المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي انما السبيل يتوجه واللوم يتناول الذين يستأذنونك وهم اغنياء. قادرون على الخروج لا عذر لهم. فهؤلاء رضوا لانفسهم ومن دينهم بان يكونوا مع الخوالف كالنساء والاطفال ونحوهم. وانما رضوا بهذه الحال لان الله طبع على قلوبهم اي ختم عليها فلا يدخلها خير. ولا يحسون بمصالحهم الدينية والدنيوية. فهم لا يعلمون. عقوبة لهم على ما اقترفوا وسيرى الله عملكم ورسوله. ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة ينبئكم بما كنتم تعملون لما ذكر تخلف المنافقين الاغنياء وان انهم لا عذر لهم اخبر انهم سيعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم من غزاتكم. لا تعتذروا لن نؤمن لكم. اي لن نصدقكم اعتذاركم الكاذب قد نبأنا الله من اخباركم وهو الصادق في قيله فلم يبق للاعتذار فائدة لانهم يعتذرون بخلاف ما اخبر الله عنه ومحال ان يكونوا صادقين فيما يخالف خبر الله الذي هو اعلى مراتب الصدق. وسيرى الله عملكم ورسوله في الدنيا لان العمل هو ميزان الصدق من الكذب. واما مجرد الاقوال فلا دلالة فيها على شيء من ذلك. ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة. الذي لا يخفى عليه خافية فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر. ويجازيكم بعدله او بفضله من غير ان يظلمكم مثقال ذرة اجلسوا ومأواهم جهنم انهم رجس ومأواهم جهنم جزاء واعلم ان المسيء المذنب له ثلاث حالات اما ان يقبل قوله هو عذره ظاهرا وباطنا. ويعفى عنه بحيث يبقى كأنه لم يذنب. فهذه الحالة هي المذكورة هنا في حق المنافقين. ان عذرهم غير مقبول وانه قد تقررت احوالهم الخبيثة واعمالهم السيئة. واما ان يعاقبوا بالعقوبة والتعزير الفعلي على ذنبهم. واما ان فرض عنهم ولا يقابل بما فعلوا بالعقوبة الفعلية. وهذه الحال الثالثة هي التي امر الله بها في حق المنافقين. ولهذا قال سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم. فاعرضوا عنهم اي لا توبخوهم ولا تجلدوهم او تقتلوهم انهم رجز اي انهم قذر خبثاء ليسوا باهل لان يبالى بهم. وليس التوبيخ هو العقوبة مفيدا فيهم. وتكفيهم عقوبة جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. وقوله ان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين يحلفون لكم لترضوا عنهم اي ولهم ايضا هذا المقصد الاخر منكم غير مجرد الاعراض بل يحبون ان ترضوا عنهم كانهم ما فعلوا شيئا. فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى للقوم الفاسقين اي فلا ينبغي لكم ايها المؤمنون ان ترضوا عن من لم يرضى الله عنه. بل عليكم ان توافقوا ربكم في رضاه وغضبه. وتأمل كيف قال فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. ولم يقل فان الله ليرضى عنهم ليدل ذلك على ان باب التوبة مفتوح انهم مهما تابوا هم او غيرهم فان الله يتوب عليهم ويرضى عنهم. واما ما داموا فاسقين فان الله لا يرضى عليهم لوجود المانع من رضاه وهو خروجهم عما رضيه الله لهم من الايمان والطاعة. الى ما يغضبه من الشرك والنفاق والمعاصي. وحاصل ما ذكره الله ان المنافقين متخلفين عن الجهاد من غير عذر. اذا اعتذروا للمؤمنين وزعموا ان لهم اعذارا في تخلفهم. فان المنافقين يريدون بذلك ان تعرضوا عنهم وترضوا وتقبلوا عذرهم. فاما قبول العذر منهم والرضا عنهم. فلا حبا ولا كرامة لهم. واما الاعراض عنهم فيعرض المؤمنون عنهم اعراضهم عن الامور الردية الرجس. وفي هذه الايات اثبات الكلام لله تعالى في قوله قد نبأنا الله من اخباركم واثبات الافعال الاختيارية لله الواقعة بمشيئته تعالى وقدرته في هذا وفي قوله وسيرى الله عملكم ورسوله اخبر انه وسيراه بعد وقوعه. وفيها اثبات الرضا لله عن المحسنين. والغضب والسخط على الفاسقين والله عليم حكيم. يقول تعالى الاعراب وهم سكان البادية والبراري اشد كفرا ونفاقا من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق. وذلك لاسباب كثيرة. منها انهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والاعمال والاحكام. فهم احرى الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله من اصول الايمان واحكام الاوامر والنواهي بخلاف الحاضرة فانهم اقرب لان يعلموا حدود ما صلى الله على رسوله فيحدث لهم بسبب هذا العلم تصورات حسنة وايرادات للخير الذين يعلمون ما لا يكون في البادية وفيهم لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية. ويجالسون اهل الايمان ويخالطونهم اكثر من اهل البادية. فلذلك كانوا احرى للخير من اهل البادية وان كان في البادية والحاضرة كفار ومنافقون. ففي البادية اشد واغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك ان الاعراب احرص على الاموال فيها فمنهم من يتخذ ما ينفق من والنفقة في سبيل الله وغير ذلك مغرما ان يراها خسارة ونقصا لا يحتسب فيها ولا يريد بها وجه الله ولا يكاد يؤديها الا كرها ويتربص بكم الدوائر. اي من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم. انهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر جاء الزمان وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء. واما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على اعدائهم ولهم العقبى الحسنة الله سميع عليم. يعلم نيات العباد وما صدرت عنه الاعمال من اخلاص وغيره. وليس الاعراب كلهم مذمومين ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الا انها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ان الله غفور بل منهم من يؤمن بالله واليوم الاخر فيسلم بذلك من الكفر والنفاق. ويعمل بمقتضى الايمان. ويتخذ ما ينفق قربات عند الله اي يحتسب نفقته. ويقصد بها وجه الله تعالى والقرب منه. ويجعلها وسيلة لصلوات الرسول. اي دعائهم قيل لهم وتبريكه عليهم قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول الا انها قربة لهم تقربهم الى الله وتنمي اموالهم تحل فيها البركة. سيدخلهم الله في رحمته في جملة عباده الصالحين. انه غفور رحيم. فيغفر السيئات العظيمة لمن فاليه ويعم عباده برحمته التي وسعت كل شيء. ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها الى الخيرات. ويحميهم فيها من المخالفات ويجزل لهم فيها انواع المثوبات. وفي هذه الاية دليل على ان الاعراب كاهل الحاضرة. منهم الممدوح ومنهم المذموم. فلم يذمهم الله على مجرد تعرضهم وباديتهم انما ذمهم على ترك اوامر الله وانهم في مظنة ذلك. ومنها ان الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الاحوال. ومنها فضيلة العلم وان فاقده اقرب الى الشر ممن يعرفه. لان الله ذم الاعراب واخبر انهم اشد كفرا ونفاقا. وذكر السبب الموجب لذلك. وانهم اجدروا الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله. ومنها ان العلم النافع الذي هو انفع العلوم معرفة حدود ما انزل الله على رسوله من اصول الدين وفروعه كمعرفة حدود الايمان والاسلام والاحسان والتقوى والفلاح والطاعة والبر والصلة والاحسان. والكفر والنفاق والفسوق والعصيان. والزنا والخمر والربا ونحو ذلك. فان في معرفتها يتمكن كانوا من فعلها ان كانت مأمورا بها او تركها ان كانت محظورة. ومن الامر بها او النهي عنها. ومنها انه ينبغي ان يؤدي ما عليه من الحقوق منشرح الصدر مطمئن النفس. ويحرص ان تكون مغنما ولا تكون مغرما. والسابق اعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. ذلك الفوز العظيم السابقون هم الذين سبقوا هذه الامة وبدروها الى الايمان والهجرة والجهاد واقامة دين الله. من المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله. اولئك هم الصادقون. ومن الانصار الذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة. والذين اتبعوهم باحسان بالاعتقادات والاقوال والاعمال. فهؤلاء هم الذين سلموا من الذم. وحصل لهم افضل الكرم من الله رضي الله عنهم ورضاه تعالى اكبر من نعيم الجنة. ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار الجارية التي تساق الى سقي الجنان والحدائق الزاهية الزاهرة والرياض الناضرة. خالدين فيها ابدا. لا يبغون عنها حولا. ولا منها بدلا لانهم مهما تمنوه ادركوه. ومهما ارادوه وجدوه. ذلك الفوز العظيم الذي حصل لهم فيه كل محبوب للنفوس ولذة للارواح ونعيم للقلوب وشهوة للابدان واندفع عنهم كل محذور يقول تعالى وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة. ايضا منافقون مرضوا على النفاق اي تمرنوا عليه مروا وازدادوا فيه طغيانا. لا تعلمهم باعيانهم فتعاقبهم. او تعاملهم بمقتضى نفاقهم. لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين. يحتمل ان التثنية على بابها وان عذابهم عذاب في الدنيا. وعذاب في الاخرة في الدنيا ما يناله من الهم والحزن والكراهة لما يصيب المؤمنين من الفتح والنصر. وفي الاخرة عذاب النار وبئس القرار. ويحتمل ان المراد سنغلظ عليهم العذاب ونضاعفه عليهم ونكرره. واخرون اعترفوا بذنوبهم خلقوا عملا صالحا عسى الله ان يتوب عليهم يقول تعالى واخرون ممن بالمدينة ومن حولها بل ومن سائر البلاد الاسلامية اعترفوا بذنوبهم اي اقروا بها وندموا عليها وسعوا في التوبة منها والتطهر من اضرانها. خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ولا يكون العمل الصالح الا اذا كان مع العبد اصل التوحيد والايمان. المخرج عن الكفر والشرك الذي هو شرط لكل عمل صالح هؤلاء خلطوا الاعمال الصالحة بالاعمال السيئة. من التجرؤ على بعض المحرمات والتقصير في بعض الواجبات. مع الاعتراف بذلك والرجاء بان الله لهم فهؤلاء عسى الله ان يتوب عليهم. وتوبته على عبده نوعان. الاول التوفيق للتوبة. والثاني طولها بعد وقوعها منهم ان الله غفور رحيم. اي وصفه المغفرة والرحمة. اللتان لا يخلو مخلوق منهما بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي الا بهما. فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزون ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا. ومن مغفرته ان المسرفين على انفسهم الذين قطعوا اعمارهم بالاعمال السيئة. اذا تابوا اليه وانابوا ولو قبيل موتهم باقل القليل. فانه يعفو عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم هذه الاية دلت على ان المخلط المعترف النادم الذي لم يتب توبة نصوحة انه تحت الخوف والرجاء وهو الى السلامة اقرب. واما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه. بل لا يزال مصرا على الذنوب فانه يخاف عليه اشد الخوف. قال تعالى لرسوله ومن قام قام امرا له بما يطهر المؤمنين ويتمم ايمانهم خذ من اموالهم صدقة وهي الزكاة المفروضة تطهرهم وتزكيهم بها. اي تطهرهم من الذنوب والاخلاق الرذيلة. وتزكيهم اي تنميهم وتزيد في اخلاقهم الحسنة واعمالهم الصالحة. وتزيد في ثوابهم الدنيوي والاخروي. وتنمي اموالهم. وصلي عليهم ايدعو لهم اي للمؤمنين عموما خصوصا عندما يدفعون اليك زكاة اموالهم. ان صلاتك سكن لهم اي طمأنينة لقلوبهم واستبشار لهم والله سميع لدعائك سمع اجابة وقبول. عليم باحوال العباد ونياتهم فيجازي كل عامل بعمله وعلى قدر نيته فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لامر ربه ويأمرهم بالصدقة ويبعث عماله لجبايتها. فاذا له احد من صدقته دعا له وبرك. ففي هذه الاية دلالة على وجوب الزكاة في جميع الاموال. وهذا اذا كانت للتجارة ظاهرة فان انها اموال تنمى ويكتسب بها. فمن العدل ان يواسى منها الفقراء باداء ما اوجب الله فيها من الزكاة. وما عدا اموال التجارة. فان كان قالوا ينمى كالحبوب والثمار والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل. فانها تجب فيها الزكاة والا لم تجب فيها. لانها اذا كانت للقنية لم تكن بمنزلة الاموال التي يتخذها الانسان في العادة مالا يتمول. ويطلب منه المقاصد المالية. وانما صرف عن المالية بالقنية ونحوها وفيها ان العبد لا يمكنه ان يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ما له وانه لا يكفرها شيء سوى ادائها لان الزكاة والتطهير متوقف على اخراجها. وفيها استحباب الدعاء من الامام او نائبه لمن ادى زكاته بالبركة. وان ذلك ينبغي ان يكون جهرا بحيث يسمعه المتصدق فيسكن اليه. ويؤخذ من المعنى انه ينبغي ادخال السرور على المؤمن بالكلام اللين والدعاء ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة وسكون لقلبه. وانه ينبغي تنشيط من انفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء ونحو ذلك الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات اي اما علموا سعة رحمة الله وعموم وانه يقبل التوبة عن عباده التائبين من اي ذنب كان. بل يفرح تعالى بتوبة عبده اذا تاب اعظم فرح يقدر. ويأخذ الصدقات منهم ان يقبلها ويأخذها بيمينه. فيربيها لاحدهم كما يربي الرجل فلوه. حتى تكون التمرة الواحدة كالجبل العظيم كيف بما هو اكبر واكثر من ذلك؟ وان الله هو التواب. اي كثير التوبة على التائبين. فمن تاب اليه تاب عليه ولو تكررت منه المعصية مرارا ولا يمل الله من التوبة على عباده حتى يملوا هم. ويأبوا الا النفار والشرود عن بابه. وموالاتهم عدوهم الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. وكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون باياته ويتبعون رسوله وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. يقول تعالى وقل لهؤلاء المنافقين اعملوا ما ترون من الاعمال. واستمروا على باطلكم فلا تحسبوا ان ذلك سيخفى. فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. اي لابد ان يتبين عملكم ويتضح. وستردون الى عالم الغيب والشهادة. فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر. ففي هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه وغيه وعصيانه. ويحتمل ان المعنى ان ومهما عملتم من خير او شر فان الله مطلع عليكم. وسيطلع رسوله وعباده المؤمنين على اعمالكم. ولو كانت باطلة واخرون مرجون لامر الله انا يعلمهم وانما يتوب عليهم ايها اخرون من المخلفين مؤخرون لامر الله اما يعذبهم ثم اما يتوب عليهم ففي هذا التخويف الشديد للمتخلفين والحث لهم على التوبة والندم. والله عليم باحوال العباد ونياتهم حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. فان اقتضت حكمته ان يغفر لهم ويتوب عليهم. غفر لهم وتاب عليهم. وان حكمته ان يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة. فعل ذلك فان اردنا الا الحسنى والله يشهد انه لكاذبون. كان اناس من المنافقين من اهل قباء اتخذوا مسجدا الى جنب مسجد قباء يريدون به المضارة والمشاقة بين المؤمنين. ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين لله ورسوله كونوا لهم حصنا عند الاحتياج اليه. فبين تعالى خزيهم واظهر سرهم فقال والذين اتخذوا مسجدا ضرارا اي مضارة للمؤمنين مسجدهم الذي يجتمعون فيه وكفرا اي قصدهم فيه الكفر. اذا قصد غيرهم الايمان وتفريقا بين المؤمنين اي ليتشعبوا فرقوا ويختلفوا وارصاد اي اعداد لمن حارب الله ورسوله من قبل. اي اعانة للمحاربين لله ورسوله. الذين نتقدم حرابهم واشتدت عداوتهم وذلك كابي عامر الراهب الذي كان من اهل المدينة. