المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي ثم بعثنا من بعد اولئك الرسل موسى الكليم الامام العظيم الكريم الى قوم عتاة جبابرة وهم فرعون وملأوا من اشرافهم وكبرائهم. فاراهم من ايات الله العظيمة ما لم يشاهد له نظير فظلموا بها بان لم ينقادوا لحقها الذي من لم ينقض له فهو ظالم. بل استكبروا عنها. فانظر كيف كان عاقبة المفسدين. كيف اهلك الله واتبعهم الذم واللعنة في الدنيا ويوم القيامة. بئس الرفد المرفود وهذا مجمل فصله بقوله وقال موسى حين جاء الى فرعون يدعوه الى الايمان. يا فرعون اني رسول من رب العالمين. اي اني رسول من مرسل عظيم. وهو رب العالمين الشامل للعالم العلوي والسفلي. مربي جميع خلقه بانواع التدابير الالهية. التي من جملتها انه لا يتركهم سدى. بل يرسل اليهم الرسل مبشرين ومنذرين. وهو الذي لا يقدر احد ان يتجرأ عليه. ويدعي انه ارسله ولم يرسله. فاذا كان هذا شأنه وانا قد اراني واصطفاني لرسالته. فحقيق علي الا اكذب عليه. ولا اقول عليه الا الحق. فاني لو قلت عليه غير ذلك لعجلني بالعقوبة واخذ اخذ عزيز مقتدر فهذا موجب لان ينقادوا له ويتبعوه. خصوصا وقد جاءهم ببينة من الله واضحة على صحة ما جاء به من الحق فوجب عليهم ان يعملوا بمقصود رسالته ولها مقصودان عظيمان. ايمانهم به واتباعهم له. وارسال بني اسرائيل الشعب الذي فضله الله وعلى العالمين اولاد الانبياء وسلسلة يعقوب عليه السلام الذي موسى عليه الصلاة والسلام واحد منهم. فقال له فرعون فالقى عصاه فالقى موسى عصاه في الارض فاذا هي ثعبان مبين. اي حية ظاهرة تسعى. وهم يشاهدونها. ونزع يده من جيبه فاذا هي بيضاء للناظرين من غير سوء. فهاتان ايتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه. وانه رسول رب العالمين ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل اية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم. فلهذا قال الملأ من قوم فرعون قال الملأ من قوم فرعون حين بهرهم ما رأوا من الايات ولم يؤمنوا وطلبوا لها التأويلات الفاسدة ان هذا لساحر عليم. اي ماهر في سحره ثم خوفوا ضعفاء الاحلام وسفهاء العقول بانه يريد موسى بفعله هذا ان يخرجكم من ارضكم. اي يريد ان يجليكم عن اوطانكم فماذا تأمرون؟ اي انهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم. فان ما جاء به ان لم يقابل بما يبطله ويدحضه. والا دخل في عقول اكثر الناس. فحين اذ انعقد رأيهم الى ان قالوا لفرعون يأتوك بكل ساحر عليم ارجه واخاه اي احبسهما وامهلهما. وابعث في المدائن اناسا يحشرون اهل المملكة ويأتون بكل سحار عليم. اي يجيئون بالسحرة المهرة ليقابلوا ما جاء به موسى. فقالوا يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى. قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى. فتولى فرعون فجمع كيده ثم اتى. وقال هنا وجاء السحرة وجاء السحرة فرعون طالبين من منه الجزاء ان غلبوا فقالوا ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين. فقال فرعون نعم لكم اجر وانكم لمن المقربين. فوعدهم الاجر والتقريب وعلو المنزلة عندهم ليجتهدوا يبذلوا وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى. فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم قالوا على وجه التألي وعدم المبالاة بما جاء به موسى موسى اما ان تلقي ما معك واما ان نكون نحن الملقين. فقال موسى سحروا اعين الناس واسترهبوهم بسحر القوا لاجل ان يرى الناس ما معهم وما مع موسى. فلما القوا حبالهم وعصيهم اذا هي من سحرهم كأن انها حيات تسعى فسحروا اعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم لم يوجد له نظير من السحر واوحينا الى موسى ان القي عصاك فالقاها فاذا هي حية تسعى فتلقف جميع ما يأفكون اي يكذبون به ويموهون. فوقع الحق الحق وبطل ما كانوا يعملون. ووقع الحق اي تبين وظهر واستعلن في ذلك المجمع بطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك اي في ذلك كالمقام وانقلبوا صاغرين اي حقيرين قد اطمحل باطلهم وتلاشى سحرهم ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله واعظم من بين له الحق العظيم اهل الصنف والسحر. الذين يعرفون من انواع السحر وجزئياته ما لا يعرفه غيرهم. فعرفوا ان هذه اية عظيمة من ايات الله لا يدان لاحد بها موسى وهارون. ربي موسى وهارون اي وصدقنا بما بعث به موسى من الايات البينات. فقال لهم فرعون متهددا على الايمان فسوف تعلمون لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف امنتم به قبل ان اذن لكم انا الخبيث حاكما مستبدا على الابدان والاقوال. قد تقرر عنده وعندهم ان قوله هو المطاع. وامره نافذ فيهم. ولا خروج لاحد عن قوله وحكمه وبهذه الحالة تنحط الامم وتضعف عقولها ونفوذها وتعجز عن المدافعة عن حقوقها. ولهذا قال الله عنه فاستخفوا خف قومه فاطاعوه. وقال هنا امنتم به قبل ان اذن لكم. اي فهذا سوء ادب منكم متجرؤ علي. ثم موه على قومه وقال ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها اهلها. اي ان موسى كبيركم الذي علمكم السحر. فتواطأتم انتم وهو على ان فيظهر فتتبعوه. ثم يتبعكم الناس او جمهورهم. فتخرجوا منها اهلها. وهذا كذب يعلمه هو ومن سبر الاحوال ان موسى عليه الصلاة والسلام لم يجتمع باحد منهم. وانهم جمعوا على نظر فرعون ورسله. وان ما جاء به موسى اية الهية. وان السحرة قد بذلوا مجهودهم في مغالبة موسى. حتى عجزوا وتبين لهم الحق فاتبعوه. ثم توعدهم فرعون بقوله فسوف تعلمون ما بكم من العقوبة لاصلبنكم اجمعين. لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف زعم الخبيث انهم مفسدون في الارض. وسيصنع بهم ما يصنع بالمفسدين من تقطيع الايدي والارجل من خلاف. اي اليد اليمنى والرجل اليسرى ثم لاصلبنكم في جذوع النخل لتختزوا بزعمه اجمعين. اي لا افعل هذا الفعل باحد دون احد. بل كلكم سيذوق هذا العذاب وقال السحرة الذين امنوا لفرعون حين تهددهم بايات ربنا لما انا الى ربنا منقلبون. اي فلا نبالي بعقوبتك. فالله خير وابقى. فاقض ما انتقاض وما تنقم منا اي وما تعيب منا على انكارك علينا وتوعدك لنا فليس لنا ذنب الا ان امنا بايات بنا لما جاءتنا فان كان هذا ذنبا يعاب عليه ويستحق صاحبه العقوبة فهو ذنبنا. ثم دعوا الله ان يثبتهم ويصبرهم فقال ربنا افرغ اي افظ علينا صبرا اي عظيما كما يدل عليه التنكير. لان هذه محنة عظيمة تؤدي الى ذهاب النفس فيحتاج فيها من الصبر الى شيء كثير. ليثبت الفؤاد ويطمئن المؤمن على ايمانه. ويزول عنه الانزعاج الكثير. وتوفنا مسلمين. اي القادين لامرك متبعين لرسولك. والظاهر انه اوقع بهم ما توعدهم عليه. وان الله تعالى ثبتهم على الايمان. هذا وفرعون ملأه وعامتهم المتبعون للملأ. قد استكبروا عن ايات الله وجحدوا بها ظلما وعلوا. وقالوا لفرعون مهيجين له على الايقاع بموسى وزاعمين ان ما جاء به باطل وفساد اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض بالدعوة الى الله والى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال التي هي الصلاح في الارض. وما هم عليه هو الفساد. ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون. ويذرك والهتك ان يدعك والهتك وينهى عنك ويصد الناس عن اتباعك. فقال فرعون مجيبا لهم بانه سيدع بني اسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها ويأمن فرعون وقومه بزعمه من ضررهم سنقتل ابنائهم ونستحيي نساءهم اي نستبقيهن فلا نقتلهن. فاذا فعلنا ذلك امنا من كثرتهم وكنا مستخدمين لباقيهم ومسخرين لهم على ما نشاء من الاعمال. وانا فوقهم قاهرون لا خروج لهم عن حكمنا ولا قدرة وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة. فقال موسى لقومه موصيا لهم في هذه الحالة التي لا يقدرون معها على شيء ولا مقاومة للمقاومة الالهية والاستعانة الربانية والعاقبة للمتقين استعينوا بالله اي اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم. ودفع ما يضركم. وثقوا بالله انه سيتم امركم واصبروا اي الزموا الصبر على ما يحل بكم. منتظرين للفرج. ان الارض لله ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها يورثها من يشاء من عباده ان يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته. ولكن العاقبة للمتقين. فانهما ان امتحنوا مدة كابتلاء من الله وحكمة فان النصر لهم والعاقبة الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد انه عند القدرة ان يفعل من الاسباب بالدافعة عنه اذى الغير ما يقدر عليه وعند العجز ان يصبر ويستعين بالله وينتظر الفرج قالوا لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون واذيته اوذينا من قبل ان تأتينا فانهم يصوموننا سوء العذاب. يذبحون ابنائنا ويستحيون نسائنا. ومن بعد ما جئتنا كذلك. فقال له لهم موسى مرجيا لهم الفرج والخلاص من شرهم. عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض. ان يمكنكم فيها ويجعل لكم التدبير فيها فينظر كيف تعملون. هل تشكرون ام تكفرون؟ وهذا وعد انجزه الله لما جاء الوقت الذي اراده الله. قال الله تعالى في بيان ما عامل به ال فرعون في هذه المدة الاخيرة انها على عادته وسنته في الامم ان يأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون لقد اخذنا ال فرعون بالسنين اي بالدهور والجدب ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. اي يتعظون ان ما حل بهم واصابهم معاتبة من الله لهم لعلهم يرجعون عن كفرهم فلم ينجح فيهم ولا افاد بل استمروا على الظلم والفساد الحسنة قالوا لنا هذه وان تصيبهم سيئة يتطيروا بموسى ومن معه. الا انما فاذا جاءتهم الحسنة اي الخصب وادرار الرزق قالوا لنا هذه اي نحن مستحقون لها فلم يشكروا الله عليها وان تصبهم سيئة اي قحط وجدب يتطير بموسى ومن معه ان يقولوا انما جاءنا بسبب مجيء موسى واتباع بني اسرائيل له. قال الله تعالى الا انما طائرهم عند الله اي بقضائه وقدرته. ليس كما قالوا بل ان ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك. بل اكثرهم لا يعلمون. اي فلذلك قالوا ما قال قالوا وقالوا مهما تأتنا به من اية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. وقالوا مبينين لموسى انهم لا يزالون ولا يزولون عن باطلهم. مهما تأتنا به من اية لتسحرنا بها. فما نحن لك بمؤمنين. اي قرر عندنا انك ساحر. فمهما جئت باية جزمنا انها سحر فلا نؤمن لك ولا نصدق. وهذا غاية ما يكون من العناد ان يبلغ بالكافر الى ان تستوي عندهم الحالات سواء نزلت عليهم الايات ام لم تنزل فارسلنا عليهم الطوفان اي الماء الكثير الذي اغرق اشجارهم وزروعهم واضر بهم ضررا كثيرا. والجراد فاكثر اكل ثمارهم وزروعهم ونباتهم والقمل. قيل انه الدباء اي صغار الجراد. والظاهر انه القمل المعروف والضفادع. فملأ توعيتهم واقلقتهم واذتهم اذية شديدة والدم اما ان يكون الرعاف او كما قال كثير من المفسرين ان ماءهم الذي يشربون انقلب دما فكانوا لا يشربون الا دما ولا يطبخون الا بدم. ايات مفصلات اي ادلة وبينات على انهم كانوا كاذبون ظالمين وعلى ان ما جاء به موسى حق وصدق. فاستكبروا لما رأوا الايات وكانوا في سابق امرهم قوما مجرمين. فلذلك الله تعالى بان ابقاهم على الغي والضلال بما عهدنا لك ولنرسلن معك لنرسلن معك بني اسرائيل ولما وقع عليهم الرجز اي العذاب يحتمل ان المراد به الطاعون كما قاله كثير من المفسرين. ويحتمل ان يراد به ما تقدم من الايات. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. فانها وعذاب وانهم كلما اصابهم واحد منها قالوا يا موسى ادعو لنا ربك بما عهد عندك. اي تشفعوا بموسى بما عهد الله عنده من الوحي الشرع لان كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل وهم في ذلك كذبة لا قصد لهم الا زوال ما حل بهم من العذاب وظنوا اذا رفع لا يصيبهم غيره فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغوه. اي الى مدة قدر الله بقاءهم اليها. وليس كشفا مؤبدا. وانما هو هو مؤقت اذا هم يمكثون العهد الذي عاهدوا عليه موسى ووعدوه بالايمان به وارسال بني اسرائيل. فلا امنوا به ولا ارسلوا معه بني اسرائيل بل استمروا على كفرهم يعمهون وعلى تعذيب بني اسرائيل دائبين فانتقمنا منهم اي حين جاء الوقت المؤقت لهلاكهم امر الله موسى ان يسري ببني اسرائيل ليلا. واخبره ان فرعون سيتبعهم هو وجنوده. فارسل فرعون في المدائن حاشرين. يجمعون الناس ليتبعوا بني اسرائيل. وقالوا لهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون. وانهم لنا لعائضون وانا لجميع حاذرون. فاخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم. كذلك واورثناها بني اسرائيل. فاتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون. قال كلا ان معي ربي سيهدين. فاوحينا الى موسى ان اضرب بعصاه هاك البحر فانفلق. فكان كل فرق كالطود العظيم. وازلفنا ثم الاخرين. وانجينا موسى ومن معه اجمعين. ثم اغرقنا اخرين وقال هنا فاغرقناهم في اليم بانهم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين. اي بسبب تكذيبهم بايات الله واعراضهم عن ما دلت عليه من الحق واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في الارض اي بني اسرائيل الذين كانوا خدمة لال فرعون يسومونهم سوء العذاب. اورثهم الله مشارق الارض ومغاربها. والمراد بالارض ها هنا ارض مصر. التي كانوا فيها مستضعفين اذلين اي ملكهم الله جميعها ومكنهم فيها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على اسرائيل بما صبروا. حين قال لهم موسى استعينوا بالله واصبروا. ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة المتقين ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من الابنية الهائلة والمساكين المزخرفة وما كانوا يعرشون. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعلمون. وجاوزنا ببني اسرائيل قوم تجهلون. وجاوزنا ببني اسرائيل البحر بعدما انجاهم الله من عدوهم فرعون وقومه واهلكهم الله وبنو اسرائيل ينظرون. فاتوا اي مروا على قوم يعكفون على اصنام لهم. ان يقيمون عندها ويتبركون بها ويعبدونها فقالوا من جهلهم وسفههم لنبيهم موسى بعدما اراهم الله من الايات ما اراهم. يا موسى اجعل لنا الها كمالهم الهة اي اشرع لنا ان نتخذ اصناما الهة كما اتخذها هؤلاء. فقال لهم موسى انكم قوم تجهلون واي جهل اعظم من من جهل من جهل ربه وخالقه. واراد ان يسوي به غيره ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولهذا قال له موسى ان هؤلاء ما هم فيه وباطل ما كانوا ان هؤلاء ما هم فيه. وباطن ما كانوا يعملون. لان دعاءهم اياها باطل. وهي باطلة بنفسها فالعمل باطل وغايته باطلة قال اغير الله ابغيكم الها؟ اي ااطلب لكم الها غير الله المألوف؟ الكامل في ذاته صفاته وافعاله وهو فضلكم على العالمين. فيقتضي ان تقابلوا فضله وتفضيله بالشكر. وذلك بافراده وحده بالعبادة والكفر ما يدعى من دونه ثم ذكرهم ما امتن الله به عليهم فقال العذاب. يسومونكم سوء العذاب يقتلون واذ انجيناكم من ال فرعون اي من فرعون واله يصومونكم العذاب ان يوجهون اليكم من العذاب اسوأ وهو انهم كانوا يقتلون ابناءكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم النجاة من عذابهم بلاء من ربكم عظيم. اي نعمة جليلة ومنحة جزيلة. اي وفي ذلك العذاب الصادر منهم لكم بلاء من ربكم عليكم عظيم فلما ذكرهم موسى ووعظهم انتهوا عن ذلك. ولما اتم الله نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم وتمكينهم في الارض. اراد تبارك وتعالى ان يتم نعمته عليهم بانزال الكتاب الذي فيه الاحكام الشرعية والعقائد المرضية وقال موسى لاخيه هارون فواعد موسى ثلاثين ليلة واتمها بعشر فصارت اربعين ليلة ليستعد موسى ويتهيأ لوعد الله. ويكون لنزولها موقع كبير لديهم. وتشوق الى انزالها. ولما ذهب موسى الى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني اسرائيل من حرصه عليهم وشفقته. اخلفني في قومي اي كن خليفتي فيهم واعمل فيهم بما كنت اعمل واصلح اي اتبع طريق الصلاح ولا تتبع سبيل المفسدين. وهم الذين يعملون بالمعاصي اليك. قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين ولما جاء موسى لميقاتنا الذي وقتناه له لانزال الكتاب. وكلمه ربه بما كلمه من وحيه وامره ونهيه. تشوق الى رؤية الله ونزعت نفسه لذلك حبا لربه ومودة لرؤيته. فقال ربي ارني انظر اليك. قال الله لن تراني اي لن تقدر الان على رؤية فان الله تبارك وتعالى انشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها ولا يثبتون لرؤية الله وليس في هذا دليل على انهم لا يرونه في الجنة. فانه قد دلت النصوص القرآنية والاحاديث النبوية على ان اهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر الى وجهه الكريم. وانه ينشأهم نشأة كاملة يقدرون معها على رؤية الله تعالى. ولهذا رتب الله الرؤية في هذا هذه الاية على ثبوت الجبل فقال مقنعا لموسى في عدم اجابته للرؤية ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه اذا تجمد الله له فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل الاصم الغليظ جعله دكا. اي انهال مثل الرمل انزعاجا من رؤية الله وعدم ثبوته لها. وخر موسى حين رأى ما رأى صعقا. فتبين له حينئذ انه اذا لم يثبت الجبل لرؤية الله. فموسى او لا الا يثبت لذلك واستغفر ربه لما صدر منه من السؤال الذي لم يوافق موضعا. ولذلك قال سبحانك اي تنزيها لك وتعظيما عما لا يليق بجلالك تبت اليك من جميع الذنوب وسوء الادب معك. وانا اول المؤمنين. اي جدد عليه الصلاة والسلام ايمانه بما كمل الله له مما كان يجهله قبل ذلك. فلما منعه الله من رؤيته بعدما كان متشوقا اليها اعطاه خيرا كثيرا. فقال قال يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي. فخذ ما اتيتك وكنت يا موسى اني اصطفيتك على الناس اي اخترتك واجتبيتك وفضلتك وخصصتك بفضائل عظيمة ومناقب جليلة برسالاتي التي