كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حق حقا على المتقين. اي فرض الله عليكم يا معشر المؤمنين اذا حضر احدكم الموت اي اسبابه كالمرض المشرف على الهلاك وحضور اسباب المهالك وكان قد ترك خيرا اي مالا وهو المال الكثير عرفا. فعليه ان يوصي لوالديه واقرب الناس اليه بالمعروف على قدر حاله من غير سرف ولا اتصال على الابعد دون الاقرب. بل يرتبهم على القرب والحاجة. ولهذا اتى فيه بافعال التفضيل. وقوله حقا على المتقين دل على وجوب ذلك لان الحق هو الثابت. وقد جعله الله من موجبات التقوى. واعلم ان جمهور المفسرين يرون ان ان هذه الاية منسوخة باية المواريث. وبعضهم يرى انها في الوالدين والاقربين غير الوارثين. مع انه لم يدل على التخصيص بذلك دليل والاحسن في هذا ان يقال ان هذه الوصية للوالدين والاقربين مجملة ردها الله تعالى الى العرف الجاري. ثم ان الله تعالى قدر للوالد لدين الوارثين وغيرهما من الاقارب الوارثين هذا المعروف في ايات المواريث بعد ان كان مجملا وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين ممنوعين من الارث وغيرهما ممن حجب بشخص او وصف. فان الانسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم احق الناس ببره. وهذا القول تتفق عليه الامة ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين. لان كلا من القائلين بهما كل منهم لاحظ ملحظا واختلف المورد. فبهذا جمع يحصل الاتفاق والجمع بين الايات. لانه مهما امكن الجمع كان احسن من ادعاء النسخ الذي لم يدل عليه دليل صحيح. ولما كان اوصي قد يمتنع من الوصية لما يتوهمه ان من بعده قد يبدل ما وصى به. قال تعالى ان الله سميع عليم ان الله غفور رحيم فمن بدله اي الاساءة للمذكورين او غيرهم بعد ما سمعه اي بعدما عقله وعرف طرقه وتنفيذه فانما اثمه على الذين يبدلونه. والا فالموصي وقع اجره على الله. وانما الاثم على المبدل المغير. ان الله سميع. يسمع سائر الاصوات ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته. فينبغي له ان يراقب من يسمعه ويراه. وان لا يجور في وصيته. عليم بنيته وعليم بعمل الموصى اليه. فاذا اجتهد الموصي وعلم الله من نيته ذلك. اثابه ولو اخطأ. وفيه التحذير للموصى اليه من التبديل فان الله عليم به مطلع على ما فعله. فليحذر من الله هذا حكم الوصية العادلة. واما الوصية التي فيها حيف وجنف واثم ينبغي لمن حضر الموصي وقت الوصية بها ان ينصحه بما هو الاحسن والاعدل. وان ينهاه عن الجور والجنف وهو الميل بها عن خطأ. من غير تعمد والاثم وهو التعمد لذلك. فان لم يفعل ذلك فينبغي له ان يصلح بين الموصى اليهم. ويتوصل الى العدل بينهم على وجه التراضي والمصالحة ووعظهم لتبرئة ذمة ميتهم. فهذا قد فعل معروفا عظيما. وليس عليه اثم. كما على مبدل الوصية الجائزة. ولهذا قال قال ان الله غفور اي يغفر جميع الزلات ويصفح عن التبعات لمن تاب اليه. ومنه مغفرته لمن غض من نفسه وترك بعض حقه لاخيه لان من سامح سامحه الله غفور لميتهم الجائر في وصيته. اذا احتسبوا بمسامحة بعضهم بعضا لاجل براءة ذمته. رحيم بعباده حيث شرع لهم كل امر به يتراحمون ويتعاطفون. فدلت هذه الايات على الحث على الوصية وعلى بيان من هي له. وعلى وعيد بدل الوصية العادلة والترغيب في الاصلاح في الوصية الجائرة