ختم عليكم القتال وهو كره لكم ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وعسى ان هذه الاية فيها فرض القتال في سبيل الله. بعدما كان المؤمنون مأمورين بتركه. لضعفهم وعدم احتمالهم لذلك. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة. وكثر المسلمون وقو امرهم الله تعالى بالقتال. واخبر انه مكروه للنفوس. لما فيه من التعب المشقة وحصول انواع المخاوف والتعرض للمتالف. ومع هذا فهو خير محض لما فيه من الثواب العظيم والتحرز من العقاب الاليم والنصر على الاعداء والظفر بالغنائم. وغير ذلك مما هو مرب على ما فيه من الكراهة. وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة فانه شر. لانه يعقب الخذلان وتسلط الاعداء على الاسلام واهله. وحصولا الذل والهوان وفوات الاجر العظيم. وحصول العقاب. وهذه الايات عامة مطردة في ان افعال الخير التي تكرهها النفوس. لما من المشقة انها خير بلا شك. وان افعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة. فهي شر بلا شيء واما احوال الدنيا فليس الامر مطردا. ولكن الغالب على العبد المؤمن انه اذا احب امرا من الامور قيض الله له من الاسباب ما يصرفه عنه انه خير له. فالاوفق له في ذلك ان يشكر الله. ويجعل الخير في الواقع. لانه يعلم ان الله تعالى ارحم بالعبد من نفسه واقدر على مصلحة عبده منه واعلم بمصلحته منه. كما قال تعالى والله يعلم وانتم لا تعلمون. فاللائق بكم ان تمشوا مع اقداره سواء سرتكم او ساءتكم. ولما كان الامر بالقتال لو لم يقيد لشمل الاشهر الحرم وغيرها. استثنى عال القتال في الاشهر الحرم فقال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به. والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل. ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك الجمهور على ان تحريم القتال في الاشهر الحرم منسوخ بالامر بقتال المشركين حيثما وجدوا. وقال بعض المفسرين انه لم ينسخ لان المطلق محمول على المقيد. وهذه الاية مقيدة لعموم الامر بالقتال مطلقا. ولان من جملة مزية الاشهر بل اكبر مزاياها تحريم القتال فيها. وهذا انما هو في قتال الابتداء. واما قتال الدفع فانه يجوز في الاشهر الحرم كما يجوز في البلد الحرام. ولما كانت هذه الاية نازلة بسبب ما حصل لسرية عبدالله بن جحش. وقتلهم عمرو بن الحضرمي. واخذهم اموالهم وكان ذلك على ما قيل في شهر رجب عيرهم المشركون بالقتال بالاشهر الحرم وكانوا في تعييرهم ظالمين. اذ فيهم من القبائح ما بعضه اعظم مما عيروا به المسلمين. قال تعالى في بيان ما فيهم وصد عن سبيل الله اي صد المشركين من يريد الايمان الله وبرسوله وفتنته من امن به وسعيهم في ردهم عن دينهم وكفرهم الحاصل في الشهر الحرام والبلد الحرام الذي هو بمجرده كاف في الشر فكيف وقد كان في شهر حرام وبلد حرام؟ واخراج اهله اي اهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه لانهم احق به من المشركين وهم عماره على الحقيقة. فاخرجوهم منه ولم يمكنوهم من الوصول اليه. مع ان هذا البيت سواء العاكف فيه والباب. فهذه الامور كل واحد منها اكبر من القتل في الشهر الحرام. فكيف وقد اجتمعت فيهم علم انهم فسقة ظلمة في تعييرهم المؤمنين. ثم اخبر تعالى انهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين. وليس غرضهم في اموالهم وقتلهم انما غرضهم ان يرجعوهم عن دينهم ويكونوا كفارا بعد ايمانهم حتى يكونوا من اصحاب السعير. فهم باذلون قدرتهم في ذلك بما امكنهم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وهذا الوصف عام لكل الكفار لا يزالون يقاتلون غيرهم حتى يردوهم عن دينهم وخصوصا اهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين بذلوا الجمعيات ونشروا الدعاة وبثوا الاطباء وبنوا لجذب الامم الى دينهم. وتدخيلهم عليهم كل ما يمكنهم من الشبه التي تشككهم في دينهم. ولكن المرجو من الله تعالى الذي من على المؤمنين بالاسلام واختار لهم دينه القيم واكمل لهم دينه. ان يتم عليهم نعمته بالقيام به اتم القيام. وان يخذل كل من اراد ان يطفئ نوره ويجعل كيدهم في نحورهم وينصر دينه ويعلي كلمته. وتكون هذه الاية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار كما صدقت على من قبلهم ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون. ثم اخبر تعالى ان من ارتد عن الاسلام بان اختار عليه الكفر. واستمر على ذلك حتى مات كافرا. فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. لعدم وجود شرطها وهو الاسلام. واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ودلت الاية بمفهومها ان من ارتد ثم عاد الى الاسلام انه يرجع اليه عمله الذي قبل ردته. وكذلك من تاب من المعاصي فانها تعود اليه اعماله المتقدمة في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله. اولئك هذه الاعمال الثلاثة هي عنوان السعادة والقطب رحى العبودية. وبها يعرف ما مع الانسان من الربح والخسران. فاما الايمان فلا تسأل عن فضيلته. وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين ان اهل السعادة واهل الشقاوة واهل الجنة من اهل النار. وهو الذي اذا كان مع العبد قبلت اعمال الخير منه. واذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل ولا فرض ولا نفل. واما الهجرة فهي مفارقة المحبوب المألوف لرضى الله تعالى. فيترك المهاجر وطنه وامواله واهله وخلانه. تقربا الى الله ونصرة لدينه. واما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة الاعداء. والسعي التام في نصرة دينه بسم الله وقمع دين الشيطان. وهو ذروة الاعمال الصالحة. وجزاؤه افضل الجزاء وهو السبب الاكبر لتوسيع دائرة الاسلام. وخذلان عباد الاصنام وامن المسلمين على انفسهم واموالهم واولادهم. فمن قام بهذه الاعمال الثلاثة على لأوائها ومشقتها. كان لغيرها اشد قياما به وتكميلا. فحقيق بهؤلاء ان يكونوا هم الراجون رحمة الله. لانهم اتوا بالسبب الموجب للرحمة. وفي هذا دليل على ان الرجاء لا يكون الا بعد القيام باسباب السعادة. واما الرجاء المقارن للكسل وعدم القيام بالاسباب. فهذا عجز وتمن وغرور وهو دال على ضعف همة صاحبه ونقص عقله. بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح. ووجود الغلة بلا بذر وسقي. ونحو ذلك وفي قوله اولئك يرجون رحمة الله. اشارة الى ان العبد ولو اتى من الاعمال بما اتى به لا ينبغي له ان يعتمد عليها ويعول عليها بل يرجو رحمة ربه ويرجو قبول اعماله ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه. ولهذا قال والله غفور اي لمن تاب توبة النصوح رحيم وسعت رحمته كل شيء. وعن مجوده واحسانه كل حي. وفي هذه الاية دليل على ان من قام بهذه الاعمال المذكورة حصل له مغفرة الله اذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله. واذا حصلت له المغفرة اندفعت عنه عقوبات الدنيا والاخرة التي هي اثار الذنوب التي قد غفرت واضمحلت اثارها. واذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا والاخرة بل اعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم. فلولا توفيقه اياهم لم يريدوها. ولولا اقدارهم عليها لم يقدروا عليها. ولولا احسانه لم يتمها ويقبلها منهم. فله الفضل اولا واخرا. وهو الذي من بالسبب والمسبب