واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن. قال اني جاعل قال لا ينال عهد الظالمين يخبر تعالى عن عبده وخليله ابراهيم عليه السلام المتفق على امامته وجلالته. الذي كل من طوائف اهل الكتاب تدعيه. بل ذلك المشركون ان الله ابتلاه وامتحنه بكلمات. اي باوامر ونواهي كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده. ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق الذي ترتفع درجته ويزيد قدره ويزكو عمله. ويخلص ذهبه. وكان من اجلهم في هذا المقام الخليل عليه السلام فاتم ما ابتلاه الله به واكمله ووفاه. فشكر الله له ذلك. ولم يزل الله شكورا. فقال اني جاعلك للناس اماما. ان يقتدون بك في الهدى ويمشون خلفك الى سعادتهم الابدية. ويحصل لك الثناء الدائم والاجر الجزيل. والتعظيم من قل لاحد وهذه لعمر الله افضل درجة تنافس فيها المتنافسون. واعلى مقام شمر اليه العاملون. واكمل حالة حصلها اولو العزم من المرسلين واتباعهم من كل صديق متبع لهم. داع الى الله والى سبيله. فلما اغتبط ابراهيم بهذا المقام وادرك هذا. طلب لذريته لتعلو درجته ودرجة ذريته. وهذا ايضا من امامته ونصحه لعباد الله. ومحبته ان يكثر فيهم المرشدون لله عظمة هذه الهمم العالية والمقامات السامية. فاجابه الرحيم اللطيف واخبر بالمانع من نيل هذا المقام. فقال لا ينال للظالمين اي لا ينال الامامة في الدين. من ظلم نفسه وضرها وحط قدرها. لمنافاة الظلم لهذا المقام. فانه مقام الته الصبر واليقين ونتيجته ان يكون صاحبه على جانب عظيم من الايمان والاعمال الصالحة والاخلاق الجميلة والشمائل السديدة والمحبة التامة والخشية والانابة. فاين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الاية ان غير الظالم سينال الامامة. ولكن مع اتيانه باسبابها ثم ذكر تعالى نموذجا باقيا دالا على امامة ابراهيم. وهو هذا البيت الحرام الذي جعل قصده ركنا من اركان الاسلام. حاطا للذنوب الاثام وفيه من اثار الخليل وذريته ما عرف به امامته وتذكرت به حالته فقال وعهدنا ابراهيم واسماعيل او طهرا او طهرا بيتي طائفين واذ جعلنا البيت مثابة للناس اي مرجعا يتوبون اليه لحصول منافعهم الدينية والدنيوية يترددون اليه ولا يقضون منه وطرا. وجعله امنا يأمن به كل احد حتى الوحش وحتى الجمادات كالاشجار. ولهذا كانوا في الجاهلية على شركهم يحترمونه اشد الاحترام. ويجد احدهم قاتل ابيه في الحرم. فلا يهيجه فلما جاء الاسلام زاده حرمة وتعظيما وتشريفا وتكريما. واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. يحتمل ان يكون المراد بذلك مقام المعروف الذي قد جعل الان مقابل باب الكعبة. وان المراد بهذا ركعتا الطواف يستحب ان تكون خلف مقام ابراهيم. وعليه جمهور المفسرين ويحتمل ان يكون المقام مفردا مضافا. فيعم جميع مقامات ابراهيم في الحج. وهي المشاعر كلها من الطواف والسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والنحر وغير ذلك من افعال الحج. فيكون معنى قوله مصلى اي معبدا اي به في شعائر الحج. ولعل هذا المعنى اولى لدخول المعنى الاول فيه. واحتمال اللفظ له. وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل. اي او اليهما وامرناهما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي. ومن الرجس والنجاسات والاقذار ليكون للطائفين فيه والعكس والركع السجود اي المصلين. قدم الطواف لاختصاصه بالمسجد الحرام. ثم الاعتكاف لان من شرطه المسجد مطلقا. ثم الصلاة مع انها افضل لهذا المعنى. واضاف الباري البيت اليه لفوائد منها ان ذلك يقتضي شدة اهتمام ابراهيم واسماعيل بتطهيره كونه بيت الله فيبذلان جهدهما ويستفرغان وسعهما في ذلك. ومنها ان الاضافة تقتضي التشريف والاكرام. ففي ضمنها امر عباده بتعظيمه وتكريمه. ومنها ان هذه الاظافة هي السبب الجاذب للقلوب اليه اي واذ دعا لهذا البيت ان يجعله الله بلدا امنا ويرزق اهله من انواع الثمرات. ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين تأدبا مع الله. اذ كان دعاؤه الاول فيه الاطلاق. فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم. فلما دعا لهم بالرزق وقيده بالمؤمن. وكان رزق الله شاملا المؤمن والكافر والعاصي والطائع. قال تعالى ومن كفر اي ارزقهم كلهم مسلمهم وكافرهم. اما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله ثم ينتقل منه الى نعيم الجنة. واما الكافر فيتمتع فيه قليلا ثم اضطره. اي الجئه واخرجه مكرها الى عذاب النار وبئس المصير ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. اي واذكر ابراهيم واسماعيل في حالة رفعهما القواعد من البيت الاساس واستمرارهما على هذا العمل العظيم. وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء؟ حتى انهما مع هذا العمل دعوا الله ان يتقبل منهما عملهما حتى يحصل فيه النفع العميم وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. ودعو لانفسهما وذريتهما بالاسلام الذي حقيقته خضوع القلب. وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح. وارنا مناسكنا اي على وجه المشاهدة ليكون ابلغ. يحتمل ان يكون المراد بالمناسك. اعمال الحج كلها كما يدل عليه السياق والمقام. ويحتمل ان يكون المراد ما هو اعم من ذلك وهو الدين كله والعبادات كلها. كما يدل عليه عموم اللفظ. لان النسك التعبد ولكن غلب على الحج تغليبا عرفيا. فيكون حاصل دعائهما يرجع الى التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح. ولما كان العبد مهما كان لابد ان يعترف له التقصير ويحتاج الى التوبة. قال وتب علينا انك انت التواب الرحيم هم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت عزيز الحكيم. ربنا وابعث فيهم اي في ذريتنا رسولا منهم. ليكون ارفع لدرجتهما. والانقاذ له ليعرفوهم حقيقة المعرفة يتلو عليهم اياتك لفظا وحفظا وتحفيظا. ويعلمهم الكتاب والحكمة معنى. ويزكيهم التربية على الاعمال الصالحة والتبري من الاعمال الردية التي لا تزكوا النفوس معها. انك انت العزيز اي القاهر لكل شيء الذي لا يمتنع الى قوته شيء. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فبعزتك وحكمتك ابعث فيهم هذا الرسول. فاستجاب الله لهما. فبعث الله هذا الرسول الكريم الذي رحم الله به ذريتهما خاصة وسائر الخلق عامة. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام انا دعوة ابي ولما عظم الله ابراهيم هذا التعظيم واخبر عن صفاته الكاملة قال تعالى ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين اي ما يرغب عن ملة ابراهيم بعدما عرف من فضله الا من سفه نفسه. اي جهلها وامتهنها ورضي لها بالدون. وباع بصفقة المغبون كما انه لا ارشد واكمل ممن رغب في ملة ابراهيم. ثم اخبر عن حالته في الدنيا والاخرة. فقال ولقد اصطفيناه في الدنيا التي صار بها من المصطفين الاخيار. وانه في الاخرة لمن الصالحين. الذين لهم اعلى الدرجات اذ قال له ربه اسلم قال امتثالا لربه اسلمت لرب العالمين اخلاصا وتوحيدا ومحبة وانابة. فكان التوحيد لله نعته. ثم ورثه في ذريته ووصاهم به. وجعلها كلمة باقية في عقبه. وتوارثت فيهم حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه. فانتم