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر في المدينة كفر به وكان متعبدا في الجاهلية فذهب الى المشركين يستعين بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما لم يدرك مطلوبه عندهم ذهب الى قيصر بزعمه انه ينصره. فهلك اللعين في الطريق وكان على وعد وممالأة هو والمنافقون. فكان مما اعدوا له مسجد الضرار. فنزل الوحي بذلك فبعث اليه النبي صلى الله عليه وسلم من يهدمه ويحرقه. فهدم وحرق وصار بعد ذلك مزبلة. قال تعالى بعد ما بين من مقاصدهم الفاسدة في ذلك المسجد. وليحلفن ان اردنا في بنائنا اياه الا الحسنى اي الاحسان الى الضعيف والعاجز والضرير. والله يشهد انهم لكاذبون. فشهادة الله عليهم اصدق من حلفهم لمسجد اسس على التقوى من اول يوم فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المطهرين لا تقم فيه ابدا اي لا تصلي في ذلك المسجد الذي بني ضرارا ابدا. فالله يغنيك عنه ولست بمضطر اليه. لمسجد اسس على التقوى من اول يوم ظهر فيه الاسلام في قباء وهو مسجد قباء اسس على اخلاص الدين لله واقامة ذكره وشعائر دينه. وكان قديما في هذا عريقا فيه هذا المسجد الفاضل احق ان تقوم فيه وتتعبد. وتذكر الله تعالى فهو فاضل واهله فضلاء. ولهذا مدحهم الله بقوله فيه رجال يحبون ان يتطهروا من الذنوب ويتطهروا من الاوساخ والنجاسات والاحداث. ومن المعلوم ان من احب شيئا لا بد ان يسعى له ويجتهد فيما يحب فلا بد انهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والاوساخ والاحداث. ولهذا كانوا ممن سبق اسلامه وكانوا مقيمين للصلاة المحافظين على الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. واقامة شرائع الدين. وممن كانوا يتحرزون من مخالفة الله ورسوله. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الاية في مدحهم عن طهارتهم. فاخبروه انهم يتبعون الحجارة الماء. فحمدهم على صنيعهم والله يحب المطهرين. الطهارة المعنوية كالتنزه من الشرك والاخلاق الرذيلة. والطهارة الحسية كازالة الانجاس ورفع احداث ثم فاضل بين المساجد بحسب مقاصد اهلها وموافقتها لرضاه. فقال افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير ام من اسس بنيانه على في جرف هار. امن اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين. افمن اسس بنيانه على تقوى من الله على نية صالحة واخلاص ورضوان بان كان موافقا لامره فجمع في عمله بين الاخلاص والمتابعة خير ام من اسس بنيانه على شفا اي على طرف جرف هار. اي بال قد تداعى للانهدام. فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين لما فيه مصالح دينهم ودنياهم. لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم والله عليم حكيم لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم اي شكا وريبا ماكثا في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم بان يندموا غاية الندم ويتوبوا الى ربهم ويخافون وهو غاية الخوف فبذلك يعفو الله عنهم. والا فبنيانهم لا يزيدهم الا ريبا الى ريبهم. ونفاقا الى نفاقهم. والله عليم جميع الاشياء ظاهرها وباطنها خفيها وجليها وبما اسره العباد واعلنوه. حكيم لا يفعل ولا يخلق ولا يأمر ولا منها الا ما اقتضته الحكمة وامر به فلله الحمد. وفي هذه الايات عدة فوائد. منها ان اتخاذ المسجد الذي يقصد به ضرار لمسجد اخر بقربه انه محرم. وانه يجب هدم مسجد الضرار. الذي اطلع على مقصود اصحابه. ومنها ان العمل وان كان فاضلا تغيره النية فينقلب منهيا عنه. كما قلبت نية اصحاب مسجد الضرار عملهم الى ما ترى. ومنها ان كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين فانها من المعاصي التي يتعين تركها وازالتها. كما ان كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم يتعين اتباعها والامر بها والحث عليها. لان الله علل اتخاذهم لمسجد الضرار بهذا المقصد الموجب للنهي عنه. كما يوجب ذلك الكفر والمحرمات عربة لله ورسوله. ومنها النهي عن الصلاة في اماكن المعصية والبعد عنها وعن قربها. ومنها ان المعصية تؤثر في كما اثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار ونهي عن القيام فيه وكذلك الطاعة تؤثر في الاماكن كما اثرت في مسجد قباء حتى قال الله فيه لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه. ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره فكان صلى الله عليه وسلم يزور قباء كل سبت يصلي فيه وحث على الصلاة فيه. ومنها انه يستفاد من هذه التعاليل المذكورة في الاية اربع قواعد مهمة وهي كل عمل فيه مضارة لمسلم او فيه معصية لله فان المعاصي من فروع الكفر او فيه تفريق بين او فيه معاونة لمن عادى الله ورسوله فانه محرم ممنوع منه وعكسه بعكسه. ومنها ان الاعمال الحسية الناشئة عن معصية الله لا تزال مبعدة لفاعيلها عن الله بمنزلة الاصرار على المعصية حتى يزيلها ويتوب منها توبة تامة بحيث يتقطع من الندم والحسرات. ومنها انه اذا كان مسجد قباء مسجدا اسس على التقوى. فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي اسسه بيده المباركة وعمل فيه واختاره الله له. من باب اولى واحرى. ومنها ان العمل المبني على الاخلاص والمتابعة هو العمل المؤسس على التقوى الموصل لعامله الى جنات النعيم. والعمل المبني على سوء القصد وعلى البدع والضلال. هو العمل المؤسس على شفا جرف نهار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين. ان الله اشترى من المؤمنين ان نفوسهم واموالهم بان لهم الجنة. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيع هم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. يخبر تعالى خبرا صادقا ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة ومعاوضة جسيمة. وهو انه اشترى بنفسه الكريمة من المؤمنين انفسهم واموالهم فهي المثمن والسلعة المبيعة بان لهم الجنة التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من انواع اللذات والافراح والمسرات والحوت الحسان والمنازل الانيقات. وصفة العقد والمبايعة بان يبذلوا لله نفوسهم واموالهم في جهاد اعدائه. لاعلاء كلمته واظهار اريديني فيقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون. فهذا العقد والمبايعة قد صدرت من الله مؤكدة بانواع التأكيدات وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن التي هي اشرف الكتب التي طرقت العالم واعلاها واكملها وجاء بها اكمل الرسل لاولو العزم وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق. ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ايها المؤمنون القائمون بما وعدكم الله بيعكم الذي بايعتم به. اي لتفرحوا بذلك. وليبشر بعضكم بعضا. ويحث بعضكم بعضا. وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز اكبر منه ولا اجل. لانه يتضمن السعادة الابدية والنعيم المقيم. والرضا من الله الذي هو اكبر من نعيم الجنات. واذا اردت ان تعرف فمقدار الصفقة فانظر الى المشتري من هو وهو الله جل جلاله. والى العوظ. وهو اكبر الاعواض واجلها جنات النعيم والى الثمن المبذول فيها. وهو النفس والمال الذي هو احب الاشياء للانسان. والى من جرى على يديه عقد هذا التبايع. وهو اشرف الرسل وباي كتاب رقم وهي كتب الله الكبار المنزلة على افضل الخلق التاء العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون وبشر المؤمنين كأنه قيل من هم مؤمنون الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل الكرامات. فقال هم التائبون اي الملازمون للتوبة في جميع الاوقات جميع السيئات العابدون اي المتصفون بالعبودية لله والاستمرار على طاعته من اداء الواجبات والمستحبات في كل وقت. فبذلك لكي يكون العبد من العابدين. الحامدون لله في السراء والضراء واليسر والعسر. المعترفون بمال الله عليه من النعم الظاهرة والباطنة المثنون على الله بذكرها وبذكره في اناء الليل واناء النهار. السائحون فسرت السياحة بالصيام او السياحة في طلب العلم وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته. والانابة اليه على الدوام. والصحيح ان المراد بالسياحة السفر في القروبات كالحج والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة الاقارب ونحو ذلك. الراكعون الساجدون اي المكثرون من الصلاة المشتملة على الركوع والسجود الامرون بالمعروف ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات. والناهون عن المنكر وهي جميع ما نهى الله ورسوله عنه حافظون لحدود الله بتعلمهم حدود ما انزل الله على رسوله. وما يدخل في الاوامر والنواهي والاحكام وما لا يدخل. الملازمون لها فعلا وتركا وبشر المؤمنين لم يذكر ما يبشرهم به ليعم جميع ما رتب على الايمان من ثواب الدنيا والدين والاخرة. فالبشارة محاولة لكل مؤمن واما مقدارها وصفتها فانها بحسب حال المؤمنين وايمانهم قوة وضعفا وعملا بمقتضاه اكان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربان بعد ما بين لهم انهم اصحاب الجحيم. يعني ما يليق ولا يحسن للنبي والمؤمنين به ان يستغفروا للمشركين اي لمن كفر به وعبد معه غيره. ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم. فان الاستغفار لهم في هذه حالي غلط غير مفيد. فلا يليق بالنبي والمؤمنين. لانهم اذا ماتوا على الشرك او علم انهم يموتون عليه. فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار. ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين. وايضا فان النبي والذين امنوا معه عليهم ان يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه. ويوالوا من والاه ويعادوا من عاداه الله. والاستغفار منهم لمن تبين انه من اصحاب النار ناف لذلك مناقض له فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ان ابراهيم لاواه حليم. ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام لابيه فانه عن موعدة وعدها اياه في قوله ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا وذلك قبل ان يعلم عاقبة ابيه فلما تبين لابراهيم ان اباه عدو لله سيموت على الكفر. ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير. تبرأ منه. موافقة لربه معه ان ابراهيم لاواه اي رجاع الى الله في جميع الامور. كثير الذكر والدعاء والاستغفار والانابة الى ربه. حليم اي ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم اليه من الزلات. لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه. فابوه وقال له لارجمنك وهو يقول له سلام عليك ساستغفر لك ربي. فعليكم ان تقتدوا وتتبعوا ملة ابراهيم في كل شيء الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك. كما نبهكم الله عليها وعلى غيرها. ولهذا قال الله ليضل قوما بعد ان هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. ان الله يعني ان الله تعالى اذا من على قوم بالهداية وامرهم بسلوك الصراط المستقيم فانه تعالى يتمم عليهم احسانه ويبين لهم جميع ما يحتاجون اليه وتدعو اليه ضرورتهم. فلا يتركهم ضالين جاهلين بامور دينهم ففي هذا دليل على كمال رحمته. وان شريعته وافية بجميع ما يحتاجه العباد في اصول الدين وفروعه. ويحتمل ان المراد بذلك وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. فاذا بين لهم ما يتقون فلم ينقادوا له عاقبهم بالاضلال جزاء لهم على ردهم الحق المبين والاول اولى. ان الله بكل شيء عليم. فلكمال علمه وعمومه علمكم ما لم تكونوا تعلمون بين لكم ما به تنتفعون ان الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير. ان الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت. اي هو المالك ولذلك المدبر لعباده بالاحياء والاماتة وانواع التدابير الالهية. فاذا كان لا يخل بتدبيره القدري. فكيف يخل بتدبيره المتعلق بالهيته. ويترك عباده سدى مهملين. او يدعهم ضالين جاهلين. وهو اعظم توليه لعباده. فلهذا هذا قال وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير. اي ولي يتولاكم يجلب المنافع لكم. او نصير يدفع عنكم المضار لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسر لقد تاب الله على النبي ايها المهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة يخبر تعالى ان من لطفه واحسانه تاب على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مهاجرين والانصار فغفر لهم الزلات ووفر لهم الحسنات ورقاهم الى اعلى الدرجات وذلك بسبب قيامهم بالاعمال الصعبة الشاقات ولهذا قال الذين اتبعوه في ساعة العسرة اي خرجوا معه لقتال الاعداء في وقعة تبوك. وكانت في حر شديد وضيق من الزاد الركوب وكثرة عدو مما يدعو الى التخلف. فاستعانوا الله تعالى وقاموا بذلك. من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم اي تنقلب قلوبهم ويميل الى الدعة والسكون. ولكن الله ثبتهم وايدهم وقواهم. وزيغ القلب هو انحرافه عن الصراط المستقيم فان كان الانحراف في اصل الدين كان كفرا. وان كان في شرائعه كان بحسب تلك الشريعة التي زاغ عنها. اما قصر عن فعلها او او فعلها على غير الوجه الشرعي. وقوله ثم تاب عليهم اي قبل توبتهم انه بهم رؤوف رحيم. ومن رأفته ورحمته من عليهم بالتوبة وقبلها منهم وثبتهم عليها وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت وظنوا ان لا ملجأ من الله الا ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم وكذلك لقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا عن الخروج مع المسلمين في تلك الغزوة. وهم كعب بن مالك وصاحباه وقصتهم مشهورة معروفة في الصحاح والسنن. حتى اذا حزنوا حزنا عظيما وضاقت عليهم الارض بما رحبت. اي على سعتها بها وضاقت عليهم انفسهم التي هي احب اليهم من كل شيء. فضاق عليهم الفضاء الواسع والمحبوب الذي لم تجري العادة بالضيق منه وذلك لا يكون الا من امر مزعج. بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه. وذلك لانهم قدموا رضا الله ورضا رسوله على كل شيء وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه. اي تيقنوا وعرفوا بحالهم انه لا ينجي من الشدائد ويلجأ اليه. الا الله وحده لا شريك فانقطع تعلقهم بالمخلوقين. وتعلقوا بالله ربهم وفروا منه اليه. فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة. ثم عليهم اي اذن في توبتهم ووفقهم لها ليتوبوا اي لتقع منهم. فيتوب الله عليهم ان الله هو التواب اي كثير التوبة والعفو والغفران عن الزلات والعصيان الرحيم وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين في جميع اللحظات ما تقوم به امورهم الدينية والدنيوية. وفي هذه الايات دليل على ان توبة الله على العبد اجل الغايات. واعلى النهاية فان الله جعلها نهاية خواص عباده. وامتن عليهم بها حين عملوا الاعمال التي يحبها ويرضاها. ومنها لطف الله بهم وتثبيتهم في ايمانهم عند الشدائد والنوازل المزعجة. ومنها ان العبادة الشاقة على النفس لها فضل ومزية ليست لغيرها. وكلما عظمت المشقة عظم الاجر. ومنها ان توبة الله على عبده بحسب ندمه واسفه الشديد. وان من لا يبالي بالذنب ولا يحرج اذا فعله فان توبته مدخولة وان زعم انها مقبولة. ومنها ان علامة الخير وزوال الشدة اذا تعلق القلب بالله تعالى تعلقا تاما وانقطع عن المخلوقين. ومنها ان من لطف الله بالثلاثة ان وسمهم بوسم ليس بعار عليهم. فقال خلفوا اشارة الى ان المؤمنين خلفوهم او خلفوا عن من بت في قبول عذرهم او في رده. وانهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير. ولهذا اذا لم يقل تخلفوا ومنها ان الله تعالى من عليهم بالصدق. ولهذا امر بالاقتداء بهم فقال يا اتقوا الله وكونوا اي يا ايها الذين امنوا بالله وبما امر الله بالايمان به قوموا بما الايمان وهو القيام بتقوى الله تعالى باجتناب ما نهى الله عنه والبعد عنه. وكونوا مع الصادقين في اقوالهم وافعالهم واحوالهم الذين اقوالهم صدق واعمالهم واحوالهم لا تكون الا صدقا خلية من الكسل والفتور. سالمة من المقاصد السيئة مشتملة على الاخلاص والنية الصالحة فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة. قال الله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم الكفار ولا ينالون من عدو ان الله لا يضيع اجر المحسنين. يقول تعالى لاهل المدينة المنورة من المهاجرين والانصار. ومن حوله من الاعراب الذين اسلموا فحسن اسلامهم. ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله. اي ما ينبغي لهم ذلك ولا يليق باحوالهم. ولا يرغب بانفسهم في بقائها وراحتها وسكونها عن نفسه الكريمة الزكية. بل النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم. فعلى كل مسلم ان يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ويقدمه عليها. فعلامة تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته والايمان التام به. الا يتخلفوا عنه. ثم ذكرت ثوابا حامل على الخروج فقال ذلك بانهم اي المجاهدين في سبيل الله لا يصيبهم ظمأ ولا نصب اي تعب ومشقة ولا مخمصة في سبيل الله اي مجاعة. ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار من الخوض لديارهم والاستيلاء على اوطانهم. ولا ينالون من عدو نيلا كالظفر بجيش او سرية او الغنيمة لمال الا كتب لهم به عمل صالح. لان هذه اثار ناشئة عن اعمالهم ان الله لا يضيع اجر المحسنين الذين احسنوا في مبادرتهم الى امر الله. وقيامهم بما عليه من حقه وحق خلقه هذه الاعمال اثار من اثار عملهم. ثم قال ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا في ذهابهم الى عدوهم الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. ومن ذلك هي الاعمال اذا اخلصوا فيها لله ونصحوا فيها. ففي هذه الايات اشد ترغيب وتشويق للنفوس الى الخروج الى الجهاد في سبيل الله والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات. وان ذلك لهم رفعة درجات. وان الاثار المترتبة على عمل العبد له فيها اجر كبير وما كان المؤمنون لينفروا فلولا نفر من طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا يقول تعالى منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم. وما كان المؤمنون لينفروا اي جميعا لقتال عدوهم فانه يحصل عليهم المشقة بذلك. وتفوت به كثير من المصالح الاخرى. فلولا نفر من كل فرقة منهم اي من البلدان والقبائل والافخاذ طائفة تحصل بها الكفاية والمقصود لكان اولى. ثم نبه على ان في اقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم فقال ليتفقهوا اي القاعدون في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم ليتعلموا العلم الشرعي ويعلموا معانيه. ويفقهوا اسراره وليعلموا غيرهم. ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم. ففي هذا فضيلة العلم وخصوصا الفقه في الدين وانه اهم الامور. وان من تعلم علما فعليه نشره وبثه في العباد ونصيحتهم فيه. فان انتشار العلم عن عالم من بركته واجره الذي ينمى له. واما اقتصار العالم على نفسه وعدم دعوته الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون. فاي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ واي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته ان يموت فيموت وثمرته وهذا غاية الحرمان لمن اتاه الله علما ومنحه فهما. وفي هذه الاية ايضا دليل وارشاد وتنبيه لطيف لفائدة مهمة وهي ان المسلمين ينبغي لهم ان يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة. من يقوم بها ويوفر وقته عليها. ويجتهد فيها ولا يلتفت الى غيرها لتقوم مصالحهم وتتم منافعهم. ولتكون وجهة جميعهم ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا هي قيام مصلحة دينهم ودنياهم. ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب. فالاعمال متباينة والقصد واحد. وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الامور يا ايها الذين امنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة. واعلموا ان الله مع المتقين. وهذا ايضا ارشاد اخر بعدما ارشدهم الى التدبير فيمن يباشر القتال اكدهم الى انهم يبدأون بالاقرب في الاقرب من الكفار. والغلظة عليهم والشدة في القتال والشجاعة والثبات. واعلموا ان الله مع المتقين اي وليكن لديكم علم ان المعونة من الله تنزل بحسب التقوى. فلازموا على تقوى الله يعينكم وينصركم على عدوكم. وهذا في قوله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار. مخصوص بما اذا كانت المصلحة في قتال غير الذين يلوننا وانواع المصالح كثيرة جدا والى ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا اه فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون. يقول تعالى ان الحالة المنافقين وحال المؤمنين عند نزول القرآن. وتفاوت ما بين الفريقين. فقال واذا ما انزلت سورة فيها الامر والنهي والخبر عن نفسه الكريمة وعن الامور الغائبة. والحث على الجهاد فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. اي حصل الاستفهام ولمن حصل له الايمان بها من الطائفتين. قال تعالى مبينا الحالة الواقعة. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا. بالعلم بها وفهم واعتقادها والعمل بها. والرغبة في فعل الخير والانكفاف عن فعل الشر. وهم يستبشرون اي يبشر بعضهم بعضا بما من الله عليهم من اياته والتوفيق لفهمها والعمل بها. وهذا دال على انشراح صدورهم لايات الله وطمأنينة قلوبهم. وسرعة انقيادهم اتحثهم عليه وهم كافرون. واما الذين في قلوبهم مرض اي شك ونفاق. فزادتهم رجسا الى رجسهم. اي مرضا الى مرضهم وشكا الى شكهم من حيث انهم كفروا بها وعاندوها واعرضوا عنها. فازداد لذلك مرضهم وترامى بهم الى الهلاك والطبع على قلوبهم حتى ماتوا وهم كافرون. وهذا عقوبة لهم لانهم كفروا بايات الله وعصوا رسوله. فاعقبهم نفاقا في قلوبهم بهم الى يوم يلقونه. قال تعالى موبخا لهم على اقامتهم على ما هم عليه من الكفر والنفاق اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين. ثم لا اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين بما يصيبهم من البلايا والامراض وبما يبتلون من الاوامر الالهية التي يراد بها اختبارهم. ثم لا يتوبون عما هم عليه من الشر. ولا هم يتذكرون ما ينفعهم وما يضرهم فيتركونه. فالله تعالى يبتليهم كما هي سنته في سائر الامم. بالسراء والضراء وبالاوامر والنواهي ليرجعوا اليه ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون. وفي هذه الايات دليل على ان الايمان يزيد وينقص. وانه ينبغي للمؤمن ان فقد ايمانه ويتعاهده فيجدده وينميه ليكون دائما في صعود. وقوله صرف يعني ان المنافقين الذين يحذرون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم بما في قلوبهم. اذا نزلت سورة ليؤمنوا بها ويعملوا بمضمونها. نظر بعضهم الى بعض. جازمين على ترك العمل بها ينتظرون الفرصة في الاختفاء عن اعين المؤمنين. ويقولون هل يراكم من احد؟ ثم انصرفوا متسللين وانقلبوا فجزاهم الله بعقوبة من جنس عملهم. فكما انصرفوا عن العمل صرف الله قلوبهم. اي صدها عن الحق وخذلها بانهم قوم لا يفقهون فقها ينفعهم. فانهم لو فقهوا لكانوا اذا نزلت سورة امنوا بها وانقادوا لامرها. والمقصود من هذا بيان نفورهم عن الجهاد وغيره من شرائع الايمان. كما قال الله تعالى عنهم فاذا انزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذي ان في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت لقد رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الامي الذي من انفسهم. يعرفون حاله ويتمكنون من الاخذ عنه ولا يأنفون عن الانقياد له. وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم. والسعي في مصالحهم. عزيز عليهما عنتم ان يشق يشق عليه الامر الذي يشق عليكم ويعنتكم. حريص عليكم فيحب لكم الخير. ويسعى جهده في ايصاله اليكم. ويحرص على الى الامام ويكره لكم الشر. ويسعى جهده في تنفيركم عنه. بالمؤمنين رؤوف رحيم. اي شديد الرأفة والرحمة بهم ارحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق. وواجب على الامة الايمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره فان امنوا فذلك حظهم وتوفيقهم فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو وان تولوا عن الايمان والعمل فامض على سبيل ولا تزل في دعوتك وقل حسبي الله اي الله كافي في جميع ما اهمني. لا اله الا هو. اي لا معبود بحق سواه عليه توكلت اي اعتمدت ووثقت به في جلب ما ينفع ودفع ما يضر. وهو رب العرش العظيم الذي هو اعظم المخلوقات. واذا كان رب العرش العظيم الذي وسع المخلوقات كان ربا لما دونه من باب اولى واحرى بسم الله الرحمن الرحيم. تلك ايات الكتاب الحكيم. يقول تعالى الف لام راء تلك ايات الكتاب الحكيم. وهو هذا القرآن المشتمل على الحكمة احكام الدالة اياته على الحقائق الايمانية والاوامر والنواهي الشرعية. الذي على جميع الامة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد. اكان وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون ان هذا ومع هذا فاعرض اكثرهم فهم لا يعلمون. فتعجبوا ان اوحينا الى رجل منهم ان الناس عذاب الله وخوفهم نقم الله وذكرهم بايات الله. وبشر الذين امنوا ايمانا صادقا. ان لهم قدم صدق عند ربهم اي لهم جزاء موفور. وثواب مذخور عند ربهم بما قدموه واسلفوه من الاعمال الصالحة الصادقة. فتعجب من هذا الرجل العظيم تعجبا حملهم على الكفر به. فقال الكافرون عنه ان هذا لساحر مبين. اي بين السحر لا يخفى على احد وهذا من سفههم وعنادهم. فانهم تعجبوا من امر ليس مما يتعجب منه ويستغرب. وانما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم. كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم؟ الذي بعثه الله من انفسهم يعرفونه حق المعرفة. فردوا دعوته وحرصوا على ابطال دينه. والله متم نوره ولو كره الكافرون ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى قال العرش يدبر الامر ما من شفيع الا من بعد اذنه فاعبدوه افلا تذكرون يقول تعالى مبينا لربوبيته والى باهيته وعظمته ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. مع انه قادر على خلقها في لحظة واحدة ولكن لما له في ذلك من الحكمة الالهية. ولانه رفيق في افعاله. ومن جملة حكمته فيها انه خلقها بالحق وللحق تعرف باسمائه وصفاته ويفرد بالعبادة. ثم بعد خلق السماوات والارض استوى على العرش استواء يليق بعظمته الامر في العالم العلوي والسفلي من الاماتة والاحياء وانزال الارزاق ومداولة الايام بين الناس. وكشف الضر عن المضرورين اجابة سؤال السائلين. فانواع التدابير نازلة منه وصاعدة اليه. وجميع الخلق مذعنون لعزه. خاضعون لعظمته وسلطانه ما من شفيع الا من بعد اذنه فلا يقدم احد منهم على الشفاعة ولو كان افضل الخلق حتى يأذن الله ولا يأذن الا من ارتضى ولا يرتضي الا اهل الاخلاص والتوحيد له. ذلكم الذي هذا شأنه الله ربكم. اي هو الله الذي له وصف الالهية جامعتي لصفات الكمال ووصف الربوبية الجامع لصفات الافعال فاعبدوه اي افردوه بجميع ما تقدرون عليه من انواع العبودية افلا تذكرون الادلة الدالة على انه وحده المعبود المحمود؟ ذو الجلال والاكرام. فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير وحكمه الديني وهو شرعه الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له. ذكر الحكم الجزائي وهو مجازاته على الاعمال بعد الموت فقال والذين كفروا والذين كفروا لهم شراب من وعذاب اليم بما كانوا يكفرون. اليه مرجعكم جميعا اي سيجمعكم بعد موتكم لميقات يوم معلوم؟ انه يبدأ الخلق ثم يعيده. فالقادر على ابتداء الخلق قادر على اعادته. والذي يرى ابتداءه بالخلق ثم ينكر اعادته للخلق فهو فاقد العقل منكر لاحد المثلين مع اثبات ما هو اولى منه فهذا دليل عقلي واضح على الميعاد ثم ذكر الدليل النقلي فقال وعد الله حقا. اي وعده صادق لا بد من اتمامه. ليجزي الذين امنوا بقلوبهم بما امرهم الله بالايمان به. وعملوا الصالحات بجوارحهم من واجبات ومستحبات بالقسط. اي بايمانهم واعمالهم جزاء قد بينه لعباده. واخبر انه لا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. والذين كفروا بايات الله وكذبوا رسل الله لهم شراب من حميم. اي ماء حار يشوي الوجوه ويقطع الامعاء. وعذاب اليم من سائر اصناف العذاب. بما كانوا اي بسبب كفرهم وظلمهم وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون والذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلم عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق ايات لقوم يعلمون. ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات لما قرر ربوبيته والهيته ذكر الادلة العقلية الافقية الدالة على ذلك وعلى كماله. في اسمائه وصفاته من الشمس والقمر والسماوات والارض. وجميع ما خلق فيهما من سائر اصناف المخلوقات واخبر انها ايات لقوم يعلمون. ولقوم يتقون. فان العلم يهدي الى معرفة الدلالة فيها. وكيفية استنباط الدليل على اقرب وجه والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير. والرهبة من الشر. الناشئين عن الادلة والبراهين. وعن العلم واليقين وحاصل ذلك ان مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة دال على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وحياته وقيوميته وما فيها من الاحكام والاتقان والابداع والحسن. دال على كمال حكمة الله وحسن خلقه وسعة علمه. وما فيها من انواع المنافع والمصالح اجعل الشمس ضياء والقمر نورا. يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل. يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره واحسانه وما فيهما من التخصيصات دال على مشيئة الله وارادة النافذة. وذلك دال على انه وحده المعبود المحبوب المحمود ذو الجلال والاكرام والاوصاف العظام. الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة الا اليه. ولا يصرف خالص الدعاء الاله. لا لغيره من المخلوقات المربوبات المفتقرات الى الله في جميع شؤونها. وفي هذه الايات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله. والنظر فيها بعين الاعتبار فان بذلك تنفتح البصيرة. ويزداد الايمان والعقل. وتقوى القريحة وفي اهمال ذلك تهاون بما امر الله به واغلاق لزيادة الايمان وجمود للذهن والقريحة يقول تعالى ان الذين لا يرجون لقاءنا اي لا يطمعون بلقاء الله الذي هو اكبر ما طمع فيه الطامعون. واعلى اما امنه المؤملون بل اعرضوا عن ذلك. وربما كذبوا به. ورضوا بالحياة الدنيا بدلا عن الاخرة. واطمئنوا بها ركنوا اليها وجعلوها غاية مرامهم ونهاية قصدهم. فسعوا لها واكبوا على لذاتها وشهواتها. باي طريق حصلت حصلت ومن اي جهة لاحت ابتدروها قد صرفوا ايراداتهم ونياتهم وافكارهم واعمالهم اليها. فكأنهم خلقوا للبقاء في وكأنها ليست دار ممر. يتزود منها المسافرون الى الدار الباقية. التي اليها يرحل الاولون والاخرون. والى نعيمها شمر الموفقون والذين هم عن اياتنا غافلون فلا ينتفعون بالايات القرآنية ولا بالايات الافقية والنفسية اعراض عن الدليل مستلزم للاعراض والغفلة عن المدلول المقصود. مأواهم النار بما كانوا يكسبون. اولئك الذين هذا وصفهم مأواهم النار. اي مقرهم ومسكنهم لا يرحلون عنها بما كانوا يكسبون من الكفر والشرك وانواع المعاصي. فلما ذكر عقابهم ذكر ثواب المطيعين. فقال قال ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم. يقول تعالى قال ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اي جمعوا بين الايمان والقيام بموجبه ومقتضاه من الاعمال الصالحة المشتملة على اعمال القلوب واعمال الجوارح. على وجه الاخلاص والمتابعة. يهديهم ربهم بايمانهم. اي بسبب ما معهم من الايمان. يثيبهم والله اعظم الثواب وهو الهداية. فيعلمهم ما ينفعهم ويمن عليهم بالاعمال الناشئة عن الهداية. ويهديهم للنظر في ايات ويهديهم في هذه الدار الى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم. وفي دار الجزاء الى الصراط الموصل الى جنات النعيم ولهذا قال تجري من تحتهم الانهار الجارية على الدوام في جنات النعيم. اضافها الله الى النعيم لاشتمالها على النعيم التام نعيم القلب بالفرح والسرور والبهجة والحضور. ورؤية الرحمن وسماع كلامه والارتباط برضاه وقربه. ولقاء الاحبة والاخوان والتمتع بالاجتماع بهم وسماع الاصوات المطربات والنغمات المشيات والمناظر المفرحات. ونعيم البدن بانواع المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك. مما لا تعلمه النفوس ولا خطر ببال احد. او قدر ان يصفه الواصفون ها هم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام واخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين دعواهم فيها سبحانك اللهم اي عبادتهم فيها لله. اولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائص. واخرها تحميد لله فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء. وانما بقي لهم اكمل اللذات. الذي هو الذ عليه من المآكل اللذيذة. الا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب. وتفرح به الارواح وهو لهم بمنزلة النفس. من دون كلفة ومشقة. واما تحيتهم فيما بينهم عند التلاقي والتزاور فهو السلام. اي كلام سالم من اللغو والاثم. موصوف بانه سلام. وقد قيل في تفسير قوله دعواهم فيها سبحانك الى اخر الاية ان اهل الجنة اذا احتاجوا الى الطعام والشراب ونحوهما قالوا سبحانك اللهم فاحضر لهم في الحال فاذا فرغوا قالوا الحمد لله رب العالمين ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون. وهذا من لطفه واحسانه بعباده انه لو عجل لهم الشر اذا اتوا باسبابه. وبادرهم بالعقوبة على ذلك. كما يعجل لهم الخير اذا اتوا باسبابه. لقضي اليهم اجلهم اين محقتهم العقوبة؟ ولكنه تعالى يمهلهم ولا يهملهم. ويعفو عن كثير من حقوقه. فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما فترك على ظهرها من دابة ويدخل في هذا ان العبد اذا غضب على اولاده او اهله او ماله ربما دعا عليهم دعوة لو قبلت منه هلكوا ولاضره ذلك غاية الضرر. ولكنه تعالى حليم حكيم. وقوله فنذر الذين لا يرجون لقاءنا. اي لا يؤمنون بالاخرة. فلذلك لا يستعدون لها ولا يعملون ما ينجيهم من عذاب الله في طغيانهم. اي باطنهم. الذي جاوزوا به الحق والحج يعمهون يترددون حائرين. لا يهتدون السبيل ولا يوفقون لاقوم دليل. وذلك عقوبة لهم على ظلمهم وكفرهم بايات الله فلما كشفنا عنه ضره مرض كأن لم يدعنا الى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون. وهذا اخبار عن طبيعة الانسان من حيث هو. وانه اذا مسه ضر من مرض او مصيبة اجتهد في الدعاء وسأل الله في جميع احواله قائما وقاعدا ومضطجعا والح في الدعاء الله عنه ضره اي استمر في غفلته معرضا عن ربه كأنه ما جاءه ضره فكشفه الله عنه. فاي ظلم اعظم من هذا الظلم؟ يطلب من الله قضاء غرضه فاذا اناله اياه لم ينظر الى حق ربه وكأنه ليس عليه لله حق. وهذا تزيين من الشيطان زين انه ما كان مستهجنا مستقبحا في العقول والفطر كذلك زين للمسرفين اي متجاوزين للحد ما كانوا يعملون. ولقد اهلكنا القرون من قبلكم اما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين يخبر تعالى انه اهلك الامم الماضية بظلمهم وكفرهم. بعدما جاءتهم البينات على ايدي الرسل. تبين الحق فلم ينقادوا لها اولم يؤمنوا فاحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم متجرأ على محارم الله. وهذه سنته في جميع الامم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون ثم جعلناكم ايها المخاطبون خلائف في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون. فان انتم اعتبرتم لمن قبلكم واتبعتم ايات الله وصدقتم رسله. نجوتم في الدنيا والاخرة. وان فعلتم كفعل الظالمين قبلكم. احل بكم ما بهم ومن انذر فقد اعذر واذا تتلى عليهم اياتنا بينات قال الذين لا يرجون يذكر تعالى تعنت المكذب لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وانهم اذا تتلى عليهم ايات الله القرآنية المبينة للحق. اعرضوا عنها وطلبوا وجوه التعنت فقالوا جراءة منهم وظلما. ائت بقرآن غير هذا او بالدلة. فقبحهم الله ما اجرأهم على الله واشدهم ظلما وردا لاياته. فاذا كان الرسول العظيم يأمره الله ان يقول لهم قل ما يكون لي اي ما ينبغي ولا يليق ان بدله من تلقاء نفسي فاني رسول محظوظ ليس لي من الامر شيء ان اتبع الا ما يوحى الي اي ليس لي غير ذلك فاني عبد مأمور اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. فهذا قول خير الخلق وادبه مع اوامر ربه ووحيه كيف بهؤلاء السفهاء الضالين؟ الذين جمعوا بين الجهل والضلال والظلم والعناد والتعنت والتعجيز لرب العالمين. افلا يخافون ان عذاب يوم عظيم. فان زعموا ان قصدهم ان يتبين لهم الحق بالايات التي طلبوا فهم كذبة في ذلك. فان الله قد بين من الايات فيما يؤمن على مثله البشر. وهو الذي يصرفها كيف يشاء. تابعا لحكمته الربانية ورحمته بعباده الله ما تلوته عليكم ولا ادراكم به فقد لبست فيكم عمرا من قبله افلا قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولادراكم به فقد لبثت فيكم عمرا طويلا من قبله اي قبل تلاوته وقبل لدرايتكم به وانا ما خطر على بالي ولا وقع في ظني افلا تعقلون اني حيث لم اتقوله في مدة عمري ولا ومني ما يدل على ذلك. فكيف اتقوله بعد ذلك؟ وقد لبثت فيكم عمرا طويلا تعرفون حقيقة حاله. باني امي لا اقرأ ولا اكتب ولا ادرس ولا اتعلم من احد. فاتيتكم بكتاب عظيم اعجز الفصحاء. واعي العلماء. فهل يمكن مع هذا ان يكون من تلك نفسي ام هذا دليل قاطع انه تنزيل من حكيم حميد؟ فلو اعملتم افكاركم وعقولكم وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه. وانه الحق الذي ليس بعده الا الضلال. ولكن اذ ابيتم الا التكذيب والعناد فانتم لا شك لانكم ظالمون فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح المجرمون. فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته. فلو كنت متقونا لكنت اظلم الناس. وفاتني الفلاح ولم تخفى عليكم حالي ولكني جئتكم بآيات الله فكذبتم بها. فتعين فيكم الظلم ولابد ان امركم سيضمحل. ولن تنالوا الفلاح ما دمتم كذلك ودل قوله قال الذين لا يرجون لقاءنا ان الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم ايمانهم بلقاء الله عدم رجائه وان من امن بلقاء الله فلا بد ان ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به. لانه حسن القصد ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا الله لا يشركون. يقول تعالى ويعبدون اي المشركون المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم. من دون الله ما لا ولا ينفعهم. اي لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع. ولا تدفع عنهم شيئا. ويقولون قولا خاليا من البرهان. هؤلاء شفعاؤنا عند الله ان يعبدونهم ليقربوهم الى الله ويشفعوا لهم عنده. وهذا قول من تلقاء انفسهم وكلام ابتكروه ولهذا قال تعالى مبطنا لهذا القول قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الارض. اي الله تعالى هو العاجل الذي احاط علما بجميع ما في السماوات والارض. وقد اخبركم بانه ليس له شريك ولا اله معه. افانتم يا معشر المشركين انه يوجد له فيها شركاء. افتخبرونه بامر خفي عليه وعلمتموه؟ اانتم اعلم ام الله؟ فهل يوجد قول ابطل من هذا قول المتضمن ان هؤلاء الضلال الجهال السفهاء اعلم من رب العالمين. فليكتفي العاقل بمجرد تصور هذا القول فانه يجزم بفساده وبطلانه. اي تقدس وتنزه ان يكون له شريك او نظير. بل هو الله الاحد الفرد الصمد. الذي لا اله في السماوات والارض الا هو. وكل معبود في العالم العلوي والسفلي في سواه فانه باطل عقلا وشرعا وفطرة. ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل. وان الله هو العلي الكبير اي وما كان الناس الا امة واحدة متفقين على الدين الصحيح ولكنه اختلفوا فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه اولى كلمة سبقت من ربك بامهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم. لقضي بينهم بان ننجي المؤمنين. ونهلك الكافرين المكذبين وصار هذا فارقا بينهم فيما فيه يختلفون. ولكنه اراد امتحانهم وابتلاء بعضهم ببعض. ليتبين الصادق من الكاذب ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظر ويقولون اي المكذبون المتعنتون لولا انزل اية من ربه يعنون ايات الاقتراح التي يعينونها. كقولهم لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا قولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا. فقل لهم اذا طلبوا منك اية انما الغيب لله. اي هو المحيط علما باحوال العباد فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم وحكمته البديعة. وليس لاحد تدبير في حكم ولا دليل. ولا غاية ولا تعليل فانتظروا اني معكم من المنتظرين. اي كل ينتظر بصاحبه ما هو اهل له. فانظروا لمن تكون العاقبة قل الله اسرع مكرا ان رسلنا يكتبون ما تمكرون. يقول تعالى واذا اذقنا الناس رحمة من من بعدي ضراء مستهم. كالصحة بعد المرض والغنى بعد الفقر. والامن بعد الخوف نسوا ما اصابهم من الضراء. ولم يشكروا الله على الرخاء والرحمة بل استمروا في طغيانهم ومكرهم. ولهذا قال اذا لهم مكر في اياتنا. ان يسعون بالباطل ليبطلوا به الحق. قل الله اسرع مكرا فان المكر السيء لا يحيق الا باهله. فمقصودهم منعكس عليهم ولم يسلموا من التبعة. بل تكتب الملائكة عليهم يعملون ويحصيه الله عليهم ثم يجازيهم الله عليه اوفر الجزاء يا اطفالي ريح عاصف وجاء وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا لما ذكر تعالى القاعدة العامة في احوال الناس عند اصابة الرحمة لهم بعد الضراء واليسر بعد العسر ذكر حالة تؤيد ذلك وهي حالهم في البحر عند اشتداده. والخوف من عواقبه. فقال هو الذي يسيركم في البر والبحر بما يسر لكم من الاسباب المسيرة لكم فيها. وهداكم اليها. حتى اذا كنتم في الفلك اي السفن البحرية وجرينا بهم طيبة موافقة لما يهوونه من غير انزعاج ولا مشقة. وفرحوا بها واطمأنوا اليها. فبينما هم كذلك. اذ جاءتها فريح عاصف شديدة الهبوب. وجاءهم الموج من كل مكان. وظنوا انهم احيط بهم. اي عرفوا انه الهلاك. فانقطع حينئذ تعلقهم وهم بالمخلوقين وعرفوا انه لا ينجيهم من هذه الشدة الا الله وحده. فدعوه مخلصين له الدين ووعدوا من انفسهم على وجه الالزام فقالوا لان ان انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين متاع الحياة الدنيا فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بغير الحق. اي نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء وما الزموه انفسهم فاشركوا بالله من اعترفوا انه لا ينجيهم من الشدائد. ولا يدفع عنهم المضايق. فهلا اخلصوا لله العبادة في الرخاء كما اخلصوه في الشدة. ولكن هذا يعود وباله عليهم. ولهذا قال يا ايها الناس انما بغيكم على انفسكم متاع الحياة الدنيا. اي غاية ما تؤمن ببغيكم وشرودكم عن الاخلاص لله. ان تنالوا شيئا من حطام الدنيا وجاهها. النزر اليسير الذي سينقضي سريعا. ويمضي جميعا ثم تنتقلون عنه بالرغم. ثم الينا مرجعكم في يوم القيامة. فننبئكم بما كنتم تعملون. وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم اختلط به نبات الارض مما يأكلن الناس والانعام. حتى اذا كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون. وهذا المثل من احسن الامثلة وهو مطابق لحالة الدنيا. فان لذاتها وشهواتها وجاهها. ونحو ذلك يزهو لصاحبه ان زهى وقتا قصير فاذا استكمل وتم اضمحل وزال عن صاحبه او زال صاحبه عنه فاصبح صفر اليدين منها ممتلئ القلب من همها حزنها وحسرتها فذلك كما ان انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض اي نبت فيها من كل صنف وزوج بهيج مما يأكل الناس كالحبوب والثمار ومما تأكل الانعام كانواع العشب والكلأ المختلف الاصناف حتى اذا اخذت الارض وزينت اي تزخرفت في منظرها واكتست في زينتها. فصارت بهجة للناظرين ونزهة للمتفرجين واية المتبصرين فصرت ترى لها منظرا عجيبا ما بين اخضر واصفر وابيض وغيره. وظن اهلها انهم قادرون عليها اي حصل معهم طمع بان ذلك سيستمر ويدوم لوقوف ايراداتهم عنده وانتهاء مطالبهم فيه. فبينهم في تلك الحالة اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كان لم تغن بالامس. اي كانها ما كانت فهذه حالة الدنيا سواء بسواء كذلك نفصل الايات. اي نبينها ونوضحها بتقريب المعاني الى الاذهان. وضرب الامثال لقوم يتفكرون. ان افكارهم فيما ينفعهم. واما الغافل المعرض فهذا لا تنفعه الايات. ولا يزيل عنه الشك البيان. ولما ذكر الله حال الدنيا حاصلة نعيمها شوق الى الدار الباقية فقال يا والى صراط مستقيم. عمت على عبادهم بالدعوة الى دار السلام. والحث على ذلك وخص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفائه. فهذا فضله واحسانه. والله يختص برحمته من يشاء. وذلك عدله وحكمته وليس لاحد عليه حجة بعد البيان والرسل. وسمى الله الجنة دار السلام. لسلامتها من جميع الافات والنقائص. وذلك لكمال بنعيمها وتمامه وبقائه. وحسنه من كل وجه. ولما دعا الى دار السلام كأن النفوس تشوقت الى الاعمال الموجبة لها. الموصلة اليها فاخبر عنها بقوله ولا ذلة اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. للذين احسنوا وزيادة. اي للذين احسنوا في عبادة الخالق بان عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته. وقاموا بما قدروا عليه منها احسنوا الى عباد الله بما يقدرون عليه من الاحسان القولي والفعلي. من بذل الاحسان المالي والاحسان البدني والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهلين ونصيحة المعرضين وغير ذلك من وجوه البر والاحسان. فهؤلاء الذين احسنوا لهم الحسنى هي الجنة الكاملة في حسنها وزيادة. وهي النظر الى وجه الله الكريم. وسماع كلامه والفوز برضاه. والبهجة بقربه. فبه هذا حصل لهم اعلى ما يتمناه المتمنون. ويسأله السائلون. ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال ولا يرهق وجوههم قطر ولا اذلة اي لا ينالهم مكروه بوجه من الوجوه. لان المكروه اذا وقع بالانسان تبين ذلك في وجهه. وتغير وتكدر. واما ما هولاء فهم كما قال الله عنهم تعرف في وجوههم نظرة النعيم. اولئك اصحاب الجنة الملازمون لها يا خالدون. لا يحولون ولا يزولون ولا يتغيرون. والذين كسبوا السيئات جزاء وترهقهم ذلة ما لهم ما لهم من الله من عاصم كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. لما ما ذكر اصحاب الجنة ذكر اصحاب النار فذكر ان بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الاعمال السيئة المسخطة لله من انواع الكفر والتكذيب واصناف المعاصي. فجزاؤهم سيئة مثلها. اي جزاء يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات. على اختلاف احوالهم وترهقهم اي تغشاهم ذلة في قلوبهم وخوف من عذاب الله. لا يدفعه عنهم دافع ولا يعصمهم منه عاصم. وتسرية تلك الذلة الباطنة الى ظاهرهم فتكون سوادا في الوجوه من الليل مظلما. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون فكم بين الفريقين من الفرق ويا بعد ما بينهما من التفاوت وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ووجوه يوم حينئذ باسرة تظن ان يفعل بها فاقرة وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة. اولئك هم الكفرة الفجرة. ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا مكانه يقول تعالى ويوم نحشرهم جميعا. اي نجمع جميع الخلائق لميعاد يوم معلوم. ونحضر المشركين وما كانوا يعبدون من دون الله. ثم نقول للذين اشركوا مكانكم انتم وشركاؤكم. اي الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم وبينهم فزينا بينهم اي فرقنا بينهم بالبعد البدني والقلبي. وحصلت بينهم العداوة الشديدة. بعد ان بذلوا لهم في الدنيا خالصة المحبة وصفو الوداد. فانقلبت تلك المحبة والولاية بغضا وعداوة. وتبرأ شركاؤهم منهم وقالوا ما كنتم ايانا يعبدون فاننا ننزه الله ان يكون له شريك او نديد فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم. ان كنا عن عبادتكم لغافلين. ما امرناكم بها ولا دعوناكم لذلك. وانما عبدتم من دعاكم الى ذلك وهو الشيطان كما قال الله تعالى الم اعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان؟ انه لكم عدو مبين وقال ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون؟ قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون. فالملائكة الكرام والانبياء والاولياء ونحوهم يتبرأون منهم من عبدهم يوم القيامة ويتنصلون من دعائهم اياهم الى عبادتهم. وهم الصادقون البارون في ذلك فحين ان يتحسر المشركون حسرة لا يمكن وصفها. ويعلمون مقدار ما قدموا من الاعمال. وما اسلفوا من رديء الخصال. ويتبين لهم يومئذ ان انهم كانوا كاذبين وانهم مفترون على الله. قد ضلت عبادتهم واضمحلت معبوداتهم. وتقطعت بهم الاسباب والوسائل ولهذا قال تعالى هنالك اي في ذلك اليوم تبلو كل نفس ما اسلفت اي تتفقد اعمالها وكسبها وتتبعها بالجزاء وتجازى بحسبه ان خيرا فخير وان شرا فشر. وضل عنهم ما كانوا يفترون من قولهم بصحة ما هم عليه من الشرك وانما يعبدون من دون الله تنفعهم وتدفع عنهم العذاب السمع والابصار ان يخرجوا الحي من الميت ويخرج الميت من الحج ومن يدبر الامر فسيقولون الله اه فقل افلا تتقون. اي قل لهؤلاء الذين اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. محتجا عليهم بما اقروا به من توحيد الربوبية على ما انكروه من توحيد الالوهية. من يرزقكم من السماء والارض بانزال الارزاق من السماء. واخراج انواعها من ارض وتيسير اسبابها فيها. امن يملك السمع والابصار؟ اي من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟ وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل. ولكمال شرفهما ونفعهما. ومن يخرج الحي من الميت كاخراج انواع الاشجار والنبات من الحبوب والنوى واخراج المؤمن من الكافر والطائر من البيضة ونحو ذلك. ويخرج الميت من الحي عكس هذه المذكورات. ومن يدبر الامر في العالم العلوي والسفلي. وهذا شامل لجميع انواع التدابير الالهية. فانك اذا سألتهم عن ذلك فسيقولون الله لانهم هم يعترفون بجميع ذلك. وان الله لا شريك له في شيء من المذكورات. فقل لهم الزاما بالحجة افلا تتقون الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك له. وتخلعون ما تعبدون من دونه من الانداد والاوثان. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد فذلك الذي وصف نفسه بما وصفها به الله ربكم اي المألوه المعبود المحمود المربي جميع الخلق بالنعم وهو الحق. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فان تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الاشياء. الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا له ذو الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والاكرام. فانى تصرفون عن عبادة من هذا وصفه؟ الى الذي ليس له من وجوده الا العدم. ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فليس له من الملك مثقال ذرة ولا شركة لهم بوجه من الوجوه. ولا يشفع عند الله الا باذنه. فتبا لمن اشرك به. وويحا لمن كفر به. لقد عدموا لهم بعد ان عدموا اديانهم. بل فقدوا دنياهم واخراهم. ولهذا قال تعالى عنهم كذلك حقت كلمة ربك على كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. بعد كما اراهم الله من الايات البينات والبراهين النيرات ما فيه عبرة لاولي الالباب وموعظة للمتقين وهدى للعالمين يقول تعالى مبينا عجز الهة المشركين وعدم اتصافها بما يوجب اتخاذها الهة مع الله قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ان يبتديه ثم يعيده؟ وهذا استفهام بمعنى النفي والتقرير اي ما منهم احد يبدأ الخلق ثم يعيده. وهي اضعف من ذلك واعجز. قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده. من غير مشارك ولا معاون له على ذلك فانى تؤفكون اي تصرفون وتحرفون عن عبادة المنفرد بالابتداء والاعادة. الى عبادة من لا يخلق شيئا وهم يخلقون قل هل من شركائك ومن يهدي الى الحق ببيانه وارشاده او بالهامه وتوفيقه. قل الله وحده يهدي للحق بالادلة والبراهين. وبالالهام التوفيق والاعانة على سلوك اقوم طريق اي لا يهتدي الا ان يهدى بعدم علمه ولضلاله. وهي شركاؤهم التي لا تهدي ولا تهتدي الا ان تهدى. فما كيف تحكمون؟ اي اي شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل بصحة عبادة احد مع الله. بعد ظهور الحجة والبرهان انه لا تستحق العبادة الا الله وحده فاذا تبين انه ليس في الهتهم التي يعبدون مع الله اوصافا معنوية ولا اوصافا فعلية تقتضي ان تعبد مع الله بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان الهيتها. فلاي شيء جعلت مع الله الهة. فالجواب ان هذا من تزيين الشيطان للانسان اقبح البهتان واضل الضلال. حتى اعتقد ذلك والفه وظنه حقا. وهو لا شيء. ولهذا قال اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا. ان الله عليم بما قانون. وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. اي ما يتبعون في الحقيقة شركاء لله. فانه ليس لله شريك اصل عقلا ولا نقلا وانما يتبعون الظن. وان الظن لا يغني من الحق شيئا. فسموها الهة وعبدوها الله ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان. ان الله عليم بما يفعلون يجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. يقول تعالى وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله اي غير ممكن ولا متصور. ان يفترى هذا القرآن على الله تعالى. لانه الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثله. لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وهو كتاب الله الذي تكلم به رب العالمين. فكيف يقدر احد من الخلق ان يتكلم بمثله؟ او بما يقاربه والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه. فان كان احد يماثل الله في عظمته واوصاف كماله امكن ان بمثل هذا القرآن ولو تنزلنا على الفرض والتقدير فتقوله احد على رب العالمين لعاجله بالعقوبة وبادره بالنكال ولكن الله انزل هذا الكتاب رحمة للعالمين. وحجة على العباد اجمعين. انزله تصديق الذي بين يديه من كتب الله السماوية بان وافقها وصدقها بما شهدت به وبشرت بنزوله فوقع كما اخبرت وتفصيل الكتاب للحلال والحرام والاحكام الدينية والقدرية والاخبارات الصادقة لا ريب فيه من رب العالمين. اي لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه. بل هو الحق اليقين تنزيل من رب العالمين الذي ربى جميع الخلق بنعمه. ومن اعظم انواع تربيته ان انزل عليهم هذا الكتاب. الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية المشتمل على مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين. ام يقولون اي المكذبون به عناية وبغي افتراه محمد على الله واختلقه قل لهم ملزما لهم بشيء ان قدروا عليه امكن ما ادعوه والا كان قوله باطلا فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين. يعاونكم على الاتيان بسورة مثله. وهذا ولو كان ممكنا لادعوا قدرتهم على ذلك ولاتوا بمثله. ولكن لما بان عجزهم تبين ان ما قالوه باطل. لا حظ له من بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله. كذلك كذب الذين من قبل والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحق الذي لا حق فوقه انهم لم يحيطوا به علما. فلو احاطوا به علما وفهموه حق فهمه. لاذعنوا بالتصديق له. وكذلك الى الان لم يأتهم الذي وعدهم ان ينزل بهم العذاب ويحل بهم النكال. وهذا التكذيب الصادر منهم من جنس تكذيب من قبلهم. ولهذا قال كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وهو الهلاك الذي لم يبق منهم احد فليحذر هؤلاء ان يستمروا على تكذيبهم في حل بهم ما احل بالامم المكذبين. والقرون المهلكين. وفي هذا دليل على التثبت في الامور وانه لا ينبغي للانسان ان يبادر بقبول شيء او رده قبل ان يحيط به علما ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمحسنين. ومنهم من يؤمن به اي بالقرآن وما جاء به منهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين. وهم الذين لا يؤمنون به على وجه العناد والظلم والفساد فسيجازيهم على فسادهم باشد العذاب وان كذبوك فاستمر على وليس عليك من حسابهم من شيء. وما من حسابك عليهم من شيء لكل عمله. فقل لعملي ولكم عملكم. انتم بريئون مما اعمل وانا بريء مما تعملون. كما قال تعالى من عمل صالحا فلنفسه. ومن اساء فعليها يستمعون اليك افأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. يخبر تعالى عن بعض المكذبين ان للرسول ولما جاء به وان منهم من يستمعون الى النبي صلى الله عليه وسلم وقت قراءته للوحي لا على وجه الاسترشاد بل على على وجه التفرج والتكذيب وتطلب العثرات. وهذا استماع غير نافع. ولا مجد على اهله خيرا. لا جرى من سد عليهم باب التوفيق وحرموا من فائدة الاستماع. ولهذا قال افانت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. وهذا الاستفهام بمعنى النفي المتقرر اي لا تسمع الصم الذين لا يستمعون القول ولو جهرت به. وخصوصا اذا كان عقلهم معدوما. فاذا كان من المحال اسماع الاصم الذي لا يعقل لي الكلام فهؤلاء المكذبون كذلك ممتنع اسماعك اياهم اسماعا ينتفعون به. واما اسماع الحجة فقد سمعوا اتقوم عليهم به حجة الله البالغة فهذا طريق عظيم من طرق العلم. قد انسد عليهم وهو طريق المسموعات المتعلقة بالخبر. ثم ذكر انسداد الطريق الثاني وهو طريق النظر فقال ولو كانوا لا يبصرون. ومنهم من ينظر اليك فلا يفيده نظره اليك. ولا سبر احوالك شيئا. فكما انك اتهدي العميا ولو كانوا لا يبصرون. فكذلك لا تهدي هؤلاء. فاذا فسدت عقولهم واسماعهم وابصارهم. التي هي الطرق الموصلة الى العلم ومعرفة الحقائق فاين الطريق الموصل لهم الى الحق؟ ودل قوله ومنهم من ينظر اليك ان النظر الى حالة النبي صلى الله عليه سلم وهديه واخلاقه واعماله. وما يدعو اليه من اعظم الادلة على صدقه وصحة ما جاء به. وانه يكفي البصير عن غيره من الادلة وقوله ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون. ان الله لا يظلم الناس شيئا. فلا يزيد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم. ولكن انفسهم يظلمون. يجيئهم الحق فلا يقبلونه. فيعاقبهم الله بعد ذلك بالطبع على قلوبهم. والختم على اسماعهم وابصارهم قد خسر الذين كذبوا بنقاء الله وما كانوا مهتدين. يخبر تعالى عن سرعة انقضاء الدنيا وان الله قال اذا حشر الناس وجمعهم ليوم لا ريب فيه. كانهم ما لبثوا الا ساعة من النهار. وكانهما مر عليهم نعيم ولا بؤس. وهم يتعارفون ما بينهم كحالهم في الدنيا. ففي هذا اليوم يربح المتقون. ويخسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين الى الصراط المستقيم والدين القويم حيث فاتهم النعيم. واستحقوا دخول النار فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون كن اي لا تحزن ايها الرسول على هؤلاء المكذبين. ولا تستعجل لهم فانهم لا بد ان يصيبهم الذي نعدهم من العذاب. اما في الدنيا فتراه بعينك وتقر به نفسك. واما في الاخرة بعد الوفاة فان مرجعهم الى الله وسينبأهم بما كانوا يعملون احصاه الله ونسوه. والله على كل شيء شهيد. ففيه الوعيد الشديد لهم والتسلية للرسول الذي كذبه قومه وعاندوه قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون يقول تعالى ولكل امة من الامم الماضية رسول يدعوهم الى توحيد الله ودينه. فاذا جاءهم رسولهم بالايات صدقه بعضهم وكذبه اخرون. فيقضي الله بينهم بالقسط بنجاة المؤمنين. واهلاك المكذبين وهم لا يظلمون. بان عذبوا قبل ارسال الرسول وبيان الحجة او يعذبوا بغير جرمهم. ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين لكل اجل اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فليحذر المكذبون لك من مشابهة الامم المهلكين. فيحل بهم ما حل باولئك ولا يستبطئ العقوبة ويقول متى هذا الوعد ان كنتم صادقين فان هذا ظلم منهم. حيث طلبوه من النبي صلى الله عليه وسلم. فانه ليس له من الامر شيء وانما عليه البلاغ بيان للناس واما حسابهم وانزال العذاب عليهم فمن الله تعالى ينزله عليهم اذا جاء الاجل الذي اجله فيه والوقت الذي قدره فيه الموافق لحكمته الالهية. فاذا جاء ذلك الوقت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فليحذر المكذبون من استعجالي بالعذاب فانهم مستعجلون بعذاب الله الذي اذا نزل لا يرد بأسه عن القوم المجرمين. ولهذا قال ارأيتم ان اتاكم عذابه بياتا او نهارا ما لا يستعجل منه المجرمون. يقول تعالى قل ارأيتم ان اتاكم عذابه بياتا؟ واقتنوا بكم بالليل او نهارا في وقت غفلتكم؟ ماذا يستعجل منه المجرمون اي اي بشارة استعجلوا بها واي عقاب ابتدروه كان وقد كنتم به تستعجلون. اثم اذا ما وقع امنتم به فانه لا ينفع الايمان حين حلول عذاب ويقال لهم توبيخا وعتابا في تلك الحال التي زعموا انهم يؤمنون. الان تؤمنون في حال الشدة والمشقة. وقد كنتم به تستعجلون فان سنة الله في عباده انه يعتبهم اذا استعتبوه قبل وقوع العذاب. فاذا وقع العذاب لا ينفع نفسا ايمانها كما قال تعالى عن فرعون لما ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين انه يقال له الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟ وقال تعالى فلم يكن ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده. وقال هنا اثم اذا ما وقع امنتم به الان تدعون الايمان. وقد كنتم به تستعدون فهذا ما عملت ايديكم وهذا ما استعجلتم به ثم قيل للذين ظلموا حين يوفون اعمالهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الخلد العذاب الذي تخلدون فيه ولا يفتر عنكم ساعة هل تجزون الا بما كنتم تكسبون من الكفر والتكذيب والمعاصي يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ويستنبئونك احق هو ان يستخبرك المكذبون على وجه التعنت والعناد لا على وجه التبين والرشاد احق هو اي اصحيح حشر العباد وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد. وجزاء العباد باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر. قل لهم مقسما على صحته مستدلا عليه بالدليل الواضح والبرهان. اي وربي انه لحق لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه. وما انتم بمعجزين لله ان يبعثكم. فكما ابتدأ خلقكم ولم تكونوا شيئا. كذلك عيدكم مرة اخرى ليجازيكم باعمالكم. واذا كانت القيامة وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون فلو ان لكل نفس ظلمت بالكفر والمعاصي جميع ما في الارض من ذهب وفضة وغيرهما. لتفتدي به من عذاب الله لافتدت به ولا ما نفعها ذلك. وانما النفع والضر والثواب والعقاب على الاعمال الصالحة والسيئة. واسر اي الذين ظلموا ان لما رأوا العذاب ندموا على ما قدموا ولا تحين مناص. وقضي بينهم بالقسط اي العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من الوجوه ان اكثرهم لا يعلمون. الا ان لله ما في السماوات والارض يحكم فيهم بحكمه الديني والقدري. وسيحكم فيهم بحكم الجزائي. ولهذا قال الا ان وعد الله حق. ولكن اكثرهم لا يعلمون. فلذلك لا يستعدون للقاء الله ربما لم يؤمنوا به وقد تواترت عليه الادلة القطعية والبراهين النقلية والعقلية ويحيي ويميت اي هو المتصرف بالاحياء والاماتة. وسائر انواع التدبير لا شريك له في ذلك. واليه يوم القيامة فيجازيكم باعمالكم خيرها وشرها موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور يقول تعالى مرغبا للخلق في الاقبال على هذا الكتاب الكريم بذكر الحسنة الضرورية للعباد. فقال يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم اي تعظكم وتنذركم عن الاعمال موجبتي لسخط الله المقتضية لعقابه. وتحذركم عنها ببيان اثارها ومفاسدها. وشفاء لما في الصدور. وهو هذا القرآن شفاء لما في الصدور من امراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وامراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني. فان فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة. واذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة من الشر ونمتا على تكرار ما يرد اليها من معاني القرآن. اوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس. وصار ما يرضي الله احب الى العبد من شهوة نفسه. وكذلك ما فيه من البراهين والادلة التي صرفها الله غاية التصريف. وبينها احسن بيان. مما يزيل الشبه قادحة في الحق ويصل به القلب الى اعلى درجات اليقين. واذا صح القلب من مرضه ورفل باثواب العافية تبعته الجوارح كله فانها تصلح بصلاحه وتفسد بفساده وهدى ورحمة للمؤمنين. فالهدى هو العلم بالحق والعمل به. والرحمة هي ما يحصل من الخير والاحسان والثواب العاجل والاجل لمن اهتدى به. فالهدى اجل الوسائل والرحمة اكمل المقاصد والرغائب لكن لا يهتدي به ولا يكون رحمة الا في حق المؤمنين. واذا حصل الهدى وحلت الرحمة الناشئة عنه. حصلت السعادة والفلاح والنجاح والفرح والسرور. ولذلك امر تعالى بالفرح بذلك فقال قل بفضل الله الذي هو القرآن الذي هو اعظم نعمة ومنة وفضل تفضل الله به على عباده. ورحمته الدين والايمان وعبادة الله ومحبته ومعرفته. فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون من متاع الدنيا ولذاتها. فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين. لا نسبة بينها وبين جميع ما في الدنيا ما هو مضمحل زائل عن قريب. وانما امر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته. لان ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها. وشكرا لله تعالى وقوتها وشدة الرغبة في العلم والايمان. الداعية للازدياد منهما. وهذا فرح محمود بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها او الفرح بالباطل. فان هذا مذموم. كما قال تعالى عن قوم قارون له لا تفرح ان الله ايحب الفرحين. وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل. المناقض لما جاءت به الرسل. فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم يقول تعالى منكرا على المشركين الذين ابتدعوا تحريم ما احل الله وتحليل ما حرم. قل ارأيتم ما انزل الله لكم من رزق؟ يعني انواع الحيوانات المحللة التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم. قل لهم موبخا على هذا القول الفاسد. االله اذن لكم ام الله تفترون. ومن المعلوم ان الله لم يأذن لهم. فعلم انهم مفترون يوم القيامة ان الله له فضل على الناس ولكن اكثرهم لا يشكون. وما ظن الذي الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة. ان يفعل الله بهم من النكال ويحل بهم من العقاب. قال الله تعالى ويوم القيامة ترى الذين حين كذبوا على الله وجوههم مسودة. ان الله لذو فضل على الناس كثير. وذو احسان جزيل ولكن اكثر الناس لا يشكرون اما الا يقوموا بشكرها واما ان يستعينوا بها على معاصيه. واما ان يحرموا منها. ويردوا ما من الله به على عباده وقليل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة. ويثني بها على الله ويستعين بها على طاعته. ويستدل بهذه الاية على ان الاصل في جميع الاطعمة الحل الا ما ورد الشرع بتحريمه. لان الله انكر على من حرم الرزق الذي انزله لعباده وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. يخبر تعالى عن عموم مشاهدته واطلاعه على جميع احوال العباد في حركاتهم وسكناتهم. وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام. فقال وما تكون في شأن اي حال من احوالك الدينية والدنيوية. وما تتلوا منه من قرآن. اي وما تتلوا من القرآن الذي اوحاه الله اليك. ولا تعملون من صغير او كبير الا كنا شهودا اذ تفيضون فيه. اي وقت شروعكم فيه واستمراركم على العمل به. فراقبوا الله في ما لكم وادوها على وجه النصيحة والاجتهاد فيها. واياكم وما يكره الله تعالى فانه مطلع عليكم. عالم بظواهركم وباطنكم وما يعزب عن ربك اي ما يغيب عن علمه وسمعه وبصره ومشاهدته. من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. اي قد احاط به علمه وجرى به قلمه. وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر كثيرا ما يقرن الله بينهما وهما العلم المحيط بجميع الاشياء وكتابته المحيطة بجميع الحوادث كقوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض؟ ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير. الا ان اولياء يخبر تعالى عن اوليائه واحبائه ويذكر اعمالهم اوصافهم وثوابهم. فقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم فيما يستقبلونه مما امامهم من المخاوف والاهوال. ولا هم يحزنون على ما اسلفوا. لانهم لم يسلفوا الا صالح الاعمال. واذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثبت لهم الامن والسعادة الخير الكثير الذي لا يعلمه الا الله تعالى. ثم ذكر وصفهم فقال حين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وبالقدر خيره وشره. وصدقوا ايمانهم باستعمال التقوى بامتثال الاوامر واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله تعالى وليا. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم. ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. اما البشارة في الدنيا فهي الثناء الحسن. والمودة في قلوب المؤمنين والرؤيا الصالحة. وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لاحسن الاعمال والاخلاق. وصرفه عن مساوئ الاخلاق. واما في الاخرة فاولها البشارة عند قبض ارواحهم كما قال الله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم. وفي الاخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة من العذاب الاليم. لا تبديل لكلمات الله. بل ما وعد الله فهو حق. لا يمكن تغييره ولا تبديله. لانه الصادق في قيله الذي لا يقدر احد ان يخالفه فيما قدره وقضاه. ذلك هو الفوز العظيم لانه اشتمل على النجاة من كل محذور بكل مطلوب محبوب. وحصر الفوز فيه لانه لا فوز لغير اهل الايمان والتقوى. والحاصل ان البشرى شاملة لكل خير وثواب رتبه الله في الدنيا والاخرة على الايمان والتقوى. ولهذا اطلق ذلك فلم يقيده ان العزة لله جميعا هو السميع العليم. اي ولا يحزنك قول المكذبين فيك من الاقوال التي وصلونا بها الى القدح فيك وفي دينك. فان اقوالهم لا تعزهم ولا تضرك شيئا. ان العزة لله جميعا يؤتيها من يشاء ويمنعها ممن يشاء. قال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. اي فليطلبها بطاعته بدليل قوله اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. ومن المعلوم انك على طاعة الله. وان العزة لك ولاتباعك من الله لله العزة ولرسوله وللمؤمنين. وقوله هو السميع العليم. اي سمعه قد احاط بجميع الاصوات. فلا يخفى عليه شيء منها وعلمه قد احاط بجميع الظواهر والبواطن. فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر وهو تعالى يسمع قولك وقول اعدائك فيك ويعلم ذلك تفصيلا. فاكتفي بعلم الله وكفايته. فمن يتق الله فهو حسبه الا ان لله من في السماوات ومن في الارض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء يخبر تعالى ان له ما في السماوات والارض خلقا وملكا وعميدا يتصرف فيهم بما شاء من احكامه. فالجميع مماليك لله مسخرون مدبرون. لا يستحقون شيئا من العبادة وليسوا شركاء لله بوجه من الوجوه. ولهذا قال وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. ان يتبعون الا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. وان هم الا يخرصون في ذلك. خرص كذب وافك وبهتان. فاذا كانوا صادقين في انها شركاء فليظهروا من اوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة. فلن يستطيعوا فهل منهم احد يخلق شيئا او يرزق؟ او يملك شيئا من المخلوقات او يدبر الليل والنهار الذي جعله الله قياما للناس فيه والنهار مبصرا ان في ذلك لايات لقوم يسمعون. هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه في النوم والراحة بسبب الظلمة التي تغشى وجه الارض. فلو استمر الضياء لما قروا ولما سكنوا. وجعل الله النهار مبصرا اي مضيئا يبصر به الخلق فيتصرفون في معايشهم ومصالح دينهم ودنياهم. ان في ذلك لايات لقوم يسمعون عن الله سمع فهم وقبول واسترشاد لا سمع تعنت وعناد. فان في ذلك لايات لقوم يسمعون. يستدلون على انه وحده المعبود. وانه الاله الحق وان الهية ما سواه باطلة. وانه الرؤوف الرحيم العليم الحكيم. قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني لهما والله ما لا تعلمون. يقول تعالى مخبرا عن بهت المشركين لرب العالمين. قالوا اتخذ الله ولدا فنزه نفسه عن ذلك بقوله سبحانه اي تنزه عما يقول الظالمون في نسبة النقائص اليه علوا كبيرا. ثم برهن على ذلك بعدة براهين احدها قوله هو الغني اي الغنى منحصر فيه وانواع الغنى مستغرقة فيه فهو الغني الذي له الغنى التام بكل وجه واعتبار من جميع الوجوه. فاذا كان غنيا من كل وجه فلاي شيء يتخذ الولد. الحاجه منه الى الولد فهذا مناف لغناه فلا يتخذ احد ولدا الا لنقص في غناه. البرهان الثاني قوله له ما في السماوات وما في الارض. وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من اهل السماوات والارض. الجميع مخلوقون عبيد مماليك. ومن المعلوم ان هذا الوصف العام ينافي ان يكون له منهم ولد. فان الولد من جنس والده لا يكون مخلوقا ولا مملوكا. فملكيته لما في السماوات والارض عموما تنافي الولادة البرهان الثالث قوله ان عندكم من سلطان بهذا اي هل عندكم من حجة وبرهان يدل على ان لله ولدا؟ فلو كان كان لهم دليل لابدوه. فلما تحداهم وعجزهم عن اقامة الدليل. علم بطلان ما قالوه. وان ذلك قول بلا علم. ولهذا قال اتقولون على الله ما لا تعلمون؟ فان هذا من اعظم المحرمات الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم قل ان الذين يفترون على الله الكذب فلا يفلحون. اي لا ينالون مطلوبهم. ولا يحصل لهم مقصودهم. وانما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلا. ثم ينتقل الى الله ويرجعون اليه. فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون. وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون واتل عليهم نبأ نوح اذ قال لقومه يا قوم ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله ثم قضوا الي ولا تنضرون يقول تعالى لنبيه واتل على قومك نبأ نوح في دعوته لقومه حين دعاهم الى الله مدة طويلة فمكث فيهم الف سنة الا خمسين عاما فلم يزدهم دعاؤه اياهم الا طغيانا. فتمللوا منه وسئموا. وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل ولا متوان في دعوتهم. فقال لهم يا قومي ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله. اي ان كان مقامي عندكم وتذكيري اياكم ما ينفعكم بايات الله الادلة الواضحة البينة قد شق عليكم وعظم لديكم واردتم ان تنالوني بسوء او تردوا حق فعلى الله توكلت اي اعتمدت على الله في دفع كل شر يراد بي وبما ادعو اليه فهذا جندي وعدتي وانتم بما قدرتم عليه من انواع العدد والعدد. فاجمعوا امركم كلكم بحيث لا يتخلف منكم احد ولا تدخروا من مجهود شيئا واحضروا شركاءكم الذين كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين. ثم لا يكن امركم عليكم امة اي مشتبها خفيا. بل ليكن ذلك ظاهرا علانية. ثم اقضوا الي اي اقضوا علي بالعقوبة والسوء الذي في امكانكم اتنظرون اي لا تمهلون ساعة من نهار. فهذا برهان قاطع واية عظيمة على صحة رسالته. وصدق ما جاء به حيث كان وحده لا عشيرة تحميه ولا جنود تؤويه. وقد بادأ قومه بتسفيه ارائهم وفساد دينهم وعيب الهتهم. وقد حملوا من وعداوته ما هو اعظم من الجبال الرواسي. وهم اهل القدرة والسطوة. وهو يقول لهم اجتمعوا انتم وشركائكم ومن استطعتم وابدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد. فاوقعوا بي ان قدرتم على ذلك. فلم يقدروا على شيء من ذلك. فعلم انه الصادق حقا هم الكاذبون فيما يدعون. ولهذا قال الله وامرت ان اكون من المسلمين. فان توليتم عما دعوتكم اليه فلا موجب لتوليكم. لانه تبين بما انكم لا تولون عن باطل الى حق. وانما تولون عن حق قامت الادلة على صحته. الى باطل قامت الادلة على فساده. ومع هذا فما سألتكم من اجر على دعوتي وعلى اجابتكم فتقول هذا جائنا ليأخذ اموالنا فتمتنعون لاجل ذلك اجري الا على الله اي لا اريد الثواب والجزاء الا منه. وايضا فاني ما امرتكم بامر واخالفكم الى ضده. بل امرت ان اكون من المسلمين فانا اول داخل واول فاعل لما امرتكم به. فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك جعلناهم خلائف. واغرقنا الذين كذبوا باياتنا فانظر كيف كان فكذبوه بعدما دعاهم ليلا ونهارا سرا وجهارا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا فنجيناه ومن معه في الفلك الذي امرناه ان يصنعه باعيننا وقلنا له اذا فاردت النور فاحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن امن ففعل ذلك فامر الله السماء بماء منهمر وفجر الارض عيونا الماء على امر قد قدر وحملناه على ذات الواح ودسر تجري باعيننا وجعلناهم خلائف في الارض بعد اهلاك المكرم ثم بارك الله في ذريته وجعل ذريته هم الباقين. ونشرهم في اقطار الارض. واغرقنا الذين كذبوا باياتنا بعد ذلك البيان واقامة البرهان. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين. وهو الهلاك المخزي. واللعنة المتتابعة عليهم في في كل قرن يأتي بعدهم لا تسمع فيهم الا لو ما ولا ترى الا قدحا وذما. فليحذر هؤلاء المكذبون ان يحل بهم ما حل باولئك الاقوام المكذبين من الهلاك والخزي والنكال اي ثم بعثنا من سعد نوح عليه السلام رسلا الى قومهم المكذبين. يدعونهم الى الهدى ويحذرونهم من اسباب الردى. فجاءوهم بالبينات اي كل نبي ايد دعوته بالايات الدالة على الصحة ما جاء به. فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل. يعني ان الله تعالى عاقبهم وهم حيث جاءهم الرسول فبادروا بتكذيبه. طبع الله على قلوبهم وحال بينهم وبين الايمان بعد ان كانوا متمكنين منه. كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ولهذا قال هنا كذلك نطمع على قلوب المعتدين اي نختم عليها فلا يدخلها خير. وما ظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم بردهم الحق لما جاءهم. وتكذيبهم الاول ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون الى فرعون وملأه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين. اي ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الذين ارسلهم الله الى القوم المكذبين المهلكين. موسى ابن عمران كليم الرحمن احد اولي العزم من المرسلين. واحد الكبار المقتدى بهم المنزل عليهم الشرائع المعظمة الواسعة. وجعلنا معه اخاه هارون وزيرا. بعثناهما الى فرعون وملأه. اي كبار دولته ورؤسائهم. لان عامتهم تبع للرؤساء باياتنا الدالة على صدق ما جاء به من توحيد الله. والنهي عن عبادة ما سوى الله. فاستكبروا عنها ظلما وعلوا. بعدما استيقنوها وكانوا قوما مجرمين اي وصفهم الاجرام والتكذيب ان هذا لسحر مبين. فلما جاءهم الحق من عندنا الذي هو اكبر انواع الحق واعظمها. وهو من عند الله الذي خضعت لعظمته الرقاب. وهو رب العالمين المربي جميع خلقه بالنعم. فلما جاءهم الحق من عند الله على يد موسى ردوه فلم وقالوا ان هذا لسحر مبين. لم يكفهم قبحهم الله اعراضهم ولا ردهم اياه. حتى جعلوه ابطل الباطل. وهو السحر الذي حقيقته التمويه بل جعلوه سحرا مبينا ظاهرا. وهو الحق المبين. ولهذا قال لهم موسى موبخا لهم عن ردهم الحق الذي لا يرده الا اظلموا الناس لا يفلح الساحرون. اتقولون للحق لما جاءكم؟ اي اتقولون انه سحر مبين؟ اسحر هذا؟ اي فانظر اذكروا وصفه وما اشتمل عليه. فبمجرد ذلك يجزم بانه الحق. ولا يفلح الساحرون لا في الدنيا ولا في الاخرة. فانظروا لمن تكونوا له العاقبة ولمن له الفلاح وعلى يديه النجاح. وقد علموا بعد ذلك وظهر لكل احد ان موسى عليه السلام هو الذي افلح وفاز الدنيا والاخرة الكبرياء في الارض وما نحن لكما بمؤمنين. قالوا لموسى رادين لقوله بما لا يرده اجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه اباءنا؟ اي اجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه ابائنا من الشرك وعبادة غير الله وتأمرنا بان نعبد الله وحده لا شريك له. فجعلوا قول ابائهم الضالين حجة يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام وقولهم وتكون لكم الكبرياء في الارض اي وجئتمونا لتكونوا انتم الرؤساء ولتخرجونا من ارضنا وهذا تمويل منهم وترويج على جهالهم وتهييج لعوامهم على معاداة موسى وعدم الايمان به. وهذا لا يحتج به من عرف الحقائق ميز بنا الامور فان الحجج لا تدفع الا بالحجج والبراهين. واما من جاء بالحق فرد قوله بامثال هذه الامور. فانها تدل على على عجز موردها عن الاتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه. لانه لو كان له حجة لاوردها. ولم يلجأ الى قوله قصدك كذا او مرادك كذا سواء كان صادقا في قوله واخباره عن قصد خصمه ام كاذبا؟ مع ان موسى عليه الصلاة والسلام كل من عرف حاله وما يدعو اليه عرف انه ليس له قصد في العلو في الارض. وانما قصده كقصد اخوانه المرسلين. هداية الخلق وارشادهم لما فيه نفعهم ولكن حقيقة الامر كما نطقوا به بقولهم وما نحن لك ما بمؤمنين. اي تكبرا وعنادا لا بطلان ما جاء به موسى وهارون. ولا لاشتباه فيه ولا لغير ذلك من المعاني. سوى الظلم والعدوان. وارادة العلو الذي رموا به في موسى وهارون وقال في العون ائتوني بكل ساحر عليم. وقال فرعون معارضا للحق الذي جاء به موسى ومغالطا لملأه وقومه ائتوني بكل ساحر عليم. اي ماهر بالسحر متقن له. فارسل في مدائن مصر من اتاه بانواع السحرة على اختلاف اجناسهم وطبقاتهم فلما جاء السحرة للمغالبة مع موسى قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون. اي اي شيء اردتم لا اعين لكم شيئا وذلك لانه جازم بغلبته. غير مبال بهم وبما جاءوا به به السحر ان الله سيبطله. ان الله لا يصلح عمل المفسدين. فلما القوا وحبالهم وعصيهم اذا هي كانها حيات تسعى. فقال موسى ما جئتم به السحر. اي هذا السحر الحقيقي العظيم. ولكن مع عظمته ان الله سيبطله. ان الله لا يصلح عمل المفسدين. فانهم يريدون بذلك نصر الباطل على الحق. واي فساد اعظم من هذا وهكذا كل مفسد عمل عملا واحتال كيدا او اتى بمكر فان عمله سيبطل ويضمحل وان قال لعمله روجان في وقت ما فان مآله الاضمحلال والمحق. واما المصلحون الذين قصدهم باعمالهم وجه الله تعالى. وهي مال ووسائل نافعة مأمور بها. فان الله يصلح اعمالهم ويرقيها. وينميها على الدوام. فالقى موسى عصاه. فتلقى جميع ما صنعوا فبطل سحرهم واضمحل باطلهم فالقي السحرة سجدا حين تبين لهم الحق. فتوعدهم فرعون بالصلب وتقطيع الايدي والارجل. فلم يبالوا في ذلك وثبتوا على ايمانهم. واما فرعون وملأه واتباعهم فلم يؤمن منهم احد. بل استمروا في طغيانهم يعمهون. ولهذا قال ان يفتنهم وان فرعون لعالم في الارض وانه لمن المسرفين. فما امن لموسى الا ذرية من قومه اي شباب من بني اسرائيل صبروا على الخوف لما ثبت في قلوبهم الايمان على خوف من فرعون وملأهم ان يفتنهم دينهم وان فرعون لعالم في الارض. اي له القهر والغلبة فيها فحقيق بهم ان يخافوا من بطشه. وخصوصا انه كان لم من المسرفين اي المتجاوزين للحد في البغي والعدوان. والحكمة والله اعلم بكونه ما امن لموسى الا ذرية من قومه الذرية والشباب اقبلوا للحق. واسرع لهم قيادا بخلاف الشيوخ ونحوهم. ممن تربى على الكفر. فانهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة ابعد من الحق من غيرهم وقال موسى يا قومي ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلو ان كنتم مسلمين وقال موسى موصيا لقومه بالصبر. ومذكرا لهم ما يستعينون به على ذلك. فقال يا قومي ان كنتم امنتم بالله قوموا بوظيفة الايمان فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين. اي اعتمدوا عليه والجأوا اليه واستنصروه. فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. فقالوا ممتثلين لذلك على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. اي لا تسلطهم علينا فيفتنونا او يغلبون فيفتنون بذلك. ويقولون لو على حق لما غلبوا. لنسلم من شرهم ولنقيم على ديننا على كوجه نتمكن به من اقامة شرائعه واظهاره من غير معارض ولا منازع واوحينا الى موسى واخيه حين اشتد الامر على قومهما من فرعون وقومه وحرصوا على فتنة عن دينهم ان تبوأ لقومكما بمصر بيوتا. اي مروهم ان يجعلوا لهم بيوتا يتمكنون به من الاستخفاء فيها اجعلوا بيوتكم قبلة. اي اجعلوها محلا تصلون فيها. حيث عجزتم عن اقامة الصلاة في الكنائس والبيع العامة. واقيموا الصلاة فانها معونة على جميع الامور. وبشر المؤمنين بالنصر والتأييد واظهار دينهم. فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا وحين اشتد الكرب وضاق الامر فرجه الله ووسعه. فلما رأى موسى القسوة والاعراض من فرعون وملأه دعا عليهم وامن هارون كونوا على دعائه فقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا طمس على اموالهم واشدد واشتد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة يتزينون بها من انواع الحلي والثياب والبيوت زخرفة والمراكب الفاخرة والخدام. واموالا عظيمة في الحياة الدنيا. ربنا ليضلوا عن سبيلك. فيضلون ويضلون ربنا اطمس على اموالهم اي اتلفها عليهم اما بالهلاك واما بجعلها حجارة غير منتفع بها. واشدد على بهم اي قسها فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. قال ذلك غضبا عليهم حيث تجرأوا على محارم الله وافسدوا اسعد الله وصدوا عن سبيله ولكمال معرفته بربه بان الله سيعاقبهم على ما فعلوا باغلاق باب الايمان عليهم قال قد اجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعا سبيل الذين لا يعلمون. قال الله تعالى قد اجيبت دعوتكما. هذا دليل على ان موسى كان يدعو وهارون يؤمنه وعلى دعائه وان الذي يؤمن يكون شريكا للداعي في ذلك الدعاء. فاستقيما على دينكما واستمرا على دعوتكما. ولا سبيل الذين لا يعلمون. اي لا تتبعان سبيل الجهال الضلال. المنحرفين عن الصراط المستقيم. المتبعين لطرق الجحيم فامر الله موسى ان يسري ببني اسرائيل ليلا. واخبره انهم يتبعون. وارسل فرعون في المدائن حاشرين. يقولون ان هؤلاء اي موسى وقومه لشرذمة قليلون. وانهم لنا لغائضون وانا لجميع حاذرون مع جنوده قاصيهم ودانيهم فاتبعهم بجنوده. بغيا وعدوا اي خروجهم باغين على موسى وقومه. ومعتدين في الارض واذا اشتد البغي واستحكم الذنب فانتظر العقوبة وجاوزنا بني اسرائيل البحر وذلك ان الله اوحى الى موسى لما وصل البحر ان يضربه بعصاه فضربه فانفلق اثني عشر طريقا وسلكه بنو اسرائيل وساق فرعون وجنوده خلفه داخلين. فلما استكمل موسى وقومه خالدين من البحر. وفرعون وجنوده فيه امر الله البحر فالتطم على فرعون وجنوده. فاغرقهم وبنوا اسرائيل ينظرون. حتى اذا ادرك فرعون الغرق وجزم بهلاكه. قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل. وهو الله الاله الحق الذي لا اله الا هو وانا من المسلمين اي المنقادين لدين الله ولما جاء به موسى وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين قال الله تعالى مبينا ان هذا الايمان في هذه الحالة غير نافع له. الان تؤمن وتقر برسول الله. وقد عصيت قبل اي بارزت بالمعاصي والكفر والتكذيب وكنت من المفسدين فلا ينفعك الايمان كما جرت عادة الله ان الكفار اذا وصلوا الى هذه الحالة الاضطرارية انه لا ينفعهم ايمانهم. لان ايمانهم صار ايمانا مشاهدا. كايمان من ورد القيامة. والذي ينفع انما هو الايمان بالغيب يوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك اية قال المفسرون ان بني اسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم من فرعون كانهم لم يصدقوا باغراقه. وشكوا في ذلك. فامر الله البحر ان يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه. ليكون له عبرة واية. وان كثيرا من الناس عن اياتنا لغافلون. فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها لعدم الهم عليها واما من له عقل وقلب حاضر فانه يرى من ايات الله ما هو اكبر دليل على صحة ما اخبرت به الرسل ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوءة صدق اي انزلهم الله واسكنهم في مساكن ال فرعون. واورثهم ارضهم وديارهم. ورزقناهم من الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرهما. فما اختلفوا في الحق حتى جاءهم العلم الموجب لاجتماعهم وائتلافهم. ولكن بغى بعضهم على بعض وصار لكثير منهم اهوية واغراض تخالف الحق. فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير. ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون بحكمه العدل الناشئ عن علمه التام وقدرته الشاملة. وهذا هو الداء الذي يعرض لاهل الدين الصحيح وهو ان الشيطان اذا اعجزوه ان يطيعوه في ترك الدين بالكلية سعى في التحريش بينهم والقاء العداوة والبغضاء. فحصل من الاختلاف موجب ذلك ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض. وعداوة بعضهم لبعض. ما هو قرة عين لعين؟ والا فاذا كان ربهم واحدة ورسولهم واحدا ودينهم واحدا ومصالحهم العامة متفقة فلاي شيء يختلفون اختلافا يفرق شملهم ويشتت امرهم ويحل رابطتهم ونظامهم فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت. ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت فنسألك اللهم لطفا بعبادك المؤمنين. يجمع شملهم ويرأب صدعهم. ويرد قاصيهم على دانيهم. يا ذا الجلال والاكرام فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبل لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فان كنت في شك مما انزلنا اليك هل هو صحيح ام غير صحيح؟ فاسأل الذي حين يقرأون الكتاب من قبلك اي اسأل اهل الكتاب المنصفين والعلماء الراسخين. فانهم سيقرون لك بصدق ما اخبرت به موافقته لما معهم. فان قيل ان كثيرا من اهل الكتاب من اليهود والنصارى. بل ربما كان اكثرهم ومعظمهم كذبوا رسول الله وعاندوه وردوا عليه دعوته. والله تعالى امر رسوله ان يستشهد بهم. وجعل شهادتهم حجة لما جاء به. وبرهانا على صدقه فكيف يكون ذلك؟ فالجواب على هذا من عدة اوجه منها ان الشهادة اذا اضيفت الى طائفة او اهل مذهب او بلد ونحوهم فانها انما تتناول العدول الصادقين منهم واما من عداهم فلو كانوا اكثر من غيرهم فلا عبرة فيهم. لان الشهادة مبنية على العدالة والصدق. وقد حصل ذلك بايمان كثير من احبارهم الربانيين كعبد الله ابن السلام واصحابه. وكثير ممن اسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده وكعب الاحبار وغيرهما. ومنها ان شهادة اهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبنية على كتابه الدورة الذي ينتسبون اليه. فاذا كان موجودا في التوراة ما يوافق القرآن ويصدقه. ويشهد له بالصحة. فلو اتفقوا من اولهم لاخرهم على انكار ذلك لم يقدح بما جاء به الرسول. ومنها ان الله تعالى امر رسوله ان يستشهد باهل الكتاب على صحة ما جاءه واظهر ذلك واعلنه على رؤوس الاشهاد. ومن المعلوم ان كثيرا منهم من احرص الناس على ابطال دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فلو كان عندهم ما يرد ما ذكره الله لابدوه واظهروه وبينوه. فلما لم يكن شيء من ذلك كان عدم رد المعادي واقراره مستجيب من ادل الادلة على صحة هذا القرآن وصدقه. ومنها انه ليس اكثر اهل الكتاب رد دعوة الرسول. بل اكثرهم مستجاب لها وانقاد طوعا واختيارا. فان الرسول بعث واكثر اهل الارض المتدينين اهل كتاب فلم يمكث دينه مدة غير كثيرة حتى انقاد للاسلام اكثر اهل الشام ومصر والعراق وما جاورها من البلدان التي هي مقر دين اهل كتاب ولم يبق الا اهل الرياسات الذين اثروا رياساتهم على الحق. ومن تبعهم من العوام الجهلة. ومن تدين بدينه اسما لا معنى كالافرنج الذين حقيقة امرهم انهم دهرية منحلون عن جميع اديان الرسل وانما انتسبوا للدين المسيحي ترويجا ملكهم وتمويها لباطلهم. كما يعرف ذلك من عرف احوالهم البينة الظاهرة. وقوله لقد جاءك الحق اي الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه. ولهذا قال من ربك فلا تكونن من الممترين. كقوله تعالى كتاب انزل اليك فلا يكن في حرج منه وحاصل هذا ان الله نهى عن شيئين. الشك في هذا القرآن والامتراء فيه. واشد من ذلك التكذيب به. وهو ايات الله البينات التي لا تقبل التكذيب بوجه ورتب على هذا الخسار وهو عدم الربح اصلا. وذلك بفوات الثواب في الدنيا والاخرة. وحصول العقاب في الدنيا والاخرة والنهي عن الشيء امر بضده. فيكون امرا بالتصديق التام بالقرآن. وطمأنينة القلب اليه والاقبال عليه من وعمل فبذلك يكون العبد من الرابحين الذين ادركوا اجل المطالب. وافضل الرغائب واتم المناقب. وانتفى عنهم الخسار ان الذين يقول تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك اي انهم من الضالين الغاويين اهل النار لابد ان يصيروا الى ما قدره الله وقضاه. فلا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية. فلا تزيدهم الايات الا طغيانا وغيا الى غيهم وما ظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم بردهم للحق لما جاءهم اول مرة فعاقبهم الله بان طبع على قلوبهم واسماعهم وابصارهم بهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. الذي وعدوا به. فحينئذ يعلمون حق اليقين ان ما هم عليه هو الضلال. وان ما جاءتم به الرسل هو الحق. ولكن في وقت لا يجدي عليهم ايمانهم شيئا. فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون واما الايات فانها تنفع من له قلب او القى السمع وهو شهيد يقول تعالى فلولا كانت قرية من قرى المكذبين امنت حين رأت العذاب فنفعها ايمانها اي لم يكن منها هم احد انتفع بايمانه حين رأى العذاب. كما قال تعالى عن فرعون ما تقدم قريبا. لما قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين. فقيل له الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟ وكما قال الله تعالى ما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا. سنة الله التي قد خلت في عباده. وقال الله تعالى حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون. لعلي اعمل صالحا فيما تركت. كلا والحكمة في هذا ظاهرة فان الايمان الاضطراري ليس بايمان حقيقة ولو صرف عنه العذاب والامر الذي اضطره الى الايمان لرجع الى الكفران وقوله الا قوم يونس لما امنوا بعدما رأوا العذاب كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين. فهم مستثنون من العموم السابق. ولابد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة لم تصل الينا. ولم افهامنا قال الله تعالى وان يونس لمن المرسلين الى قوله فارسلناه الى مئة الف او يزيدون فامنوا فمتى الى حين. ولعل الحكمة في ذلك ان غيرهم من المهلكين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. واما قوم يونس فان الله ان ايمانهم سيستمر بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه والله اعلم في الارض كلهم جميعا. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله وعليه وسلم ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا بان يلهمهم الايمان ويوزع قلوبهم للتقوى. فقدرته صالحة كل ذلك ولكنه اقتضت حكمته ان كان بعضهم مؤمنين. وبعضهم كافرين. افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ اي لا على ذلك وليس في امكانك ولا قدرة لغير الله على شيء من ذلك آآ ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون. وما كان لنفس ان تؤمن الا باذن الله. اي بإرادته ومشيته واذنه القدري الشرعي. فمن كان من الخلق قابلا لذلك يزكو عنده الايمان وفقه وهداه. ويجعل الرجز اي الشر والضلال على الذين لا يعقلون عن الله اوامره ونواهيه. ولا يلقون بالا لنصائحه ومواعظه ما لا في السماوات والارض. وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. يدعو تعالى عباده الى النظر لما في السماوات والارض. والمراد بذلك نظر الفكر والاعتبار والتأمل. لما فيها وما تحتوي عليه والاستبصار. فان في ذلك ايات لقوم يؤمنون وعبرا لقوم يوقنون تدل على ان الله وحده المعبود المحمود ذو الجلال والاكرام والاسماء والصفات العظام وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. فانهم لا ينتفعون بالايات لاعراضهم وعنادهم انتظرونا الا مثل ايام الذين خلوا من قبرهم انتظروا اني معكم من المنتظرين فهل ينتظرون الا مثل ايام الذين خلوا من قبلهم؟ اي فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بايات الله بعد وضوحها الا مثل ايام الذين خلوا من قبلهم اي من الهلاك والعقاب فانهم صنعوا كصنيعهم. وسنة الله جارية في الاولين والاخرين قل فانتظروا اني معكم من المنتظرين. فستعلمون لمن تكون له العاقبة الحسنة. والنجاة في الدنيا والاخرة. وليست الا للرسل واتباعهم. ولهذا قال ثم ننجي رسلنا والذين امنوا من مكاره الدنيا والاخرة وشدائدهما ذلك حقا علينا اوجبناه على انفسنا ننجي المؤمنين. وهذا من دفعه عن المؤمنين. فان الله يدافع عن الذين امنوا فانه بحسب ما مع العبد من الايمان تحصل له النجاة من المكاره فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله اي ولكن اعبدوا الله الذي يتوفاكم وامرت ان اكون من المؤمنين. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله الله عليه وسلم سيد المرسلين وامام المتقين وخير الموقنين. قل يا ايها الناس ان كنتم في شك من ديني اي في ريب واشتاق فاني لست في شك منه بل لدي العلم اليقيني انه الحق وانما تدعون من دون الله باطل. ولي على ذلك الادلة الواضحة والبراهين الساطعة ولهذا قال فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله من الانداد والاصنام وغيرها. لانها لا تخلق ولا ترزق ولا تدبروا شيئا من الامور. وانما هي مخلوقة مسخرة. ليس فيها ما يقتضي عبادتها. ولكن اعبدوا الله الذي يتوفاكم اي هو الذي خلقكم. وهو الذي يميتكم ثم يبعثكم. ليجازيكم باعمالكم. فهو الذي يستحق ان يعبد ويصلى له ويخضع مسجد وامرت ان اكون من المؤمنين. وان اقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين وان اقم وجهك للدين حنيفا. اي اخلص اعمالك الظاهرة والباطنة لله. واقم جميع شرائع الدين حنيفا. اي مقبلا الله معرضا عما سواه. ولا تكونن من المشركين لا في حالهم ولا تكن معهم. ولا تدعو من دون الله فيما لا ينفعك ولا يضرك فان فعلت فانك اذا من الظالمين وهذا وصف لكل مخلوق انه لا ينفع ولا يضر. وانما النافع الضار هو الله تعالى. فان فعلت بان دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فانك اذا من الظالمين. اي الضارين انفسهم باهلاكها. وهذا الظلم هو الشرك. كما قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم فاذا كان خير الخلق لو دعا مع الله غيره لكان من الظالمين المشركين. فكيف بغيره؟ وان يمسسك الله بضر وان يردك بخير فلا بفضل يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم هذا من اعظم الادلة على ان الله وحده المستحق للعبادة. فانه النافع الضار المعطي المانع. الذي اذا مس بضر كفقر ومرض ونحوها فلا كاشف له الا هو. لان الخلق لو اجتمعوا على ان ينفعوا بشيء لم ينفعوا الا بما كتبه الله. ولو اجتمعوا على على ان يضروا احد لم يقدروا على شيء من ضرره. اذا لم يرده الله ولهذا قال وان يردك بخير فلا راد لفضله اي لا يقدر احد من الخلق ان يرد فضله واحسانه. كما قال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده يصيب به من يشاء من عباده اي يختص برحمته من شاء من خلقه. والله ذو الفضل العظيم. وهو الغفور لجميع الزلات. الذي يوفق عبده لاسباب مغفرته. ثم اذا فعلها العبد غفر الله ذنوبه كبارها وصغارها الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. ووصل جوده الى جميع الموجودات. بحيث لا تستغني عن احسانه طرفة عين. فاذا عرف العبد بالدليل القاطع ان الله هو المنفرد بالنعم وكشف النقم واعطاء الحسنات وكشف السيئات والكربات وان احدا من الخلق ليس بيده من هذا شيء الا ما اجراه الله على يده. جزم بان الله هو الحق. وان ما يدعون من دونه هو الباطل. ولهذا لما بين الدليل الواضح قال بعده فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل اي قل يا ايها الرسول لما تبين البرهان يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم اي الخبر الصادق المؤيد بالبراهين. الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه. وهو واصل اليكم من ربكم الذي من اعظم تربيته لكم. ان انزل اليكم هذا القرآن الذي فيه تبيان لكل شيء. وفيه من انواع الاحكام والمطالب الالهية والاخلاق المرضية. ما فيه اعظم تربية لكم واحسان منه اليكم. فقد تبين الرشد من الغي. ولم يبق لاحد شبهة. فمن اهتدى بهدى الله بان علم الحق فهمه واثره على غيره فلنفسه. والله تعالى غني عن عباده. وانما ثمرة اعمالهم راجعة اليهم. ومن ضل عن الهدى بان اعرض عن العلم بالحق او عن العمل به فانما يضل عليها ولا يضر الله شيئا فلا يضر الا نفسه وما انا عليكم بوكيل فاحفظ اعمالكم واحاسبكم عليها. وانما انا لكم نذير مبين. والله عليكم وكيل. فانظروا لانفسكم ما دمتم في مدة الامهال. واتبعوا ما يوحى اليك واصبر حتى يحكم الله اه واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. واتبع ايها رسول ما يوحى اليك علما وعملا وحالا. ودعوة اليه. واصبر على ذلك. فان هذا اعلى انواع الصبر. وان عاقبته حميدة فلا تكسل ولا تضجر بل دم على ذلك واثبت. حتى يحكم الله بينك وبين من كذبك. وهو خير الحاكمين. فان حكمه مجتمع على العدل التام والقسط الذي يحمد عليه. وقد امتثل صلى الله عليه وسلم امر ربه. وثبت على الصراط المستقيم حتى اظهر الله دينه على سائر الاديان. ونصره على اعدائه بالسيف والسنان. بعدما نصره الله عليهم بالحجة والبرهان. فلله الحمد الثناء الحسن كما ينبغي لجلاله وعظمته وكماله وسعة احسانه بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب احكمت اياته يقول تعالى هذا كتاب عظيم ونزل كريم. احكمت اية اي اتقنت واحسنت. صادقة اخبارها عادلة اوامرها ونواهيها. فصيحة الفاظه بهية معانيه. ثم فصلت اي مميزة بينت بيانا في اعلى انواع البيان من لدن حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. لا يأمر ولا ينهى الا بما حكمته خبير مطلع على الظواهر والبواطن. فاذا كان احكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير. فلا تسأل بعد هذا عن وجلالته واشتماله على كمال الحكمة وسعة الرحمة. الا تعبدوا الا الله انني لكم منه نذير وانما انزل الله كتابه لئلا تعبدوا الا الله. اي لاجل اخلاص الدين كله لله. والا يشرك به احد من القه انني لكم ايها الناس منه اي من الله ربكم نذير لمن تجرأ على المعاصي بعقاب الدنيا والاخرة. وبشير للمطيعين لله بثواب الدنيا والاخرة الى اجل مسمى فضله وان تولوا فاني اخاف وان استغفروا ربكم عما صدر منكم من الذنوب ثم توبوا اليه فيما تستقبلون من اعمالكم بالرجوع اليه. بالانابة والرجوع عما يكرهه الله الى ما يحبه ويرضاه. ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال يمتعكم متاعا حسنا ان يعطيكم من رزقه ما تتمتعون به وتنتفعون. الى اجل مسمى اي الى وقت وفاتكم. ويؤتي منكم كل ذي فضل فضله. ان يعطي اهل الاحسان والبر من فضله وبره ما هو جزاء لاحسانهم من حصول ما يحبون ودفع ما يكرهون. وان تولوا عما دعوتكم اليه بل اعرضتم عنه. وربما كذبتم به فاني اخاف عليكم قم عذاب يوم كبير. وهو يوم القيامة الذي يجمع الله فيه الاولين والاخرين فيجازيهم باعمالهم ان خيرا فخير. وان شرا فشر. وفي قوله وهو على كل شيء قدير. كالدليل على احياء الله الموتى فانه قدير على كل شيء. ومن جملة الاشياء احياء الموتى وقد اخبر بذلك وهو اصدق القائلين. فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا. الا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه يخبر تعالى عن للمشركين وشدة ضلالهم انهم يثنون صدورهم اي يميلونها ليستخفوا من الله. فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله باحوالهم وبصره لهيئاتهم. قال الله تعالى مبينا خطأهم في هذا الظن. الا حين يستغشون ثيابهم اي يتغطون بها؟ يعلمهم في تلك الحال التي هي من اخفى الاشياء. بل يعلم ما يسرون من الاقوال والافعال. وما يعلنون منها. بل ما هو ابلغ من ذلك وهو ان انه عليم بذات الصدور اي بما فيها من الارادات والوساوس والافكار التي لم ينطقوا بها سرا ولا جهرا. فكيف تخفى عليه حالكم اذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه. ويحتمل ان المعنى في هذا ان الله يذكر اعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته. انه من شدة اعراضهم يثنون صدورهم اي يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم لان لا يراهم ويسمعهم دعوته ويعظهم بما ينفعهم فهل فوق هذا الاعراض شيء؟ ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع احوالهم. وانهم لا يخفون عليه وسيجازيهم بصنيعهم