اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما حوله ذهب الله بنوره ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون او كصيد من السماء فيه ظلمات ورعد يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت. والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما فلهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا. ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم الله على كل شيء قدير. يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم الذي جعل لكم الارض فراشا السماء بناء وانزل من السماء فاخرج به من السمرات رزقا لكم. فلا اتجعلون الله اندادا وانتم تعلمون وان كنتم في ريب من ما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين. بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الله سبحانه مثلهم كمثل الذي كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات الله يبصرون ثم ذكر مثلهم فقال مثلهم كمثل كمثل الذي استوقد نارا الايات اي مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا اي كان في ظلمة عظيمة وحاجة الى النار شديدة من غيره ولم تكن عنده معدة بل هي خارجة عنه فلما اضاءت النار ما حوله ونظر المحل الذي هو فيه. وما فيه من المخاوف وامنها وما فيه من المخاوف وامنها وانتفع بتلك النار وقرت بها عينه وظن انه قادر عليها فبينما هو كذلك اذ ذهب الله بنوره فزال عنه النور وذهب معه السرور وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة فذهب ما فيها من اشراق. وبقي ما فيها من احراق فبقي في ظلمات متعددة. ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر. والظلمة الحاصلة بعد النور. فكيف يكون قالوا هذا الموصوف فكذلك هؤلاء المنافقون استوقدوا نار الايمان من المؤمنين. ولم تكن صفة لهم فاستضاءوا بها مؤقتا وانتفعوا وحقدت بذلك دماؤهم وسلمت اموالهم وحصل لهم نوع من الامن في الدنيا. فبينما هم كذلك اذ هجم عليهم الموت سلبهم الانتفاع بذلك النور. وحصل لهم كل هم وغم وعذاب. وحصل لهم ظلمة القبر وظلمة وظلمة الكفر وظلمة النفاق وظلمة المعاصي على اختلاف انواعها. وبعد ذلك ظلمة النار وبئس القرار. فلهذا قال تعالى عنهم صم اي عن سماع الخير بكم اي عن النطق به عمي اي عن رؤية الحق. فهم لا يرجعون لانهم تركوا الحق بعد ان عرفوه فلا يرجعون اليه. بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال فانه لا يعقل وهو اقرب رجوعا منهم ثم قال تعالى او كصيب من السماء اي كصاحب صيب وهو المطر. الذي يصوب اي ينزل بكثرة. فيه ظلمات ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة وظلمات المطر ورعد وهو الصوت الذي يسمع من السحاب وبرق وهو ضوء لامع المشاهد من السحاب كلما اضاء لهم البرق في تلك الظلمات مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا اي وقفوا فهكذا حالة المنافقين. اذا سمعوا القرآن واوامره ونواهيه. ووعده ووعيده جعلوا اصابعهم في اذانهم واعرضوا عن امره ونهيه ووعده ووعيده فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده وهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ويكرهونها كراهة صاحب الصيب. الذي يسمع الرعد فيجعل اصابعه في اذنيه خشية الموت. فهذا ربما حصلت له السلامة. واما المنافقون فانى لهم السلامة وهو تعالى محيط بهم قدرة وعلما. فلا يفوتونهم ولا يعجزونه فليحفظ عليهم اعمالهم ويجازيهم عليها اتم الجزاء ولما كانوا مبتلين بالصمم والبكم والعمل معنوي ومسدودة عليهم طرق الايمان. قال تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم الحسية فيه ففيه تخويف لهم وتحذير من العقوبة الدنيوية ليحذروا فيرتجعوا عن بعض شرهم ونفاقهم. ان الله على على كل شيء قدير. فلا يعجزه شيء. ومن قدرته انه اذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض. وفي هذه الاية وما اشبه رد على القدرية القائلين بان افعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى لان افعالهم من جملة الاشياء الداخلة في قوله ان الله على كل شيء قدير. هذا امر عام لجميع الناس بامر عام وهو العبادة الجامعة لامتثال اوامر الله واجتناب نواهيه وتصديق خبره. فامرهم تعالى بما خلقهم جملة قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ثم استدل على وجوب عبادته وحده لانه ربكم الذي ربى باصناف النعم فخلقكم بعد العدم وخلق الذين من قبلكم وانعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة فجعل لكم الارض فراشا تستقرون عليها وتنتفعون بالابنية والزراعة والحراثة والسلوك من محل الى محل وغير ذلك من الانتفاع بها وجعل السماء بناء لمسكنكم. واودع فيها من المنافع ما هو من ضرواتكم وحاجاتكم. كالشمس والقمر نجوم وانزل من السماء ماء والسماء هو كل ما على فوقك فهو سماء. ولهذا قال المفسرون المراد بالسماء هنا السحاب فانزل منه تعالى ماء اخرج به من الثمرات كالحبوب والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها رزق لكم به ترتزقون وتتقوتون وتعيشون وتفكهون. فلا تجعلوا لله اندادا اي اشباها ونظراء من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله وتحبونهم كما تحبونه وهم مثلكم مخلوقون مرزوقون مدبرون لا مثقال ذرة بارض ولا في السماء. ولا ينفعونكم ولا يضرون. وانتم تعلمون ان الله ليس له شريك ولا نظير. لا في الخلق والرزق والتدبير ولا في الالوهية والكمال. فكيف تعبدون معه الهة اخرى؟ مع علمكم بذلك هذا من اعجب بالعجب واسفه السفه. وهذه الاية جمعت بين الامر بعبادة الله وحده. والنهي عن عبادة ما سواه. وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة ما سواه. وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن انفراده بالخلق والرزق والتدبير. فاذا كان كل احد مقرا بانه ليس له شريك بذلك فكذلك فليكن اقراره. لان الله ليس له شريك في عبادته هذا اوضح دليل عقلي على وحدانية الباري تعالى وبطلان الشرك. فقوله لعلكم تتقون يحتمل ان المعنى اذا عبدتم الله وحده اتقيتم بذلك سخطه وعذابه. لانكم اتيتم بالسبب الدافع ذلك. ويحتمل ان يكون المعنى اذا عبدتم الله صرتم من المتقين. الموصوف الموصوفين بالتقوى وكلا المعنيين صحيح. وهما متلازمان. فمن اتى العبادة كاملة. كان من من المتقين ومن كان من المتقين حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق ما وصحة ما جاء به. فقال وان كنتم يا معشر الرسول الراضين دعوتهم الزاعمين كذبة في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا هل هو حق او غيره؟ فها هنا امر نسخ فيه الفيصات بينكم وبينه. وهو انه بشر مثلكم ليس من جنس اخر. وانتم تعرفونه منذ نشأ بينكم لا ولا يقرأ فاتاكم بكتاب اخبركم انه من عند الله. فقلتم انتم انه تقوله وافتراه. فان كان الامر كما تقولون فاتوا بسورة من مثله واستعينوا بمن تقدرون عليه من اعوانكم وشهدائكم فان هذا امر يسير عليكم خصوصا وانتم اهل والخطابة والعداوة العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم ان جئتم بسورة من مثله فهو كما زعمتم وان لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز فهذا اية كبيرة ودليل واضح حنجلي على صدقه وصدق ما جاء به فيتعين عليكم اتباعه. واتقاء النار التي بلغت في الحراة العظيمة والشدة ان كان وقودها ان كان وقودها الناس والحجارة ليست كناري الدنيا التي تنفذ بالحطب تتقد بالحطب وهذه النار الموصوفة عدة ومهيئة للكافرين بالله ورسله فاحذروا الكفر برسوله. بعدما تبين لكم انه رسول الله وهذه الاية ونحوها يسمونها اية التحدي. وهو تعجيز الخلق عن يأتوا بمثل هذا القرآن ويعارضوه بوجه. قال تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتوا لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وكيف يقدر المخلوق من تراب ان يكون كلامه ككلام رب ام كيف يقدر الفقير الناقص من جميع الوجوه ان يأتي بكلام ككلام الكامل الذي له الكمال المطلق والغنى الواسع من جميع الوجوه هذا ليس في الامكان ولا في قدرة الانسان. وكل من له ادنى ذوق ومعرفة بانواع الكلام. اذا وزن القرآن بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله وان كنتم في شك الى اخره دليل على ان الذي يرجى الهداية من الضلالة هو الشاك الحائر الذي لم يعرفه الحق من الضلالة. فهذا الذي اذا بين له الحق حري باتباعه ان كان صادقا في طلب الحق. واما المعارض الذي يعرف الحق ويتركه فهذا لا يمكن رجوعه. لانه ترك الحق بعدما تبين ولم يتركه عن جهل فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك الذي ليس بصادق في طلب الحق. وبل هو معرض غير مجتهد بطلبه فهذا في الغالب لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم دليل على ان اعظم اوصافه صلى الله عليه وسلم قيامه بالعبودية التي لا يلحقه فيها احد من الاولين والاخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام اسراء فقال الذي اسرى بعبده ليلا وفي مقام تنزيل القرآن عليه فقال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. وفي قوله اعد للكافرين ونحوها من ايات دليل لمذهب اهل السنة والجماعة ان الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة وفيها ايضا ان وان ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار. لانه قال اعدت للكافرين. فلو كان عصاة موحدين يخلدون فيها لم تكن معدة للكافرين وحدهم خلافا للخوارج والمعتزلة وفيها دلالة على ان العذاب مستحق باسبابه وهو الكفر وانواع المعاصي على اختلافها وصلى الله وسلم على نبينا محمد محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. الى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته