المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي فما كان جواب قومه قبول ولا انزجار ولا تذكر وادكار انما كان جوابهم المعارضة والمناقضة والتوعد لنبيهم الناصح ورسولهم الامين بالاجلاء عن وطنه والتشريد فما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوا ال لوط من قريتكم. فكأنه قيل ما نقمتم منهم وما ذنبكم هم الذي اوجب لهم الاخراج فقالوا اي يتنزهون عن اللواط ادبار الذكور. فقبحهم الله جعلوا افضل الحسنات بمنزلة اقباح السيئات. ولم يكتفوا بمعصيتهم نبيهم. فيما اوعظهم به حتى وصلوا الى اخراجه. والبلاء موكل بالمنطق. فهم قالوا اخرجوهم من قريتكم. انهم اناس يتطهرون ومفهوم هذا الكلام وانتم متلوثون بالخبث والقذارة المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم ونجاة من خرج منها ولهذا قال تعالى وذلك لما جاءته الملائكة في سورة اضياف وسمع بهم قومه فجاؤوا اليه يريدونهم بالشر. واغلق الباب دونهم واشتد الامر عليه ثم اخبرته الملائكة عن جلية الحال وانهم جاؤوا لاستنقاذه من بين اظهرهم وانهم يريدون اهلاكهم وان موعدهم الصبح وامروه ان يسري باهله ليلا الا امرأته. فانه يصيبها ما اصابهم فخرج باهله ليلا فنجوا وصبحهم العذاب فقلب الله عليهم ديارهم وجعل اعلاها اسفلها وامطر عليهم حجارة من سجيل من ظهر مسومة عند ربك. ولهذا قال هنا اي بئس المطر مطرهم وبئس العذاب عذابهم. لانهم انذروا وخوفوا من زجروا ولم يرتدعوا فاحل الله بهم عقابه الشديد الله خير ان لا يشركون. اي قل الحمد لله بسم الله الذي يستحق كمال الحمد والمدح والثناء لكمال اوصافه وجميل معروفه وهباته وعدله وحكمته في عقوبته المكذبين تعذيب الظالمين وسلم ايضا على عباده الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين من الانبياء والمرسلين وصفوة الله من العالمين. وذلك لرفع ذكرهم وتنويها بقدرهم وسلامتهم من الشر والادناس. وسلامة ما قالوه في ربهم من النقائص والعيوب وهذا استفهام قد تقرر وعرف اي الله الرب العظيم كامل الاوصاف عظيم الاطاف خير ام الاصنام والاوثان التي عبدوها معه. وهي ناقصة من كل وجه لا تنفع ولا تضر ولا تملك لانفسها ولا لعابديها. مثقال ذرة من الخير فالله خير مما يشركون. ثم ذكر تفاصيل قيل ما به يعرف ويتبين انه الاله المعبود ان عبادته هي الحق وعبادة ما سواه هي الباطل. فقال ذات بهجة. ما كان لكم ان بل هم قوم يعدلون اي امن خلق السماوات وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والملائكة والارض وما فيها من جبال وبحار وانهار يا رب وغير ذلك وانزل لكم اي لاجلكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق اي بساتين ذات اي حسن منظر من كثرة اشجارها وتنوعها وحسن ثمارها ما كان لكم ان تنبتوا شجرها لولا منة الله عليكم بانزاله المطر االه مع الله فعل هذه الافعال حتى يعبد معه ويشرك به يعدلون به غيرة ويسوون به سواه. مع علمهم انه وحده خالق العالم العلوي والسفلي. ومنزل الارزاق وجعل لها رواسي اي هل الاصنام والاوثان الناقصة من كل وجه؟ التي لا فعل منها ولا رزق ولا نفع ام الله الذي جعل الارض قرارا يستقر عليها العباد ويتمكنون من السكنى والحرث والبناء والذهاب والاياب. وجعل خلال انهارا اي جعل في خلال الارض انهارا ينتفع بها العباد. في زروعهم واشجارهم وشربهم وشرب مواشيهم. وجعل قال لها رواسي اي جبالا ترسيها وتثبتها لان لا تميد. وتكون اوتادا لها لان لا تضطرب. وجعل بين البحرين البحر المالح والبحر العذب حاجزا يمنع من اختلاطهما. فتفوت المنفعة المقصودة من كل منهما. بل جعل بينهما حاجزا من الارض جعل مجرى الانهار في الارض مبعدة عن البحار. فتحصل منها مقاصدها ومصالحها اكثرهم لا يعلمون. اإله مع الله فعل ذلك؟ حتى يعدل به ويشرك به معه فيشركون بالله تقليدا لرؤسائهم. والا فلو علموا حق العلم لم يشركوا به شيئا يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويكشف السوء ويجعله الارض االه مع الله االه مع الله قليلا ما تذكرون. اي هل يجيب المضطر الذي اقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه الا الله وحده. ومن يكشف السوء اي البلاء والشر والنقمة الا الله وحده ومن يجعلكم خلفاء الارض يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل اليكم نعمه وتكونون خلفاء من قبلكم كما انه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم االه مع الله يفعل هذه الافعال؟ لا احد يفعل مع الله شيئا من ذلك حتى باقراركم ايها المشركون. ولهذا كانوا اذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين. لعلمهم انه وحده المقتدر عليه الى دفعه وازالته. قليلا ما تذكرون. اي قليل تذكركم وتدبركم للامور. التي اذا اذ ذكرتم ورجعتم الى الهدى. ولكن الغفلة والاعراض شامل لكم. فلذلك ما رعويتم ولا اهتديتم من يهديكم في ظلمات البر والبحر. ومن يرسل الرياح بشرا بين يديه رحمته االه مع الله االه مع الله تعالى الله اي من هو الذي يهديكم حين تكونون في ظلمات البر والبحر؟ حيث لا دليل ولا معلم يرى ولا الى النجاة الا هدايته لكم وتيسيره الطريق. وجعل ما جعل لكم من الاسباب التي تهتدون بها اي بين يدي المطر فيرسل فتثير السحاب ثم تؤلفه ثم تجمعه ثم تلقحه ثم تدره فيستبشر بذلك العباد قبل نزول المطر االه مع الله فعل ذلك ام هو وحده الذي انفرد به؟ فلما اشركتم معه غيره وعبدتم سواه تعاظم وتنزه وتقدس عن شركهم وتسويتهم به غيرة ومن يرزقكم من السماء والارض. االه مع الله اي من هو الذي الخلق وينشئ المخلوقات ويبتدي خلقها ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور ومن يرزقكم من السماء والارض بالمطر والنبات االه مع الله يفعل ذلك ويقدر عليه قل هاتوا برهانكم اي حجتكم ودليلكم على ما قلتم والا فبتقدير انكم تقولون ان الاصنام لها مشاركة له في شيء من ذلك فذلك مجرد دعوة صدقوه بالبرهان والا فاعرفوا انكم مبطلون. لا حجة لكم فارجعوا الى الادلة اليقينية والبراهين القطعية. الدالة على ان الله هو المتفرد بجميع التصرفات. وانه المستحق ان تصرف له جميع انواع العبادات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ان ينعسون يخبر تعالى انه المنفرد بعلم غيب السماوات والارض. كقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس. الا في كتاب مبين كقوله ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام. فهذه الغيوب ونحوها اختص الله بعلمها. فلم لم يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل. واذا كان هو المنفرد بعلم ذلك المحيط علمه بالسرائر. والبواطن والخفايا فهو والذي لا تنبغي العبادة الاله. ثم اخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالاخرة. منتقلا من شيء الى ما هو ابلغ منه. فقال وما يشعرون اي وما يدرون ايان يبعثون. اي متى البعث والنشور والقيام من القبور. اي فلذلك لم يستعدوا. بل ادارك علمهم في الاخرة بل هم في شك منها بل هم في شك من هذا الهم منها عمود لتدارك علمهم في الاخرة. اي بل ضعف ولم يكن يقينا. ولا علما واصلا الى القلب. وهذا اقل وادنى درجة للعلم. ضعفه ووطنه هاؤه بل ليس عندهم علم قوي ولا ضعيف وانما هم في شك منها اي من الاخرة. والشك زال به العلم. لان العلم بجميع مراتبه لا يجامع الشك بل هم منها اي من الاخرة عمون. قد عميت عنها بصائرهم ولم يكن في قلوبهم علم من وقوعها. والاحتمال انكروها واستبعدوها. ولهذا قال اي هذا بعيد غير ممكن قاسوا قدرة كامل القدرة بقدرهم الضعيفة لقد وعدنا هذا اي البعث نحن واباؤنا من قبل اي فلم يجئنا ولا رأينا منه شيئا. اي قصصهم واخبارهم تقطع بها الاوقات وليس لها اصل ولا صدق فيها. فانتقل في الاخبار عن احوال المكذبين. بالاخبار انهم لا يدرون متى وقت الاخرة ثم الاخبار بضعف علمهم فيها. ثم الاخبار بانه شك. ثم الاخبار بانهم عمي. ثم الاخبار بانكارهم لذلك واستبعادهم وقوعا اي وبسبب هذه الاحوال ترحل خوف الاخرة من قلوبهم فاقدموا على معاصي الله. سهل عليهم تكذيب الحق والتصديق بالباطل واستحلوا الشهوات على القيام بالعبادات فخسروا دنياهم واخراهم. نبههم على صدق ما اخبرت به الرسل فقال قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين. فلا تجدون مجرما قد استمر على اجرامه. الا عاقبته شر عاقبة. وقد احل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله اي لا تحزن يا محمد على هؤلاء المكذبين وعدم ايمانهم. فانك لو علمت ما فيهم من الشر وانهم لا يصلحون للخير لم تأس ولم تحزن ولا يضيق صدرك ولا تقلق نفسك بمكرهم فان مكرهم ستعود عاقبته عليه اليهم ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. ويقول المكذبون بالميعاد وبالحق الذي جاء به الرسول مستعجلين للعذاب ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين وهذا من سفاهة رأيهم وجهلهم فان وقوعه ووقته قد اجله الله باجله. وقدره بقدر فلا يدل عدم استعجاله على بعض مطلوبهم. ولكن مع هذا قال تعالى محذرا لهم وقوع ما استعجلوه قل عسى ان يكون ردف لكم اي قرب منكم واوشك ان يقع بكم. بعض الذي تستعجلون من العذاب ان ربك لذو فضل على الناس ولكن اكثرهم لا يشكرون. ينبه عباده على سعة جوده وكثرة افضاله ويحثهم على شكرها. ومع هذا فاكثر الناس قد اعرضوا عن الشكر. واشتغلوا بالنعم عن المنعم ان ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. وان ربك ليعلم ما تكن. اي تنطوي عليه صدورهم وما يعلنون. فليحذروا من عالم السرائر والظواهر وليراقبوه. وما من غائبة الا في كتاب مبين. وما من غائبة في السماء والارض اي خفية وسر من اسرار العالم العلوي والسفلي. قد احاط ذلك الكتاب ما كان ويكون الى ان تقوم الساعة. فكل حادث جلي او خفي الا وهو مطابق لما كتب في اللوح المحفوظ وهذا خبر عن هيمنة القرآن على الكتب السابقة وتفصيله وتوضيحه لما كان فيها قد وقع فيه اشتباه واختلاف عند بني اسرائيل. فقص هذا القرآن قصا زال به الاشكال. وبين الصواب من المسائل المختلف فيها. واذا كان بهذه المثابة من الجلالة والوضوح. وازالة كل خلاف وفصل كل مشكل كان اعظم نعم الله على العباد. ولكن ما كل احد يقابل النعمة بالشكر. ولهذا بين ان نفعه ونوره وهداه مختص بالمؤمنين. فقال وانه لهدى من الضلالة والغي والشبه. ورحمة تثلج له صدورهم وتستقيم به امورهم الدينية والدنيوية. للمؤمنين به المصدقين له. المتلقين له بالقبول المقبلين على تدبره. المتفكرين في معانيه. فهؤلاء تحصل لهم به هداية الى الصراط المستقيم. والرحمة المتضمنة للسعادة والفوز والفلاح حكمه وهو العزيز العليم. اي ان الله تعالى سيفصل بين المختصين. وسيحكم بين المختلفين بحكمه العدل وقضائه القسط فالامور وان حصل فيها اشتباه في الدنيا بين المختلفين لخفاء الدليل او لبعض المقاصد فانه سيبين فيها الحق صادق للواقع حين يحكم الله فيها. وهو العزيز الذي قهر الخلائق فاذعنوا له العليم بجميع الاشياء. العليم باقوال المختلفين. وعن ماذا صدرت؟ وعن غاياتها ومقاصدها. وسيجازي كلا بما علمه فيه فتوكل على الله انك على الحق المبين اي اعتمد على ربك في جلب المصالح ودفع المضار وفي تبليغ الرسالة واقامة الدين وجهاد الاعداء الواضح والذي على الحق يدعو اليه ويقوم بنصرته. احق من غيره بالتوكل قل فانه يسعى الى امر مجزوم به. معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية. وايضا فهو حق في غاية البيان. لا خفاء فيه ولا اشتباه واذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك. فلا يضرك ضلال من ضل. وليس عليك هداهم. فلهذا قال انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين. ان انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء. اي حين تدعوهم وتناديهم. وخصوصا فان انه يكون ابلغ في عدم اسماعهم باياتنا فهم مسلمون. وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم. كما قال تعالى انك لا تهدي من ولكن الله يهدي من يشاء اي هؤلاء الذين ينقادون لك هم الذين يؤمنون بايات الله وينقادون لها باعمالهم واستسلامهم كما قال تعالى انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بايات الا يوقنون. اي اذا وقع على الناس القول الذي حتمه الله وفرض وقته اخرجنا لهم دابة خارجة من الارض او دابة من دواب الارض ليست من السماء. وهذه الدابة تكلمهم اي تكلم العباد ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون اي لاجل ان الناس ضعف علمهم ويقينهم بايات الله. فاظهار الله هذه الدابة من ايات الله العجيبة. ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في اخر الزمان وتكون من اشراط الساعة كما تكاثرت بذلك احاديث لم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة وانما ذكر اثرها والمقصود منها وانها من ايات الله تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول عن الناس وحين يمترون بايات الله. فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين. وحجة على عاندين ويوم نحشر من كل امة يكذب باياتنا يخبر تعالى عن حالة المكذبين في موقف القيامة. وان الله يجمعهم ويحشر من كل امة من الامم فوجا وطائفة ممن يكذب باياتنا فهم يوزعون. يجمع اولهم على اخرهم واخرهم على اولهم ليعمهم السؤال والتوبيخ واللوم اي الماء اما اذا كنتم تعملون. حتى اذا جاءوا وحضروا قال لهم موبخا اكذبتم باياتي ولم تحيطوا بها علما؟ اي الواجب عليكم التوقف حتى ينكشف لكم الحق والا تتكلموا الا فكيف كذبتم بامر لم تحيطوا به علما؟ اما اذا كنتم تعملون. اي يسألهم عن علمهم وعن عملهم فيجد علمهم تكذيبا بالحق وعملهم لغير الله او على غير سنة رسولهم. ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون. ووقع القول عليهم بما ظلموا. اي حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم الذي استمروا عليه وتوجهت عليهم الحجة. لانه لا حجة لهم الم يروا انا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا لايات لقوم يؤمنون اي الم يشاهدوا هذه الاية العظيمة والنعمة الجسيمة وهو خير الله لهم الليل والنهار. هذا بظلمته ليسكنوا فيه ويستريحوا من التعب. ويستعدوا للعمل. وهذا بضيائه. لينتشروا في في معاشهم وتصرفاتهم كمال وحدانية الله وسبوغ نعمته وكل اتوا هدا يخوف الله عباده ما امامهم من يوم القيامة. وما فيه من المحن والكروب ومزعجات القلوب. فقال ثم ينفخ في الصور ففزع بسبب النفخ فيه. من في السماوات ومن في الارض اي انزعجوا وارتاعوا وماج بعضهم ببعض. خوفا من ما هو مقدمة له الا من شاء الله ممن اكرمه الله وثبته وحفظه من الفزع وكل من الخلق عند النفخ في الصور. اتوه داخرين صاغرين ذليلين. كما قال تعالى ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا. ففي ذلك اليوم يتساوى الرؤساء والمرؤوسون في الذل والخضوع لمالك الملك وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب الذي اتقن كل شيء انه خبير بما تفعلون. ومن هوله انك ترى الجبال تحسبها جامدة لا تفقد شيئا منها وتظنها باقية على الحال المعهودة. وهي قد بلغت منها الشدائد والاهوال كل مبلغ وقد تفتت ثم تضمحل وتكون هباء منبثا. ولهذا قال وهي تمر مر السحاب من خفتها ذلك الخوف فيجازيكم باعمالكم. ثم بين كيفية جزاءه فقال من جاء بالحسنة يعم جنس الحسنات قولية او فعلية او قلبية فله خير منها هذا اقل التفضيل اي من الامر الذي فزع الخلق لاجله امنون. وان كانوا يفزعون معهم ومن جاء بالسيئة اسم جنس يشمل كل سيئة كبت وجوههم في النار. اي القوا في النار على وجوههم. ويقال لهم انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وامرت ان اكون من المسلمين. اي قل لهم يا محمد انما امرت ان اعبد اما هذه البلدة اي مكة المكرمة. الذي حرمها وانعم على اهلها. فيجب ان يقابلوا ذلك بالشكر والقبول. وله كل شيء من العلويات والسفليات اتى به لان لا يتوهم اختصاص ربوبيته بالبيت وحده اي ابادر الى الاسلام. وقد فعل صلى الله عليه وسلم فانه اول هذه الامة اسلاما. واعظمها استسلام وامرت ان اكون من المسلمين وان نتلو القرآن وامرت ايضا ان اتلو عليكم القرآن لتهتدوا به وتقتدوا وتعلموا الفاظه ومعانيه. فهذا الذي علي وقد اديته. فمن اهتدى فان انما يهتدي لنفسه نفعه يعود عليها وثمرته عائدة اليه انما انا من المنذرين. وليس بيدي من الهداية شيء وما ربك بغافل عما تعملون وقل الحمد لله الذي له الحمد في الاولى والاخرة. ومن جميع الخلق. خصوصا اهل الاختصاص والصفوة من عباده. فان الذي ينبغي ان يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم اعظم مما يقع من غيرهم لرفعة درجاتهم. وكمال قربهم منه وكثرة خيراتهم عليهم سيريكم اياته فتعرفونها. معرفة تدل على الحق والباطل. فلا بد ان يريكم من اياته ما تستنيرون به في الظلمات. ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. وما ربك بغافل بل قد علم ما انتم عليه من الاعمال والاحوال. وعلم مقدار جزاء تلك الاعمال وسيحكم بينكم حكما تحمدونه عليه. ولا يكون لكم حجة بوجه من الوجوه عليه بسم الله الرحمن الرحيم. تلك تلك الايات المستحقة للتعظيم والتفخيم. ايات الكتاب المبين لكل امر يحتاج اليه العباد من معرفة ربهم ومعرفة حقوقه. ومعرفة اوليائه واعدائه. ومعرفة وقائعه وايامه. ومعرفة ثواب الاعمال العمال فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين. وجلاها للعباد ووضحها. من جملة ما ابان قصة موسى وفرعون. فان انه ابداها واعادها في عدة مواضع وبسطها في هذا الموضع فقال فان نبأهما غريب وخبرهما عجيب. لقوم يؤمنون فاليهم يساق الخطاب ويوجهوا الكلام حيث ان معهم من الايمان ما يقبلون به على تدبر ذلك. وتلقيه بالقبول والاهتداء بموقع العبر. ويزدادون ايمانا ويقينا وخيرا الى يا خيرهم. واما من عاداهم فلا يستفيدون منه الا اقامة الحجة عليهم. وصانه الله عنهم وجعل بينهم وبينه حجابا ان يفقهوه فاول هذه القصة ان فرعون على في الارض وجعل اهلها منهم انه كان من المفسدين ان فرعون علا في الارض في ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته. فصار من اهل العلو فيها لا من الاعلين فيها. وجعل اهل انها شيعا اي طوائف متفرقة يتصرف فيهم بشهوته وينفذ فيهم ما اراد من قهره وسطوته. يستضعف طائفة منهم وتلك طائفة هم بنو اسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين الذين له ان يكرمهم ويجلهم ولكنه استضعفهم بحيث انه رأى انهم لا مانعة لهم تمنعهم مما اراده فيهم. فصار لا يبالي بهم ولا يهتم بشأنهم. وبلغت به الحال الى انه يذبح ابناءهم ويستحيين خوفا من ان يكثروا فيغمروه في بلاده ويصير لهم الملك. انه كان من من المفسدين الذين نقصد لهم في اصلاح الدين ولا اصلاح الدنيا وهذا من افساده في الارض ونجعلهم الوارثين. ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الامر بان نزيل عنهم مودة الاستضعاف. ونهلك من قاومهم ونخذل من ناوأهم. ونجعلهم ائمة في الدين وذلك لا يحصل مع الاستضعاف بل لابد من تمكين في الارض وقدرة تامة. ونجعلهم الوارثين للارض الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الاخرة كانوا يحذرون. ونمكن لهم في الارض فهذه الامور كلها قد تعلقت بها ارادة الله وجرت بها مشيئته. وكذلك نريد ان نري فرعون وهامان وزيرة وجنودهما التي بها صالوا وجالوا وعلو وبغوا منهم اي من هذه الطائفة المستضعفة ما كانوا يحذرون من اخراجهم من ديارهم. ولذلك كانوا يسعون في قمعهم وكسر شوكتهم وتقتيل ابنائهم. الذين هم محل ذلك. فكل كل هذا قد اراده الله. واذا اراد امرا سهل اسبابه ونهج طرقه. وهذا الامر كذلك فانه قدر واجرى من الاسباب التي لم يشعر بها لا اولياءه ولا اعداؤه ما هو سبب موصل الى هذا المقصود؟ فاول ذلك ولا تخافي ولا تحزني لما اوجد الله رسوله موسى الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الاسرائيلي على يديه وبسبب وكان في وقت تلك المخافة العظيمة التي يذبحون بها الابناء. اوحى الى امه ان ترضعه ويمكث عندها. فاذا خفت عليه بان لست احدا تخافين عليه منه ان يوصله اليهم فالقيه في اليم. ايني لمصر في وسط تابوت مغلق. ولا تخافي ولا تحزني اليك وجاعلوه من المرسلين. فبشرها بانه سيرده وانه سيكبر ويسلم من كيدهم. ويجعله الله رسولا. وهذا من اعظم البشائر الجليلة. وتقديم هذه البشائر لام موسى. ليطمئن ان قلبها ويسكن روعها. فانها خافت عليه وفعلت ما امرت به. القته في اليم فساقه الله تعالى حتى التقطه ال فرعون ان فرعون وهامان وجنود كانوا خاطئين. فصار من لقطهم. وهم الذين باشروا وجدانه. ليكون لهم عدوا وحزنا. اي لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط ان يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم بسبب ان الحذر لا ينفع من القدر. وان الذي خافوا منه من بني اسرائيل قيض الله ان يكون زعيمهم يتربى تحت ايديهم وعلى نظرهم وبكفالتهم. وعند التدبر والتأمل تجد في طي ذلك من صالح لبني اسرائيل ودفع كثير من الامور الفادحة بهم ومنع كثير من التعديات قبل رسالته. بحيث انه صار من كبار المملكة. وبالطبع انه لابد ان يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا. وهو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة. ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف الذي بلغ بهم الذل والاهانة الى ما قص الله علينا بعضه. ان صار بعض افراده ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الارض. كما سيأتي وهذا مقدمة للظهور. فان الله تعالى من سنته الجارية ان جعل الامور تمشي على التدريج شيئا فشيئا. ولا تأتي دفعة واحدة وقوله ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين. اي فاردنا ان نعاقبهم على خطأهم ونكيدهم جزاء على مكرهم وكيدهم. فلما التقطه ال فرعون حنن الله عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة اسية بنت مزاحم انفعنا او نتخذه ولدا وهم لا يشعرون. وقالت هذا الولد قرة عين لي ولك لا اي ابقه لنا ليقر به اعيننا ونستر به في حياتنا. عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. اي لا يخلو اما ان يكون بمنزلة الخدم الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا او نرقيه منزلة اعلى من ذلك. نجعله ولدا لنا ونكرمه ونجله. فقدر الله تعالى انه نفع امرأة فرعون التي قالت تلك المقالة فانه لما صار قرة عين لها واحبته حبا شديدا فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه الله وارسله فبادرت الى الاسلام والايمان به. رضي الله عنها وارضاها. قال الله تعالى عن هذه المراجعات والمقاولات في شأن موسى وهم لا يشعرون ما جرى به القلم. ومضى به القدر من وصوله الى ما وصل اليه هذا من لطفه تعالى فانهم لو شعروا لكان لهم وله شأن اخر على قلبها لتكون من المؤمنين ولما فقدت موسى امه حزنت حزنا شديدا واصبح فؤادها فارغا من القلق الذي ازعجها على مقتضى الحالة البشرية مع ان الله تعالى نهاها عن الحزن والخوف ووعدها برده ان كادت لتبدي به اي بما في قلبها لولا ان ربطنا على قلبها فثبتناها فصبرت ولم تبد به لتكون بذلك الصبر والثبات من المؤمنين. فان العبد اذا اصابته مصيبة فصبر وثبت. ازداد بذلك ايمانه ودل ذلك على ان استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف ايمانه وقالت ام موسى لاخته قصيه اي اذهبي فقصي الاثر عن وابحثي عنه من غير ان يحس بك احد او يشعر بمقصودك فذهبت تقصه وهم لا يشعرون. اي ابصرته على وجه كانها مارة لا قصد لها فيه. وهذا من تمام الحزم والحذر فانها لو وجاءت اليهم قاصدة نظن بها انها هي التي القته. فربما عزموا على ذبحه عقوبة لاهله المراضع من قبل فقالت هل ادلكم على اهل بيتي يكفلونه لكم ثم هم له ناصحون. ومن لطف الله بموسى وامه ان منعه من قبول ثدي امرأة. فاخرجوه الى السوق رحمة به ولعل احدا يطلبه. فجاءت اخته وهو بتلك الحال يدخلونه لكم وهم له ناصحون. وهذا جل غرضهم فانهم احبوه حبا شديدا. وقد منعه الله من المراضع فخافوا ان يموت. فلما قالت لهم اخته تلك المقالة المشتملة على الترغيب في اهل هذا البيت بتمام حفظه وكفالته والنصح له بادروا الى اجابتها فاعلمتهم ودلتهم على اهل هذا البيت فعينها ولا تحزن. فرددناه الى امه كما وعدناها بذلك. كي تقر عينها ولا تحزن. بحيث انه تربى عند على وجه تكون فيه امنة مطمئنة تفرح به وتأخذ الاجرة الكثيرة على ذلك حق ولكن اكثرهم لا يعلمون. ولتعلم ان الله حق. فاريناها بعض ما وعدناها به عيانا. ليطمئن بذلك قلبها ويزداد ايمانها. ولتعلم انه سيحصل وعد الله في حفظه ورسالته. فاذا رأوا السبب تشوشا شوش ذلك ايمانهم لعدم علمهم الكامل ان الله تعالى يجعل المحن الشاقة والعقبات الشاقة بين يدي الامور العالية والمطالب الفاضلة فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند ال فرعون يتربى في سلطانهم ويركب مراكبهم ويلبس ملابسهم وامه بذلك مطمئنة قد استقر انها امه من الرضاع. ولم يستنكر ملازمته اياها وحنوها عليه. وتأمل هذا اللطف وصيانة نبيه فمن الكذب في منطقه وتيسير الامر الذي صار به التعلق بينه وبينها. الذي بان للناس انه هو الرضاع الذي بسببه يسميها فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله صدقا وحقا. ولما بلغ اشده واستوى اتيناه حكما ولما بلغ اشده من القوة والعقل واللب وذلك نحو اربعين سنة في الغالب واستوى كملت فيه تلك الامور اتيناه حكما وعلما. اي حكما يعرف به الاحكام الشرعية ويحكم به بين الناس وعلما كثيرا. وكذلك نجزي المحسنين في عبادة الله. المحسنين لخلق الله نعطيهم علما وحكما بحسب احسانهم. ودل هذا على كمال احسان موسى عليه السلام يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه. ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها. اما وقت القائلة او غير ذلك من الاوقات التي بها يغفلون عن الانتشار. فوجد فيها رجلين يقتتلان اي يتخاصمان ويتضاربان هذا من شيعته اي من بني اسرائيل وهذا من عدوه القبط قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين. فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. لانه قد اشتهر وعلم الناس انه من بني اسرائيل واستغاثته لموسى دليل على انه بلغ موسى عليه السلام مبلغا يخاف منه. ويرجى من بيت المملكة والسلطان فوكزه موسى اي وكز الذي من عدوه استجابة لاستغاثة الاسرائيلي. فقضى عليه اي اماته من تلك الوكزة لشدتها وقوة موسى. فندم موسى عليه السلام على ما جرى منه وقال هذا من عمل الشيطان اي من تزيينه ووسوسته انه عدو مضل مبين. فلذلك اجريت ما اجريت بسبب عداوته البينة. وحرصه على الاضلال ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم. ثم استغفر ربه فقال ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم. خصوصا للمخبتين المبادرين للانابة والتوبة. كما جرى من موسى عليه سلام. وقال موسى ربي بما انعمت عليه بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة. فلن اكون ظهيرا اي معينا ومساعدا للمجرمين. اي لا اعين احدا على معصية. وهذا وعد موسى عليه السلام بسبب منة الله عليه الا يعين مجرما. كما فعل في قتل القبطي. وهذا يفيد ان النعم تقتضي من العبد فعل الخير وترك الشر فلما جرى منه قتل الذي هو من عدوه. اصبح في المدينة خائف يترقب هل يشعر به ال فرعون ام لا؟ وانما خاف لانه قد علم انه لا يتجرأ احد على مثل هذه الحال سوى موسى من بني اسرائيل فبينما هو على تلك الحال يا موسى انك لغوي مبين. فاذا الذي استنصره بالامس على عدوه يستصرخه على قبطي اخر قال له موسى موبخا له على حاله. اي بينوا الغواية ظاهر الجراءة اما ان اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس. فلما اراد ان يبطش موسى بالذي هو عدو لهما. اي له وللمخاصم المستصرخ. اي لم يزل للجاج بين القبطي والاسرائيلي وهو يستغيث بموسى فاخذته الحمية حتى هم ان يبطش بالقبطي. قال له القبطي زادرا له عن قتله قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ان تكون جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض. لان من اعظم اثار الجبار في الارض قتل النفس بغير حق والا فلو اردت الاصلاح لحلت بيني وبينه من غير قتل احد. فانكف موسى عن قتله وارعوى لوعظه وزجره. وشاع الخبر بما جرى من موسى في هاتين القضيتين. حتى تراود ملأ فرعون وفرعون على قتله. وتشاوروا على كذلك وبيض الله ذلك الرجل الناصح وبادرهم الى الاخبار لموسى بما اجتمع عليه رأي ملأهم. فقال رجل من اقصى المدينة يسعى قال يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج ان وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى اي ركضا على قدميه من نصحه لموسى وخوفه ان يوقعوا به قبل ان يشعر فقال يا موسى ان الملأ يأتمرون اي يتشاورون فيك ليقتلوك ناصحين. فاخرج من المدينة اني لك من الناصحين. فامتثل نصحه فخرج منها خائفا يترقب ان يوقع به القتل الله وقال ربي نجني من القوم الظالمين. فانه قد تاب من ذنبه وفعله غضبا من غير قصد منه للقتل. فتوعدهم له ظلم منهم وجراءة ولما توجه تلقاء مدين اي قاصدا بوجهه مدين وهو جنوبي فلسطين حيث لا ملك لفرعون قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. اي وسط الطريق المختصر الموصل اليها بسهولة ورفق فهداه الله سواء السبيل. فوصل الى مدين وجد عليه امة من الناس من دونهما امرأتين تذودان قال ما خطبكما؟ قال تعالى نسقي حتى يصدر الرعا اه قال تعالى نسقي حتى يصدر شيخا كبير ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون مواشيهم وكانوا اهل ماشية كثيرة ووجد من دونهم اي من دون تلك الامة امرأتين تذودان غنمهما عن حياض الناس. لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم. وعدم مروءتهم عن السقي لهما قال لهما موسى ما خطبكما؟ اي ما شأنكما بهذه الحالة آآ اي قد جرت العادة انه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم. فاذا خلا لنا الجو سقينا كبير. اي لا قوة له على السقي. فليس فينا قوة نقتدر بها. ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء. فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما فسقى لهما غير طالب منهما الاجرة ولا له قصد غير وجه الله تعالى فلما سقى لهما وكان ذلك وقت شدة حر وسط النهار بدليل قوله ثم تولى الى الظل مستريحا لذلك الظلال بعد التعب فقال في تلك الحالة مسترزقا ربه رباني لما انزلت الي من خير فقير. اي اني مفتقر للخير الذي تسوقه الي وتيسره لي. وهذا منه بحاله. والسؤال بالحال ابلغ من السؤال بلسان المقال. فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. واما المرأة فذهبتا الى ابيهما واخبرتاه بما جرى. فارسل ابوهما احداهما الى موسى قالت ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا فجاءته تمشي على استحياء وهذا يدل على كرم عنصرها وخلقها الحسن فان الحياء من الاخلاق الفاضلة وخصوصا في النساء ويدل على ان موسى عليه السلام لم يكن فيما فعله من السقي لهما بمنزلة الاجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة. وانما هو عزيز النفس رأت بحسن خلقه ومكارم اخلاقه ما اوجب لها الحياء منه. فقالت له اي لا ليمن عليك بل انت الذي ابتدأتنا بالاحسان. وانما قصده ان يكافئك على احسانك. فاجابها موسى وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين فلما جاءه وقص عليه القصص من ابتداء السبب الموجب لهربه الى ان وصل اليه قال له مسكنا روعة جابرا لا تخف نجوت من القوم الظالمين. اي ليذهب خوفك وروعك فان الله نجاك منهم حيث وصلت الى هذا المحل. الذي ليس لهم سلطان امين. قالت احداهما اي احدى ابنتيه يا ابتي استأجره. اي اجعله اجيرا عندك. يرعى الغنم ويسقيها اي ان موسى اولى من استأجر فانه جمع القوة والامانة وخير اجير استأجر من جمعهما اي القوة والقدرة على ما استأجر عليه. والامانة فيه بعدم الخيانة وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للانسان عملا باجارة او غيرها. فان الخلل لا يكون الا بفقدهما او فقد احداهما. واما اجتماعهما فان العمل يتم ويكمل وانما قالت ذلك لانها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه ما عرفت به قوته وشاهدت من امانته وديانته وانه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما. وانما قصده بذلك وجه الله تعالى قال صاحب مدين لموسى اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين على ان تأجرني اي تصير اجيرا عندي ثماني حجج اي ثماني سنين تبرع منك لا شيء واجب عليك وما اريد ان اشق عليك فاحتم عشر سنين او ما اريد ان استأجرك لاكلفك اعمالا شاقة. وانما استأجرك لعمل سهل يسير. لا مشقة فيه فرغبه في سهولة العمل وفي حسن المعاملة وهذا يدل على ان الرجل الصالح ينبغي له ان يحسن خلقه مهما امكنه. وان الذي يطلب منه ابلغ من غيره يتأيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي. والله على ما نقول وكيل فقال موسى عليه السلام مجيبا له فيما طلب منه ذلك بيني وبينك. اي هذا الشرط الذي انت ذكرت رضيت به وقد تم فيما بيني وبينك. ايما الاجلين قضيت فلا عدوان علي. سواء قضيت الثمانية الواجبة ام تبرعت بالزائد عليها والله على ما نقول وكيل حافظ يراقبنا ويعلم ما تعاقدنا عليه وهذا الرجل ابو المرأتين صاحب مدين ليس بشعيب النبي المعروف. كما اشتهر عند كثير من الناس. فان هذا قول لم يدل عليه دليل وغاية ما يكون ان شعيبا عليه السلام قد كانت بلده مدين. وهذه القضية جرت في مدين. فاين الملازمة بين الامرين؟ وايضا فانه غير معلوم ان موسى ادرك زمان شعيب. فكيف بشخصه؟ ولو كان ذلك الرجل شعيبا لذكره الله تعالى. ولسمته المرأتان وايضا فان شعيبا عليه الصلاة والسلام قد اهلك الله قومه بتكذيبهم اياه. ولم يبق الا من امن به. وقد اعاذ الله المؤمنين ان يرضوا لبنتي نبيهم بمنعهما عن الماء وصد ماشيتهما حتى يأتيهما رجل غريب فيحسن اليهما ويسقي ماشيتهما وما كان شعيب ان يرعى موسى عنده ويكون خادما له. وهو افضل منه اعلى درجة. والله اعلم. الا ان يقال هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على انه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى موسى الاجل وسار باهله انس من جانب الطول نارا قال لاهلهم كثوء لعلي اتيكم منها بخبر او جدوة فلما قضى موسى الاجل يحتمل انه قضى الاجل الواجب او الزائد عليه كما هو الظن بموسى ووفائه. اشتاق الى الوصول الى اهله ووالدته وعشيرته ووطنه. وعلم من طول المدة انهم قد تناسوا ما من سار باهله قاصدا مصر انس اي ابصر من جانب الطور نارا. قال لاهلهم كثوا اني انست نارا لعلي اتيكم منها بخبر او جدوة من النار لعلكم تصطلون كان قد اصابهم البرد وتاه الطريق المباركة من الشجرة ان يا موسى اي يا موسى اني انا الله رب العالمين فلما اتاها نودي يا موسى اني انا الله رب العالمين. فاخبره بالوهيته وربوبيته ويلزم من ذلك ان يأمرهم بعبادته وتألهه. كما صرح به في الاية الاخرى فاعبدني واقم الصلاة لذكري. وان القي عصاك فالقاها فلما رآها تهتز تسعى سعيا شديدا ولها صورة مهينة كانها جان. ذكر الحيات العظيم ولى مدبرا ولم يعقب. اي يرجع الاستيلاء على قلبه فقال الله له وهذا ابلغ ما يكون في التأمين وعدم الخوف فان قوله اقبل يقتضي الامر باقباله ويجب عليه الامتثال ولكن قد يكون اقباله وهو لم يزل الامر المخوف فقال ولا تخف امر له بشيئين. اقباله والا يكون في قلبه خوف ولكن يبقى احتمال. وهو انه قد هو غير خائف. ولكن لا تحصل له الوقاية والامن من المكروه. فقال انك من الامنين. فحين اذ اندفع المحظور من جميع الوجوه فاقبل موسى عليه السلام غير خائف ولا مرعوب. بل مطمئنا واثقا بخبر ربه. قد ازداد ايمانه وتم يقينه. فهذه اية اراه الله واياها قبل ذهابه الى فرعون ليكون على يقين تام. فيكون اجرأ له واقوى واصلب. ثم اراه الاية الاخرى فقال اسلك يدك اي ادخلها في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء. فسلكها واخرجها كما ذكره الله تعالى واضمم اليك جناحك من الرهن اي ضم جناحك. وهو عضدك الى جنبك يزول عنك الرهب والخوف. فذلك برهانا فذلك انقلاب العصا حية وخروج اليد بيضاء من غير سوء. برهانان من ربك. اي حجتان قاطعتان من الله. الى فرعون وملأه فلا يكفيه مجرد الانذار وامر الرسول اياهم. بل لا بد من الايات الباهرة ان نفعت. قال فقال موسى عليه السلام معتذرا من ربه وسائلا له المعونة على ما حمله. وذاكرا له الموانع التي فيه. ليزيل ربه ما يحذره منها. ربي اني قتلت منهم نفسا كيف اخاف ان يقتلون واخي هارون هو افصح من لسانا فارسله معي ردءا اي معاونا ومساعدا يصدقني فانه مع تضافر الاخبار يقوى الحق فاجابه الله سؤاله فقال باياتنا انتما ومن اتبعكما الغالبون. سنشد عضدك باخيك اي نعاونك به ونقويك. ثم ازال عنه محظور القتل. فقال ونجعل لك ما سلطانا. اي تسلطا وتمكنا من الدعوة بالحجة. والهيبة الالهية من عدوهما لهما. وذلك بسبب اياتنا وما دلت عليه من الحق. وما ازعجت به في من نشرها ونظر اليها فهي التي بها حصل لكم السلطان واندفع بها عنكم كيد عدوكم وصارت لكم ابلغ من الجنود اولي العدد العدد باياتنا وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت وهو وحده فريد. وقد رجع الى بلده بعدما كان شريدا. فلم تزل الاحوال تتطور. والامور تنتقل حتى انجز الله له موعود ومكنه من العباد والبلاد. وصار له ولاتباعه الغلبة والظهور. فذهب موسى برسالة ربه قالوا ما هذا الا سحر وما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين فلما جاءهم موسى باياتنا بينات واضحات الدلالة على ما قاله لهم ليس فيها قصور ولا خفاء. قالوا على وجه الظلم العلو والعناد ما هذا الا سحر مفترى. كما قال فرعون في تلك الحالة التي ظهر فيها الحق. واستعلى على الباطل واضمحل الباطل وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الامور. انه لكبيركم الذي علمكم السحر. هذا وهو الذكي غير الذكي. الذي بلغ من والخداع والكيد ما قصه الله علينا. وقد علم ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض. ولكن الشقاء غالب ان بهذا في ابائنا الاولين. وقد كذبوا في ذلك فان الله ارسل يوسف عليه السلام قبل كما قال تعالى ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به. حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا. وقال موسى ربي اعلم بمن عنده تكون له عاقبة انه لا يفلح الظالمون وقال موسى حين زعموا الذي جاءهم به سحر وضلال. وان ما هم عليه هو الهدى. ربي اعلم بمن جاء بالهدى من ومن تكون له عاقبة الدار اي اذا لم تفيد المقابلة معكم وتبيين الايات البينات وابيتم الا التمادي في غيكم واللجاج على فالله تعالى العالم بالمهتدي وغيره. ومن تكون له عاقبة الدار نحن ام انتم الظالمون. فصار عاقبة الدار لموسى واتباعه. والفلاح والفوز وصار لاولئك الخسار سوء العاقبة والهلاك فاجعل لي صرحا لعلي اطلع الى اله موسى انه من الكاذبين. وقال فرعون متجرأ على ربه ومموها على قومه السفهاء. اخفاء العقول. يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري. اي انا وحدي الهكم ومعبودكم. ولو كان ثم اله غيري لعلمته. فانظر الى هذا الورع التام من فرعون حيث لم يقل ما لكم من اله غيري بل تورع وقال ما علمت لكم من اله غيري. وهذا لانه عندهم العالم الفاضل الذي مهما قال فهو الحق ومهما امر اطاعوه فلما قال هذه المقالة التي قد تحتمل ان ثم الها غيره. اراد ان يحقق النفي الذي جعل فيه ذلك الاحتمال. فقال لهامان فاجعل لي صرحا لعلي اطلع الى اله موسى. فاوقد لي امان على الطين ليجعل له لبنا من فخار. فاجعل لي صرحا اي بناء لعلي اطلع الى اله موسى ولكن سنحقق هذا الظن ونريكم كذب موسى فانظر هذه الجراءة على الله التي ما بلغها ادمي كذب موسى وادعى انه اله. ونفى ان يكون له علم بالاله الحق. وفعل الاسباب ليتوصل الى اله موسى وكل هذا ترويج ولكن العجب من هؤلاء الملأ الذين يزعمون انهم كبار المملكة المدبرون هنا لشؤونها كيف لعب هذا الرجل بعقولهم واستخف احلامهم وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم فسد دينهم ثم تبع ذلك فساد عقولهم. فنسألك اللهم الثبات على الايمان. وان لا تزيغ قلوبنا بعد اذ هديتنا. وتهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب. قال تعالى واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق وظن انهم الينا لا يرجعون. واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق. استكبروا على عباد الله وساموهم سوء العذاب واستكبروا على رسول الله وما جاءوهم به من الايات فكذبوها وزعموا ان ما هم عليه اعلى منها وافضل فلذلك تجرأوا والا فلو علموا او ظنوا انهم يرجعون الى الله كما كان منهم ما كان فاخذناه وجنوده عندما استمر عنادهم وبغيهم فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبتهم الظالمين كانت اشر العواقب واخسرها. عاقبة اعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة المتصلة بالعقوبة الاخروية جعلناهم ائمة يدعون الى النار. اي جعلنا فرعون وملأهم من الائمة الذين يقتدى بهم ويمشى خلفهم الى دار الخزي والشقاء ويوم القيامة لا ينصرون من عذاب الله. فهم اضعف شيء عن دفعه عن انفسهم. وليس لهم من دون الله من ولي ولا نصير اتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة. واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة اي واتبعناهم زيادة في عقوبتهم وخزيهم في الدنيا لعنة يلعنون. ولهم عند الخلق الثناء القبيح والمقت والذم. وهذا امر مشاهد فهم ائمة الملعونين في الدنيا ومقدمتهم. ويوم القيامة هم من المغبوحين ويوم القيامة هم من المقبوحين المبعدين المستقذرة افعالهم الذين اجتمع عليهم مقت الله ومقت خلقه ومقت انفسهم ولقد اتينا موسى الكتاب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى الناس نصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ولقد اتينا موسى الكتاب وهو التوراة من بعد ما اهلكنا القرون الاولى. الذين كان خاتمتهم في الاهلاك العام فرعون وهذا دليل على انه بعد نزول التوراة انقطع الهلاك العام. وشرع جهاد الكفار بالسيف بصائر للناس اي كتاب الله الذي انزله على موسى فيه بصائر للناس اي امور يبصرون بها ما ينفعهم وما يضرهم. فتقوم الحجة على العاصي وينتفع بها المؤمن ستكون رحمة في حقه وهداية له الى الصراط المستقيم. ولهذا قال وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون. ولما قص الله على رسوله ما قص من هذه الاخبار الغيبية. نبه العباد على ان هذا خبر الهي محو. ليس للرسول طريق الى علمه الا من جهة الوحي. ولهذا قال وما كنت بجانب الغربي اي بجانب الطور الغربي وقت قضائنا لموسى الامر وما كنت من الشاهدين على ذلك حتى يقال ان وصل اليك من هذا الطريق. فاندرس العلم نسخ اياته فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة اليك والى ما علمناك واوحينا اليك اتلو عليهم اياتنا ولكن كنا مرسلين. وما كنت فاويا اي مقيما في اهل في مدينة تتلو عليهم اياتنا اي تعلمهم وتتعلم منهم. حتى اخبرت بما اخبرت من شأن موسى في مدين اي ولكن ذلك الخبر الذي جئت به عن موسى اثر من اثار ارسالنا اياك ووحي لا سبيل لك كعلمه بدون ارسالنا وما كنت بجانب الطور اذ نادينا موسى وامرناه ان يأتي القوم الظالمين. ويبلغهم رسالتنا ويريهم من اياتنا وعجائبنا ما قصصنا عليك. والمقصود ان الماجريات التي جرت لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الاماكن. فقصصتها كما هي من غير زيادة ولا نقص. لا يخلو من احد امرين اما ان تكون حضرتها وشاهدتها او ذهبت الى محالها فتعلمتها من اهلها. فحينئذ قد لا يدل ذلك على انك رسول الله. اذ الامور التي بها عن شهادة ودراسة من الامور المشتركة غير المختصة بالانبياء. ولكن هذا قد علم وتيقن انه ما كان وما صار. فاولياؤك اعدائك يعلمون عدم ذلك. فتعين الامر الثاني وهو ان هذا جاءك من قبل الله ووحيه وارساله. فثبت بالدليل القطعي صحة رسالته ورحمة الله بك للعباد. ولهذا قال ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما اتاهم اي العرب وقريش. فان الرسالة عندهم لا تعرف وقت ارسال الرسول وقبله بازمان متطاولة لعلهم يتذكرون تفصيل الخير فيفعلونه والشر فيتركونه. فاذا كنت بهذه المنزلة كان الواجب المبادرة الى الايمان بك. وشكر هذه النعمة التي لا يقادر قدرها ولا يدرك شكرها. وانذاره للعرب لا ينفي ان ان يكون مرسلا لغيرهم فانه عربي. والقرآن الذي انزل عليه عربي. واول من باشر بدعوته العرب. فكانت رسالته اليهم اصلا ولغيرهم تبع كما قال الله تعالى اكان للناس عجبا ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس قل يا ايها الناس اني رسول الله اليك جميعا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع اياتك ونكون من المؤمنين ولولا ان تصيبهم مصيبة بما قدمت ايديهم من الكفر والمعاصي. فيقول ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع اياتك ونكون من المؤمنين اي فارسلناك يا محمد لدفع حجتهم وقطع مقالتهم اولم يكفروا بما اوتي موسى من قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون. فلما جاءهم الحق الذي لا شك فيه من عندنا وهو القرآن الذي اوحيناه اليك. قالوا مكذبين له ومعترظين بما ليس يعترض به. لولا اوتي مثل ما اوتي يا موسى اي انزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة. اي فاما ما دام ينزل متفرقا فانه ليس من عند الله. واي دليل في هذا واي شبهة انه ليس من عند الله حين نزل مفرقا. بل من كمال هذا القرآن واعتناء الله بمن انزل عليه ان نزل ليثبت الله به فؤاد رسوله. ويحصل زيادة الايمان للمؤمنين. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن وايضا فان قياسهم على كتاب موسى قياس قد نقضوه. فكيف يقيسونه على كتاب كفروا به ولم يؤمنوا؟ ولهذا قال سحران تظاهرا وقالوا انا بكل قالوا سحران تظاهرا اي القرآن والتوراة تعاونا في سحرهما واضلال الناس وقالوا انا بكل كافرون فثبت بهذا ان القوم يريدون ابطال الحق بما ليس ببرهان. وينقضونه بما لا ينقض. ويقولون الاقوال المتناقضة المختلفة وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح انهم كفروا بالكتابين والرسولين. ولكن هل كفرهم بهما طلبا للحق؟ واتباعا لامر عندهم خير منهم ام مجرد هوى؟ قال الله تعالى ملزما لهم بذلك فاتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما. اي من التوراة والقرآن اتبعه ان كنتم صادقين. ولا سبيل لهم ولا لغيرهم ان يأتوا بمثلهما. فانهما طرق العالم منذ خلقه الله مثل هذين الكتابين. علما هدى وبيانا ورحمة للخلق. وهذا من كمال الانصاف من الداعي ان قال انا مقصود الحق والهدى والرشد. وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل عليه ذلك الموافق لكتاب موسى فيجب علينا جميعا الاذعان لهما واتباعهما من حيث كونهما هدى وحقا. فان جئتموني في كتاب من عند الله هو اهدى منه ما اتبعته. والا فلا اترك هدى وحقا قد علمته لغير هدى وحق فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه فان لم يستجيبوا لك فلم يأتوا بكتاب كتاب اهدى منهما فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم. اي فاعلم ان تركهم اتباعك ليسوا ذاهبين الى حق يعرفونه. ولا الى هدى انما ذلك مجرد اتباع لاهوائهم. فهذا من للناس حيث عرض عليه الهدى والصراط المستقيم الموصل الى الله والى دار كرامته. فلم يلتفت اليه ولم يقبل عليه. ودعاه هواه الى سلوك الطرق الموصلة الى الهلاك والشقاء. فاتبعه وترك الهدى فهل احد اضل ممن هذا وصفه؟ ولكن ظلمه وعدوانه وعده من محبته للحق هو الذي اوجب له ان يبقى على ضلاله ولا يهديه الله. فلهذا قال اي الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا. جاءهم الحق فرفضوه. وعرض لهم الهوى فتبعوه. سدوا على انفسهم ابواب الهداية وطرقها. وفتحوا ابواب الغواية وسبلها. فهم في غيهم وظلمهم يعمهون. وفي شقائهم وهلاكهم يترددون. وفي قوله فان لم يستجيبوا لك فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم دليل على ان كل من لم يستجب للرسول وذهب الى قول مخالف لقول الرسول فانه لم يذهب الى هدى وانما ذهب الى هوى. ولقد وصلنا لهم القول اي تابعناه وواصلناه وانزلناه شيئا فشيئا رحمة بهم ولطفا. لعلهم يتذكرون. حين تتكرر عليهم اياته وتنزل عليهم بيناته وقت الحاجة اليها. فصار نزوله متفرقا رحمة بهم. فلما اعترضوا بما هو من مصالحهم اصل في ذكر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة. فمنها ان ايات الله تعالى وعبره وايامه في الامم السابقة. انما بها ويستنير المؤمنون. فعلى حسب ايمان العبد تكون عبرته. وان الله تعالى انما يسوق القصص لاجلهم. واما غيرهم فلا يعبأ الله بهم وليس لهم منها نور وهدى ومنها ان الله تعالى اذا اراد امرا هيأ اسبابه واتى بها شيئا فشيئا بالتدريج لا دفعة واحدة ومنها ان الامة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت. لا ينبغي لها ان يستولي عليها الكسل عن طلب حقها. ولا الاياس من ارتقائها الى اعلى الامور خصوصا اذا كانوا مظلومين كما استنقذ الله امة بني اسرائيل الامة الضعيفة من اسر فرعون وملئه ومكنهم في الارض وملكهم بلادهم. ومنها ان الامة ما دامت ذليلة مقهورة لا تأخذ حقها ولا تتكلم به. لا يقوم لها امر دينها ولا دنياها ولا يكون لها امامة فيه. ومنها لطف الله بام موسى وتهوينه عليها المصيبة بالبشارة. لان الله سيرد فيها ابنها ويجعله من المرسلين. ومنها ان الله يقدر على عبده بعض المشاق لينيله سرورا اعظم من ذلك. او يدفع عنه شر اكثر منه كما قدر على ام موسى ذلك الحزن الشديد والهم البليغ الذي هو وسيلة الى ان يصل اليها ابنها على وجه تطمئن به وتقر به عينها وتزداد به غبطة وسرورا. ومنها ان الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الايمان ولا يزيله. كما لام موسى ولم موسى من تلك المخاوف ومنها ان الايمان يزيد وينقص. وان من اعظم ما يزيد به الايمان ويتم به اليقين. الصبر عند المزعجات والتثبيت من الله عند المقلقات كما قال تعالى لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. اي ليزداد ايمانها بذلك ويطمئن قلبها. ومنها ان من اعظم نعم الله على عبده واعظم معونة للعبد على اموره. تثبيت الله اياه. وربط جأشه وقلبه عند المخاوف. وعند الامور المذهلة فانه بذلك يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب. بخلاف من استمر قلقه وروعه وانزعاجه. فانه يضيع فكره ويذهل عقله. فلا بنفسه في تلك الحال. ومنها ان العبد ولو عرف ان القضاء والقدر ووعد الله نافذ لا بد منه. فانه لا يهمل فعل الاسباب التي امر بها ولا يكون ذلك منافيا لايمانه بخبر الله. فان الله قد وعد ام موسى ان يرده عليها. ومع ذلك اجتهدت على رده اخته لتقصه وتطلبه. ومنها جواز خروج المرأة في حوائجها وتكليمها للرجال من غير محظور. كما جرى لاخت موسى وابنتي صاحب مدين ومنها جواز اخذ الاجرة على الكفالة والرضاع. والدلالة على من يفعل ذلك. ومنها ان الله من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد اكرامه ان يريه من اياته ويشهده من بيناته ما يزيد به ايمانه. كما رد الله موسى على امه لتعلم ان وعد الله حق ومنها ان قتل الكافر الذي له عهد بعقد او عرف لا يجوز. فان موسى عليه السلام عد قتله القبطي الكافر ذنبا. واستغفر الله منها ومنها ان الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين الذين يفسدون في الارض. ومنها ان من قتل النفوس بغير حق وزعم انه يريد الاصلاح في الارض وتهييب اهل المعاصي فانه كاذب في ذلك. وهو مفسد كما حكى الله قول القبطي ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض. وما ان تكون من المصلحين على وجه التقرر له لا الانكار. ومنها ان اخبار الرجل غيره بما قيل فيه على وجه التحذير له من سر يقع فيه لا يكون ذلك نميمة. بل قد يكون واجبا. كما اخبر ذلك الرجل لموسى ناصحا له ومحذرا. ومنها انه اذا القتلى والتلف في الاقامة لا يلقي بيده الى التهلكة ولا يستسلم لذلك بل يذهب عنه كما فعل موسى. ومنها انه عند تزاحم من المفسدتين اذا كان لابد من ارتكاب احداهما انه ترتكب الاخف منهما والاسلم. كما ان موسى لما دار الامر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل او يذهب الى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق اليها. وليس معه دليل يدله غير ربه. ولكنها هذه الحالة اقرب للسلامة من الاولى فتبعها موسى. ومنها ان الناظر في العلم عند الحاجة الى التكلم فيه. اذا لم يترجح عنده احد القولين فانه يستهدي ربه ويسأله ان يهديه الصواب من القولين. بعد ان يقصد بقلبه الحق ويبحث عنه. فان الله لا يخيب من هذه حاله؟ كما خرج موسى تلقاء مدين فقال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. ومنها ان الرحمة بالخلق والاحسان على من يعرف ومن لا يعرف من اخلاق الانبياء. وان من الاحسان سقي الماشية الماء. واعانة العاجز ومنها استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها. ولو كان الله عالما بها. لانه تعالى يحب التضرع عبده واظهار ذله ومسكنته كما قال موسى ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. ومنها ان الحياء خصوصا من الكرام من الاخلاق الممدوحة. ومن المكافأة على الاحسان لم يزل دأب الامم السابقين. ومنها ان العبد اذا فعل العمل لله تعالى ثم حصل له مكافأة عليه من غير قصد من قصد الاول انه لا يلام على ذلك. كما قبل موسى مجازاة صاحب مدينة عن معروفه الذي لم يبتغي له. ولم يستشرف بقلبه على عوض ومنها مشروعية الاجارة. وانها تجوز على رعاية الغنم ونحوها. مما لا يقدر العمل وانما مرده العرف. ومنها انه تجوز الاجارة بالمنفعة ولو كانت المنفعة بضعا. ومنها ان خطة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره لا يلام عليه ومنها ان خير اجير وعامل للانسان ان يكون قويا امينا. ومنها ان من مكارم الاخلاق ان يحسن خلقه لاجيره ولخادمه. ولا يشق عليه بالعمل لقوله وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين. ومنها جواز عقد الاجارة وغيرها من العقود من دون اشهاد. لقوله والله على ما نقول وكيل. ومنها ما اجرى الله على يد موسى من الايات البينات والمعجزات الظاهرة من الحية وانقلاب يده بيضاء من غير سوء. ومن عصمة الله لموسى وهارون من فرعون ومن الغرق. ومنها ان من اعظم العقوبات ان يكون الانسان اماما في الشر. وذلك بحسب معارضته لايات الله وبيناته. كما ان من اعظم نعمة انعم الله بها عبده ان يجعله اماما في الخير هاديا مهديا. ومنها ما فيها من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث اخبر بذلك تفصيلا مطابقا وتأصيلا موافقا. قصه قصا صدق به المرسلين. وايد به الحق المبين. من غير حضور شيء من تلك الوقائع ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع. ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الامور. ولا مجالسة احد من اهل العلم. ان هو الا رسالة الرحمن وحي انزله عليه الكريم المنان. لينذر به قوما جاهلين. وعن النذر والرسل غافلين. فصلوات الله وسلامه على من مجرد خبره ينبئ انه رسول الله ومجرد امره ونهيه ينبه العقول النيرة انه من عند الله. كيف وقد تطابق على صحة ما جاء به وصدقه خبر الاولين والاخرين. والشرع الذي جاء به من رب العالمين وما جبل عليه من الاخلاق الفاضلة. التي لا تناسب ولا تصلح الا لاعلى الخلق درجة. والنصر المبين لدينه وامته. حتى بلغ دينه مبلغ الليل والنهار. وفتحت امته معظم بلدان الامصار بالسيف والسنان وقلوبهم بالعلم والايمان. ولم تزل الامم المعاندة والملوك الكفرة المتعاضدة ترميه بقوس واحدة له المكايد وتمكر لاطفائه واخفائه. واخماده من الارض وهو قد بهرها وعلاها لا يزداد الا نموا. ولا اياته اهينه الا ظهورا. وكل وقت من الاوقات يظهر من اياته ما هو عبرة للعالمين. وهداية للعالمين ونور وبصيرة للمتوسل والحمد لله وحده الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. يذكر تعالى عظمة القرآن وصدقه وحقه وان اهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بانه الحق. فقال الذين اتيناهم الكتاب من قبله وهم اهل التوراة انجيل الذين لم يغيروا ولم يبدلوا هم به. اي بهذا القرآن ومن جاء به يؤمنون واذا يتلى عليهم استمعوا له واذعنوا وقالوا امنا به انه الحق من ربنا بموافقته ما جاءت به الرسل ومطابقته لما ذكر في كتب واشتماله على الاخبار الصادقة والاوامر والنواهي الموافقة لغاية الحكمة. وهؤلاء الذين تفيد شهادتهم وينفع قولهم. لان انهم لا يقولون ما يقولون الا عن علم وبصيرة. لانهم اهل الصنف واهل الكتب وغيرهم لا يدل ردهم ومعارضتهم للحق على شبهة. فضلا عن الحجة لانهم ما بين جاهل فيه او متجاهل معاند للحق قال الله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. وقوله فلذلك ثبتنا على ما من الله به علينا من الايمان. فصدقنا بهذا القرآن امنا بالكتاب الاول والكتاب الاخر. وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب. ايمانه بالكتاب الاول اولئك الذين امنوا بالكتابين يؤتون اجرهم مرتين اجرا على الايمان الاول واجرا على الايمان بما صبروا على الايمان وثبتوا على العمل. فلم تزعزعهم عن ذلك شبهة ولا ثناهم عن الايمان رياسة ولا شهوة. ومن خصالهم التي من اثار ايمانهم الصحيح انهم يدرؤون بالحسنة السيئة اي دأبهم وطريقتهم الاحسان لكل احد. حتى للمسيء اليهم بالقول والفعل يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل. لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم. وانه لا يوفق له الا ذو حظ عظيم واذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم. سلام عليكم لا واذا سمعوا اللغو من جاهل خاطبهم به قالوا مقالة عباد الرحمن اولي الالباب لنا اعمالنا ولا اعمالكم اي كل سيجازى بعمله الذي عمله وحده. ليس عليه من وزر غيره شيء. ولزم من ذلك انهم يتبرأون مما عليه الجاهلون من اللغو والباطل والكلام الذي لا فائدة فيه. سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. سلام عليكم اي لا تسمعون منا الا الخير. ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم. فانكم وان رضيتم لانفسكم هذا المرتع اللئيم. فانا ننزه انفسنا ونصونها عن الخوض فيه لا نبتغي الجاهلين من كل وجه انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء. وهو اعلم بالمهتد يخبر تعالى انك يا محمد وغيرك من باب اولى. لا تقدر على هداية احد ولو كان من احب الناس اليك فان هذا امر غير مقدور للخلق. هداية التوفيق وخلق الايمان في القلب. وانما ذلك بيد الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء. وهو اعلم بمن يصلح للهداية فيهديه. ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. واما اثبات الهداية للرسول في قوله تعالى وانك لتهدي الى صراط مستقيم فتلك هداية البيان والارشاد. فالرسول يبين الصراط المستقيم. ويرغب فيه. و يبذل جهده في سلوك الخلق له. واما كونه في قلوبهم الايمان ويوفقهم بالفعل. فحاشى وكلا. ولهذا لو كان قادرا عليها لهدى من وصل اليه احسانه ونصره ومنعه من قومه عمه ابا طالب. ولكنه اوصل اليه من الاحسان بالدعوة للدين والنصح التام. ما هو اعظم مما فعله معه عمه ولكن الهداية بيد الله تعالى حرما آمنين يجب اليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنه. ولكن ان اكثرهم لا يعلمون. يخبر تعالى ان المكذبين من قريش واهل مكة يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا بالقتل والاسر ونهب الاموال. فان الناس قد عادوك وخالفوك. فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم ولم يكن لنا بهم طاقة. وهذا الكلام منهم يدل على سوء الظن بالله تعالى. وانه لا ينصر دينه ولا يعلي كلمته. بل يمكن الناس ليس من اهل دينه فيسمونهم سوء العذاب. وظنوا ان الباطل سيعلو على الحق. قال الله مبينا لهم حالة هم بها دون الناس وان الله اختصهم بها فقال اي اولم نجعلهم متمكنين ممكنين في حرم يكثره المنتابون؟ ويقصده الزائرون. قد كرمه البعيد والقريب فلا يهاج اهله ولا ينتقصونه بقليل ولا كثير. والحال ان كل ما حولهم من الاماكن قد حف بها الخوف من من كل جانب واهلها غير امنين ولا مطمئنين. فليحمدوا ربهم على هذا الامن التام الذي ليس فيه غيرهم. وعلى الرزق الكثير الذي يجئ اليهم من كل مكان من الثمرات والاطعمة والبضائع. ما به يرتزقون ويتوسعون. وليتبعوا هذا الرسول الكريم لهم الامن والرغد واياهم وتكذيبه والبطر بنعمة الله فيبدل من بعد امنهم خوفا وبعد عزهم ذلا وبعد فقرا ولهذا توعدهم بما فعل بالامم قبلهم. فقال وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها اي فخرت بها والهتها واشتغلت بها عن الايمان بالرسل فاهلكهم الله وازال عنهم نعمة واحل بهم النقمة. لتوالي الهلاك عليهم وايحاشها من بعدهم. وكنا نحن الوارثين للعباد نميتهم ثم الينا جميع ما متعناهم به من النعم. ثم نعيدهم الينا فنجازيهم باعمالهم. ومن حكمته ورحمته الا يعذب الامم مجرد كفرهم قبل اقامة الحجة عليهم بارسال الرسل اليهم. ولهذا قال الا واهلها ظالمون. وما كان ربك مهلك القرى اي بكفرهم وظلمهم. حتى يبعث في امها. اي في والمدينة التي اليها يرجعون. ونحوها يترددون. وكل ما حولها ينتجعها ولا تخفى عليه اخبارها. رسولا يتلو عليهم اياتنا الدالة على صحة ما جاء به. وصدق ما دعاهم اليه. فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم. بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة والاطراف النائية فان ذلك مظنة الخفاء والجفاء. والمدن الامهات مظنة الظهور والانتشار. وفي الغالب انهم اقل جفاء من غيرهم وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون بالكفر والمعاصي مستحقون للعقوبة. والحاصل ان الله لا يعذب احدا الا بظلمه. واقامة الحجة عليه هذا حظ من الله لعباده على الزهد في الدنيا. وعدم الاغترار بها وعلى الرغبة في الاخرى وجعلها مقصود العبد ومطلوبه. ويخبرهم ان جميع ما اوتيه الخلق من الذهب والفضة والحيوانات والامتعة. والنساء والبنين والمآكل والمشارب واللذات كلها متاع الحياة الدنيا وزينتها. اي يتمتع به وقتا قصيرا متاعا قاصرا بالمنغصات ممزوجا بالغصص. ويزين به زمانا يسيرا للفخر والرياء. ثم يزول ذلك سريعا. وينقضي جميعا يستفد صاحبه منه الا الحسرة والندم والخيبة والحرمان وما عند الله من النعيم المقيم والعيش السليم خير وابقى اي افضل في وصفه وكميته وهو دائم ابدا مستمر اي افلا يكون لكم عقول بها تزنون؟ اي الامور اولى بالايثار؟ واي الدارين احق وللعمل لها فدل ذلك على انه بحسب عقل العبد يؤثر الاخرى على الدنيا وانه ما اثر احد الدنيا الا لنقص في عقله. ولهذا العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثري الدنيا ومؤثري الاخرة. فقال انه يوم القيامة من المحضرين. افمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه. اي هل يستوي مؤمن ساع للاخرة سعيها قد عمل على وعد ربه له بالثواب الحسن الذي هو الجنة وما فيها من النعيم العظيم. فهو لاقيه من غير شك ولا ارتياب لانه وعد من كريم صادق الوعد لا يخلف الميعاد لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه الدنيا. فهو يأخذ فيها ويعطي ويأكل ويشرب ويتمتع كما تتمتع البهائم. قد اشتغل بدنياه عن اخرته. ولم يرفع بهدى الله رأسا ولم ينقض للمرسلين فهو لا يزال كذلك. لا يتزود من دنياه الا الخسارة والهلاك ثم هو يوم القيامة من المحضرين للحساب. وقد علم انه لم يقدم خيرا لنفسه. وانما قدم جميع ما وانتقل الى دار الجزاء بالاعمال فما ظنكم الى ما يصير اليه؟ وما تحسبون ما يصنع به؟ فليختر العاقل لنفسه ما هو اولى به بالاختيار واحق الامرين بالايثار هذا اخبار من الله تعالى عما يسأل عنه الخلائق يوم القيامة. وانه يسألهم عن اصول الاشياء وعن عبادة الله واجابة رسله. فقال ويوم يناديهم اي ينادي من اشركوا به شركاء يعبدونهم ويرجون نفعهم ودفع الضرر عنهم فيناديهم ليبين لهم عجزها وضلالهم. فيقول اين شركائي؟ وليس لله شريك. ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم هذا قال الذين كنتم تزعمون فاين هم بذواتهم؟ واين نفعهم؟ واين دفعهم؟ ومن المعلوم انه يتبين لهم في تلك الحال ان الذي عبدوه ورجوه باطل مضمحل في ذاته وما رجوا منه. فيقرون على انفسهم بالضلالة والغواية. ولهذا كما روينا تبرأنا اليك ما كانوا ايانا يعبدون. قال الذين حق عليهم القول الرؤساء والقادة في الكفر والشر مقرين بغوايتهم واغوائهم. ربنا هؤلاء التابعون الذين اغوينا اغويناهم كما غوينا اي كلنا قد اشترك في الغواية وحق عليه كلمة العذاب تبرأنا اليك من عبادتهم. اي نحن براء منهم ومن عملهم. ما كانوا ايانا يعبدون. وانما كانوا يعبدون الشياطين وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب وقيل لهم ادعوا شركاءكم على ما املتم فيهم من النفع فامروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج. الذي يضطر فيه العابد الى من عبده. فدعوهم لينفعوهم او يدفعوا عنهم من عذاب الله من شيء فلم يستجيبوا لهم. فعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين مستحقين للعقوبة ورأوا العذاب الذي سيحل بهم عيانا بابصارهم. بعدما كانوا مكذبين به منكرين له. لو انهم كانوا يهتدون اينما حصل عليهم ما حصل. وهدوا الى صراط الجنة كما اهتدوا في الدنيا. ولكن لم يهتدوا فلم يهتدوا فيقول ماذا اجبتم المرسلين؟ هل صدقتموهم واتبعتموهم؟ ام كذبتموهم وخالفتموهم يومئذ فهم لا يتساوون اي لم يحيروا عن هذا السؤال جوابا ولم يهتدوا الى الصواب. ومن المعلوم انه لا ينجي في هذا الموضع الا التصريح بالجواب الصحيح المطابق لاحوالهم من اننا اجبناهم بالايمان والانقياد. ولكن لما علموا تكذيبهم لهم وعنادهم لامرهم. لم ينطقوا بشيء لا يمكن ان يتساءلوا ويتراجعوا بينهم في ماذا يجيبون به ولو كان كذبا لما ذكر تعالى سؤال الخلق عن معبودهم وعن رسلهم ذكر الطريق الذي به العبد من عقاب الله تعالى. وانه لا نجاة الا لمن اتصف بالتوبة من الشرك والمعاصي. وامن بالله فعبده. وامن برسله فصدقهم وعمل صالحا متبعا فيه للرسل. عسى ان يكون من المفلحين. فعسى ان يكون من جمع هذه الخصال من المفلحين الناجحين بالمطلوب الناجين من المرهوب فلا سبيل الى الفلاح بدون هذه الامور. وربك يخلق ما يشاء ما كان لهم الخيرة سبحان سبحان الله وتعالى عما يشركون. وربك يعلم ما تكن صدورهم فيعلنون وهو الله لا اله الا هو له الحمد في الاولى والاخرة واليه ترجعون هذه الايات فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات بمشيئته بجميع البريات وانفراده باختيار من يختاره ويختصه. من الاشخاص والاوامر والازمان والاماكن. وان احدا ليس له من والاختيار شيء وان الله تعالى منزه عن كل ما يشركون به. من الشريك والظهير والعويل والولد والصاحبة ونحو ذلك. مما اشرك به المشركون وانه العالم بما كنته الصدور وما اعلنوه. وانه وحده المعبود المحمود في الدنيا والاخرة. على ما له من صفات الجلال والجمال. وعلى ما اسداه الى خلقه من الاحسان والافضال. وانه هو الحاكم في الدارين في الدنيا بالحكم القدري. الذي اثره جميع ما خلق وذرأ والحكم الديني الذي اثره جميع الشرائع والاوامر والنواهي. وفي الاخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي. ولهذا قال واليه ترجعون فيجازي كلا منكم بعمله من خير وشر افلا تسمعون؟ قل ارأيتم ان جعل الله عليكم افلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسهيل هذا امتنان من الله على عباده يدعوهم به الى شكره والقيام بعبوديته وحقه. انه جعل لهم من رحمته النهار ليبتغوا من فضل الله. وينتشروا لطلب ارزاقهم ومعايشهم في ضيائه والليل ليهدأوا فيه ويسكنوا وتستريح ابدانهم وانفسهم من تعب التصرف في النهار. فهذا من فضله ورحمته بعباده. فهل احد يقدر على شيء شيء من ذلك فلو جعل عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بضياء. افلا تسمعون مواعظ الله واياته سماع فهم وقبول وانقياد. ولو جعل عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة. من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه فلا تبصرون مواقع العبر ومواضع الايات. فتستنير بصائركم وتسلكوا الطريق المستقيم. وقال في الليل افلا تسمعون وفي النهار افلا تبصرون؟ لان سلطان السمع ابلغ في الليل من سلطان البصر. وعكسه النهار. وفي هذه الايات تنبيه الى ان العبد ينبغي له ان يتدبر نعم الله عليه. ويتبصر فيها ويقيسها بحال عدمها. فانه اذا وازن بين حالة وجودها وبين حالة عدم تنبه عقله لمواضع المنة بخلاف من جرى مع العوائد. ورأى ان هذا امر لم يزل مستمرا ولا يزال وعمي قلبه عن الثناء على الله بنعمه ورؤية افتقاره اليها في كل وقت. فان هذا لا يحدث له فكرة شكرا ولا ذكرا ويوم يناديهم فيقول اين شركائي الذين كنتم تزعمون. ونزعنا من فعلموا ان الحق لله اي ويوم ينادي الله المشركين به العادلين به غيره الذين ان له شركاء يستحقون ان يعبدوا وينفعون ويضرون. فاذا كان يوم القيامة اراد الله ان يظهر جرائتهم وكذبهم في زعمهم تكذيبهم لانفسهم فيناديهم اي بزعمهم لا بنفس الامر كما قال وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وان هم الا فاذا حضروا واياهم نزع من كل امة من الامم الكاذبة شهيدا يشهد على ما جرى في الدنيا من شركهم واعتقادهم وهؤلاء بمنزلة المنتخبين. اي انتخبنا من رؤساء المكذبين من يتصدى للخصومة عنهم. والمجادلة عن اخوانهم ومن هم واياهم على واحد فاذا برزوا للمحاكمة حجتكم ودليلكم على صحة شرككم هل امرناكم لذلك هل امرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم احد يستحق شيئا من الالهية؟ هل ينفعونكم او يدفعون عنكم من عذاب الله او يغنون عنكم فليفعلوا اذا ان كان فيهم اهلية وليروكم ان كان لهم قدرة فعلموا ان الحق لله وظل عنهم ما كانوا يفترون فعلموا حينئذ بطلان قولهم وفسادا ان الحق لله تعالى قد توجهت عليهم الخصومة وانقطعت حجتهم وافلجت الله وظل عنهم ما كانوا يفترون من الكذب والافك اضمحل لهم وتلاشى وعدم وعلموا ان الله قد عدل فيهم حيث لم يضع العقوبة الا بمن استحقها واستأهلها ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم واتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنور اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين يخبر تعالى عن حالة قارون وما فعل وفعل به ونصح ووعظ فقال ان قارون كان من قوم موسى اي من اسرائيل الذين فضلوا على العالمين وفاقوهم في زمانهم. وامتن الله عليهم بما امتن به. فكانت حالهم مناسبة للاستقامة ولكن قارون هذا بغى على قومه وطغى بما اوتيه من الاموال العظيمة المطغية. واتيناه من الكنوز اي كنوز الاموال شيئا كثيرا ما ان مفاتيحه لتنوء بالعصبة اولي القوة. والعصبة من العشرة الى التسعة الى السبعة. ونحو ذلك. اي حتى ان مفاتح خزائن اموال لتثقل الجماعة القوية عن حملها هذه المفاتيح فما ظنك بالخزائن اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. اذ قال له قومه ناصحين له محذرين له عن الطغيان لا تفرح. اي لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة وتفتخر بها وتلهك عن الاخرة. فان الله لا يحب الفرحين بها المكبين على محبتها اتاك الله الدار الاخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا. واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغي الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين. وابتغي فيما اتاك الله الدار الاخرة اي قد حصل عندك من وسائل الاخرة ما ليس عند غيرك من الاموال. فابتغ بها ما عند الله وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات وتحصين اللذات. ولا تنسى نصيبك من الدنيا. اي لا نأمرك ان تتصدق بجميع ما لك وتبقى ضائعا. بل انفق لاخرتك. واستمتع دنياك استمتاعا لا يطلب دينك ولا يضر باخرتك واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغي الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين واحسن الى عباد الله كما احسن الله عليك بهذه الاموال. ولا تبغي الفساد في الارض بالتكبر والعمل بمعاصي الله. والاشتغال بالنعم عن المنعم ان الله لا يحب المفسدين. بل يعاقبهم على ذلك اشد العقوبة فقال قارون رادا لنصيحتهم كافرا لنعمة ربه انما اوتيته على علم عندي. اي انما ادركت هذه الاموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب. وحذقي او على علم من الله بحالي يعلم اني اهل لذلك. فلما تنصحوني على ما اعطاني الله تعالى؟ قال تعالى مبينا ان عطاءه ليس دليلا على حسن حالة المعطى اولم يعلم ان الله قد اهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوة واكثر جمعا آآ فما المانع من اهلاك قانون مع مضي عادتنا وسنتنا باهلاك من هو مثله واعظم اذ فعل ما يوجب الهلاك ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون. بل يعاقبهم الله ويعذبهم على ما يعلمه منهم. فهم وان اثبتوا لانفسهم حالة حسنة وشهدوا لها بالنجاة فليس قولهم مقبولا وليس ذلك دافعا عنهم من العذاب شيئا. لان ذنوبهم غير خفية فانكارهم له لا محل له. فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه. وعدم قبول نصيحة قومه فرحا بطلا قد اعجبته نفسه. وغره ما اوتيه من اموال فخرج على قومه في زينته اوتي قارون انه لذو حظ عظيم. فخرج ذات يوم في زينته اي بحالة ارفع كما يكون من احوال دنياه قد كان له من الاموال ما كان. وقد استعد وتجمل باعظم ما يمكنه. وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها فرمقته في تلك الحالة العيون وملأت بزته القلوب واختلبت النفوس فانقسم فيه الناظرون قسمين. كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون. قال الذين يريدون الحياة الدنيا اي الذين تعلقت ارادتهم فيها وصارت منتهى رغبتهم ليس لهم ارادة في سواها. يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون من الدنيا ومتاعها وزهرتها وصدقوا انه لذو حظ عظيم لو كان الامر منتهيا الى رغباتهم. وانه ليس وراء الدنيا دار اخرى فانه قد اعطي منها ما به غاية التنعم بنعيم الدنيا واقتدر بذلك على جميع مطالبه. فصار هذا الحظ العظيم بحسب همتهم. وان همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها من ادنى الهمم واسفلها وادناها. وليس لها ادنى صعود الى المردات العالية والمطالب الغالية وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا. ولا يلقاها فان الصابرون وقال الذين اوتوا العلم الذين عرفوا حقائق الاشياء ونظروا الى باطن الدنيا حين نظر اولئك الى ظاهرها ويلكم متوجعين مما تمنوا لانفسهم راثين لحالهم منكرين لمقالهم. ثواب الله العاجل من لذة ومحبته والانابة اليه والاقبال عليه. والاجل من الجنة وما فيها. مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. خير من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه فهذا حقيقة الامر. ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الاعلى على الادنى. فما يلقى ذلك ويوفق له الا الصابرون ولا يلقاها الا الصابرون. الذين حبسوا انفسهم على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها. ان تشغلهم عن ربهم وان تحول بينهم وبين ما خلقوا له. فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب الله على الدنيا الفانية. فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر. وزينت الدنيا عنده وكثر بها اعجابه. بغته العذاب اثنى به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله. وما كان كان من المنتصرين. فخسفنا به وبداره الارض جزاء من جنس عمله. فكما رفع نفسه على عباد الله الله اسفل سافلين. هو وما اغتر به من داره واثاثه ومتاعه فما كان له من فئة اي جماعة وعصبة وخدم وجنود ينصرونه من دون الله اي جاءه العذاب فما نصر ولا انتصر واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء لولا ان منا الله علينا لخسف بنا وان كان انه لا يفلح الكافرون. واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس. اي الذين يريدون الحياة الدنيا قالوا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ان يضيق الرزق على من يشاء. فعلمنا حينئذ ان بسطه لقارون ليس دليلا على خير فيه واننا غالطون في قولنا انه لذو حظ عظيم انه لا يفلح الكافرون. لولا ان من الله علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا. فلولا فضله لخسف بنا فصار هلاك قارون عقوبة له وعبرة وموعظة لغيره. حتى ان الذين غبطوه سمعت كيف ندموا وتغير فكرهم الاول ويكأنه لا يفلح الكافرون. اي لا في الدنيا ولا في الاخرة تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا العاقبة للمتقين. لما ذكر تعالى قارون وما اوتيه من الدنيا وما صارت اليه عاقبة امره. وان اهل العلم قالوا ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا رغب تعالى في الدار الاخرة واخبر بالسبب الموصل اليها فقال تلك الدار الاخرة التي اخبر الله بها في كتبه واخبرت بها رسله التي قد جمعت كل نعيم واندفع عنها كل مكدر ومنغص نجعلها دارا وقرارا للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا. اي ليس لهم ارادة فكيف العمل للعلو في الارض على عباد الله والتكبر عليهم وعلى الحق. ولا فسادا وهذا شامل لجميع المعاصي. فاذا كانوا لا ارادة لهم في العلو في الارض والافساد. لزم من ذلك ان تكون ارادتهم مصروفة الى الله. وقصدهم الدار الاخرة. وحالهم التواضع لعباد الله. والانقياد للحق والعمل الصالح وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة. ولهذا قال والعاقبة للمتقين. والعاقبة اي حالة الفلاح والنجاح التي تستقر وتستمر. لمن اتقى الله تعالى وغيرهم وان حصل لهم بعض الظهور والراحة. فانه لا يطول وقته ويزول عن قريب. وعلم من هذا الحصر في الاية الكريمة ان الذين يريدون العلو في الارض او الفساد ليس لهم في الدار الاخرة نصيب. ولا لهم منها نصيب من جاء بالحسنة فله خير منها. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات الا ما كانوا يعملون. يخبر تعالى عن مضاعفة فضله وتمام عدله فقال من جاء بالحسنة شرط فيها ان يأتي بها العامل لانه قد يعملها ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه او يبطنها. فهذا لم نجئ بالحسنة والحسنة اسم جنس يشمل جميع ما امر الله به ورسوله من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة المتعلقة بحق الله تعالى وحق عباده فله خير منها. اي اعظم واجل. وفي الاية الاخرى فله عشر امثالها. هذا التضعيف للحسنة لابد منه وقد يقترن بذلك من الاسباب ما تزيد به المضاعفة. كما قال تعالى والله يضاعف لمن يشاء. والله واسع عليم. بحسب للعامل وعمله ونفعه ومحله ومكانه السيئات الا ما كانوا يعملون. ومن جاء بالسيئة وهي كل ما نهى الشارع عنه نهي تحريم. فلا يجزى الذين عملوا السيئات الا ما كانوا يعملون. كقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها. ومن جاء بالسيئة فلا لا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ان الذي فرض عليك القرآن الى معاده يقول تعالى ان الذي فرض عليك القرآن اي انزله وفرض فيه الاحكام. وبين فيه الحلال والحرام وامرك بتبليغه للعالمين. والدعوة لاحكام جميع المكلفين لا يليق بحكمته ان تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط. من غير ان يثاب العباد ويعاقب. بل لابد ان يردك الى معاد يجازى فيه المحسنون باحسانهم والمسيئون بمعصيتهم. وقد بينت لهم الهدى واوضحت لهم المنهج فان تبعوك حظهم وسعادتهم. وان ابوا الا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى. وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق. فلم يبق للمجادلة محل ولم يبق الا المجازاة على الاعمال من العالم بالغيب والشهادة. والمحق والمبطل. ولهذا قال جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين. وقد علم ان رسوله هو المهتدي الهادي. وان هم الضالون المضلون ظهيرا للكافرين. وما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب. اي لم والمتحرين لنزول هذا الكتاب عليك ولا مستعدا له ولا متصديا الا رحمة من ربك بك وبالعباد فارسلك بهذا الكتاب الذي به العالمين وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. فاذا علمت انه انزله اليك رحمة منه. علمت ان جميع ما امر به ونهى عنه. فانه رحمة وفضل من الله. فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه. وتظن بما ان مخالفه اصلح وانفع فلا تكونن ظهيرا للكافرين. اي معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم ومن جملة مظاهرتهم ان يقال في شيء منه انه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة بل ابلغها وانفذها ولا