها سبب لازدج لمن لم يعمل المعاصي بل وزجرا لمن عملها الا يعاودها. ودل تقييد هذه العقوبة في الحرب ان الكافر ولو كان كثير الخيانة سريع الغدر انه اذا اعطي عهدا لا يجوز خيانته وعقوبته ان الله لا يحب الخائنين. اي واذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة بان ظهر من قرائن احوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة فانبذ اليهم عهدهم اي ارمه عليهم واخبرهم انه لا عهد بينك وبينهم على سواء اي حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك ولا يحل لك ان تغدرهم او تسعى في شيء مما منعه موجب العهد. حتى تخبرهم بذلك خائنين. بل يبغضهم اشد البغض. فلا بد من امر بين يبرأكم من الخيانة. ودلت الاية على انه اذا وجدت صيانة المحققة منهم لم يحتج ان ينبذ اليهم عهدهم لانه لم يخف منهم بل علم ذلك ولعدم الفائدة ولقوله على سواء وهنا قد كان معلوما عند الجميع غدرهم. ودل مفهومها ايضا انه اذا لم يخف منهم خيانة بان لم يوجد منهم ما يدل على ذلك انه لا يجوز نبذ العهد اليهم. بل يجب الوفاء الى ان تتم مدته ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا انهم لا يعجزون اي لا يحسب الكافرون بربهم المكذبون باياته انهم سبقوا الله وفاتوه. فانهم لا يعجزونه. والله لهم بالمرصاد. وله تعالى الحكمة البالغة في امهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة. التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم. وتزويدهم من طاعته ومراضيه ما يصلون به الى المنازل العالية. واتصافهم باخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها. فلهذا قال الله لعباده المؤمنين واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدو اخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. وما تنفقوا من شيء اي واعدوا لاعدائكم الكفار الساعين في وابطال دينكم ما استطعتم من قوة. اي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية. وانواع الاسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم فدخل في ذلك انواع الصناعات التي تعمل فيها اصناف الاسلحة والالات من المدافع والرشاشات والبنادق والطيارات الجوية والمراكب البرية والبحرية والحصون والقلاع والخنادق. والات الدفاع والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر اعدائهم. وتعلم الرمي والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الا ان القوة الرمي ومن ذلك الاستعداد بالمراكب المحتاج اليها عند القتال. ولهذا قال تعالى ومن رباط اي لترهبون به عدو الله وعدوكم. وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان. وهي ارهاب الاعداء والحكم يدور مع علته فاذا كان شيء موجود اكثر ارهابا منها كالسيارات البرية والهوائية المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها كانت مأمورا بالاستعداد بها. والسعي لتحصيلها حتى انها اذا لم توجد الا بتعلم الصناعة. وجب ذلك لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وقوله ترهبون به عدو الله وعدوكم ممن تعلمون انهم اعداؤكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به الله يعلمهم. فلذلك امرهم بالاستعداد لهم. ومن اعظم ما يعين على قتالهم بذل النفقات المالية في جهاد الكفار ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك. وما تنفقوا من شيء في سبيل الله قليلا كان او كثيرا. يوفى اليكم اجره يوم القيامة مضاعفا اضعافا كثيرة. حتى ان النفقة في سبيل الله تضاعف الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة اي لا تنقصون من اجرها وثوابها شيئا وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم يقول تعالى وان جنحوا اي الكفار المحاربون اي مال للسلم اي الصلح وترك القتال فاجنح لها وتوكل على الله اي اجبهم الى ما طلبوا متوكلا على ربك. فان في ذلك فوائد كثيرة. منها ان طلب العافية مطلوب كل وقت. فاذا كانوا وهم المبتدئين في ذلك كان اولى لاجابتهم. ومنها ان في ذلك اجماما لقواكم واستعدادا منكم لقتالهم في وقت اخر ان احتيج لذلك ومنها انكم اذا اصلحتم وامن بعضكم بعضا. وتمكن كل من معرفة ما عليه الاخر. فان الاسلام يعلو لا يعلى عليه. فكل من له عقل وبصيرة اذا كان معه انصاف فلا بد ان يؤثره على غيره من الاديان. لحسنه في اوامره ونواهيه وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم. وانه لا جور فيه ولا ظلم بوجه. فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له. فصار ترى هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين. ولا يخاف من السلم الا خصلة واحدة. وهي ان يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين. وانتهاك الفرصة فيهم فاخبرهم الله انه حسبهم وكافيهم خداعهم. وان ذلك يعود عليهم ضرره. فقال وان هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوب انه عزيز حكيم وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله اي كافيك ما يؤذيك. وهو القائم بمصالحك ومهماتك. فقد سبق لك من كفايته لك ونصره فيما يطمئن به قلبك فهو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين. اي اعانك بمعونة سماوية وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء ومعونة بالمؤمنين بان قيدهم لنصرك والف بين قلوبهم فاجتمعوا وائتلفوا. وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم. ولم يكن هذا بسعي احد. ولا بقوة غير قوة فلو انفقت ما في الارض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة ما الفت بين قلوبهم لانه لا يقدر على تقليب القلوب الا الله تعالى ومن عزته ان الف بين قلوبهم وجمعها بعد الفرقة. كما قال تعالى واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا. وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها. ثم قال تعالى هلا يا ايها النبي حسبك الله اي ومن اتبعك من المؤمنين اي وكافي اتباعك من المؤمنين. وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله. بالكفاية والنصرة على الاعداء. فاذا اتوا بالسبب الذي هو الايمان والاتباع. فلا بد ان يكفيهم ما اهمهم من امور الدين والدنيا. وانما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها ان يكن منكم عشرون وان يكم منكم مئة يغلب الفا من الذين كفروا يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يا ايها النبي حرض المؤمنين على على القتال اي حثهم وانهضهم اليه. بكل ما يقوي عزائمهم وينشط هممهم. من الترغيب في الجهاد ومقارعة الاعداء من ظد ذلك وذكر فضائل الشجاعة والصبر. وما يترتب على ذلك من خير الدنيا والاخرة. وذكر مضار الجبن. وانه من الاخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة. وان الشجاعة بالمؤمنين اولى من غيرهم ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. ان يكن منكم ايها المؤمنون عشرون صابرون يغلبوا مئتين وان يكن منكم مئة يغلب الفا من الذين كفروا. يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار. وذلك بان الكفار قوم لا يفقهون. اي لا علم عندهم بما اعد الله للمجاهدين في سبيله. فهم يقاتلون لاجل العلو في الارض والفساد فيها وانتم تفقهون المقصود من القتال انه لاعلاء كلمة الله واظهار دينه والذب عن كتاب الله وحصول الفوز الاكبر عند الله وهذه كلها دواع للشجاعة والصبر والاقدام على القتال. ثم ان هذا الحكم خففه الله على العباد. فقال فيكم ضعفا. وعلم ان فيكم ضعفا. فلذلك رحمته وحكمته التخفيف وان يكن منكم والله مع الصابرين. بعونه وتأييده وهذه الايات صورتها صورة الاخبار عن المؤمنين. بانهم اذا بلغوا هذا المقدار المعين يغلبون ذلك المقدار المعين في من الكفار وان الله يمتن عليهم بما جعل فيه من الشجاعة الايمانية. ولكن معناها وحقيقتها الامر. وان الله امر المؤمنين في اول الامر ان الواحد لا يجوز له ان يفر من العشرة والعشرة من المئة والمئة من الالف ثمان الله خفف ذلك فصار لا يجوز فرار المسلمين من مثليهم من الكفار. فان زادوا على مثليهم جاز لهم الفرار. ولكن على هذا امران احدهما انها بسورة الخبر. والاصل في الخبر ان يكون على بابه. وان المقصود بذلك الامتنان والاخبار به الواقع والثاني تقييد ذلك العدد ان يكونوا صابرين. بان يكونوا متدربين على الصبر ومفهوم هذا انهم اذا لم يكونوا صابرين فانه يجوز لهم الفرار. ولو اقل من مثليهم اذا غلب على ظنهم الظرر ما تقتضيه الحكمة الالهية. ويجاب عن الاول بان قوله الان خفف الله عنكم الى اخرها دليل على ان هذا امر لازم وامر محتم. ثم ان الله خففه الى ذلك العدد. فهذا ظاهر في انه امر ان كان في صيغة الخبر وقد يقال ان في اتيانه بلفظ الخبر نكتة بديعة لا توجد فيه اذا كان بلفظ الامر وهي تقوية قلوب المؤمنين. والبشارة بانهم سيغلبون الكافرين. ويجاب عن الثاني ان المقصود بتقييد ذلك بالصابرين. انه حث على الصبر وانه ينبغي منكم ان تفعلوا الاسباب الموجبة لذلك. فاذا فعلوها صارت الاسباب الايمانية والاسباب المادية مبشرة بحصول ما الله به من النصر لهذا العدد القليل تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم. هذه معتبة من الله رسوله وللمؤمنين يوم بدر اذ اسروا المشركين وابقوهم لاجل الفداء. وكان رأي امير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال قتلهم واستئصالهم وقال تعالى ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض. اي ما ينبغي ولا يليق به اذا قاتل الكفار الذين يريدون يطفئوا نور الله ويسعوا لاخماد دينه. والا يبقى على وجه الارض من يعبد الله ان يتسرع الى اسرهم وابقائهم لاجل الفداء الذي يحصل منهم وهو عرض قليل بالنسبة الى المصلحة المقتضية لابادتهم وابطال شرهم. فما دام لهم شر وصولة فالاوفق والا يؤسروا. فاذا اثخنوا وبطل شرهم واضمحل امرهم. فحينئذ لا بأس باخذ الاسرى منهم وابقائهم. يقول تعالى تريدون باخذكم الفداء وابقائهم عرض الحياة الدنيا. اي لا لمصلحة تعود الى دينكم. والله يريد الاخرة باعزاز دينه ونصر اوليائه. وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم. فيأمركم بما يوصل الى ذلك. والله عزيز اي كامل العزة. لو شاء ان ينتصر من الكفار من دون قتال لفعل. لكنه حكيم يبتلي بعضكم ببعض لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم. لولا كتاب من الله سبق به القضاء والقدر انه قد احل لكم الغنائم. وان الله رفع عنكم ايها الامة العذاب وفي الحديث لو نزل عذاب يوم بدر ما نجا منه الا عمر انا لو طيبا واتقوا الله واتقوا الله ان الله غفور فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا. وهذا من لطفه تعالى بهذه الامة. ان احل لها الغنائم ولم يحلها لامة قبلها. واتقوا الله في جميع اموركم ولازموها. شكرا لنعم الله عليكم. ان الله غفور يغفر لمن تاب اليه جميع الذنوب ويغفر لمن لم يشرك به شيئا جميع المعاصي رحيم بكم حيث اباح لكم الغنائم وجعلها حلالا طيبا الله غفور رحيم. وهذه نزلت في اسارى يوم بدر. وكان في جملتهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما طلب منه الفداء ادعى انه مسلم قبل ذلك فلم يسقطه عنه الفداء. فانزل الله تعالى جبرا لخاطره. ومن كان على مثل يؤتكم خيرا مما اخذ منكم اي من المال بان ييسر لكم من فضله خيرا واكثر مما اخذ منكم. ويغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم الجنة. وقد انجز الله وعده للعباس وغيره. فحصل له بعد ذلك من المال شيء كثير. حتى انه مرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مال كثير اتاه العباس فامره ان يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمله. فاخذ منه ما كاد ان يعجز عن حمله وان يريد خيانتك في السعي حربك ومنابذتك فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم. فليحذروا خيانتك فان الله تعالى قادر عليهم. وهم تحت قبضته اي عليم بكل شيء حكيم يضع الاشياء مواضعها ومن علمه وحكمته ان شرع لكم هذه الجليلة الجميلة وان تكفل بكفايتكم شأن الاسرى وشرهم ان ارادوا خيانة. ان الذين امنوا وهاجروا والذين اولئك بعضهم اولياء بعض. هذا عقد موالاة ومحبة. عقدها الله بين المهاجرين الذين امنوا وهاجروا في سبيل الله وتركوا اوطانهم لله لاجل الجهاد في سبيل الله. وبين الانصار الذين اووا رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه واعانوهم في ديارهم واموالهم وانفسهم. فهؤلاء بعضهم اولياء بعض. لكمال ايمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض والذين امنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا آآ والذين امنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروه فانهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة الى الرجال. فلما لم يهاجروا لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء لكنهم ان استنصروكم في الدين اي لاجل قتال من قاتلهم لاجل دينهم. فعليكم النصر والقتال معهم. واما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد. فليس عليكم نصرهم. وقوله تعالى الا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. اي عهد بترك قتال فانهم اذا اراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم فلا تعينوهم عليهم لاجل ما بينكم وبينهم من الميثاق يعلم ما انتم عليه من الاحوال فيشرع لكم من الاحكام ما يليق بكم والذين كفروا بعضهم اولياء بعض الا تفعلوه تكن فتنة في الارض فساد كبير. لما عقد الولاية بين المؤمنين اخبر ان الكفار حيث جمعهم الكفر فبعضهم اولياء لبعض. فلا يواليهم الا كافر مثلهم. وقوله الا تفعلوه اي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين بان واليتموهم كلهم او عاديتموهم كلهم او واليتم الكافرين وعاديتم المؤمنين. تكن فتنة في الارض وفساد كبير. فانه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل. والمؤمن بالكافر وعدم في كثير من العبادات الكبار كالجهاد والهجرة وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت اذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم اولياء بعضهم لبعض والذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين اوووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم. الايات السابقة في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والانصار. وهذه الايات في بيان مدحهم وثوابهم. فقال اولئك اي المؤمنون من المهاجرين والانصار هم المؤمنون حقا. لانهم صدقوا ايمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض. وجهادهم لاعدائهم من الكفار والمنافقين. لهم مغفرة من الله تمحى بها سيئاتهم وتضمحل بها زلاتهم ولهم رزق كريم. اي خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. وربما حصل من الثواب المعجل ما تقر به اعينهم. وتطمئن به قلوبهم. والذين امنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والانصار ممن اتبعهم باحسان امن وهاجر وجاهد في سبيل الله فاولئك منكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. فهذه الموالاة الايمانية وقد كانت في اول الاسلام لها وقع كبير وشأن عظيم. حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم اخى بين المهاجرين والانصار اخوة خاصة. غير والاخوة الايمانية العامة. وحتى كانوا يتوارثون بها فانزل الله ان الله بكل شيء عليم. واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله فلا يرثه الا اقاربه من العصبات واصحاب الفروض. فان لم يكونوا فاقرب قرباته من ذوي الارحام كما عليه عموم هذه الاية الكريمة. وقوله في كتاب الله اي في حكمه وشرعه. ان الله بكل شيء عليم. ومنه ما يعلمه من احوالكم التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها الان اي هذه براءة من الله ومن رسوله الى جميع المشركين المعاهدين ان لهم اربعة اشهر يسيحون في الارض على اختيارهم امنين من المؤمنين. وبعد الاربعة الاشهر فلا عهد لهم ولا ميثاق. وهذا لمن كان له عهد مطلق غير مقدر او مقدر باربعة اشهر فاقل. اما من كان له عهد مقدر بزيادة على اربعة اشهر. فانه يتعين ان يتمم له عهده اذا لم يخف منه انه خيانة ولم يبدأ بنقض العهد. ثم انذر المعاهدين في مدة عهدهم انهم وان كانوا امنين فانهم لن يعجزوا الله ولن يفوتوه وانه من استمر منهم على شركه فان الله لابد ان يخزيه. فكان هذا مما يجلبهم الى الدخول في الاسلام. الا من عاند واصر ولم يبالي بوعيد الله له واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر ان الله بريء انكم غير معجزين كفروا بعذاب اليم. هذا ما وعد الله به المؤمنين من نصر دينه واعلاء كلمته وخذلان اعدائهم من المشركين. الذين اخرجوا الرسول ومن معه من مكة من بيت الله الحرام اجلوهم مما لهم التسلط عليه من ارض الحجاز. نصر الله رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة. واذل المشركين وصار للمؤمنين الحكم الغلبة على تلك الديار. فامر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه ان يؤذن يوم الحج الاكبر. وهو يوم النحر وقت اجتماع الناس مسلمهم اثرهم من جميع جزيرة العرب ان يؤذن بان الله بريء ورسوله من المشركين. فليس لهم عنده عهد وميثاق. فاينما وجدوا قتلوا وقيل لهم لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا. وكان ذلك سنة تسع من الهجرة. وحج بالناس ابو بكر الصديق رضي الله عنه واذن ببراءة يوم النحر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ثم رغبت على المشركين بالتوحيد ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال فان تبتم فهو خير لكم وان توليتم فاعلموا انكم غير معجز الله. اي فائتيه بل انتم في قبضته قادر ان يسلط عليكم عباده المؤمنين. وبشر الذين كفروا بعذاب اليم. اي مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الاخرة بالنار وبئس القرار ان الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يضاهروا عليكم اي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين الا الذين عاهدتم من المشركين واستمروا على عهدهم ولم يجري منهم ما النقم فلا نقصوكم شيئا ولا عاونوا عليكم احدا. فهؤلاء اتموا لهم عهدهم الى مدتهم. قلت او كثرت لان الاسلام لا يأمر بالخيانة وانما يأمر بالوفاء. ان الله يحب المتقين الذين ادوا ما امروا به واتقوا الشرك والخيانة. وغير ذلك من المعاصي يقول تعالى فاذا انسلخ الاشهر الحرم اي التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين وهي اشهر التسيير الاربعة وتمام المدة لمن له مدة اكثر منها. فقد برئت منهم الذمة. فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في اي مكان وزمان. وخذوهم اسرى واحصروهم اي ضيقوا عليهم فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد الله وارضه التي جعلها الله معبدا لعباده. فهؤلاء ليسوا اهلا اللي سكناها ولا يستحقون منها شبرا. لان الارض ارض الله وهم اعداؤه المنابذون له ولرسله. المحاربة الذين يريدون ان يخلو الارض من دينك ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. واقعدوا لهم كل مرصد اي كل ثنية وموضع يمرون عليه. ورابطوا في جهادكم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك. ولا تزالوا على هذا الامر حتى يتوبوا من شركهم. ولهذا قال فان تابوا من شركهم اقاموا الصلاة اي ادوها بحقوقها واتوا الزكاة لمستحقيها. فخلوا سبيلهم اي اتركوهم وليكونوا مثلكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. ان الله غفور رحيم. يغفر الشرك فما دونه للتائبين. ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة. ثم قبولها منهم وفي هذه الاية دليل على ان من امتنع من اداء الصلاة او الزكاة فانه يقاتل حتى يؤديهما. كما استدل بذلك ابو بكر الصديق رضي الله عنه عن ذلك بانهم قوم لا يعلمون. لما كان ما تقدم من قوله فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث فوجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. امرا عاما في جميع الاحوال وفي كل الاشخاص منهم. ذكر تعالى ان المصلحة اذا اقتضى التقريب بعضهم جاز بل وجب ذلك. فقال وان احد من المشركين استجارك. اي طلب منك ان تجيره وتمنعه من الضرر لاجل ان يسمع كلام الله وينظر حالة الاسلام فاجره حتى يسمع كلام الله. ثم ان اسلم فذاك والا فابلغه مأمنه. اي المحل الذي يأمن فيه والسبب في ذلك ان الكفار قوم لا يعلمون. فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم. اذا زال اختاروا عليه الاسلام فلذلك امر الله رسوله وامته اسوته في الاحكام ان يجيروا من طلب ان يسمع كلام الله. وفي هذا حجة صريحة لمذهب اهل السنة والجماعة جماعة القائلين بان القرآن كلام الله غير مخلوق. لانه تعالى هو المتكلم به. واضافه الى نفسه اضافة الصفة الى موصوفها وبطلان مذهب المعتزلة ومن اخذ بقولهم ان القرآن مخلوق. وكم من الادلة الدالة على بطلان هذا القول؟ ليس هذا محل ذكرها كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام هذا بيان للحكمة الموجبة لان يتبرأ الله ورسوله من المشركين. فقال كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله؟ هل قاموا بواجب الايمان ام تركوا رسول الله والمؤمنين من اذيتهم؟ اما حاربوا الحق ونصرو الباطل؟ اما سعوا في الارض فسادا؟ فيحق لهم ان يتبرأ الله منهم والا يكون لهم عنده عهد ولا عند رسوله. الا الذين عاهدتم من المشركين عند المسجد الحرام. فان لهم في العهد وخصوصا في هذا المكان عن الفاضل حرمة اوجب ان يراعوا فيها. فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم. ان الله يحب المتقين. ولهذا قال كيف وان يظهر عليكم لا يرغب فيكم الا ولا ذمة يرضونكم اي كيف يكون للمشركين عند الله عهد وميثاق قالوا انهم ان يظهروا عليكم بالقدرة والسلطة لا يرحموكم ولا يرقب فيكم الا ولا ذمة. اي لا ذمة ولا قرابة. ولا يخافون الله فيكم بل يصومونكم سوء العذاب فهذه حالكم معهم لو ظهروا. ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم. فانهم بافواههم وتأبى قلوبهم الميل والمحبة لكم. بل هم الاعداء حقا. المبغضون لكم صدقا. واكثرهم فاسقون. لا كانت لهم ولا مروة يشترون بايات الله ثمنا قليلا اي اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا على الايمان بالله ورسوله. والانقياد لايات الله. فصدوا بانفسهم وصدوا غيرهم عن سبيله. انهم ساء ما كانوا لا يرقبون في مؤمن لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة. اي لاجل عداوتهم للايمان واهله. فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لاجله ويبغضونكم هو الايمان فذبوا عن دينكم وانصروه واتخذوا من عاداه لكم عدوا. ومن نصره لكم وليا. واجعلوا الحكم يدور معه وجودا وعدما ستجعل الولاية والعداوة طبيعية تميلون بهما. حيث مال الهوى وتتبعون فيهما النفس الامارة بالسوء. ولهذا تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين. ونفصل الايات لقوم فان تابوا عن شركهم ورجعوا الى الايمان واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين. وتناسوا تلك كالعداوة اذ كانوا مشركين. لتكونوا عباد الله المخلصين. وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة. لما بين من احكامه العظيمة ما بين ووضح منها ما وضح احكاما وحكما وحكما وحكمة. قال ونفصل الايات اي نوضحها ونميزها لقوم يعلمون. فاليهم سياق الكلام وبهم تعرف الايات والاحكام وبهم عرف دين الاسلام وشرائع الدين. اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون ويعملون بما تعلمون برحمتك وجودك وكرمك واحسانك يا رب العالمين فقاتلوا امة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون. يقول تعالى بعدما ذكر ان المعاهدين من ان استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء. وانكثوا ايمانهم من بعد عهدهم. اين قضوها وحلوها؟ فقاتلوكم او واعانوا على قتالكم او نقصوكم وطعنوا في دينكم اي عابوه وسخروا منه ويدخل في هذا جميع انواع الطعن الموجهة الى الدين او الى القرآن فقاتلوا ائمة الكفر. اي القادة فيه الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن. الناصرين لدين الشيطان. وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم. ولان غيرهم تبع لهم. وليدل على ان من طعن في الدين وتصدى للرد عليه. فانه من ائمة الكفر. انهم لا ايمان لهم اي لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها. بل لا يزالون خائنين ناكثين للعهد لا يوثق منهم. لعل هم في قتالكم اياهم ينتهون عن الطعن في دينكم. وربما دخلوا فيه. ثم حث على قتالهم وهيج المؤمنين بذكر الاوصاف التي صدرت من هؤلاء الاعداء والتي هم موصوفون بها المقتضية لقتالهم. فقال الا تقاتلون قوما نكسو ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهموا باخراج الرسول وهم بدأوكم اولا اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه. وهم هموا ان يجلوه ويخرجوه من وطنه وسعوا في ذلك ما امكنهم وهم بدؤوكم اول مرة. حيث نقضوا العهد واعانوا عليكم. وذلك حيث عاونت قريش وهم معاهدون بني بكر حلفائهم على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة. اتخشون كونهم في ترك قتالهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين. فانه امركم بقتالهم واكد ذلك عليكم غاية التأكيد ان كنتم مؤمنين فامتثلوا لامر الله. ولا تخشوهم فتتركوا امر الله. ثم امر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد. وكل هذا وانهاض للمؤمنين على قتالهم. فقال قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ما انصرتم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين. قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم بالقتل ويخزهم اذا نصركم الله عليهم وهم الاعداء الذين يقلب خزيهم ويحرص عليه. وينصركم عليهم. هذا وعد من الله وبشارة قد انجزها ويشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم فان في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم. اذ يرون هؤلاء الاعداء محاربين لله ولرسوله. ساعين في اطفاء نور الله وزوالا للغيب الذي في قلوبهم وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين. واعتنائه باحوالهم حتى انه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. ثم قال ويتوب الله على من يشاء من هؤلاء المحاربين بان يوفقهم للدخول في الاسلام. ويزينه في قلوبهم ويكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان. والله عليم حكيم يضع الاشياء مواضعها. ويعلم من يصلح للايمان فيهديه ومن لا يصلح فيبقيه في غيه وطغيانه ثم لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين والجهل. والله خبير بما تعملون يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد ما امرهم بالجهاد ام حسبتم ان تتركوا من دون ابتلاء وامتحان وامر بما يبين به الصادق والكاذب ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم اي علما يظهر مما في القوة الى الخارج ليترتب عليه الثواب والعقاب الذين يجاهدون في سبيله لاعلاء كلمته. ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجه. اي وليا من الكافرين بل يتخذون الله ورسوله والمؤمنين اولياء. فشرع الله الجهاد ليحصل به هذا المقصود الاعظم. وهو ان يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون الا لدين الله من الكاذبين الذين يزعمون الايمان وهم يتخذون الولائد والاولياء من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين. والله خبير بما تعملون اي يعلم ما يصير منكم ويصدر فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما انتم عليه. ويجازيكم على اعمالكم خيرها وشرها يقول تعالى ما كان اي ما ينبغي ولا يليق ان يعمروا مساجد الله بالعبادة والصلاة وغيرها من انواع الطاعات. والحال انهم شاهدون ومقرون على انفسهم بالكفر. بشهادة وفطرهم وعلم كثير منهم انهم على الكفر والباطل. فاذا كانوا شاهدين على انفسهم بالكفر. وعدم الايمان الذي هو شرط لقبول الاعمال فكيف يزعمون انهم عمار مساجد الله؟ والاصل منهم مفقود. والاعمال منهم باطلة. ولهذا قال اولئك حبطت اعمالهم اي بطلت وضلت وفي النار هم خالدون. ثم ذكر منهم عمار مساجد الله فقال من امن بالله واليوم الاخر واقام الصلاة واقام الصلاة واتى الزكاة ولم يخشى الا الله ولم يخش الا الله فعسى اولئك كي يكونوا من المهتدين. انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر. واقام الصلاة الواجبة والمستحبة بالقيام بالظاهر منها والباطن. واتى الزكاة لاهلها ولم يخش الا الله. اي قصر خشيته على ربه فكف عن ما حرم الله ولم يقصر بحقوق الله الواجبة. فوصفهم بالايمان النافع وبالقيام بالاعمال الصالحة التي امها الصلاة والزكاة. وبخير خشية الله التي هي اصل كل خير. فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة واهلها الذين هم اهلها. فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين وعسى من الله واجبة. واما من لم يؤمن بالله ولا باليوم الاخر. ولا عنده خشية لله فهذا ليس من عمار مساجد الله. ولا من اهل فيها الذين هم اهلها وان زعم ذلك وادعاه. اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الله لا يهدي القوم الظالمين. لما اختلف بعض المسلمين او بعض المسلمين وبعض المشركين في تفضيل عمارة المسجد في الحرام بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج. على الايمان بالله والجهاد في سبيله. اخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما. فقال اجعلتم سقاية الحاج اي سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف اذا اطلق هذا الاسم انه المراد وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله. فالجهاد والايمان بالله افضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة. لان الايمان اصل الدين. وبه تقبل الاعمال وتزكوا الخصال. واما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين الذي به يحفظ الدين الاسلامي ويتسع وينصر الحق ويخذل الباطل. واما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج. فهي وان كانت اعمالا صالحة فهي متوقفة على الايمان وليس فيها من المصالح ما في الايمان والجهاد. فلذلك قال لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين اي الذين وصفهم الظلم الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير بل لا يليق بهم الا الشر. ثم صرح بالفضل فقال الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم اعظم درجة الذين امنوا وهاجروا في سبيل الله باموالهم بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة وانفسهم بالخروج بالنفس. اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون اي لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب. الا من اتصف بصفاتهم وتخلق باخلاقهم يبشرهم ربهم برحمة منه وجنات لهم فيها نعيم مقيم يبشرهم ربهم جودا منه وكرما وبرا بهم. واعتناء ومحبة لهم برحمة منه. ازال بها عنهم الشرور وصل اليهم بها كل خير ورضوان منه تعالى عليهم الذي هو اكبر نعيم الجنة واجله. فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ابدا وجنات لهم فيها نعيم مقيم. من كل ما اشتهته الانفس وتلذ الاعين مما لا يعلم وصفه ومقداره الا الله تعالى. الذي منه وان الله اعد للمجاهدين في سبيله مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض. ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعته خالدين فيها ابدا لا ينتقلون عنها ولا يبغون عنها حولا. ان الله عنده اجر عظيم. لا تستغرب كثرته على فضل الله. ولا يتعجب عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون اولئك هم الظالمون. يقول تعالى يا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى الايمان. بان توالوا من قام به وتعادوا من لم ولا تتخذوا اباءكم واخوانكم الذين هم اقرب الناس اليكم وغيرهم من باب اولى واحرى. فلا تتخذوهم اولياء ان استحبوا اي اختاروا على وجه الرضا والمحبة الكفر على الايمان. ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون. لانهم تجرأوا على معاصي الله واتخذوا اعداء الله اولياء. واصل الولاية المحبة والنصرة. وذلك ان اتخاذهم اولياء موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله ومحبتهم على محبة الله ورسوله. ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك وهو ان محبة الله ورسوله يتعين تقديمها على محبة كل شيء وجعل جميع الاشياء تابعة لهما. فقال ازواجكم عشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة. وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضى اياتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين قل ان كان اباؤكم ومثلهم الامهات وابناؤكم واخوانكم في النسب والعشرة. وازواجكم وعشيرتكم. اي قراباتكم عموما. واموال اقترفتموها. اي اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها خصها بالذكر. لانها ارغب عند اهلها. وصاحبها اشد حرصا عليها ممن تأتيه الاموال من غير تعب ولا كد وتجارة تخشون كسادها اي رخصها ونقصها. وهذا شامل لجميع انواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات. من الاثمان والاواني والاسلحة والامتعة والحبوب والحروث والانعام وغير ذلك. ومساكن ترضونها من حسنها وزخرفتها وموافقتها لاهوائكم. فان كانت هذه الاشياء احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فانتم فسقة ظلمة. فتربصوا اي انتظروا ما يحل بكم من العقاب حتى يأتي الله بامره الذي لا مرد له. والله لا يهدي القوم الفاسقين. اي الخارجين عن طاعة الله المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات وهذه الاية الكريمة اعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله وعلى تقديمها على محبة كل شيء وعلى الوعيد والمقت الاكيد على من كان شيء من هذه المذكورات احب اليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك انه اذا عرض عليه امر احدهما يحبه الله ورسوله وليس لنفسه فيه هوى. والاخر تحبه نفسه وتشتهيه. ولكنه يفوت عليه محبوبا لله ورسوله او ينقصه فانه ان قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله. دل ذلك على انه ظالم تارك لما يجب عليه. لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا يمتن تعالى على عباده المؤمنين اياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء. ومواضع الحروب والهيجاء حتى في يوم حنين الذي اشتدت عليهم فيه الازمة. ورأوا من والفرار ما ضاقت عليهم به الارض على رحبها وسعتها. وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة سمع انها وازن اجتمعوا فسار اليهم صلى الله عليه وسلم في اصحابه الذين فتحوا مكة وبمن اسلم من الطلقاء اهل مكة فكانوا اثني عشر الفا والمشرك تكون اربعة الاف فاعجب بعض المسلمين بكثرتهم. وقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة. فلما التقوهم وهوازن حملوا على المسلمين حملة واحدة فانهزموا لا يلوي احد على احد. ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نحو مئة رجل. ثبتوا معه وجعل يقاتلون المشركين وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يركب بغلته نحو المشركين ويقول انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب ولما رأى من المسلمين ما رأى امر العباس ابن عبد المطلب ان ينادي في الانصار وبقية المسلمين. وكان رفيع الصوت فناداهم يا السمرة يا اهل سورة البقرة. فلما سمعوا صوته عطفوا عطفة رجل واحد. فاجتلدوا مع المشركين فهزم الله المشركين هزيما شنيعة واستولوا على معسكرهم ونسائهم واموالهم. وذلك قوله تعالى لقد نصركم الله في مواطن كثيرة لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الواقعة بين مكة والطائف اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغني عنكم شيئا اي لم تفدكم شيئا قليلا ولا كثيرا وضاقت عليكم الارض بما اصابكم من الهم والغم حين انهزمتم بما رحبت اي على رحبها وسعتها. ثم وليتم مدبرين اي منهزمين الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين. ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والسكينة ما يجعله الله في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات. مما يثبتها ويسكنها ويجعلها مطمئنة. وهي من نعم الله العظيمة على العباد وانزل جنودا لم تروها وهم الملائكة انزلهم الله معونة للمسلمين يوم حنين يثبتونهم ويبشرونهم بالنصر وعذب الذين كفروا بالهزيمة والقتل واستيلاء المسلمين على نسائهم واولادهم واموالهم. وذلك جزاء الكافرين يعذبهم الله في دنيا ثم يردهم في الاخرة الى عذاب غليظ آآ والله غفور رحيم. ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء. فتاب الله على كثير ممن كانت عليهم واتوا الى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين. فرد عليهم نساءهم واولادهم. والله غفور رحيم. اي ذو مغفرة واسعة ورحمة عامة. يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين. ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة. والصفح عن جرائمهم وقبول توباتهم فلا ييأسن احد من مغفرته ورحمته. ولو فعل من الذنوب والاجرام ما فعل مشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وان خفتم عيلة فسوف يغنين حيكم الله من فضله ان شاء ان الله عليم حكيم يقول تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون بالله الذين عبدوا معه غيره نجس اي خبثاء في عقائدهم واعمالهم مالهم واي نجاسة ابلغ ممن كان يعبد مع الله الهة لا تنفع ولا تضر. ولا تغني عنه شيئا. واعمالهم ما بين محاربة لله رد عن سبيله ونصر للباطل ورد للحق. وعمل بالفساد في الارض لا في الصلاح. فعليكم ان تطهروا اشرف البيوت واطهرها عنهم لا يقرب المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وهو سنة تسع من الهجرة حين حج بالناس ابو بكر الصديق رضي الله عنه. وبعث النبي صلى الله عليه سلم ابن عمه علي ان يؤذن يوم الحج الاكبر ببراءة. فنادى الا يحج بعد العام مشرك. ولا يطوف بالبيت عريان. وليس المراد نجاسة البدن فان الكافر كغيره طاهر البدن. بدليل ان الله تعالى اباح وطأ الكتابية ومباشرتها. ولم يأمر بغسل ما اصاب منها والمسلمون ما زالوا يباشرون ابدان الكفار. ولم ينقل عنهم انهم تقذروا منها تقذرهم من النجاسات. وانما المراد كما تقدم نجاسته لهم المعنوية بالشرك. فكما ان التوحيد والايمان طهارة فالشرك نجاسة. وقوله وان خفتم ايها المسلمون عيلة اي فقرا حاجة من منع المشركين من قربان المسجد الحرام بان تنقطع الاسباب التي بينكم وبينهم من الامور الدنيوية فسوف يغنيكم الله من فضله ان فليس الرزق مقصورا على باب واحد ومحل واحد. بل لا ينغلق باب الا وفتح غيره ابواب كثيرة. فان فضل الله واسع عظيم خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم. فان الله اكرم الاكرمين. وقد انجز الله وعده. فان الله اغنى المسلمين من فضله. وبس لهم من الارزاق ما كانوا من اكبر الاغنياء والملوك. وقوله ان شاء تعليق للاغناء بالمشيئة. لان الغنى في الدنيا ليس من لوازم الايمان ولا يدل على محبة الله. فلهذا علقه الله بالمشيئة. فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الايمان والدين الا من يحب ان الله عليم حكيم. اي علمه واسع. يعلم من يليق به الغنى ومن لا يليق. ويضع الاشياء مواضعها. وينزلها منازلها. وتدل الاية الكريمة وهي قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ان المشركين بعدما كانوا هم الملوك والرؤساء بالبيت ثم صار بعد الحكم لرسول الله والمؤمنين. مع اقامتهم في البيت ومكة المكرمة. ثم نزلت هذه الاية. ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم امر ان يجلوا من الحجاز فلا يبقى فيها دينان. وكل هذا لاجل بعد كل كافر عن المسجد الحرام. فيدخل في قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. هذه الاية امر بقتال الكفار من اليهود والنصارى. من الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ايمانا صحيحا. يصدقونه بافعالهم واعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله. فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات ولا يدينون دين الحق. اي لا يدينون بالدين الصحيح. وان زعموا انهم على دين فانه دين غير الحق. لانه ما بين دين مبدل وهو الذي لم يشرعه الله اصلا. واما دين منسوخ قد شرعه الله. ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز. فامره بقتال هؤلاء وحث على ذلك. لانهم يدعون الى ما هم عليه. ويحصل الضرر الكثير منهم للناس. بسبب انهم هم اهل كتاب وغير ذلك القتال حتى يعطوا الجزية. اي المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم. واقامتهم امنين على انفسهم واموالهم بين اظهر المسلمين يؤخذ منهم كل عام كل على حسب حاله من غني وفقير ومتوسط كما فعل ذلك امير المؤمنين عمر ابن الخطاب وغيره من امراء المؤمنين. وقوله عن يد اي حتى يبذلوها في حال ذلهم. وعدم اقتدارهم ويعطونها بايديهم فلا يرسلون بها خادما ولا غيرة. بل لا تقبل الا من ايديهم وهم صاغرون. فاذا كانوا بهذه الحال وسألوا المسلمين ان يقروهم بالجزية وهم تحت احكام المسلمين وقهرهم. وحال الامن من شرهم وفتنتهم. واستسلموا للشروط التي اجراها عليهم المسلمون. مما ينفي عزهم وتكبرهم وتوجب ذلهم واصرارهم. وجب على الامام او نائبه ان يعقدها لهم. والا بان لم يفوا ولم يعطي الجزية عن يد وهم صاغرون. لم يجز قرارهم بالجزية بل يقاتلون حتى يسلموا. واستدل بهذه الاية الجمهور الذين يقولون لا تؤخذ الجزية الا من اهل الكتاب. لان الله لم اخذ الجزية الا منهم. واما غيرهم فلم يذكر الا قتالهم حتى يسلموا. والحق باهل الكتاب في اخذ الجزية واقرارهم في ديار المسلمين المجوس فان النبي صلى الله عليه وسلم اخذ الجزية من مجوس هجر. ثم اخذها امير المؤمنين عمر من الفرس المجوس. وقيل ان الجزية تؤخذ من سائر الكفار من اهل الكتاب وغيرهم. لان هذه الاية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين. والشروع في قتال اهل الكتاب ونحوهم. فيكون هذا القيد اخبارا بالواقع لا مفهوم له. ويدل على هذا ان المجوس اخذت منهم الجزية وليسوا اهل كتاب. ولانه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم انهم يدعون من يقاتلونهم الى احدى ثلاث. اما الاسلام او اداء الجزية او السيف من غير فرق بين كتابي وغيره وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله. ذلك قولهم لما امر تعالى بقتال اهل الكتاب ذكر من اقوالهم الخبيثة ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم والاجتهاد وبذل الوسع فيه. فقال وقالت اليهود عزير ابن الله وهذه المقالة. وان لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها في منهم فيدل ذلك على ان في اليهود من الخبث والشر ما اوصلهم الى ان قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على الله وتنقصوا عظمته وجلاله وقد قيل ان سبب ادعائهم في عزير انه ابن الله انه لما سلط الله الملوك على بني اسرائيل ومزقوهم كل ممزق وقتلوا حملة التوراة وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها او لاكثرها. فاملاها عليهم من حفظه واستنسخوها. فادعوا فيه هذه الدعوة الشنيعة قالت النصارى المسيح عيسى ابن مريم ابن الله قال الله تعالى ذلك القول الذي قالوه قولهم بافواههم لم يقيموا لديه حجة ولا برهانا. ومن كان لا يبالي بما يقول لا يستغرب عليه اي قول يقوله. فانه لا دين ولا عقل يحجزه عما يريد من الكلام ولهذا قال يضاهئون اي يشابهون في قولهم هذا قول الذين كفروا من قبل اي قول المشركين الذين يقولون الملائكة بنات الله تشابهت قلوبهم فتشابهت اقوالهم في البطلان. قاتلهم الله انى يؤفكون. اي كيف يصرفون عن الحق الصدق في الواضح المبين الى القول الباطل المبين. وهذا وان كان يستغرب على امة كبيرة كثيرة ان تتفق على قول يدل على بطلانه ادنى تفكر وتسليط للعقل عليه. فان لذلك سببا وهو انهم الا هو سبحانه عما يشركون. اتخذوا احبارهم وهم علماؤهم ورهبانهم. اي العباد للعبادة اربابا من دون الله. يحلون لهم ما حرم الله فيحلونه. ويحرمون لهم ما احل الله فيحرمونه. ويشرعون لهم من الشرائع والاقوال المنافية لدين الرسل. فيتبعونهم عليها وكانوا ايضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم. ويتخذون قر قبورهم اوثانا تعبد من دون الله. وتقصد بالذبائح والدعاء والاستغاثة. والمسيح ابن مريم اتخذوه الها من دون الله. والحال انهم خالفوا في ذلك امر الله لهم على السنة رسله. فما امروا الا ليعبدوا الها واحدا. لا اله الا هو. فيخلصون له العبادة والطاعة ويخصونه بالمحبة والدعاء فنبذوا امر الله واشركوا به ما لم ينزل به سلطانا. سبحانه وتعالى عما يشركون اي تنزه وتقدس وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم. فانهم ينتقصونه في ذلك ويصفونه بما لا يليق بجلاله. والله تعالى العالي في اوصافه وافعاله عن كل ما نسب اليه. مما ينافي كماله المقدس. فلما تبين انه لا حجة لهم على ما قالوه ولا برهان وانما هو مجرد قول قالوه هو افتراء افتروه. اخبر انهم تريدون بهذا ان يطفئوا نور الله بافواههم. ونور الله دينه الذي ارسل به الرسل. وانزل به الكتب. وسماه الله نورا لانه استناروا به في ظلمات الجهل والاديان الباطلة. فانه علم بالحق وعمل بالحق. وما عداه فانه بضده. فهؤلاء اليهود والنصارى او من ضاحوه من المشركين يريدون ان يطفئوا نور الله بمجرد اقوالهم التي ليس عليها دليل اصلا. ويأبى الله الا ان يتم نوره لانه النور الباهر الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على اطفائه ان يطفئوه. والذي انزله جميع نواصي العباد بيده. وقد تكفل بحفظه من كل لمن يريده بسوء. ولهذا قال ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وسعوا ما امكنهم في رده وابطاله. فان انهم لا يضر الحق شيئا. ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل باتمامه وحفظه. فقال هو الذي ارسل بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق. الذي هو العمل الصالح. فكان ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم. مشتملا على بيان الحق من الباطل في اسماء الله واوصافه وافعاله. وفي احكامه واخباره والامر بكل مصلحة نافعة للقلوب والارواح والابدان. من اخلاص الدين لله وحده ومحبة الله وعبادته والامر بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم والاعمال الصالحة والاداب النافعة والنهي عن كل ما يضاد ذلك يناقضه من الاخلاق والاعمال السيئة. المضرة للقلوب والابدان والدنيا والاخرة. فارسله الله بالهدى ودين الحق. ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اي ليعليه على سائر الاديان بالحجة والبرهان والسيف والسنان. وان كره المشركون ذلك وبغوا له الغوائل فان المكر السيء لا يضر الا صاحبه. فوعد الله لابد ان ينجزه. وما ضمنه لا بد ان يقوم به ايها الذين امنوا ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون اموال الناس بالباطل والذين يكنزون الذهب والفضة ولا هذا تحذير من الله تعالى لعباده المؤمنين عن كثير من الاحبار والرهبان. اي العلماء والعباد الذين يأكلون اموال الناس بالباطل اي بغير حق ويصدون عن سبيل الله. فانهم اذا كانت لهم رواتب من اموال الناس او بذل الناس لهم من اموالهم فانه لاجل علمهم وعبادتهم. ولاجل هداهم وهدايتهم. وهؤلاء يأخذونها ويصدون الناس عن سبيل الله. فيكون اخذهم لها على هذا الوجه سحب وظلما فان الناس ما بذلوا لهم من اموالهم الا ليدلوهم الى الطريق المستقيم. ومن اخذهم لاموال الناس بغير حق ان يعطوهم ليفتوهم او لهم بغير ما انزل الله فهؤلاء الاحبار والرهبان ليحذر منهم هاتان الحالتان. اخذهم لاموال الناس بغير حق. وصدهم الناس عن في سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة اي يمسكونهما ولا ينفقونهما في سبيل الله اي طرق الخير الموصلة الى الله وهذا هو الكنز من محرم ان يمسكها عن النفقة الواجبة كان يمنع منها الزكاة او النفقات الواجبة للزوجات او الاقارب او النفقة في سبيل الله اذا وجبت فبشرهم بعذاب اليم ثم فسره بقوله هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكذبون يوم يحمى عليها اي على اموالهم في نار جهنم. فيحمى كل دينار او درهم على حدته. فتكوى بها جبال ها هم وجنوبهم وظهورهم في يوم القيامة. كلما بردت اعيدت في يوم كان مقداره خمسين الف سنة. ويقال لهم توبيخا ولو ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون. فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم انفسكم وعذبتموها بهذا الكنز. وذكر الله في هاتين الايتين انحراف الانسان في ماله وذلك باحد امرين. اما ان ينفقه في الباطن الذي لا يجدي عليه نفعا. بل لا يناله منه الا الضرر المحض. وذلك كاخراج الاموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله. واخراجها للصد عن سبيل الله. واما ان يمسك ما له عن اخراجه في الواجبات. والنهي عن الشيء امر بضده وقوله وقاتلوا كما يقاتلونكم واعلموا ان الله مع المتقين يقول تعالى ان عدة الشهور عند الله اي في قضائه وقدره اثنى عشر شهرا وهي هذه الشهور المعروفة في كتاب الله اي في حكمه القدري يوم خلق السماوات والارض واجرى ليلها ونهارها قدر اوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر شهرا. منها اربعة حرم وهي رجب الفرض وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وسميت حرما لزيادة حرمتها. وتحريم القتال فيها فلا تظلموا فيهن انفسكم. يحتمل ان الضمير يعود الى الاثني عشر شهرا وان الله تعالى بين انه جعلها مقادير للعباد. وان تعمر بطاعته. ويشكر الله تعالى على منته بها. وتقييدها لمصالح العباد احذروا من ظلم انفسكم فيها. ويحتمل ان الضمير يعود الى الاربعة الحرم. وان هذا نهي لهم عن الظلم فيها. خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت لزيادة تحريمها وكون الظلم فيها اشد منه في غيرها. ومن ذلك النهي عن القتال فيها. على قول من قال ان القتال في الاشهر الحرم لم نسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها. ومنهم من قال ان تحريم القتال فيها منسوخ اخذا بعموم نحو قوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة. اي قاتلوا جميع انواع المشركين والكافرين برب العالمين. ولا تخصوا احدا منهم بالقتال دون احد بل اجعلوهم كلهم لكم اعداء كما كانوا هم معكم كذلك. قد اتخذوا اهل الايمان اعداء لهم لا يأنونهم من الشر شيئا. ويحتمل وان كافة حال من الواو فيكون معنى هذا وقاتلوا جميعكم المشركين. فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين. وقد نسخ على هذا الاحتمال بقوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة. واعلموا ان الله مع المتقين بعونه ونصره وتأييده. فلتحرصوا لاستعمال تقوى الله في سركم وعلنكم. والقيام بطاعته. خصوصا عند قتال الكفار. فانه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في عاملت الكفار الاعداء المحاربين ليواطئ عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء اعمالهم والله لا يهدي هو ما كان اهل الجاهلية يستعملونه في الاشهر الحرم. وكان من جملة بدعهم الباطلة انهم لما رأوا احتياجهم للقتال في بعض اوقات الاشهر الحرم رأوا بارائهم الفاسدة ان يحافظوا على عدة الاشهر الحرم التي حرم الله القتال فيها وان يؤخروا بعض الاشهر الحرم او يقدموه ويجعلوا مكانه من اشهر الحل ما ارادوا. فاذا جعلوه مكانة احلوا القتال فيه وجعلوا الشهر الحلال حراما. فهذا كما اخبر الله عنهم انه زيادة في كفرهم وضلالهم. لما فيه من المحاذير. منها انه مبتدعوهم من تلقاء انفسهم. وجعلوه بمنزلة شرع الله ودينه. والله ورسوله بريئان منه. ومنها انهم قلبوا الدين فجعلوا الحلال حرام حرام والحرام حلالا ومنها انهم موهوا على الله بزعمهم وعلى عباده ولبسوا عليهم دينهم واستعملوا الخداع والحيلة في دين الله ومنها ان العوائد المخالفة للشرع مع الاستمرار عليها يزول قبحها عن النفوس. وربما ظن انها عوائد حسنة. فحصل من الغلط ضلال ما حصل ولهذا قال يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤه عدة ما حرم الله اي يوافقوها في العدد فيحل ما حرم الله. زين لهم سوء اعمالهم. اي زينت لهم الشياطين الاعمال السيئة. فرأوها حسنة بسبب في العقيدة المزينة في قلوبهم. والله لا يهدي القوم الكافرين. اي الذين انصبغوا الكفر والتكذيب في قلوبهم. فلو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا قال الله تعالى الدنيا في الاخرة الا قليل. اعلم ان كثيرا من هذه السورة الكريمة نزلت في غزوة تبوك. اذ ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين الى غزو الروم. وكان الوقت حارا والزاد قليلا والمعيشة عسرة. فحصل من بعض المسلمين من التثاقل ما اوى اوجب ان يعاتبهم الله تعالى عليه ويستنهضهم. فقال تعالى يا ايها الذين امنوا الا تعملون بمقتضى الايمان وداع اليقين من المبادرة لامر الله والمسارعة الى رضاه وجهاد اعدائه والنصرة لدينكم. فما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثقلتم الى الارض اي تكاسلتم وملتم الى الارض والدعة والسكون فيها ارضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة؟ اي ما حالكم الا حال من رضي بالدنيا اوسعى لها ولم يبالي بالاخرة فكأنهما امن بها فما متاع الحياة الدنيا التي مالت بكم وقدمتموها على الاخرة الا قليل افليس قد جعل الله لكم عقولا تزنون بها الامور. وايها احق بالايثار. افليست الدنيا من اولها الى اخرها لا نسبة لها في الاخرة. فما مقدار عمر الانسان القصير جدا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها. فيجعل سعيه وكده همه وارادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالاكدار. المشحونة بالاخطار. فباي رأي رأيتم ايثارها على الدار الاخرة الجامعة لكل نعيم التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. وانتم فيها خالدون. فوالله ما اثر الدنيا على الاخرة من وقر الايمان في قلبه ولا من جزل رأيه ولا من عد من اولي الالباب. ثم توعدهم على عدم النفير فقال الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروا الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما في الدنيا والاخرة فان عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لاشد العقاب. لما فيها من المضار الشديدة. فان قال لي فقد عصى الله تعالى وارتكب لنهيه ولم يساعد على نصر دين الله ولا الذب عن كتاب الله وشرعه ولا اعان اخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد ان يستأصلهم ويمحق دينهم. وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الايمان. بل ربما فت في اعضاض من قاموا بجهاد اعداء الله. فحقيق من هذا حاله ان يتوعده الله بالوعيد الشديد؟ فقال الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكون امثالكم ولا تضروه شيئا فانه تعالى متكفل بنصر دينه واعلاء كلمته. فسواء امتثلتم لامر الله او القيتموه ورائكم ظهريا. والله على كل شيء قدير. لا يعجزه شيء اراده. ولا يغالبه احد اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم اي الا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. فالله غني عنكم لا تضرونه شيئا. فقد في اقل ما يكون واذله اذ اخرجه الذين كفروا من مكة لما هموا بقتله وسعوا في ذلك وحرصوا اشد الحرص فالجأوا الى ان يخرج ثاني اثنين اي هو وابو بكر الصديق رضي الله عنه اذ هما في الغار اي لما هربا من مكة لجأ الى غار ثور في اسفل مكة فمكث فيه ليبرد عنهما الطلب. فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة. حين انتشر الاعداء من كل جانب ليقتلوهما فانزل الله عليهما من نصره ما لا يخطر على البال. اذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ابي بكر لم ما حزين واشتد قلقه لا تحزن ان الله معنا بعونه ونصره وتأييده. فانزل الله سكينته عليه اي الثبات والطمأن الطمأنينة والسكون المثبتة للفؤاد. ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال لا تحزن ان الله معنا. وايده بجنود لم تروه وهي الملائكة الكرام الذين جعلهم الله حرسا له وجعل كلمة الذين كفروا السفلى اي الساقطة المخذولة فان الذين كفروا قد كانوا على حرب قادرين في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم واخذه حنقين عليه فعملوا غاية مجهودهم في ذلك. فخذلهم الله ولم يتم لهم مقصودهم بل ولا ادركوا شيئا منه. ونصر الله رسوله بدفعه عنه. وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع. فان النصر على كقسمين نصر المسلمين اذا طمعوا في عدوهم بان يتم الله لهم ما طلبوا وقصدوا. ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم. والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر. فنصر الله اياه ان يرد عنه عدوه ويدافع عنه. ولعل هذا النصر انفع النصرين. ونصر الله رسوله اذا اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع. وقوله وكلمة الله هي العليا. اي كلماته القدرية وكلماته الدينية هي العالية على كلمة غيره التي من جملتها قوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين. انا لننصر رسلنا والذين امنوا امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. وان جندنا لهم الغالبون. فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الاديان. بالحجج الواضحة والايات الباهرة والسلطان الناصر. والله عزيز لا يغالبه مغالب ولا يفوته هارب. حكيم يضع الاشياء مواضعها ويؤخر نصر حزبه الى وقت اخر اقتضته الحكمة الالهية. وفي هذه الاية الكريمة فضيلة ابي بكر الصديق بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الامة. وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة والصحبة الجميلة. وقد اجمع المسلمون على انه هو المراد بهذه الاية الكريمة ولهذا عدوا من انكر صحبة ابي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كافرا. لانه منكر للقرآن الذي صرح بها. وفيها فضيلة السكينة وانها من تمام نعمة الله على العبد في اوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش بها الافئدة وانها تكون على حسب معرفة العبد بربه وثقته بوعده الصادق وبحسب ايمانه وشجاعته. وفيها ان الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين. مع ان الاولى اذا نزل بالعبد ان يسعى في ذهابه عنه فانه مضعف للقلب موهن للعزيمة سبيل الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون يقول تعالى لعباده المؤمنين مهيجا لهم على النفير في سبيله. فقال انفروا خفافا وثقالا اي في العسر واليسر والمكره والحر والبرد وفي جميع الاحوال. وجاهدوا باموالكم وانفسكم في سبيل الله. اي ابذلوا جهدكم في ذلك. واستفرغوا لكم في المال والنفس. وفي هذا دليل على انه كما يجب الجهاد في النفس. يجب الجهاد في المال. حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك. ثم قال ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. اي الجهاد في النفس والمال خير لكم من التقاعد عن ذلك. لان فيه رضا الله تعالى والفوز بالدرجات العالية عنده والنصر لدين الله. والدخول في جملة جنده وحزبه. لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن معكم يهلكون انفسهم والله يعلم انهم لكاذبون. لو كان خروجهم لطلب العرض القريب اي منفعة دنيوية سهلة التناول. وكان السفر سفرا قاصدا اي قريبا سهلا لاتبعوك لعدم المشقة الكثيرة حاكم بعودت عليهم الشقة اي طالت عليهم المسافة وصعب عليهم السفر. فلذلك تثاقلوا عنك. وليس هذا من امارات العبودية. بل حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال. القائم بالعبادة السهلة والشاقة. فهذا العبد لله على كل حال. وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم اي سيحلفون ان تخلفهم عن الخروج ان لهم اعذارا وانهم لا يستطيعون ذلك. يهلكون انفسهم والكذب والاخبار بغير الواقع. والله يعلم انهم لكاذبون. وهذا العتاب انما هو للمنافقين الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. وابدوا من الاعذار الكاذبة ما ابدوا. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم. من غير ان يمتحنهم فيتبين له الصادق من الكاذب. ولهذا عاتبه الله على هذه المسارعة الى عذرهم فقال عسى الله يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عفا الله عنك اي سامحك وغفر لك ما اجريت. لما اذنت في التخلف حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين بان تمتحنهم ليتبين لك الصادق من الكاذب فتعذر من يستحق والعذر ممن لا يستحق ذلك والله عليم بالمتقين. ثم ان المؤمنين بالله واليوم الاخر لا يستأذنون في ترك الجهاد باموالهم وانفسهم لان ما معهم من الرغبة في الخير والايمان يحملهم على الجهاد من غير ان يحثهم عليه حاف. فضلا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر. والله عليم بالمتقين فيجازيهم على ما قاموا به من ومن علمه بالمتقين انه اخبر ان من علاماتهم انهم لا يستأذنون في ترك الجهاد الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر واغتابت قلوبهم وارتابت قلوبهم فهم انما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر. وارتابت قلوبهم اي ليس لهم ايمان تام ولا يقين صادق. فلذلك قلت رغبتهم في الخير وجبنوا عن القتال. واحتاجوا ان يستأذنوا في ترك القتال فهم في ريبهم يترددون. اي لا يزالون في الشك والحيرة يقول تعالى مبينا ان المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين انهم ما قصدوا الخروج للجهاد بالكلية. وان اعذارهم التي باطلة. فان العذر هو المانع الذي يمنع اذا بذل العبد وسعه. وسعى في اسباب الخروج ثم منعه مانع شرعي. فهذا الذي يعذر واما هؤلاء المنافقون فلو ارادوا الخروج لاعدوا له عدة. اي لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الاسباب. ولكن لما لم يعدوا له عدة علم انهم ما ارادوا الخروج. ولكن كره الله انبعاثهم معكم في الخروج للغزو. فثبطهم قدرا وقضاء. وان كان قد وحثهم على الخروج. وجعلهم مقتدرين عليه. ولكن بحكمته ما اراد اعانتهم. بل خذلهم وثبطهم. وقيل اقعدوا مع القاعدين من والمعذورين ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال وفيكم سماعون لهم. والله لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا اي نقصا ولاوضعوا خلالكم ايها الاسعوا في الفتنة والشر بينكم وفرقوا جماعتكم المجتمعين. يبغونكم الفتنة اي هم حريصون على فتنتكم والقاء العداوة بينكم وفيكم اناس ضعفاء العقول سماعون لهم اي مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم. فاذا كانوا هم حريصين على خذلانكم القاء الشر بينكم وتثبيطكم عن اعدائكم. وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين الكثير منهم فلله اتم الحكمة حيث ثبتهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم ولطفا من ان يدخلهم ما لا ينفعهم بل يضرهم. والله عليم بالظالمين. في علم عباده كيف يحذرونهم. ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم ثم ذكر انه قد سبق لهم سوابق في الشر. فقال وظهر امر وهم كارهون لقد ابتغوا الفتنة من قبل. اي حين هاجرتم الى المدينة بذلوا الجهد وقلبوا لك الامور. اي اداروا الافكار واعملوا الحيل في ابطال دعوتكم وخذلان دينكم. ولم يقصروا في ذلك حتى جاء الحق وظهر امر الله وهم كارهون. فبطل كيدهم واضمحل باطلهم. فحقيق بمثل هؤلاء ان يحذر الله عباده المؤمنين منهم. والا بالي المؤمنون بتخلفهم عنهم. ومنهم من يقول اي ومن هؤلاء المنافقين من يستأذن في التخلف ويعتذر اخر عجيب فيقول ائذن لي في التخلف ولا تفتني في الخروج فاني اذا خرجت فرأيت نساء بني الاصفر لا اصبر عنهن كما قال ذلك الجد ابن قيس ومقصوده قبحه الله الرياء والنفاق بان مقصودي مقصود حسن فان في خروجي فتنة وتعرضا وفي عدم خروج عافية وكفا عن الشر. قال الله تعالى مبينا كذب هذا القول الا في الفتنة سقطوا. فانه على تقدير هذا القائل في قصده فان في التخلف مفسدة كبرى وفتنة عظمى محققة. وهي معصية الله ومعصية رسوله. والتجرؤ على الاثم الكبير والوزر العظيم. واما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف. وهي متوهمة مع ان هذا القائل قصده التخلف لا غير. ولهذا فتوعدهم الله بقوله وان جهنم لمحيطة بالكافرين. ليس لهم عنها مفر ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص ان تصبك حسنة تسؤهم وان تصيبك مصيبة يقولوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولى وهم فرحون. يقول تعالى مبينا ان المنافقين هم الاعداء حقا. المبغضون للدين صرفا. ان تصبك حسنة كنصر وادالة على العدو تسؤهم اي تحزنهم وتغمهم. وان تصبك مصيبة كادالة العدو عليك. يقولوا متبجح بسلامتهم من الحضور معك. قد اخذنا امرنا من قبل. اي قد حذرنا وعملنا بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة. وان يتولوا وهم فرحون فيفرحون بمصيبتك. وبعدم مشاركتهم اياك فيها. قال تعالى رادا عليهم في ذلك لنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا اي قدره واجراه في اللوح المحفوظ. هو مولانا اي متولي امورنا الدينية والدنيوية. فعلينا الرضا باقداره وليس في ايدينا من الامر شيء. وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون ان يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم ودفع المضار عنهم به في تحصيل مطلوبهم فلا خاب من توكل عليه. واما من توكل على غيره فانه مخذول غير مدرك لما امل قل هل تربصون بناء الا احدى الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من اي قل المنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر. اي شيء تربصون بنا فانكم لا تربصون بنا الا امرا فيه غاية نفعنا. وهو احدى اما الظفر بالاعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الاخروي والدنيوي. واما الشهادة التي هي من اعلى درجات الخلق وارفع المنازل الله. واما تربصنا بكم يا معشر المنافقين. فنحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده. لا سبب لنا فيه او بايدينا بان يسلطنا عليكم فنقتلكم. فتربصوا من الخير انا معكم متربصون بكم الشر من فاسقين. يقول تعالى مبينا بطلان نفقات المنافقين. وذاكرا السبب في ذلك. قل لهم انفقوا اوعى من انفسكم او كرها على ذلك بغير اختياركم. لن يتقبل منكم شيء من اعمالكم. انكم كنتم قوما فاسقين يجينا عن طاعة الله ثم بين صفة فسقهم واعمالهم فقال وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله. والاعمال كلها شرط قبولها الايمان. فهؤلاء لا ايمان لهم ولا عمل صالح. حتى ان الصلاة التي هي افضل اعمال البدن. اذا قاموا اليها قاموا قال ولا يأتون الصلاة الا وهم كسالى. اي متثاقلون لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم. ولا ينفقن الا وهم كارهون من غير انشراح صدر وثبات نفس. ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم. وانه ينبغي للعبد الا يأتي الصلاة الا وقتها وهو نشيط البدن والقلب اليها. ولا ينفق الا وهو منشرح الصدر ثابت القلب. يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده. ولا يتشبه بالمنافق منافقين فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا يقول تعالى فلا تعجبك اموال هؤلاء المنافقين ولا اولادهم فانه لا غبطة فيها. واول بركاتها عليهم ان قدموها على مرض ربهم. وعصوا الله لاجلها. انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا والمراد بالعذاب هنا ما يناله من المشقة في تحصيلها. والسعي الشديد في ذلك وهم القلب فيها وتعب البدن فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم لم يكن لها نسبة اليها فهي لما الهتهم عن الله وذكره صارت وبالا عليهم في الدنيا ومن وبالها العظيم الخطر ان قلوبهم تتعلق بها واراداتهم لا تتعداها. فتكون منتهى مطلوبهم وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للاخرة نصيب. فيوجب ذلك ان ينتقلوا من الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. فاي عقوبة اعظم من هذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم والحسرة الملازمة ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم. ولكنهم قصدهم في حلفهم هذا انهم قوم يفرقون ان يخافون الدوائر وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على ان يبينوا احوالهم فيخافون ان اظهروا حالهم منكم ويخافون ان تبرأوا منهم فيتخطفهم الاعداء من كل جانب. واما حال قوي القلب ثابت الجنان فانه يحمله ذلك على بيان حاله. حسنة كانت او سيئة ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن. وحلوا بحلية الكذب. ثم ذكر شدة جبنهم فقال لو يجدون ملجأ يلجأون اليه عندما تنزل بهم الشدائد او مغارات يدخلونها فيستقرون فيها او مدخلا اي محلا يدخلونه فيتحصن فيه لو اليه وهم يجمحون اي يسرعون ويهرعون فليس لهم ملكة يقتدرون بها على الثبات ومنهم من يلمسك في الصدقات فان اعطوا منها رضوا. وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون اي ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات وينتقد عليك فيها. وليس انتقادهم فيها وعيبهم لقصد صحيح. ولا برأي الرجيع وانما مقصودهم ان يعطوا منها. فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون. وهذه حالة لا تنبغي ان يكون رضاه وغضبه تابعا لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد. بل الذي ينبغي ان يكون هواه تبعا لمرضاة ربه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. وقال هنا وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من ولو انهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله اي من قليل وكثير وقالوا حسبنا الله اي كافينا الله فنرضى بما قسمه لنا وليؤملوا فضله واحسانه اليهم بان قولوا سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا الى الله راغبون. اي متضرعون في جلب منافعنا ودفع مضارنا. لسلموا من النفاق الى الايمان والاحوال العالية. ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة. فقال انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم يقول تعالى انما الصدقات اي الزكوات الواجبة بدليل ان الصدقة المستحبة لكل احد لا يخص بها احد دون احد. اي انما الصدقات لهؤلاء المذكورين دون من عاداهم. لانه حصرها فيهم وهم ثمانية اصناف. الاول والثاني الفقراء والمساكين وهم في هذا الموضع صنفان متفاوتان. فالفقير اشد حاجة من المسكين. لان الله بدأ بهم. ولا يبدأ الا بالاهم فالاهم. ففسق ذكر الفقير بانه الذي لا يجد شيئا او يجد بعض كفايته دون نصفها. والمسكين الذي يجد نصفها فاكثر. ولا يجد تمام لانه لو وجدها لكان غنيا فيعطون من الزكاة ما يزول به فقرهم ومسكنتهم. والثالث العاملون على الزكاة وهم كل هل له عمل وشغل فيها؟ من حافظ لها او جاب لها من اهلها او راع او حامل لها او كاتب او نحو ذلك. فيعطون لعمالتهم وهي اجرة لاعمالهم فيها. والرابع المؤلفة قلوبهم. المؤلف قلبه. هو السيد المطاع في قومه. ممن يرجى اسلامه او يخشى شره او يرجى بعطيته قوة ايمانه. او اسلام نظيره او جبايتها ممن لا يعطيها. فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة الخامس الرقاب وهم المكاتبون الذين قد اشتروا انفسهم من ساداتهم. فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم. فيعانون على ذلك من الزكاة وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار داخل في هذا. بل اولى ويدخل في هذا انه يجوز ان يعتق منها الرقاب استقلالا لدخوله في قوله وفي الرقاب. السادس الغارمون وهم قسمان. احدهما الغارمون لاصلاح ذات البين. وهو ان يكون بين طائفتين من الناس شر وفتنة. فيتوسط الرجل للاصلاح بينهم بمال يبذله لاحدهم او لهم كلهم. فجعل له نصيب من الزكاة ليكون انشط له واقوى لعزمه فيعطى ولو كان غنيا. والثاني من غرم لنفسه ثم اعسر فانه يعطى ما يوفي به دينه والسابع الغازي في سبيل الله. وهم الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم. فيعطون من الزكاة ما يعينهم على غزوهم. من ثمن سلاح او دابة او نفقة له ولعياله. ليتوفر على الجهاد ويطمئن قلبه. وقال كثير من الفقهاء ان تفرغ القادر على الكسب فبالعلم اعطي من الزكاة لان العلم داخل في الجهاد في سبيل الله. وقالوا ايضا يجوز ان يعطى منها الفقير لحج فرضه. وفيه نظر والثامن ابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعطى من الزكاة ما يوصله الى بلده. فهؤلاء الاصناف الثمانية تدفع اليهم الزكاة وحدهم. فريضة من الله فرضها وقدرها تابعة لعلمه وحكمه. والله عليم حكيم. واعلم ان ان هذه الاصناف الثمانية ترجع الى امرين. احدهما من يعطى لحاجته ونفعه كالفقير والمسكين ونحوهما. والثاني من يعطى الحاجة اليه وانتفاع الاسلام به. فاوجب الله هذه الحصة في اموال الاغنياء لسد الحاجات الخاصة والعامة للاسلام والمسلمين. فلو اعطى الاغنياء احياء زكاة اموالهم على الوجه الشرعي. لم يبق فقير من المسلمين. ولحصل من الاموال ما يسد الثغور. ويجاهد به الكفار. وتحصل به المصالح الدينية ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن والاذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اي ومن هؤلاء المنافقين الذين يؤذون النبي بالاقوال الردية والعيب له ولدينه. ويقولونه اذن اي لا يبالون بما يقولون من الاذية للنبي. ويقولون اذا بلغه عنا بعض ذلك جئنا نعتذر اليه فيقبل منا انه اذن ان يقبل كل ما يقال له لا يميز بين صادق وكاذب. وقصدهم قبحهم الله فيما بينهم انهم غير مكترثين بذلك ولا مهتمين به لانه اذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم. وان بلغه اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل. فاساءوا كل الاساءة من اوجه كثيرة اعظمها اذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم. واخراجهم من الشقاء والهلاك الى الهدى والسعادة. ومنها عدم اهتمامهم ايضا بذلك وهو قدر زائد على مجرد الاذية. ومنها قدحهم في عقل النبي صلى الله عليه وسلم. وعدم ادراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب وهو اكمل الخلق عقلا واتمهم ادراكا واثقبهم رأيا وبصيرا. ولهذا قال الله تعالى قل اذن خير لكم ان من قال له خيرا وصدقا. واما اعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالاعذار الكذب. فلسعة خلقه وعدم اهتمامه بشأنهم وامتثاله لامر الله في قوله سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجال واما حقيقة ما في قلبه ورأيه فقال عنه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين الصادقين المصدقين ويعلم الصادق من الكاذب وان كان كثيرا يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم. ورحمة للذين امنوا منكم فانهم به يهتدون اخلاقه يقتدون. واما غير المؤمنين فانهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها فخسروا دنياهم واخرتهم. والذين رسول الله بالقول او الفعل لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة. ومن العذاب الاليم انه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه يحلفون بالله لكم ليرضوكم. يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله احق ان يحلفون بالله لكم ليرضوكم فيتبرأوا مما صدر منهم من الاذية وغيرها ايتهم ان ترضوا عليهم. والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين. لان المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله. فدل لهذا على انتفاء ايمانهم حيث قدموا رضا غير الله ورسوله. وهذا محادة لله ومشاقة له. وقد توعد من حاده بقوله فيها ذلك الخزي العظيم. الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله ان يكونوا في حد وشق مبعد عن الله ورسوله بان تهاون باوامر الله وتجرأ على محارمه. فان له نار جهنم خالدا فيها. ذلك الخزي العظيم. الذي لا خزي اسمع ولا افظع منه حيث فاتهم النعيم المقيم وحصلوا على عذاب الجحيم. عياذا بالله من احوالهم يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ان الله مخرج ما تحذرون. كانت هذه السورة الكريمة تسمى الفاضحة. لانها بينت اسرار منافقين وهتكت استارهم فما زال الله يقول ومنهم ومنهم ويذكر اوصافهم الا انه لم يعين اشخاصهم لفائدتين احداهما ان الله ستير يحب الستر على عباده. والثانية ان الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين. الذين توجه اليهم خطاب وغيرهم الى يوم الدين. فكان ذكر الوصف اعم وانسب. حتى خافوا غاية الخوف. قال الله تعالى لان لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا. ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا. وقال هنا يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم بما في قلوبهم. اي تخبرهم وتفضحهم اسرارهم حتى تكون علانية لعباده. ويكون عبرة للمعتبرين. قل استهزئوا اي استمروا على ما انتم عليه من الاستهزاء والسخرية ان الله مخرج ما تحذرون. وقد وفى تعالى بوعده فانزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت استارهم ولئن سألتهم عن ما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم. يقول طائفة منهم في غزوة تبوك. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء. يعنون النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه ارغب بطونا واكذب السنا واجبن عند اللقاء ونحو ذلك. ولما بلغهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم جاؤوا يعتذرون اليه ويقولون انما كنا نخوض ونلعب. اي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب قال الله تعالى مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك قل لهم ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا اعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم. فان الاستهزاء بالله واياته ورسوله كفر مخرج عن الدين. لان اصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيمه دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الاصل. ومناقض له اشد المناقضة. ولهذا لما جاءوا الى الرسول يعتذرون بهذه في المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم وقوله ان نعفو عن طائفة منكم لتوبتهم واستغفارهم وندمهم نعذب طائفة منكم بانهم بسبب انهم كانوا مجرمين مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وفي هذه الايات دليل على ان من اسر سريره خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه يستهزأ به وبآياته ورسوله ان الله تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه اشد العقوبة. وان من استهزأ بشيء من كتاب الله او سنة رسوله الثابتة عنه. او سخر بذلك او تنقصه او استهزأ بالرسول او تنقصه. انه كافر بالله العظيم. وان مقبولة في كل ذنب وان كان عظيما المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف يقبضون ايديهم نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون يقول تعالى منافقون والمنافقات بعضهم من بعض. لانهم اشتركوا في النفاق فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا. وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم ثم ذكر وصف المنافقين العام الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير فقال يأمرون بالمنكر وهو الكفر والفسوق والعظة عصيان وينهون عن المعروف وهو الايمان والاخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة والاداب الحسنة. ويقبضون ايديهم عن الصدقة وطرق الاحسان فوصفهم البخل. نسوا الله فلا يذكرونه الا قليلا. فنسيهم من رحمته فلا يوفقهم لخير. ولا يدخلهم ان بل يتركهم في الدرك الاسفل من النار. خالدين فيها مخلدين. ان المنافقين هم الفاسقون. حصر الفسق فيهم. لان فسقهم اعظم من فسق غيرهم بدليل ان عذابهم اشد من عذاب غيرهم. وان المؤمنين قد ابتلوا بهم اذ كانوا بين اظهرهم. والاحتراز منهم شديد وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ثم لعنهم الله هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب م جمع المنافقين والكفار في النار واللعنة والخلود في ذلك. لاجتماعهم في الدنيا على الكفر والمعاداة لله ورسوله والكفر باياته كالذين من قبلكم كانوا اشد منكم قوة واكثر اموالا واولادا فاستمتعوا اتتهم رسلهم يقول تعالى للمنافقين ان يصيبهم ما اصاب من قبلهم من الامم المكذبة. قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم. واصحاب مدين والمؤتفين اي قرى قوم لوط فكلهم اتتهم رسلهم بالبينات اي بالحق الواضح الجلي المبين لحقائق الاشياء فكذبوا بها فجرى عليهم ما قص الله علينا فانتم اعمالكم شبيهة باعمالهم استمتعتم باخلاقكم اي بنصيبكم من الدنيا فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة معرضين عن المراد منه. واستعنتم به على معاصي الله ولم تتعد همتكم وارادتكم ما خولتم من النعم. كما فعل من قبلكم وخضتم كالذي خاضوا. اي وخضتم بالباطل والزور وجادلتم بالباطل. لتدحضوا به الحق. فهذه اعمالهم وعلومهم استمتاع بالخلاق وخوض بالباطل. فاستحقوا من العقوبة والاهلاك ما استحق من قبلهم. من فعلوا كفعلهم. واما المؤمنون فهم وان استمتعوا بنصيبهم وما خونوا من الدنيا فانه على وجه الاستعانة به على طاعة الله. واما علومهم فهي علوم الرسل. وهي الوصول الى اليقين في جميع المطالب العالية والمجادلة بالحق لادحاض الباطل. قوله فما كان الله ليظلمهم. اذ اوقع بهم عقوبته ما اوقع ولكن كانوا انفسهم يظلمون. حيث تجرأوا على معاصيه وعصوا رسوله واتبعوا امر كل جبار عنيد والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن ويطيعون الله ورسوله سيرحمهم الله ان الله عزيز حق لما ذكر ان المنافقين بعضهم اولياء بعض ذكر ان المؤمنين بعضهم اولياء بعض ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين فقال والمؤمنون والمؤمنات اي ذكورهم واناثهم بعضهم اولياء بعض في المحبة والموالاة والانتماء والنصرة يأمرون بالمعروف وهو اسم جامع لكل ما عرف حسنه من العقائد الحسنة والاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة. واول من يدخل في امرهم انفسهم وينهون عن المنكر وهو كل ما خالف المعروف ونقضه من العقائد الباطلة والاعمال الخبيثة والاخلاق الرذيلة. ويطيعون الله ورسوله اي لا يزالون ملازمين لطاعة الله ورسوله على الدوام. اولئك سيرحمهم الله اي يدخلهم في رحمته. ويشملهم باحسانه ان الله عزيز حكيم. اي قوي قاهر. ومع قوته فهو حكيم. يضع كل شيء موضعه اللائق به. الذي يحمد على ما خلقه وامر به ثم ذكر ما اعد الله له من الثواب فقال وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن ورضوان ذلك هو الفوز العظيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار. جامعة لكل نعيم وفرح خالية من كل اذى وترح. تجري من قصورها ودورها واشجارها الانهار الغزيرة. المروية للبساتين الانيقة. التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات الا الله تعالى خالدين فيها لا يبغون عنها حولا. ومساكن طيبة في جنات عدن. قد زخرفت وحسنت واعدت لعباد الله المتقين قد طاب مرآها وطاب منزلها ومقيلها وجمعت من الات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون. حتى ان الله تعالى قد اعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن. يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. فهذه المساكن الانيقة التي قم بان تسكن اليها النفوس وتنزع اليها القلوب وتشتاق لها الارواح لانها في جنات عدن اي اقامة لا يطعنون عنها ولا يتحولون منها ورضوان من الله يحله على اهل الجنة اكبر مما هم فيه من النعيم. فان نعيمهم لم يطب الا برؤية ربهم رضوانه عليهم ولانه الغاية التي امها العابدون. والنهاية التي سعى نحوها المحبون. فرضا رب الارض والسماوات اكبر من نعيم الجنة ذلك هو الفوز العظيم. حيث حصلوا على كل مطلوب. وانتفى عنهم كل محذور. وحسنت وطابت منهم جميع الامور. فنسأل اسأل الله ان يجعلنا معهم بجوده ومأواهم المصير يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين اي في جهادهم والغلظة عليهم. حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم. وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد والجهاد بالحجة واللسان. فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد واللسان والسيف والبيان. ومن كان مذعنا للاسلام بذمة او عهد فانه يجاهد بالحجة والبرهان بينوا له محاسن الاسلام ومساوئ الشرك والكفر فهذا ما لهم في الدنيا واما في الاخرة فمأواهم جهنم اي مقرهم الذي لا يخرجون منها وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر. اي اذا قالوا قولا كقول من قال منهم ليخرجن الاعز منها الاذل. والكلام الذي يتكلم به الواحد بعد الواحد في الاستهزاء بالدين وبالرسول. فاذا بلغهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه شيء من ذلك. جاءوا اليه يحلفون بالله ما قالوا. قال تعالى مكذبا لهم. ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم. فاسلامهم السابق. وان كان ظاهره انه اخرجهم من دائرة الكفر فكلامهم الاخير ينقض اسلامهم ويدخلهم بالكفر. وهموا بما لم ينالوا وذلك حين هموا بفتك برسول بسم الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فقص الله عليه نبأهم فامر من يصدهم عن قصدهم. والحال انهم ما نقموا وعابوا من الله صلى الله عليه وسلم الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله. بعد ان كانوا فقراء معوزين. وهذا من اعجب الاشياء. ان استهينوا بمن كان سببا لاخراجه من الظلمات الى النور. ومغنيا لهم بعد الفقر. وهل حقه عليهم الا ان يعظموه؟ ويؤمنوا به ويجلوه فاجتمع الداعي الديني وداعي المروءة الانسانية ثم عرض عليهم التوبة فقال فان يتوبوا يك خيرا لهم. لان التوبة اصل لسعادة الدنيا والاخرة. وان يتولوا عن التوبة والانابة يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة. في الدنيا بما يناله من الهم والغم والحزن على نصرة الله لدينه. واعزاز نبيه وعدم حصولهم على مطلوبهم وفي الاخرة في عذاب السعير. وما لهم في الارض من ولي يتولى امورهم. ويحصل لهم المطلوب ولا نصير يدفع عنهم المكروه. واذا انقطعوا من ولاية الله تعالى فثم اصناف الشر والخسران والشقاء والحرمان ومنهم من عاهد الله لان اتانا من فضله لنا ولنكونن من الصالحين. اي ومن من هؤلاء المنافقين من اعطى الله عهده وميثاقه. لان اتانا من فضله من الدنيا فبسطها لنا ووسعها. لنصدقن من الصالحين فنصل الرحم ونقري الضيف ونعين على نوائب الحق. ونفعل الافعال الحسنة الصالحة فلما اتاهم من فضله لم يفوا بما قالوا بل بخلوا به وتولوا عن الطاعة والانقياد. وهم معرضون. اي غير ملتفتين الى الخير. فلما لم يفوا بما عاهدوا الله عليه عاقبهم فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. فاعقبهم نفاقا في قلوبهم مستمرا الى هم يلقون بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ان يعاهد ربه ان حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا. ثم لا يفي بذلك فانه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا عاهد غدر واذا وعد اخلف فهذا المنافق الذي وعد الله وعاهده لان اعطاه الله من فضله ليتصدقن وليكونن من الصالحين. حدث فكذب وعاهد فغدر ووعد فاخلف ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله ان الله علام الغيوب. الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم. وان الله علام الغيوب وسيجازيهم على ما عملوا من الاعمال التي يعلمها الله تعالى. وهذه الايات نزلت في رجل من المنافقين يقال له ثعلبة. جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله ان يدعو الله له ان يعطيه الله من فضله. وانه ان اعطاه ليتصدقن. ويصل الرحم ويعين على النوائب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فكان له غنم فلم تزل تتنامى حتى خرج بها عن المدينة فكان لا يحظر الا بعد الصلوات الخمس ثم ابعد فكان لا يحضر الا صلاة الجمعة ثم كثرت فابعد بها فكان لا يحضر جمعة ولا جماعة. ففقده النبي صلى الله الله عليه وسلم فاخبر بحاله فبعث من يأخذ الصدقات من اهلها فمروا على ثعلبة. فقال ما هذه الا جزية؟ ما هذه الا الجزية فلما لم يعطهم جاؤوا فاخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثلاثا فلما نزلت هذه الاية فيه وفي امثاله ذهب بها بعض اهله فبلغه اياها. فجاء بزكاته فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء بها لابي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها. ثم جاء بها بعد ابي بكر لعمر فلم يقبلها. فيقال انه هلك في زمن عثمان والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله وهذا ايضا من مخازن منافقين. فكانوا قبحهم الله لا يدعون شيئا من امور الاسلام المسلمين يرون لهم مقالا الا قالوا وطعنوا بغيا وعدوانا. فلما حث الله ورسوله على الصدقة بادر المسلمون الى ذلك ابذلوا من اموالهم كل على حسب حاله. منهم المكثر ومنهم المقل. فيلمزون المكثر منهم. بان قصده بنفقته الرياء والسمعة وقانون المقل الفقير ان الله غني عن صدقة هذا فانزل الله تعالى الذين يلمزون اي يعيبون ويطعنون متطوعين من المؤمنين في الصدقات فيقولون مراؤون قصدهم الفخر والرياء. ويلمزون الذين لا يجدون الا جهدهم. فيخرجهم دون ما استطاعوا ويقولون الله غني عن صدقاتهم فيسخرون منهم. فقابلهم الله على صنيعهم بان سخر الله منهم ولهم عذاب اليم. فانهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير. منها تتبعهم لاحوال المؤمنين. وحرصهم على ان يجدوا فلن يقولونه فيهم والله يقول ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم. ومنها طعنهم بالمؤمنين ان لاجل ايمانهم كفر بالله تعالى وبغض للدين. ومنها ان اللمز محرم بل هو من كبائر الذنوب في امور الدنيا. واما اللمز في امر الطاعة فاقبح واقبح. ومنها ان من اطاع الله تعالى وتطوع بخصلة من خصال الخير. فان الذي ينبغي هو اعانته وتنشيطه وهو على عمله وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم وعابوهم عليه. ومنها ان حكمهم على من انفق مالا كثيرا بانه مراء غلط فاحش وحكم على الغيب ورجم بالظن. واي شر اكبر من هذا. ومنها ان قولهم لصاحب الصدقة القليلة الله غني عن صدقة هذا. كلام مقصوده باطل. فان الله غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير. بل وغني عن اهل السماوات والارض ولكنه تعالى امر العباد بما هم مفتقرون اليه. فالله وان كان غني عنهم فهم فقراء اليه. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره وفي هذا القول من التثبيت عن الخير ما هو ظاهر بين. ولهذا كان جزاؤهم ان سخر الله منهم ولهم عذاب اليم اغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة على وجه المبالغة والا فلا مفهوم له. فلن يغفر الله لهم كما قال في اية اخرى سواء عليهم استغفرت لهم ام لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. ثم ذكر السبب المانع لمغفرة الله لهم فقال ذلك بانهم كفروا بالله ورسوله. والكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرا. والله لا يهدي القوم الفاسقين. اي الذين صار الفسق لهم وصفا بحيث لا يختارون عليه سواه ولا يبغون به بدلا. يأتيهم الحق الواضح فيردونه. فيعاقبهم الله الله تعالى بان لا يوفقهم له بعد ذلك فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك. الدال على عدم الايمان واختيار الكفر على الايمان. فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله. وهذا قدر زائد على مجرد التخلف فان هذا تخلف محرم. وزيادة رضا بفعل المعصية. وتبجح به. وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله وهذا بخلاف المؤمنين والذين اذا تخلفوا ولو لعذر حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الاسف ويحبون ان يجاهدوا باموالهم انفسهم في سبيل الله لما في قلوبهم من الايمان. ولما يرجون من فضل الله واحسانه وبره وامتنانه. وقالوا اي المنافقون لا تنفروا في الحر اي قالوا ان النفير مشقة علينا بسبب الحر. فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الابدية التامة وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال ويذهبه البكر والاصال. على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره. وهو النار الحامية لهذا قال قلنا نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون. لما آثروا ما يفنى على ما يبقى. ولما فروا من المشقة الخفيفة في المنقضية الى المشقة الشديدة الدائمة. قال الله تعالى بما كانوا يكسبون. فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا اي فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية ويفرحوا بلذاتها ويلهوا بلعبها. فسيبكون كثيرا في عذاب اليم. جزاء بما كانوا يكسبون من الكفر والنفاق وعدم الانقياد لاوامر ربهم قم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي ابدا. فقل لن تخرجوا معي ابدا ولن قاتلوا معي عدوا. انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالق فان رجعك الله الى طائفة منهم وهم الذين تخلفوا من غير عذر ولم يحزنوا على تخلفهم فاستأذنوك في الخروج لغير هذه الغزوة اذا رأوا السهولة فقل لهم عقوبة لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا. فسيغني الله منكم انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالقين. وهذا كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لا لم يؤمنوا به اول مرة فان المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك. ويحال بينه وبينه وفيه ايضا تعذير لهم. فانه اذا تقرر عند المسلمين ان هؤلاء من الممنوعين من الخروج الى الجهاد لمعصيتهم. كان ذلك لهم وعارا عليهم ونكالا ان يفعل احد كفعلهم ولا تصلي على احد منهم مات ابدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله يقول تعالى ولا تصلي على احد منهم مات ابدا من المنافقين ولا تقم على قبره بعد الدفن لتدعو له. فان صلاته ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم. وهم لا تنفع فيهم الشفاعة انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون. ومن كان كافرا ومات على ذلك فما تنفعه شفاعة الشافعين بذلك عبرة لغيرهم وزجر ونكال لهم. وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق. فانه لا يصلى عليه. وفي هذه الاية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في المؤمنين. فان تقييد النهي المنافقين يدل على انه قد كان متقررا في المؤمنين ولا تعجبك اموالهم واولادهم انما يريد الله ان يعذبهم بها في الدنيا انما يريد الله ان يعذبهم بها في الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. اي لا تغتر بما اعطاهم الله في الدنيا من الاموال والاولاد. فليس ذلك لكرامتهم عليه. وانما ما ذلك اهانة منه لهم. انما يريد الله ان يعذبهم بها في الدنيا. فيتعبون في تحصيلها ويخافون من زوالها. ولا يتهنأون بها بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها. وتلهيهم عن الله والدار الاخرة حتى ينتقلوا من الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. قد سلبهم حبها عن كل شيء. فماتوا وقلوبهم بها متعلقة. وافئدتهم عليها متحرقة يقول تعالى في بيان استمرار المنافقين على التثاقل عن الطاعات وانها لا تؤثر فيهم الصور والايات. واذا انزلت سورة يؤمرون فيها بالايمان بالله والجهاد في سبيله. استأذنك اولو الطول منهم. يعني اولي الغنى الاموال الذين لا عذر لهم وقد امدهم الله باموال وبنين. افلا يشكرون الله ويحمدونه ويقومون بما اوجبه عليهم سهل عليهم امره. ولكن ابوا الا التكاسل والاستئذان في القعود. وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين. قال تعالى ان يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون. رضوا بان يكونوا مع الخوالف اي لانفسهم ان يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد. هل معهم فقه او عقل دلهم على ذلك؟ ام طبع الله على قلوبهم فلا تعي الخير ولا يكون فيها ارادة لفعل ما فيه الخير والصلاح. فهم لا يفقهون مصالحهم. فلو فقهوا حقيقة الفقه لم يرضوا لانفسهم بهذه الحاجة التي تحطهم عن منازل الرجال هم المفلحون. يقول تعالى اذا تخلف هؤلاء المنافقون عن الجهاد فالله سيغني عنهم. ولله عباد وخواص من خلقه اختصهم بفضله. يقومون بهذا الامر وهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. والذين امنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم. غير متثاقلين ولا كسلين. بل انهم فرحون مستبشرون. واولئك لهم الخيرات الكثيرة في الدنيا والاخرة. واولئك هم المفلحون الذين ظفروا باعلى المطالب من الرغائب اعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم. فتبا لمن لم يرغب بما رغبوا فيه وخسر دينه ودنياه واخراه. وهذا نظير قوله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. وقوله فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم مقعد الذين كذبوا الله ورسوله يقول تعالى وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم اي جاء الذين تهاونوا وقصروا منهم في الخروج لاجل ان يؤذن لهم في ترك الجهاد. غير مبالين في الاعتذار لجفائهم وعدم حيائهم. واتيانهم بسبب ما معهم من الايمان الضعيف. واما الذين كذبوا الله ورسوله منهم فقعدوا وتركوا الاعتذار بالكلية. ويحتمل ان معنى قوله المعذرون اي الذين لهم عذر اتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعذرهم. ومن عادته ان يعذر من له عذر الذين كذبوا الله ورسوله في دعواهم الايمان. المقتضي للخروج وعدم عملهم بذلك. ثم توعدهم بقوله سيصيب الذين كفروا ومنهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة لما ذكر المعتذرين وكانوا على قسمين قسم معذور في الشرع وقسم غير معذور ذكر ذلك بقوله ليس على الضعفاء في ابدانهم وابصارهم. الذين لا قوة لهم على الخروج والقتال ولا على المرضى وهذا شامل لجميع انواع المرض الذي لا يقدر صاحبه معه على الخروج والجهاد من عرج وعمى وحمى وذاك في الجنب والفارج وغير ذلك. ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون. اي لا يجدون زادا ولا راحلة يتبلغون بها في سفرهم. فهؤلاء اي ليس عليهم حرج بشرط ان ينصحوا لله ورسوله بان يكونوا صادق الايمان وان يكون من نيتهم وعزمهم انهم لو قدروا لجاهدوا وان يفعلوا ثم يقدرون عليه من الحث والترغيب والتشجيع على الجهاد. ما على المحسنين من سبيل اي من سبيل يكون عليهم فيه تبعة. فانهم باحسان فيما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد. اسقطوا توجه اللوم عليهم. واذا احسن العبد فيما يقدر عليه سقط عنه ما لا يقدر عليه ويستدل بهذه الاية على قاعدة وهي ان من احسن على غيره في نفسه او في ماله ونحو ذلك. ثم ترتب على احسانه نقص او انه غير ضامن لانه محسن ولا سبيل على المحسنين. كما انه يدل على ان غير المحسن وهو المسيء كالمفرط ان عليه الضمان. والله غفور رحيم. من مغفرته ورحمته. عفا عن العاجزين واثابهم بنيتهم الجازمة. ثواب القادرين فاعلين ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولي ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم فلم يصادفوا عندك شيئا. قلت لهم معتذرا لا اجد ما احملكم عليه. تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون. فانهم عاجزون باذلون لانفسهم. وقد صدر منهم من الحزن والمشقة ما ذكره الله عنهم فهؤلاء لا حرج عليهم. واذا سقط الحرج عنهم عاد الامر الى اصله. وهو ان من نوى الخير واقترن بنيته الجازمة فيما يقدر عليه ثم لم يقدر فانه ينزل منزلة الفاعل التام