يا بني يعقوب قد وصاكم ابوكم بالخصوص. فيجب وعليكم كمال الانقياد واتباع خاتم الانبياء. قال ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون. يا بني ان الله اصطفى لكم الدين. اي اختاره وتخيره لكم رحمة بكم واحسانا اليكم. فقوموا به واتصفوا بشرائعه وانصبغوا باخلاقه. حتى تستمروا على ذلك. فلا يأتيكم الموت الا وانتم عليه. لان من عاش على شيء مات عليه. ومن مات عليه لا شيء بعث عليه. ولما كان اليهود يزعمون انهم على ملة ابراهيم. ومن بعده يعقوب قال تعالى منكرا عليهم يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي. قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا. الها ام كنتم شهداء؟ اي حضورا؟ اذ حضر يعقوب الموت. اي مقدماته فقال لبنيه على وجه الاختبار ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به. ما تعبدون من بعدي؟ فاجابوه بما قرت به عينه فقالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا. فلا نشرك به شيئا ولا انعدل به احدا ونحن له مسلمون. فجمعوا بين التوحيد والعمل. ومن المعلوم انهم لم يحضروا يعقوب. لانهم لم يوجدوا بعد فاذا لم يحضروا فقد اخبر الله عنه انه وصى بنيه بالحنيفية لا باليهودية. ثم قال تعالى اما كسبت ولكم ما كسبتم لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا تلك امة قد خلت اي مضت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. اي كل له عمله وكل سيجازى بما فعله. لا يؤخذ احد بذنب احد ولا ينفع احدا الا ايمانه وتقواه. فاشتغالكم بهم وادعاؤكم انكم على ملتهم. والرضا بمجرد القول امر فارغ لا حقيقة له. بل الواجب عليكم ان تنظروا حالتكم التي انتم عليها. هل تصلح للنجاة ام لا؟ وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا قلب الملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين. اي دعا كل من من اليهود والنصارى المسلمين الى الدخول في دينهم. زاعمين انهم هم المهتدون وغيرهم ضال. قل لهم مجيبا جوابا شافيا. بل نتبع ابراهيم حنيفا اي مقبلا على الله معرضا عمن سواه قائما بالتوحيد تاركا للشرك والتنديد. فهذا الذي في اتباعه الهداية وفي الاعراض عن ملته الكفر والغواية زنا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. وما اوتي موسى عيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن هذه الاية الكريمة قد اشتملت على جميع ما يجب الايمان به. واعلم ان الايمان الذي هو تصديق القلب التام بهذه واقراره المتضمن لاعمال القلوب والجوارح. وهو بهذا الاعتبار دخل فيه الاسلام وتدخل فيه الاعمال الصالحة كلها. فهي من الايمان اني واثر من اثاره فحيث اطلق الايمان دخل فيه ما ذكر. وكذلك الاسلام اذا اطلق دخل فيه الامام. فاذا قرن بينهما كان الايمان اسما لما في القلب من الاقرار والتصديق. والاسلام اسما للاعمال الظاهرة. وكذلك اذا جمع بين الايمان والاعمال الصالحة. فقوله تعالى قولوا اي بالسنتكم متواطئة عليها قلوبكم. وهذا هو القول التام المترتب عليه الثواب والجزاء. فكما ان النطق باللسان بدون اعتقاد القلب نفاق وكفر. فالقول الخالي من عمل القلب عديم التأثير. قليل الفائدة. وان كان العبد يؤجر عليه. اذا كان خيرا ومعه اصل لكن فرق بين القول المجرد والمقترن به عمل القلب. وفي قوله قولوا اشارة الى الاعلان بالعقيدة. والصدع بها والدعوة دعوتي لها اذ هي اصل الدين واساسه. وفي قوله امنا ونحوه مما فيه صدور الفعل منسوبا الى جميع الامة. اشارة الى انه يجب قال الامة الاعتصام بحبل الله جميعا والحث على