يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى. الحرم بالحر والعبد بالعدد ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك يمتن تعالى على عباده المؤمنين بانه فرض عليهم القصاص في القتل. اي المساواة فيه يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول. اقامة للعدل والقسط بين العباد. وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين. فيه دليل على انه يجب عليهم كلهم حتى اولياء القاتل. حتى القاتل بنفسه. اعانة ولي المقتول اذا طلب القصاص. وتمكينه من القاتل. وان انه لا يجوز لهم ان يحولوا بين هذا الحد ويمنعوا الولي من الاقتصاص. كما عليه عادة الجاهلية ومن اشبههم من ايواء المحدثين. ثم بين تفصيل قيل ذلك فقال الحر بالحر. يدخل بمنطوقها الذكر بالذكر. والانثى بالانثى والانثى بالذكر. والذكر بالانثى سيكون منطوقها مقدم على مفهوم قوله الانثى بالانثى. مع دلالة السنة على ان الذكر يقتل بالانثى. وخرج من عموم هذا الابوان وان علوا فلا يقتلان بالولد لورود السنة بذلك. مع ان في قوله القصاص ما يدل على انه ليس من العدل ان يقتل الوالد بولده. ولان ما في قلب الوالد من الشفقة والرحمة ما يمنعه من القتل لولده الا بسبب اختلال في عقله او اذية شديدة جدا كم من الولد له وخرج من العموم ايضا الكافر بالسنة. مع ان الاية في خطاب المؤمنين خاصة. وايضا فليس من العدل ان يقتل ولي الله بعدوه والعبد بالعبد ذكرا كان او انثى تساوت قيمهما او اختلفت. ودل بمفهومها على ان الحر لا يقتل بالعبد. لكونه غير مساو له والانثى بالانثى اخذ بمفهومها بعض اهل العلم. فلم يجز قتل الرجل بالمرأة وتقدم وجه ذلك. وفي هذه الاية دليل على ان الاصل وجوب القود في القتل. وان الدية بدن عنه. فلهذا قال فمن عفي له من اخيه شيء. اي عفا ولي المقتول عن القاتل الى الدين او عفا بعض الاولياء فانه يسقط القصاص وتجب الدية. وتكون الخيرة في القود واختيار الدية الى الولي. فاذا عفا عنه وجب على ولي اي ولي المقتول ان يتبع القاتل بالمعروف من غير ان يشق عليه. ولا يحمله ما لا يطيق. بل يحسن الاقتضاء والطلب لا يحرجه وعلى القاتل اداء اليه باحسان. من غير مطل ولا نقص ولا اساءة فعلية او قولية. فهل جزاء الاحسان اليه بالعفو؟ الاحسان بحسن القضاء وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للانسان. مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف. ومن عليه الحق بالاداء وفي قوله فمن عفي له من اخيه ترقيق وحث على العفو الى الدية واحسن من ذلك العفو مجانا. وفي قوله اخيه دليل على ان القاتل لا يكفر. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الايمان. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الايمان. فلم يخرج بالقتل منها ومن باب اولى ان سائر المعاصي التي هي دون الكفر لا يكفر بها فاعلها وانما ينقص بذلك ايمانه. واذا عفا اولياء المقتول او عفا بعضهم احتقن دم قاتل وصار معصوما منهم ومن غيرهم. ولهذا قال فمن اعتدى بعد ذلك اي بعد العفو فله عذاب اليم اي في الاخرة. واما قتله وعدمه فيؤخذ مما تقدم. لانه قتل مكافئا له. فيجب قتله بذلك. واما من العذاب الاليم بالقتل. فان الاية تدل على انه يتعين قتله. ولا يجوز العفو عنه. وبذلك قال بعض العلماء والصحيح الاول ان جنايته لا تزيد على جناية غيره. ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص. فقال ولكم في القصاص حياة ولكم في القصاص حياة اي تنحقن بذلك الدماء وتنقمع به اشقياء لان من عرف انه مقتول اذا قتل. لا يكاد يصدر منه القتل. واذا رؤي القاتل مقتولا انذعر بذلك غيره وانزجر. فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل انكفاف الشر الذي يحصل بالقتل. وهكذا سائر الحدود الشرعية. فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار ونكر الحياة لافادة التعظيم والتكثير. ولما كان هذا الحكم لا يعرف حقيقته الا اهل العقول الكاملة الباب الثقيلة خصهم بالخطاب دون غيرهم. وهذا يدل على ان الله تعالى يحب من عباده ان يعملوا افكارهم وعقولهم. في تدبر ما في احكامه من الحكم والمصالح الدالة على كماله. وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة. وان من كان بهذه المثابة فقد استحق مدح بانه من ذوي الالباب الذين وجه اليهم الخطاب. وناداهم رب الارباب وكفى بذلك فضلا وشرفا لقوم يعقلون. وقوله لعلكم تتقون. وذلك ان من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الاسرار العظيمة والحكم البديعة. والايات الرفيعة. اوجب له ذلك من قاد لامر الله ويعظم معاصيه فيتركها فيستحق بذلك ان يكون من المتقين كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حق حقا على المتقين. اي فرض الله عليكم يا معشر المؤمنين. اذا حضر احدكم الموت اي اسبابه كالمرض المشرف على الهلاك وحضور اسباب المهالك وكان قد ترك خيرا اي مالا وهو المال الكثير عرفا. فعليه ان يوصي لوالديه واقرب الناس اليه بالمعروف على قدر حاله من غير سرف ولا اقتصاد على الابعد دون الاقرب. بل يرتبهم على القرب والحاجة. ولهذا اتى فيه بافعال التفضيل. وقوله حقا على المتقين دل على وجوب ذلك لان الحق هو الثابت. وقد جعله الله من موجبات التقوى. واعلم ان جمهور المفسرين يرون ان ان هذه الاية منسوخة باية المواريث. وبعضهم يرى انها في الوالدين والاقربين غير الوارثين. مع انه لم يدل على التخصيص بذلك دليل والاحسن في هذا ان يقال ان هذه الوصية للوالدين والاقربين مجملة ردها الله تعالى الى العرف الجاري. ثم ان الله تعالى قدر للوالدين لدين الوارثين وغيرهما من الاقارب الوارثين هذا المعروف. في ايات المواريث بعد ان كان مجملا. وبقي الحكم في من لم يرثه من الوالدين ممنوعين من الارث وغيرهما ممن حجب بشخص او وصف. فان الانسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم احق الناس ببره. وهذا القول تتفق عليه الامة ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين. لان كلا من القائلين بهما كل منهم لاحظ ملحظا واختلف المورد. فبهذا جمع يحصل الاتفاق والجمع بين الايات. لانه مهما امكن الجمع كان احسن من ادعاء النسخ. الذي لم يدل عليه دليل صحيح. ولما كان اوصي قد يمتنع من الوصية لما يتوهمه ان من بعده قد يبدل ما وصى به. قال تعالى ان الله سميع ان الله غفور رحيم فمن بدله اي الاساءة للمذكورين او غيرهم بعد ما سمعه اي بعدما عقله وعرف طرقه وتنفيذه فانما اثمه على الذين يبدلونه. والا فالموصي وقع اجره على الله. وانما الاثم على المبدل المغير. ان الله سميع. يسمع سائر الاصوات ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته. فينبغي له ان يراقب من يسمعه ويراه. وان لا يجور في وصيته. عليم بنيته وعليم بعمل الموصى اليه. فاذا اجتهد الموصي وعلم الله من نيته ذلك. اثابه ولو اخطأ. وفيه التحذير للموصى اليه من التبديل فان الله عليم به مطلع على ما فعله. فليحذر من الله هذا حكم الوصية العادلة. واما الوصية التي فيها حيف وجنف واثم ينبغي لمن حضر الموصي وقت الوصية بها ان ينصحه بما هو الاحسن والاعدل. وان ينهاه عن الجور والجنف وهو الميل بها عن خطأ من غير تعمد والاثم وهو التعمد لذلك. فان لم يفعل ذلك فينبغي له ان يصلح بين الموصى اليهم. ويتوصل الى العدل بينهم على وجه التراضي والمصالحة ووعظهم بتبرئة ذمة ميتهم. فهذا قد فعل معروفا عظيما. وليس عليه اثم. كما على مبدل الوصية الجائزة. ولهذا قال قال ان الله غفور اي يغفر جميع الزلات ويصفح عن التبعات لمن تاب اليه. ومنه مغفرته لمن غض من نفسه وترك بعض حقه لاخيه لان من سامح سامحه الله غفور لميتهم الجائر في وصيته. اذا احتسبوا بمسامحة بعضهم بعضا لاجل براءة ذمته. رحيم بعباده حيث شرع لهم كل امر به يترحمون ويتعاطفون. فدلت هذه الايات على الحث على الوصية وعلى بيان من هي له وعلى وعيد الوصية العادلة والترغيب في الاصلاح في الوصية الجائرة