ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها. يقول تعالى ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما اي مثل كان بعوضة فما فوقها لاشتمال الامثال على الحكمة وايضاح الحق والله ايستحيي من الحق وكأن في هذا جوابا لمن انكر ضرب الامثال في الاشياء الحقيرة. واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب ان تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال فيتفهمونها ويتفكرون فيها. فان علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل. ازداد ذلك علمهم وايمانهم والا علموا انها حق. وما اشتملت عليه حق. وان خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بان الله لم يضربها عبثا بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة آآ فيعترضون ويتحيرون فيزدادون كفرا الى كفرهم كما ازداد المؤمنون ايمانا على ايمانهم ولهذا قال يضل فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الايات القرآنية. قال الله تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون. فلا اعظم نعمة على العباد من نزول الايات القرآنية ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة وزيادة شر الى شرهم. ولقوم منحة ورحمة وزيادة خير الى خيرهم فسبحان من فاوت بين عباده وانفرد بالهداية والاضلال. ثم ذكر حكمته في اضلال من يضلهم. وان ذلك عدل منه تعالى. فقال وما يضل به الا الفاسقين. اي الخارجين عن طاعة الله المعاندين لرسل الله. الذين صار الفسق وصفهم فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى اضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى. كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف الامام وتحلى بالاعمال الصالحة والفسق نوعان نوع مخرج من الدين وهو الفسق المقتضي للخروج من الايمان كالمذكور في هذه الاية ونحوها ونوع غير مخرج عن الايمان. كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ. ثم وصف فقال الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون هم الخاسرون الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه. والذي بينهم وبين عباده. الذي اكده عليهم المواثيق الثقيلة والالزامات فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون اوامره ويرتكبون نواهيه وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق ويقطعون ما امر الله به ان يوصل. وهذا يدخل فيه اشياء كثيرة. فان الله امرنا ان نصل ما بيننا وبينه بالايمان به القيام بعبوديته وما بيننا وبين رسوله بالايمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه. وما بيننا وبين الوالدين والاقارب والاصحاب وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي امر الله ان نصلها. فاما المؤمنون فوصلوا ما امر الله به ان يوصل من هذه الحقوق. وقام بها اتم القيام. واما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم. معتاضين عنها بالفسق والقطيعة. والعمل بالمعاصي. وهو الفساد في الارض اي من هذه صفته هم الخاسرون في الدنيا والاخرة ترى الخسارة فيهم لان خسرانهم عام في كل احوالهم ليس لهم نوع من الربح. لان كل عمل صالح شرطه الايمان فمن لا ايمان له لا له وهذا الخسار هو خسار الكفر. واما الخسار الذي قد يكون كفرا وقد يكون معصية وقد يكون تفريطا في ترك مستحب. المذكور في قوله تعالى ان الانسان لفي خسر. فهذا عام لكل مخلوق الا من اتصف بالايمان والعمل الصالح. والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وحقيقته فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله. وهو تحت امكانه. ثم قال تعالى اي وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم. ثم يميتكم ثم هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والانكار اي سيحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم. وانعم عليكم باصناف النعم. ثم يميتكم عند استكمال اجالكم. ويجازيكم في القبور ثم يحييكم بعد البعث والنشور. ثم اليه ترجعون. فيجازيكم الجزاء الاوفى. فاذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره. وتحت اوامر الدينية ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي. افيليق بكم ان تكفروا به؟ وهل هذا الا جهل عظيم وسفه وحماقة؟ بل الذي يثق بكم ان تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه. وتخافوا عذابه وترجوا ثوابه ثم استوى الى السماء وهو بكل شيء عليم اي خلق لكم برا بكم ورحمة جميع ما على الارض. للانتفاع والاستمتاع والاعتبار. وفي هذه الاية العظيمة دليل على ان الاصل في الاشياء الاباحة والطهارة لانها سيقت في معرض الامتنان. يخرج بذلك الخبائث. فان تحريمها ايضا يؤخذ من فحوى الاية. ومعرفة المقصود منها وانه خلقها لنفعنا. فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك. ومن تمام نعمته منعونا من الخبائث. تنزيها لنا قوله استوى ترد في القرآن على ثلاثة معاني. فتارة لا تعدى بالحرف. فيكون معناها الكمال والتمام. كما في قوله موسى ولما بلغ اشده واستوى. وتارة تكون بمعنى علا وارتفع. وذلك اذا عديت بعلى كما في قوله تعالى ثم استوى على العرش لتستووا على ظهوره وتارة تكون بمعنى قصد. كما اذا عديت بالايلاء كما في هذه الاية. اي لما خلق تعالى الارض الى خلق السماوات فسواهن سبع سماوات فخلقها واحكمها واتقنها. وهو بكل شيء عليم. فيعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. ويعلم ما تسرون وما تعلنون. يعلم السر واخفى. وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق واثبات علمه كما في هذه الاية. وكما في قوله تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. ولان خلقه للمخلوقات اذل دليل على علمه وحكمته وقدرته