ولا تحلقوا رؤوسكم حتى وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة واتقوا الله واعلموا ان الله شديد العقاب. يستدل بقوله تعالى واتموا الحج والعمرة. على امور احدها وجوب الحج والعمرة وفرضيتهما. الثاني وجوب اتمامهما باركانهما وواجباتهما. التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله خذوا عني مناسككم. الثالث ان فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة. الرابع ان الحج والعمرة متى يجب اتمامهما بالشروع فيهما؟ ولو كانا نفلا. الخامس الامر باتقانهما واحسانهما. وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما السادس وفيه الامر باخلاصهما لله تعالى. السابع انه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الاشياء حتى يكملهما الا بما استثناه الله وهو الحصر. فلهذا قال فان احصرتم اي منعتم من الوصول الى البيت لتكميلهما بمرض او ضلالة او عدو ونحو ذلك من انواع الحصر الذي هو المنع فما استيسر من الهدي اي فاذبحه ما استيسر من الهدي وهو سبع بدنة او سبع بقرة او شاة يذبحها المحصر ويحلق ويحل من احرامه بسبب الحصر. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. لما هم المشركون عام الحديبية فان لم يجد الهدي فليصم بدله عشرة ايام كما في المتمتع ثم يحل ثم قال تعالى لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله. وهذا من محظورات الاحرام. ازالة الشعر بحلق او غيره. لان المعنى واحد من الرأس او من لان المقصود من ذلك حصول الشعث والمنع من الترفه بازالته. وهو موجود في بقية الشعر. وقاس كثير من العلماء على ازالة شعر تقليم الاظفار بجامع الترفه. ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ الهدي محله. وهو يوم النحر. والافضل ان يكون بعد النحر كما تدل عليه الاية. ويستدل بهذه الاية على ان المتمتع اذا ساق الهدي لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر. فاذا اذا طاف وسعى للعمرة احرم بالحج. ولم يكن له احلال بسبب سوق الهدي. وانما منع تبارك وتعالى من ذلك لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد. وليس عليه في ذلك من ضرر. فاذا حصل الضرر بان كان به اذى من مرض ينتفع رأسه له او قروح او قمل ونحو ذلك فانه يحل له ان يحلق رأسه. ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة ايام. او صدقة على ستة مساكين او نسك ما يجزئ في اضحية فهو مخير. والنسك افضل. فالصدقة في الصيام. ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك من تقليم الاظفار او تغطية الرأس او لبس المخيط او التطيب فانه يجوز عند الضرورة مع وجوب الفدية المذكورة لان القصد من الجميع ازالة ما به يترفه. ثم قال تعالى فاذا امنتم اي بان قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره فمن تمتع بالعمرة الى الحج بان توصل بها اليه وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها فما استيسر من الهدي اي فعليه ما تيسر من الهدي وهو ما يجزئ في اضحية. وهذا دم نسك. مقابلة لحصول النسكين له في السفرة الواحدة. ولانعام الله عليه بحصول بالمتعة بعد فراغ العمرة وقبل الشروع في الحج. ومثلها القران لحصول النسكين له. ويدل مفهوم الاية على ان المفرد للحج ليس عليه هدي ودلت الاية على جواز بل فضيلة المتعة وعلى جواز فعلها في اشهر الحج فمن لم يجد اي الهدي او ثمنه فصيام ثلاثة ايام في الحج اول جوازها من حين الاحرام بالعمرة واخرها ثلاثة ايام بعد النحر ايام رمي الجمار والمبيت بمنى. ولكن الافضل منها ان يصوم السابع والثامن والتاسع. وسبعة اذا رجعتم اي فرغتم من اهل الحج فيجوز فعلها في مكة وفي الطريق. وعند وصوله الى اهله. ذلك المذكور من وجوب الهدي على المتمتع. لمن لم يكن اهله حق انظر المسجد الحرام بان كان عنه مسافة قصر فاكثر. او بعيدا عنه عرفا. فهذا الذي يجب عليه الهدي. لحصول النسكين له في واحد واما من كان اهله من حاضري المسجد الحرام فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك. واتقوا الله اي في جميع اموركم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات. واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الاية. واعلموا ان الله شديد العقاب اي لمن عصاه. وهذا هو الموجب للتقوى فان من خاف عقاب الله ان كف عما يوجب العقاب. كما ان من رجا ثواب الله عمل لما يوصله الى الثواب. واما من لم يخف العقاب ولم يرجو الثواب. اقتحم المحارم. وتجرأ على ترك الواجبات الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان يخبر تعالى ان الحج واقع في اشهر معلومات عند المخاطبين مشهورات بحيث لا تحتاج الى تخصيص. كما احتاج الصيام الى تعيين شهره. وكما بين تعالى اوقات الصلوات الخمس. واما الحج فقد كان من ملة ابراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم. والمراد بالاشهر المعلومات عند جمهور العلماء. شوال قال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهي التي يقع فيها الاحرام بالحج غالبا فمن فرض فيهن الحج اي احرم به لان الشروع يصيره فرضا ولو كان نفلا واستدل بهذه الاية الشافعي ومن تابعه على انه لا يجوز الاحرام بالحج قبل اشهره قلت لو قيل ان فيها دلالة لقول الجمهور بالصحة الاحرام بالحج قبل اشهره لكان قريبا. فان قوله فمن فرض فيهن الحج دليل على ان الفرض قد يقع في الاشهر المذكورة وقد لا يقع فيها والا لم يقيده. وقوله فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اي يجب ان تعظموا الاحرام بالحج وخصوصا الواقع في اشهره. وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث. وهو الجماع ومقدماته والفعلية والقولية خصوصا عند النساء بحضرتهن. والفسوق وهو جميع المعاصي. ومنها محظورات الاحرام. والجدال وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب اليه بما امكن من قربات والتنزه عن مقارفة السيئات. فانه بذلك يكون مبرورا. والمبرور ليس له جزاء الا الجنة. وهذه للاشياء وان كانت ممنوعة في كل مكان وزمان. فانها يتغلظ المنع عنها في الحج. واعلم انه لا يتم التقرب الى الله بترك المعاصي حتى يفعل الاوامر. ولهذا قال تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله. اتى بمن لتنصيص العموم. فكل خير وقربة وعبادة داخل في ذلك. اي فان الله به عليم. وهذا يتضمن غاية الحث على افعال الخير. وخصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيبة فانه ينبغي تدارك ما امكن تداركه فيها من صلاة وصيام وصدقة وطواف واحسان قولي وفعلي. ثم امر تعالى بالتزود في هذا السفر المبارك فان التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين. وكف عن اموالهم سؤالا واستشرافا. وفي الاكثار منه نفع واعانة للمسافرين وزيادة قربة من رب العالمين. وهذا الزاد الذي المراد منه اقامة البنية بلغة ومتاع. واما الزاد الحقيقي يستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه. فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى دار القرار. وهو الموصل لاكمل لذة. واجل نعيم دائما ابدا ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به. الذي هو عرضة لكل شر. وممنوع من الوصول الى دار المتقين. فهذا مدح التقوى ثم امر بها اولي الالباب. فقال واتقوني يا اولي الالباب. ايا اهل العقول الرزينة. اتقوا ربكم الذي تقواه اعظم ما تأمر به العقول وتركها دليل على الجهل وفساد الرأي لما امره تعالى بالتقوى اخبر تعالى ان ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره. ليس فيه حرج اذا لم يشغل عما يجب اذا كان المقصود هو الحج وكان الكسب حلالا منسوبا الى فضل الله. لا منسوبا الى حذق العبد والوقوف مع السبب ونسيان المسبب. فان هذا هو الحرج عينه وفي قوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام. دلالة على امور احدها الوقوف بعرفة وانه كان معروفا انه ركن من اركان الحج. فالافاضة من عرفات لا تكون الا بعد الوقوف. الثاني الامر بذكر الله عند المشعر الحرام وهو المزدلفة. وذلك ايضا معروف يكون ليلة النحر بائتا بها. وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعيا حتى يسفر جدا يدخل في ذكر الله عنده ايقاع الفرائض والنوافل فيه. الثالث ان الوقوف بمزدلفة. متأخر عن الوقوف بعرفة. كما تدل عليه والترتيب الرابع والخامس ان عرفات ومزدلفة كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها واظهارها. السادس ان مزدلفة في الحرم كما قيده بالحرام. السابع ان عرفة في الحل كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة. واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين. ايذكروا الله تعالى كما من عليكم بالهداية بعد