لا اجعلها ولا اخص بها الا افضل الخلق. وبكلامي اياك من غير واسطة. وهذه فضيلة اختص فيها موسى الكليم وعرف بها من بين اخوانه من المرسلين. فخذ ما اتيتك من النعم وخذ ما اتيتك من الامر والنهي بانشراح صدر. وتلقاه وبالقبول والانقياد. وكن من الشاكرين لله على ما خصك وفضلك موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذنا بقوة وامر قومك يأخذوا باحسن ساريكم دار الفاسقين. وكتبنا له في الالواح من كل شيء يحتاج اليه العباد. موعظة ترغب النفوس في افعال الخير وترهبهم من افعال الشر. وتفصيلا لكل شيء من الاحكام الشرعية والعقائد والاخلاق والاداب خذها بقوة اي بجد واجتهاد على اقامتها. وامر قومك يأخذوا باحسنها. وهي الاوامر الواجبة والمستحبة. فانها احسنها وفي هذا دليل على ان اوامر الله في كل شريعة كاملة عادلة حسنة. ساريكم دار الفاسقين. بعدما اهلكهم الله وابقى ديارهم عبرة بعدهم يعتبر بها المؤمنون الموفقون المتواضعون. واما غيرهم فقال عنهم يتكبرون في الارض بغير الحق. وان يروا كل اية لا يؤمنوا بها. وان يروا سبيل ذلك هم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين. ساصرف عن اياتي اي عن الاعتبار في الايات الافقية النفسية والفهم لايات الكتاب الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. اي يتكبرون على عباد الله وعلى الحق. وعلى من جاء به كان بهذه الصفة حرمه الله خيرا كثيرا وخذله. ولم يفقه من ايات الله ما ينتفع به. بل ربما انقلبت عليه الحقائق واستحسن القبيح وان يروا كل اية لا يؤمن بها لاعراضهم واعتراضهم ومحادتهم لله ورسوله. وان يروا سبيل الرشد اي الهدى والاستقامة وهو الصراط الموصل الى الله والى دار كرامته. لا يتخذوه اي لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه. وان يروا سبيل الغي اي الغواية الموصل لصاحبه الى دار الشقاء يتخذوه سبيلا. والسبب في انحرافهم هذا الانحراف. ذلك بانهم كذبوا باياتنا وكانوا عنها غافلين فردهم لايات الله وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها. هو الذي اوجب لهم من سلوك طريق الغي وترك طريق الرشاد ما اوجب والذين كلموا باياتنا ورقاء الاخرة حبطت اعمالهم هل يجزون الا ما كانوا والذين كذبوا باياتنا العظيمة الدالة على صحة ما به رسلنا ولقاء الاخرة حبطت اعمالهم لانها على غير اساس. وقد فقد شرطها وهو الايمان بايات الله والتصديق بجزاءه هل يجزون في بطلان اعمالهم وحصول ضد مقصودهم؟ الا ما كانوا يعملون. فان اعمال من لا يؤمن باليوم الاخر لا يرجو فيها ابواب وليس لها غاية تنتهي اليه. فلذلك اضمحلت وبطلت واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوان. الم ير ولا يهديهم سبيلا. اتخذوه وكانوا ظالمين واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا. صاغه السامري والقى عليه قبضة من اثر الرسول. فصار له خوار وصوت فعبدوه واتخذوه الها. وقال هذا الهكم واله موسى. فنسي موسى وذهب يطلبه. وهذا من سفههم وقلة بصيرتهم كيف اشتبه عليهم رب الارض والسماوات بعجل من انقص المخلوقات. ولهذا قال مبينا انه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية ما يوجب ان يكون اله؟ الم يروا انه لا يكلمهم؟ اي عدم الكلام نقص عظيم؟ فهم اكمل حالة من هذا الحيوان او الجماد الذي لا يتكلم ولا يهديهم سبيلا. اي لا يدلهم طريقا دينيا ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية. لان من المتقرر في العقول والفطر ان اتخاذ اله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من ابطال الباطل واسمج السفه. ولهذا قال اتخذوه وكانوا ظالمين. حيث وضعوا في غير موضعها واشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. وفيه دليل على ان من انكر كلام الله فقد انكر خصائص الهية الله تعالى لان الله ذكر ان عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للالهية قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن ولما رجع موسى الى قومه فوجدهم على هذه الحال واخبرهم بضلالهم ندموا سقط في ايديهم اي من الهم والندم على فعلهم. ورأوا انهم قد ضلوا فتنصلوا الى الله وتضرعوا. وقالوا لان لم يرحمنا ربنا فيدلنا عليه ويرزقنا عبادته. ويوفقنا لصالح الاعمال. ويغفر لنا ما صدر من عبادة العجل. لنكونن من الخاسرين. الذين خسروا والاخرة فلا تشمت بي ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا اي ممتلئ شيئا غضبا وغيظا عليهم لتمام غيرته