اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا انؤمن كما امن السفهاء على انه ولكن لا يعلمون. واذا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطين قالوا انا معكم انما نحن تهزئون. الله يستهزأ بهم ويمدهم في طغيان اولئك الذين اشتروا الضلال اتى بالهدى فما ربح تجارتهم وما كانوا مهتدين بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله سبحانه واذا قيل لهم لا تفسدون في الارض قالوا انما نحن مصلحون الايات. اي اذا نهي من هؤلاء المنافقون عن الافساد في الارض وهو العمل بالكفر والمعاصي ومنه اظهار سوائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين. قالوا انما نحن مصلحون. فجمعوا بين العمل الفساد في الارض واظهار انه ليس بافساد بل هو اصلاح قلبا للحقائق وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا. وهؤلاء اعظم جناية ممن يعمل بالمعاصي. مع اعتقاد تحريمها فهذا اقرب للسلامة وارجى لرجوعه ولما كان في قوله انما نحن مصلحون حصر للاصلاح في جانبهم وفي ضمنه ان المؤمنين ليسوا من اهل اصلاح قلب الله عليهم دعواهم بقوله الا انهم هم المفسدون. فانه لا اعظم افسادا ممن كفر بايات الله. وصد عن سبيل الله وخادع الله واولياءه. ووالى المحاربين لله ورسوله وزعم مع هذا ان هذا اصلاح. فهل بعد هذا الفساد فساد ولكن لا يعلمون علما ينفعهم وان كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة انما كان العمل في الارض افسادا. لانه سبب لفساد ما على وجه الارض من الحبوب والثمار والاشجار والنبات لما يحصل فيها من الافات التي سببها المعاصي ولان الاصلاح في الارض ان تعمر بطاعة الله والايمان به. لهذا خلق الله الخلق واسكنهم الارض. وادر عليهم رزاق ليستعينوا بها على طاعته وعبادته اذا عمل فيها بضده كان سعيا فيها بالفساد. اخرابا لها عما خلقت له. اي اذا قيل للمنافقين امنوا كما امن الناس اي ايمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الايمان بالقلب واللسان. قالوا بزعمهم الباطل انؤمن كما امن السفهاء يعنون قبحهم الله الصحابة رضي الله عنهم بزعمهم ان سفههم اوجب لهم الايمان وترك الاوطان ومعاداة الكفار والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك ونسبوهم الى السفه وفي ضمن ذلك انهم هم العقلاء ارباب الحجى والنهى. فرد الله ذلك عليهم فاخبر انهم هم السفهاء على الحقيقة لان حقيقة السفه جهل الانسان بمصالح نفسه وسعيها وسعيه فيما يضرها. وهذه الصفة منطبقة عليهم. كما ان العقل معرفة الانسان صالح نفسه والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره وهذه الصفة منطبقة على الصحابة والمؤمنين. فالعبرة بالاوصاف والبرهان لا بالدعاوى المجردة والاقوال الفارغة وهذا من قولهم بالسنتهم ما ليس في قلوبهم وذلك انهم اذا اجتمعوا بالمؤمنين اظهروا انهم على طريقتهم وانهم معهم فاذا خلوا الى شياطينهم اي كبرائهم من رؤسائهم بالشر قالوا انا معكم في الحقيقة وانما نحن مستهزئون بالمؤمنين باظهارنا لهم ان على طريقتهم فهذه حالهم الباطنة والظاهرة. ولا يحيق المكر السيء الا باهله. قال تعالى الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون. وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده. فمن استهزائهم به ومن استهزائه بهم من زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والاحوال الخبيثة حتى ظنوا انهم مع المؤمنين لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم. ومن استهزائه بهم يوم القيامة ان يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا اذا مشى المؤمنون فاذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين فما اعظم اليأس بعد الطمع ينادونهم الم نكن معكم؟ قالوا بلى. ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم. الاية قوله ويمدهم اي يزيدهم في طغيانهم اي فجورهم وكفرهم يعمهون اي حائرون مترددون وهذا من استهزاء لقائه تعالى بهم ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة احوالهم اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين اولئك اي المنافقون الموصوفون بتلك الصفات الذين اشتروا الضلالة بالهدى اي رغبوا في الضلالة رغبة المشتري في السلعة التي من رغبته فيها يبذل فيها الاموال النفيسة وهذا من احسن الامثلة. فانه جعل الضلالة التي هي غاية الشر كالسلعة. وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن. فبذلوا الهدى رغبة عنه في الضلالة رغبة فيها. فهذه تجارتهم فبئس التجارة صفقتهم فبئست الصفقة اذا كان من يبذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا فكيف من بذل جوهرة واخذ عنها درهما فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة واختار الشقاء على السعادة. ورغب في سافل الامور وترك عاليها فما ربحت تجارتهم بل خسر فيها اعظم خسارة. اولئك الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين وقوله وما كانوا مهتدين تحقيق لضلالهم وانهم لم يحصل لهم من الهداية شيء فهذه اوصافهم القبيلة والله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. الى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته