المتر الى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا لنبي له مبعث لنا ملكا قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا وقال لهم نبيهم فقد بعث لكم والله واسع عليم. يقص قال على نبيه قصة الملأ من بني اسرائيل. وهم الاشراف والرؤساء. وخص الملأ بالذكر. لانهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم يتفق فيتبعهم غيرهم على ما يرونه. وذلك انهم اتوا الى نبي لهم بعد موسى عليه السلام. فقالوا له ابعث لنا ملكا اي لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم كما جرت سعادة القبائل اصحاب البيوت كل بيت لا يرضى ان يكون من البيت الاخر رئيس. فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين. ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم وكانت انبياء بني اسرائيل تسوسهم كلما مات نبي خلفه نبي اخر. فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة قال لهم نبيهم هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا؟ اي لعلكم تطلبون شيئا وهو اذا كتب عليكم لا تقومون به. فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها واعتمدوا على عزمهم ونيتهم فقالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا اي شيء اسمعنا من القتال وقد الجئنا اليه بان اخرجنا من اوطاننا وسبيت ثرارينا فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا فكيف مع انه فرض علينا وقد حصل ما حصل. ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة. ولم يقل توكلهم على ربهم. فلما كتب عليهم القتال تولوا فجبنوا عن قتال الاعداء وضعفوا عن المصادمة. وزال ما كانوا عزموا عليه واستولى على اكثرهم الخبر والجبن. الا قليلا منهم فعصى الله وثبتهم وقوى قلوبهم. فالتزموا امر الله ووطنوا انفسهم على مقارعة اعدائه. فحازوا شرف الدنيا والاخرة. واما اكثرهم فظلموا انفسهم وتركوا امر الله. فلهذا قال والله عليم بالظالمين. وقال لهم نبيهم مجيبا لطلبتهم. ان الله قد بعث لكم طالوت كملكة فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض ولكن ابوا الا ان يعترضوا فقالوا ان يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه. ولم يؤت سعة من المال. اي كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب؟ ونحن احق بالملك منك ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الاموال. وهذا بناء منهم على ظن فاسد. وهو ان الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال. ولم يعلموا ان الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها. فلهذا قال لهم نبيهم ان الله عليكم فلزمكم الانقياد لذلك. وزاده الله بسطة في العلم والجسم. اي فضله عليكم بالعلم والجسم. اي بقوة الرأي والجسم الذين بهما تتم امور الملك. لانه اذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب. حصل بذلك الكمال. وماتى فاته واحد من الامرين اختل عليه الامر فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع قوة على غير حكمة ولو كان عالما بالامور وليس له قوة على تنفيذها لم يفيده الرأي الذي لا ينفذه شيئا. والله واسع الفضل. كثير الكرم لا يخص برحمته وبره العام احدا عن احد ولا شريفا عن وضيع ولكنه مع ذلك عليم بمن يستحق الفضل فيضعه فيه فازال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة. لتبيينه ان اسباب الملك متوفرة فيه. وان فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده. ليس له قد ولا لاحسانه صاد وبقية مما ترك ال موسى وال هارون تحمله الملائكة آآ ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين ثم ذكر لهم نبيهم ايضا عن اية حسية يشاهدونها وهي اتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا. وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم وتطمئن تطمئن لها خواطرهم وفيه بقية مما ترك ال موسى وال هارون. فاتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر. فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده. فشربوا منه الا قليلا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله ما برزوا رجال الموت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا اي لما تملك طالوت بني اسرائيل واستقر له الملك تجهزوا لقتال عدوهم. فلما فصلت بجنود بني اسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا. امتحنهم بامر الله ليتبين الثابت المطمئن. ممن ليس كذلك. فقال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته. ومن لم يطعم اي لم يشرب منه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده فلا جناح عليه في ذلك. ولعل الله ان يجعل فيه بركة فتكفيه. وفي للابتلاء ما يدل على ان الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان. فعصى اكثرهم وشربوا من النهر شرب المنهي عنه. ورجعوا على اعقابهم عن قتال عدوهم وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة. اكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول. وتحصل فيه الشقة الكبيرة وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله وتضرعا واستكانة وتبرءا من حولهم وقوتهم وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم. فلهذا قال تعالى فلما جاوزه اي النهر هو اي طالوت والذين امنوا معه هم الذين اطاعوا امر الله ولم يشربوا من النهر شرب المنهي عنه. فرأوا قلتهم وكثرة اعدائهم. قالوا اي قال كثير منهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده لكثرتهم وعددهم وعددهم. قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله اي يستيقنون ذلك وهم اهل الايمان واليقين الراسخ مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم. وامرين لهم بالصبر. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله اي بارادته ومشيئته. فالامر لله تعالى والعزيز من اعزه الله والذليل من اذله الله. فلا تغني الكثرة مع خذلانك ولا تمر القلة مع نصره. والله مع الصابرين بالنصر والمعونة والتوفيق. فاعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله. فوقعت موعظته في قلوبهم واثرت معهم ولهذا لما برزوا لجالوت وجنوده قالوا جميعهم ربنا افرغ علينا صبرا اي قوي قلوبنا واوزعنا الصبر وثبت اقدامنا عن التزلزل والفرار. وانصرنا على القوم الكافرين. منها هنا نعلم ان جالوت وجنوده كانوا كفارا. فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لاتيانهم بالاسباب الموجبة لذلك ونصرهم عليهم اتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء. ولولا دفع الله الناس فهزموهم باذن الله وقتل داوود عليه السلام وكان مع جنود طالوت جالوت اي باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره الله اي اتى الله داود الملك والحكمة. اي من عليه بتملكه على بني اسرائيل مع الحكمة. وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم ولهذا قال وعلمه مما يشاء. من العلوم الشرعية والعلوم السياسية. فجمع الله له الملك والنبوة. وقد كان من قبله من يكون الملك لغيرهم. فلما نصرهم الله تعالى اطمئنوا في ديارهم وعبدوا الله امنين مطمئنين. بخذلان اعدائهم وتمكينهم الارض وهذا كله من اثار الجهاد في سبيله. فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض الارض اي لولا انه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الارض باستيلاء الكفار عليها واقامتهم شعائر الكفر ومنعه من عبادة الله تعالى واظهار دينه. ولكن الله ذو فضل على العالمين. حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم مدافعة عنهم ومكنهم من الارض باسباب يعلمونها واسباب لا يعلمونها. ثم قال تعالى تلك ايات الله نتلوها اعليك بالحق ايات الله نتلوها عليك بالحق اي بالصدق الذي لا ريب فيه المتضمن للاعتبار والاستبصار وبيان حقائق الامور. وانك لمن المرسلين. فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته. التي من حملة ادلتها ما قصه الله علينا من اخبار الامم السابقين. والانبياء واتباعهم واعدائهم. التي لولا خبر الله اياه لما كان عنده علم ذلك من لم يكن في قومه من عنده شيء من هذه الامور. فدل انه رسول الله حقا ونبيه صدقا. الذي بعثه بالحق ودين الحق ليظهره وهو على الدين كله ولو كره المشركون. وفي هذه القصة من الايات والعبر ما يتذكر به اولو الالباب. فمنها ان اجتماع اهل الكلمة والحل والعقل وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به امورهم وفهمه. ثم العمل به اكبر سبب لارتقائهم وحصول مقصودهم. كما وقع الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم. ويلم متفرقهم. وتحصل له الطاعة منهم. ومنها ان الحق كل عرض واوردت عليه الشبه ازداد وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء. لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك اجيبوا باجوبة حصل بها الاقناع وزوال الشبه والريب. ومنها ان العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات. وبفقدهما او فقد احدهما نقصانها وضررها. ومنها ان الاتكال على النفس سبب للفشل والخذلان. والاستعانة بالله والصبر والالتجاء اليه سبب فالاول كما في قولهم لنبيهم وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا. فكأنه نتيجة ذلك انه ما كتب عليهم القتال تولوا. والثاني في قوله ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا. وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم باذن الله. ومنها ان من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب. والصادق من الكاذب والصابر من الجبان وانه لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز. ومنها ان من رحمته وسنته الجارية ان يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين وانه لولا ذلك لفسدت الارض باستيلاء الكفر وشعائره عليها