تبالي بمكرهم ولا يخدعنك عنها ولا تتبع اهواءهم وادع الى ربك اي اجعل الدعوة الى ربك منتهى وغاية عملك فكل ما خالف ذلك فارفضه من رياء او سمعة او موافقة اغراض اهل الباطل. فان ذلك داع الى الكون معهم ومساعدتهم على امرهم. ولهذا قال لا في شركهم ولا في وشعبه التي هي جميع المعاصي كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون ولا تدعو مع الله الها اخر بل اخلص لله عبادتك. فانه لا اله الا هو. فلا احد يستحق ان يؤله ويحب ويعبد ان الله الكامل الباقي. الذي كل شيء هالك الا وجهه واذا كان كل شيء هالكا مضمحلا سواه. فعبادة الهالك الباطل باطلة ببطلان غايتها. وفساد نهايتها له الحكم واليه ترجعون له الحكم في الدنيا والاخرة. واليه لا الى غيره ترجعون. فاذا كان ما سوى الله باطلا هالكا. والله هو الباقي الذي لا اله الا هو وله الحكم في الدنيا والاخرة. واليه مرجع الخلائق كلهم. يجازيهم باعمالهم. تعين على من له عقل ان يعبد الله وحده لا شريك له. ويعمل لما يقربه ويدنيه. ويحذر من سخطه وعقابه. وان يقدم على ربه غير تائب ولا مقلع عنه خطأه وذنوبه بسم الله الرحمن الرحيم احسب الناس ان يتركوا امنا وهم لا يفتنون. ولقد ان الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا ولا يعلمن الكاذبين تعالى عن تمام حكمته وان حكمته لا تقتضي ان كل من قال انه مؤمن وادعى لنفسه الايمان ان يبقوا في حالة يسلمون فيها من والمحن ولا يعرض له ما يشوش عليهم ايمانه وفروعه. فانهم لو كان الامر كذلك لم يتميز الصادق من الكاذب والمحق من مبطل ولكن سنته وعادته في الاولين وفي هذه الامة ان يبتليهم بالسراء والضراء والعسر واليسر والمنشط والمكره الغنى والفقر وازالة الاعداء عليهم في بعض الاحيان ومجاهدة الاعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن التي ترجع كلها الى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة والشهوات المعارضة للارادة. فمن كان عند ورود الشبهات يثبت ايمانه ولا يتزلزل. ويدفعها مما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية الى المعاصي والذنوب او الصرفة عن ما امر الله به ورسوله يعمل بمقتضى الايمان ويجاهد شهوته. دل ذلك على صدق ايمانه وصحته. ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا. وعند اعتراض الشهوات الى المعاصي او تصديفه عن الواجبات. دل ذلك على عدم صحة ايمانه وصدقه. والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها الا الله فمستقل ومستكثر. فنسأل الله تعالى ان يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة. وان يثبت قلوبنا على دينه فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها وطيبها اي احسب الذين همهم فعل السيئات وارتكاب الجنايات ان اعمالهم تهمل وان الله سيغفل عنهم او يفوتونه. فلذلك اقدموا عليها وسهل عليهم عملها. ساء ما يحكمون. اي ساء فانه حكم جائر لتضمنه انكار قدرة الله وحكمته. وان لديهم قدرة يمتنعون بها من عقاب الله. وهم اضعف شيء اعجزه العليم. يعني يا ايها المحب لربه المشتاق لقربه ولقائه. المسارع في مرضاته. ابشر بقرب لقاء الحبيب. فان انه ات وكل ات انما هو قريب. فتزود للقائه. وسر نحوه مستصحبا الرجاء. مأملا الوصول اليه. ولكن ما كل من يدعي يعطى بدعواه. ولا كل من تمنى يعطى ما تمناه فان الله سميع للاصوات. عليم بالنيات. فمن كان صادقا في ذلك انا له وما يرجو ومن كان كاذبا لم تنفعه دعواه وهو العليم بمن يصلح لحبه ومن لا يصلح لنفسه ان الله لغني عن العالمين. ومن جاهد نفسه وشيطانه وعدوه الكافر. فانما يجاهد لنفسه لان نفعه راجع اليه وثمرته عائدة اليه. والله غني عن العالمين. لم يأمرهم بما امرهم به لينتفع به ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا عليهم. وقد علم ان الاوامر والنواهي يحتاج المكلف فيها الى جهاد. لان نفسه تتثاقل طبعها عن الخير وشيطانه ينهاه عنه. وعدوه الكافر يمنعه من اقامة دينه كما ينبغي. وكل هذا معارضات تحتاج الى مجاهدات وسعي شديد والذين امنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم. يعني ان الذين من الله عليهم بالايمان والعمل الصالح سيكفر الله عنهم سيئاتهم. لان الحسنات يذهبن السيئات وهي اعمال الخير من واجبات ومستحبات فهي احسن ما يعمل العبد لانه يعمل المباحات ايضا وغيرها ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم لا تطعهما الي مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون. يعني وامرنا الانسان بوالديه حسنا اي ببرهما والاحسان اليهما. بالقول والعمل وان يحافظ على ذلك. ولا يعقهما ويسيء اليهما في قوله وعمله. وان جاهداك لتشرك به ما ليس لك به علم. وليس لاحد علم بصحة الشرك بالله. وهذا تعظيم لامر الشرك. فلا تطعهما الي مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون. فأجازيكم بأعمالكم فبروا اليكم مقدم طاعتهما الا على طاعة الله ورسوله. فانها مقدمة على كل شيء. والذين امنوا وعملوا الصالحات اي من امن بالله وعمل صالحا فان الله وعده ان يدخله الجنة في عباده الصالحين. من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. كل على حسب درجته ومرتبته عند الله. فالايمان الصحيح والعمل الصالح عنوان على سعادة صاحبه وانه من اهل الرحمن والصالحين من عباد الله تعالى ومن الناس من يقول امنا بالله. لما ذكر تعالى انه لابد ان يمتحن من ادعى الايمان. ليظهر الصادق من الكاذب بين تعالى ان من الناس فريقا لا صبر لهم على المحن ولا ثبات لهم على بعض الزلازل. فقال ومن الناس من يقول امين امنا بالله فاذا اوذي في الله بضرب او اخذ مال او تعيير ليرتد عن دينه وليراجع الباطل جعل فتنة الناس كعذاب الله ان يجعلها صادة له عن الايمان والثبات عليه كما ان العذاب صاد عما هو سببه ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم بانه موافق للهوى. فهذا الصنف من الناس من الذين قال الله فيهم ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين. حيث خبركم بهذا الفريق الذي حاله كما وصف لكم فتعرفون بذلك كمال علمه وسعة حكمته اي فلذلك قدر محنا وابتلاء ليظهر علمه فيهم فيجازيهم بما ظهر منهم فبما يعلمه بمجرده لانهم قد يحتجون على الله انهم لو ابتلوا لثبتوا. وقال الذين كفروا للذين وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء انهم لكاذبون. يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين الى دينهم. وفي ضمن ذلك تحذير المؤمنين من الاغترار به بهم والوقوع في مكرهم. فقال وقال الذين كفروا للذين امنوا اتبعوا سبيلنا. فاتركوا دينكم او بعضه. واتبعونا في ديننا فاننا نضمن لكم الامر ولنحمل خطاياكم. وهذا الامر ليس بايديهم. فلهذا قال وما هم بحاملين من خطأ خطاياهم من شيء انهم لكاذبون. وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء. لا قليل ولا كثير. فهذا هذا التحمل ولو رضي به صاحبه فانه لا يفيد شيئا فان الحق لله والله تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه الا بامر وحكمه وحكمه الا تزر وازرة وزر اخرى. ولما كان قوله وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء. قد يتوهم وايضا ان الكفار الداعين الى كفرهم ونحوهم ممن دعا الى باطله. ليس عليهم الا ذنبهم الذي ارتكبوه دون الذنب الذي فعله غيرهم ولو كانوا متسببين فيه. فقال مخبرا عن هذا الوهم وليحملن اثقالهم اي اثقال ذنوبهم التي عملوها واثقالا مع اثقالهم. وهي الذنوب التي بسببهم من جرائهم فالذنب الذي فعله التابع. لكل من التابع والمتبوع حصته منه. هذا لانه فعله وباشره. والمتبوع لانه تسبب في فعله ودعا اليه. كما ان الحسنة اذا فعلها التابع له اجرها بالمباشرة. وللداعي اجره بالتسبب من الشر وتزينه وقولهم ولنحمل خطاياكم فاخذهم الطوفان وهم ظالمون. يخبر تعالى عن حكمه وحكمته في عقوبة الامم المكذبة. وان الله ارسل عبده ورسوله نوحا عليه الصلاة والسلام الى قومه. يدعوهم الى التوحيد وافراد الله بالعبادة. والنهي عن الانداد والاصنام. فلبث فيهم نبيا داعيا الف سنة الا خمسين عاما. وهو لا يني بدعوتهم. ولا يفتر في نصحهم. يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا. فلم يرشدوا ولم اهتدوا بل استمروا على كفرهم وطغيانهم. حتى دعا عليهم نبيهم نوح عليه الصلاة والسلام. مع شدة صبره وحلمه واحتماله. فقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. فاخذهم الطوفان اي الماء الذي نزل من السماء بكثرة ونبع من الارض بشدة وهم ظالمون مستحقون للعذاب انها اية للعالمين. فانجيناه اصحاب السفينة الذين ركبوا معه. اهله ومن امن به. وجعلناها اي في السفينة او قصة نوح اية للعالمين يعتبرون بها على ان من كذب الرسل اخر امره الهلاك وان المؤمنين سيجعل الله لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا. وجعل الله ايضا السفينة اي جنسها اية للعالمين. يعتبرون بها رحمة ربهم الذي قيد لهم اسبابها ويسر لهم امرها. وجعلها تحملهم وتحمل متاعهم من محل الى محل. ومن قطر الى قطر واتقوا ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. يذكر على انه ارسل خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام الى قومه يدعوهم الى الله. فقال لهم اعبدوا الله اي وحدوه واخلصوا له العبادة وامتثلوا ما امركم به. واتقوه ان يغضب عليكم. فيعذبكم. وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي. ذلكم اي عبادة الله وتقوىه خير لكم من ترك ذلك. وهذا من باب اطلاق افعال التفضيل. بما ليس في الطرف الاخر منه شيء. فان ترك عبادة الله وترك ولا خير فيه بوجه. وانما كانت عبادة الله وتقواه خيرا للناس. لانه لا سبيل الى نيل كرامته في الدنيا والاخرة الا بذلك. وكل خير يوجد في الدنيا والاخرة. فانه من اثار عبادة الله وتقواه. ان كنتم تعلمون ذلك اعلموا الامور وانظروا ما هو اولى بالايثار. فلما امرهم بعبادة الله وتقواه نهاهم عن عبادة الاصنام. وبين لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية فقال تنحتونها وتخلقونها بايديكم وتخلقون لها اسماء الالهة وتختلقون الكذب بالامر بعبادتها والتمسك بذلك الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق ان الذين تدعون من دون الله في نقصه. وانه ليس فيه ما يدعو الى عبادته. لا يملكون لكم رزقا. فكأنه قيل قد بان لنا ان هذه الاوثان مخلوقة ناقصة. لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وان من هذا وصفه لا يستحق ادنى ادنى ادنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله. والقلوب لا بد ان تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها. فقال لهم على من يستحق العبادة. فابتغوا عند الله الرزق فانه هو الميسر له المقدر المجيب لدعوة من دعاه في امر دينه ودنياه واعبدوه وحده لا شريك له. لكونه الكامل النافع الضار. المتفرد بالتدبير. واشكروا له وحده. لكون جميع ما وصل ويصل الى الخلق من النعم فمنه وجميع من دفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها. يجازيكم على ما عملتم وينبئكم بما اسررتم وما اعلنتم. فاحذروا القدوم عليه وانتم على شرككم. وارغبوا فيما يقربكم اليه. ويثيبكم عند القدوم عليه اولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده. او لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده يوم القيامة ان ذلك على الله يسير. كما قال الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم عيده وهو اهون عليه قل لهم ان حصل معهم ريب وشك في الابتداء سيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم فانظروا كيف بدأ الخلق. فانكم ستجدون امما من الادميين والحيوانات. لا تزال توجد شيئا فشيئا. وتجدون النبات والاشجار كيف تحدث وقتا بعد وقت؟ وتجدون السحاب والرياح ونحوها مستمرة في تجددها بل الخلق دائما في بدء واعادة. فانظر اليهم وقت موتتهم الصغرى النوم وقد هجم عليهم الليل بظلامه فسكنت منهم الحركات وانقطعت منهم الاصوات وصاروا في فرشهم ومأواهم ميتين ثم انهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم حتى انفلق الاصباح فانتبهوا من رقدتهم وبعثوا من موتتهم قائلين الحمد لله الذي احيانا بعد ما اماتنا واليه النشور. ولهذا قال اتى الاخرة. ثم الله بعد الاعادة ينشئ النشأة الاخرة. وهي النشأة التي لا تقبل موتا ولا نوما. وانما هو الخلود والدوام في احدى الدارين. فقدرته تعالى لا يعجزها شيء وكما قدر بها على ابتداء الخلق فقدرته على الاعادة من باب اولى واحرى ويرحم من يشاء. اي هو المنفرد بالحكم الجزائي. وهو اثابة الطائعين ورحمتهم. وتعذيب والتنكيل بهم واليه تقلبون اي ترجعون الى الدار التي بها تجري عليكم احكام عذابه رحمته فاكتسبوا في هذه الدار ما هو من اسباب رحمته من الطاعات. وابتعدوا من اسباب عذابه وهي المعاصي بمعجزين في الارض ولا في السماء ايا هؤلاء المكذبون المتجرؤون على المعاصي لا تحسبوا انه مغفور عنكم او معجزون لله في الارض ولا في السماء فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم انفسكم من النجاة من عذاب الله. فلستم بمعجزين الله في جميع اقطار العالم ولا نصير. وما لكم من دون الله من ولي يتولاكم. فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. ولا ينصركم في دفع عنكم المكاره اولئك يئسوا من رحمتي واولئك لهم عذاب اليم. يخبر تعالى من هم الذين زال عنهم الخير وحصل لهم الشر وانهم الذين كفروا به وبرسله وبما جاءوهم به. وكذبوا بلقاء الله فليس عندهم الا الدنيا. فلذلك اقدموا ما اقدموا عليه من الشرك والمعاصي. لانه ليس في قلوبهم ما يخوفهم من عاقبة ذلك. ولهذا قال تعالى اي فلذلك لم يعملوا سببا واحدا يحصلون به الرحمة. والا لو طمعوا في رحمته لعملوا لذلك اعمال والاياس من رحمة الله من اعظم المحاذير. وهو نوعان. قياس الكفار منها وتركهم جميع سبب يقربهم منها. واياس العصاة بسبب كثرة جناياتهم اوحشتهم فملكت قلوبهم فاحدث لها الاياس عذاب اليم اي مؤلم موجع وكأن هذه الايات معترضات بين كلام ابراهيم عليه السلام قومه وردهم عليه. والله اعلم بذلك اي فما كان مجاوبة قوم إبراهيم إبراهيم حين دعاهم إلى ربه قبول دعوته والإهتداء بنصحه ورؤية نعمة الله عليهم بإرساله إليهم وإنما كان عقوبتهم له شر مجاوبة. قالوا اقتلوه او حرقوه اشنع القتلات. وهم اناس مقتدرون لهم السلطان. فالقوه في النار فانجاه الله منها. فيعلمون صحة ما جاءت به الرسل ونصحهم وبطلان قول من خالفهم وناقضهم. وان المعارضين للرسل كانهم تواصوا وحث بعضهم بعضا على التكذيب. وقال وقال لهم ابراهيم في جملة ما قاله من نصحه انما اتخذتم من دون الله اوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا. اي غاية ذلك مودة في الدنيا ستنقطع وتضمن يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا. اي يتبرأ كل من العابدين والمعبودين من الاخر. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. فكيف تتعلقون بمن يعلم انه يتبرأ من عابديه ويلعنهم وان مأوى الجميع العابدين والمعبودين النار وليس احد ينصرهم من عذاب الله ولا سيدفع عنهم عقابه اي لم يزل ابراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه وهم مستمرون على عنادهم. الا انه امن له بدعوته لوط الذي نبأه الله وارسله الى قومه كما سيأتي ذكره. وقال ابراهيم حين رأى ان دعوة قومه لا تفيدهم شيئا. اني مهاجر الى ربي اي هاجر ارض السوء ومهاجر الى الارض المباركة وهي الشام انه هو العزيز الذي له القوة وهو يقدر على هدايتكم. ولكنه حكيم ما اقتضت حكمته ذلك. ولما اعتزلهم وفارقهم وهم بحالهم لم يذكر الله عنهم انه اهلكهم بعذاب. بل ذكر اعتزاله اياهم وهجرته من بين اظهرهم. فاما ما يذكر في الاسرائيليات ان الله تعالى فتح على قومه باب البعوض فشرب دماءهم واكل لحومهم واتلفهم عن اخرهم فهذا يتوقف الجزم به على الدليل ولم يوجد فلو كان الله استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر اهلاك الامم المكذبة. ولكن لعل من اسرار ذلك ان الخليل عليه السلام ارحم الخلق وافضلهم واحلامهم واجلهم. فلم يدعوا على قومه كما دعا غيره. ولم يكن الله ليجري بسببه عذابا عاما. ومما يدل على ذلك انه رادع الملائكة في اهلاك قوم لوط وجادلهم ودافع عنهم وهم ليسوا قومه والله اعلم بالحال اسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتابة ووهبنا له اسحاق ويعقوب اي بعدما هاجر الى الشام وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب فلم يأت بعده نبي الا من ذريته ولا نزل كتاب الا على ذريته حتى ختموا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم اجمعين. وهذا من اعظم المناقب والمفاخر ان تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح في ذريته وعلى ايديه مهتدى المهتدون وامن المؤمنون وصلح الصالحون واتينا واجره في الدنيا واتيناه اجره في الدنيا من الزوجة الجميلة فائقة الجمال والرزق الواسع والاولاد الذين بهم قرت عينه ومعرفة الله ومحبته والانابة اليه. وانه في الاخرة لمن الصالحين. بل هو محمد صلى الله عليه وسلم افضل الصالحين على الاطلاق واعلاهم منزلة. فجمع الله له بين سعادة الدنيا والاخرة ولوطا لقومه انكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين تقدم ان لوطا عليه السلام امن لابراهيم. وصار من المهتدين به. وقد ذكروا انه ليس من ذرية ابراهيم. وانما هو ابن اخي ابراهيم قوله تعالى وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وان كان عاما فلا يناقض كون لوط نبيا رسولا وهو ليس من ذريته. لان الايات لتجيء بها لسياق المدح والثناء على الخليل. وقد اخبر ان لوط اهتدى على يديه. ومن اهتدى على يديه اكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة الى فضيلته الهادي والله اعلم فارسل الله لوطا الى قومه وكانوا مع شركهم قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور وتقطيع السبيل وفشو المنكرات في مجالسهم فنصح لوط عن هذه الامور. وبين لهم قبائحها في نفسها. وما تؤول اليه من العقوبة البليغة. فلم يرعوه ولم يتذكروا فايس منهم نبيهم كلمة استحقاقهم العذاب وجزع من شدة تكذيبهم له فدعا عليهم ولما جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا انا مهلك اهل هذه القرية ان اهلها كانوا ظالمين. قال ربي انصرني على القوم المفسدين. فاستجاب الله دعاءه. فارسل الملائكة لاهلاكهم فمروا بابراهيم قبل وبشروهم باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب. ثم سألهم ابراهيم اين يريدون؟ فاخبروه انهم يريدون اهلاك قوم لوط فجعل يراجعهم ويقول ان فيها لوطا فقالوا له نجينه واهله الا امرأته كانت من الغابرين ثم ضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن. وقالوا لا تخف ولا تحزن انا منجوك واهلك ثم مضوا حتى اتوا لوطا فساءه مجيئهم وضاق بهم ذرعا. بحيث ان انه لم يعرفهم وظن انه من جملة ابناء السبيل الضيوف فخاف عليهم من قومه فقالوا له لا تخف ولا تحزن واخبروه انهم رسل كن على اهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ان منزلون على اهل هذه القرية رجزا اي عذابا من السماء بما كانوا يفسقون. فامروه ان يسري باهله ليلا. فلما اصبحوا غلب الله عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها وامطر عليهم حجارة من سجيل متتابعة حتى ابادتهم واهلكتهم فصاروا ثمرا من الاسمار وعبرة من العبر اي تركنا من ديار قوم لوط اثارا بينة لقوم يعقلون العبر بقلوبهم فينتفعون بها كما قال الله الله تعالى وانكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل افلا تعقلون قال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الاخر ولا تعسوا في الارض مفسدين. فكذبوه فاخذتهم الرجح اي وارسلنا الى مدين القبيلة المعروفة المشهورة شعيبا فامرهم بعبادة لله وحده لا شريك له والايمان بالبعث ورجائه والعمل له. ونهاهم عن الافساد في الارض ببخس المكاييل والموازين والسعي بقطع الطرق فكذبوه فاخذهم عذاب الله من مساكنهم وزين لهم الشيطان اعمالهم. وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. اي وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود. وقد علمتم قصصهم وتبين لكم بشيء تشاهدونه بابصاركم من مساكنهم واثارهم التي بانوا عنها وقد جاءتهم رسلهم بالايات البينات المفيدة للبصيرة فكذبوه وجادلوهم وزين لهم الشيطان اعمالهم. حتى ظنوا انها افضل مما جاءتهم به الرسل. وقارون وفناؤون بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين وكذلك قارون وفرعون وهامان حين بعث الله اليه موسى ابن عمران بالايات البينات والبراهين الساطعات فلم ينقادوا واستكبروا في الارض ارض على عباد الله فاذلوهم. وعلى الحق فردوه فلم يقدروا على النجاح حين نزلت بهم العقوبة. وما كانوا سابقين وما كانوا سابقين الله ولا فائتين. بل سلموا واستسلموا. فكلا من هؤلاء الامم المكذبة اخذنا بذنبه على قدره وبعقوبة مناسبة له. اي عذاب من يحسبهم كقوم عاد حين ارسل الله عليهم الريح العقيم وسخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية ومنهم من اخذته الصيحة كقوم صالح ومنهم من خسفنا به الارض كقارون ومنهم من اغرق كفرعون وهامان وجنودهما وما كان الله اي ما ينبغي ولا يليق به تعالى ان يظلمهم. لكمال عدله وغناه التام عن جميع الخلق ولكن كانوا انفسهم يظلمون. منعوها حقها التي هي بصدده. فانها مخلوقة لعبادة الله وحده. فهؤلاء وضعوها في غير موضعه واشغلوها بالشهوات والمعاصي فضروها غاية الضرر من حيث ظنوا انهم ينفعونها من دون الله اولياءك مثل العنكبوت اتخذت بيتا. وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت قتلوا كانوا يعلمون. هذا مثل ضربه الله لمن عبد معه غيره. يقصد به التعزز والتقوي والنفع. وان الامر بخلاف في مقصوده فان مثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والافات وان اوهن البيوت اضعفها واوهاها لبيت العنكبوت. فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة وبيتها من اضعف البيوت. فما ازدادت باتخاذه الا ضعفا. كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه اولياء. فقراء عاجزون من جميع الوجوه وحين اتخذوا الاولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم. ازدادوا ضعفا الى ضعفهم ووهنا الى وهنهم. فانهم اتكلوا عليهم في كثير كثير من مصالحهم والقوها عليهم وتخلوهم عنها على ان اولئك سيقومون بها فخذلوهم فلم يحصلوا منهم على طائل ولا انالوهم من معونته اقل نائل. فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم حالهم وحال من اتخذوهم. لم يتخذوهم ولتبرأوا منهم ولو الرب القادر الرحيم الذي اذا تولاه عبده وتوكل عليه كفاه مؤنة دينه ودنياه وازداد قوة الى قوته في قلبه وفي بدنه وحاله واعماله. ولما بين نهاية ضعف الهة المشركين. ارتقى من هذا الى ما هو ابلغ منه. وانها ليست بشيء. بل هي مجرد اسماء فان سموها وظنون اعتقدوها وعند التحقيق يتبين للعاقل بطلانها وعدمها. ولهذا قال يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم. ان الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء اي انه تعالى يعلم وهو عالم الغيب والشهادة انهما يدعون من دون الله شيئا موجودا ولا الها له حقيقة كقوله تعالى ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان وقوله وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وانهم الا يخرصون. وهو العزيز الحكيم الذي له القوة جميعا التي قهر بها جميع المخلوقات. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. الذي احسن كل شيء خلقه. واتقن ما امره كالامثال نضربها الا العالمون. وتلك الامثال نضربها للناس اي اجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم. لكونها من الطرق الموضحة للعلوم. ولانها تقرب الامور المعقولة بالامور المحسوسة. فيتضح المعنى المطلوب بسببها فهي مصلحة لعموم الناس. ولكن ما يعقلها بفهمها وتدبرها وتطبيقه على ما ضربت له وعقلها في القلب الا العالمون. اي اهل العلم الحقيقي الذين وصل العلم الى قلوبهم. وهذا مدح للأمثال التي يضربها وحث على تدبرها وتعقلها ومدح لمن يعقلها. وانه عنوان على انه من اهل العلم. فعلم ان من لم اعقلها ليس من العالمين. والسبب في ذلك ان الامثال التي يضربها الله في القرآن انما هي للامور الكبار والمطالب العالية والمسائل الجليلة فاهل العلم يعرفون انها اهم من غيرها لاعتناء الله بها وحثه عباده على تعقلها وتدبرها فيبذل جهدهم في معرفتها. واما من لم يعقلها مع اهميتها فان ذلك دليل على انه ليس من اهل العلم. لانه اذا لم يعرف المسائل المهمة فعدم معرفته غيرها من باب اولى واحرى. ولهذا اكثر ما يضرب الله الامثال في اصول الدين ونحوها خلق الله السماوات والارض بالحق ان في ذلك لاية للمؤمنين. اي هو تعالى المنفرد خلق السماوات على علوها وارتفاعها وسعتها وحسنها. وما فيها من الشمس والقمر والكواكب والملائكة. والارض وما فيها من الجبال والبحار والبرد والقفار والاشجار ونحوها. وكل ذلك خلقه بالحق. اي لم يخلقها عبثا ولا سدى. ولا لغير فائدة وانما خلقها ليقوم هو شرعه ولتتم نعمته على عباده. وليروا من حكمته وقهره وتدبيره. ما يدلهم على انه وحده معبودهم ومحبوبهم والههم على كثير من المطالب الايمانية اذا تدبرها المؤمن رأى ذلك فيها عيان يأمر تعالى بتلاوة يحيه وتنزيله وهو هذا الكتاب العظيم. ومعنى تلاوته اتباعه بامتثال ما يأمر به واجتناب ما ينهى عنه. والاهتداء بهداه اخباره وتدبر معانيه وتلاوة الفاظه. فصار تلاوة لفظه جزء المعنى وبعضه. واذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب علم ان اقامة الدين كله داخلة في تلاوة الكتاب. فيكون قوله واقم الصلاة من باب عطف الخاص على العام. لفضل الصلاة وشرفها واثارها الجميلة وهي والفحشاء كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس. والمنكر كل معصية تنكرها العقول والفطر. ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ان العبد المقيم لها المتمم لاركانها وشروطها وخشوعها يستنير قلبه ويتطهر فؤاده ويزداد ايمانه وتقوى رغبته في الخير وتقل او تعدم رغبته في الشر. فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر فهذا من اعظم مقاصدها وثمراتها. وثمة في الصلاة مقصود اعظم من هذا واكبر. وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن فان الله تعالى انما خلق الخلق لعبادته وافضل عبادة تقع منهم الصلاة وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيره ولهذا قال ويحتمل انه لما امر بالصلاة ومدحه اخبر ان ذكره تعالى خارج الصلاة اكبر من الصلاة. كما هو قول جمهور المفسرين. لكن الاول اولى. لان الصلاة افضل من خارجها ولانها كما تقدم بنفسها من اكبر الذكر. والله يعلم ما تصنعون من خير وشر فيجازيكم على ذلك اكمل الجزاء واوفى