الائتلاف. حتى يكون داعيهم واحدا وعملهم متحدا. وفي ضمنه النهي عن وفيه ان المؤمنين كالجسد الواحد. وفي قوله قولوا امنا بالله الى اخر الاية. دلالة على جواز اضافة الانسان الى نفسه الايمان على وجه التقييد بل على وجوب ذلك. بخلاف قوله انا مؤمن ونحوه فانه لا يقال الا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة لما فيه من تزكية النفس والشهادة على نفسه بالايمان. فقوله امنا بالله اي بانه موجود واحد احد تصف بكل صفة كمال منزه عن كل نقص وعيب. مستحق لافراده بالعبادة كلها. وعدم الاشراك به في شيء منها بوجه من الوجوه وما انزل الينا يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة فيدخل فيه الايمان بما تضمنه كتاب والله وسنة رسوله من صفات الباري وصفات رسله واليوم الاخر والغيوب الماضية والمستقبلة والايمان بما تضمنه ذلك من الاحكام الشرعية الامرية واحكام الجزاء وغير ذلك. وما انزل الى ابراهيم الى اخر الاية. فيه الايمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء والايمان بالانبياء عموما. وخصوصا ما نص عليه في الاية لشرفهم. ولاتيانهم بالشرائع الكبار. فالواجب في الايمان بالانبياء والكتب ان امن بهم على وجه العموم والشمول. ثم ما عرف منهم بالتفصيل. وجب الايمان به مفصلا. وقوله لا نفرق بين احد منهم اي بل نؤمن بهم كلهم هذه خاصية المسلمين. التي انفردوا بها عن كل من يدعي انه على دين. فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم. وان زعموا انهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب. فانهم يكفرون بغيره. فيفرقون بين الرسل والكتب. بعضها يؤمنون به الله يكفرون به وينقضوا تكذيبهم تصديقهم. فان الرسول الذي زعموا انهم قد امنوا به قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم. فاذا كذبوا محمدا فقد كذبوا رسولهم فيما اخبرهم به. فيكونوا كفرا برسولهم وفي قوله وما اوتي النبيون من ربهم دلالة على ان عطية الدين هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والاخروية. لم يأمرنا ان نؤمن بما اوتي الانبياء من الملك ما لي ونحو ذلك بل امرنا ان نؤمن بما اعطوا من الكتب والشرائع. وفيه ان الانبياء مبلغون عن الله ووسائط بين الله وبين خلقه في دينه ليس له من الامر شيء. وفي قوله من ربهم اشارة الى انه من كمال ربوبيته لعباده ان ينزل عليهم الكتب ويرسل اليهم الرسل فلا تقتضي ربوبيته تركهم سدى ولا هملا. واذا كان ما اوتي النبيون انما هو من ربهم. ففيه الفرق بين انبيائي وبين من يدعي النبوة. وانه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون اليه. فالرسل لا يدعون الا لخير. ولا ينهون الا عن كل شر وكل واحد منهم يصدق الاخر ويشهد له بالحق من غير تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهذا بخلاف من ادعى النبوة. فلا بد ان يتناقضوا في اخبارهم واوامرهم ونواهيهم. كما يعلم ذلك مستمر احوال الجميع وعرف ما يدعون اليه. فلما بين تعالى جميع ما يؤمن به عموما وخصوصا. وكان القول لا يغني عن العمل. قال ونحن له مسلمون اي خاضعون لعظمته منقادون لعبادته بباطننا وظاهرنا. مخلصون له العبادة. بدليل تقديم المعمول وهو له على العامل وهو مسلمون. فقد اشتملت هذه الاية الكريمة على ايجازها واختصارها على انواع توحيد الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية وتوحيد الاسماء والصفات. واشتملت على الايمان بجميع الرسل وجميع الكتب. وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والاخلاص لله في ذلك. وعلى الفرق بين الرسل