عليه الصلاة والسلام. وكمال نصحه وشفقته. قال بئس ما خلفتموني من بعدي. اي بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم. فانها حالة تفضي الى الهلاك الابدي والشقاء السرمدي. اعدلتم امر ربكم حيث وعدكم بانزال الكتاب فبادرتم برأيكم الفاسد الى هذه الخصلة القبيحة والقى الالواح اي رماها من الغضب واخذ برأس اخيه هارون يجره اليه وقال له ما منعك اذ رأيتهم ضلوا الا تتبعا افعصيت امري لك بقول اخلفني في قومي اصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. فقال يا ابن امة لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل. ولم ترقب قولي وقال هنا ابن ام هذا ترقيق لاخيه بذكر الام وحدها. والا فهو شقيقه لامه وابيه. ان القوم استضعفوا اي احتقروني حين قلت لهم يا قومي انما فتنتم به. وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري. وكادوا يقتلونني كيف لا تظن بي تقصيرا؟ فلا تشمت بي الاعداء بنهرك لي ومسك اياي بسوء. فان الاعداء حريصون على ان يجدوا علي عثرة. او يطلعوا قولي على زلة ولا تجعلني مع القوم الظالمين فتعاملني معاملتهم. فندم موسى عليه السلام على ما استعجل من صنعه باخيه. قبل ان اعلم براءته مما ظنه فيه من التقصير وقال ربي اغفر لي ولاخي هارون وادخلنا في رحمتك اي في وسطها واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب انها حصن حصين من جميع الشرور. وثم كل خير وسرور. وانت ارحم الراحمين. اي ارحم بنا من كل راحم. ارحم بنا من ابائنا وامهاتنا واولادنا وانفسنا. قال الله تعالى مبينا حال اهل العجل الذين عبدوه ان اتخذوا العجل اي اله سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا. كما اغضبوا ربهم واستهانوا بامره. وكذلك نجد المفترين فكل مفتر على الله كاذب على شرعه. متقول عليه ما لم يقل فان له نصيبا من الغضب من الله والذل في الحياة الدنيا. وقد لهم غضب الله حيث امرهم ان يقتلوا انفسهم. وانه ليرضى الله عنهم الا بذلك. فقتل بعضهم بعضا. وانجلت المعركة عن كثير من القتل ثم تاب الله عليهم بعد ذلك. ولهذا ذكر حكما عاما يدخلون فيه هم وغيرهم. فقال والذي حين عملوا السيئات من شرك وكبائر وصغائر. ثم تابوا من بعدها بان ندموا على ما مضى واقلعوا عنها وعزموا الا يعودوا. وامنوا الله وبما اوجب الله من الايمان به. ولا يتم الايمان الا باعمال القلوب واعمال الجوارح المترتبة على الايمان. ان ربك من بعدها اي بعد هذه الحالة حالة التوبة من السيئات والرجوع الى الطاعات. لغفور يغفر السيئات ويمحوها ولو كانت قراب الارض رحيم بقبول التوبة والتوفيق لافعال الخير وقبولها ولما سكت عن موسى الغضب اي سكن غضبه وتراجعت نفسه وعرف ما هو فيه. اشتغل باهم الاشياء عنده. فاخذ الالواح التي القاها وهي الواح عظيمة المقدار جليلة وفي نسختها اي مشتملة ومتضمنة هدى ورحمة. اي فيها الهدى من الضلالة. وبيان الحق من الباطل. واعمال الخير واعمال الشر والهدى لاحسن الاعمال والاخلاق والاداب. ورحمة وسعادة لمن عمل بها. وعلم احكامها ومعانيها. ولكن ليس كل احد يقبل هدى الله ورحمته وانما يقبل ذلك وينقاد له ويتلقاه بالقبول. الذين هم لربهم يرهبون. اي يخافون منه ويخشونه. واما من لم الله ولا المقام بين يديه. فانه لا يزداد بها الا عتوا ونفورا. وتقوم عليه حجة الله فيها. واختار موسى قومه فلما اخذتهم الرجفة قال ربي لو شئت اهلكتهم اتهلكنا بما فعل السفهاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا آآ انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافلين ولما تاب بنو اسرائيل وتراجعوا الى رشدهم اختار موسى منهم سبعين رجلا من خيارهم ليعتذروا لقومهم عند ربهم ووعدهم الله ميقاتا يحضرون فيه. فلما حضروا قالوا يا موسى ارنا الله جهره. فتجرأوا على الله جراءة كبيرة. واساءوا الادب معه فاخذتهم الرجفة فصعقوا وهلكوا. فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام يتضرع الى الله ويتبتل ويقول ربي لو شئت اهلكتهم من قبل ان يحضروا ويكونوا في حالة يعتذرون فيها لقومهم فصاروا هم الظالمين. اتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ اي ضعفاء العقول؟ سفهاء الاحلام فتضرع الى الله واعتذر بان المتجرئين على الله ليس لهم عقول كاملة. تردعهم عما قالوا وفعلوا. وبانهم حصل لهم يخطر بها الانسان ويخاف من ذهاب دينه. فقال ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء. وتهدي من تشاء. انت ولينا فاغفر وارحمنا وانت خير الغافرين. اي انت خير من غفر واولى من رحم. واكرم من اعطى وتفضل. فكأن موسى عليه الصلاة والسلام قال المقصود يا رب بالقصد الاول لنا كلنا هو التزام طاعتك والايمان بك. وان من حضره عقله ورشده وتم على ما وهبته ومن التوفيق فانه لم يزل مستقيما. واما من ضعف عقله وسفه رأيه. وصرفته الفتنة فهو الذي فعل ما فعل. لذينك السببين مع هذا فانت ارحم الراحمين وخير الغافرين. فاغفر لنا وارحمنا. فاجاب الله سؤاله واحياهم من بعد موتهم. وغفر لهم ذنوبهم. وقال موسى في تمام دعائه. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة قال عذابي يصيب به من ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها عن الذين يتقون ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون. واكتب لنا في هذه الدنيا سنة من علم نافع ورزق واسع وعمل صالح. وفي الاخرة حسنة وهي ما اعد الله لاوليائه الصالحين من الثواب. انا هدنا اليك اي رجعنا مقرين بتقصيرنا منيبين في جميع امورنا. قال الله تعالى عذابي اصيب به من اشاء ممن كان شقيا متعرضا اسبابه ورحمته وسعت كل شيء. من العالم العلوي والسفلي البر والفاجر المؤمن والكافر. فلا مخلوق الا قد وصلت اليه رحمة الله وغمره فضله واحسانه. ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والاخرة. ليست لكل احد. ولهذا قال عنها اكتبها للذين يتقون المعاصي صغارها وكبارها. ويؤتون الزكاة الواجبة مستحقيها. والذين هم باياتنا يؤمنون. ومن امام الايمان بايات الله. معرفة معناها والعمل بمقتضاها. ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. في اصول الدين وفروعه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويضع عنهم وعزروه ونصروه واتبعوا واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون الذين يتبعون الرسول النبي الامي احتراز عن سائر الانبياء فان المقصود بهذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم. والسياق في احوال بني اسرائيل وان الايمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الايمان. وان المؤمنين به المتبعين هم اهل الرحمة المطلقة. التي كتبها الله لهم ووصفه بالامية لانه من العرب الامة الامية التي لا تقرأ ولا تكتب. وليس عندها قبل القرآن كتاب. الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل باسمه وصفته التي من اعظمها واجلها ما يدعو اليه وينهى عنه. وانه يأمرهم بالمعروف وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه. وينهاهم عن المنكر وهو كل ما عرف قبحه في العقول والفطر. فيأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج وصلة الارحام وبر الوالدين والاحسان الى الجار والمملوك. وبذل النفع لسائر الخلق والصدق والعفاف والبر والنصيحة. وما اشبه ذلك وينهى عن الشرك بالله وقتل النفوس بغير حق. والزنا وشرب ما يسكر العقل والظلم لسائر الخلق. والكذب والفجور ونحو ذلك. فاعظم دليل يدل على انه رسول الله ما دعا اليه وامر به ونهى عنه واحله وحرمه. فانه يحل لهم الطيبات من المطاعم والمشارب المناكح ويحرم عليهم الخبائث من المطاعم والمشارب والمناكح والاقوال والافعال. ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم اي ومن وصفه ان دينه سهل سمح ميسر. لا اسر فيه ولا اغلال ولا مشقات ولا تكاليف ثقال. فالذين امنوا به وعز اي عظموه وبجلوه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه. وهو القرآن الذي استضاء به في ظلمات الشك والجهالات. ويقتدى اذا تعارضت المقالات اولئك هم المفلحون. الظافرون بخير الدنيا والاخرة والناجون من شرهما. لانهم اتوا باكبر اسباب فلاح واما من لم يؤمن بهذا النبي الامي ويعزره وينصره. ولم يتبع النور الذي انزل معه. فاولئك هم الخاسرون. ولما دعا اهل التوراة من بني اسرائيل الى اتباعه. وكان ربما توهم متوهم ان الحكم مقصور عليهم. اتى بما يدل على العموم فقال قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذين هم ملك السماوات الذين هم ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت. فامنوا بسم الله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا. اي عربيكم وعجميكم اهل الكتاب منكم وغيرهم. الذي له ملك السماوات والارض يتصرف فيهما باحكامه الكونية والتدابير السلطانية. وباحكامه الشرعية الدينية التي من جملتها ان ارسل اليكم رسولا عظيما يدعوكم الى الله والى دار كرامته. ويحذركم