ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف به بهما ومن تطوع خيرا فان الله شاكر يخبر تعالى ان والمروة وهما معروفان من شعائر الله. اي اعلام دينه الظاهرة التي تعبد الله بها عباده. واذا كان من شعائر الله فقد امرنا الله بتعظيم شعائره فقال ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب. فدل مجموع النصين انهما من شعائر الله وان تعظيم من تقوى القلوب. والتقوى واجبة على كل مكلف. وذلك يدل على ان السعي بها فرض لازم للحج والعمرة. كما عليه الجمهور. ودلت عليه فيه الاحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال خذوا عني مناسككم. فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان وف بهما هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما. لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الاصنام. فنفى على الجناح لدفع هذا الوهم لا لانه غير لازم ودل تقييد نفي الجناح في من تطوف بهما في الحج والعمرة انه لا يتطوع بالسعير مفردا الا مع انضمامه لحج او عمرة. بخلاف الطواف بالبيت فانه يشرع مع العمرة والحج. وهو عبادة مفردة. فاما السعي بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار. فانها تتبع النسك. فلو فعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة. لان البدعة نوعان نوع يتعبد لله بعبادة لم يشرعها اصلا. ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة. فتفعل على غير تلك الصفة. وهذا من وقوله ومن تطوع اي فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى خيرا من حج وعمرة وطواف وصلاة وصوم وغير ذلك فهو خير له. فدل هذا على انه كلما ازداد العبد من طاعة الله ازداد خيره وكماله ودرجته عند الله. لزيادة ايمانه تقييد التطوع بالخير ان من تطوع بالبدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله انه لا يحصل له الا العناء وليس بخير له بل قد يكون قل له ان كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل. فان الله شاكر عليم. الشاكر والشكور من اسماء الله تعالى الذي يقبل من عباده اليسيرة من العمل. ويجازيهم عليه العظيم من الاجر. الذي اذا قام عبده باوامره وامتثل طاعته. اعانه على ذلك. واثنى عليه مدحه وجزاه في قلبه نورا وايمانا وسعة. وفي بدنه قوة ونشاطا وفي جميع احواله زيادة بركة ونماء. وفي اعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الاجل عند ربه كاملا موفرا. لم تنقصه هذه الامور. ومن شكره لعبده ان من ترك فشيئا لله اعاظه خيرا منه. ومن تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا. ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا. ومن اتاه يمشي اتاه هرولة ومن عامله ربح عليه اضعافا مضاعفة. ومع انه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل. بحسب نيته وايمانه ممن ليس كذلك عليم باعمال العباد فلا يضيعها بل يجدونها اوفر ما كانت على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم حكيم ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والمهدى من بعد ما بين هذه الاية وان كانت نازلة في اهل الكتاب وما كتموا من شأن للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته. فان حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما انزل الله من البينات. الدالات على الحق والهدى وهو العلم الذي تحصل به الهداية الى الصراط المستقيم. ويتبين به طريق اهل النعيم من طريق اهل الجحيم. فان الله اخذ على اهل العلم بان يبينوا للناس ما من الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه. فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين كتم ما انزل الله والغش لعباد الله فاولئك يلعنهم الله اي يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته. ويلعنهم اللاعنون وهم جميع الخليقة عليهم اللعنة من جميع الخليقة. لسعيهم في غش الخلق وفساد اديانهم. وابعادهم من رحمة الله. فجوزوا من جنس عملهم. كما ان معلما ناس الخير يصلي الله عليه وملائكته حتى الحوت في جوف الماء لسعيه في مصلحة الخلق واصلاح اديانهم وقربهم من رحمة الله فجزي من جنس عمله فالكاتم لما انزل الله مضاد لامر الله. مشاق لله. يبين الله الايات للناس ويوضحها. وهذا يطمح ويعميها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد الا الذين تابوا اي رجعوا عما هم عليه من الذنوب ندما واقلاعا. وعزما على عدم المعاودة واصلحوا ما فسد من اعمالهم. فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن. ولا يكفي ذلك في الكاتم ايضا حتى يبين ما كتمه ليبدي ضد ما اخفى فهذا يتوب الله عليه. لان توبة الله غير محجوب عنها. فمن اتى بسبب التوبة تاب الله عليه. لانه التواب اي الرجاع على عباده بالعفو والصفح بعد الذنب اذا تابوا. وبالاحسان والنعم بعد المنع اذا رجعوا. الرحيم الذي اتصف بالرحمة العظيمة التي وسعت كل شيء. ومن رحمته ان وفقهم للتوبة والانابة. فتابوا وانابوا. ثم رحمهم بان قبل ذلك منهم لطفا وكرما. هذا التائب من الذنب واما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع الى ربه ولم يتب اليه ولم ينب اليه ولم يتب عن قريب. فاولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. لانه لما صار كفرهم وصفا ثابتا صارت اللعنة في وصف ثابتا لا تزول. لان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم خالدين فيها. اي في اللعنة او في العذاب. والمعنيان متلازمان. لا يخفف عنهم العذاب بل عذابهم دائم شديد مستمر. ولا هم ينظرون اي يمهلون. لان وقت الامهال وهو الدنيا قد مضى. ولم يبق لهم عذر فيعتذرون والهكم اله واحد لا اله الا هو لا اله الا هو يخبر تعالى وهو اصدق القائلين انه اله واحد اي متوحد منفرد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله فليس له شريك في ذاته ولا سمي له ولا كفو ولا مثل ولا نظير ولا خالق ولا مدمر غيره فاذا كان كذلك فهو المستحق لان يؤله ويعبد بجميع انواع العبادة. ولا يشرك به احد من خلقه. لانه الرحمن الرحيم المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة احد. فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي. فبرحمته وجدت المخلوقات وبرحمته قالت لها انواع الكمالات وبرحمته اندفع عنها كل نقمة. وبرحمته عن رف عباده نفسه بصفاته والائه. وبين لهم كل ما يحتاجون اليه من مصالح دينهم ودنياهم. بارسال الرسل وانزال الكتب. فاذا علم ان ما بالعباد من نعمة فمن الله. وان احدا من المخلوقين لا ينفع احد علم ان الله هو المستحق لجميع انواع العبادة. وان يفرد بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل. وغير ذلك من انواع وان من اظلم الظلم واقبح القبيح ان يعدل عن عبادته الى عبادة العبيد. وان يشرك المخلوق من تراب برب الارباب. او يعبد مخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه. مع الخالق المدبر القادر القوي. الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء. ففي هذه الاية اثبات وحدانية الباري والهيته. وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين. وبيان اصل الدليل على ذلك وهو اثبات رحمته التي من اثارها وجود جميع النعم واندفاع جميع النقم. فهذا دليل اجمالي على وحدانيته تعالى. ثم ذكر الادلة التفصيلية فقال ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع هذه الارض بعد موتها فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة المسخر بين السماء في الارضين ايات لقوم يعقلون. اخبر تعالى ان في هذه المخلوقات العظيمة ايات اي ادلة على وحدانية الباري الهيته وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته. ولكنها لقوم يعقلون. اي لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له على حسب ما من الله على عبده من العقل. ينتفع بالايات ويعرفها بعقله وفكره وتدبره. ففي خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها احكامها واتقانها. وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم. وتنظيمها لمصالح العباد. وفي خلق الارض مهادا للخلق يمكنهم القرار عليه الانتفاع بما عليها. والاعتبار ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير. وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها وحكمته التي بها اتقنها واحسنها ونظمها. وعلمه ورحمته التي بها اودع ما اودع. من منافع الخلق ومصالحهم وضروراتهم وفي ذلك ابلغوا الدليل على كماله واستحقاقه ان يفرد بالعبادة. لانفراده بالخلق والتدبير والقيام بشؤون عباده. وفي اختلاف الليل والنهار وهو تعاقبهما على الدوام اذا ذهب احدهما خلفه الاخر. وفي اختلافهما في الحر والبرد والتوسط. وفي الطول والقصر والتوسط وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح بني ادم وحيواناتهم. وجميع ما على وجه الارض من اشجار ونوابت. كل ذلك بانتظام امن وتدبير وتسخير تنبهر له العقول. وتعجز عن ادراكه من الرجال الفحول. ما يدل ذلك على قدرة مصرفها وعلمه وحكمته ورحمته واسعة ولطفه الشامل وتصريفه وتدبيره الذي تفرد به. وعظمته وعظمة ملكه وسلطانه. مما يوجب ان يؤله ويعبد ويفرد بالمحبة والتعظيم والخوف والرجاء وبذل الجهد في محابه ومراضيه. وفي الفلك التي تجري في البحر وهي السفن والمراكب ونحوها. مما الله عباده صنعتها وخلق لهم من الايات الداخلية والخارجية ما اقدرهم عليها. ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والاموال والبضائع التي هي من منافع الناس. وبما تقوم مصالحهم وتنتظم معايشهم. فمن الذي الهمهم صنعتها عليها وخلق لهم من الالات ما به يعملونها. امن الذي سخر لها البحر تجري فيه باذنه وتسخيره والرياح. امن الذي خلق للمراكب البرية والبحرية النار والمعادن المعينة على حملها. وحمل ما فيها من الاموال. فهل هذه الامور حصلت اتفاقا؟ ام استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز. الذي خرج من بطن امه لا علم له ولا قدرة. ثم خلق له ربه القدرة وعلمه ما يشاء تعليمه. ام سخروا لذلك رب واحد حكيم عليم. لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء. بل الاشياء قد دانت لربوبيته واستكانت لعظمته وخضعت لجبروته وغاية العبد الضعيف ان جعله الله جزءا من اجزاء الاسباب التي بها وجدت هذه الامور العظام. فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بخلقه. وذلك يوجب ان تكون المحبة كلها له. والخوف والرجاء وجميع الطاعة والذل والتعظيم. وما انزل الله ومن السماء من ماء وهو المطر النازل من السحاب. فاحيا به الارض بعد موتها فاظهرت من انواع الاقوات واصناف النبات. ما هو من ضرورات الخلائق التي لا يعيشون بدونها. اليس ذلك دليلا على قدرة من انزله واخرج بهما اخرج. ورحمته ولطفه بعباده وقيامه بمصالحهم وشدة افتقانهم وضرورتهم اليه من كل وجه. اما يوجب ذلك ان يكون هو معبودهم والههم؟ اليس ذلك دليلا على احياء الموتى ومجازاة ذاتهم باعمالهم وبث فيها اي في الارض من كل دابة اي نشر في اقطار الارض من الدواب المتنوعة ما هو دليل على قدرته وعظمته ووحدانيته وسلطانه العظيم. وسخرها للناس ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع. فمنها ما يأكلون من لحمه ويشربون من ومنها ما يركبون. ومنها ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم. ومنها ما يعتبر به. ومع انه بث فيها من كل دابة انه سبحانه هو القائم بارزاقهم المتكفل باقواتهم. فما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها وفي تصريف الرياح باردة وحارة وجنوبا وشمالا وشرقا ودبورا وبين ذلك وتارة تثير السحاب وتارة تؤلف وتارة تلقحه وتارة تدره وتارة تمزقه وتزيل ضرره وتارة تكون رحمة وتارة ترسل بالعذاب فمن الذي صرفها هذا التصريف. واودع فيها من منافع العباد ما لا يستغنون عنه. وسخرها ليعيش فيها جميع الحيوانات. وتصلح الابدان والاشجار والحبوب النوابت الا العزيز الحكيم الرحيم. اللطيف بعباده. المستحق لكل ذل وخضوع ومحبة وانابة وعبادة. وفي تسخير السحاب بين السماء والارض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير فيسوقه الله الى حيث شاء فيحيي به البلاد والعباد ويروي التلول والوهاب وينزله على الخلق وقت حاجتهم اليه. فاذا كان يضرهم كثرته امسكه عنهم. فينزله رحمة ولطفا ويصرفه عناية وعطفا فما اعظم سلطانه واغزر احسانه والطف امتنانه. اليس من القبيح بالعباد ان يتمتعوا برزقه؟ ويعيشوا ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه. اليس ذلك دليلا على حلمه وصبره وعفوه وصفحه؟ وعميم لطفه. فلله الحمد اولا واخرا ظاهرا وباطنا. والحاصل انه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات. وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات. وازداد تأمله للصنعة وما اودع فيها من لطائف البر والحكمة. علم بذلك انها خلقت للحق وبالحق. وانها صحائف ايات وكتب دلالات. على ما اخبر الله به عن نفسه ووحدانيته. وما اخبرت به الرسل من اليوم الاخر. وانها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها اعرف ان العالم العلوي والسفلي كلهم اليه مفتقرون. واليه صامدون وانه الغني بالذات عن جميع المخلوقات. فلا اله الا الله ولا رب سواه ثم قال تعالى كحب الله يحبونهم كحب الله والذين امنوا اشد حبا ولو يرى الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا وان الله شديد ما احسن اتصال هذه الاية بما قبلها؟ فانه تعالى لما بين وحدانيته وادلتها القاطعة وبراهينها الساطعة موصلة الى علم اليقين المزيلة لكل شك. ذكر هنا ان من الناس مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين اندادا لله. اي نظراء يساويهم في الله بالعبادة والمحبة والتعظيم والطاعة. ومن كان بهذه الحالة بعد اقامة الحجة وبيان التوحيد. علم انه عاند لله مشاق له. او معرض عن تدبر اياته والتفكر في مخلوقاته. فليس له ادنى عذر في ذلك. بل قد حقت عليه كلمة العذاب وهؤلاء الذين يتخذون الانداد مع الله. لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير. وانما يسوونهم به في العبادة. فيعبدونهم ليقربوهم اليه وفي قوله اتخذوا دليل على انه ليس لله ند. وانما المشركون جعلوا بعض المخلوقات اندادا لله. تسمية مجردة حفظا فارغا من المعنى كما قال تعالى وجعلوا لله شركاء قل سموهم ام تنبؤونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن. فالمخلوق ليس ندا لان الله هو الخالق وغيره مخلوق. والرب الرازق ومن عاداه مرزوق. والله هو الغني وانتم الفقراء. وهو الكامل من كل الوجوه والعبيد ناقصون من جميع الوجوه. والله هو النافع الضار. والمخلوق ليس له من النفع والضر والامر شيء. فعلم علما يقينا بطلان قول من اتخذ من دون الله الهة واندادا. سواء كان ملكا او نبيا او صالحا او صنما او غير ذلك. وان الله هو المستحق للمحبة الكاملة والذلى التام فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله والذين امنوا اشد حبا لله اي من اهل الانداد لاندادهم لانهم اخلصوا محبتهم له وهؤلاء اشركوا بها. ولانهم احبوا من يستحقوا المحبة على الحقيقة. الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه. والمشركون احب من لا يستحق من الحب شيئا. ومحبته عين شقاء العبد وفساده. وتشتت امره. فلهذا توعدهم الله بقوله ولو يرى الذين ظلموا باتخاذ الانداد والانقياد لغير رب العباد. وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله. وسعيهم فيما يضرهم. اذ يرون العذاب اي يوم القيامة عيانا بابصارهم ان القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب. اي لعلموا علما جازما ان القوة والقدرة لله كلها وان اندادهم ليس فيها من القوة شيء. فيتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها. لا كما اشتبه عليهم في الدنيا. وظنوا ان لها من الامر شيئا وانها تقربهم اليه وتوصلهم اليه. فخاب ظنهم وبطل سعيهم وحق عليهم شدة العذاب. ولم تدفع عنهم اندادهم شيئا ولم تغني عنه مثقال ذرة من النفع بل يحصل لهم الضرر منها من حيث ظنوا نفعها وتبرأ المتبوعون من التابعين وتقطعت انهم الوصل التي كانت في الدنيا لانها كانت لغير الله وعلى غير امر الله ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له. فاضمحلت اعمالهم وتلاشت اقوالهم وتبين لهم انهم كانوا كاذبين. وان اعمالهم التي يأملون نفعها وحصول نتيجتها. انقلبت عليهم حسرة وندامة. وانهم خالدون في النار لا يخرجون منها ابدا. فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بانه متبع الباطل. فعملوا العمل الباطل. ورجوا غير وتعلقوا بغير متعلق. فبطلت الاعمال ببطلان متعلقيها. ولما بطلت وقعت الحسرة مما فاتهم من الامل فيها. فضرتهم اية الضرر وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين. واخلص العمل له ورجا نفعه. فهذا قد وضع الحق في موضعه. فكانت اعماله حقا لتعلقها بالحق. ففاز بنتيجة عمله ووجد جزاءه عند ربه غير منقطع. كما قال تعالى الذين كفروا وصدوا عن لله اضل اعمالهم. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد. وهو الحق من ربهم. كفر عنهم سيئاتهم واصلح اعمالهم ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل. وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم. كذلك يضرب الله للناس امثالهم وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا من كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم كذلك يريهم الله اعمالهم هم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار وحينئذ يتمنى التابعون ان يردوا الى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم بان يتركوا الشرك بالله ويقبلوا على اخلاص العمل لله هيهات فات الامر وليس الوقت وقت امهال وانظار. ومع هذا فهم كذبة. فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. وانما هو قول يقولونه ان يتمنونها حنقا وغيضا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم. فرأس المتبوعين على الشر ابليس. ومع هذا يقول باعه لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم. يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا اتبعوا خطوات الشيطان. ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين. هذا خطاب للناس كلهم. مؤمنهم وكافرهم. فامتن عليهم بان امرهم ان يأكلوا من جميع ما في الارض. من حبوب وثمار وفواكه وحيوانات. حالة كونها حلالا اي محللا لكم تناوله. ليس بغصب ولا سرقة ولا محصنا بمعاملة محرمة او على وجه المحرم او معينا على محرم طيبا اي ليس بخبيث كالميتة والدم ولحم الخنزير والخبائث كلها ففي هذه الاية دليل على ان الاصل في الاعيان الاباحة اكلا وانتفاعا. وان المحرم نوعان اما محرم لذاته وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب واما محرم لما عرض له وهو المحرم لتعلق حق الله او حق عباده به وهو ضد الحلال وفيه دليل على ان الاكل بقدر ما يقيم بنية واجب يأثم تاركه لظاهر الامر. ولما امرهم باتباع ما امرهم به اذ هو عين صلاحهم. نهاهم عن اتباع خطوات الشيطان بطرقه التي يأمر بها وهي جميع المعاصي من كفر وفسوق وظلم. ويدخل في ذلك تحريم السوائب والحام. ونحو ذلك ويدخل فيه ايضا اول المأكولات المحرمة انه لكم عدو مبين. اي ظاهر العداوة فلا يريد بامركم الا غشكم. وان تكونوا من اصحاب السعير فلم يكتفي ربنا بنهينا عن اتباع خطواته. حتى اخبرنا وهو اصدق القائلين بعداوته الداعية للحذر منه. ثم لم يكتفي بذلك حتى اخبرنا بتفصيل ما يأمر به وانه اقبح الاشياء واعظمها مفسدة. فقال انما يأمركم اي الشر الذي يسوء صاحبه فيدخل في ذلك جميع المعاصي. فيكون قوله والفحشاء من باب عطف خاص على العام. لان الفحشاء من المعاصي ما تناهى قبحه كالزنا وشرب الخمر والقتل والقذف والبخل. ونحو ذلك مما يستفحشه من له عقل. وان تقولوا على الله ما لا تعلمون فيدخل في ذلك القول على الله بلا علم في شرعه وقدره. فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه او وصفه به رسوله او نفى عنه ما اثبته لنفسه او اثبت له ما نفاه عن نفسه. فقد قال على الله بلا علم. ومن زعم ان لله ندا واوثانا تقرب من عبدها من الله. فقد قال على الله بلا علم. ومن قال ان الله احل كذا او حرم كذا. او امر بكذا. او نهى عن كذا بغير بصيرة. فقد قال على الله بلا علم. ومن قال ان الله خلق هذا الصنف من المخلوقات للعلة الفلانية. بلا برهان له بذلك. فقد قال على الله بلا علم. ومن اعظم القول على الله بلا علم ان يتأول المتأول كلامه او كلام رسوله على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال. ثم يقول ان الله ارادها فالقول على الله بلا علم من اكبر المحرمات واشملها واكبر طرق الشيطان التي يدعو اليها. فهذه طرق الشيطان التي يدعو اليها فيها هو وجنوده ويبذلون مكرهم وخداعهم على اغواء الخلق بما يقدرون عليه. واما الله تعالى فانه يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. فلينظر العبد نفسه مع اي الداعيين هو. ومن اي الحزبين؟ اتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير السعادة الدنيوية والاخروية. الذي كل الفلاح بطاعته وكل الفوز في خدمته. وجميع الارباح في معاملته المنعم بالنعم الظاهرة باطنة الذي لا يأمر الا بالخير ولا ينهى الا عن الشر. ام تتبع داعي الشيطان الذي هو عدو الانسان؟ الذي يريد لك الشر. ويسعى جهده على اهلاكك في الدنيا والاخرة. الذي كل الشر في طاعته وكل الخسران في ولايته. الذي لا يأمر الا بشر ولا ينهى الا عن خير ثم اخبر تعالى عن حال المشركين اذا امروا باتباع ما انزل الله على رسوله مما تقدم وصفه رغبوا عن ذلك وقالوا واذا فقيل له اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه ابائنا اه لا يعقلون شيئا ولا يهتلون. بل نتبع ما عليه اباءنا فاكتفوا بتقليد الاباء وزهدوا في الايمان بالانبياء. ومع هذا فاباءهم اجهل الناس واشدهم ضلالا. وهذه فيه شبهة لرد الحق واهية فهذا دليل على اعراضهم عن الحق ورغبتهم عنه وعدم انصافهم. فلو هدوا لرشدهم وحسن قصدهم لكان الحق هو القصد. ومن جعل الحق قصده ووازن بينه وبين غيره. تبين له الحق قطعا واتبعه ان كان منصفا. ثم قال تعالى انا ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء نداء. صم بكم عميان فهم لا يعقلون لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل وردهم لذلك بالتقليد. علم انهم غير قابلين للحق ولا مستجيبين له بل كان معلوما لكل احد انهم لن يزولوا عن عنادهم. اخبر تعالى ان مثلهم عند دعاء الداعي لهم الى الايمان. كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها وليس لها علم بما يقول داعيها ومناديها. فهم يسمعون مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة. ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم فلهذا كانوا صما لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول. عميا لا ينظرون نظر اعتبار بكما فلا ينطقون بما فيه خير لهم الموجب لذلك كله انه ليس لهم عقل صحيح. بل هم اسفه السفهاء واجهل الجهلاء. فهل يستريب العاقل ان من دعي الى الرشاد؟ وذي يعني الفساد ونهي عن اقتحام العذاب وامر بما فيه صلاحه وفلاحه وفوزه ونعيمه. فعصى الناصح وتولى عن امر ربه واقتحم النار عليه يا بصيرة واتبع الباطل ونبذ الحق ان هذا ليس له مسكة من عقل. وانه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء انه من اسفه السفهاء