الصادقين. ومن ادعى النبوة من الكاذبين وعلى تعليم الباري عباده كيف يقولون. ورحمته واحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والاخرة. فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون الله وهو السميع العليم. اي فان امن اهل الكتاب بمثل ما امنتم به يا معشر المؤمنين. من جميع الرسل وجميع الكتب الذين اول من دخل فيهم واولى. خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن واسلموا لله وحده ولم يفرقوا بين احد من رسل الله فقد اهتدوا للصراط المستقيم. الموصل لجنة النعيم اي فلا سبيل لهم الى الهداية الا بهذا الايمان. لا كما زعموا بقولهم كونوا هودا او نصارى تهتدوا. فزعموا ان الهداية خاصة مما كانوا عليه والهدى هو العلم بالحق والعمل به. وضدهم ضلال عن العلم والضلال عن العمل بعد العلم. وهو الشقاق الذي كانوا عليه لما واعرضوا فالمشاق هو الذي يكون في شق والله ورسوله في شق. ويلزم من المشاقة المحادة والعداوة البليغة التي لوازمها بذل ما يقدرون عليه من اذية الرسول. فلهذا وعد الله رسوله ان يكفيه اياهم. لانه السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على من الحاجات العليم بما بين ايديهم وما خلفهم بالغيب والشهادة بالظواهر والبواطن. فاذا كان كذلك كفاك الله شرهم وقد انجز الله لرسوله وعده وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم وسبا بعضهم وادلى بعضهم وشردهم كل مشرد. ففيه معجزة من معجزات القرآن وهو الاخبار بالشيء قبل وقوعه. فوقع طبق ما اخبر والله صبغة ونحن له عابدون. اي الزموا صبغة الله وهو دينه وقوموا به قياما تاما بجميع اعماله الظاهرة والباطنة وجميع عقائده في جميع الاوقات. حتى يكون لكم صبغة وصفة من صفاتكم. فاذا كان صفة من صفاتكم اوجب ذلك لكم من القيادة لاوامره طوعا واختيارا ومحبة. وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة فحصلت لكم السعادة الدنيوية والاخروية لحث الدين على مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال ومعالي الامور. فلهذا فقال على سبيل التعجيب المتقرر للعقول الزكية. ومن احسن من الله صبغة اي لا احسن صبغة من صبغته. واذا اردت ان تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ. فقس الشيء بضده فكيف ترى في عبد امن بربه ايمانا صحيحا اثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح. فلم يزل يتجلى بكل وصف حسن وفعل جميل. وخلق كامل ونعت جليل. ويتخلى من كل وصف قبيح ورذيلة وعيب. فوصفه الصدق في قوله وفعله. والصبر والحلم والعفة والشجاعة. والاحسان القولي والفعلي ومحبة الله وخشيته وخوفه ورجائه. فحاله الاخلاص للمعبود والاحسان لعبيده. فقسه بعبد كفر بربه وشرد عنه واقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة من الكفر والشرك والكذب والخيانة والمكر والخداع وعدم العفة جاءت الى الخلق في اقواله وافعاله. فلا اخلاص للمعبود ولا احسان الى عبيده. فانه يظهر لك الفرق العظيم بينهما. ويتبين لكأنه لا احسن صبغة من صبغة الله. وفي ظنه انه لا اقبح صبغة ممن اصبغ بغير دينه. وفي قوله ونحن له عابدون لهذه الصبغة وهي القيام بهذين الاصلين. الاخلاص والمتابعة. لان العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال في الاقوال الظاهرة والباطنة. ولا تكون كذلك حتى يشرعها الله على لسان رسوله. والاخلاص ان يقصد العبد وجه الله وحده في تلك الاعمال فتقديم المعمول يؤذن بالحصر. وقال ونحن له عابدون فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار. ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم. ولنا اعمالنا المحاجة هي المجادلة بين اثنين فاكثر. تتعلق في المسائل الخلافية حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله وابطال قول خصمه فكل واحد منهما يجتهد في اقامة الحجة على ذلك. والمطلوب منها ان تكون بالتي هي احسن. باقرب طريق يرد الضال الى الحق. ويقيم الحجة على المعاند. ويوضح الحق ويبين الباطل. فان خرجت عن هذه الامور كانت مماراة ومخاصمة لا خير فيها. واحدثت من من شر ما احدثت فكان اهل الكتاب يزعمون انهم اولى بالله من المسلمين. وهذا مجرد دعوة تفتقر الى برهان ودليل. فاذا كان رب جميع واحدة ليس ربا لكم دوننا. وكل منا ومنكم له عمله. فاستوينا نحن واياكم بذلك. فهذا لا يوجب ان يكون احد الفريقين اولى بالله من غيره. لان التفريق مع الاشتراك في الشيء من غير فرق مؤثر. دعوة باطلة وتفريق بين متماثلين ومكابرة ظاهرة وانما يحصل التفضيل باخلاص الاعمال الصالحة لله وحده. وهذه الحالة وصف المؤمنين وحدهم. فيتعين انهم اولى بالله من غيرهم ان الاخلاص هو الطريق الى الخلاص. فهذا هو الفرق بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان. بالاوصاف الحقيقية التي يسلمها اهل العقول. ولا تنزع فيها الا كل مكابر جهول. ففي هذه الاية ارشاد لطيف لطريق المحاجة. وان الامور مبنية على الجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين كانوا هودا او نصارى غافل عن ما تعملون وهذه دعوة اخرى منهم ومحاجة في رسول الله زعموا انهم بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين. فرد الله عليهم بقوله اانتم اعلم ام الله؟ فالله يقول ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانية ولكن كان حنيفا مسلما. وما كان من المشركين. وهم يقولون بل كان يهوديا او نصرانيا. فاما ان يكونوا هم الصادقين العالمين او يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك. فاحد الامرين متعين لا محالة. وصورة الجواب مبهم. وهو في غاية الوضوح والبيان حتى انه من وضوحه لم يحتج ان يقول بل الله اعلم وهو اصدق. ونحو ذلك لانجلائه لكل احد كما اذا قيل الليل انور ام النهار؟ والنار احر ام الماء؟ والشرك احسن ام التوحيد؟ ونحو ذلك؟ وهذا يعرفه كل من له عقل حتى انهم بانفسهم يعرفون ذلك. ويعرفون ان ابراهيم وغيره من الانبياء لم يكونوا هودا ولا نصارى. فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة فلهذا كان ظلمهم اعظم الظلم. ولهذا قال تعالى ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله. فهي شهادة عنده مودعة من الله لا من الخلق. فيقتضي الاهتمام باقامتها. فكتموها واظهروا ضدها. جمعوا بين كتم الحق وعدم النطق به واظهار الباطل والدعوة اليه. اليس هذا اعظم الظلم؟ بلى والله وسيعاقبهم عليه اشد العقوبة. فلهذا قال وما الله بغافل عما تعملون. بل قد احصى اعمالهم واعدها وادخر لهم جزاءها. فبئس الجزاء جزاءهم وبئست النار مثوى للظالمين وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة. عقب الايات المتضمنة للاعمال التي يجازى عليها. فيفيد ذلك الوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ويفيد ايضا ذكر الاسماء الحسنى بعد الاحكام. ان الامر الديني والجزائي اثر من اثارها. وموجب من موجباتها وهي مقتضية له ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. تقدم تفسيرها وكررها لقطع التعلق بالمخلوقين. وان المعول عليه ما اتصف به الانسان. لا عمل اسلافه وابائه. فالنفع الحقيقي بالاعمال لا بالانتساب المجرد للرجال