من كل ما يباعدكم منه ومن دار كرامته. لا اله الا هو اي لا معبود فبحق الا الله وحده لا شريك له. ولا تعرف عبادته الا من طريق رسله. يحيي ويميت اي من جملة تدابيره. الاحياء والاماتة التي لا يشاركه فيها احد. الذي جعل الموت جسرا ومعبرا يعبر منه الى دار البقاء. التي من امن بها صدق الرسول محمدا صلى الله وعليه وسلم قطعا. فامنوا بالله ورسوله النبي الامي. ايمانا في القلب متضمنا لاعمال القلوب والجوارح. الذي يؤمن بالله وكلماته اي امنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده واعماله. واتبعوه لعلكم تهتدون في مصالحكم الدينية والدنيوية فانكم اذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا ومن قوم موسى اي جماعة يهدون بالحق وبه يعدلون. اي يهدون به الناس في تعليمهم اياه وفتواهم له. ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم بقضاياهم كما قال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. وفي هذا فضيلة لامة موسى عليه الصلاة والسلام وان الله تعالى جعل منهم هداة يهدون بامره. وكأن الاتيان بهذه الاية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم. فانه تعالى ما ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني اسرائيل المنافية للكمال المناقضة للهداية. فربما توهم متوهم ان هذا يعم جميعهم فذكر تعالى ان منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية وقطعناه اثنتي عشرة اسباطا امما. واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاه قد علم كل اناس مش هنا ولكن كانوا انفسهم يظلمون. وقطعناهم اي قسمناهم اثنتي عشرة اسباطا امما اي اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة. كل بني رجل من اولاد يعقوب قبيلة. واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه اي طلبوا منه ان يدعو الله تعالى ان يسقيهم ماء ان يشربون منه وتشرب منه مواشيهم. وذلك لانهم والله اعلم في محل قليل الماء فاوحى الله لموسى اجابة لطلبتهم ان اضرب بعصاك الحجر. يحتمل انه حجر معين ويحتمل انه اسم جنس. يشمل اي كان فضربه ثم جسد اي انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا جارية سارحة. قد علم كل اناس مشربهم اي قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة وجعل لكل منهم عينا فعلموها واطمئنوا واستراحوا من التعب والمزاحمة والمخاطرة وهذا من تمام نعمة الله عليهم. وظللنا عليهم الغمام فكان يسترهم من حر الشمس. وانزلنا عليهم المن وهو الحلوى والسلوى وهو لحم طير من احسن انواع الطيور والذها. فجمع الله لهم بين الظلال والشراب والطعام الطيب. من الحلوى واللحوم على وجه بالراحة والطمأنينة. وقيل لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم. وما ظلمونا حين لم يشكروا الله ولم يقوموا بما اوجب الله عليهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون. حيث فوتوها كل خير وعرضوها للشر والنقمة. وهذا كان مدة لبسهم في التيه. وان قيل اسكنوا هذه القرية وكلوا منا حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ادخلوا الباب سجدا نغفر لكم اتكم سنزيد المحسنين قيل لهم اسكنوا هذه القرية ايدخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا. وهي اي الياء وكلوا منها حيث شئتم. اي قرية كانت كثيرة اشجار غزيرة الثمار رغيدة العيش. فلذلك امرهم الله ان يأكلوا منها حيث شاءوا. وقولوا حين تدخلون الباب حطة. اي احط ان خطايانا واعف عنا. وادخلوا الباب سجدا. اي خاضعين لربكم مستكينين لعزته. شاكرين لنعمته. فامرهم بالخضوع وسؤال المغفرة ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والاجل. فقال نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين من خير الدنيا والاخرة من السماء بما كانوا يظلمون. فلم يمتثلوا هذا الامر الالهي. بل بدل الذين ظلموا منهم اي عصوا الله واستهانوا بامره قولا غير الذي قيل لهم. فقالوا بدل طلب المغفرة وقولهم حطة حبة في شعيرة واذا بدلوا القول مع يسره وسهولته فتبديلهم للفعل من باب اولى. ولهذا دخلوا وهم يزحفون على استههم. فارسلنا عليهم حين خالفوا امر الله وعصوه رجزا من السماء اي عذابا شديدا. اما الطاعون واما غيره من العقوبات السماوية. وما ظلمهم الله بعقابه وانما كان ذلك بما كانوا يظلمون. اي يخرجون من طاعة الله الى معصيته. من غير ضرورة الجأتهم ولا داع دعاهم سوى الخبث والشر الذي كان كامنا في نفوسهم