الضلال. وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فهذا من اكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم في القلب واللسان واستغفروا الله ان الله غفور رحيم ثم افيضوا من حيث افاض الناس. اي ثم افيضوا من مزدلفة من حيث افاض الناس. من لدن ابراهيم عليه السلام الى الان. والمقصود من هذه الافاضة كان معروفا عندهم وهو رمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي والمبيت بمنى ليالي التشريق وتكميل باقي ولما كانت هذه الافاضة يقصد بها ما ذكر. والمذكورات اخر المناسك. امر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والاكثار من ذكره استغفار للخلل الواقع من العبد في اداء عبادته وتقصيره فيها. وذكر الله شكر الله على انعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة. وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ان يستغفر الله عن التقصير. ويشكره على التوفيق. لا كمن انه قد اكمل العبادة ومن بها على ربه. وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة. فهذا حقيق بالمقت ورد العمل. كما ان الاول بالقبول والتوفيق لاعمال اخر ربنا اتنا في الدنيا وما له في الاخرة من خلق آآ وقنا عذاب النار. اولئك لهم نصيب مما كسبوا. والله سريع الحساب ثم اخبر تعالى عن احوال الخلق وان الجميع يسألونه مطالبهم ويستدفعونه ما يضرهم ولكن مقاصدهم تختلف فمنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا ان يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته وليس له في الاخرة من نصيب لرغبته عنها وقصر همته على الدنيا. ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين. ويفتقر اليه في مهمات دينه ودنياه. وكل من هؤلاء وهؤلاء لهم نصيب من كسبهم وعملهم. وسيجازيهم تعالى على حسب اعمالهم وهماتهم ونياتهم. جزاء دائرا من العدل والفضل. يحمد عليه اكمل حمد واتمه. وفي هذه الاية دليل على ان الله يجيب دعوة كل داع مسلما او كافرا او فاسقا. ولكن ليست اجابته دعاء دعاه دليلا على محبته له وقربه منه. الا في مطالب الاخرة ومهمات الدين. والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحصل وقعه عند العبد من رزق هنيء واسع حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين وراحة وعلم نافع وعمل صالح ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة. وحسنة الاخرة هي السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار. وحصول رضا الله بالنعيم المقيم والقرب من الرب الرحيم. فصار هذا الدعاء اجمع دعاء واكمله. واولاه بالايثار. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به ويحث عليه. واذكروا الله في ايام معدودات يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى. واتقوا الله واعلموا انكم اليه يأمر تعالى بذكره في الايام المعدودات. وهي ايام التشريق الثلاثة بعد العيد. لمزيتها وشرفها وكون بقية احكام المناسك تفعل بها. ولكون الناس اضيافا لله فيها. ولهذا حرم صيامها. فللذكر فيها مزية ليست لغيرها لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ايام التشريق ايام اكل وشرب وذكر لله ويدخل في ذكر الله فيها ذكره عند رمي الجن وعند الذبح والذكر المقيد عقب الفرائض. بل قال بعض العلماء انه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر. وليس ببعيد فمن تعجل في يومين اي خرج من منى ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني فلا اثم عليه. ومن تأخر بان بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد فلا اثم عليه. وهذا تخفيف من الله تعالى على عباده في اباحة كلا الامرين. ولكن من المعلوم انه اذا ابيح كلا الامرين فالتأخر افضل لانه اكثر عبادة. ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره. والحاصل ان الحرج من في عن المتقدم والمتأخر فقط ايده بقوله لمن اتقى اي اتقى الله في جميع اموره واحوال الحج فمن اتقى الله في كل شيء حصل له نفي الحرج في كل شيء. ومن اتقاه في شيء دون شيء كان الجزاء من جنس العمل. واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب معاصيه واعلموا انكم اليه تحشرون. فمجازيكم باعمالكم. فمن اتقاه وجد جزاء التقوى عنده. ومن لم يتقه عاقبه اشد العقوبة فالعلم بالجزاء من اعظم الدواعي لتقوى الله. فلهذا حث تعالى على العلم بذلك