اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين امنوا ويمحق الكافرين ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وانتم تنظرون بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله سبحانه ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين. ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهم. ولا تهنوا ولا تحزنوا. اي ولا تهنوا وتضعفوا في ابدانكم ولا تحزنوا في قلوبكم عندما اصابتكم مصيبة وابتليتم بهذه البلوى فان الحزن في القلوب والوهن على الابدان زيادة مصيبة عليكم واعون لعدوكم عليكم. بل شجعوا قلوبكم وصبروها. وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم وذكر تعالى انه لا يليق بهم الوهن والحزن وهم الاعلون في الايمان ورجاء نصر الله وثوابه. فالمؤمن المبتغي ما وعده الله من الثواب الدنيوي الاخروي. لا ينبغي له ذلك ولهذا قال تعالى وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين ثم سلاهم بما حصل لهم من هزيمة. وبين الحكم العظيمة المترتبة على ذلك فقال ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح فانتم وهم قد تساويتم في القرح. ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون. كما قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون انك ما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. ومن الحكم في ذلك ان هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر. والبر والفاجر فيداول الله الايام بين الناس يوم لهذه الطائفة ويوم للطائفة الاخرى. لان هذه الدار الدنيا منقضية فانية وهذا بخلاف الدار الاخرة فانها خالصة للذين امنوا وليعلم الله الذين امنوا هذا ايضا من الحكم انه يبتلي لانه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء. ليتبين المؤمن من المنافق. لانه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الاسلام من لا يريده. فاذا حصل في بعض الوقائع بعض انواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في في الضراء والسراء واليسر والعسر ممن ليس كذلك. ويتخذ منكم شهداء وهذا ايضا من بعض الحكم لان الشهادة عند من ارفع المنازل ولا سبيل لنيلها الا بما يحصل من وجود اسبابها فهذا من رحمته بعباده المؤمنين ان قيض لهم من اسباب ما تكره النفوس لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية النعيم المقيم والله لا يحب الظالمين. الذين ظلموا انفسهم وتقاعدوا عن القتال في سبيله. ولو ارادوا الخروج لاعدوا لهم عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين وليمحص الله الذين امنوا. وهذا ايضا من الحكم ان الله يمحص بذلك المؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم. يدل ذلك على ان الشهادة والقتال في سبيل تكفر الذنوب وتزيل العيوب. ويمحص الله ايضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين. فيتخلصون منهم ويعرفون المؤمن من المنافق ومن الحكم ايضا ان يقدر ذلك ليمحق الكافرين. اي ليكون سببا لمحقهم واستئصالهم بالعقوبة فانهم اذا انتصروا بغوا وازدادوا طغيان الى طغيانهم. يستحقون به المعادلة بالعقوبة رحمة بعباده المؤمنين. ثم قال وتعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين هذا استفهام هذا استفهام انكاري. اي لا تظنوا ولا يخطر ولا يخطر ببالكم ان تدخلوا الجنة. من دون مشقة واحتمال المكاره واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته. فان الجنة اعلى المطالب وافضل ما ما به يتنافس المتنافسون. وكلما عظم عظمت وسيلته. والعمل الموصل اليه. فلا يوصل الى الراحة الا بترك الراحة. ولا يدرك النعيم الا بترك النعيم. ولكن الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول اليه تنقلب عند البصائر منحا يسرون بها ولا يبالون بها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ثم وبخهم تعالى على عدم صبرهم بامر ان كانوا يتمنونه ويودون حصوله فقال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه. وذلك ان كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم ممن فاته بدر كانوا يتمنون ان يحضرهم الله مشهدا يبذلون فيه جهدهم. قال الله تعالى لهم فقد رأيتموه اي ما تمنيتم باعينكم وانتم تنظرون. فما بالكم وترك الصبر؟ هذه حالة لا تليق ولا تحسن. خصوصا لمن ان ذلك وحصل له ما تمنى. فان الواجب عليه بذل الجهد واستفراغ الوسع في ذلك. وفي هذه الاية دليل على انه لا يكره تمني الشهادة ووجه الدلالة ان الله تعالى اقرهم على امنيتهم ولم ينكر عليهم وانما انكر عليهم عدم العمل المقتضى والله اعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته