المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي فليأخذوا حذرهم واسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتم ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى واذا كنت فيهم اقمت لهم الصلاة اي صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم. فعلمه ما ينبغي لك ولهم فعله. ثم فسر ذلك بقوله فلتقم طائفة منهم معك اي وطائفة قائمة بازاء العدو كما يدل على ذلك ما يأتي. فاذا سجدوا اي الذين معك اي اكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود. وانه ركن من اركانها بل هو اعظم اركانها. فليكونوا من ورائكم ولتأتي اخرى لم يصلوا وهم الطائفة الذين قاموا بازاء العدو فليصلوا معك. دل ذلك على ان الامام يبقى بعد انصراف الطائفة الاولى منتظرا للطائفة الثانية فاذا حضروا صلى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم ثم يسلم بهم وهذا احد الوجوه في صلاة الخوف انها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة. كلها جائزة. وهذه الاية تدل على ان صلاة الجماعة فرض عين من وجهين. احدهما ان الله تعالى امر بها في هذه الحالة الشديدة وقت اشتداد الخوف من الاعداء وحذر مهاجمتهم. فاذا اوجبها في هذه الحالة الشديدة في حالة الطمأنينة والامن من باب اولى واحرى. والثاني ان المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم. ويعفى فيها عن من الافعال المبطلة في غيرها. وما ذاك الا لتأكد وجوب الجماعة. لانه لا تعارض بين واجب ومستحب. فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الامور اللازمة لاجلها. وتدل الاية الكريمة على ان الاولى والافضل ان يصلوا بامام واحد. ولو تضمن ذلك الاخلال بشيء لا يخل به لو لو ها بعدة ائمة وذلك لاجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم. وليكون ذلك اوقع هيبة في قلوب اعدائهم وامر تعالى باخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف. وهذا وان كان فيه حركة واشتغال من بعض احوال الصلاة. فان فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصلاة والجهاد والحذر من الاعداء الحريصين غاية الحرص على الايقاع بالمسلمين. والميل عليهم وعلى امتعتهم. ولهذا قال تعالى ود الذين لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة. ثم ان الله عذر من له عذر من مرض او مطر. ان يضع سلاحه ولكن مع اخذ الحذر فقال ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا. ومن العذاب المهين ما امر الله به حزبه المؤمنين وانصار دينه الموحدين. من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم ويأخذوهم ويحصروهم ويقعدوا لهم كل مرصد. ويحذروهم في جميع الاحوال. ولا يغفلوا عنهم خشية ان ينالوا الكفار بعض مطلوبهم فيهم فلله اعظم حمد وثناء على ما من به على المؤمنين. وايدهم بمعونته وتعاليمه. التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الاوقات. وفي قوله فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم. يدل على ان هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم الى موضع الحارسين. وان الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الاخرى قبل السلام. لانه اولا ذكر ان الطائفة تقوم معه فاخبر عن مصاحبتهم له ثم اضاف الفعل بعد اليهم دون الرسول. فدل ذلك على ما ذكرناه. وفي قوله ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا يصلوا معك دليل على ان الطائفة الاولى قد صلوا وان جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الامام حقيقة في ركعتهم الاولى وحكما في الاخيرة فيستلزم ذلك انتظار الامام اياهم حتى يكملوا صلاتهم ثم يسلم بهم وهذا ظاهر للمتأمل اي فاذا فرغتم من صلاتكم صلاة الخوف وغيرها. فاذكروا الله في جميع احوالكم وهيئاتكم. ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد. منها ان القلب صلاحه وفلاحه و بالانابة الى الله تعالى في المحبة. وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه. واعظم ما يحصل به هذا المقصود الصلاة التي حقيقتها انها صلة بين العبد وبين ربه. ومنها ان فيها من حقائق الايمان ومعارف ما اوجب ان يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة. ومن المعلوم ان صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف. فامر بجبرها بالذكر بعدها. ومنها ان الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه. ما هو لضعفه. واذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو. والذكر لله والاكثار منه من اعظم مقويات القلب انها ان الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات. سبب للفلاح والظفر بالاعداء. كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فامر بالاكثار منه في هذه الحال الى غير ذلك من الحكم وقوله فاذا اطمأننتم فاقيموا الصلاة. اي اذا امنتم من الخوف واطمأنت قلوبكم وابدانكم. فاتموا صلاتكم على الوجه الاكمل ظاهرا وباطنا باركانها وشروطها وخشوعها وسائر مكملاتها. ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا اي مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها وان لها وقتا لا تصح الا به. وهو هذه الاوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم. واخذوا ذلك عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله صلوا كما رأيتموني اصلي ودل قوله على المؤمنين على ان الصلاة ميزان الايمان. وعلى حسب ايمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل. ويدل ذلك على ان الكفار وان كانوا ملتزمين لاحكام المسلمين كاهل الذمة انهم لا يخاطبون بفروع الدين كالصلاة ولا يؤمرون بها بل ولا تصح منهم ما داموا على كفرهم وان كانوا يعاقبون عليها وعلى سائر الاحكام في الاخرة