ان الذين كفروا سواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون. يخبر وتعالى ان الذين كفروا اي اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لهم لازما. لا يردعهم عنه رادع ولا ينجح فيهم وعظ. انهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون. وحقيقة الكفر هو الجحد لما جاء به الرسول او جحد بعضه فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة الا اقامة الحجة عليهم. وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في ايمانهم. وانك لا عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الايمان. فقال اي طبع عليها بطابع لا يدخلها الايمان. ولا ينفذ فيها فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم. وعلى ابصارهم غشاوة اي غشاء وغطاء تمنعها عن النظر الذي ينفعهم. وهذه طرق العلم والخير قد سدت عليهم فلا مطمع فيهم. ولا خير يرجى عندهم. وانما منع ذلك وسدت عنهم ابواب الايمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم. بعدما تبين لهم الحق. كما قال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وهذا عقاب عاجل. ثم ذكر العقاب الاجل. فقال ولهم عذاب عظيم وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم. ثم قال الله تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الاسلام وباطنهم هم الكفر فقال واعلم ان النفاق هو اظهار الخير وابطال الشر. ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي والنفاق العملي. فالنفاق العملي كالذي الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان وفي رواية واذا خاصم فجر. واما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الاسلام. فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها لم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة. وبعد ان هاجر فلما كانت وقعة بدر واظهر الله المؤمنين واعزهم ذل من في المدينة ممن لم يسلم. فاظهر بعضهم الاسلام خوفا ومخادعة. ولتحقن دماؤهم وتسلم اموالهم بين امهر المسلمين في الظاهر انهم منهم. وفي الحقيقة ليسوا منهم. فمن لطف الله بالمؤمنين ان جل احوالهم ووصفهم باوصاف يتميزون بها لئلا يغتر بهم المؤمنون ولينقمعوا ايضا عن كثير من فجورهم. قال الله تعالى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبه ننبئهم بما في قلوبهم فوصفهم الله باصل النفاق فقال يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم فانهم يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. فاكذبهم الله بقوله وما هم بمؤمنين. لان الايمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان. وانما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة ان يظهر المخادع لمن يخادع شيئا ويبطن خلافه. لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع. فهؤلاء المنافقون سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك. فعاد خداعهم هم على انفسهم فان هذا من العجائب. لان المخادع اما ان ينتج خداعه ويحصل ما يريد. او يسلم لا له ولا عليه. وهؤلاء عاد عليهم وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لاهلاك انفسهم واضرارها وكيدها. لان الله تعالى لا يتضرر بخداعهم شيئا وعباده المؤمنون لا يضرهم كيدهم شيئا. فلا يضر المؤمنين ان اظهر المنافقون الايمان. فسلمت بذلك اموالهم وحقنت دماؤهم. وصار وكيدهم في نحورهم وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا. والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة. ثم في لهم العذاب الاليم الموجع المفجع. بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم. والحال انهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك قوله في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون. في قلوبهم مرض. المراد بالمرض هنا. مرض الشك والشبهات والنفاق. لان القلب يعرض له مرضان عن صحته واعتداله مرض الشبهات الباطلة ومرض الشهوات المرضية. فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات زنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات. كما قال الله تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض وهي شهوة الزنا. والمعافاة من عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والايمان والصبر عن كل معصية فرفل في اثواب العافية وفي قوله عن المنافقين في بهم مرض فزادهم الله مرضا. بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين. وانه بسبب ذنوبهم السابقة يبتليهم بالمعاصي الموجبة لعقوباتها كما قال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وقال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وقال تعالى واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم. فعقوبة المعصية المعصية بعدها كما ان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. قال الله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. اي اذا نهي هؤلاء المنافقون عن الافساد في الارض وهو العمل بالكفر والمعاصي. ومنه اظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين. قالوا انما نحن مصلحون. فجمعوا الى العمل بالفساد في الارض واظهارهم انه ليس بافساد بل هو اصلاح قلبا للحقائق وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا هذا اعظم جناية ممن يعمل بالمعصية. مع اعتقاد انها معصية فهذا اقرب للسلامة وارجى لرجوعه. ولما كان في قولهم انما نحن مصلحون حصر للاصلاح في جانبهم وفي ضمنه ان المؤمنين ليسوا من اهل الاصلاح قلب الله عليهم دعواهم بقوله الا انهم هم المفسدون فانه لا اعظم فسادا ممن كفر بايات الله رد عن سبيل الله وخادع الله واولياءه ووالى المحاربين لله ورسوله. وزعم مع ذلك ان هذا اصلاح. فهل بعد هذا الفساد فساد ولكن لا يعلمون علما ينفعهم. وان كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله. وانما كان العمل بالمعاصي في الارض افسادا لانه يتضمن فساد ما على الارض من الحبوب والثمار والاشجار والنبات. بما يحصل فيها من الافات بسبب المعاصي. ولان الاصلاح في الارض ان عمر بطاعة الله والايمان به. لهذا خلق الله الخلق واسكنهم في الارض وادر لهم الارزاق. ليستعينوا بها على طاعته وعبادته. فاذا عمل فيها بضده كان سعيا بالفساد فيها واخرابا لها عما خلقت له الا ولكن لا يعلمون. اي اذا قيل للمنافقين امنوا كما امن الناس. اي كايمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الايمان بالقلب واللسان. قالوا بزعمهم الباطل انؤمن كما امن السفهاء؟ يعنون قبحهم الله الصحابة رضي الله عنهم بزعمهم ان سفههم اوجب لهم الايمان وترك الاوطان ومعاداة الكفار والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك فنسبوهم الى السفه. ففي ضمنه انهم هم العقلاء. ارباب الحجى والنهى. فرد الله ذلك عليهم. واخبر انهم هم السفهاء على الحقيقة لان حقيقة السفه جهل الانسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها. وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم كما ان العقل والحجاء معرفة الانسان بمصالح نفسه. والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره. وهذه الصفة منطبقة على والمؤمنين وصادقة عليهم. فالعبرة بالاوصاف والبرهان لا بالدعاوى المجردة والاقوال الفارغة. ثم قال الله تعالى واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون. هذا من قولهم بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. وذلك انهم اذا اجتمعوا اظهروا انهم على طريقتهم وانهم معهم. فاذا خلوا الى شياطينهم اي رؤساءهم وكبراءهم في الشر. قالوا ان معكم في الحقيقة وانما نحن مستهزئون بالمؤمنين باظهارنا لهم ان على طريقتهم. فهذه حالهم الباطنة والظاهرة. ولا يحق المكر السيء الا لا باهله. قال الله تعالى الله يستهزأ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده. فمن استهزائه بهم ان زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة. حتى ظنوا انهم مع المؤمنين لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم. ومن استهزائه بهم يوم القيامة انه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا. فاذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين. فما اعظم اليأس بعد الطمع! ينادونهم الم نكن معكم؟ قالوا بلى الا ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم. وقوله ويمدهم اي يزيدهم في طغيانهم اي فجورهم وكفر يعمهون اي حائرون مترددون وهذا من استهزائه تعالى بهم. ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة احوالهم اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى. فما ربحت تجارتهم وما كانوا اولئك اي المنافقون الموصوفون بتلك الصفات الذين اشتروا الضلالة بالهدى اي رغبوا في الضلالة رغبة المشتري بالسلعة. التي من رغبته فيها يبذل فيها الاثمان النفيسة. وهذا من احسن الامثلة. فانه جعل الضلالة التي هي غاية حرك السلعة وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن. فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة. رغبة فيها فهذه تجارتهم فبئس التجارة وبئس الصفقة صفقتهم. واذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا. فكيف من بذل جوهرة واخذ عنها درهما فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة واختار الشقاء على السعادة ورغب في سافل الامور عن اعاليها فما ربحت جارته من خسر فيها اعظم خسارة. قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين قوله وما كانوا مهتدين. تحقيق لضلالهم وانهم لم يحصل لهم من الهداية شيء. فهذه اوصافهم القبيحة